رواية في لهيبك احترق الفصل الخامس عشر 15 بقلم شيماء يوسف
رواية في لهيبك احترق الجزء الخامس عشر
رواية في لهيبك احترق البارت الخامس عشر
رواية في لهيبك احترق الحلقة الخامسة عشر
” أقولُ أمام الناس لسـتِ حبيبتـي ، وأعرف في الأعماق كم كنتُ كاذبا
وأعلـنُ في شكل غبـيّ براءتـي ، وأذبح شـهواتي وأصبـح راهبـا
وأقتـل عطـري عامداً متعمـّدا ، وأخرج من جناتِ عينيكِ هاربـا
أقوم بدورٍ مضحـكٍ يا حبيبتـي ، وأرجع من تمثيـل دوري خائبـا
فـلا الليل يخفي لو أراد نـجومه ، ولا البحر يـخفي لو أراد المراكبا ”
-نزار قبانى
ماذا لو أتخذ الأن ، وتحديداً تلك اللحظة تاريخاً جديداً لميلاده ، ثم أستيقظ فى صباح الغد كالطفل الوليد ، بصفحة فارغة ، بيضاء كلياً ، دون ماضٍ مؤلم ، أو مستقبلٍ مبهم ، ووجد أن سنواتهِ العجاف قد أسمنت ، وأن زهرة عمرهِ الذابلة أيعنت ، وأن أفرع أيامه المائلة ، قد أزهرت ثمراً فوق الأشجار ، ثم أتخذ من جبهة سارقة راحة عينيه وطناً ، ومن أهدابها مخبأً ، ومن أنفاسها رئتاً ، ومن شعرها ليلاً ومن بسمتها نهاراً ، محرراً بتلك الفكرة ، شفتيها المشتعلاتان من بين خاصته ، ثم راح يتأمل بأنفاس متأججة حدقتيها الزائغتان فى جحريهما ، ونهر خصلاتها الأسود الثائر، المنساب فوق كتفيها ووجهها بعشوائية ، بفعل يده ، مشدوهاً ومبهوراً بحمرة وجهها ، وجرأته فى غزو شفتيها ، فأخر ما يعيه ، هو رغبته البائسة فى تذوق كرزتيها الناضجتين ، وما أن أكتملت الفكرة فى مخيلته ، حتى بادر جسده دون وعى منه العمل بأرادة منفصلة ، فى تنفيذ ما تمناه يأساً ، أما عنها هى ” رحمة ” فبعدما أستعاد عقلها جزءاً من رجاحته ، سارعت بدفع جسده من أمامها بكفيها المرتعشتين ، تفك حصاره من حولها ، قبل فرارها هاربة بساقيها الهلاميتين إلى حيث غرفتها تتخذ منها حصناً وملجأً ، مستندة بثقل جسدها فوق باب الغرفة ، بعدما تأكدت من غلقه خلفها جيداً ، تضغط بقبضتها المتكورة فوق مضغتها الثائرة ، إلى أن هدئت قليلاً وأستطاعت التنفس براحة ، بعدها توجهت إلى مضجعها ، تجلس فوقه بضياع ، وتفتح بأطراف أناملها دفترها السرى ، وتخط بأحرف مرتعشة حائرة
(( مذكرتى العزيزة :
هناك شئ خطير ، خطير للغاية يحدث لى ، أخشى التفكير به ، الأستماع له ، أو الألتفات إليه ، حتى أننى أخشى تدوينه ، شئ يذكرنى بواحدة من قصص الأطفال الخرافية ، حيث أعتادت والدتى ألقائها كل مساء فوق مسامعى ، عن تلك النعجة الساذجة ، التى وقعت فى حب ذئبها الوديع ، بعد أن ألقاههم القدر فى طريق أحدهما الاخر ، وعلى عكس طبيعتهم المتناقضة ، أتفقا على تجاهل هويتهم المعادية ، والبقاء على صداقتهم التى تشكلت خلال ليلة واحدة ، والمحاربة للحفاظ على مشاعرهم المتنامية ، وما لم تأخذه النعجة الصغيرة فى الحسبان ، هو أصابة ذئبها فى حادثه ، فقد على أثرها ذاكرته وكل ما يتعلق بها ، ووقتما سارعت بالذهاب إليه ، غلبته غريزته الباقية ، وبينما كانت الشاه الصغيرة تقف أمامه بثقة شعوره نحوها ، كان يخطط هو لأسرها داخل مملكته لألتهامها ، حينها تأكدت صغيرة النعج من فشل محاربتها ، وأن مهما جمعتهم من مشاعر أو أشياء مشابهة ، يبقى الذئب ذئباً ، وتبقى هى الصغيرة الضعيفة ، الوحيدة المتضررة ))
************************************
نظر فى ساعة يده متأففاً وحرجاً ، فها قد تجاوز الوقت منتصف الليل ، وهو لازال جالساً أمامها يتأملها بحسرة ، وكلما أراد الذهاب والخلاص من ذلك العذاب المستمر ، منعه والدها متحججاً ، بأن ولده ” جواد “. أوصى بعدم رحيله الأ بعد ملاقاته شخصياً ، حتى أنه هاتفه منذ قليل يعتذر منه على التأخير الغير متعمد ، ويطلب منه بتوسل أنتظاره ، حتى يتباحثا معاً فى وضع طفلته ، والتى يتولى مهمة علاجها شخصياً ، جاذباً أنتباهه صوتها العذب ، تتسائل عبر هاتفها بأستغراب أمام الجميع :
-(( محمد !! .. أنت لسه سهران للوقت ده ؟! )) ..
أجابها من الطرف الأخر بنبرة ناعسة :
-(( لا مش سهران .. بس قلقت وأنا نايم ولما فتحت الفون .. لقيتك أون لاين .. فقلت أكلمك أشوفك قاعدة للوقت ده ليه )) ..
أجابته علياء مفسرة بتلقائية :
-(( أه أصل عندنا ضيف فعشان كدة كلنا سهرانين )) ..
هتف يسألها متأهباً وقد أحتدت نبرته فى الحال :
-(( ضيف مين اللى أنتى قعداله للوقت ده !! )) ..
أجابته بضيق بعدما ألقت نظرة خاطفة على الجالس قبالتها يطالعها بأهتمام :
-(( دكتور لينة يا محمد )) ..
أخفضت نبرتها حتى لا تصل إليهم ثم عاودت تقول من جديد :
-(( أنا كنت حكيتلك قبل كدة )) ..
قال بتأنيب واضح :
-(( أه حكتيلى .. بس برضه قلتى أنه شاب لما سألتك .. يعنى عيب يا هانم تقعدى معاه لبعد نص الليل )) ..
أمتقع وجهها وأنتفضت من جلستها مبتعدة عن الجمع بالقدر الكافى ، ثم هتفت تجيبه بنبرة هجومية رغم انخفاضها :
-(( أيه اللى أنت بتقوله ده !! أنت أتجننت ولا بتخرف !! .. أساساً بابا وماما قاعدين معانا .. ولو أنت مش واثق فى نفسك دى مش مشكلتى على فكرة )) ..
كانت جملتها الأخيرة كفيلة بأشعال فتيل غضبه ، فصاح يقول بصراخ ، وصل إلى مسامع الجالسين بعيداً عنها بسهولة :
-(( أنتى أتجننتى !! .. كمان بتردى عليا ! .. لا كدة كلامى على غلطك فيا مش معاكى .. كلامى مع اللى أكبر منك )) ..
ضغطت فوق شفتيها تحارب وغز الدموع الحارق مقلتيها ، قبل قولها بنبرة متهدجة :
-(( عندك حق .. أنا هدى الفون لبابا وأتفضل أتكلم معاه .. وياريت تنهى كل حاجة بينا عشان أنا خلاص تعبت وفاض بيا بجد .. وأخر حاجة ممكن أسمحلك بيها أنك تتهمنى فى أخلاقى )) ..
تحولت نبرته فى الحال ، من الغضب إلى الأستعطاف ، ومن الصياح إلى الهمس ، تماماً كالهر الصغير المخطئ المستجدى تعاطف مالكته :
-(( عشان تكونى عارفة .. انا عمرى ما هسيبك غير على جثتى .. ولو أنا هاين عليكى يا علياء .. أنتى عمرك ما تهونى عليا .. ده أنا أموت قبل ما أسيبك .. وواحدة غيرك كانت تفرح أن حبيبها بيغير عليها .. وتهديه بدل ما تتعصب عليه ))
رفعت كفها الأيمن بعصبية ، تمسح بعنف بعض العبرات المتقطعة والفارة عنوة من داخل جفنيها ، ثم قالت بأنكسار :
-(( حصل خير .. الوقت أتأخر وأنا هطلع أنام .. تصبح على خير )) ..
عقب بنعومة عاشق أدمى قلبه الفراق :
-(( طب قولي أسمى بصوتك عشان أطمن أنك مش زعلانة )) ..
فتحت فمها وأغلقته مرة ، اثنان وثلاثة ، تجتهد فى النطق بأسمه متجاوزة الخلاف الواقع بينهما منذ قليل دون جدوى ، فحتى أحبالها الصوتية تمردت عليها ثائرة لكرامتها المهدرة ، آبية الأنصياع له فى تلبية طلبه ، وبعد فترة من الصمت تخللتها المحاولة الفاشلة ، همست بأختناق تنهى الحديث :
-(( محمد .. لو سمحت متضغطش عليا .. خلينا نتكلم بكرة أحسن ليا وليك )) ..
لم تنتظر حتى الأستماع إلى أجابته ، فبعد نطقها بطلبها المقتضب ، أنهت المكالمة ، ثم أغلقت الهاتف بأكمله ، و أنسحبت من أمامهم متوجهة إلى الدرج ، غافلة عن ذاك الجالس يتابع بأعين كالصقر لغة جسدها ، محللاً بكل سهولة ، ردات فعلها ، الغاضبة ، المحبطة ، وأخيراً المنكسرة ، قبل ألتفاتها تنظر فى جهته على صوت والدتها وهى تطلب منها بهدوء :
-(( علياء من فضلك .. ممكن تورى دكتور يحيى طريق حمام الضيوف )) ..
أومأت برأسها موافقة ، دون رفع جفونها من فوق الارضيّة ، تُخفى عن الجميع دموعها المترقرقة داخل عينيها ، ثم بسطت كفها للأمام كأشارة له أن يتبعها ، وسارت بترو نحو وجهتهم تتأمل محبس يدها بأعين ضبابية ، فظاهرياً تمتلك كل ما تريد ، والد حنون ، وشقيق مراعِ ، وزوج مستقبلى وسيم يعمل فى أحدى دول الخليج حيث الأموال الوفيرة ، أما باطنياً فهى ليست سوى فتاة حزينة محرومة ، أُستنزفت روحها وفقدت أيمانها بالحب ، تغفو يومياً أملة فى غد مشرق جديد ، تتمنى لو يستطيع خطيبها مؤانسة وحدة قلبها ، سحابة أشد وطأة من العبرات غشت عينيها وتسببت فى ترنحها بعدم أتزان بعدما تعثرت فى أحدى قطع الأكسسوارت الأرضية ، ماداً هو بلهفة كلتا ذراعيه ، يدعم جسدها ويحول بينها وبين سقوطها أرضاً ، بينما صوته يهتف مستفسراً بلهفة :
-(( أنتى كويسة ؟! )) ..
للحظات لم تسحب جسدها من بين ذراعيه ، بل ظلت ساكنة أمامه تطالعه بأعين ينسكب منها الدمع فى صمت ، فهمس يحيى أسمها بألم شديد ، شاعراً بخنجر يضرب صدره :
-(( علـــيـٰــاء ؟؟؟ )) ..
حركت رأسها رافضة بعنف تطرد نبرته التى سكنت عقلها ، ثم أخفت وجهها داخل كفيها منخرطة فى نوبة بكاء قوية ، ومتمتة من بين شهقاتها المتلاحقة بصوت مكتوم :
-(( مش كويسة .. مش كويسة .. أبعد عنى الله يخليك )) ..
فتح فمه يستوقفها ثم عاد وأغلقه بعدما راقب أنسحابها من أمامه راكضة إلى حيث الأعلى ، يناظرها بقلب ممزق وملامح متباينة ما بين الغضب والحزن والأشفاق ، ومتاوهاً فى صمت ، من ذلك الصوت الخافت بداخله ، الذى يحثه على خطفها من أمام الجميع والفوز بها ، وبدلاً من ذلك ظل مزروعاً فى أرضه ، يطالع بقلب أدماه الفراق ، حزن معذبته .
******************************
شعور متقطع بالغثيان بالأمس ، ومتواصل منذ الصباح ضرب مقدمة معدتها بقوة ، تجاهلته وأستمرت فى فعلها ، إلى أن داهمها بشكل أقوى وأجبرها على الأنسحاب من موقع العمل واللجوء إلى أحد الحوائط الجانبية والأستناد عليها ، منتوية العودة إلى موقع البناء ومتابعة سير العمل بحماسها المعتاد بعد زوالهِ، غافلة عمن يتابعها بعينيه وقتما لفت أنتباهه وهنها يراقب خطواتها المترنحة حتى وصلت إلى أحد الأركان وأنحنت بجسدها نحو الأسفل ، وقتها تحرك إليها يسألها بعدما وقف قبالتها بصوته العميق :
-(( أنتى تعبانة ولا أيه )) ..
زوجان من الأحذية ، أول ما تعلقت بهم نظرات غفران قبل أن ترفع رأسها بترو إلى أعلى تنظر بأحداق زائغة إلى وجهه العابس ، يليه أبتلاعها لعابها بصعوبة للسيطرة على أحساس القئ الذى داهمها فجأة ، قائلة بأعياء واضح :
-(( تمام تمام .. أنا كويسة )) ..
تفحصها للحظات قبل معاودته القول بأستنكار صريح :
-(( كويسه ازاى ؟! .. أنتى وشك أبيض تقريباً )) ..
زفرت بقوة تقاوم نوبة أخرى من الغثيان غزت معدتها ، ثم أجابته بأصرار :
-(( صدقنى أنا كويسة .. محتاجة بس أروح أشرب حاجة سخنه وأكيد تعب معدتى هيـــ… )) ..
قبل نطقها بأحرف كلمتها الأخيرة ، كانت تخرج جميع ما فى جوفها فوق الأرضية ، بعدما دفعته بعيداً عنها وأستدارت بجسدها معطية ظهرها له ، أنتظرها جواد حتى أستقامت فى وقفتها من جديد ، ثم قال بنبرة جادة قاطعة :
-(( أغسلى وشك وتعالى نروح المستشفى )) ..
همست معترضة بضعف :
-(( لا أنا هوقف تاكسى وأروح على البيت )) ..
رد بحزم :
-(( بصى أنا مبحبش جو المصريين ده .. ولو تعبان خدلك أى برشامتين ونام هتقوم زى الحصان !! الدكاترة أتعلمت عشان لما نتعب نروحلها .. فياريت من غير كلام كتير تتفضلى معايا )) ..
لم تكن فى حال يسمح لها بالجدال معه ، لذا سارت جواره ببطء ، وداخلها ينتوى عند الوصول إلى المشفى ، طلب دواء للمعدة ثم الأنصراف دون الكشف .
وبعد ساعة من أصراره على فحصها وعدم نجاحها فى أقناعه ، قال الطبيب بنبرة عملية مقترحاً :
-(( من الكشف الظاهرى مفيش حاجة .. بس أنا بقترح نعمل التحاليل دى عشان نتأكد من الأنيميا وميكروب المعدة والحمل )) ..
أنتفضت غفران من مرقدها تردد بعدم أستيعاب :
-(( حمل !!!!! )) ..
أجابها الطبيب بنبرة خالية :
-(( مش حضرتك بتشتكى من تقلصات أسفل البطن ؟! .. مع غثيان وشعور بالقئ .. غير الأرهاق ؟! .. يبقى خلينا نعمل تشيك بالمرة ))
هتفت غفران معترضة بقلق شديد :
-(( بــــس )) ..
قاطعها الطبيب يسألها بنفاذ صبر :
-(( بس أيه يا مدام )) ..
ألقت نظرة سريعة على جواد المصاحب لها والذى أومأ برأسه مشجعاً ثم عادت تقول بأستسلام بعدما تراجعت عن قول ما تريد:
-(( ولا حاجة .. أتفضل أعمل اللى حضرتك شايفه )) ..
أومأ الطبيب برأسه مستحسناً ثم قال بشئ من الأرتياح :
-(( تمام هبعت ممرضة تسحبلك دم .. وبعدها تقدرى تروحى وتستلمى النتائج بكرة الصبح .. أو تستنى ساعتين وتعرفى نتيجه الحمل وصوره الدم )) ..
بعد ما سمعته لم يكن ليهدء لها بال حتى تعرف نتيجة الشك الذى ألقاه الطبيب بداخلها ، لذا قالت بأصرار :
-(( لا أنا هستنى )) ..
***********************************
ألقت نظرة جانبية على ذلك الجالس جوارها شارد الذهن ، مرة تلو مرة ، تفتح فمها ثم تعود وتغلقه متراجعة ، تخشى أنقلاب الأمور ضدها ، بعد أن صارت أخيراً فى نصابها الصحيح ، وأيضاً ، ترتعد خوفاً من الفكرة المستحوذة على عقلها منذ صار ملكاً لها ، فالطالما كانت آفة الإنسان الكبرى ، بعد الأعتياد ، التملك ، فبعد فترة من الوقت يرفض التنازل عما أكتسبه ، بل ويحارب بضراوة وبشتى الطرق المشروعة والغير مشروعة للحفاظ عليه ، بعد أن كان فى ظروف أخرى ، يرتضى فقط بنصفه ، وبعد عدة دقائق من التدبر ، هزت رأسها بأستحسان ، ثم لوت فمها بخبث قبل تأوهها مدعية الألم :
-(( آااااااه .. أه بطنى )) ..
أنتفض من جلسته مستديراً بكليته نحوها وهو يغمغم محتاراً بلهفة :
-(( مالك يا أفنان فى أيه ؟!! )) ..
كتمت ابتسامتها المنتصرة بعدما نجحت فى جذب أنتباهه ثم اجابته كاذبة ببراعة ، بعدما بسطت كفها فوق موضع رحمها ، تدلكه بترو :
-(( مش عارفة يا بدر .. فى وجع عمال يضربنى هنا من وقت لتانى مش قادرة أستحمله )) ..
صمتت لوهلة تطالعه بمكر ثم أستطردت تقول مدعية الحزن :
-(( شكل أبننا حاسس بزعلك .. ودى طريقته عشان يقولك بيها متزعلش )) ..
تتهد مطولاً ثم قال بنبرة خالية بعدما أرتخت ملامحه وعضلات جسده المنقبضة بعض الشئ :
-(( معلش يا أفنان .. أنا عارف أنى اليومين دول مش معاكى .. وده مش صح فى حالتك دى .. بس أعذرينى ووعد من بكرة مش هسيبك لحظة واحدة )) ..
همهمت موافقة بنعومة ، ثم سألته على مضض ويدها تمتد نحو وجنته تتحسسها :
-(( زعلان أنك طلقتها ؟! )) ..
بلعت لعابها وغصبت صوتها على أستئناف الحديث مغمغمة بخبث :
-(( لو زعلان تقدر تروح ترجعها .. متشغلش بالك بيا أنا وأبنك اللى لسه فى الطريق .. أهم حاجة راحتك أنت .. ومش مهم أى حاجة تانى ))
كتمت أنفاسها داخل صدرها مترقبة إلى أن جائتها إجابته يقول بهدوء :
-(( لا مش هينفع .. أنا بس لما كلمتك وقتها كنت بشوف رد فعلك أيه .. لكن جوايا عارف أن غفران عمرها ما كانت هترضى بالوضع ده )) ..
زفر بألم يجهل سببه ثم اردف بخفوت ناهياً الحديث :
-(( سيبك من أى كلام ملهوش لازمة وقوليلى لسه تعبانة )) ..
أرتباك أصابها للحظات ، سرعان ما تجاوزته ثم أجابته نافية عل مضض :
-(( لا الحمدلله بقيت كويسة .. مش بقولك أبنك بيحس بيك .. عشان كدة لو أنت كمان بتحبه وبتحس بيه متزعلش لحد ما يجيلنا بالسلامة )) ..
تنهد مطولاً ثم أقترب منها طابعاً قبلة حنونة فوق جبهتها ، قبل سحبه لها داخل ذراعيه ، بينما بقيت بداخل قلبه غصة ، لا يعلم سببها ، أو بالأدق ، فسرها كأعتياد على حياته السابقة حيث كانت جزءاً هاماً منها ، مع قليل من الأحساس بالذنب .
************************************
سكون بثبات ظاهرى مع أعين هادئة تراقب المارة أمامها بشغف ، وكأنها أحدى هواياتها المُفضلة منذ الصغر ، أما داخلها ، فكانت كمن يجلس داخل مرجل ، كل عضو من أعضائها يغلى ، يأن ، يصرخ من هول شكوكها أذا ثُبتت ، ( حامل .. طفل .. بدر .. تحليل .. حامل .. طفل ، طليقها .. طفل صغير .. بوق السيارات .. صوت الرياح .. تلاطم الأمواج .. حامل .. طفل .. ظلت تلك الكلمات والأصوات تضرب جنبات عقلها دون هوادة إلى أن قفزت من جلستها صارخة بحرقة ، جاذبة أنظار المارة من حولها ، حيث كانت تجلس فوق أحد المقاعد الخشبية الموضوعة على طول الشاطئ ، بعدما أشفق جواد على حالها ، وساقها التى ترتجف من شدة التوتر ، فعرض بشهامته المعتادة ، الذهاب بدلاً عنها لأستلام نتيجة أختبار الحمل والفحص الأولى ، وبعد نصف ساعة أخرى من الترقب والقلق ، لاح ظله من بعيد ، يعبر الطريق متجهاً نحوها بملامح وجه خالية ، علقت أنفاسها بين ضلوعها المنتفضة بضع دقائق ، تاركة حدقتيها تساير خطواته ، تترجاه بصمت نفى ظنونها التى توشك العصف بها ، إلى أن وصل إليها ورمقها بنظرة مشفقة ثم قال بهدوء شديد :
-(( إيجابى .. أنتى فعلاً حامل )) ..
أرتمت بجسدها فوق المقعد مرةً أخرى ، تحول دون سقوطها بعدما أنهارت ساقيها أسفل منها ، فللقدر أحكام غريبة ، بعد سنوات من التمنى والرجاء ، ها هو قد جائها الأن ، فى أكثر وقت زهدت به ، ظلت على هذا الحال فترة من الوقت النحو ، حتى جلس جواد جوارها ، وقتها حركت رأسها جانباً ببطء ثم قالت نبرة مرتعشة بعدما طالعته مطولاً ، ففى تلك اللحظة تحديداً تريد مشاركة ما يحدث لها مع أى كائن حى ، حتى وأن كان عابر سبيل :
-(( هربى أبنى لوحدى )) ..
عقب معترضاً بعدما أستدار برأسه ينطر إليها هو الأخر :
-(( لو بتقوليلى عشان أنصحك .. فواضح من نظرة عينيك أنك واخدة قرارك .. بس لو هتسمعى رأيى اللى ملهوش لازمة بما انك أخترتينى من كل الناس دى عشان تتكلمى معايا ))
أشار برأسه إلى المارة من حولهم وأمامهم ثم عاد يقول بصوته الأجش :
-(( يبقى من حقه يعرف أن عنده أبن .. ده شرع ربنا )) ..
أبتلعت غصة مؤلمة فى منتصف حلقها ثم همست تقول بمرارة :
-(( عنده مراته وأبنه اللى لسة هيجى .. هو مبقاش محتاجلى )) ..
أعتدل جواد فى وقفته ، ثم أجابها بعدما مد كفه له يساعدها على النهوض :
-(( ملامح وشك بتقول أن الصدمة أكبر من أنك تداريها .. وعشان كدة أسمحيلى أوصلك النهاردة وأرتاحى .. ومن بكرة خدى وقتك فى التفكير وقررى على مهلك )) ..
أبعدت بأصابع واهنه خصلات شعرها المنتشرة حول وجهها بفعل الرياح الباردة ، ثم قالت برجاء بعدما سارت جواره نحو سيارته :
-(( ممكن متقولش لحد على اللى حصل النهاردة .. طبعاً أنا مقدرة وقوفك جنبى النهاردة .. بــ.. )) ..
قاطعها متفهماً :
-(( من غير بس .. فاهم شعورك كويس .. ومادام أخترتى تثقى فيا فحفظ سرك واجب عليا .. أعتبرينا مشفناش بعض النهاردة من الأساس )) ..
أبتسمت بأمتنان ثم حركت رأسها موافقة بقدر ما سمح لها دوار رأسها ، قبل صعودها إلى السيارة عائدة إلى شرودها ، تحاول طرد ذلك الشعور السئ ، الذى أجتاحها منذ سماع الخبر
***********************************
طلت برأسها من خلف حائط الممر تنظر إلى باب الغرفة المغلق منذ الصباح ، ثم عادت وأختبئت خلف الجدار العازل بين رواق المنزل وغرفة ولدها ، حينما أستمعت إلى صوت صرير الباب يُفتح ثم يُغلق ، يليه ذهاب فلذة كبدها ، وقتها أندفعت تقتحم غرفة زوجته بلا مبالاة متشدقة بنزق :
-(( أيـــه .. بقالك ساعة نازلة كلام فى ودانه .. الله يرحم أيام ما كنتى بتشوفيه ساعتين بس فى اليوم .. وسرقة )) ..
حدجتها أفنان بنظرة محتقنة ، ثم قالت بدلال مبررة تبغى أثارة حنقها :
-(( معلش يا حماتى .. أصل بطنى كانت وجعانى شوية .. وبدر خاف ينزل قبل ما يطمن على اللى فى بطنى .. مانتى أكتر واحدة عارفة أستناه قد أيه )) ..
لوت والدته فمها ممتعضة ثم قالت بفضول ، متجاوزة شعور الغيرة الذى ينهش داخل صدرها :
-(( طب ياختى أنشاله تكونى كويسة دلوقتى .. وطمنينى .. مقالكيش طلقها رسمى عند المأذون ولا لسة ؟! .. عايزة اعرف وصل معاها لأيه )) ..
أجابتها نافية بضيق :
-(( معرفتش أطلع منه بحاجة .. مانتى عارفاه بيتكلم بالقطارة وخفت أساله صراحة يزعل أو يتعصب عليا )) ..
تأففت رجاء ثم هتفت بنبرة شبهه محتدة :
-(( فالحة .. خليكى فى خوفك ده لحد ما تلاقيه ردها لعصمته وأحنا نايمين على ودانا ))
أجفل جسد أفنان وأعتدلت فى جلستها بتأهب تفكر قلقة فى جملتها ، بينما سارت والدته عائدة إلى باب الخروج ، ثم أستدارت بجسدها تنظر إليها قائلة بتحذير صريح وهى تقف على حافة الغرفة من الخارج :
-(( خليكى عارفة .. طول مانتى تحت طوعى .. كسبانه )) ..
******************************************
يومان ما طبق له جفناً على أخر ، بثمان وأربعون ساعة ، وحوالى ألفان وثمانمائة دقيقة ، وستون ضعفاً من الثوانِ ، منذ طالعت عينيه محياها ، ولامست كفيه وجنتاها ، وأحتضنت شفتيه شفتاها ، أرتفعت حرارة جسده وأزدادت وتيرة أنفاسه تلقائياً من الذكري ، مؤنباً نفسه على تصرفه الأهوج الطائش ، فى مطاوعة رغبة جسده التى قيدته بها ، ففيما سبق كان يظن أن هنالك تعويذة ما خاصة بها موجهة إليه ، أما بعد تقاربهما ، بات متيقناً بأنها قدره ، وأن تلك المرأة المتربعة وسط أضلعه ، خُلقت خصيصاً من أجله ، لن يتغنى بكلمات الشعر ، أو الروايات التقليدية ، ويقول أن ما شعر به عند ملامسة شفتيها لم يشعر بها من قبل ، ولكنه يجزم بأختلافه ، وكماله ، ويكأن كل الأمور أصبحت فجأة ، وبمجرد أحتضانه ثغرها ، فى نصابها الصحيح ، حتى أن الحياة ، منذ ذاك التوقيت ، أضحت فى عينيه ، أحلى ، أكثر أملاً ، وأزدهاراً ، مقاطعاً شروده صوت جواد الذى هتف مستفسراً عند أقتحامه خلوته ، بعدما طرق باب الغرفة ولم تصله إجابة وعليه قرر الدخول :
-(( أيه يابنى !!!! خبطت مرتين معبرتنيش .. لولا أن وفاء قالتلى أنك جوة كنت أفتكرتك مشيت ! )) ..
ألتفت طاهر ببطء ينظر إليه ثم سأله ببرود :
-(( عايز أيه ؟! )) ..
أختفت المسافة ما بين حاجبى جواد ثم أجابه مستثاًراً بسخط :
-(( أنا الحق عليا أنى عبرت أنسان زيك .. وقلت أجى أطمن عليك بدل مانت مختفى من إمبارح )) ..
أعتدل طاهر فى جلسته ثم قال بنبرة أكثر ليناً :
-(( طب تعالى متزعلش .. معلش كنت سرحان شوية )) ..
سارع جواد يسأله بفضول ماطاً حروف كلماته :
-(( أيــوة .. سرحان فى أيـــه بقى معالـــيك )) ..
رمقه طاهر بنظرة جامدة ولم يعقب ، فعاد جواد يسأل من جديد بأهتمام زائد :
-(( شاله ما عنك رديت .. أحم .. الأ قولى رحمة عاملة أيه ؟! )) ..
أنتفض من جلسته منتصباً بتأهب ثم سأله بنبرة متشنجة :
-(( وأنت بتسأل عنها ليه !!! )) ..
أجابه جواد معللاً ببساطة :
-(( عادى يعنى بقالها فترة مجتش عندنا فكنت بطمن عليها مش أكتر )) ..
أزداد تشنج فكه وعضلاته ، قبل هتافه بنبرة تحمل داخل طياتها مزيج من العصبية والتهديد :
-(( وهى كانت قريبتك عشان تسأل عنها !! .. مفتكرش أنى فى يوم جيت وسألتك عن مراتك عشان أنت تسألنى .. فياريت متتكررش ))
فرغ فاه جواد لعدة لحظات يستوعب خشونة رفيقه فى الحديث معه ثم عقب بأستغراب :
-(( خلاص يا عم الموضوع مش مستاهل كل ده أبداً .. اللى يسمعك يقول الحب مقطع بعضه بينكم )) ..
صمت لوهلة ثم عاد يغمغم بنبرة خفيضة لم تصل إلى مسامع الواقف قبالته :
-(( أنا لما أقول فيه حاجة متغيرة يبقى عندى حق )) ..
*********************************
على الجانب الأخر ، وتحديداً داخل غرفتها ، أرتفع رنين هاتفها عدة مرات برقم مجهول ، تجاهلته وأستمرت فى فعلها حتى المحاولة الخامسة ، وقتها أرتفع رنينه من جديد برسالة نصية قصيرة يخبرها بأنه صاحب العمل وقد قام بتغير رقم هاتفه ، سارعت رحمة تجيبه بلهفة معتذرة بمهنية شديدة :
-(( أستاذ رياض .. أسفة أنى مردتش على حضرتك من أول مرة .. بس أنا مبردش على أرقام غريبة )) ..
أغمض رائف عينيه ، مستمتعاً بصوتها العذب المتدفق داخل أذنه بأشتياق ثم أجابها بصوته الأجش متفهماً :
-(( مفيش مشكلة .. أنا واقف برة قدام بيتك لو ينفع تخرجيلى )) ..
قطبت جبينها بمزيج من التركيز والأستنكار ، بعدما أبعدت الهاتف عن أذنها تنظر بداخله متسائلة سراً ، من أين له بعنوان منزلها !! فأن لم تخنها ذاكرتها ، لم تخبره خلال تواصلهم المرات السابقة بعنوان مسكنها ، كما أن صوته مألوف بالنسبة إليها عكس ذى قبل ، لذا هتفت تسأله بتأهب شديد بعدما أعادت وضع الهاتف فوق أذنها :
-(( نعم !! أطلعلك أزاى مش فاهمة !! .. ثم أنى مش عارفه حضرتك جبت عنوان بيتى منين !! ، ده غير أن صوتك مختلف عن كل مرة .. يبقى أطلعلك بأى وجه حق !! .. بس يا حضرت .. لو حضرتك فاضى وجاى تهزر فياريت تحترم نفسك وتقفل أحسنلك .. بدل ما أخلى جوزى يتصرف معاك )) ..
قهقه رائف بأستهزاء أنقبض له صدرها ، ثم هتف يقول ساخراً بثقة شديدة :
-(( وهو فين جوزك ده ؟! .. مش برضة الأستاذ فى شغله .. اللى يبعد عنك ساعة وربع لو الطريق فاضى !! .. خليكى حلوة وأطلعى نتكلم بهدوء )) ..
سحبت رحمة نفساً عميقاً ثم سألته بنبرة قلقة لم تخف عنه :
-(( أنت مين وعايز منى أيه ؟! )) ..
أجابها بهدوء :
-(( عايزك تطلعى عشان نتكلم شوية فيس تو فيس .. عن حاجات كتير .. وأولهم عن أخوكى )) ..
أتسعت عيناها اللتان أطل منهما الذعر ثم هتفت تستوقفه متوسلة :
-(( خليك مكانك .. ثوانى وهكون عندك )) ..
وبالفعل ، بعد دقيقتان كانت تقف أمامه لاهثة الأنفاس ، محتقنة الوجه ، وصائحة بكره شديد بعدما علمت بهويته :
-(( أنت !!! عايز أيه منى يا حقير !! .. مش كفاية اللى عملته فيا يا ندل يا جبان ؟!.. ليك عين تقف قصادى بعد اللى حصل ))
أرتسمت فوق شفتاه إبتسامة حنين واسعة ، وهو يراها تقف أمامه بهيئتها الكاملة ، ووجنتيها الحمراوتين ، وشفتيها المكتنزين ، مع حدقتيها المشعان بغضب صريح ، ثم أجابها وهو يقترب منها بخطواته البطيئة :
-(( وحشتينى )) ..
تراجعت للخلف بحدة مبتعدة عنه بقدر الأمكان ثم قالت محذرة بنبرة مرتعشة بعدما رفعت أبهامها فى وجهه :
-(( أبعد عنى أحسنلك .. متنساش فى حرس هنا ممكن أناديهم فى أى لحظة )) ..
أجابها واثقا بهدوء منقطع النظير :
-(( مش هتقدرى .. ع الأقل لما تسمعى اللى جاى أقولهولك )) ..
شكبت ذراعيها معاً أمام قفصها الصدرى ، ثم سألته بأستخفاف :
-(( وأيه اللى يخليك واثق أنى ممكن أسمعك بعد كل اللى عملته .. ولا فاكرنى مش عارفة أنك نصبتلى فخ ، وبعده وقفت بكل بجاحة قدامى تشهد عليا فى المحكمة .. لو فاكر أنك فلتت بعقابك فصدقني عقاب ربنا أقوى .. ودم الغلبان ده لو أيدك متلوثة بيه .. أعرف إن كما تدين تدان )) ..
حك رائف مؤخرة رأسه بكف يده ثم قال بلا مبالاة :
-(( مقابل حريتك .. مش ناوى أقرب من حد من عيلتك .. تهديدى بأخوكى كانت وسيلة ضغط عشان أشوفك .. لكن الحقيقة أنى عارف ومتأكد أنك مغصوبة على الجوازة دى .. فعرضى بسيط .. تنقليلى كل الأخبار من جوة .. ووقت ما اطلب منك تنفذيلى حاجة الاقيكى .. مقابل حريتك .. قلتى أيه ؟! )) ..
رفعت كفها وقامت بلطمه فوق شطر وجهه بكل ما أوتيت من قوة ثم صاحت تقول بأزدراء واضح قبل ركضها إلى حيث بوابة المنزل تختبى داخله :
-(( ده ردى )) ..
على الصعيد الأخر ، وأثناء أنشغاله بمراجعة بعض الاوراق الهامة ، أرتفع رنين هاتفه فى أتصال ملح ، دفعه إلى الأجابة فوراً ، بعد معرفته هوية المتصل ، متسائلاً بقلق :
-(( فى حاجة حصلت عندك ؟! )) ..
أجابه مدير الأمن بجدية :
-(( طاهر بيه .. الشخص اللى حضرتك حذرتنا منه .. واقف قدام البوابة دلوقتى .. ومعاه رحمة هانم .. خرجتله من دقيقة واحدة )) ..
هتف طاهر يتسائل بتوجس :
-(( قصدك رائف الشافعى ؟! )) ..
أجابه قائد الحرس مؤكداً :
-(( أيوة يا فندم هو )) ..
لم يستمع إلى باقى حديث خادمه ، فبعد سماعه جملة التأكيد ، سحب سترة بذلته وركض نحو الخارج ، ومنها إلى سيارته متجهاً إلى منزله ، بينما يده تعبث بهاتفه الجوال يحاول الوصول إلى التحرى الخاص ، والذى بمجرد أجابته على الهاتف ، صاح طاهر يأمره بعدائية وغضب واضح :
-(( عايزك تجبلى سجل مكالمات رحمة حـــااااااالاً ، رقمها ****01.. تقلب الدنيا وقبل ما الصبح يجى يكون سجل مكالمتها عندى بالتسجيل .. أدفع أى رقم ميهمكش .. بس أعرف كلمت مين وقالت أيه )) ..
*****************************************
أنقضت الساعة ، وها قد أوشك نصف أخرى على الأنتهاء ، ولازال جسدها ينتفض بشدة ، غضباً وحنقاً وكرهاً للموقف ، بدءاً من التعدى السافر لذلك الوقح وجرأته فى نصب فخ أخر لها بحجة العمل ، ثم وقاحته فى التعامل معها ونظراته المثيرة للشك ، والتى تنبهت لها للمرة الأولى ، ثم عرضه الأكثر وقاحة ، وكأنها فتاة خائنة ، تنتظر مساعدة ذلك المزور والأرتماء فى أحضانه فور تلقى عرضه للخلاص من زيجتها !! ، على ذكر زيجتها ، فقط لو كانت الأمور بينهم أكثر بساطة ، لأستطاعت أخباره بما حدث معها وتلك الزيارة الغير مستحبة ، بل لو كانت علاقتهم أقل تعقيداً لهاتفته فوراً ، وقصت عليه كل ما حدث منذ بدء عرض العمل ، بل لكانت أخبرته عن شكوكها تجاه ذلك المجرم ، وعلاقته بمقتل شقيقه ، زفرت بقوة ثم أخفضت رأسها تضعها بين كفيها المستندة على كلتا ساقيها ، منصتة إلى ذلك الصوت الخافت ، والذى لا ينفك يذكرها ، بما حدث بينهم منذ يومان ، وطريقته المذهلة فى تولى الأمور بطريقة شلت دفاعاتها ، وحفرت تقاربهم داخل عقلها ، منتفضة من جلستها على صوته فى الخارج يصرخ بأسمها ، يليه ركله لباب الغرفة وأقتحامها ، فقفزت من جلستها مذعورة من تصرفه البربرى ، قبل تفاجئها به يغرز أصابعه فى ذراعيها صائحاً بغضب شديد :
-(( فين تليفوووونك .. فين انطققققققققى )) ..
حركت رأسها نافية بذعر فى حركة تلقائية منها ، تحاول الهرب من بركانه الثائر قبل قبضته التى تكاد تخترق جلد ذراعيها ، دون القدرة على النطق أو أجابة سؤاله ، بينما نفض طاهر كلتا ذراعيها بعنف أسفل قبضته يبحث بعينيه عن هاتفها إلى أن وجده وقام بسحبه من فوق المنضدة الصغيرة المجاورة للفراش وحاول فتحه عدة مرات ثم قام بألقائه من الشرفة صارخاً بأهتياج :
-(( أنتى رخيصة .. واحدة ملهاش قيمة .. كل يوم مع حد ولابسة توب البراءة ومتخفية ورا حجابك الكداب )) ..
راقبته بأعين ملتاعة دامعة ، وجسد على وشك السقوط من شدة الفزع والأعياء ، تحاول جاهدة غصب عقلها على التذكر وتفسير سبب غضبه وأفعاله الجنونية دون جدوى ، فى حين أبتلع هو لعابه بقوة ثم أستطرد يقول بمزيج من الغضب والحسرة بعدما عاد يقف أمامها :
-(( أنا غلطان أنـــى .. أنـــ…ى )) ..
حرك رأسه أسفاً وقد تزاحمت العبارات بداخله ثم ركض من الغرفة بأكملها شاعراً بالعجز ومرارة الخيانة ، للمرة الثانية .
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية في لهيبك احترق)