رواية في لهيبك احترق الفصل الحادي عشر 11 بقلم شيماء يوسف
رواية في لهيبك احترق الجزء الحادي عشر
رواية في لهيبك احترق البارت الحادي عشر
رواية في لهيبك احترق الحلقة الحادية عشر
“والرُّوحُ لِلرُّوحِ تَدرِي مَن يُنَاغِمُهَا
كَالطَّيرِ لِلطَّيرِ فِي ٱلإنشَــادِ مَيَّالُ”
•
تنبهت حواسه تلقائى قبل همسه متسائلاً بترقب ، متلهفاً للحصول على الجواب وقد أضحى أستماعه إلى أى شئ يخصها بداية من أسمها موضع أهتمام بالنسبة إليه ، دون وجود تفسير مقنع يرضى غروره عن ذلك الأمر :
-(( مش فاهم .. اللى واصلنى من معنى كلامك أنها مش بنتهم .. ولا فهمت غلط ؟! )) ..
قال ماكسيم بأقتضاب :
-(( لا أستطيع الجزم بذلك سيد طاهر .. ولكن بشكل مبدئى هذا أحتمال وارد بالطبع )) ..
أثارت إجابته المقتضبة والمختصرة حفيظة طاهر مما جعله يهتف بشئ من الحدة ونفاذ الصبر :
-(( يعنى أيه أحتمال وارد !! .. أنا عايز أجابة محددة .. ومعاها التفاصيل )) ..
أبتسم ماكسيم حتى ظهرت تلك الأبتسامة واضحة من خلال نبرته ثم أجابه شارحاً بأستفاضة :
-(( هذا كل ما توصلت إليه فى الوقت الحالى سيد طاهر .. وأردت أن أخبرك بالمعلومات أول بأول بناءاً على طلبك الخاص .. أما بالنسبة إلى تفاصيل ذلك الأمر فما حدث كالتالى .. بعد الأطلاع على الأوراق الرسمية الموجودة داخل سجلات الدولة .. والتى تظهر تطابق تام بين شهادة ميلاد السيدة رحمة ووثيقة زواج والديها بفارق ٧ أشهر كاملة .. عدت إلى سجلات المشفى للمقارنة كأجراء روتينى نقوم به فى تلك الحالات من أجل مزيد من الأطمئنان وليس ألا .. وقتها أكتشف فريق المحققين وبعد العودة إلى أرشيف المشفى الخاص أن السيدة ” فريدة حسين السيد ” وهى والدة السيدة رحمة .. وضعت مولودة فى نفس المشفى ولكن قبل خمسة أشهر وليس ذلك اليوم .. وأن هناك حالة تزوير واضحة وتلاعب حدث فى الشهادة الخارجة من المشفى ليصبح تاريخ ميلاد السيدة رحمة الحقيقى هو ١٩٩٣/٧/١٣.. بدلاً من تاريخ ١٩٩٣/١٢/١٣.. أى بفارق خمسة أشهر كاملة عن التاريخ المدون بشهادة ميلادها الرسمية )) ..
هتف طاهر بيأس يريد الحصول على مزيد من المعلومات :
-(( طب الخطوة الجاية أيه .. عايز أعرف التفاصيل فى أقرب فرصة ممكنة )) ..
أجابه المحقق مطمئناً بثقة زائدة :
-(( لا تقلق سيد طاهر .. فريق التحقيق وأنا على رأسهم نعمل على قدم وساق من أجل أكتشاف ذلك الأمر .. وبدءاً من الأن سنقوم بالبحث عن تاريخ والديها كاملاً والعودة إلى المشفى ربما نجد من قام بهذا التزوير .. وبالطبع سأخبرك بكل جديد لحظة الوصول إليه )) ..
تنهد مستسلملاً بقلة حيلة بعدما أنهى مخابرته الهاتفية ثم عاد لأستكمال أرتداء ملابسه قبل خروجه على عُجالة بعدم تركيز ناسياً هاتفه الجوال المُلقى فوق الفراش ، أما على الجانب الأخر وخلف الباب المغلق ، أرهفت رحمة السمع تنتظر لحظة ذهابه حتى يتسنى لها الخروج من الغرفة التى ظلت حبيستها لأكثر من ساعتين ، تحديداً منذ أستيقاظه ، بعدما قضت ليلة مؤرقة ظلت تؤنب نفسها على ما قامت به ، تخشى تفسير موقف البارحة على نحو خاطئ ، وعليه لازمت غرفتها ترفض الخروج ومواجهته ، وبمجرد أستماعها إلى غلق الباب من خلفه علامة على ذهابه ، سارعت بالسير متوجهة إلى الحمام المجاور لباب الخروج ، فى نفس اللحظة التى عاد هو يفتح الباب متذكراً هاتفه الجوال ، الأمر الذى أدى إلى اصطدام جسدها بالباب ، وجعلها تترنح للخلف ، فسارع طاهر بضم جسدها بين ذراعيه يدعم ثقلها ويحول دون سقوطها ، متأملاً وجنتيها اللتان شرعتا فى التورد على وجه السرعة ، بينما عينيها تنظر فى كل مكان إلا إليه ، متسائلاً عن سر تلك الخفقات ، التى تضرب جنبات صدره فى إيقاع متناسق مع أهدابها التى تُغلق بأنسياب ثم تعود وتُفتح من جديد كاشفة عن حدقتين صافيتين ، يرى أنعكاسه داخلهما ، صغيراً ومنحسراً بداخل نقطتيها دون نقصان ، دون حزن أو تأنيب ، نسخة مكتملة عنه ، وكأن أنحباسه بداخل نجومها المتلألئة هو موضعه الأصلى ، وسر ذلك الكمال ، مقاطعاً تفكيره حركتها المحتدة تحاول الأفلات من بين ذراعيه ، يليه صوتها تقول بتأهب :
-(( لو سمحت .. عندى توضيح بخصوص إمبارح )) ..
ضيق جفنيه فوقها ولم يعقب فأردفت تقول بجمود بعدما أبتعدت عنه مسافة كافية كأنها تخشى تأثير الأقتراب على قرارها :
-(( إمبارح .. مكنش قصدى أى حاجة من اللى حصلت .. ولا كنت بحاول أعرف حاجة مش من حقى أعرفها .. أنا عارفة حدودى كويس .. وعارفة أنى هنا مش أكتر من مسجونة .. بتكمل فترة عقوبتها .. لحد ما تقرر تفرج عنى .. فصدقني اخر حاجة ممكن تيجى فى تفكيرى أنى أعرف حاجة تخصك )) ..
رد بعصبية وقد تحولت ملامح وجهه خلال لحظة واحدة للتجهم :
-(( طب كويس أنك عارفة مقامك .. وقبله عارفة أنك هنا بشكل مؤقت .. وعشان أحنا الاتنين نرتاح قولي الحقيقة عشان عقوبتك تخلص ويتحقق اللى عايزاه )) ..
رفعت رأسها تنظر مباشرة داخل عينيه تستبين أى شئ من خلالهما ، ولأول مرة تجد نفسها تفقد السيطرة على أعصابها أمامه فقد سئمت أتهاماته المتتالية لها ، دون اعطائها الفرصة للدفاع عن نفسها فأندفعت تصيح بأهتياج وقد قررت مجابهته :
-(( انت مش مستنى تسمع منى الحقيقة .. عشان الحقيقة أتقالت قدامك مليون مرة .. أنت مستنى تسمع منى اللى يريحك .. وده مش هيحصل .. أنا مقتلتش أخوك ولا عمرى فكرت أقتله .. أنا واحدة وقعت فى فخ واحد قذر ضحك عليها بحجة الشغل .. وياريته أكتفى بكدة وبس !! لا ده بعدها جه يشهد عليا زور قدامى وعينى فى عينه من غير ذرة شفقة أو تأنيب واحدة .. عايز تشوفنى مجرمة عشان تسكن وجعك وضميرك يرتاح أنت حر .. مش عايز عينك تبعد عنى عشان متشوفش القاتل الحقيقى برضة أنت حر .. بس ده مش هيغير حاجة من الواقع .. أنا .. مقتلتش .. حد .. ولو قضيت معاك عمرى كله هفضل عند كلمتى .. مقتلتش حد )) ..
ظل صدرها يعلو ويهبط بقوة من أثر الانفعال حتى بعدما توقفت عن الحديث ، ثم اندفعت داخل المرحاض تغلق الباب خلفها بعنف تاركة لعبراتها المتحجرة العنان فى السقوط دون تحديد سبب بكائها ، بينما أنسحب هو للخارج بخطوات مرتبكة بعدما ألتقط هاتفه وصدى كلماتها يتردد داخله شاعراً بالعجز والتخبط ، متجاهلاً صوت ضعيف آتياً من بين ثنايا صدره يهتف مطالباً بالانصياع .
**********************
-(( حصل أيه تانى يا عز ؟! خير شكلك مضايق ولونك مخطوف ؟! )) ..
كان هذا هو صوت أنور الذى هتف مستفسراً وهو يسحب مقعده ويجلس مقابلاً لصديقه فى الغربة ” عز الدين ” الذى سارع يجيبه متأثراً :
-(( أيمن يا أنور .. تخيل حاول يعتدى على فريدة إمبارح بعد ما خلصت مناوبتها فى المستشفى .. وشهاب شبهه منهار وبيفكر ياخدها ويرجع بيها مصر )) ..
زفر أنور مطولاً ثم قال معقباً بضيق :
-(( ازاى يعنى يا عز !! .. مفيش حد قادر يوقفه عند حده ويقوله عيب كده !! .. واحدة قالت مش عايزاه ومش بتحبه هو الجواز غصب !! .. وحتى لو .. مش الحل شهاب يسيب أكل عيشه عشان خاطر أيمن وجنونه )) ..
أومأ عز الدين رأسه موافقاً بأصرار ثم هتف مقترحاً بحماس :
-(( أنا قلت كدة لشهاب إمبارح .. وبلغته أننا معاه وحواليه مهما حصل .. ولو وصلت حد فينا يتجوزها ويحميها من أيمن وجنانه مش هنتأخر )) ..
-(( بابا .. يا حاج !! .. يا حاج أنــور .. سرحان فى أيه ؟! )) ..
رفع أنور رأسه يتطلع إلى جواد الواقف أمامه وينظر إليه بأستغراب ، بعدما أعاده صوته من رحلة سريعة إلى الماضى ثم غمغم يجيبه بشرود :
-(( ها .. لا مفيش .. تعالى بس أقعد قدامى )) ..
أمتثل جواد لأمره ثم هتف يقول بنبرة مرحة :
-(( مفيش أيه بس يا عم أنور .. ده أنا بقالى ساعة واقف قدامك بنادى عليك وأنت مش هنا خالص .. سرحان فى مين بس ومستغل غياب الحاجة )) ..
رمقه والده بنظرة مؤنبة قبل أن يقول بفطنته المعتادة :
-(( متعملش عليا الشويتين اللى بتعملهم على أمك وأختك وطاهر .. أنا غيرهم )) ..
صمت لوهلة تنهد خلالها بأسى ثم أردف بقول بنبرة يشوبها الحزن رغم قوتها :
-(( فى خساير بتكون مكسب .. ومكسب كبير كمان .. لدرجة لو اللى أذانا عرف الخير اللى هيجيلنا من ورا أذاه كان أستخسره فينا .. فهمتنى يا عبد الجواد )) ..
أجابه جواد معقباً بنبرة ذات مغزى :
-(( طب مش الأولى نمنع الأذى قبل ما يحصل .. ولا مكتوب على ولاد المناويشى يمشوا نفس الطريق للأخر )) ..
أرتسمت إبتسامة خفيفة على ثغر والده ثم قال مطمئناً :
-(( متخافش على علياء .. ولو أنا خرفت فهى وراها أسد تانى واقف يحميها .. المهم متنسنيش أنا طلبتك ليه وقولى .. متعرفش مرات طاهر أسمها الكامل أيه ؟!! )) ..
أختفت المسافة ما بين حاجبيه ثم سأله بفضول :
-(( خير يا بابا .. بتسأل ليه ؟! .. البنت عجبتك صح .. أنا كمان أتفاجئت بتصرفاتها إمبارح )) ..
أجابه والده مقتضباً دون تفسير :
-(( هى بس فكرتنى بحد .. ها تعرف أسمها أيه ولا لأ ؟! )) ..
أجابه جواد بعدم ثقة مستنكراً غموض والده :
-(( أسمها رحمة النويري .. ده اللى فاكره من سير التحقيق .. أما باقى الأسم مركزتش فيه .. بيتهيألى طاهر هو اللى عارفه )) ..
حرك رأسه موافقاً وقد تأكدت شكوكه ثم غمغم قائلاً بنبرة خافتة وملامح وجه شاحبة :
-(( نفس الشبهه ونفس الأسم .. معقول !! )) ..
سأله جواد مستفسراً :
-(( بتقول حاجة يا بابا )) ..
أجابه نافياً بأرتباك :
-(( لا يا حبيبى .. بقول معطلكش عن شغلك أكتر من كدة .. اتوكل أنت على الله ومتنساش تاخد أختك فى أيدك )) .
طبع الاخير قبلة مودعة فوق كف والده قبل خروجه من الغرفة ، تاركاً والده يعود لعزلته ، مستنكراً تدابير القدر ، التى أوقعت إبن شقيقه فى طريقها دوناً عن الجميع .
************************
فتحت عينيها فى الصباح بوهن ، تنظر إلى الغرفة من حولها بكل محتوياتها المقيتة ، قبل أن تعتدل فى نومتها وتجلس على مضض ، متألمة ، ومتأملة كل تلك الكدمات الزرقاء التى تغطى جسدها ، مع بعض الدماء المحبوسة على أجزاء متفرقة من ذراعها وعضمة فخذها ، تاركة عبراتها الساخنة تسقط بحرقة شاعرة بها تكوى وجنتها ، ندماً على ما أقترفته يداها ، فبعد مضى أسبوع كامل بصحبته ، أستغل خلالها جسدها أسوء الأستغلال ، كاشفاً الستار عن مرضه الغريب وميوله الشاذة ، تبدلت نظرتها ، ففى بدء الأمر أعجبت بطريقته المختلفة ، القوية والعنيفة فى تولى الأمور ، تجربة مثيرة لم تعهدها مع زوجها ” جواد ” الناعم المراعى لأنوثتها ، ليتصاعد الوضع بعدها ويصبح تعذيب يومى ، تحت مسمى الأختلاف ، دون مراعاة لجسدها الضئيل الضعيف الذى يأن يومياً تحت عنفه وقسوته ، فمن يصدق أن الشخص الذى ظل يغدقها بعبارات الغزل الرقيقة ، هو نفسه ذلك المتوحش السادى ! ، سحبت “رنا” نفساً عميقاً قبل أن تمد ذراعها الأيسر أمام ناظريها ، تتأمل العلامة الحمراء الناتجة عن أصفاد ليلة البارحة ثم أغمضت عينيها بأنكسار تحاول الخروج من الفراش قبل أن يصلها صفيره السعيد متلذذاً بما تمر به يليها خروجه من الحمام محيطا خصره بمنشفة كبيرة ثم قال بلا مبالاة بعد رؤيته كدمات جسدها المنتشرة فوق بشرتها البيضاء :
-(( فى كريم جوة فى الحمام ، أبقى أدهنى منه )) ..
صمت لوهلة ثم أردف يقول بنبرة ذات مغزى بعدما غمز لها بأحدى عينيه :
-(( عشان بليل عندنا حفلة جديدة )) ..
قالت رافضة بألم :
-(( أنا مش هعمل أى حاجة .. مش شايف جسمى عامل أزاى !! )) ..
أنقض عليها جاذباً خصلات شعرها بعنف ثم تمتم هامساً بشراسة جوار اذنها بنبرة خفيضة :
-(( أنتى هنا لمزاجى وبس .. مش أكتر من ***** تعمل اللى يعجبنى وقت ما يعجبنى )) ..
أفلت خصلاتها أولاً من بين يديه ثم أستطرد يقول بمقت بعدما دفع وجهها بعيداً :
-(( قومى خدى دش سخن يخفف الوجع لحد بليل .. وأه هتلاقى الفيزا كارد اللى طلبتيها فوق الكومود عندك .. عشان تبقى مسامحة بس )) ..
أدارت رأسها فى الحال تنظر إلى حيث اشار هو بعينيه قبل أن تمد ذراعها وتقبض بقوة على البطاقة البنكية الخاصة بحسابها المصرفي الجديد ، بينما شرع هو فى أرتداء ملابسه قبل أن يرتفع رنين هاتفه فسارع يجيب بهدوء :
-(( ها عندك جديد ؟! )) ..
أجابه مساعده بحماس :
-(( أيوة يا رائف باشا .. إمبارح وقع فى أيد حد من حبايبنا سى فى ليها .. واضح أنها بتدور على شغل من البيت )) ..
لمعت عيناه ثم قال مفكراً بأفتخار :
-(( بــس .. اتحلت لوحدها أهو .. خلى حد من عندنا يتواصل معاها على أنه عميل محتاج شغل .. ويتفق ويديها كل اللى تطلبه .. وبعد كدة أدينى الرقم وأنا هتعامل )) ..
سأله كريم بفضول :
-(( ناوى على أيه يا ياشا مش هتفهمنى ؟! )) ..
تنهد مطولاً بأشتياق ثم أجابه بعدم تفسير :
-(( خلينى شوية وأعملها زيارة .. ماهو برضة مينفعش نكتفى بجواد لازم ندير على طاهر )) ..
ألتفت ينظر فى أثر رنا التى أختفت داخل الحمام ثم أردف يقول بأستهزاء :
-(( معلش بقى نصيب عيلة المناويشى .. مفيش واحد فيهم مالى عين مراته )) ..
*************************
داخل صرح عائلة المناويشى ، طل جواد من خلف الباب الموارب يسأل بصوته الأجش :
-(( طلبتنى ؟! )) ..
رفع طاهر رأسه من فوق الملف الخاص بترميم الميتم ثم أجابه بترحاب :
-(( تعالى يا جواد عايزك )) ..
سار جواد حتى جلس أمامه فى الكرسى المقابل له ثم عاد يسأل من جديد :
-(( أدينى جيت وقعدت كمان .. خير إن شاء الله )) ..
أجابه بجدية بعدما شبك كفيه معاً :
-(( خير أكيد .. بخصوص جمعية الأمل .. كنت عايز أبلغك بحاجة )) ..
أستدار جواد بجذعه ينظر مباشرةً إلى وجهه قبل أن يسأله بترقب :
-(( حصلت حاجة ولا أيه ؟! .. ده أنا كنت لسه هخلص الشغل هنا وأطلع عليهم )) ..
أجابه طاهر نافياً وبقوة :
-(( لا خالص بالعكس .. أنا بس كنت عايز أقولك قرار أخدته وبلغت الحسابات بيه.. أى مصاريف خاصة بالميتم .. هتكون على نقفتى الخاصة وبرة حسابات الشركة )) ..
قطب جواد جبينه ثم هتف يسأله معترضاً بأستنكار :
-(( ليه بقى إن شاء الله ؟!! )) ..
أجابه بأقتضاب :
-(( ناوى أخليه صدقة جارية على روح عمرو .. وعشان كدة هتكفل بكل حاجة تخصه .. غير أنى هشرف عليه بنفسى )) ..
عقب جواد بنبرة لا تخلو من العتاب رغم موافقته :
-(( طيب موضوع نفقتك الشخصية ده مش هتكلم فيه عشان هو حقك .. بس متحرمنيش أنا كمان من الثواب .. عمرو مكنش اخوك لوحدك .. ومادام هتتكفل بالمصاريف سبنى أباشر أنا التنفيذ .. خلينى أحس أنى عملت حاجة ليه .. ألا لو معتبرنى غريب عنكم )) ..
أبتسم طاهر بأمتنان حتى ظهرت تلك الابتسامة جلية داخل مقلتيه ثم أومأ برأسه موافقاً وعيونه تلمع بما لا يستطيع لسانه النطق به ، قبل أن يغير جواد مجرى الحديث متسائلاً بفضول :
-(( الأ صحيح مقلتليش مشيت بدرى ليه إمبارح من غير ما تقول حتى ؟! .. عمك زعل وأكل دماغى طول السهرة .. والصبح لقيته بينادى عليا يسألنى أسم رحمة الكامل أيه )) ..
أتسعت أذنيه عن أخرهما ورفع رأسه بحدة ينظر إلى جواد شرزاً بمجرد أستماعه إلى حروف أسمها يخرج من بين شفتيه ثم قال معقباً بجمود :
-(( وعَمَى عايز أسمها فى أيه )) ..
أجابه بعدم فهم :
-(( مش عارف .. بيقول فكرته بحد )) ..
طالع طاهر بشرود ثم أردف يقول كأنه يتذكر ملامحها أمام عينيه :
-(( بس شكل عمك معجب .. بصراحة البيت كله مش بس عمك .. والحقيقة أنا مش عارف هى مستحمله معاملتك ليها كدة أزاى .. البنت باين عليها الرقة والأحترام والتدين .. ومختلفة عن كل اللى عرفناهم قبل كدة )) ..
أنتفض واقفاً بجسد متشنج محاولاً أخفاء غضبه الغير مبرر ، بينما جواد يستطرد مستكملاً حديثه :
-(( بصراحة أنا شايف أنها مظلومة وفعلا أضحك عليها .. ومن حظك أنها وقعت فى طريقك .. لأن لو كانت واحدة من إياهم أكيد كانت حاولت تأذيك .. بس طريقة تعاملها معانا إمبارح تقول أنها بنت أصول .. حاجة كدة الواحد مش بيقابلها كل يوم .. ويابخت اللى تقع فى حظه )) ..
-(( جـــووواد )) ..
طالعه جواد مستنكراً صياحه العصبى ، ثم هتف يسأله ببراءة :
-((مالك فى أيه ؟! )) ..
اجابه بنبرة متشنجة :
-(( مفيش .. أنا خلصت شغل النهاردة ومروح )) ..
أومأ الأخر برأسه موافقاً ثم غمغم مفكراً بأستغراب وهو يراقب أنسحاب صديقه من الغرفة :
-(( هو ماله ده !! )) ..
***********************
بداخل موقع الأنشاءات وقفت علياء تتابع بأنبهار كل ما يحدث من حولها ، سعيدة بتلك التجربة التى تخوضها للمرة الأولى ، وممتنة لشقيقها الذى أقترح مساهمتها فى ذلك المشروع خصيصاً ودوناً عن الجميع ، غافلة عن ذلك الذى يتابعها هو الأخر بحسرة ، مقراً بملكية شخص اخر لها عن عدم أقتناع ، ورغم ذلك لا يملك سوى الأعجاب بكل ما يصدر عنها ، قبل أن يجذب أنتباهه صوتها المرح ، تجيب عن هاتفها بأبتسامة واسعة :
-(( أنا كدة هتعود .. مش مصدقة أنك بتكلمنى فى الشغل )) ..
صاح محمد مفسراً بسعادة :
-(( عندى خبر حلو كان لازم أشاركك فيه )) ..
سألته بترقب :
-(( متقولش أنك أترقيت )) ..
قال مؤكداً بنبرة مختنقة من كثرة الحماس :
-(( ومش بس كدة مرتبى زاد الضعف تقريباً )) ..
غمغمت ممتنة بأرتياح :
-(( بجد .. الحمدلله يا محمد .. فرحت أوى .. عقبال كل مرة )) ..
قال معقباً بسعادة هو الأخر :
-(( الحمدلله .. الفضل يرجعلك يا حبيبتى .. أنتى اللى صبرتى معايا وأستحملتينى وإن شاء الله هعوضك .. يلا بقى عايزك تخلصى الشقة على طول .. عشان نجتمع سوا فى بيت واحد )) ..
أبتسمت خجلة ولم تعقب فعاود هو يقول على أستحياء :
-(( علياء عندى طلب صغير .. ياريت وأنتى بتختارى حاجات البيت تراعى ظروفى شوية .. مش عايز أصرف كل اللى جايلى .. أى حاجة وخلاص تلمنا .. وبعدين هعوضك عن كل ده )) ..
أختفت أبتسامتها ثم غمغمت تجيبه بأحباط :
-(( حاضر متخافش .. أنا عمرى ما هضغط عليك فى طلبات .. ومتنساش عرض بابا .. اللى نحتاجه هو هيتكفل بيه )) ..
عقب فرحاً بعد سماع الجملة الأخيرة :
-(( ربنا يخليهولنا )) ..
على الطرف الأخر أستمع يحيى إلى حديثها عن دون قصد ، ثم وجد نفسه يتحرك من جوارها قهراً ، مقرراً الأنسحاب من ذلك العمل ككل حتى لا يحتك بها قبل أن يوقفه صوتها يهتف بحرج :
-(( دكتور يحيى )) ..
أستدار بجزعه ينظر إليها بضيق فأستطردت تقول بنعومة :
-(( ممكن أستشيرك فى حاجة طبية ؟! )) ..
همهم موافقاً دون تعقيب واضح فأردفت تقول بأستفاضة :
-(( بنت أخويا الصغيرة مامتها وبباها أنفصلوا وهى مش عارفة تتقبل ده .. ينفع تساعدنى ؟! طبعاً كميعاد رسمى )) ..
أجابها موافقاً ومقترحاً رغم ضيق صدره :
-(( لينة اللى شفتها معاكى ؟! مفيش مشكلة .. أيه رأيك لو يوم صادفتها فى النادى زى المرة اللى فاتت ؟! بدل من العيادة .. أظن كدة أحسن ؟! )) ..
هتفت مستحسنة :
-(( أه طبعاً أحسن .. هرتب معاك يوم نتقابل فيه .. بما أننا هنتقابل هنا كتير )) ..
لوى ثغره ولم يعقب ، فداخله قد عقد العزم على مساعدة الطفلة من أجل الصغيرة وليس أكراماً لها ، وأثناء ذلك سيتجنب الاحتكاك بها أو التعامل معها سوى فى أضيق الحدود .
***************************
قادته خطواته رغماً عنه إلى الممر المؤدى إلى المطبخ ، مدفوعاً بفضوله ومنجذباً إلى همهمات صوتها الدافئ ، المسترسل فى الحديث دون توقف ، متعجباً تارة ، ومستنكراً تارة ، ومازحاً تارةً أخرى ، حتى وصل إلى مشارفها ، ووقف يتابع فى صمت ، حركتها الرشيقة داخل حدود مطبخه الواسع ، وهى تغمغم بخفوت أحدى نغمات فيروز المفضلة إليه والتى ألتقطتها أذنيه بسهولة ، قبل أن تُنهى مدبرة منزله مراقبته المختلسة وتعلن عن وجوده ، عندما سألت مستفسرة بتعجب من زيارته الأستثنائية :
-(( طاهر بيه ؟! .. خير فى حاجة ؟! )) ..
أستدارت رحمة بحدة تنظر إليه متفاجئة قبل أن تنزوى خجلة بعيداً عن مجال رؤيته ، فى حين هتف هو يقول مبرراً بأرتباك واضح بينما عينيه تتتبع خطاها الحرجة المتعجلة :
-(( أه .. كنت عايز قهوة )) ..
هتفت تقول مستنكرة بضيق :
-(( وااه .. وجاى بنفسك تطلبها !! .. مندهتش عليا ليه كنت جيتلك جرى ؟! )) ..
أجابها كاذباً للتخلص من ذلك الموقف الحرج :
-(( ناديت بس تقريباً مسمعتيش )) ..
أبتسمت بود ثم أجابته طائعة بنبرة تحمل داخل طياتها الأعتذار :
-(( الظاهر كبرت وسمعى تقل .. معلش يابنى .. أطلع أنت أرتاح وثوانى وهتكون عندك )) ..
أبتسم موافقاً بخفوت ثم أنسحب إلى غرفته بينما شرعت أم الحسن فى تنفيذ طلبه وبعد الأنتهاء منه قالت لرحمة التى كانت تجلس جوارها تطلب منها بنبرة عابثة :
-(( يا ست البنات .. ينفع أطلب منك طلب ؟! )) ..
أنتصبت محولة كامل أنتباهها إليها ثم سألتها مشجعة بقبول :
-(( أتفضلى يا ماما فادية )) ..
أتسعت أبتسامة الأخيرة ثم أردفت تقول برجاء :
-(( معلش يا بنتى بس رجلى وجعانى النهاردة بزيادة معرفش ليه .. تزعلى منى لو طلبت منك توصلى القهوة لطاهر بيه ؟! )) ..
ظهر صراع عقلها الباطن جلياً على ملامح وجهها قبل قبولها على مضض :
-(( حاضر .. أرتاحى أنتى وأنا هطلعها )) ..
رمقتها مدبرة منزله بأنتصار قبل أن تنطلق رحمة فى طريقها حاملة طلبه بين يديها ، أما بداخل الغرفة وبعدما أستبدل ملابسه بأخرى بيتية مريحة وشرع يستأنف عمله من المنزل ، أستمع إلى طرقات خافتة فوق باب الغرفة كإجراء أحترازى قامت به هى تحسباً ، فسارع بفتح الباب بينما عقله منشغلاً فى التحدث عبر الهاتف إلى سكرتيرته يسألها متعجباً :
-(( بس دى أول مرة تحصل !! .. أزاى يبعتوا الأيميل بالصينى .. حاولى ترجعيلهم تانى وتبعتى الميل بالأنجلش وأستنى الرد )) ..
قاطعته سكرتيرته معترضة :
-(( بس يا طاهر بيه أنا فعلاً حاولت أعمل كدة .. وجالى الرد برضة بالصينى .. وبصراحة مش فاهمة طلبهم وخايفة يكون فى حاجة مهمة وأحنا نتأخر فى الرد .. عشان كدة بقترح نشوف حد يترجم الأيميل ويرد عليهم أو حد يطلب منهم على طول أرساله بالأنجلش أفضل )) ..
زفر بقلة حيلة ثم أجابها موافقاً بأستسلام :
-(( طيب اقفلى وأنا هتصرف .. فرودى بس الأيميل على إيميلى الشخصى وأنا هتعامل )) ..
أستمعت رحمة رغماً عنها إلى حديثه عبر الهاتف أثناء وضعها صينية القهوة فوق المكتب الصغير قبل أن تسير فى أتجاه غرفتها وهى تلوى فمها مفكرة بحيرة ، ثم همست مقترحة بتردد بعدما توقفت واستدارت موجهه حديثها إليه :
-(( مش قصدى أسمع .. بس أعتقد فى مشكلة فى الشغل .. فلو حابب يعنى .. ممكن أساعدك فى الترجمة )) ..
سألها مندهشاً بأستغراب :
-(( تعرفى تترجمى صينى ؟! )) ..
أجابته برقتها المعتادة :
-(( صينى وألمانى وفرنش وأنجلش .. ده مجال شغلى .. يمكن نسيت )) ..
حرك رأسه متذكراً بأستحسان ثم قال موافقاً :
-(( أه ياريت .. الشركة الصينية اللى طالبين منها دفعة من المعدات باعته إيميل بالصينى وللأسف محدش عارف يترجمه )) ..
قالت بسهولة وثقة :
-(( تمام .. ممكن اشوفه ؟! )) ..
أنحنى بجزعه يلتقط جهازه اللوحى من فوق الفراش ، ثم وقف جوارها ملتصقاً بجسدها وماداً ذراعه بالكمبيوتر اللوحى أمام نظرها ، منتبهاً إلى تخليها عن وشاح رأسها الكامل وأستبداله بعمامة رأس صغيرة “تربون” ، أنحسرت للخلف كاشفة عن منابت شعرها الفحمى مع تسلل بعض من خصلاته لتسقط بعشوائية مداعبة عنقها الممشوق ، ومتابعاً بشعف ردات فعلها المتتالية ، بداية من أهدابها المنسدلة لأسفل تطالع بتركيز شاشة الجهاز ، إلى شفتيها الممطوطة للأمام بعبوس ، يليها إبتسامة ثقة كشفت عن غمزة خفية يراها لأول مرة قبل أن ترفع عينيها اللامعة نحوه وتقول مفسرة بنعومة بالغة :
-(( بيطلبوا منك تعيد أرسال إيميل الطلبات للتأكيد .. وبيعتذروا عن اللغة .. بس هما بيقابلوا مشكلة مع مترجم الشركة وبيوعدوا خلال يومين هتتحل وهيعيدوا أرسال الأيميلات بالأنجلش تانى )) ..
نظر إليها ولم يعقب فتحركت بتلقائية تسحب الجهاز اللوحى من بين يديه مما أدى إلى تلامس أصابعهما معاً ثم سارعت تكتب بخفة متجاهلة ذلك التلامس عن قصد وبعد الأنتهاء عاودت وضعه فى يده قائلة بأرتياح بينما ثغرها ينفرج مبتسماً له للمرة الأولى :
-(( كدة خلاص .. بلغتهم أننا متفهمين موقفهم .. وهنرسلهم الطلب بكرة الصبح .. وشكرتهم على حسن تعاونهم معانا )) ..
للمرة الثانية لم يعقب على حديثها ، حيث أختفت الأصوات من حوله وعم الصمت المكان إلا من صوت عقله المهزوم ، وقد أنقسم إلى شطرين ، نصف يتجمد داخل الثلج ، بينما الأخر ينصهر بنيرانه ، شطر يحلق منتشياً بحرية ، فى حين الأخر مقيد بالأغلال ، نصف يحكم بالمنطق بينما الاخر يتخبط بهذيان ، تفاجئت به ينحنى نحوها برأسه ثم رفع ذراعه أمام وجهها ، وتلمس بأطراف بنانه وجنتها ، أغمضت هى عينيها مطبقة أجفانها المرتجفة بقوة فوق بعضهم البعض بينما رأسها يتراجع للخلف هاربة من أنفاسه الساخنة التى تلهو فوق شفتيها المهتزة ، وتقترب رويداً رويداً حتى تلامس طرف أنفه بخاصتها ، فى حركة خاطفة ، جعلت جسدها يجفل ، قبل أن تفتح عينيها على أتساعهما ، تطالعه بحيرة ، مراقبة أبتعاده عنها عدة أنشأت بسيطة ، قبل أن يقول مبرراً بنبرة هامسة متحشرجة بعدما رفع أصبعه أمام عينيها :
-(( فى رمش .. واقع )) ..
حررت أنفاسها المكتومة داخل صدرها ، ثم رفعت رأسها بخفة تنظر إلى أصبعه أولاً ، قبل أن تنفخ ببطء وترو أمام أبهامه بعدما أغمضت عينيها فى عادة قديمة بالنسبة إليها مطلقة العنان لأمنيتها ، ثم أنسحبت داخل غرفتها وأغلقت الباب خلفها جيداً ، وداخلها يتمنى أن يتحقق ما تمنته وينتهى أسرها قريباً .
*************************
تابعها بعينيه يراقب نشاطها الزائد منذ الصباح الباكر ، وتلك الأبتسامة السعيدة التى تملئ محياها ، ثم تحدث يسألها بفضول رغم نبرته المتحفظة :
-(( يعنى أنتى خلاص وافقتى تتعاونى معاهم ؟! )) ..
ألتفتت غفران تنظر إليه من فوق كتفها ثم أجابته بحماس :
-(( طبعاً وافقت .. بصرف النظر أنى لسه عندى بعض التحفظات عليهم .. بس تخيل يا بدر دول حطوا مهندسين شركتهم كلها تحت أمرنا .. مش مصدقة الأهتمام ده كله منهم .. ومادام الولاد هما المستفادين .. يبقى أى كلام تانى ملهوش لازمة )) ..
هز رأسه موافقاً على حديثها بينما عاودت هى تقول من جديد :
-(( النهاردة مش ورايا حاجات كتير .. هنبدء بس صب أول يوم فهروح أطمن .. وبعدها أزور طنط وهرجع على طول .. يعنى كلى أذان صاغية عشان الموضوع المهم اللى طلبت نتكلم فيه )) ..
صاح يسألها بذعر :
-(( أنتى قلتى رايحه فين !!!!!! )) ..
أجابته ببساطة :
-(( هروح أزور طنط .. مامتك .. بقالها كتير مزارتناش وأنا مشفتهاش .. هو فى حاجة ولا أيه ؟! )) ..
أبتلع لعابه وحاول السيطرة على قلقه ثم أجابها نبرة شبهه هادئة :
-(( لا مفيش .. بس ياريت تأجلى زيارة ماما النهاردة .. أنتى عارفة هى عندها قريبتنا من البلد .. وده ليه علاقة بالموضوع اللى عايزك فيه .. وبعد ما نتكلم بليل هنروح سوا )) ..
حركت كتفيها بعدم أهتمام ثم قالت معقبة بعدما سحبت حقيبة يدها أستعداداً للخروج :
-(( أوك زى ما تحب .. هرجع النهاردة بدرى وهستناك .. متتأخرش )) ..
هذا ما أوهمته به قبل الذهاب ، أما بداخلها فقد أثار ذعره الغير مفهموم ريبتها مما جعلها تعقد العزم على الذهاب وأستكشاف ما يدور من حولها ، حتى وأن تسبب ذلك فى أغضابه ، ففى أعماقها هناك صوت يهتف بلا توقف بعلاقة تغير والدته وتلك الضيفة القروية الجديدة ، وها هو قد أثبت من خلال حديثه عن غير عمد صدق حدثها وعليه فقد قررت المضى قدماً حسب جدولها القديم ، ولكن أولاً سُتنهى عملها العاجل البسيط ثم بعدها لتقم بعمل زيارة مفاجئة لوالدته داخل منزلها .
*********************
فى سكون الليل بظلمته الباردة ، أستلقى كعادته يحدق فى الفراغ بصمت مستسلماً لتأوه غصات روحه المنهكة ، قبل شعوره بها تتسلل ببطء من حوله تاركة فراشها الدافئ تتلمس صحبته ، فسارع بأغماض عينيه على صوت خطواتها الخافتة ينتظر تقدمها إليه بترقب شديد ، إلى أن وصلت إليه وأنحنت نحوه ، تتأمل ملامحه الغافية قبل أن تبسط كفها فوق موضع قلبه ، تتحسس دقاته الثائرة وتمسده بحنو ، طابعة قبلة ناعمة فوقه ثم أعتدلت فى وقفتها وأستدارت عائدة إلى حيث غرفتها ، فسارع هو بفتح عينيه والجلوس فوق فراشه ثم قبض كفه ذراعها ، جاذبها إليه وتاركاً جسدها الغض يصطدم بصدره العريض ، قبل أنحناءه برأسه نحوها هامساً أمام شفتيها بأشتياق بعدما أجلسها جواره وألتصق بها :
-(( هل أحلم .. أم فارقت روحى الجسد وأنتقلت إلى النعيم .. نعيمك رحمة )) ..
تنهد بحرارة ثم أردف يسألها حائراً بوله :
-(( وما سر تلك اللعنة التى أصبتنى بها )) ..
توردت وجنتيها بحمرة الخجل بسبب قربه الشديد منها وأنفاسه الواقعه عليها ثم سألته مبتسمة بدلال فطرى :
-وماذا لو تلاقينا فى ظروف أخرى طاهر .. هل سأظل وقتها لعنتك أم سأغدو حينها نعمتك ؟!..
أجابها مصححاً :
-رحمتي .. دائماً ما كنتي رحمة .. وياء الملكية أُضيفت خصيصاً من أجلي .
أتسعت أبتسامتها الخجلة المهلكة وأنفرج ثغرها ترقباً ، بينما شفتيه تقترب من خاصتها يتلمسها بشغف ومعلناً عن غزوه الأول لها
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية في لهيبك احترق)