رواية في لهيبك احترق الفصل الثامن 8 بقلم شيماء يوسف
رواية في لهيبك احترق الجزء الثامن
رواية في لهيبك احترق البارت الثامن
رواية في لهيبك احترق الحلقة الثامنة
” إنّني مقيّد إليك ، لا بالحبّ وحده ، فالحبّ وحده لا يكفي ، الحبُّ يبدأ ، الحبُّ يأتي ، ينقضي ، ويأتي مرة أخرى ، ولكنّ هذه الحاجة التي تقيّدني بالكامل إليك هي ما يبقى ”
– فرانس كافكا.
تابع بخطوات قدميه الشريدتين تقدمه نحو الأعلى ، محاولاً بكد تجاهل تأثير حديثها الذى يتردد صداه بداخله ، ومطمئناً نفسه بأنها ليست سوى كلمات ، تحمل من الخطأ بقدر ما تحمل من الصواب ، فهى بمأمن طالما تتواجد بداخل حدوده وتعيش تحت كنفه ، ثم ، من ذا الذى يجرء فى التعدى على ما يخصه حتى وإن كان زاهداً فيه ! ، عند تلك الفكرة المختالة دلف غرفته غالقاً الباب من خلفه جيداً ومانعاً بذلك أفكاره من التسلل خارجها ، ثم قام بخلع سترة بذلته الرمادية وألقاها أرضاً بأهمال قبل أن يتقدم بألية ويجلس على حافة فراشه ، طاوياً بأنامل كفه الهائمة أساور قميصه الأبيض الحريري بينما نظرات عينيه شاخصة نحو الفراغ ، حيث عادت كلماتها المحذرة تداهمه من جديد ، فالطالما كان آفة عقله الكبرى ، هو تفكيره الزائد ، والقلق بشأن كل المواضيع ، زفر بضيق حانقاً على تلك المرأة ، التى أعطته سبباً جيداً للقلق بشأنه وتوديع ليلته الهادئة ، ليلة ظل يمنى نفسه بها طوال طريقه للعودة بل منذ الصباح ، لائماً نفسه على ما يمر به من تخبط لم يعهده فى شخصيته من قبل ، هو الحاسم القاطع من لا يعرف التردد طريق عقله ، ومعترفاً على مضض بالحل الوحيد المتاح أمامه لإنهاء معاناته ، ومقايضاً عناده ، أما بالتململ داخل فراشه طول الليل تماماً كالمرة السابقة ، أو حسم الأمر منذ الأن ، نعم الأمر بتلك البساطة ، وكل ما عليه فعله هو التوجه إليها وأمرها بأقتضاب أن تنتقل معه للداخل ، بل وسيجبرها أن تطلب الأمر ، ثم يعود إلى غرفته وفراشه الدافئ ويتمتع بنوم هنيئ بعيداً عن زخم أفكاره الذى لا ينتهى ، وعليه أنتفض من جلسته بعنف مدفوعاً بسخطه عليها ونظرات ذلك العامل التى عادت تتجسد أمام عينيه ، قبل أن يعاود الهبوط إلى الأسفل قاطعاً الطريق بخطوات ساقيه الواسعة نحو غرفتها حتى توقف أمامها ورفع ذراعه يطرق بحدة فوق باب الغرفة ، ولم ينتبه للباب المفتوح ألا عندما فُتح على مصراعيه بمجرد لمس كفه له ، أختفت المسافة ما بين حاجبيه بأستغراب قبل أن يطل من خلفه ينظر على أستحياء بعدما تنحنح بصوته القوى عدة مرات متتالية لجذب أنتباهها ، ثم خطى للداخل يمشط بحذر الغرفة الفارغة قبل توجهه إلى الحمام الملحق بها والذى كان فارغاً هو الأخر ، مقرراً بعدها العودة إلى الحديقة والبحث عنها محدثاً نفسه بأستغراب ، هل يا تُرى سبقته مدبرة منزله بأدخالها المنزل خلسة أم أنها خدعة من الأساس ، بأتفاق مسبق بينهم على مبيتها كل ليلة بالداخل دون أن يعى هو بما يدور من حوله ، هذا ما فكر به قبل أن يلمح بعينيه حركة خاطفة لظل أمرأة موشحة تركض يليها ظل رجل قادماً من خلف نافذة الغرفة المجاورة لغرفتها ، مما جعله يتسمر مكانه عدة لحظات قبل أن يدفعه تفكيره إلى الركض إليهم والتحرى عن الأمر ، بينما فى الداخل حاولت رحمة بعدما لكزته بمرفق أحدى ذراعيها المكَبَّلين معاً الركض نحو الخارج منتهزة فرصه تأوهه وأنحناءه للأسفل كى يلتقط جزء من أنفاسه ويتغلب على الألم الذى صاحب فعلتها الطفولية ، غير منتبهة للطاولة الصغيرة الموضوعة بجوار الباب والتى أصطدمت بها وعرقلت حركتها المتعجلة ، مما أتاح له الفرصة فى اللحاق بها وجرها من حجابها ثم ألقاها فوق الفراش مرةً أخرى ، وقفز فوقها معطياً لنفسه الحق فى تمزيق ثيابها ورؤية ما لا يملكه متمتماً بغل من بين أنفاسه اللاهثة :
-(( أنتى عارفة .. المطلوب منى أخلص اللى جاى عشانه وأنتى متخدرة عشان متحسيش بحاجة .. بس عشان قلم الصبح أنا هوريكى .. وهخليكى تعيشى كل حاجة هعملها فيكى لايف .. لحظة بلحظة )) ..
قاومته بضراوة محاولة الأفلات من قبضته ، ورغم علمها المسبق بأنها مسألة وقت ، قبل أن تخذلها رئتيها وتخفت مقاومتها ألا أنها قررت القتال حتى أخر نفس ، ربما يتوقف قلبها عن العمل مثلما حذرها الطبيب وينتهى ذلك الكابوس الذى تعايشه ، فالموت بالنسبة إليها أهون من الأستسلام والرضوخ لذلك المعتدى ، أما فى الخارج فقد وقف طاهر مرهفاً السمع بوضع أذنه فوق الباب المغلق عله يستنبط أى شئ يحل به لغز ما رأه قبل أن تصل إليه صرخة مكتومة على هيئه همهمه جعلته يطرق الباب بكلتا يديه هاتفاً بقوة :
-(( محمــــود )) ..
أنتفض المغتصب من فوقها بمجرد أستماعه إلى صوت طاهر الغاضب وقد أدرك فشل مهمته ، ولا يوجد أمامه سوى القفز من تلك النافذة والنجاة بنفسه ، بينما صرخت رحمة بكل ما أوتيت من قوة عل صوتها المكبل يصل إليه ، وقد أصبح فجأة وجوده معها فى نفس الغرفة هو أقصى أمانيها ، وقد حققها هو بأقتحامها بعدما وصلت إليه ثانى صرخاتها المستنجدة ليجدها تقف منحنية فى المنتصف بملابس ممزقة من الأعلى وفم مكمم وحجاب رأسها متراجع كاشفاً عن نصف خصلاته تقريباً ، بينما معصميها مكبلان معاً من الأمام ، مع شطر وجهه ملتهب نتيجة لصفعة قوية تعرضت لها ، فى حين مدت هى ذراعيها المكبلتين للأمام نحوه بلهفة وصفير تنفسها يزداد فى الأرتفاع غير قادرة على سحب نفس أخر دون مساعدة ، وزع نظراته بينهم بحيرة ، محاولاً التوصل لقرار ، هل يركض خلف ذلك النذل الذى قفز أمام عينيه هارباً من بطشه ، أم يسعف تلك التى يبدو من ملامح وجهها أنها على حافة الأختناق ، نظرة أخيرة فوق شفاها الزرقاء بعدما جذبت عينيه صوت شهقاتها المتتالية جعلته يحسم أمره ويركض نحوها قائلاً بأشفاق وأنامله تحل وثاق فمها ومعصميها :
-(( أتنفسى .. حاولى تتنفسى .. هو مشى خلاص )) ..
حركت رأسها بضعف كعلامة على عجزها بينما جسدها يتشنج أمام عينيه ، مراقباً ضعفها بعجز ومتذكراً رؤيته لبخاختها الطبية موضوعة فوق الكومود بجوار غرفتها عندما دلفها منذ قليل باحثاً عنها فسارع بالركض يلتقطها ثم عاد إليها ووضعها أمام فمها ، رفعت رحمة كلتا ذراعيها المرتجفة تتحسس بتوق كفه القابض على دوائها ثم ضغطت بوهن فوقه تتلمس مساعدته فقوتها لا تكفى حتى للقيام بتلك الضغطة الخفيفة ، حرك طاهر رأسه متلقياً طلبها قبل أن يضغط بكل قوته تاركاً الرذاذ يندفع داخل فمها ويعطيها فرصة ثانية فى الحياة بينما ذراعه الحر يلتف حول خصرها موفراً لها الدعم الكامل فى حالة السقوط ، مرت ثوانِ قليلة أرتخت خلالها ملامحها قبل أن تضغط على كفه مرةً ثانية جعلته يعيد الكرة من جديد مراقباً تعبيرات وجهها بأكتراث ، وبعد دقيقة من الصمت دفعت يديه بعيداً تحاول التنفس بشكل طبيعى دون الحاجة إليه ، متهادياً إلى أذنها من بعيد صوته الواقف جوارها يسأل بأهتمام :
-(( أحسن دلوقتى ؟! )) ..
رفعت وجهها تنظر إليه بأعين زائغة وقد بدءت الرؤية تتشوش أمامها وتتحول إلى السواد ، فى علامة واضحة على أنخفاض ضغط الدم لديها ، وعدم قدرتها على الصمود أكثر ، لاحظ طاهر ترنح جسدها أمامه فسارع يقول محذراً وهو يمد ذراعه الاخر إليها :
-(( إيـــا …. ))
وقبل أنتهاءه من النطق بجملته التحذيرية كانت قد سقطت مغشياً عليها أمام ناظريه ، فأنحنى يحملها بين ذراعيه راكضاً بها إلى المنزل بقدر ما سمح له ثقل جسدها المرخى بين يديه .
وبداخل غرفته الخاصة جلس أمامها بعدما وضعها فوق الفراش ودثرها جيداً بالغطاء متأملاً شلال شعرها الأسود المنثور فوق الوسادة بعدما سقط وشاحها كاملاً أثناء حمله لها ، كاشفاً عن خصلاتها الفحمية الناعمة ، مقراً على مضض ، برغبة تؤامه الراحل فى أمتلاكها ، فالحجاب يخفى نصف جمالها أو أكثر ، ودون وعى منه وجد أصابعه تتسلل خلسة إلى حيث بشرتها الناعمة ، يتلمس بحذر وجنتها الحمراء ، وأنامل ذلك الخسيس المطبوعه فوقها قبل أن تنزلق يديه إلى حيث شفتيها المكتنزة ، يتحسسها هى الأخرى ببطء وقد عاد بعض اللون إليها ، أما عنها هى فقد عادت تركض بداخل متاهتها المظلمة ، هاربة من بطش ذلك المترصد ، الذى يطاردها دون هوادة إلى أن وصلت للنهاية ، وأصطدمت بجسد ذلك المجهول ، وعلى غير العادة ، رفعت رأسها تنظر إليه بعد سقوط ضوء القمر على وجهه تستبين ملامحه قبل أن تهمس أسمه متفاجئة بعدم تصديق ، فسارع هو ” طاهر” بوضع أصبعه فوق شفتيها ليمنعها من الأسترسال ثم قام بأحتضان كفها وبدء يركض بها إلى الطرف الأخر من المتاهة ، ذلك الجزء الذى لم تطأه قدميها من قبل ورغم ذلك شعرت بألفة كبيرة تجاهه ، وبعد أمعان النظر به أكتشفت أنه ليس سوى حديقة منزله الداخلية ، تركها هو ليلتقط أنفاسه ويراقب بتشفى ، مديرها السابق ” رائف ” يحاول الوصول إليهم دون جدوى ، وكأن هناك حاجز غير مرئى يمنعه من الدخول ، ويجعله يرتد للخلف مصعوقاً فى كل مرة يريد أقتحام مأمنهم ، مما جعلها تشعر بالراحة قبل أن يجرها طاهر من مرفقها مرةً أخرى ويسير بها إلى بوابة منزله الجانبية ويشير إليها بالخروج ، قاومته بشدة تريد الانتظار معه بينما يدفعها هو بجسده نحو الخارج ، نحو الحرية ثم أغلق الباب خلفها عائداً إلى ذلك المترصد تاركها تهتف أسمه بيأس دون توقف .
همهمة ضعيفة خرجت من بين شفتيها جعلته ينفض خصلات شعرها الملفوفة حول أصبعه ويعتدل فى جلسته متنحنحاً بأرتباك ، ومع أعادة همسها ، أثارت فضوله فأنحنى بجسده نحوها مقترباً بأذنه من شفتيها يستمع إلى همسها الضعيف :
-(( طــ .. طـــا .. طـــــاهر )) ..
أصابه همسها أسمه بالتخبط فسارع يركض نحو الخارج تاركاً الغرفة ، بل المنزل بأكمله ، عائدً إلى حديقته الخارجية تاركاً هواء يناير البارد يلفح وجهه وأنفه ربما يساعده فى تنقية ذهنه ، قبل أن يبدء التحقيق فيما حدث وأتخاذ قرارات جديدة من أجل مزيد من الحماية ، فهو على يقين أن حادثة الليلة مرتبطة أرتباط وثيق بمقتل توأمه .
***********************
وفى الصباح الباكر ، أستيقظت رحمة بعد قضائها ليلة مضطربة ونوم متقطع على ضوضاء عالية قادمة من الخارج ، يليها طرقات خفيفة مصحوبة بصوت أم الحسن تتسائل بنبرتها الدافئة :
-(( صباح الخير يا رحوم .. أيه يا حبيبتى صاحية ولا أرجع وقت تانى ؟! )) ..
أعتدلت فى نومتها تنظر إلى وشاح رأسها الموضوع بجانبها فوق الوسادة بأستغراب فحتى الساعات الأولى من صباح اليوم لم يكن له أثر ! ، متى ظهر وكيف ؟! ، طرقة أخرى فوق باب الغرفة جعلتها تتجاوز أستغرابها ذلك وتهتف بنبرتها الناعسة :
-(( أنا صاحية تعالى )) ..
دلفت أم الحسن الغرفة تجر من خلفها حقيبة سفر كبيرة والأبتسامة الواسعة تملئ محياها ، قطبت رحمة جبينها ثم سارعت تسأل بفضول :
-(( شنطة أيه دى يا دادا؟! .. وأيه الأصوات اللى تحت دى )) ..
أجابتها مدبرة المنزل بتلميح مبطن وابتسامتها تزداد أتساعاً :
-(( دى هدومك اللى كانت فى الأوضة تحت .. طاهر بيه طلب أنقلها هنا .. والدوشة اللى برة دى عمال .. جايين يركبوا كاميرة مراقبة عند باب الفيلا الجوانى )) ..
همست مرددة بأندهاش :
-(( هدومى !!! )) ..
هتفت أم الحسن مؤكدة بتفاخر ولازالت الأبتسامة الغامضة تعتلى فمها :
-(( أيوة هدومك .. مش أنتى قضيتى ليلة إمبارح هنا !! .. يبقى كلامى جاب نتيجة .. ومن النهاردة الأوضة دى بتاعتك ومقامك )) ..
تسائلت رحمة مستفسرة بعدم فهم :
-(( كلام أيه ؟! .. أنا مش فاهمة حاجة يا مامـــا .. الا صحيح هو أسم حضرتك أيه ؟! .. وأسمحيلى طبعاً أقولك يا ماما )) ..
لمعت عينيى أم الحسن بأمتنان حقيقى قبل أن تجيبها مرحبة وبقوة :
-(( يوه !! .. أنتى بتستأذنينى ؟! .. وأنا أطول يبقالى بت حلوة زيك كدة !! .. على الأقل أحسن من الواد حسن قليل الأدب ده )) ..
صمتت لوهلة تسيطر على نبرتها المختنقة من شدة الحماس قبل أن تستطرد قائلة بخجل :
-(( فادية .. أنا أسمى فادية .. حاجة كدة من ريحة أمى الله يرحمها .. وبعدين متشغليش بالك باللى بقوله .. المهم قوليلى تحبى تفطرى أيه النهاردة )) ..
أبتسمت رحمة بدورها هى الاخرى ثم قالت بنبرتها الناعمة :
-(( ماشى يا ماما فادية .. متفقين )) ..
وأثناء حديثها حركت رأسها جانباً فظهرت تلك العلامات الحمراء بوضوح على شطر وجهها مما جعل أم الحسن تهتف متسائلة بلوعة :
-(( رحمة !! أيه اللى فى وشك ده ؟! .. يالهوووى .. أوعى يكون طاهر بيـــ…. )) ..
قاطعتها نافية بحسم ثم بدءت تقص عليها كل ما حدث منذ البارحة ، أستمعت مدبرة المنزل إلى حديثها بتركيز تام وبعد انتهاء القصص ، ضربت فوق مقدمة صدرها ، هاتفة بحسرة :
-(( يا عينى عليكى يا بنتى .. يادى الليلة اللى مش فايتة .. البجح قليل الأدب الواطى .. جاتله عين يتجرء عليكى كده عينى عينك !! وفى وجودنا كمان !! .. الحمدلله أن ربنا سترها وطاهر بيه جه فى الوقت المناسب .. كان زمانك يا حبة عينى …. )) ..
أبتلعت ما تبقى من جملتها بداخلها ثم غمغمت بنبرة ممطوطة قائلة بتفكير :
-(( بـــــس .. عشان كده طاهر بيه بيركب كاميرة مراقبة جديدة وبيزود واحدة كمان برة .. عشانك طبعاً )) ..
هتفت رحمة رافضة بأستنكار :
-(( عشانى ؟!!! )) ..
مصمصمت أم الحسن شفتيها متشدقة ثم قالت ساخرة :
-(( أومال يعنى عشانى .. ولا عشان الجيران !! .. يلا المهم .. أنا هسيبك دلوقتى أروح أحضر الفطار وأشوف العمال اللى برة دول وصلوا لأيه وأكلم ربيع أشوف أبنه الواطى ده أزاى يعمل كدة .. وأرجعلك )) ..
سارت بخطواتها البطيئة بقدر ما يسمح لها جسدها الممتلئ وساقيها المتعبتين إلى باب الغرفة ثم ألتفت تقول محذرة قبل خروجها ويدها قابضة على مقبض الباب :
-(( أه .. نسيت أقولك .. طاهر بيه قال متخرجيش من الأوضة لحد ما يرجع )) ..
هتفت رحمة رافضة بأمتعاض :
-(( يعنى أيه بقى أن شاء الله مخرجش دى !! )) ..
مطت أم الحسن شفتيها للأمام ثم أجابتها بعدما حركت كتفيها بعدم أهتمام :
-(( مليش دعوة .. لما يجى أبقى أساليه وأتصرفى معاه )) ..
أنهت جملتها وخرجت من باب الغرفة تاركة رحمة تشعر بالغضب والحيرة والأرتباك مما يحدث .
*************************
ألتفتت رنا تنظر حولها يميناً ويساراً بعدما توقفت عن السير ، تبحث بعينها داخل النادى الرياضي عنه حيث وعدها باللقاء ، قبل أن يجذبها صوت علياء تسألها مستفسرة :
-(( وقفنا ليه يا رنا ؟! .. مستنية حد ولا أيه ؟! )) ..
أجابتها بملامح وجهه ثابتة رغم أهتزاز نبرتها :
-(( لا طبعاً هستنى مين !! .. أنا بس كنت ببص على حد من صحبنا نقعد معاه بدل ما نقعد أحنا التلاته لوحدنا كدة )) ..
ردت علياء معقبة على تبريرها وهى تجذبها من معصمها برفق :
-(( تعالى ندخل جوة .. وأكيد هنلاقى حد من معارفنا .. وبعدين أحنا مش هنقعد ولا حاجة .. هنسيب لينة مع النانى .. واحنا هنجرى شوية فى التراك وبعدها نرجع نفطر .. ها أيه رأيك ؟! )) ..
هتفت رنا رافضة مقترحها ، وهاربة من صحبتها بحرفية شديدة :
-(( لا .. مليش مزاج أجرى فى التراك .. بصى هقولك .. أنا هروح الجيم ألعب أجهزة شوية .. وأنتى خدى لينة عند الولاد جوة .. وبعدها أعملى رياضتك زى ما تحبى .. ونتقابل هنا بعد ساعتين .. أوك ؟! .. ولا هتضايقى أنى مش هجرى معاكى ؟! )) ..
سارعت علياء تجيبها بتفهم مؤكدة :
-(( لا طبعاً براحتك .. أعملى اللى أنتى عايزاه .. وبعد ما نخلص نتقابل عند ملعب السلة من ورا )) ..
حركت رنا رأسها موافقة ثم بدءت تركض فى أتجاه صالة التدريب للتمويه ، قبل أن تعود بأدراجها إلى الخارج بعدما تأكدت من أختفاء شقيقة زوجها عن الأنظار ، حيث ينتظرها رائف ، الذى كان واقفاً بجوار سيارته ينظر فى شاشة هاتفه كل دقيقة تقريباً ، منتظراً بنفاذ صبر البشرى ، فى أتمام ما كلّف رجله به ، ثم هتف ينحنى بجسده نحوها بمجرد رؤيته لها تهرول بأبتسامتها الواسعة نحوه :
-(( وحشتينى أوى .. أنتى مش ناوية تحنى عليا بقى .. ولا هنفضل مقضينها كدة ))..
همست تجيبه بأغراء ، شاعرة بأنوثتها الكاملة معه :
-(( رائف أعقل .. أحنا فى الشارع )) ..
أجابها هامساً بنبرته المعسولة :
-(( طب أركبى خلينا نتفاهم براحتنا )) ..
قفزت داخل سيارته تحتمى بداخلها من أعين المارة ثم سألته بميوعة زائدة :
-(( طب هنروح فين ؟! )) ..
أجابها وهو يشغل محرك سيارته :
-(( بيتى .. عشان عندى كلام مهم أوى مش هينفع يتقال غير والباب مقفول )) ..
عضت على شفتيها بأغواء بعدما أعطته أبتسامة مرحبة ، طالما يغدقها بهذا الكم من الهدايا الثمينة ، مع الكثير والكثير من كلام الحب ، يمكنها التلاعب به والحيلولة دون لمسها ، نعم فهى قادرة على فعل ذلك بسهولة .
أما بداخل الممر الخاص بالركض ، ألتفت ينظر حوله مدققاً فى وجوه العابرين ، آملاً فى رؤيتها تلك المرة ، فمنذ ذلك اليوم الذى صادفها به وهو لا يستطع أخراجها من عقله ، أو نسيان نبرة صوتها الساحرة ، مع نظرتها المحبطة الحزينة ، حتى أنه قام بنقل جميع أستشاراته وقضاياه إلى هنا ، متعللاً بالخضرة وتأثيرها الأيجابى على النفس ، ربما تطل عليه يوماً ما ، ويُمتع عينيه بالنظر إلى وجهها الوضاء ، وممنياً نفسه باللقاء ، وبعدما يأس فى رؤيتها ، زفر يحيى بضيق ثم شرع فى الركض ، منفسه الوحيد من ضغوطات يومه المتواصلة ، لتأتيه بعد دقائق قليلة ، أمنيته على طبق من فضة ، جعلته يتوقف عن الركض كالمشدوه ، يتابع بشغف خصلات شعرها البندقى تتطاير من خلفها بينما رأسها محنى للأسفل تعبث بشاشة هاتفها غير مدركة لما هى على وشك الأصطدام به ، ولم تعى وترفع رأسها الأ بعدما أرتطم جسدها بعنف بجسد أخر أقوى منه ، جعلها تترنح قبل أن تسقط أرضاً وهى تتأوه بألم ، فسارع يحيى ينحنى نحوها ليساعدها على الوقوف غير عابئاً برفضها قبول مساعدته ثم هتف معتذراً بأرتباك ومتسائلاً بقلق :
-(( أنا أسف .. أسف جداً كمان .. طمنينى حصلك حاجة ؟! )) ..
أبتعدت قليلاً عنه متراجعة للوراء عدة خطوات وواضعة مسافة مناسبة بينهم ثم تمتمت مطمئنة بحرج :
-(( أنا اللى آسفة ماخدتش بالى كنت بشغل الفون .. بعتذر لحضرتك تانى مرة وعن أذنك )) ..
هتف بلهفة يستوقفها ويكتسب مزيداً من الوقت برفقتها :
-(( محصلش حاجة .. أنا كمان مكنتش مركز يا )) ..
صمت لوهلة يقرء تعابير وجهها ثم أستطرد يقول بخبث :
-(( يا مـــدام …… )) ..
ألتوى ثغرها بنصف أبتسامة ساخرة ثم أجابته قائلة بأستهزاء دون تصحيح :
-(( عاليا .. أسمى علياء )) ..
مد كفه نحوها هامساً بأفتتان كأنه يتذوق حروف أسمها من فوق شفتيه :
-(( يحيى .. أتشرفت بمعرفتك يا مدام علياء )) ..
نظرت بتردد إلى كفه الممدود أمامها ثم قالت هامسة بجمود قبل أن تركض مبتعدة عنه وتتركه حائراً وهائماً بها :
-(( عن أذنك يا أستاذ يحيى .. لازم أمشى )) ..
***********************
داخل غرفة مكتبه تابع جواد المستند بجسده فوق حافة مكتبه تقطببة جبينه قبل أن يهتف مشاكساً ومتعمداً أستفزازه :
-(( الأمور عمالة تطور معاك )) ..
مد يده يتلمس قميصه الحريري ثم أردف مغيظاً إياه :
-(( مش دى برضه بدلة أمبارح .. ولا أنا نظرى ضعف )) ..
دفع طاهر كفه بعنف يبعده عنه ثم هتف معنفاً بجمود :
-(( ما تروح تشوف وراك إيه يا أخى وتحل عنى !! .. أنا مش عارف أنت بتكبر فى السن ولا بتصغر !! )) ..
تنحنح جواد متجاهلاً حديثه الحاد ثم قال بجدية :
-(( هروح .. بس لما أعرف مالك .. شكلك من الصبح ومودك يقول أن فى مصيبة حصلت .. قولى هى أيه وهحل عنك .. لأن أحساسى بيقولى ليها علاقة بماكسيم والقضية )) ..
تأمله طاهر مطولاً بحيرة ، فجزء منه لا يريد مشاركة أى شخص فيما حدث البارحة دون حتى أدراك السبب وراء تلك الرغبة المسيطرة عليه ، بينما أستطرد جواد مؤكداً شكوكه بعدما لاحظ شرود نظراته :
-(( أهوووو .. شفت أن عندى حق .. أحكيلى حصل أيه بقى وريحنى )) ..
زفر بقوة قبل أن يقول هارباً من نظرات صديقه الثاقبة :
-(( بعدين .. لما أفهم وأعرف هقولك )) ..
تفهم جواد رغبة أبن عمه فى عدم التحدث فحرك رأسه موافقاً عن عدم اقتناع ثم أردف يقول بحذر متوقعاً الأسوء :
-(( طب عايزك تعمل حسابك .. عمك ومرات عمك هيجوا كمان يومين يقعدوا جنبك فى فيلا برج العرب )) ..
صاح طاهر مستنكراً بضيق بعدما أنتفض فى وقفته :
-(( نعــــم !! .. جايين يعملوا أيه ؟! )) ..
أجابه بأبتسامة سمجة :
-(( جايين يشوفوا عروستك .. الجديدة )) ..
حدجه طاهر بنظرة محذرة جعلته يردف مفسراً بأبتسامة مكتومة :
-(( والله ما بهزر .. عمك قام من النوم مقرر ياخد كام يوم جنبك .. عشان يطمن عليك .. وطبعاً مرات عمك الحنينة ما صدقت تسمع منه الكلمتين دول .. ووافقت على طول بحجة أنك من كام شهر مختفى عن عيونهم .. ولازم يتعرفوا على مراتك عشان متحسش أنها لوحدها .. فخليك مستعد بقى )) ..
مسح طاهر فوق رأسه عدة مرات بضيق واضح فأخر ما يود معايشته فى تلك الأيام الباردة هو الجو الأسرى العتيق ، مع أهتمام زوجة عمه ، وأسئلتها الفضولية التى لا تنتهى ، ومشاركة تلك المدعوة زوجته ، تفاصيل عائلته الخاصة ، أما بالنسبة لجواد فبمجرد أستماعه إلى رنين هاتفه ، قفز من فوق حافة المكتب يجيب بترقب خارجاً من الغرفة بأكملها حتى يتسنى له التحدث براحة :
-(( ها فى جديد ؟! )) ..
أستمع إلى أجابة الطرف الأخر ثم قال آمراً بعملية :
-(( طب تمام خليك متابع .. اعرفلى العنوان ده فين بالظبط وملك لمين وبلغنى .. وأنا هتصرف فى الباقى )) ..
************************
فى منزل والدته وتحديداً بداخل غرفته المشتركة مع زوجته ، أستلقى بدر وأستلقت بجواره ” أفنان” ، مستندة برأسها فوق صدره ، ومستمتعة برائحة عطره التى تتغلغل وتحتل مسامها ، قبل أن تسأله بأهتمام ، وأصابعها تتحسس عضلات صدره العارى :
-(( مالك يا بدر .. فيك أيه ؟! . من إمبارح وأنت مش على بعضك وحساك مهموم .. قولى مالك يمكن أريحك )) ..
تنهد مطولاً ثم أجابها قائلاً بحيرة :
-(( مش عارف يا أفنان .. بس أنا بفكر أقول لغفران عليكى واللى يحصل يحصل .. مش عايز أخدعها أكتر من كدة ولا أظلمك .. هصارحها بحقيقة جوازنا وهى تختار )) ..
أعتدلت فى جلستها تنظر إليه ، متحكمة ببراعة فى نبرة صوتها والأبتسامة السعيدة التى تهدد بفضح سرورها بذلك الخبر والذى طالما أنتظرته وحلمت به منذ أشهر مضت فأخيراً هناك أمل بأن تظهر للعلن جواره بأعتبارها زوجته وليست مجرد أرض خصبه لبذرته ثم قالت مدعية البراءة :
-(( اللى تشوفه يا سى بدر أنا معاك فيه .. أنت تحكم وأنا أنفذ .. أنت تأمر وأنا أطيع .. وكل اللى تقول عليه يمشى ولو على رقبتى .. بس عشان خاطرى بلاش تكشر كده .. مبستحملش أشوفك زعلان أو مهموم .. بحس روحى بتتسحب منى )) ..
أنفرجت أساريره وظهرت أبتسامته فوق شفتيه ثم غمغم ممتناً بعدما قام بتقبيل جبهتها وضمها لصدره :
-(( ربنا يخليكى ليا يا أفنان .. خلاص أنا هشوف الوقت المناسب وأبلغها .. واللى ربنا عايزه هيكون .. بس عايزك لو ربنا أراد .. والموضوع أتحل بهدوء ومن غير مشاكل تعتبرى غفران زى أختك .. أنا عارف أنك عاقلة وقلبك كبير .. وأنا مش عايز أظلم حد فيكم فساعدينى على ده .. ومكانك فى قلبى محفوظ )) ..
سارعت تجيبه بخضوع مؤكدة ومطمئنة :
-(( مش محتاجة وصاية يا سى بدر .. اللى يخصك يخصنى .. وأنا مش جاية أخد مكان حد .. كلامك سيف على رقبتى ومش هتلاقينى بعمل غير اللى تقوله وتوصينى بيه )) ..
تنهد بأرتياح قبل أن يبتعد عنها أستعدادً لأرتداء ملابسه والعودة إلى بيته وزوجته الأولى ، التى تأبى التحدث أو مشاركته شعورها ، خاصةً بعد حديث الطبيب البارحة ، متصنعة عدم الأهتمام ، نعم تلك هى غفران ، لا أحد يعلم ما تشعر أو تمر به سواها ولم يحدث يوماً وأن تشاركا أفكارها ، كأى زوجين طبيعين .
***********************
وفى منتصف اليوم وبداخل غرفة المعيشة حيث تجمع العائلة اليومى ، تحدث جواد موجهاً سؤاله لشقيقته بعدما أنحنى بجسده يستقبل طفلته التى ركضت نحوه بمجرد رؤيتها لها ويحملها بين ذراعيه طابعاً عدة قبلات أبوية حنونة فوق وجنتها وشعرها :
-(( أمال رنا فين ؟! .. كلكم متجمعين ماعدا هى ؟! )) ..
أجابته علياء بنبرة شبهه قلقة :
-(( والله يا جود مش عارفة .. أحنا كنا متفقين الصبح تخلص الجيم فى النادى ونتقابل .. بس بعد ما خلصت ملقتهاش فى المكان اللى متفقين عليه .. وحاولت أوصل لها بس تليفونها مقفول .. ولما لينة قعدت تعيط عشان تروح اضطريت أرجع بيها .. بس هى لحد دلوقتى مرجعتش .. ومش عارفة أعمل ايه !! .. يارب متكونش كل ده قاعدة فى النادى مستنيانى .. أنا والله دورت عليها فى النادى كله ملقتهاش )) ..
قال جواد متفهماً بنبرة أكثر من هادئة :
-(( متشغليش بالك .. تلاقيها قابلت حد من صحابها وقعدت معاهم وأنتى مشفتهاش .. أو يمكن دخلت الساونة تريح أعصابها شوية .. دلوقتى ترجع )) ..
حركت علياء رأسها موافقة على مضض فلازالت قلقة من أختفاء زوجة شقيقها الغير مبرر قبل أن تستأذن منه مع أرتفاع رنين هاتفها :
-(( طب عن أذنك يا حبيبى .. هرد على محمد وأرجعلك )) ..
أجابها موافقاً قبل أن ينضم لصحبة والده ووالدته التى كانت تراقب الموقف عن كثب ، فى حين أجابت علياء بأشراق :
-(( محمد !! ده بجد ؟! .. أنت بتتصل بيا فى نص النهار عادى كده ؟! .. ولا معندكش شغل النهاردة ؟! )) ..
أجابها قائلاً بنبرة خافتة بعض الشئ :
-(( لا عندى بس وحشتينى .. وكنت حابب أسمع صوتك .. ها قوليلى أتبسطتى فى خروجه النهاردة ؟)) ..
أبتسمت بخجل ثم قالت بحماس :
-(( عادى يعنى ده النادى مش خروجه أوى .. وأه على فكرة .. أحنا هنروح نقعد فى فيلا برج العرب كام يوم عشان بابا عايز يكون جنب طاهر .. بس متقلقش .. أنا أتفقت مع بابا نرجع قبل ميعاد نزولك .. عشان المسافة متبقاش بعيدة عليك )) ..
تنحنح عدة مرات ولم يعقب ، فعادت هى تسأل بشئ من الارتياب :
-(( مالك ؟! .. فى حاجة ولا أيه ؟! )) ..
أجابها بنبرة خالية :
-(( لا مفيش ؟! )) ..
هتفت أسمه بتوجس وقد بدءت دقات قلبها تتعالى بقلق مترقبة أجابته :
-(( محمد !!!! )) ..
أجابها معتذراً بخزى :
-(( علياء .. أنا لغيت حجز الطيارة .. مش هقدر أنزل )) ..
هتفت تستوضح بحدة :
-(( نعـــم !!!!! .. معنى كلامك ده أيه ؟! )) ..
أجابها بنبرة محتدة بعض الشئ ومستعداً للهجوم :
-(( معنى كلامى أن عندى شغل .. والكفيل مرضاش ينزلنى أو يدينى الباسبور !! أعمل أيه يعنى ؟! .. أموته عشان أنزل ؟! .. ولا أهرب وأسيب باسبورى وأكل عيشى عشان أرضيكى !! .. المفروض فى حالة زى دى تقفى جنبى )) ..
ردت هامسة بأقتضاب عكس ما يتوقعه :
-(( ماشى .. تمام ربنا معاك )) ..
سألها بأندهاش :
-(( هو ده بس رد فعلك ؟! )) ..
أجابته بهدوء بينما داخلها يحترق في صمت :
-(( أه .. أنت شرحتلى موقفك .. ومفيش قدامى حلول غير أنى أرضى بيه .. فربنا معاك )) ..
هتف يشكرها بشئ من التحفظ :
-(( ربنا يخليكى ليا يا حبيبتى .. وعد هعوضك عن كل ده لما ربنا يكرمنى .. وبعدين أنا هنزل بس عشان تكونى مراتى وفى بيتى .. أعملى حسابك على كده )) ..
غمغمت تجيبه بنفاذ صبر بعدما أعتذرت منه تريد أنتهاء المكالمة :
-(( أن شاء الله .. روح كمل شغلك ونبقى نتكلم بعدين )) ..
أنهت مكالمتها المحبطة ثم هتفت تتسائل بلهفة عندما لمحت طيف زوجة أخيها يمر من أمامها وهى فى طريقها للعودة إلى غرفة المعيشة :
-(( رنا !! كنتى فين قلقتينى عليكى !! )) ..
أجابتها كاذبة وهى تحتضنها بين ذراعيها :
-(( علياء حبيبتى .. أنت اللى فين .. أنا تليفونى فصل منى وقعدت أدور عليكى كتير وأستنيتك أكتر .. ولما تعبت قلت أروح أشحن فونى وأكلمك وأبلغك أنى فى البيت )) ..
قالت علياء بأرتياح :
-(( ولا يهمك .. أنا بس قلقت عليكى .. ودورت برضه كتير .. ولما لينة صممت نرجع كنت قلقانه تزعلى أنى سبتك ومشيت )) ..
أجابتها على مدخل غرفة المعيشة متعمدة التحدث بصوت عالِ حتى يصل إلى مسامع زوجها الذى كان يطالعها بشرود :
-(( أكيد مش هزعل منك على حاجة زى دى .. وبعدين هو الغباء منى أنا .. عشان نزلت من غير ما أشحن الفون بتاعى .. المهم حصل خير والحمدلله كلنا أتجمعنا أهو )) ..
اومأت علياء برأسها موافقة على الحديث وهى تربت على كتفها متفهمة قبل أن تخفت أبتسامتها شيئاً فشئ مستأذنه من الجميع فى الصعود إلى غرفتها بحجة أنتطارها أتصال أخر لتختلى بنفسها قبل أخبار والدها بنية خطيبها فى عدم الوفاء بوعده للمرة الألف .
**********************
فى المساء أستمعت رحمة التى قضت يومها بأكمله داخل الغرفة ، ليس أمتثالاً لطلبه بالطبع ، بل لأنتشار العمال داخل المنزل وخارجه ، ورغبتها بعد ما عايشته البارحة فى الاختفاء عن أنظار الجميع ، خطوات أقدام عديدة يليها صوته العميق قادماً من الغرفة الملحقة بغرفته الأساسية ، فغرفته عبارة عن جناح كبير ، منقسم إلى غرفة نوم تحوى داخلها فراش يحتل نصف الغرفة تقريباً مع خزانة ملابس لا تقل حجماً عنه ، وملحق بها بباب منفصل غرفة مربعة أصغر حجماً تضم تلفاز وأريكة مع مكتب صغير الحجم ، لمراجعة أعماله البسيطة ، آمراً العمال بوضع ما فى يديهم ونقل الأريكة إلى الطرف الأخر ثم بالأنصراف إلى الخارج ، أنتظرت هى حتى خرج الجميع عداه ، مقاومة بذلك فضولها الفطرى فى رؤية ما يحدث جوارها ، ثم ظهرت من خلف الباب المغلق تسأل بحدة بعدما تأكدت من ثبات حجابها :
-(( لو سمحت .. ممكن أعرف أنا محبوسة هنا ليه ؟! .. وبعدين ليه هدومى أنتقلت هنا !! )) ..
أرتفعت زاوية حاجبه ومال بجانب رأسه قليلاً ينظر إليها وكل ما يشغل عقله هو ، لماذا ترتدى حجابها وهى بصحبته وداخل غرفتهم الخاصة ؟! ، أليس زوجها شرعاً وقانوناً ومن حقه رؤيته ؟! ، هتاف أخر منها جذب أنتباهه وجعله يقول بنبرة خالية :
-(( لحد ما أعرف الدافع ورا إمبارح ، هتفضلى هنا ، فى الأوضة دى ، وأنا هنا .. برة .. زيادة تأكيد )) ..
برغم بساطة حديثه ألا أنها شعرت بتلميح مبطن خلف تلك الكلمات ، بسبب نظراته ربما ، لاتدرى ، هى فقط وجدت نفسها تهتف متسائلة بتأهب :
-(( قصدك أيه بالظبط )) ..
أجابها بعدما أبتسم بتهكم وقد تأكد من فهمها لمغزى جمله :
-(( قصدى بسيط .. واضح أن شريكك خاف تتكلمى بعد ما بقيتى مراتى .. فحب يخلص منك .. أو يمكن يهددك عشان تسكتى .. ومش بعيد يعيدها تانى .. شفتى أنتى هاينه عليه أزاى !! )) ..
أندفعت تسأله بتوجس وقد أثار حديثه ذعرها ، فبرغم خطأ الحديث فى المجمل ألا أن يحمل داخل طياته شئ من الصواب ، خاصةً عندما تذكرت جملة ذاك المعتدى بأن هناك من أمره بمهاجمتها :
-(( أنـت .. أأأنت بتقول أيه )) ؟!..
أجابها مطمئناً بثقة ومستمتعاً بالخوف البادى على وجهها :
-(( متخافيش .. عامل حسابى .. وعشان كدة هتفضلى أنتى جوة وأنا برة .. وأى حركة ليكى برة حدود الأوضة دى .. هتمر عليا الأول .. متفقين يــا )) ..
حركت رأسها موافقة بشرود بينما رفع هو ذراعه يتحسس بأصابعه على حين غرة ، وجنتها وتلك العلامات القرمزية النافرة ، قبل أن يقول بجمود :
-(( أبقى أدهنى حاجة لوشك ده )) ..
أجفل جسدها وشعرت بقشعريرة خفيفة تضرب وجهها ومقدمة ذراعيها خاصةً مع شعورها بأنفاسه الدافئة تصل إليها فى دلالة على أقترابه منها ، الامر الذى جعلها تتراجع للخلف بأرتباك مبتعدة عنه ، قبل أن تقول بنبرة متعلثمة مغيرة مجرى الحديث :
-(( أأنــا .. كــكنت حابة أشكرك على مساعدتك إمبارح )) ..
ألتوى ثغره بتلك الأبتسامة المتهمكة قبل أن يقول بوقاحة زائدة :
-(( معملتش كدة عشانك أكيد .. أنا عملت كده عشان أسمى وسمعتى )) ..
أصدرت صوت من حنجرتها يدل على السخرية ثم قالت بترو ضاغطة على مخارج حروف كلماتها بعدما شبكت ذراعيها معاً للأمام :
-(( غريبة !! .. مع أنى أعرف أن الصعايدة ولاد بلد .. ودمهم الحامى بيخليهم يحاموا ويدافعوا عن أى واحدة حتى لو مايعرفوهاش .. بس واضح أن البعد عن الأصل بينسى الشهامة )) ..
ضربت حديثها فى وجهه وهرولت من أمامه عابرة الباب المشترك إلى الغرفة الأخرى وغالقة الباب خلفها جيداً ، بينما وقف هو ينظر فى أثرها بأندهاش واضح ، وبدلاً من الشعور بالغضب ، وجد نفسه يبتسم دون مبرر ، قبل أستماعه لصوت أم الحسن يهتف أسمه مرة بعد مرة دون توقف ، أخذ نفساً عميقاً ثم قام بفتح الباب لها وتركها تقتحم الغرفة مندفعة وهى تقول بأنفاس لاهثة :
-(( أنا كلمت ربيع .. وحلفلى على المصحف أنه مكنش يعرف حاجة من اللى هتحصل دى .. وأن اللى جه دة مش أبنه محمود .. محمود الندل أتفق مع واحد يسفره من بلدنا على ليبيا ومنها على إيطاليا .. وساب الخسيس ده يجى بداله ويعمل عملته دى )) ..
قال طاهر معقباً على حديثها :
-(( عارف .. كلمت ربيع وعرفت كل حاجة )) ..
سألته مدبرة منزله بأندهاش وتوجس :
-(( عارف !!! طب أنت هتطرد الراجل الغلبان ده وهيتقطع أكل عيشه على كده .. ولا هيرجع شغله )) ..
أجابها مقتضباً بغموض ومنهياً الحديث :
-(( متشغليش بالك أنا هتصرف .. تصبحى على خير )) ..
غمغمت مرددة التحية قبل أنصرافها للخارج بأكتاف متهدلة ، فى حين أنتظر هو حتى أغلق الباب خلفها ، ثم أخرج هاتفه للتواصل مع التحرى الخاص يخبره بتصميم :
-(( سيد ماكسيم .. لازم نتقابل بكرة ضرورى .. فى تطورات حصلت محتاج أتكلم معاك فيها )) ..
سأله البلجيكي بأهتمام :
-(( ماذا حدث سيد طاهر ؟! .. أشعر أن هناك خطب ما سئ وقع ؟! )) ..
أجابه طاهر بأرهاق واضح :
-(( بكرة ننقابل فى الشركة .. وأفهمك كل حاجة .. وهديك أسم .. عايزك تتحرى عنه كويس .. وبعدها نرجع لقضيتنا )) ..
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية في لهيبك احترق)