رواية في لهيبك احترق الفصل التاسع عشر 19 بقلم شيماء يوسف
رواية في لهيبك احترق الجزء التاسع عشر
رواية في لهيبك احترق البارت التاسع عشر
رواية في لهيبك احترق الحلقة التاسعة عشر
يدُكَ التي حَطَّت عَلى كَتفِي ، كحَمَامَةٍ نَزُلَت لكي تَشربْ
عَنِدي تُسَــاوي ألَفَ مَملكةٍ، يا ليتَهـــــــا تَبقَى وَلا تَذهَبْ .
-نزار قباني
إن تظاهرك بأنك على خيراً ما يرام طوال الوقت هو أكثر ما يؤلم ، أن تقنع نفسك بأنك تتقبل الأمر ، ولكن فى الحقيقة أنك أبداً لا تستسيغه ، أن تُرغم شفتيك على أغتصاب إبتسامة كاذبة فى وجه الجميع ، تخفى خلفها تهدج نبرتك المرتعشة عندما تخبرهم أن أيامك حتى لم تكن بأفضل حال ، بينما جفنيك تأن مستجيرة فى صمت من ألم وخز الخيبات التى مررت بها ، أن تثرثر وتثرثر مؤكداً بأنك تمضى قدماً فى حياتك ، فى حين أنك لازلت تقف فى نفس المكان ، فى منتصف الطريق ، تراقب سيرهم من حولك دون أمتلاك أدنى قدر من الحيلة تُمّكنك من اللحاق بركبهم ، ثم تعود إلى منزلك وحيداً ، حيث ملاذ روحك المنهكة ، ولا يُحيل شئ بينك وبين عبراتك ، خذلانك ، وأحباطك ، سوى قناع القوة الزائف ، فتبكى وتبكى إلى أن تنقطع أنفاسك ، وتُستنفذ طاقتك وتغفو متعباً ، ثم تستيقظ صباح يومك التالي وأهدابك مازالت محتفظة بأثار أنهيارك أمس ، مقرراً المحاربة ، والمضى قدماً حاملاً ألمك داخل طيات خفقاتك وبين نياطه ، حتى يُعيد التاريخ نفسه ، بخيبة أمل جديدة ، تعيد إليك الماضِ بكل تفاصيله ، جراحه ، وبشاعته ، وتظل هكذا كلما تقدم بك العمر ، تتراكم فوق أكتافك الخيبات ، سائراً دوماً بوخز الدمعات ، حتى تصادف من يربت على كتفك ، وهو يخبرك أنه هنا ، معك ، وفقط من أجلك ، فإذا كنت تفكر به الأن ، وخطر على رأسك أسمه أو قفزت أمام عينيك صورته ، إذاً ، فأنت من القلة القليلة المحظوظة التى وجدت ضالتها وترياق روحها ، فحاول جيداً وبكل طاقتك أن تتشبث به .
أستمع إلى الصوت القادم من المذياع أثناء قيادته السيارة بنفسه وأبتسامته تزداد أتساعاً مع الوقت متفقاً مع حديث الضيفة الخبيرة ، فمجرد النظر إليها يحول الخراب بداخله إلى حديقة ورد ، فماذا عن أخباره بأنها معه ومنه ولأجله؟! ، تنهد بقوة مسابقاً الرياح فى الوصول إليها بعدما حررها في الصباح من بين ذراعيه مجبراً ، واعداً قلبه بأنهاء العمل والعودة إليها فى أسرع وقت ، متمنياً لو يدخر الساعة التى يقضيها فى الطرقات ، كى يصرفها برفقتها ، أو لو أستطاع كأضعف الأيمان نقل مقر أقامتهم إلى جانب العمل أو ربما العكس ، نعم قفزت تلك الفكرة بداخل عقله منتوياً طرحها على شريكه فى الحال ، فبعد أنتقال عائلة عمه هو الأخر للسكن جواره ، لن يُمانع جواد لو شرعا فى نقل مقر الشركة الرئيسي إلى المنطقة الصناعية ببرج العرب ، كخطوة جديدة نحو رفع أسهم ومكانة الشركة ، أما الدافع الأساسي لمقترحه ذاك ، فقد قرر الأحتفاظ به لنفسه تجنباً سخرية ذلك الفظ .
وفى داخل المنزل ، بعد ساعة ناقصة من القيادة المتهورة ، أستند بجذعه فوق أطار مدخل الممر القصير المفضى إلى المطبخ دون الأفصاح عن وجوده ، يراقبها بأشتياق وهى تتحرك داخله بخفة وتغمغم بنبرة ناعمة خفيضة ، لحن أغنية فيروزية عرفها على الفور ، بمجرد تغلغل صوتها الحانى خلاياه ، تاركاً المساحة الكاملة لحدقتيه اللامعة بما أضحى واضحاً إليه وإلى العيان ، فى ألتهام تفاصيلها والغرق بها وفيها ، ففي البداية ظنها محطة في حياته ، كمثيلتها ممن مروا به ، ولكنها فاجئته بالأستوطان فيه ، ولم يشعر بساقيه التى تحركت تنفيذاً لرغبته ، سوى عندما توقف خلفها ، يسألها بنبرة متحشرجة ، بينما رأسه تستند بأريحية فوق كتفها ، وذراعيه تحاوط بتملك واضح خصرها :
-(( هم العمر .. بيعمل أيه؟! )) .
أجفل جسدها عند شعوره بحركة خافتة خلفه ، ثم سرعان ما أرتخى تحت لمسته وأبتسمت من مغزى جملته ، ولم يضطرب من سماع صوته سوى ذلك الخائن الكامن تحت أضلعها ، قبل أن تجيبه بدقاته التى تقرع كالطبول ، حتى كادت تجزم بأستماعه هو أيضاً لها :
-(( بعمل شوربة لماما فادية )).
زحزح رأسه ببطء إلى أن وصل حافة عنقها ، وحك أنفه بقماش وشاحها الحريري الناعم ، الحاجب عن عدستيه تميمته السحرية ، ممراً ذبذباته كاملة إلى جلدها الذى تلقاها أكثر من قابلاً ثم قال معاتباً ومدعياً الأحباط ، بينما أنامله ترسم دوائر مداعبة فوق خصرها :
-(( يعنى عشان أم الحسن تعبانة يتعملها أكل مخصوص .. وأضيع أنا !!)) ..
ألتفتت بجسدها الذى بدء يتشنج أسفل لمساته تحاول بذلك الهروب من تحت قبضته وياليتها لم تفعل ، فبمجرد أستدارتها نحوه ، حتى سارع بلف ساقيه حول خاصتها ، وأستند بكلتا ذراعيه على حواف الرخامة خلفها ، محاصراً جسدها من جميع جوانبه وفارضاً هيمنته الرجولية بهالته القوية حولها ، بعدما محى المسافة البسيطة التى كانت فاصلة بينهم ، ثم قال بنبرة مشاكسة يحثها على التحدث :
-(( ها .. كنتى هتقولى حاجة ؟!)) ..
فتحت فمها ثم عادت وأغلقته شاعرة بحرارة الغرفة ترتفع من حولها ، مع أنسحاب الهواء من محيطها ، تحاول جاهدة أبعاده بذراعها الذى أرتفع ، بنية دفعه ، قبل أن يستقر فوق مضغته الثائرة ، تتحس بأندهاش أسفل قماش قميصه الأبيض دقاته المتسارعة ، مسدلاً هو أهدابه بجفنيه إلى حيث موضع أستقرارها ، مشدوهاً بفعلتها قبل أن تعود وترتفع مرة أخرى متتبعاً أناملها الصغيرة التى هبطت فوق كتفه ، تُزيل أحدى الخيوط العالقة ، دون وعي منها ، ولم تنتبه لجرأة فعلتها الغير متعمدة ألا بعد أنتهازه فرصه رفع رأسها في أخفاض وجهه والأقتراب من شفتيها ، فسارعت بالأبتعاد عنه مرتبكة بقدر ما سمح لها جسده المحاصرها مما أدى إلي هبوط شفتيه علي جانب ثغرها ، يتذوق بقايا الطعام من حافة شفتها السفلية ، ثم تمتم بوقاحة متلذذاً بالطعم في فمه :
-(( لا حلوة فعلاً .. أنا كدة أطمنت على نفسي )) ..
غمغمت تستجديه بتعلثم :
-(( طــ… طـاهــــر )) ..
همهم مستمعاً دون إجابة حيث كان مشغولاً بمراقبة أرتجافة شفتيها بالتزامن مع سواد أهدابها ، فعاودت تتوسله بتوتر أصاب جسدها بأكمله :
-(( لو سمحت)) ..
أتسعت أبتسامته المستمتعة ثم قال مصححاً بمرح :
-(( قصدى أطمنت على معدتى )) ..
أنهى جملته ثم باغتها بقبلة مطولة فوق وجنتها ، أنزلقت إلي حافة فمها ، قبل أنصرافه مفرجاً عنها ، تاركها تتنفس الصعداء وتتخبط فى حيرتها ، تراقب أنصرافه بقلب يملئه القلق والتمزق ، رغم الأبتسامة السعيدة الواسعة التى أنفرج ثغرها بها وحاولت جاهدة وأدها .
الطعنة الأولى هى الأسوء على الأطلاق ، وما يليها ليست سوى تبعات الخيبة ، وبالنسبة إليها لم تعد تشعر سوى بالغضب ، الأستياء من كلاهما ، بالطبع غضبها من ذلك الأحمق المتسرع ، عريض المنكبين ذو الجبهة العابسة ، يختلف تماماً عن غضبها من ذاك الخائن الوقح ، فالأول لا يتعدى كونه سخط سطحى ، واقع من شجار صديقين يتلمسا الطريق فى سنة تعارفهم الأولى ، أما الأخير فهو غضب حانق ، عدائى ، نابع من أنتقام أنوثتها المطعونة ، يحرق ويهدم إن لم تروضه وتسيطر عليه ، وأول الطريق هو باللجوء إلى مواطن قوتها والشئ الوحيد الذى تجيد فعله ببراعة ، هذا ما قررته وهي ترتمى بجسدها فوق الفراش ، بعدما أنهكها تعب الهرب من الجميع ، وخاصةً جواد ، الذى يحاول منذ الصباح الوصول إليها والأعتذار منها عما صدر منه خطأً ، وكسره ثقتها ، تاركة أجفانها تنغلق بسلام ، قبل أن يدوى هاتفها بعدة رسائل نصية جديدة قررت تجاهلها والرد عليها فى الصباح ، أما بالنسبة إليه فظل يذرع الممر الواصل بين غرفة الطعام وصالة الأستقبال والهاتف بيده ، يلوم نفسه على أستهتاره ، شاعراً بأنتقاص جزء كبير من رجولته عندما نقض عهده الذى قطعه إليها ، جاذباً أنتباهه صوت والده يهتف من خلفه بجدية :
-(( عبد الجواد .. لو فاضى تعالى نتكلم شوية )) ..
ألتفت بجسده المتشنج ينظر إلى والده قبل أن يجيبه موافقاً بأحترام :
-(( ولو مش فاضى أفضالك يا حج .. أنت عليك تؤمر )) ..
ربت أنور فوق ذراع ولده الذى أنحني بجذعه يدفع الكرسي المدولب للأمام بعدما وقف خلفه قائلاً برضا حقيقى :
-(( ميأمرش عليكم ظالم أبداً .. لا أنت ولا أختك ولا طاهر )) ..
واصل جواد دفع المقعد إلى غرفة المكتب ، ثم قال بأهتمام بعدما جلس قُبالة والده :
-(( خير يا بابا .. شكلك يقول مضايق )) ..
قال والده بعدما تنهد مطولاً يستفسر بحيرة :
-(( بالنسبة لرحمة .. مش واجب نسأل عنها .. لو جدت فى الأمور أمور وعرفت أننا عارفين الحقيقة وحتى مفكرناش نسأل عنها هتزعل .. ولا أيه رأيك )) ..
أجابه جواد بقلة حيلة :
-(( والله يا بابا أيدي على كتفك .. بس على يدك وسمعت .. أستاذ طاهر محرج علينا نتعامل عادي .. مانت عارفه لما بيغير .. حتى سلامى عليها مش هيقبله .. فما بالك بالسؤال )) ..
أبتسم والده مطولاً ثم قال متفهماً :
-(( عارفه بجنونه .. عمتاً خليك أنت بعيد وأنا هتعامل عشان متخسروش بعض )) ..
أومأ جواد رأسه موافقاً ثم عاد يقول بعدما تفرس ملامح والده :
-(( مش حاسس أن ده اللى مزعلك .. شكلك يقول مهموم )) ..
أجابه أنور معترفاً :
-(( عندك حق .. فى سبب تانى )) ..
أنتبه جواد بكل حواسه بينما أستطرد والده يقول بضيق :
-(( أختك علياء .. عايزة تسيب خطيبها )) ..
تهللت أساريره وأنتصب فى وقفته يقول بسعاده :
-(( أخيراً !!! )) ..
نهره والده مستنكراً بحنق :
-(( أنت فرحان !!!! .. وأنا اللى جبتك يا عبد المعين تعين !!! )) ..
أكد بأرتياح :
-(( أيوة فرحان وأنت عارف رأيي من الأول .. الشخص ده مايستحقش علياء )) ..
هتف والده ينهي الحديث بعصبية ويستوقفه بعدما رأه يسير فى أتجاه الباب وهو يصيح بأسم شقيقته التي ما لبثت تظهر أمامه ملبية النداء برقتها المعتادة :
-(( نعم يا جود .. محتاج حاجة ؟؟!! )) ..
سارع يسألها بلهفة ويخبرها بمدى دعمه لها :
-(( بابا قالى أنك عايزة تسيبي خطيبك ؟! .. لو الكلام ده صح أنا هكلمه بكرة ننهى كل حاجة ونخلص )) ..
رفعت رأسها تنظر إلى والدها المقعد ونظرة التوسل الصامتة التي رمقها بها ، ثم أجابت شقيقها رافضة على مضض بعدما أومأت برأسها إليه تطمئنه :
-(( هصلى أستخارة زى ما بابا طلب منى الأول ، وبعدها هقولك قرارى الأخير أيه )) ..
زفر جواد محبطاً قبل أن يقول مستسلماً :
-(( رغم أنى مش شايف أى داعى للتأجيل بس لو ده هيريحك أوك .. أما بالنسبة للشركة اللى بقالك يومين مش بتنزليها نظامك فيها أيه .. أنتى عارفة كويس لو حد غيرك كنت أتصرفت معاه أزاي )) ..
قالت معتذرة بحرج :
-(( عندك حق بس أنا أنشغلت بالشقة وتوضيبها جنب لينة .. ومن بكرة هتلاقينى جاهزة أنزل معاك )) ..
أجابها مستحسناً وهو يمسح فوق خصلات شعرها :
-(( مفيش مشكله بس عايزك تستخدمى عربيتك المركونة دي .. كدة هتنسى السواقة .. وأنا مش عايزك تعتمدى على حد عشان بعدين )) ..
قاطعه والده معترضاً بضيق :
-(( أيه يا عبد الجواد ، أختك تقلت عليك ولا أيه ؟!! )) ..
سارع يجيبه نافياً وهو يحتضنها بين ذراعيه :
-(( ده وجودها هو البراح نفسه .. بس عايزها متعتمدش على حد عشان متبقاش لقمة سهلة يا حج )) ..
قالت موافقة بحماس :
-(( جود عنده حق يا بابا .. ومن بكرة إن شاء الله هتحرك بعربيتي )) ..
قال شقيقها مقترحاً :
-(( وعشان تكون مطمن يا بابا .. الفترة الأولى كلها همشي وراها بعربيتي لحد ما هي بنفسها تقولي مش محتاجاك .. ها تمام كدة )) ..
غمغم والده داعياً بصدق :
-(( ربنا يخليكم لبعض ويحفظكم .. ويبعد عنكم ولاد وبنات الحرام )) ..
****************************************
مذكرتي العزيزة :
” هل تتذكري ذلك الأمر الخطير الذي حدثتك عنه فى المرات السابقة ، أظنه تعدي مرحلة الخطورة ، ولم أشعر بتطوره سوي وأنا أغرق داخله مع مرور الأيام ، والأسوء من ذلك هو رغبتي في بسط ذراعي والأستسلام ، حتي أنني لم أعد أريد النجاة منه ” ..
قاطعها وصول وقع خطواته القريبة من الغرفة ، وجعلتها تغلق دفترها وتقفز مسرعة ، تُخفيه بين ملابسها ، داخل أحد الأدراج المخصصة لثيابها الخاصة ، ثم عادت مرة أخرى تجلس بأنفاس لاهثة فوق الفراش ، مدعية الأنشغال بالنظر فى شاشة هاتفها ، بينما وقف هو يحدق بها فترة من الوقت ، بعد دخوله الغرفة ، وأبتسامته الماكرة المرحة ، تزداد أتساعاً أثناء تطلعه لغطاء رأسها المربوط بأحكام فوق شعرها ، ثم سألها بنبرة جاهد لأخراجها خالية بعدما وصل إليها وأستعد لمشاركتها الفراش :
-(( أنتى لابسة البتاع ده من الصبح ليه مزهقتيش منه ؟! )) ..
أشار بعينيه إلى حجابها ، فغمغت تجيبه بتبرير واهِ :
-(( أحم ، أصل أنا اللى كنت بعمل الأكل النهاردة ، وخفت يعاكسنى أو حاجة تنزل منه وأنا بطبخ فتضايق )) ..
ألتوى جانب فمه بنصف أبتسامة ساخرة ثم عاد يسأل من جديد منتوياً اللعب معها قليلاً :
-(( ودلوقتى هتنامى بيه ؟! مش هيضايقك ؟! )) ..
حمحمت عدة مرات متتالية ثم قالت كاذبة بخفوت :
-(( أحم .. لا هسيبه أصل الجو برد )) ..
أنهت جملتها ثم أستدارت بجسدها تعطيه ظهرها هرباً منه بالنوم بعدما همست بتوتر ملحوظ لم يُخفى عليه :
-(( تصبح على خير )) ..
ضيق جفنيه فوقها بخبث وأبتسامة التسلية لازالت تحتل شفتيه ، ثم تمدد فوق الفراش جوارها ، قبل أن يقوم بجذب جسدها إليه ، يلصق ظهرها به بيد ، ويزيح وشاح رأسها بالأخرى ، قائلاً بنبرة عابثة :
-(( لو بردانة .. أنا موجود )) ..
شهقت بعدم تصديق ، قبل ألتفاتها برأسها ، تطالعه بأندهاش صريح ، بينما سلط هو عينيه فوق وجنتيها القرمزيتين ، وأنحنى بوجهه ، واضعاً شفتيه فوق أحداهما ، مغمغاً بصوته المتحشرج الأجش ومحتكاً بها :
-(( أنا أدفيكى )) ..
طبع قبلة صغيرة أخيرة فوق وجنتها ثم وضع رأسه فوق خصلاتها المفرودة على الوسادة ومن حوله بعدما أغمض عينيه مستسلماً للنوم ، يمنع بذلك أبتعادها عنه تاركاً أنفاسهم الدافئة تختلط سوياً ، عندما أستدارت هى بكليتها تنام فى مواجهته بهدوء مدعية قلة الحيلة ، أما عنه فأبتسم عند شعوره بوهج أنفاسها القريب يلفح وجهه ، منتوياً بأصرار ، فإذا كان وقوعه فى حبها دون أختياره ، فسيحرص تمام الحرص على أن يكون الحاضر وما سيليه بمحض أرادته وحسب رغبته .
****************************************
رفع ذراعه ينظر فى ساعة يده بتأفف بينما باقي جسده مستنداً على مقدمة السيارة منذ الصباح ينتظر ظهورها فى أى وقت ، حتى لاح خيالها من بعيد تسير فى أتجاه الشارع الرئيسي بملامح وجه صارمة ، وقتها ركض خلفها إلى أن وصل إليها ، وهتف أسمها بلهفة يستوقفها :
-(( غفران .. لو سمحتى أستنى .. أسمعينى )) ..
توقفت عن السير ثم تراجعت للخلف عدة خطوات تسأله بجفاف بعدما رمقته بنظرة عدائية واضحة :
-(( خير )) ..
أبتسم بخفوت على طريقتها الطفولية فى التعامل معه وخصامه ، ثم قال نادماً بعدما تنهد مطولاً :
-(( بعتذر منك للمرة اللى نسيت عددها حتى على الخطأ اللى حصل منى إمبارح .. وأسمحيلي أعوضك بأى طريقة )) ..
مطت شفتيها معاً للأمام ، ورفعت أحدى حاجبيها بأستنكار ، ثم قالت مستهزءة :
-(( تعوضنى !!! .. تصدق ممكن .. أيه رأيك لو تروح تضربه وتبقى خناقة شوارع عنب .. أو تأجر بلطجية يهددوده يا يطلقنى .. يا يقضوا على مستقبله .. حلوة الفكرة صح ؟! )) ..
هتف متشدقاً بأعتراض :
-(( مكنتش دى فكرتى عن المساعدة وأنتى عارفة ده كويس )) ..
صاحت تسأله بنفاذ صبر :
-(( أومال أيه المساعدة اللى ممكن تقدمها فى حالتي وأنا معرفش أقوم بيها )) ..
هتف يجيب بحماس :
-(( معرفش بس معاكي فى أى حاجة لحد ما تخلصى منه )) ..
أصدرت صوتاً من حلقها ينم على التهكم ، قبل مد ساقها للأمام تمهيداً لأستئناف سيرها ، فى حين سارع هو بوضع جسده أمامها كحائل وهو يهتف محذراً بنبرة بدئت تخرج محتدة بعض الشئ :
-(( غفران وأنا بكلمك .. متسبنيش .. وتمشى مرة تانية )) ..
أرتخت أكتافها وزفرت بنفاذ صبر ثم قالت بنبرة شبهه طبيعية :
-(( رايحة المحكمة أشوف حل وأنهى المهذلة دى )) ..
سآلها بتوجس :
-(( هتخلعيه ؟!!! )) ..
آومأت برأسها مؤكدة ولم تعقب ، بينما أردف هو يقول بأصرار :
-(( تمام .. هاجى معاكى )) ..
تفرست ملامحه مطولاً ثم قالت بعقلانية شديدة :
-(( جواد .. صدقنى أنا مقدرة كل اللى بتعمله ده .. فى الحقيقة أنا كنت متعصبة منك إمبارح جداً .. بس معرفش ليه النهاردة هديت .. فمحاولات التعويض دي كلها ملهاش لازمة لأنى حقيقى مش زعلانة منك .. ويمكن اللى حصل إمبارح ده كان عشان أتحرك بخطوة رسمية أتأخرت .. وفى كل الأحوال وجودك معايا مش هيكون فى صالحى )) ..
قال معاتباً بعدما ألتقط مغزى حديثها الغير منطوق :
-(( لو بعدت هتأكدى الكلام التافهه .. أحنا فى الموضوع ده سوا من أوله .. ومش هتراجع عن دعمك عشان كلام ملهوش لازمه ولا أهمية .. ده واجب الصاحب على صاحبه .. ولا أيه يا أستاذة ؟! )) ..
لمعت عينيها وأتسعت أبتسامتها ثم قالت شاكرة بأمتنان حقيقى :
-(( أنا محظوظة لو كنت فعلاً بتعتبرنى صديقة ليك على وفائك ده .. بس عشان خاطري أنا مش حد تاني .. سبنى أعمل المشوار ده لوحدى .. المرة دى بس )) ..
هز رأسه موافقاً ثم قال قبل أن يودعها وينطلق كلاً فى طريقه :
-(( لو أحتاجتى أى حاجة .. أنتى عارفة توصليلى أزاى )) ..
غمغمت موافقة ثم لاحت له بكفها مودعة قبل سيرها لأنهاء صفحة وجب منذ فترة أغلاقها .
***************************************
نظر فى شاشة هاتفه ممتعضاً بعدما أضاءت بأتصال هاتفى جديد من مساعده ، يلتفت حوله يمنة ويسرى ساخطاً بحنق من حريته المكبلة ، يتأكد من عدم حومها حوله قبل الأجابة براحة ، فقد سأمها حقاً وسأم تدخلها فى شؤنه والمكانة التى وضعت نفسها بها دون رضاه ، ولولا محاولتها مساعدته فى مضايقة عائلة المناويشي والعودة إلى صفوفهم لنقل أخبارهم بعدما فشل فى تجنيد الأخري ، لتخلص منها فى الحال ، وهذا حقاً ما ينتوي فعله ، بعد أنتهاء مخططهم الخاص بمدللة الأنور ، حتي ينهي أنتقام والده ، ثم يلتفت لأنتقامه الخاص ، معيداً تركيزه إلى المخابرة الهاتفية ، صوت مساعده الشخصى يقول بعملية :
-(( رائف باشا .. الرجالة اللى حضرتك طلبتهم جاهزين .. شوف تحب يتحركوا أمتى )) ..
أجابه براحة :
-(( طب كويس .. سبهم يراقبوها كام يوم كمان وأول ما تبقى لوحدها من غير جواد ينفذوا اللى أتقالهم بالحرف .. ويارب تنفع فى حاجة المرة دى )) ..
قال كريم معترضاً بعتاب:
-(( ليه كدة بس يا رائف بيه .. مانا بحاول أرضيك أهو .. ولا نسيت مين جابلك حوار رحمة وطاهر وقرابتهم )) ..
هتف يقاطعه شرزاً :
-(( وأنا كنت أستفدت أيه بالمعلومة دى !! .. ولحد دلوقتي مش عارف أوصلهلها )) ..
قال مساعده بثقة :
-(( هتوصلها يا باشا .. ده أنت الدماغ كلها .. خطط أنت بس وأنا عليا التنفيذ برقبتى )) ..
رد الأخير متمنياً بعجز :
-(( أحنا لو أستغلينا موضوع القرابة ده صح هعرف أبعدها عنه .. وقتها مش هتلاقى غير حضنى تترمي فيه )) ..
طلت هى من خلف الحائط الفاصل بينهم حيث كانت تقف تتصنت على حديثه كعادتها ، ثم تحركت بعدها متعمدة أفتعال ضوضاء بكعب حذائها العالِ تعلن به عن وصولها ، وبالفعل كما توقعت وتهيأت ، سارع هو بأنهاء المكالمة بمجرد شعوره بحركتها خلفه ، ثم بادر بالحديث إليها يخبرها بفخره المعتاد :
-(( اللي عايزاه حصل والرجالة راقبوها زى ما طلبتى .. أتصال أخير منك وهينفذوا وقتى أتفاقنا .. لما أشوف شطارتك )) ..
أبتسمت حتي ظهرت أسنانها من خلف تلك الأبتسامة ، ثم قالت معترضة بعدما شبكت ذراعيها معاً أمام قفصها الصدرى :
-(( ماشي .. بس ممكن أعرف ليه مخلتنيش أتعامل معاهم منى لنفسى زي ما طلبت !!! ))
أجابها بنبرة رنانة مستخفاً بها ، وهو يمد ذراعه نحو وجهها ، يقرص بعنف كعادته وجنتها :
-(( ها !! .. عشان تلعبى بديلك من ورايا صح ؟! .. لا يا حلوة مش عليا .. يا فيها يا أخفيها )) ..
لوت فمها ساخرة وهي تراقب أنسحابه من أمامها بأجفان منتفخة ، ثم غمغمت متوعدة بنيران صدرها المشتعلة بعدما تأكدت من خروجه :
-(( لسه هتشوف اللعب قريب يا دنجوان عصرك .. لما أخلص عليها وأقعدك تبكى على قبرها )) ..
****************************************
بعد مرور ثلاثة أيام
ركض يحيي داخل ممر المحكمة الضيق ، يبحث بعينيه عنها ، إلى أن وجدها تخرج من باب القاعة ، متلفحة برداء المحاماة الأسود ، فسارع يسألها بلهفة ، بعدما وصل إليها ووقف أمامها :
-(( ها عملتى أيه ؟! .. أسف أنى أتاخرت عليكى سامحينى )) ..
تنهدت بعمق ثم أجابته بأحباط :
-(( أتأجلت عشان البيه مجاش .. وشوف أزاى محدش عارف يستدل على عنوانه )) ..
هتف يحيي مستنكراً :
-(( ليه !! .. مش عنوانه واضح وصريح )) ..
قالت مؤكدة :
-(( بيلاعبنى يا يحيي .. لا موجود فى عنوانه ولا عنوان والدته ولا الشغل .. بس سيبك منى أنا هتصرف مش بدر اللى هغلب معاه .. وقولى .. أتأخرت ليه جلستنا الأساسية قربت تبدء ؟!! )) ..
نظر إليها ولم يعقب فأستطردت تهتف مستنكرة :
-(( لا .. متقولش أنك سافرت تانى تلف عليها .. يحيى أنت بتهزر صح !! .. أيه اللى أنت بتعمله فى حياتك ده فهمنى ؟!! )) ..
هرب من الأجابة عليها عندما صاح يقول بعدما لمح عسكرى المحكمة يوشك دخول القاعة :
-(( سيبك منى ويلا نلحق ندخل قبل ما يقفلوا الباب )) ..
سارت معه مستسلمة مؤقتاً ، تنتوى بداخلها معاودة التحدث فى ذلك الشأن مرةً أخرى حتي ينصت إليها ..
أما على الطرف الأخر وتحديداً ببيت والدته ، أنتظرت رجاء حتى أنصرف وأغلق الباب من خلفه ، ثم سارعت تقتحم الغرفة وتسألها بلهفة واضحة :
-(( ريحى قلبي وقوليلى أنك أحسن )) ..
أجابتها أفنان من بين عبراتها المنسكبة بعدما أطلقت لها العنان لحظة رحيله :
-(( مفيش جديد .. الوجع بيزيد مع الوقت .. ومن شوية لقيت بقعة دم )) ..
صمتت تبلع لعابها ، ثم أستطردت تقول بحسرة :
-(( شكلى كدة مليش نصيب فيه .. ومش قادرة أصارحه بالحقيقة .. بعد ما عرفت أنها شايلة فى بطنها منه .. يعنى محدش خسر غيرى )) ..
قالت والدته معقبة ، ولا تُنكر أن شئ ما بداخلها بدء يميل إليها بعد علمها خبر الحمل :
-(( متقوليش حاجة لحد بكرة .. نروح للدكتورة ونشوف بعدها نعمل أيه .. بس أفردى وشك مش ناقصة نكد أنا )) .
غمغمت تطيعها بخنوع بعدما سارعت بمسح عبراتها الحارقة ، ففى الوضع الحالى ، كسب رضا والدته يأتي فى المرتبة الأولى بالنسبة إليها .
******************************************
عيناها هما نافذته إلى العالم ، وإذا أغلقتهما أظلم كل ما حوله
تململ في مقعده الجلدى الوثير ، وهو جالساً خلف مكتبه ، يحاول التركيز على الملف المفتوح أمامه ، بعدما عزل نفسه داخل الغرفة ، حتى يبتعد عن مرآها ، ويستطيع مراجعة بنود الأتفاقية للمرة الأخيرة قبل صباح الغد ، ولكنها تظل تقفز أمام عينيه وفى مخيلته ، متذكراً صبيحة اليوم ، عندما أستيقظ مع بداية ظهور أشعة الشمس ، ووجد رأسه تستند بأريحية على مقدمة عنقها ، بينما أصابعهما متشابكة معاً ، وكأن فواصل كفه الكبيرة ، خٌلقت هكذا خصيصاً ، كى تملئها بأناملها الصغيرة ، أما عنها هى ، فقد توقفت أمام باب الغرفة ، بعدما أنتهت من صنع قهوته الخاصة ، مقترحة بحنو على مدبرة منزله العودة لفراشها ، والقيام هى بمهمة إيصالها البسيطة بدلاً عنها ، تحاول تشجيع نفسها على مواجهته ، وطلب ما تريد ، وبعد دقيقتين من التسمر مكانها ، أنتبهت إلى ألم ذراعها والذى بدء يعلن عن نفسه ، وعليه تشجعت وقررت الدخول بعدما طرقت بخفة فوق باب الغرفة وأستمعت إلى إذنه المقتضب ، تطالعه وهو يجلس خلف طاولة مكتبه ، مرتدياً نظارة طبية تراه يستخدمها للمرة الأولى ، فتوقفت عن السير تتفرس ملامحه وتدرسها بتأنى ، معجبة بخطوط فمه الحادة ، وجبينه العابس ، مقرة على مضض وسامته التى أنكرتها مرات عدة ، بينما رفع هو رأسه من فوق الملف بأستنكار ، يستطلع سبب تأخر أم الحسن فى وضع الصينية أمامه ، متفاجئاً بها ، تتقدم منه بأبتسامة خافتة ، قبل أن تنحنى بمقدمة جذعها نحو المكتب كى تضع الصينية أمامه ، منسدلاً معها وأمام وجهها شلالها الفحمى المفرود فوق كتفيها للمرةً الأولى ، مما جعله يترك مقعده ، ويسير مغيباً إلى أن وصل إليها ، ووقف قُبالتها مسحوراً ، قبل رفعه لذراعه يحتضن بين كفه كل ما أستطاع القبض عليه من خصلاتها الناعمة ، ثم رفعها نحو أنفه يستنشقها ، قبل وضعها أمام فمه يوزع قبلاته فوقها ، حتى وصل إلى جانب أذنها ، وعاد ينثر قبلات صغيرة متفرقة بجانبها ، هامساً بصوت متحشرج :
-(( كدة مش هحتاج قهوة )) ..
سحبت نفساً عميقاً تحد به من فرط توترها ، قبل أن تمد ذراعها وتستند بكفها ، فوق عضده المفرود أمامها تستمد منه القوة ، بعدما بدءت ساقيها فى الأرتخاء ، ثم قالت بصوت أخفض من الهمس متجاوزة ما يفعله :
-(( طاهر .. لو سمحت ممكن أطلب حاجة )) ..
أبعد فمه عنها دون أبعاد رأسه ، مما جعل أنفه الملاصق لها يحتك بوجنتها ، وهو يجيبها بنبرة أعلى من خاصتها قليلاً :
-(( أتمنى )) ..
فتحت عينيها على أتساعهما ، تتأكد أن ما تمر به حقيقة وليس أحد أحلامها الصيفية المراهقة ، ثم قالت بعدما أدارت رأسها قليلاً فى مواجهته ، وهى لازالت محتفظة بهمسها الناعم :
-(( غفران صاحبتى بتمر بظروف مش كويسة .. وكنت عايزة أقابلها برة أطمن عليها ))
كانت المسافة بينهما فى تلك اللحظة ، لا تتعدى إنشاً واحداً ، لذا أستطاعت أن ترى بوضوح أهدابه العسلية المنسدلة فى أتجاهها ، وبعض الشعيرات البيضاء الخفيفة التى زينت لحيته الكثيفة ، مع تلك الحفرة العميقة ، الواقعة بجوار فمه ، ورائحة عطرة النفاذة المخترقة حاستها ، قبل أن يقاطع تأملها صوته يجيبها موافقاً :
-(( تحبى تروحى أمتى ؟! )) ..
هل سيكملا نقاشهم بتلك الوضعية الغير مريحة على الأطلاق ؟! ، ثم مهلاً !! ، هل وافق على طلبها حقاً ؟! ، بتلك البساطة !! ، وهى من هيأت نفسها لموجات متتالية من العناد والصياح ، لاحظ هو نظرة الأستنكار التى أعتلت حدقتيها ، فعاد يقول مقترحاً بنعومة ، ويده تشق طريقها نحو خصرها :
-(( بكرة عندى أجتماع .. ممكن أبعتلك السواق وقت ما تحبى تقابليها )) ..
أومأت برأسها موافقة بصمت ، فى حين أردف هو مضيفاً بهمس مغرى أمام شفتيها :
-(( بس متاكليش معاها .. عشان نتغدى سوا )) ..
كانت تحرك رأسها موافقة على كل حرف ينطق به كالمغيبة ، فبالنسبة إليها ، حتى وأن كان حقيقة ، فهو حلم بعيد المنال ، ستعيش أحداثه فقط تلك المرة مستمتعة بكل لحظاته ، ثم بعدها ستبدء فى مقاومته ، مستغلاً هو خضوعها ذلك فى الأقتراب منها أكثر ، حتى بدءت شفاه تحتضن ثغرها ، قبل أن يقطاعهما رنين هاتفه ، وكأنه جرس الأنذار الذى أحتاجه عقلها ، ليدفعها فى الهروب من أمامه ، والخروج من هالته المسيطرة .
*****************************************
أخذت نفساً عميقاً قوياً ، تستجمع به كل طاقتها وقوتها ، وتسيطر به على غضبها المتزايد ، وتذكر نفسها بأنها صاحبة الحق ، وكم هى محظوظة لكشفه عن قناعه الحقيقي أمامها ، كما أنها محقة تمام الحق فى قرار الأنفصال ، والأبتعاد بطفلها عن بيئته الغير صالحة لتربيته وأنشاءه على القيم والنهج السليم ، وبعد فترة من الوقوف أمام عتبة منزل والدته “سامية” قررت المواجهة ، بطرقها المتواصل فوق الباب ، ثم أقتحامها المنزل فور فتحه ، تصيح بعصبية عادت إليها فور مطالعة محيا غريمتها ، والتى سارعت بالوقوف أمامها بجسدها كحائل ، وتسألها بعدائية صريحة ،
-(( جاية هنا ليه ؟!! وعايزة مننا أيه بالظبط .. طبعاً جاية تتمسكنى بحجة اللى فى بطنك وتحاولي ترجعيه صح ؟! )) ..
رمقتها غفران بنظرة أزدراء واضحة ، ثم قالت موجهة حديثها إلى والدته التى أنتصبت فى وقفتها فور دخولها المنزل :
-(( أبنك فين .. المحكمة مش عارفة توصله وكدة عيب .. خلينا نخرج بالمعروف زى ما دخلنا بالمعروف )) ..
عقبت والدته ساخرة بجفاء :
-(( وهى القواضى برضة معروف !!! )) ..
أصدرت غفران من حلقها صوتاً ينم على التهكم ، ثم قالت بأصرار بعدما حركت رأسها عدة مرات :
-(( تمام .. أنا هدور عليه بنفسى .. أوعيلى )) ..
وجهت كلمتها الأخيرة لأفنان التى تحركت بلهفة تضع جسدها حائل قبالتها للمرة الثانية ، وهى تقول بكبرياء مزيف :
-(( مش هسمحلك تفتشى فى بيتى )) ..
باغتتها غفران بالركض من خلفها فى نفس الوقت الذى تحركت به أفنان تقف أمامها وتمنعها من السير ، مما أدى إلى أرتطام جسديهما معاً وترنح جسد الأخيرة على أثره ، قبل سقوطها أرضاً وصراخها بألم يُصم له الأذان :
-(( ااااااااااااه .. ألحقينى يا ماما الحاجة .. أبنى .. الوجع هيموتنى )) ..
**********************************************
صاح والدها أسمها يستوقفها بعدما لمحها من داخل غرفة الطعام تسير إلي الخارج مباشرةً ، ثم سألها بفضوله وأهتمامه المعتاد :
-(( خير يا علياء يا بنتى .. مالك نازلة مستعجلة كدة ليه .. ومستنتيش أخوكي ينزل ليه ؟! )) ..
أجابته بعدما ألقت تحية الصباح :
-(( خير يا حبيبي .. مستعجلة عشان عندنا أجتماع مهم مع الصينين .. وعايزة أروح بدرى يمكن يحتاجوا منى حاجة .. وجود نزل من الصبح .. يادوب ألحقه )) ..
عاد والدها يسأل بقلق :
-(( طب هتروحى لوحدك كدة ؟!!! .. أستنينى أكلم جواد ولا طاهر حد منهم يبعتلك سواق يوصلك )) ..
هتفت معترضة بعدما ألقت نظرة خاطفة على والدتها الجالسة تتلمس منها العون :
-(( يا بابا بقولك عندهم أجتماع مهم ومشغولين .. وحتى لو .. معقول أخلى سواق يجيلي المسافة دى كلها ويرجع وأنا معايا عربية !! )) ..
رد والدها بعدم أقتناع :
-(( وماله يجى أهم حاجة أكون أنا مطمن عليكى .. وكمان أنتى لسه متعوديش على الطريق عشان تسوقى فيه لوحدك )) ..
هنا تدخلت والدتها تقاطع الحديث قائلة بمرحها المعتاد :
-(( سيبها يا أنور .. اللى خايف عليها دى كلها شهر وتطير بعيد عننا .. بلاش خوفك الزيادة ده ))..
هتفت علياء تحييها بمرح :
-(( تعيش كريمة هانم تعيش .. متخافش عليا يا بابا الطريق سهل وزيادة أمان هشغل الgps وأنا سايقة .. ودلوقتى عن أذنكم عشان هتأخر )) ..
أنهت جملتها وركضت بحماس نحو الخارج تقود سيارتها للمرة الأولى بمفردها كخطوة أولى أشعرتها بالحرية ، ولم تنتبه لمن يتبعها منذ خروجها من المنزل ، ألا عندما بدءت السيارة المجاورة لها تضيق عليها الخناق ، وتحاول بشتى الطرق كسر الطريق أمامها وجرها قسراً إلى أخر فرعى ، بينما تحاول هى جاهدة الأتصال بشقيقها من أجل النجدة وقد بدء الزعر يتملك منها .
أما على الطرف الأخر ، وأثناء جلوسهم داخل غرفة الأجتماعات ، دوى رنين هاتف جواد بأتصال ملح ، جعل طاهر الجالس قبالته يحدقه بنظرة معنفة ، فسارع الأخير برفض المكالمة وأغلاق هاتفه دون النظر به ، معتذراً من الوفد الأجنبى على المقاطعة الغير مقصودة ، قبل أن يشير بيده للمترجم الخاص كى يستآنف مفاوضته .
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية في لهيبك احترق)