رواية في لهيبك احترق الفصل الثاني 2 بقلم شيماء يوسف
رواية في لهيبك احترق الجزء الثاني
رواية في لهيبك احترق البارت الثاني
رواية في لهيبك احترق الحلقة الثانية
” لا تجزع من جرحك , وألا فكيف للنور ان يتسلل إلى باطنك ”
-جلال الدين الرومى ..
سارت بين فردى الشرطة المحاصرين لها عن اليمين والشمال غير واعية لأى شئ ما يدور حولها ، لا لتلك الأصفاد المكبلة يديها ولا للنظرات المتباينة ما بين الغضب والأحتقار والأشفاق الموجهه إليها من المصطفين على جانبى الرواق الضيق ، ولا لفلاشات الصحفيين التى تضوى بلا توقف حتى كادت تصيبها بالعمى ، أو لتدافع المراسلين من حولها أملاً فى أخذ أى تصريح منها كسبق صحفى على تلك الجريمة الشنعاء التى هزت أركان السوشيال ميديا وانتشرت داخله كسرعة أنتشار النيران فى الهشيم ، فقط كانت تنظر إلى الفراغ أمامها كالمغيبة حتى عندما دفعها أمين الشرطة لداخل غرفة وكيل النيابة لم تبدى أى رد فعل أو أعتراض بل سارت بخطواتها المترنحة المنكسرة حتى وصلت إلى أحد المقاعد الموضوعه بداخل الغرفة والمقابلة لمكتب وكيل النيابة فهى تحلم بكل ذلك ، نعم أنه كابوس مزعج وليس ألا ، وبعد قليل سيصل إليها صوت فيروز الصباحى مختلطاً بصوت والدتها الناعم كعادة كل صباح ليوقظها وينتشلها من تلك المِحنة ، هتف وكيل النيابة متسائلاً بنبرة شديده العملية بعدما أمرها بالجلوس وأستجابت لطلبه :
-(( أسمك وسنك وعنوانك )) ..
من جديد لم يصدر عنها أى رد فعل وكأنها فى لحظة واحدة تحولت إلى تمثال من الخزف لا يسمع ، لا يرى ولا يتكلم ، عاود وكيل النيابة سؤاله عدة مرات وهو ينفث دخان سيجارته الذى ألتف حول أنفه ودخل فى عينيه دون أن يرمش لوهله واحدة وعندما يأس من الحصول على أجابته باغتها بسؤال أخر جديد :
-((قتلتيه ليه ؟! ))..
ادارت رأسها ببطء شديد حيث مصدر الصوت الواصل إليها ، رمشت بعينيها مرة واحدة ثم عادت برأسها تنظر من جديد بأعين زجاجية فارغة إلى الحائط اللبنى الرطب المقابل لها مسلطة نظرها على نقطة ما فى الفراغ تستعيد ذكريات ما حدث فى الصباح منذ أستعادت وعيها لتجد نفسها داخل غرفه غريبة عنها لا تشبهه غرفتها مع وصول تيار هواء بارد إليها أصاب ذراعيها وعنقها بالقشعريرة وجعلها تنتفض بذعر تتفحص جسدها وذلك الرداء الفاضح الذى ترتديه والذى يكشف عن معظم مفاتن جسدها بوضوح ، مع قبض كفها الأيسر على ثقل ما عند أستبيان هويته لم يكن سوى مسدس نارى ، بدءت أوصالها ترتجف بشدة وهى تدير رأسها جانباً لمواجهه أسوء مخاوفها حيث ذلك “العمرو” ملقى جوارها كجثه هامدة غارقاً فى دمائه والتى تحيط به من كل أتجاه حتى وصلت إليها ، قفزت من مكانها مبتعده عن الفراش وكأن حية ما قامت بلسعها وهى تتطلع إليه فى ذهول تام وحنجرتها لا تتوقف عن الصراخ الأمر الذى أدى إلى تجمع قاطنى البناية حول مصدر الصوت وَمِمَّا سهل مهمتهم فى تتبعه هو باب المنزل المفتوح على مصراعيه منذ البارحة ، منذ كانت تقف على عتبته تنتظر أخذ عقود العمل منه ، أما ما تلى ذلك بعد رؤيتها للجمع المتجمهر حولهم والمتطلع إليهم بصدمة ثم محاولتها فى ستر جسدها وأرتداء ملابسها وحجابها الملقى بأهمال أسفل الفراش وبجوار قدميها وصولاً إلى محاوطة أفراد الشرطة المكان على أثر أتصال هاتفى من أحد افراد أمن البناية ومروراً بالفحص الجنائى ومعاينة مسرح الجريمة بعد تطويقها حتى وقتها ذلك مر دون أستيعاب أو تقبل منها ، لذا وللمرة الاخيرة عندما صاح وكيل النيابة يسألها بغضب أجابته بخفوت شديد دون الالتفاته نحوه:
-(( مقتلتهوش)) ..
أما فى الخارج فقد كانت تسود حالة من الهرج والمرج والترقب خصوصاً مع اقتراب وصول عائلة المجنى عليه وعلى رأسهم ” طاهر المناويشى ” شقيق القتيل ذو السمعة الأشهر داخل وسط رجال الاعمال ، أقترب شاب ذو عيون خضراء قاتمة مع قامه طويلة وجسد رياضى واضح كان يراقب الوضع من بعيد يتسائل بفضول شديد بعدما أخرج من أحد جيوب بنطاله علبة سجائر فاخرة قدمها لمجند الشرطة المرابط امام أحدى الغرف :
-(( هو فى أيه يا دفعه ؟!!.. مال القسم مقلوب ليه كده النهاردة ؟!!… وأيه الصحفيين دول كلهم ؟! )) ..
أجابه المجند القروى البسيط بنبرة ودية من كثره تعامله مع ذلك الفضولى الواقف أمامه :
-(( انت معرفتش ولا أيه !! .. دى جريمة قتل كبيرة أوى .. بيقولوا واحدة بنت**** من إياهم قضت ليلة مع باشا من البشوات الكبار ولما أتخانقوا طلعت المسدس وقتلته )) ..
هتف يحيى ساخراً رغم نظرة الأهتمام التى بدءت تطل من داخل عينيه :
-(( لا يا راجل .. وعشان كده الدنيا مقلوبه !! )) ..
اجابه المجند لائماً بجديه :
-(( أيوه يا عم يحيى بقولك باشا كبير أوى وعيلته تقيله .. غير أنهم بيقولوا شاب صغير وحليوة والبنات فى الفيس بوك والانسترغام اللى بيقولوا عليه ده مجانين بيه .. يعنى مش حاجه سهله خصوصاً يعنى أن أستغفر الله العظيم مات وهو نجس )) ..
التوى فم يحيى بأبتسامة جانبية ساخرة قبل أن يعاود الأستفسار من جديد :
-(( طب ما تعرفش أسم الباشا ده أيه وأتقتل عشان أيه )) ..
أجابه المجند بفخر شديد كأنه يكشف عن سر من أسرار دولة لا يعلمها الا هو :
-(( بيقولوا أسمه عمرو المناويشى .. عيلته ماسكه مقاولات البلد كلها . وزى ما قلتلك كده كان مقضى الليلة مع واحده من بتوع الد**** .. ومتعرفش بقى اختلفوا على الفلوس ولا كانت حامل وعايزاه يتجوزها عشان كده اتخانقوا وقتلته .. الله أعلم دلوقتى التحقيق يخلص وكل حاجه تبان )) ..
اومأ يحيى برأسه متفقاً مع حديث المجند ثم غمغم يقول وقد بدءت القضيه تسترعى أنتباهه :
-(( على رأيك كل حاجه دلوقتى تبان .. بس لما ألحق أكلم الأستاذة تيجى بدرى قبل ما الدنيا تتقلب أكتر من كدة جوة القسم ونشوف بعدها الحوار ده أخره أيه ))..
***************
رفرف جفنيه عدة مرات بتأفف واضح منزعجاً من حركتها المستمرة داخل الغرفه ومن حول الفراش قبل أن يقرر الأستسلام وفتح عينيه عن أخرهما والأنضمام إليها ، اعتدل بدر من نومته ثم جلس على حافه الفراش مستنداً بقدميه فوق الأرضية الخشبية أسفله وظل يراقبها وهى ترتدى ملابسها على عُجالة ثم تعود عند تذكر شئ ما من حاجياتها لألتقاطه ثم تلقى به بعشوائية شديدة داخل حقيبة ظهرها العملية ، وبعد عدة دقائق أستعاد خلالها نشاطه وتركيزه تحدث يسألها بنبره ناعسة تحمل داخل طياتها بوادر الأعتراض :
-(( غفران .. أنتى نازلة ؟!)) ..
أجابته بعدم أهتمام ولازالت يدها تعبث بحقيبة ظهرها :
-(( أه .. انت نسيت ولا أيه ؟!.. عندى جلسه الأستماع اللى كنت بحكيلك عنها بليل .. لازم أكون هناك قبل الميعاد أحتياطى ))..
رغم إيماءة رأسه بالموافقة الأ أنها شعرت بالضيق خلف نظراته المبطنة والتى يرمقها بها من منذ أستيقاظه ومع ذلك قررت تجاهلها لضيق وقتها وأستكمال ما تقوم به ، أما عنه هو فقد أغمض عينيه لوهلة بضياع فحديث والدته ليلة البارحة ما ينفك يدوى داخل رأسه بلا توقف وما زاد الأمر سوءاً هو تحركها بمفردها ومن دون علمه !! ، فبعد عدة محاولات فاشلة من جهتها لأقناعه بالزواج من أخرى بهدف أنجاب حفيد من صلبه يحمل أسم العائلة تفاجئ بها تضعه أمام الأمر الواقع وتنتقى له “عروسه ” ريفية من أختيارها ذو عيون خضراء وجسد غض ممتلئ على حد قولها ! ، اللعنه عليه !!، هل يقارن تلك الريفية بنشأتها وتعليمها المتواضع بزوجته وحب حياته !، غفران .. تلك الشابة المليئه بالحياة والتى سحرت لبه على الفور منذ وقوع نظره عليها بوجهها المستدير وشعرها الناعم القصير وجسدها الضئيل مع أبتسامتها الدائمة وقوة شخصيتها وطموحها إلى جانب نجاح حياتها العملية ، نعم هو يدرك جيداً رغبة والدته التى لا تقل قوة عن رغبته هو شخصياً فى حمل طفل صغير بين ذراعيه ولكن ما باليد حيلة فبعد مرورهم بعدد لا بأس به من الفحوصات والأستشارات الطبية أخبره الطبيب بعدم وجود أى عائق سواء من طرفها أو طرفه يمنعهما من الأنجاب ، أما ذلك التاخير فهو لحكمة ما لا يعلمها إلا الله .
-((غفران .. أيه رأيك لو نروح للدكتور ونجرب نعمل حقن تانى ؟!. ))..
نطق جملته تلك المرة بتردد شديد دون أدراك عواقب جملته هذه ، فتلك الفكرة هى أمله الوحيد فى رفض طلب والدته وأكتساب مزيداً من الوقت حتى يجد الحل المناسب لكل ما يمر به ، توقفت يدها عن العمل وأستدارت برأسها تنظر نحوه بأستنكار تام قبل أن تجيبه :
-(( أيه ؟!!!.. بدر !!.. انت بتتكلم جد ولا بتهزر ؟!!.. لان معتقدش فى هزار فى حاجه زى دى ولو بتتكلم جد تبقى أتجننت !! ))..
أنتفض من جلسته يجيبها بنبره متشنجة وقد أثار ردها حفيظته خصوصاً بظروفه التى يمر بها:
-(( اه بتكلم جد .. وجد جداً كمان !!.. ولا هو عشان عايز حته عيل أفرح بيه أبقى أتجننت ؟!!))..
سحبت غفران نفساً عميقاً تسيطر بها على دقات قلبها التى تقرع داخل ضلوعها بلا توقف غضباً وحزناً معاً ثم أجابته قائلة بنبرة مليئة بالأحباط :
-(( اه تبقى مجنون .. لما يبقى لسه ممرش شهر على نزول البيبى تبقى مجنون !!.. لما تطلب منى أعيد تجربه لسه عايشاها بألمها وتعبها وقهرتها تانى تبقى مجنون !!.))..
صمتت لوهلة أبتلعت خلالها لعابها وسيطرت بها على سيل ذكرياتها التى بدءت تتدفق بلا توقف عن تجربتهم الأخيره الفاشلة ثم أردفت تقول بشئ من الأسى :
-(( عارفه كويس ومقدرة انك نفسك فى طفل وأنا مش معترضة أنى أحاول وأجرب تانى وتالت ورابع لحد ما ربنا يكرمنا ويرزقنا بالنتيجه اللى عايزنها .. بالعكس .. أنا محتاجه منك تفهمنى وتراعينى .. احنا لسه مجربين والطفل نزل بعد الحقن بأسبوعين .. ع الأقل أدينى فرصه أستوعب اللى حصل وأتقبله عشان أعرف ابدء تانى وأحاول من جديد ))..
أن كانت تظن أن كلماتها تلك ستثنيه عن قراره فهى واهمه إذ هتف يقول بتصميم :
-(( خلاص لو تعبانه من المحاولة يبقى خلينى أتجوز زى ما ماما أقترحت ونخلص من الموضوع ده ))..
وقعت تلك الكلمات على أذنيها كالصاعقة ، وجحظت عينيها للخارج بعدم تصديق ، بينما عض هو على شفتيه بندم ، ما هذا الهُراء الذى تفوه به للتو !!، لقد سمح لوالدته بالتغلل فى عقله أكثر من اللازم ويجب عليه وضع حد لذلك الأمر عاجلاً غير أجل ، أما هى فقد فاجئته تهتف بعصبية كالأسد الجريح تحاول الثأر لكرامتها المنتهكة :
-(( لو عايز تتجوز أتفضل .. بس قبلها تدينى ورقتى وتسيبنى أشوف حالى ))..
كانت الصدمة تلك المرة من نصيبه هو عند سماعه تلك الكلمات المستهينة به وبكرامته ، فتحت فمها لتضيف مزيداً من الجمل وفى تلك اللحظة دوى رنين هاتفها معلناً عن اتصال هاتفى جديد ، فتحت تجيب بنبره شبهه مرتعشة متحاشية النظر لذلك الذى يقف أمامها ويرميها بنظرات مملؤءه بالغضب :
-(( أفندم يا يحيى )) ..
أجابها يحيى شارحاً على عُجالة :
-(( صباح الخير يا غفران .. كنت حابب ابلغك أنى ف النيابة وصلت بدرى كالعادة ولقيت هناك جريمة قتل متهم فيها واحدة )) ..
أنصتت بأهتمام شديد لمجرد سماعها تلك الكلمات وبعد أنتهاء جملته تسائلت بفضول :
-(( طب أيه !! .. وصلت لحاجة ؟!.. باين من صوتك أنك مهتم ))..
أجابها يحيى بجدية واضحة :
-(( بصراحة أه .. رغم أنى مستنى لحد ما أشوف التحقيق النهائى هيوصل لأيه .. بس شكلها قضية نفسيه دسمة ))..
فركت غفران جبهتها بسبابتها عدة مرات بتوتر وأرهاق ملحوظ ثم قالت ناهية الحديث :
-(( تمام هجيلك فى أسرع وقت نشوف الدنيا فيها إيه )) ..
أنهت مكالمتها العاجلة ثم عادت تنظر إلى زوجها بندم وقالت بنبرة لينة بعدما زفرت عدة مرات :
-(( بدر لو سمحت .. خلينا ننسى كل اللى حصل من شوية ده .. أنا لازم اتحرك دلوقتى بس وعد بليل لما أرجع هنتكلم زى أى أتنين متحضرين بهدوء .. ماشى ؟!.. )) ..
زفر هو الاخر على مضض مستسلماً دون تعقيب فسارعت هى بالأقتراب منه وطبع قبلة ناعمة فوق جبهته قبل ألتفاطها حقيبة ظهرها والركض إلى الخارج .
*****************
الرجل لا يبكى .. الرجل الحقيقى يقف كالأسد فى مواجهه المصائب التى تُحل به .. لا ينتحب مثل النساء .. بل يتخذ موقف .. وفى حالتنا وعرفنا نتجهه للقصاص ” ، كلمات طالما ألقاها والده السيد حكيم على مسامعه منذ الطفولة ، حُفرت فى عقله كالنقش ، وساعدته على تخطى الصعاب بداية من موت والدته فى سن مبكّر ثم بعدها خداع زوجته واستغلالها له إلى موت والده بعدها بعدة أشهر بسيطة ، ولكن الأن !! ، فالوضع مختلف تماماً ، فتلك الجثة الواقفين أمامها هى جثة أخاه ، توأمه ، شطره ونصفه الأخر ، حيث تتعدى الرابطة بينهم تلك المسماة بالدم والخاصة بكل الأشقاء ، فعندما يضحك أحدهما ، يستقبلها الأخر لو كان على بعد فيبادله الضحك ، وعندما يبكى أحدهما لسبب ما ، فأن الأخر يبكى تباعاً ، لذا هذا البرد الشديد الذى يشعر به طاهر الأن يجتاح كيانه ، سببه أن توأمه موضوع داخل تلك الثلاجة الباردة ، وأن ذلك الألم الذى يعتصر صدره هى تلك الرصاصة الغادرة المستقرة الأن فى قلب مثيله ، وأن ذلك النفس الذى يعانى فى أخذه سببه أنه قد فارق قرينه إلى غير رجعة .
ربت جواد على كتفه من الخلف مواسياً وهو يقول بحزن دفين :
– (( خلاص يا طاهر .. وجودنا هنا ملهوش لازمة .. أتأكدنا انه عمرو .. تعالى نشوف هنعمل إيه دلوقتى ))..
أومأ برأسه موافقاً ثم أستدار ببطء ينظر بعينين عاصفتين حتى ظهرت شعيراتهم الدموية واضحة من كثره الغضب قبل أن يقول بنبرة مخيفة وقد ملئ التوعد قسمات وجهه :
-(( عايز أعرف مين اللى عمل فيه كدة )) ..
*****************
فى الخارج وتحديداً لندن جلس رائف فى أحد أفخم فنادق العاصمة على الأطلاق يضع ساقاً فوق الأخرى بعجرفة وأستمتاع شديدين وهو يتابع بعينيه المواقع الأخبارية وعناوين الصحف وأبتسامة النصر تملؤ محياه ، ” ليلة ساخنة تودى بحياة فارس أحلام النساء” .. “رداء أحمر فاضح هو تذكرته لرحلة الآخرة ” .. ” وفاة الدنجوان الأشهر فى المجتمع السكندري على يد فتاة لعوب ” .. وغيرها
تنهد برضا تام وهو يضع الهاتف من بين يديه بعد قراءته لتلك العناوين والتى حرص جيداً على إيصالها لجميع الجرائد الحكومية قبل الخاصة والصفراء إلى جانب صفحات التواصل الأجتماعي ” فيس بوك وتويتر ” والتأكد من انتشارها على النحو المطلوب مع بعض اللجان الألكترونية لأحداث الضجة اللازمة وتوثيق فضيحة عائلة المناويشى مع مكروبهم الجلل لتكون تلك أولى خطوات أخذ ثأره من أعداء والده وأعدائه، أتسعت أبتسامته الشامته وهو يتذكر تلك الرحمة ومدى سذاجتها وهذا الفخ المحكم الذى نصبه لها وسارت هى إليه بكامل وعيها وإرداتها ، نفض تلك الأفكار جميعاً من رأسه ومد يده نحو صندوق أخر صغير موضوع بجانبه فوق الأريكة الجلدية الوثيره الجالس فوقها يخرج هاتفه الأخر حديث الشراء من أجل أجراء تلك المكالمة الوحيدة ثم ألقائه فى النهر حتى لا يصل أحد إليه فقط من أجل الأحتياط ، وبالفعل بعد المحاولة الثانية أجابه رجله المخلص فى مصر مما جعل رائف يصيح به فى لهفه شديدة :
-(( كريم !!! .. مش بترد عليا ليه من أول مرة ؟!!! )) ..
أجابه الأخر معللاً تأخيره :
-(( يا باشا كنت جوة القسم والدنيا زحمه والناس حواليا فى كل مكان .. خفت أرد من جوه حد يسمعنى وخصوصاً أنه رقم من بره فأستنيت لما أبعد عنهم أضمن )) ..
أستحسن رائف تلك الإجابة وعليها عاد يسأله بعدما أستعاد جزء كبير من هدوئه :
-(( طب طمنى أيه الأخبار عندك ؟! )) ..
جاءه صوت كريم مملوء بالفخر حتى كاد يستمع إلى أبتسامته من بين الإجابة :
-(( أكيد الأخبار كلها عندك يا باشا .. كله فل وأحسن مما تتخيل كمان .. عيلة المناويشى وصلت والدنيا مقلوبة )) ..
تنهد رائف بأرتياح وهو يعود بجسده للخلف يتلمس ظهر الأريكة للأستناد عليها ثم قال بهدوء :
-(( خليك معاها متسبهاش .. تعمل كل حاجة عادى خالص .. وأنا بكرة هحجز أول طيارة لمصر عشان أنزل أقف جنبها فى محنتها اللى محدش كان يتوقعها دى وبالمرة أقول شهادتى .. )) ..
صمت لوهلة ثم أستطرد يقول بتهكم :
-(( بالحق طبعاً )) ..
أتسعت أبتسامة كريم الشيطانية وهو يتسمع إلى حديث مرؤسه قبل أن يجيبه بخبث :
-(( عيب يا باشا .. أنا واقف جنب أخوها وامها من الصبح عشان أعمل الواجب وزيادة )) ..
أومأ رائف برأسه مشجعاً رغم عدم رؤيه الطرف الأخر له ثم تسائل للمرة الأخيرة محذراً بجدية :
-(( أهم حاجة .. اللى نفذ المهمة خرج بره مصر ؟!.. كريم مش هأكد عليك تانى لو رجعت ولقيته هتحصل عمرو ونعملكم عزا واحد )) ..
تنحنح الرجل على الطرف الأخر منقياً حلقه بأرتباك ثم أجابه مؤكداً بثقة :
-(( أطمن يا باشا دى فيها رقبتى .. الراجل سافر وزمانه قاعد فى أمستردام من الصبح )) ..
بعد سماع الأجابة المنتظره أنهى أتصاله وألقى الهاتف فوق الأريكة جواره بأهمال ورأسه يعود للخلف متكأً على ظهر الأريكة مغمضاً عينيه بأرتياح للحظات قبل ان يدوى هاتفه الأساسى بعدة رسائل نصية متتالية
-” أنت فين من إمبارح مش بترد عليا ”
-“رائف عايزة أطمن عليك أنت كويس ؟!”
-“انا كلمتك كتير من الصبح ”
-رائف بليز أول ما تشوف رسايلى دى كلمنى فى أسرع وقت”
أدار رأسه جانباً حيث موضع هاتفه ينظر إليه بأعين نصف مغلقة ورغم أستيائه الواضح من هوية المرسل ألا أنه رفع هاتفه وقرء الرسائل المرسلة بتأنى شديد قبل أن يطلب مراسله هاتفياً وبمجرد أستقبالها أتصاله هتفت تقول بشوق ولهفة :
-(( رائف كل ده !! قلقتنى عليك بجد )) ..
أبتسم بأقتضاب ضاغطاً على أسنانه ثم أجابه معاتباً بحنو مبالغ فيه :
-(( مكنتش اعرف انى غالى عليكى اوى كده .. بدليل اخر مرة فى النادى وصدك ليا )) ..
أجابته قائلة بندم :
-(( مانا بكلمك عشان حسيت انى ضايقتك .. وعشان كده كان لازم أعتذرلك عن اللى حصل منى )) ..
أتسعت إبتسامته الشرسة وحاول بأحترافية شديدة الحفاظ على نبرته الناعمة وهو يجيبها :
-(( ولا يهمك انا نسيت اللى حصل كله .. ومردتش عليكى عشان كنت مشغول فى صفقة بره مصر مش أكتر )) ..
صمت لوهلة مدعياً الأنصات ثم سألها بأستنكار مصطنع :
-(( هو فى حاجه عندك ولا أيه .. سامع دوشه حواليكى ؟!.)) ..
أجابته بشئ من التأثر :
-(( اه عندنا حالة وفاة .. أبن عم جوزى أتوفى النهاردة الصبح والدنيا عندنا مش متظبطه خالص )) ..
كتم رائف أبتسامته السعيدة ثم تنحنح عدة مرات مدعياً الاهتمام قبل ان يقول بجدية :
-(( البقاء لله .. عمتاً مش هطول عليكى .. انا راجع مصر بكره .. وأكيد هكون فى النادى .. عشانك )) ..
أبتسمت هى بسعادة من وعده المبطن فى لقاء جديد ثم أغلقت الهاتف بعد تحية الوداع ، أما عنه هو فقد أنهى الآتصال ثم غمغم يقول بحقد وهو يضع ساق فوق الاخرى :
-(( حلوووو .. الواحد لازم يرجع مصر عشان الشغل الحقيقى والممتع بدء )) ..
أما فى غرفة وكيل النيابة وبعدما يأس من الحصول على أى إجابة واضحة أو أعتراف بجرمها المشهود قرر حبسها أربعة أيام على ذمة التحقيق قابلة للتجديد حتى الانتهاء من الأستماع إلى أقوال الشهود وتشريح الجثة ثم أمر بألانصراف ، حيث أشار بعينيه لأمين الشرطة فسارع الأخير بالأمساك بها تلبية لطلب رئيسه الصامت وجرها إلى الخارج كالمتاع غير عابئاً بأدميتها ، وبمجرد خروجهم من الغرفة وظهورها فى الممر مرة اخرى سارع الصحفيين بألتقاط الصور الفوتغرافية لها ثانيةً وكأن الصور الأولى لا تكفيهم ، وتلك المرة رفعت رحمة كفها أمام عينيها تحاول تقليل حجم الضوء الواصل إلى عينيها حتى تستطيع الرؤيه بشكل واضح ولم ترى تلك الازواج من العيون التى كانت تقف مترقبة خروجها منذ الصباح ، كانت غفران هى أول من ضيقت عينيها فوقها تراقب بتركيز شديد كل رد فعل قد يصدر منها ولم تدرى لم شعرت منذ الوهله الاولى لوقوع عينيها فوق وجه رحمة بوجود خطأ ما فى تلك القضية المعقدة جعلها تتخذ قراراً فورياً بتولى تلك القضية ، وبالنسبة إليه هو ، مسئول عائلة المناويشى وتؤام الفقيد سارع بالتوجهه نحوها كالفهد الجائع كل ما يريده فى تلك اللحظة هو الفتك بفريسته الحية وتركها صريعة تنازع موت بطئ ، ولم يعيقه سوى يد جواد الذى أنتفض هو الأخر يقف أمامه فى محاولة بائسه منه لمنعه من العبور وهو يقول بترجى :
-(( طاهر متتهورش ..أحنا جوه القسم والصحفيين حوالينا فى كل مكان .. سيب العدالة تاخد مجراها )) ..
أزاحه طاهر من طريقه بدفعه واحدة واستأنف سيره يدفع بكفه كل ما يراه أمامه حتى وصل إليها وقام بجذبها من مرفقها بقوة مستحوذاً بفعلته تلك على كامل أنتباهها إليه ثم صدح يقول بصوته الجهورى المشبع بالكره :
-(( أنتى !!!!!!!!!!! قتلتيه ليه انطقى !!!! )) ..
رفعت رحمة عينيها والتى لم تكن إلى الأن تراه من كثره الفلاشات حولها ونظرت نحوه بأرتياع دون القدرة على النطق بكلمة واحدة فمنذ الصباح وحتى الأن وبرغم كل ما حدث ومرت به لم تقابل نظرة ارعبتها وجعلت قشعريرة البرد تسرى بسائر جسدها مثل نظرته تلك ، ظلت للحظات رغم ذعرها البادى فى نظرتها غير قادرة على أبعاد عينيها عن مجاله حتى أتاها صوت أخر تعرفه جيداً يهتف بلوعه مزاحماً الجمع للوصول إليها :
-(( رحمه !!! بنتى !!!! قولى أنك معملتيش حاجة !! )) ..
همست رحمة بصوت باكِ عند رؤيه والدتها تقف أمامها بملامح وجهه شاحبه وجسد على وشك السقوط :
-(( ماما !!! )) ..
عادت والدتها تهتف من جديد بهيستريا دون توقف :
-(( قولى أن كل ده كدب .. قوليلى يا رحمة با تربيتى أنك مقتضيش الليلة معاه زى ما بيقولوا عليكى .. قوليلى أنك شريفة زى ما ربيتك وعلمتك .. اصرخى وقولى أنك معملتيش حاجة غلط .. اصرخى فيهم .. أتكلمى .. )) ..
هتفت رحمة تترجاها بنبرة أكثر أرتفاعاً لتتوقف :
-(( ماما .. معملتش حاجة ))..
لم يبدو على والدتها من تواصل صراخها انها أستمعت حتى إلى حديث إبنتها فقد كانت تصرخ بلا توقف رغم تهدج صوتها وشفاها التى تحولت إلى الزرقة مع وضع كفها فوق موضع قلبها للسيطره على الألم المتزايد :
-(( بيقولوا أنك حامل منه وعشان كده قتلتيه .. بيقولوا أنه مش اول واحد .. ليه مش بتدافعى عن نفسك !!! ساكته ليه انطقــــ..)) ..
بُترت جملتها وخف صوتها وأرتخى كفها القابض على معصم طفلتها يهزها بعنف لتسقط بعدها فوق الأرضية وسط ذهول الجميع ، جحظت عينيى رحمة للخارج وهى ترى جسد والدتها يقبع أسفل قدميها دون حراك ، وعند أستيعابها لما حدث صرخت بكل ما أوتيت من عزم وقوة حتى أنقطع صوتها :
-(( مــامـــاااااااااااااااااااا )) ..
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية في لهيبك احترق)