رواية في لهيبك احترق الفصل الرابع 4 بقلم شيماء يوسف
رواية في لهيبك احترق الجزء الرابع
رواية في لهيبك احترق البارت الرابع
رواية في لهيبك احترق الحلقة الرابعة
” لقد حررنى الله .. فليس لأحد ان يأسرنى ”
خطت بساقها اليمنى المرتعشة تعبر الخط الفاصل ما بين الظلام والنور بتوجس كطفل صغير يخطو أولى خطواته بقدميه الصغيرة المهتزة ويخشى السقوط ، أو كالعاجز الذى طال قعوده ولم يعد يتذكر أين موطأ قدمه فمد ساقه على استحياء يتأكد أولاً من ثبات الأرض أسفله ، بينما عادت برأسها للخلف تنظر إلى أعلى حيث السماء الملبدة بالغيوم حاجبة عن أعينيها أشعه الشمس الذهبية ، قبل أن تطبق بجفنيها مستقبله قطرات الماء المتساقطة بخفة فوق وجهها وتتحسس بلسانها شفتيها متذوقة طعم الماء العذب والذى حُرمت منه أشهر طويلة بينما هبت ريح خفيفة داعبت وجنتها وأنفها محمله برائحة المطر الفاتنة الممزوجة برائحة الأرض ، أنها الجنة كما تخيلتها ومنتهى غايتها خلال الأيام الغابرة ، أما على الطرف الأخر كان يقف فى أستقبالها كلاً من شقيقها مصطفى وشقيق والدها فؤاد ، وغفران ، صديقتها المخلصة والتى أكتسبتها فى أيامها العجاف ، كان شقيقها هو أول من ركض نحوها يحتضنها بين ذراعيه الهذيلة والابتسامة السعيدة تملئ وجهه بالكامل ، أحاطته رحمة بذراعيها هى الأخرى فى حين بدءت دموعها بالأنهمار تأثراً بتلك اللحظة والتى طالما حلمت بها ، وبعد الكثير من عبارات الترحيب والامتنان والشكر همست متوجهة بالحديث لشقيق والدها الأصغر :
-(( عمى .. لو سمحت ينفع تاخدنى أزور قبر ماما ؟! )) ..
سارع شقيقها يجيب بديلاً عن عمه بأعتراض بعدما لاحظ ملامحها المنهكة :
-(( قبر أيه دلوقتى يا رحمة بس !! خلينا نروح البيت أرتاحى شوية وبعدها أنا بنفسى بكرة هاخدك ونروح نقرالها الفاتحة سوا )) ..
اجابته رافضة بهدوئها المعتاد بعدما ألتفت برأسها نحوه :
-(( معلش يا مصطفى مش هرتاح غير لما أزور قبرها .. عشان خاطرى أعملولى اللى أنا عايزاه )) ..
أطاعها عمها قائلاً بأستسلام :
-(( ماشى يا رحمة .. اللى تطلبيه رغم ان رأيى من رأيى مصطفى بس هعمل اللى يريحك )) ..
مدت ذراعها الحرة تحتضن كفه حيث كانت الاخرى متمسكه بيد شقيقها تخشى أفلاتها حتى لا يذهب بعيداًعنها ثم قالت بأمتنان حقيقى :
-(( ربنا يخليكم ليا .. أنتوا الحاجة الحلوة اللى باقيالى فى دنيتى )) ..
أحضتنها عمها هو الاخر محاوطاً جسدها بحماية ثم بدءا فى التحرك حيث وجهتهم التالية أما عن غفران فقد قررت العودة إلى منزلها بعدما قطعت وعداً بمهاتفة رحمة فى المساء للاطمئنان عليها
****************
هتفت علياء مستفسرة من خلف باب غرفة والدها الموصد بينما كفها يطرق بخفوت فوقه :
-(( بابا .. حضرتك صاحى أدخل ؟! )) ..
أجابها والدها بصوته الحنون الأجش :
-(( تعالى يا تاج راس أبوكى .. أنا صاحى متخافيش )) ..
دلفت الغرفة امتثالاً لطلبه والابتسامة الناعمة تعلو محياها كالعادة ثم قالت بعدما انحنت بجسدها نحوه طابعة قبلة الصباح فوق جبهته :
-(( صباح الخير عليك يا حبيبي .. ها طمنى عامل أيه النهاردة )) ..
أجابها مبتسماً بعدما ضيق جفنيه فوقها يتفرس ملامحها :
-(( عبد الجواد اللى باعتك صح ؟! )) ..
أجابته متعلثمة دون النظر إلى عينيه :
-(( ليه بتقول كده ؟! )) ..
اجابها بمرح عكس ما كانت تتوقعه :
-(( وشك وأنتى داخله وبتضحكى بزيادة .. فهمت منه أن فى حاجة حصلت .. ها قوليلى الحكم )) ..
أجابته متمتة بحذر وخفوت :
-(( براءة )) ..
هز رأسه موافقاً ثم قال متقبلاً الأمر رغم نغمة الاحباط التى تملكت منه :
-(( الحمدلله )) ..
رفعت رأسها بعنف تنظر نحوه ثم قالت مرددة من بعده بأستنكار:
-(( الحمدلله !! )) ..
هز والدها رأسه مؤكداً ثم أردف يقول شارحاً بعدما تنهد مطولاً :
-(( اه الحمدلله .. من ساعه ما عمرو الله يرحمه حصله اللى حصل وانا كل ليلة فى صلاة الفجر بدعى ربنا لو البنت دى مظلومة حقها يبان .. كنت خايف عشان أسم عيلتنا تتاخد كبش فدا .. تكون مظلومة ويحكموا عليها عشان يراضونا .. خصوصاً وأنا عارف طاهر ممكن يعمل أيه )) ..
زمت علياء شفتيها للأمام مندهشة ثم عادت تسأله مستفهمة :
-(( يعنى أنت فرحان يا بابا عشان طلعت براءة !! .. ده جواد كان خايف عليك تزعل من الخبر .. ده بيقولى ع التليفون طاهر شوية وهيتجنن )) ..
ربت والدها “أنور” فوق كفها المحتضن ساعده بحب ثم قال معقباً بهدوء :
-(( مش قلتلك أنا أدرى الناس بطاهر .. عمرو رغم كل المشاكل اللى بينهم من أيام ريم .. الا أنه روح طاهر .. مقدرش ولا يقدر يستغنى عنه .. واى رد فعل يعمله دلوقتى ميتحسبش لانه مش هيكون طالع من العقل .. بس أنا عندى ولايا .. وأخاف أظلم بنت يتردلى فيكى .. عشان كده مرتاح للحكم ده .. وهفضل أدعى ربنا يظهر الحق ونعرف مين اللى عمل كده فى عمرو وحقه يرجع )) ..
حركت رأسها صعوداً وهبوطاً عدة مرات كأنها بذلك تحاول أدخال حديث والدها إلى عقلها بينما قاطع تفكيرها وهو يهتف من جديد بوده المعتاد معها :
-(( المهم .. سيبك من طاهر وجواد وكل العيال دى وقوليلى .. أنتى أخبارك أيه ؟!.. بقالك كام يوم مختفية عن عينى )) ..
همست تقول كاذبه بخفوت :
-(( الحمدلله يا بابا .. أنا كويسه )) ..
تأمل ملامحها التى تحاول أظهارها طبيعية أمامه لوهله ثم أردف يقول بفراسة :
-(( طب ومحمد ؟! )) ..
همهمت تجيبه بفتور واضح :
-(( الحمدلله .. هو كمان كويس وبيسلم على حضرتك )) ..
اعتدلت فى وقفتها وتحركت تقف خلفه ثم قالت محاولة تغير مجرى الحديث بينما كفيها تقبض على ذراعى الكرسى المتحرك من الوراء :
-(( ها يا سيدى .. قولى جاهز نتحرك ؟! )) ..
أبتسم والدها بتفهم قبل أن يقول بجدية :
-((عليا .. تعالى أقعدى قدامى شوية )) ..
تركت ذراعى المقعد خلفه وتحركت تجلس من جديد أمامه وعيونها الكبيرة تترقب ما يريد التفوه به فتحدث يقول بنبرة خفيضة تحمل حنين الماضى داخل طياتها :
-(( أنتى عارفة أنك الحاجة الحلوة اللى فى حياتى .. سيبك من الواد جواد ده .. ولا يسوى عندى شعرة منك .. كانوا يقولوا الصعايدة الواد عندهم أهم من البت .. بس جدك الله يرحمه كسر القاعدة دى .. واتجنن لما شاف عمتك عليا حته لحمة حمرا بين إيديه .. وكانت عنده بالدنيا واللى فيها وكلامها يمشى ع الكبير قبل الصغير .. والراجل قبل الست .. ومحبش حد قدها حتى أنا وعمك حكيم كنا عارفين كده .. وأما أنتى جيتى وشيلتك بين دراعاتى وصوابعك الصغيرة دى شبكت بأيدى .. أختصرتى بالنسبالى العالم .. وساعتها بس فهمت وعرفت ليه أبويا أتجنن بالبت دوناً عننا .. وسميناكى عاليا .. على أسم عمتك الغالية )) ..
أبتسمت علياء بسعادة وخجل وهى تغمغم بحب :
-((ربنا يرحمها ويخليك ليا )) ..
رمقها والدها بتلك النظرة الشغوف ثم أستطرد يقول مستكملاً حديثه :
-(( عشان كده أنتى غالية عندى .. ومش متمنى حاجة من الدنيا والأيام اللى بقيالى غير أنى أطمن عليكى .. صحيح أخوكى راجل .. وسيد الرجاله كمان .. وعارف أنه يحميكى ويفيض بعد ما أقابل وجهه كريم .. بس مراته لاء .. عمرى ما أرتحتلها وأخاف القلوب تتغير .. وبعد ما أموت تلاقى نفسك وحيدة من غير ضهر ولا حماية ولا سند .. عشان كده بطلب منك يا بنتى تكبرى عقلك .. عارف أنه كبير ويساع الدنيا كلها بس كبريه بزيادة وعدى .. محمد بيحبك .. وده المهم عندى .. وده اللى خلانى أتنازل عن حاجات كتير مقابل حبه ده عشان أموت وأنا مطمن أنك ف حمى راجل .. لا سكن ولا مال ولا جاه ينفع .. هو الحب والأحترام اللى يرضينى .. ومفيش خطوبة بتمر من غير مشاكل .. بس بنت الأصول هى اللى بتعدى وتتحمل عشان المركب تمشى .. فهمانى يا علياء )) ..
تنهدت علياء بقوة ثم أجابته على مضض وهى تربت على كفه مطمئنة :
-(( متخافش يا بابا متحملة .. وكل اللى تؤمرنى بيه هيتنفذ .. متقلقش )) ..
أنفرجت أساريره وأنشرح صدره ثم هتف يقول بأرتياح :
-(( الله يطمن قلبك يا بنتى ويرضى عنك .. دلوقتى قلبه يرتاح فى غربته زى قلبى )) ..
ضيقت أهدابها فوقه فعاد يقول من جديد وهو يغمز لها بأحدى عينيه :
-(( بيحبك وميقدرش مترديش عليه يومين .. يجرى يقول ألحقنى .. بس أنا مقلتش حاجة ها )) ..
أبتسمت بفتور وهى تعود لتقف خلفه وتبدء فى دفع الكرسى المدولب متمتة بحزن :
-(( اللى فيه الخير يقدمه ربنا )) ..
***********************
دلف إلى منزل والدته حيث تقيم وعينيه تجول المكان متلهفة للبحث عنها بينما سارعت هى بمجرد إستماعها إلى خطواته أمام باب المنزل تركض نحو غرفتها تختبئ بها تاجيلاً لذلك اللقاء المحتوم ، ألقى بدر تحية الظهيرة على والدته التى طلت من المطبخ على صوته يقول :
-((أزيك يا ست الكل )) ..
فأجابته بترحاب قبل أن تتسائل بقلق :
-(( الحمدلله يا حبيبى .. خير طمنى .. جاى بدرى مش بعادتك يعنى ؟! )) ..
تنحنح مطولاً يحاول أختلاق حجة تبدو منطقية قبل أن يقول بهدوء قدر الامكان :
(( لا خير أطمنى .. النهاردة كان البنك مريح شويه فقلت أخد إجازه نص يوم )) ..
هزت رأسها موافقة بعدم أقتناع فى حين عاد هو يمسح بعينيه الممر المؤدى للصالة ثم أشرأب بعنقه ينظر داخل المطبخ عل وعسى تطل من خلف والدته قبل أن يتسائل مدعياً التلقائية :
-(( أومال فين أفنان يعنى مش بتساعدك ليه ؟! )) ..
أجابته بخبث وهى تحاول السيطرة على الأبتسامة السعيدة التى تهدد بالظهور وكشف أمرها :
-(( تلاقيها فى الأوضه جوه .. وبعدين خليها ترتاح مش بعمل حاجه مهمة يعنى )) ..
تنهد بأرتياح وكفه تشق طريقها نحو مؤخرة رأسه لفركها ثم قال بتوتر :
-(( طب يا أمى أنا مرهق وعايز أرتاح شوية .. بعد أذنك هدخل الأوضه أنام )) ..
لم ينتظر حتى الجواب منها فبعد نطقه بتلك الكلمات سارع يقتحم الغرفة بترقب شديد بينما قلبه يدوى كمراهق صغير يقدم على ذلك الفعل لأول مرة فى حياته ، أما عنها هى فقد كانت تستمع إلى كلماته من خلف الباب المغلق بأنفاس مكتومة تنتظر ولوجه فى أى لحظه وبالفعل عندما تهادى إليها وقع خطواته تقترب شيئاً فشئ من غرفتهم المشتركة هرولت بأتجاه طاولة الزينة تمشط شعرها مدعية بذلك الأنشغال ، دلف هو بهدوء بعدما أغلق الباب خلفه جيداً وترك عينيه تتعلق بأشتياق لسلاسلها الذهبية التى تموج خلف ظهرها متمايلة مع كل حركة رأس منها تاركة النيران تشتعل فى جسده من جديد متذكراً البارحة ، وتقاربهم الأول الذى تركته حائراً خصوصاً بعد تجاوبها المذهل معه ليلة أمس، ولولا صدمته من تلك الاحاسيس التى اجتاحته للمرة الأولى وقرر على خلفيتها الهرب منها ومن نفسه لكان نفذ ما يجول بخاطره الان نحوها وما جعل النوم يجافيه طوال ليلة البارحة ليقرر اليوم ترك كل ما فى يده والعودة إليها ، وعنها هى لم تكن بالحال الأفضل منه فمع كل خطوه يخطيها نحوها ترتفع وتيرة أنفاسها وخفقات قلبها ترقباً للمسة أخرى منه تحلق بها فوق السحاب ف”بدر” بالنسبه إليها كنجم سينمائى لامع أو أقرب ما يكون لبطل رواية خرج أمامها من العدم وجعلها تعايش كل تلك الامور بطريقة أكثر من مثالية ، وقبلته البارحة أكبر دليل على ذلك فهى الفتاة القروية البسيطة مشدوهه بكل شئ متعلق به وكل حركه تصدر عنه بداية من جسده المتناسق المشدود والملئ بالعضلات مروراً ببذلات عمله الرسمية الأنيقة وتسريحة شعره المميزة إلى إبتسامته الهوليودية الجذابه جنباً بجنب مع طريقته فى الحديث والتعامل معها بكل تحضر حتى عندما تجنبها فى الشهر الاول من زواجهم لم يثنيه ذلك عن معاملتها برفق وتمدن ، قاطع سيل أفكارها المتدفق نحوه وإليه وذراعه الذى حاوط خصرها قبل أن تشق رأسه طريقها نحو تجويف عنقها هاسماً بشغف :
-(( مفيش حمدلله ع السلامة ليا )) ..
أرتفعت حرارة الغرفة من حولها وبدء كفها يرتعش فى رد فعل تلقائى لشفاه التى تتلمس عنقها وتنزلق إلى أسفل ناثراً قبلات متفرقة فوقها ترقباً لما هو آت دون القدرة على التفوه بحرف واحد مما جعله أكثر من سعيد برد فعل جسدها المستجيب إليه بتلقائية شديدة ، متذكراً ، أنها تختبر كل ما يفعله بها ومعها دون سابق خبرة أو تجربة وكم أشعره ذلك بالأنتشاء مقرراً بدء حياة طبيعية بينهم ومتناسياً زوجته الاولى التى تنتظره الليلة للتحدث عن مستقبلهم وخطواتهم التالية فى الحصول على طفل وحياة سعيدة ، همست “أفنان “بعد فترة بخجل فطرى تستوقفه :
-(( سى بدر)) ..
رفع راسه ينظر إلى وجهها وابهامه فوق شفتيها قبل أن يقول معترضاً بحشرجة :
-(( شششش .. النهاردة مش عايز أى أعتراض أو كلام )) ..
لم تملك سوى تحريك رأسها موافقة وتركه يتسلم الدفة فكل ما عليها فعله هو طاعته والأستماع إلى أوامره وتنفيذ رغباته ، هكذا ترعرعت وهكذا أوصتها والدته قبل توقيعها عقد زواجهم .
*******************
وقف داخل غرفته الخاصة يتابع بعينيه ثورة إبن عمه الغاضبة وردود فعله الهائجة والتى لم تهدء حتى الأن !! ، فمن يرى الغرفة يظن أن وحشاً كاسراً يقيم بها وليس أنسان طبيعى ذو قدرات محدودة فجميع محتوياتها بلا أستثناء اصبحت حطاماً ، ورغم قرار جواد بعدم التدخل وتركه ينفث عن غصبه بشكل كامل كيفما يشاء الأ أنه أكتفى ، فلقد مر أكثر من خمسه ساعات على قرار المحكمه وهو لازال مهتاجاً يخشى الجميع الأقتراب منه ، وعليه خط جواد بساقه حذراً فوق الأرضيه المليئه بالقطع الخشبية المحطمة وبقايا الزجاج المنثور يقطع المسافة بينهم حتى توقف أمامه ثم همس قائلاً بترقب :
-(( طاهر .. ممكن تهدى وتاخد نفسك شوية ؟!)) ..
حدجه الأخر بنظرات هائمة كالشريد ، لا يعى لما يدور من حوله ورغم كل ثورته العارمة وملامحه الغاضبة ألا أنه أستطاع رؤية الدموع تلمع بداخل مقلتيه فعاد يهتف بأشفاق :
-(( عارف أنك فى صدمة وأن جرحك النهاردة أتفتح من جديد .. بس كل اللى بتعمله ده مش هيفيدنا بحاجه .. أهدى شويه عشان نفكر بعقل )) ..
هنا صرخ طاهر يتسائل بسخط :
-(( اهدى ليييييه !!! .. وأفكر فى أيه !!! موتته واخدت براءة .. عقل أيه اللى أفكر بيه !!! ده حكم بائت !! .. عارف يعنى أيه !!! .. يعنى حق أخويا راح خلاص )) ..
لم يجد جواد ما يتفوه به لمواساة صديقه وإبن عمه رغم أقتناعه بالمحاكمة وما صدر عنها فحيثيات الحكم تبرأها تماماً وبشكل مقنع من كل التهم الموجهه إليها ، فآثر الصمت وعاد يتابعه من جديد بعينيه بينما همس الاخر مغمغاً بتفكير :
-(( أنا لازم أعرف هى عملت كده ليه ومين وراها )) ..
جذب حديثه أنتباه جواد فسارع يساله متشككاً :
-(( قصدك أيه يا طاهر ؟! )) ..
هتف مفسراً بأصرار :
-(( يعنى رائف منساش القديم .. وهما الأتنين لعبوا عليا أنا وعمرو .. بس ورحمة أبويا وأمى وعمرو ما هسيب حقه حتى لو أخر يوم فى عمرى )) ..
قطب جواد جبينه بتوجس ثم هتف متسائلاً بأرتياب :
-(( يعنى قصدك !!! رائف ورا قتل عمرو ؟؟ )) ..
أجابه مؤكداً بعدما أمعن التفكير :
-(( هى حاجة من الاتنين .. يا البت دى نفذت بنفسها بس عرفت تنفذ جريمتها صح وتبعد عنها كل الشكوك .. يا متفقه مع حد ينفذ بديل عنها عشان التهم كلها تسقط من عليها .. وأنا متأكد فى الحالتين رائف ليه علاقة )) ..
مسح جواد وجهه بباطن كفه بحيرة قبل أن يعاود التساؤل بعجز :
-(( طب وبعدين ؟! .. هنتأكد من الكلام ده أزاى ! )) ..
هز طاهر رأسه بشراسة قبل أن يقول بتصميم وهو يهرول إلى خارج الغرفة :
-(( دلوقتى .. وحالاً .. )) ..
هرول جواد من خلفه هاتفاً بقلق :
-(( طب قولى ناوى على أيه ؟! )) ..
التفت طاهر يجيبه بعُجالة مبتعداً بخطواته عنه :
-(( مش هسيبها غير لما أعرف الحقيقة )) ..
حرك جواد رأسه بيأس والقلق يزداد بداخله ، فإذا صدقت شكوك طاهر فيما يتعلق برائف ستعود نيرانهم عدواتهم لتحرق الجميع من جديد .
*******************
ولجت داخل منزلهم مرة أخرى بعد غياب طال خمسة أشهر كاملة ، ألتفت رحمة برأسها تنظر بأشتياق شديد إلى كل ركن من أركان المنزل والدموع تتلألأ داخل مقلتيها حزناً وفرحاً معاً ، فرغم أمتنانها لعودتها سالمة يبقى بداخلها غصة ، ألماً على فرق والدتها الراحلة ، تأملها شقيقها مطولاً ثم عاد يسألها للمرة الثالثة بقلق بسبب ملامح وجهها الشاحبة :
-(( ريمو أنتى كويسة ؟! شكلك تعبان فعلاً )) ..
تنهدت مطولاً ثم أجابته بخفوت مطمئنة رغم الألم الذى بدء يجتاح جسدها بأكمله :
-(( متخافش أنا كويسة .. محتاجه بس أخد دش طويل وأنام مش أكتر )) ..
قال عمها الذى كان يقف جوارها موجهاً الحديث إليها :
-(( روحى يا رحمة أرتاحى .. وانا هنا موجود لو أحتاجتى حاجة )) ..
قاطعته قائلة بأصرار :
-(( لا يا عمى .. مصطفى قالى أنك هنا بقالك يومين عشان المحكمة وسايب الولاد لوحدهم فى القاهرة .. أتفضل أنت سافر ولو احتجنا حاجة هبلغ حضرتك متقلقش )) ..
هتف عمها قائلاً بحزم :
-(( هبات معاكم النهاردة وأسافر بكرة الصبح .. مش عايز ولا كلمة ولا أعتراض !! .. ويلا على أوضتك على ما مصطفى يحضر الغدا )) ..
قاطع نقاشهم دوي طرقات عنيفة ومتتالية فوق باب المنزل جعلت شقيقها الأصغر يهرول نحوه ليرى هوية الثائر والذى لم يكن سواه ، أنقبض صدرها وشعرت بتلك البرودة تعاود تغليف جسدها مع ضيق فى التنفس ناتج عن أنغلاق رئتيها ترقباً لما هو آت ، وللمرة الثانية خلال هذا اليوم يصيبها ذلك الرجل بما لا يستطيع غيره وكأنها فى حضرته تتحول لمذنبة حقيقة وليست ضحية كمثيلها الذى فارق الحياة ، تراقبه بأنفاس مكتومة وهو يقطع المسافة الضئيلة الفاصلة بينهم بنظرات نارية تحمل بطياتها كل أنواع الوعيد ، ورغم أرتجافة قلبها من أنفعالاته ورغبتها الملحة فى الركض من امامه والأحتماء بداخل غرفتها وقفت تنظر نحوه بثبات هش تُحسد عليه وكأن ثورته تلك لا تعنيها ، الأمر الذى زاد من حنقه عليها فقبض على مرفقها يسحبها بعنف وهو يقول بنبرة عدائية صريحه :
-(( لو عايزه تشترى عمرك يبقى تقوليلى دلوقتى حالاً مين اللى زقك على اخويا ! )) ..
أشعل فتيل غضبها بتعديه الصريح بغير وجه حق ولمسته لجسدها الذى أنتفض رافضاً بينما دفعت يده التى لامست ذراعها بحنق وهى تصيح بأشمئزاز :
-(( أبعد إيدك دى عنى انت اتجننت !! ازاى تجرء وتلمسنى كده !! )) ..
يا لجرئتها !! أتدعى الفضيلة أمامه بعد قضائها ليلة كاملة مع شقيقه !! وياليته الاول ! ، أنها حقاً ممثلة ماهرة ! ، هذا ما فكر به وهو يبتعد عنها ورغم ذلك ظل يحاصرها بجسده فهو لا ينتوى تركها ألا بمعرفة الحقيقة الكاملة حتى لو كلفه ذلك عمره بأكمله ، فى حين سارع عمها بالوقوف كحائل بينهم مدافعاً عن إبنه شقيقه الضعيفة قبل أن يقول مهدداً بحدة :
-(( أطلع بره قبل ما أطلبك البوليس دلوقتى حالاً )) ..
أصدر طاهر صوتاً من حلقه ينم عن السخرية مع فمه الذى التوى بشبح إبتسامة متهمكة ثم قال بأستحقار :
-(( وانت بقى تقدر تعملى إيه !! )) ..
تشنجت ملامحه وتجعد جبينه ثم استطرد يقول بشراسة :
-(( لا انت ولا غيرك يقدر يمشينى قبل ما اعرف منها قتلته ليه وعشان مين !! )) ..
أحتد النقاش بينهم وتعالت الأصوات خاصةً بعد تدخل شقيقها فى النقاش الامر الذى أدى إلى جذب أنتباه بعض الجيران ليسارع بعضهم فى الهبوط ودخول المنزل ونجدة إبنه حارتهم الشعبية ، ووسط كل ذلك الأحتدام تفاجئت رحمه بدخول حارسين شخصين ظهرا أمامها من العدم ، أو ربما كانا يقفان هناك منذ البداية ولم ترى سواه فوجوده يحجب عنها رؤيه الجميع عداه ! ، راقبت الأشتباك وتبادل الجميع اللكمات وهى تقف عاجزة لا تقوى على شئ خصوصاً مع أزياد حدة تنفسها حتى أضحت تشبه الصفير ، ولم يعيدها لوعيها سوى يده التى قبضت على معصمها يجرها خلفه إلى خارج المنزل ومنه إلى الشارع الرئيسى حيث تنتظره سيارته ، قاومت بكل ما أوتيت من قوة وصرخت حتى أنقطعت أحبالها وتجمهر حولها عدد من الرجال يشاهد جميعهم الموقف دون تدخل ، فبعضهم أكتفى بالمراقبة والبعض الاخر أكتفى بتصوير ما يحدث من خلال شاشة هاتفه ، حينما دفعها طاهر جبراً داخل السيارة قبل أن يصعد جوارها طالباً من سائقه التحرك بعدما قال بأنفاس متهدجة :
-(( بطلى صريخ !! جاوبينى على اللى عايز أعرفه وهسيبك )) ..
لكمته فى صدره وعضده عدة مرات قبل ان تخور قواها وتُخْمِد مقاومتها سريعاً بسبب ضيق التنفس الذى أضحى يصيبها مع كل أنفعال يصدر عنها تراقب السيارة تشق طريقها خلال الظلام نحو منزله الواقع على أطراف المدينة .
*******************
وقفت أمام المرأة تتأمل مظهرها للمرة الأخيرة قبل أستماعها لقلقة مفاتيحه أمام الباب يليها دخوله للمنزل ، بينما قطب هو جبينه بأستنكار وهو يرى أضواء الشموع تُلقى بظلالها الناعمة فوق صحون الطعام المرصوصة بعناية بالغة فى جو شاعرى حميم ، وضع بدر مفاتيحه وهاتفه فوق طاولة الطعام بترو ثم رفع رأسه يتأمل تلك التى تسير نحوه بزيها الأحمر النارى حتى توقفت أمامه وغمغت بأبتسامتها السعيدة مرحبة :
-(( حبيبي .. حمدلله ع السلامة وحشتنى )) ..
ضيق عينيه فوقها وأنحنى يستقبل عناقها والقبلات التى طبعتها فوق كلتا وجنتيه ثم قال كإجابة أقرب منها لسؤال :
-(( مادام مبسوطه كده يبقى الحكم النهاردة كان فى صالحك )) ..
أجابته بفخر بعدما أنتفخت أوداجها زهواً :
-(( اللى قدام حضرتك دلوقتى .. مش بس أنقذت واحده غلبانة من حبل المشنقة .. لا وكمان جبت براءه ومن أول جلسه نقد وحياتك )) ..
أبتسم بأقتضاب فعاودت تضيف بحميمة وهى تمد يدها نحوه وتحتضن كفه داخل خاصتها كى تحثه على الجلوس :
-(( ممكن بقى ننسى كل حاجة النهاردة الأ أنا وانت .. خلينا نتعشى الأول عشان عندى كلام كتير أوى عايزة أقولهولك )) ..
حرك رأسه موافقاً على مضض وأطاعها جالساً دون تعقيب حيث بدء عقله فى الشرود مع تفاقم الأحساس بالذنب داخله فقد عاد إليها مجبراً بعد ما حدث فى الصباح وطوال طريقه للعودة كل ما كان يفكر به هو الركض مرةً أخرى إليها والارتماء داخل أحضان زوجته “أفنان” ، وبعد فترة من الصمت التام من جهته أرتفع رنين هاتفها قاطعاً حالة السكون التى خيمت على الغرفة من حولهم ، تجاهلته غفران للمرة الأولى ومع ألحاح المتصل قامت تجلب هاتفها بعدما أعتذرت منه تستبين هوية المتصل وسرعان ما أجابت بعد رؤيه أسم “مصطفى” شقيق رحمة يملئ شاشتها ، شحبت ملامحها وتحشرج صوتها وهى تسأله بأستنكار :
-(( يعنى أيه خطفها يا مصطفى !!! أنت بتتكلم جد !! أخدها ومشى غصب عنكم أزاى )) ..
جاوبها الطرف الأخر ملتاعاً بحسره :
-(( معرفش والله يا أبلة غفران .. هو جه البيت وكان متعصب وبدءنا نتخانق وبعدين الناس اتلمت وفجأة رحمة أختفت .. الله يخليكى ألحقيني وقولي نتصرف أزاى )) ..
زفرت بعنف وبدءت تقضم أظافر أصابعها ثم قالت بضيق :
-(( أقفل يا مصطفى ومسافة السكة هتلاقينى عندك .. أقفل )) ..
كان بدر يتابع حديثها بأهتمام جلى وعند نطقها بالجملة الأخيرة ألتوى ثغره ساخراً فى حين هتفت هى بحرج يشوبه الكثير من التوسل :
-(( بدررر )) ..
قاطع جملتها قائلاً بجفاء :
-(( روحى يا غفران )) ..
أضافت تقول مبررة بأعتذار :
-(( والله لو مكنتش حاجة مهمة وجداً كمان مكنتش نزلت صدقنى انا أسفه )) .
اومأ برأسه متفهماً ولم يعقب فى حين عاد عقله للعمل مرةً أخرى ، فتلك الموافقة لم تكن سوى لأراحة ضميره ، فاليوم تحديداً لم يكن ليقوى على ممارسة حياة زوجية طبيعية معها ، وذلك الأتصال جاءه كنجدة من السماء لأنقاذه من وخز التأنيب .
وفى وقت قياسى لم يتجاوز نصف الساعه كانت غفران الواقفة أمام منزل رحمة تهتف مستنكرة ومؤنبة للجمع الواقف أمامها بحنق شديد :
-(( يعنى أيه بنت تتخطف من قدامكم وأنتوا واقفين ساكتين !! راحت فين شهامة ولاد البلد يا رجالة !! مين كان يقدر عليكم لو كنتوا وقفتوا كلكم قدامه راجل واحد !! )) ..
طأطأ الجميع راسه للأسفل بخزى عدا مصطفى الذى هتف يقول متحسراً :
-(( رجالته اتكاتلوا علينا يا أبلة غفران فوق .. وعقبال ما ركزت بصيت ملقتهاش .. انا مش هكست غير لما أرجع أختى وانشاله أروح فيها )) ..
هزت غفران رأسها موافقة بتصميم قبل أن تغمغم قائله بعزم :
-(( محدش فينا هيسكت .. دلوقتى هقدم بلاغ فيه ولو وصلت هقدم بلاغ للنائب العام وأفضحه فى التلفزيون وكل البرامج .. البلد مش سايبه )) ..
أسترعى حديثها أنتباه ذلك الشاب الذى كان يوثق بهاتفه تلك اللحظات فسارع يقول بلهفة كاشفاً عما بجعبته :
-(( يا ست الأستاذه .. أنا معايا حاجة ممكن تنفعك )) ..
ألتفت بكليتها تنظر إلى ذلك الشاب الذى أخرج هاتفه وقام بتشغيله ثم أعطاه لها كى تشاهد ذلك الفيديو حيث تُدفع موكلتها داخل أحدى السيارات قصراً ، ألتمعت عينيها بسعادة ويدها تشق طريقها نحو جيب بنطالها تخرج منه هاتفها قبل أن تطلب من ذلك الشاب أرسال ذلك المقطع المصور إلى هاتفها المحمول وبعد الأنتهاء من تلك المهمة هاتفت أحدى صديقاتها تطلب منها برجاء :
-(( أيوة يا أمل .. بصى أسمعينى كويس .. هبعتلك فيديو دلوقتى على الواتس اب .. عن بنت بيخوفها واحد من رجال الاعمال .. أستغلى كل نفوذنا جوة الجمعية وبراها .. ولو عرفتى توصلى لحد من معدين برامج التوك شوز عشان نوصله الفيديو يبقى حلو اوى .. عايزه قبل بكره الصبح يا أمل الفيديو وشوية صور منه يملوا كل مواقع التواصل .. هبعتلك الفيديو دلوقتى ومعاه التفاصيل اللى المفروض تعرفيها عن هوية الخاطف والمخطوفة )) ..
أجابتها صديقتها مطمئنة بإيجاب مع وعد بتنفيذ كل ما تستطيع تنفيذه أنهت غفران المكالمة وهى تغمغم بتوعد :
-(( أبقى ورينى بقى يا طاهر بيه هتعرف تعمل أيه بعد ما تتقلب عليك )) ..
**********************
أنتهى من أرتداء منامته البيتيه ثم تسلل جوارها فوق الفراش وظل يتابعها بعينيه حيث تركيزها بأكمله منصب فوق شاشة هاتفها ولم تعي بنظراته المسلطة فوقها ، فقد كانت تحملق بشاشة هاتفها كالمفتونة والأبتسامة البلهاء لا تفارق شفتيها ، مما جعله يهتف متسائلاً بشك :
-(( بتكلمى مين ؟! )) ..
أعادها صوته إلى أرض الواقع فسارعت بأطفاء شاشة الهاتف ووضعه جوارها أولاً بوضعية مقلوبة ، ثم أجابته كاذبه بأبتسامة مصطنعة :
-(( دى ياسمين صاحبتى يا بيبي .. عايزة تقابلنى بكرة .. أصلها مضايقة ومتخانقة مع جوزها)) ..
حرك جواد رأسه موافقاً قبل أن يهتف متذكراً :
-(( أه صحيح .. عملتى ايه لما خرجتى مع علياء ؟!.. نسيت أسالك من كتر الحاجات اللى حصلت )) ..
تبدلت ملامحها وعبس جبينها ثم أجابته قائلة بأنكسار :
-(( معملتش حاجة .. علياء قالتلى ملهاش مزاج تخرج .. بس هتنزل عشانى لو أنا مصممة .. وبصراحة اتحرجت أصر عليها فسكت ))..
قطب جبينه بأستغراب ، فهذا الأتفاق كان بينه وبينه شقيقته فقط !! ، كيف أخبرتها به علياء ثم رفضت بعدها الذهاب معها ! ، حسناً فى الصباح سيتحدث مع شقيقته ويستوضح كل شئ ، هذا ما قرره قبل أن تقاطع هى تفكيره قائلة بتوسل :
-(( بيبى .. عشان خاطرى خلى الكلام ده بينى وبينك )) ..
صمتت لوهله تطالع ملامحه الشاردة ثم أردفت تقول بمكر :
-(( هو أنا عارفة ومتأكده أنهم مش بيحبونى ولا بيحبوا يفضلوا معايا رغم أنك بتحاول تقنعنى بغير ده .. بس المرة دى علياء ملهاش ذنب .. واضح أنها كانت مضايقة وعرضت عليا من باب الذوق ولما الكلام جاب بعضه صارحتنى أنها ملهاش مزاج تنزل .. فبليز بلاش تقولها أنى قلتلك حاجة وبلاش تضغط عليها )) ..
حرك جواد رأسه موافقاً بأقتضاب ، فذلك الامر بين زوجته وعائلته يرهقه ذهنياً أكثر من مشاكل العمل بحد ذاتها ، خاصةً وهو يقف بينهم فى المنتصف لا يستطيع أرضاء طرف على حساب الأخر ، قاطع تفكيره يدها التى أمتدت تتحسس صدره العريض وهى تقول بدلال :
-(( حبيبى .. قلت أيه .. هقابل ياسمين بكره ها .. كفاية أن علياء كنسلت معايا )) ..
أجابها موافقاً برضا :
-(( مفيش مشكلة .. قابليها وأبقى طمنينى عليكى )) ..
هتفت بحماس بعدما أنحنت نحوه تطبع قبلة ممتنة فوق وجنته :
-(( ربنا يخليك ليا يا أحلى جود فى الدنيا )) ..
أحكم حصار يده فوق خصرها يمنعها من الأبتعاد ثم قال غامزاً بعبوث :
-(( طب تعالى نتكلم فى حاجة مهمة )) ..
اومأت برأسها موافقة وهى تبتسم بخجل بينما يزداد هو أقتراباً منها ..
*********************
واصل دفعها للداخل بعد توقف سيارته أمام معزله ، ذلك المنزل المتطرف من حيث بعده عن قلب المدينة ووقوعه داخل مدينه برج العرب الصناعية والذى أتخذه مسكناً هادئاً وبعيداً عن الجميع بعد تخلصه من تلك الزيجة الفاشلة ولم تطأه سوى أقدام عائلته الصغيرة ومديرة منزله ، دفعها فى أتجاه أحدى الغرف لتدلفها غير عابئاً بمقاومتها الضعيفة الشبهه معدومة ، ثم ومن بعد دخوله أغلق باب الغرفة من خلفها وظل ينظر إليها بغضب بينما هى تحاول جاهدة تنظيم وتيرة أنفاسها من فرط المجهود وخلال لحظات صاحت به معنفة :
-(( أنت أنسان مش محترم .. وأوعى تفكر أن اللى حصل ده هيعدى على خير .. لأن أكيد أهلى هيلاحظوا غيابى وهيبلغوا البوليس )) ..
تقدم هو نحوها بصمت فسارعت تقول بتوتر محذرة رغم أهتزاز صوتها :
-(( إياك ثم إياك تفكر تمد إيديك دى عليا تانى أو تحاول تلمسنى سامع !! )) ..
ألتوى ثغرة بنصف أبتسامة سخرية فى حين حدقتها عيناه بعدة نظرات مزدرية قبل أن يقول بأشمئزاز واضح :
-(( خلصتى مسرحية الشرف بتاعك دى ولا لسه فى مشهد كمان !! .. عمتاً خلينا فى المهم عشان وقتى ووقتك وجاوبينى .. نفذتى الجريمة بنفسك ولا حد ساعدك عشان تطلعى منها ؟! )) ..
تقوّص حاجبيها بأستنكار قبل هتافها به بحده :
-(( انت بتقول أيه )) !! ..
تعمد مد ساقه خطوة للأمام مع رفع ذراعه نحوها قبل تفاجئه بها تهدر محذرة بعنف بعدما رفعت أبهامها المرتجف أمام وجهه :
-(( قلتلك إياك تقرب )) ..
وجد نفسه يتراجع للخلف تلقائياً دون وعى منه ، فبالطبع لم يفعل ذلك رأفه بها ، كل ما فى الأمر رؤيته للأرتجافة التى أصابت ذراعها وأصبعها ، ولم تكن نشأته لتسمح له فى أستخدام قوته أو سلطته على امرأة ، هذا ما برر به تراجعه قبل أن يقول بجمود :
-(( من حسن حظك انك ست .. ومن سوء حظى أن أتربيت على أحترام الست حتى لـــو …. )) ..
مط كلمته الأخيرة ثم تركها ناقصه ، أما بالنسبة إليها لم تكن تحتاج لمترجم لفهم مغزى جملته ، وبعد وهله من الصمت أستطرد يضيف :
-(( وعشان معنديش وقت أضيعه عليكى .. خليكى عارفه حاجة واحدة .. مفيش خروج من هنا غير لما أعرف الحقيقه .. والقرار ليكى )) ..
أستدار تاركاً الغرفة بأكملها بعد أنتهاء حديثه وبعد خروجه تأكد من غلق الباب خلفه جيداً ، فى حين هرولت هى “رحمة” تحاول تحريك مقبض الباب رغم علمها المسبق بأستحالة حدوث ذلك ، وبعد عدة محاولات بائسه ارخى الصمت خلالها بظلاله على الغرفة ، سارت نحو الفراش الوثير الموضوع بداخلها تستلقى فوقه متلمسة الراحة حيث بدءت تشعر بأرتفاع حرارتها مع ألم يضرب مقدمه معدتها وجسدها بأكمله .
أما خارج الغرفة صاح طاهر الذى كان يسير بخطوات متشنجة مستدعياً مدبرة منزله وبمجرد وصولها إليه هتف يقول آمراً بعبوس :
-(( خدى بالك اللى جوه دى تتحرك .. راقبيها كويس .. وقبل كل ده أبقى حطيلها أكل لحسن تموت واشيل ذنبها )) ..
أومأت “أم الحسن” برأسها موافقة بينما تحاول بلع فضولها بداخلها فللمرة الأولى ومنذ الطلاق ، يستضيف مخدومها سيدة داخل ذلك المنزل بخلاف زوجة عمه وأبنتها .
*****************
وفى صباح اليوم التالى كان يجلس واضعاً ساق فوق الاخرى داخل غرفة مكتبه بأسترخاء بينما يجلس أمامه جواد الذى كان يحرك ساقه بعصبية شديدة ، ألتوى ثغر الاول بأبتسامة ثقه عند أستماعه لجرس الباب الخارجى للمنزل وبعد دقيقة من الصمت هرولت مدبرة منزله تهتف أسمه بلهفه حتى توقف امامه ثم قالت بذعر :
-(( طاهر بيه .. فى ظابط واقف برة وطالب حضرتك )) ..
أمرها بالأنصراف بعدما طلب منها بصوته العميق الهادئ أحضار الضيفة إلى صالة الأستقبال ثم بعدها وبنفس الهدوء سار نحو القوة الواقفة أمام باب المنزل الخارجى وعلى رأسهم غفران ، تلك المحامية المزعجة التى كانت تقف بثقه منتظرة ظهوره ، وبالفعل بمجرد رؤيه ظابط الشرطة له تحدث يقول بعملية :
-(( طاهر بيه .. فى بلاغ مقدم فى حضرتك من طرف الأستاذة غفران حسين محى الدين .. بتقول أنك خطفت موكلتها المدعوة / رحمة عز الدين )) ..
أرتفع حاجبه وألتوى ثغرة بثقة ثم ألتفت ينظر إلى جواد الواقف خلفه بقلق قبل أن تمشط عينيه المكان بحثاً عنها حتى يتأكد من وجودها فى محيطه قبل أن يعود ويسلط نظراته فوق غفران ثم قال بهوادة فى تحدى مبطن :
-(( أزاى يا حضرة الظابط !! .. هو فى حد برضه بيخطف مراته !! )) ..
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية في لهيبك احترق)