رواية في قبضة الأقدار الفصل الستون 60 بقلم نورهان آل عشري
رواية في قبضة الأقدار الجزء الستون
رواية في قبضة الأقدار البارت الستون
رواية في قبضة الأقدار الحلقة الستون
بسم الله الرحمن الرحيم
الأنشودة العاشرة 💗🎼
أيا قلب قتله العشق ماذا أنت فاعلًا بنا أكثر ؟
ألا يكفيك لوعتنا ؟
و هذا الهوان الذي أصاب خيلائِنا في مقتل ؟
علِم الحبيب مكانته بين طيات الروح
فولى و اعرض و على هوانا تكبر !
أشجوجنا يُرضيك ؟
أم أنك اعتدت على مُر الجوى ولم تعُد به تتأثر ؟
اغرُبي يا شمس الهوى عن كوننا
واخبري حبيبنا أن الفؤاد الذي اكتوى بنار الشوق
قادرًا علي تحمُل كمد الفُراقِ و أكثر ..
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
تجمد جسدها لثوان وهي تشعر بشيء حاد يكاد يخترق جسدها من الخلف اتبعه تلك الأنفاس الحارة خلف عنقها و ذلك الهسيس الخشن بجانب أذنها
_ جولتلك هخطوفك . مصدجتنيش . واني چاي انفذ وعدي .
خيط من السكينة بدأ يتسلل إلى داخل قلبها الذي استشعر نبرة قاطنه والذي جعل نبضاته تتضاعف ولكن ليس ذعرًا بل شوقًا .
تمالكت نفسها والتفتت تناظره بقوة توازي قوة دقاتها الهادرة
_ ايه اللي بتعمله دا ؟ انت أتچنيت ولا اي ؟
برؤيتها اكتملت صورة البدر في عينيه التي وقعت أسيرة لحُسنها في ذلك الرداء القطني الطويل والذي يُعانق منحنياتها بدلال و يُبرزها على استحياء يُناقض مجون خصلاتها التي كانت تتماوج بإغواء حولها لتعطيها هالة من الجمال الذي ضاعفته قطع الشيكولاته الذائبه في مُقلتيها بتلك السياج الكثيفة من الرموش التي حين ترفرف بها و كأنها تعبث بدقات قلبه الذي تضاعف هيامه بها خاصةً و أن ذلك الغضب روى خديها بدماء الخجل فنبت محصول التفاح الشهي و تناثرت ثماره بين وجنتيها و شفتيها التي كان إغوائها مُهلِك بل فاتِك للحد الذي جعله يقول دون وعي
_ يابوووي . هو في حلاوة أكده !
تبدل غضبها الحارق إلى خجل غامر جعلها تدير رأسها للجهة الأخرى وهي تقول بتلعثم
_ ايه . ايه . اللي . هتعمله . ده ؟ هتفرچ . علينا الناس ؟
«عمار» بنبرة مُشبعة بالشغف
_ يتفرچوا .عشان يعرِفوا أن أبوكِ راچل ظالم عايز يحرمني منك .
كلماته كانت تلهو بدقات قلبها الذي لم يتجاوز صدمته بعد ناهيك عن وطأة حضوره الطاغي لذا أخذت تحاول استرداد أنفاسها الهاربة قبل أن تقول بارتباك
_ بطِل حديتك الماسخ ده .و امشي . بلاش فضايح .
شهقة خافتة شقت جوفها حين سمعت تلك الدبة القوية و التي توحي بأنه تخطى سياج الشرفة ليصبح خلفها مُباشرةً فانحبست الأنفاس يصدرها و أغمضت عينيها تحاول استدعاء جزء من ثباتها المفقود لتأتي كلماته و تضرب بكل مُحاولاته عرض الحائط
_ العاشِج لا عليه لوم و لا عتب .
امتدت يديه تلامس رسغها يُديرها إليه ليبتهج قلبه و تقر عينيه بمطالعه حُسنها البهي فخرجت كلماته شغوفة مُحملة بأطنان من العشق
_ واني عاشج . و مجدرش اجف جِدام جلبي اللي مُنى عينه يلمح طيفك .
يغويها بعشق كان المستحيل أقرب إليها منه و يُلبي رغبات قلبها الذي تشققت تُربته من فرط ما عانته سابقًا لا تستطيع ألا ترى كيف يهيم بها ؟ ولكن هل يُمكن لكل ذلك أن يُكمم صرخات كرامتها التي نال منها ذات يوم ؟ و هل يُداوي تصدعات كبريائها الذي دُهِس جورًا تحت وطأة تجبره ؟
_ ليه معيزاش تصدجيني ؟ اني رايدك يا نچمة و…
قاطعته حين قالت بجفاء
_ مين جالك اني عِندي شك انك رايدني ؟
تهللت أساريره من كلماتها فقال بلهفة
_ طب اومال اي؟ ليه مبتوجفيش چاري ؟ اوعي تجولي انك معتحبنيش ؟ اني شايف العشج في عنيكِ مهتعرفيش تداريه ..
تجاهلت ضجيج قلبها و ذلك الصخب الذي يسيطر على مشاعرها و قالت بجفاء
_ و ايه كَمان ؟ شايف ايه تاني في عنيا غير العشج ؟
أطلق تنهيدة قويه يُصاحبها ألسنة الندم المُشتعِلة التي كان منبعها قلبه فجاءت كلماته محرورة حين قال
_ شايف عتب كبير جوي . و زعل اني مجدرش عليه . جوليلي اعمل اي وانا هعمله لجل ما تسامحيني .
أبت أن تنصاع خلف إغوائه و توسلات قلبها بالصفح فأدارت وجهها للجهة الأخرى فاجأها صوته الخشن ليزعزع الباقي من ثباتها
_ اني موافج أنفذ شروط ابوكي لو ده هيخليكِ تسامحيني .
صدمها حديثه للحد الذي جعلها تلفت تناظره بصدمة جعلت ابتسامة رائعة ترتسم على ملامحه و تضيء عينيه التي أسرتها في تلك اللحظة فقالت دون وعي
_ عتجول ايه ؟
«عمار» بتمهل دغدغ أوتار قلبها
_ بجولك هنفذ شروط ابوكي لو دا هيخليكِ تسامحيني .
«نجمة» بارتباك
_ و هتجبل انك . يعني . اجصد . طب و الناس . و شكلك جدامهم .
«عمار» بثبات وعينيه تعانق خاصتها بشغف
_ مش جولتلك جبل أكده . العاشج لا عليه لوم ولا عتب
ارتج قلبها حتى أوشك على تحطيم ضلوعها من فرط ثورته و تأثره بذلك العشق الذي يقطر من بين كلماته ولكنها انتزعت آخر ذرة ثبات تملكها حين قالت
_ طب . طب و چدك ؟
«عمار» بقوة
_ ميهمنيش حد واصل .
كان ما يحدث أكثر من مُرهِق لذا آثرت الهرب حين قالت
_ طب يالا . امشي دلوجت . حد يشوفنا تبجى كارثة .
بعد أن وصل لتلك المرحلة معها لن يعود لنقطة الصفر مرة أخرى لذا عاند بحدة
_ مش همشي غير لما تجوليلي انك موافجة .
«نجمة» بتلعثم
_ موافجة . موافجة على أي يا مچنون انت !
ضيق عينيه بمكر قبل أن يقول بنفاذ صبر
_ بجولك ايه انا اخطوفك و احطك أنتِ و ابوكي جدام الأمر الواقع و اريح راسي .
قال جملته وهو يتوجه إليها في محاولة منه لإخافتها وقد نجح في ذلك فقد تراجعت للخلف بذعر تجلى في نبرتها حين قالت
_ وجف يا مچنون تخطوف مين ؟ هتودي روحك في داهيه .
لمع وميض العشق في عينيه وهو يقول بخشونة
_ خايفة عليا؟
أجابته باندفاع تنفي عن نفسها تهمة العشق الذي يتلبسها كشيطان مريد
_ لاه . واني هخاف عليك ليه ؟ اني خايفه على سمعتي . و دي طبعًا آخر حاجة چنابك بتفكر فيها . ماني بجرة !
باغتتها كلماته التي حملتها كغيمة ورديه في سماء العشق
_ چنابي بيعشج التراب اللي بتمشي عليه .
نفذت كلماته إلى أعماق قلبها و قد كان اعترافًا رائعًا بالحب لم تتوقعه يومًا و خاصةً من بين شفاه ذلك الرجل الذي لم تسمع عنه أو منه سوى الفظاظة و القسوة التي تحولت على يديها و أصبحت طوفان عشق خالصً لها .
طال صمتها فلم يعُد يطيقه لذا قال بإلحاح
_ بزياداكِ عناد بجى و ارحمي جلبك اللي سامع صوت دجاته من اهنه ..
ثارت كرامة الأنثى بداخلها و هناك جزءًا من تلك الأنثى اشتهى الدلال الذي تجلى في نبرتها حين قالت
_ جلبي ده في يدي . مديهوش غير للي يستحجه و يحافظ عليه..
صاح بعنفوان أضفى عليه جاذبية خاصة أسرتها
_ اللي هو اني . واوعي تفكري في حاچة غير أكده . بلاش تشوفي چناني يا بت الوزان .
اهتاجت مشاعرها لكلماته الرائعة ولكنها ابت التسليم إذ قالت بتمنع
_ خلاص خلِصنا امشي دلوق واني اوعدك هفكر . و انت وحظك بجى
ألقى بارود عشقه بمنتصف قلبها حين قال بخشونة
_ حظي حلو عشان عشجت الجمر . واني مش مچنون عشان اسيبه .
صمت لثوان قبل أن تحتد نظراته حين قال
_ جدامك خمس دجايج تفكري فيهم جبل ما أخطوفك . اني يا جاتل يا مجتول الليلادي .
انمحت غمامة الألم من عينيها و تخدرت أوجاعها بفعل عشقه الضاري و تولدت بداخلها شحنات الإثارة التي جعلتها تقول بتخابث
_ يعني انت مستعد تنفذ اي حاچة اطلبها منِك ؟
اكتفى بكلمة واحدة قاطعة
_ مُستعد ..
«نجمة» بمكر
_ وماله . شوف أما اچولك …
★★★★★★★★
_ نورتي بيتك يا حاجة أمينة كان مضلم من غيرك .
هكذا تحدث «سالم» وهو يُقبل كف «أمينة» بإجلال فربتت بحنو على كتفه وهي تقول بامتنان
_ منور بيك وباهله يا حبيبي . ربنا ما يحرمني منك .
_ دي حقيقة يا ماما البيت كان مضلم من غيرك .
كان هذا صوت «فرح» التي كانت تناظر «أمينة» بحب شاطرتها إياه الأخيرة فقالت بحنو
_ أنتِ نوره يا فرح . أنتِ و منصور الصغير ..
لوهلة امتقع وجه« فرح» حين سمعت هذا الاسم الذي من المستحيل أن تُطلقه على صغيرها و قد استغل «مروان» هذا الأمر حين قال مُهللًا
_ والله يا مرات عمي بقك بينقط سكر . تخيلي كدا بعد كام شهر يجيلنا منصور صغير يملى علينا البيت . و البت فرح المحظوظة دي تبقى ام منصور . ياه . قد ايه أنتِ محظوظة يا فرح . امك دعيالك في ساعة فجرية الوحيدة اللي هتنولي الشرف دا .
صمت لثوان يُتابع ملامح «فرح» التي توحي بأنها تود الفتك به ثم أضاف بتشفي
_ انا بعد كده مش هقولك غير يا أم منصور . أم منصور راحت ام منصور جت ..
لاحظت «أمينة» ملامح «فرح» الغاضبة فقالت بجمود
_ استنى يا مروان اما نشوف رأي فرح في الاسم يمكن يكون مش عاجبها ولا حاجه !
«مروان» باندفاع
_ لا ودي تيجي ! ازاي ميعجبهاش دا حتى موضه . تجيب منصور و نبقى ندلعه نقوله يا مانص ! وهي تبقى ام مانص .
كان الجميع يقمع ضحكاته بصعوبة و من بينهم «سالم» الذي كان يُود لو ينفجر ضاحكًا على ملامحها و مُحاولتها لقمع غضبها خاصةً حين قالت بثبات
_ والله يا ماما موضوع الاسم دا سابق لأوانه . يعني انا بصراحه حاسة أنها بنت فكنت بدور في أسماء البنات ..
صاح «مروان» باندفاع
_ بنت ! بنت ايه دي أن شاء الله؟ عايزين ولد يشيل اسم العيلة. اومال ؟ و إلا هنشوف للكبير عروسه تجبله الواد ..
ضيقت عينيها و أوشكت على الفتك بمروان في تلك اللحظة ولكن جاءت كلمات «همت» المتلهفة
_ حقة يا فرح دا أنتِ تبقي فرحتينا كلنا . دا هيبقى زينه الشباب و اسم انما ايه ؟ يتهز له رجاله بشنبات . منصور سالم منصور الوزان .
صاح «مروان» بتهليل
_ ينصر دينك يا عمتي . هو دا الكلام ولا بلاش ! مش تقولي بنت وبدور في أسماء البنات. بنات ايه ناقصين احنا هرمونات و قرف .
تدخلت «أمينة» مُستنكرة
_ بطل يا واد انت ايه الكلام الاهبل دا ! هو البنات وحشين ؟ اي نعم كلامك صح و عايزين وريث للعيلة وخصوصًا لو ابن سالم . بس كل حاجه بتاعت ربنا ..
لم تكد تتنفس الصعداء حتى أعاد «مروان» دفة الحديث إلى الموضوع الأساسي حين قال بصياح
_ ونعم بالله يا مرات عمي . مش دا موضوعنا ركزي . احنا بنتكلم لو جه ولد و أن شاء الله . أن شاء الله ولد ، و اسمه منصور ، و بصراحة أنا ليا نظرة و شايف قدامي ام منصور . خلاص حتى لو جت بنت هفضل اقولها يا أم منصور لحد ما تجيب منصور.
همست« فرح» من بين أسنانها بحنق
_ جتلك على قلبك يا مروان الكلب .
«مروان» بتخابث
_ بتقولي ايه يا فرح ؟ مش سامعك . بتدعي أن اللي في بطنك يكون ولد صح ؟ اكيد عشان تفرحي الراجل الطيب دا .
اشتهى في تلك اللحظة قطف ثمار الفراولة من فوق خديها المحتقن غضبًا لكم يهوى امتصاصه حتى آخر قطرة لذا تدخل ليُزيد من اشتعالها حين قال بخشونة
_ أنا اتعودت من فرح أنها تفرحني دايمًا و المرة دي مش هتخلف أن شاء الله.
التفت ناظرًا إليها قبل أن يقول بعبث
_ صح يا أم منصور ؟
ودت في تلك اللحظة لو تقذف تلك المزهرية في وجهه الوسيم ذلك ولكن كانت أمنية بعيدة المنال لذا حاولت ابتلاع جمرات حارقه في جوفها قبل أن تقول من بين أسنانها
_ صح يا عيون أم منصور .
_ ام منصور طالعة من بقك سكر .
هكذا تحدث هامسًا فلم يصل صوته لسواها و لون العبث ملامحه و سرعان ما ارتدى قناع الجمود حين التفت قائلًا بفظاظة
_ يالا يا حاجه عشان ترتاحي و العشا هيجيلك في اوضتك .
أوشكت« امينة» على الاعتراض فجاءها صوته الآمر
_ احنا اتفقنا هتسمعي الكلام من غير جدال . و بكرة أن شاء الله هنفطر كلنا سوى .
أومأت برأسها قبل أن تنظر إلى «سليم» الهادئ و كأنه في واد غير واديه لتتنهد بحزن و تنتقل بنظراتها إلى «فرح» التي تحركت من مكانها لتتجه إلى« أمينة» في اعتذار صامت عن عدم حضور «جنة» التي ادعت النوم باكرًا لكي لا تجتمع معهم
_ يالا يا ماما أنا هطلعك فوق ..
أمسكت« أمينة» يديها و كأنها تخبرها لا بأس و توجهت معها للإعلى فيما تفرق الجميع بينما انتظر «مروان» إلى أن تأكد أن «همت» قد دلفت إلى غرفتها و قام بالتسلل إلى الخارج لتنفيذ خطته فأذا به يتجه إلى ركن منعزل مظلم و يقوم بجر هذا الكيس الكبير و إخراج كمية كبيرة من الشراشف و أخذ يربطها ببعضها البعض حتى أنتهى و قام بشبك قطعة من الحديد في نهايتها ثم قال بانتصار
_ أخيرًا . والله دماغك ألماظ يا واد يا مروان .
نصب عوده وهو ينظر إلى الأعلى قائلًا بحماس
_ احتمال البت سما تموت من الفرحة.
أخذ يلف حبل الشراشف في الهواء ثم رفعه إلى الأعلى حتى يشتبك مع السياج الحديدي لغرفة« سما» و بكل مرة يفشل الأمر إلى أن نجح الأمر أخيرًا فأطلق صفيرًا عاليًا قبل أن يجلب باقة الزهور ليضعها في فمه و يبدأ بتسلق الحبل للوصول إلى شرفة «سما» وحين وصل إلى منتصف المسافة وقعت باقة الزهور من فمه فصاح بحنق
_ الله يخربيتك . هو انا عشان سارقك . بتقع . يادي النيلة .
على مضض تحرك للأسفل ليجلب باقة الزهور التي وقعت ليضعها مرة أخرى في فمه و ما أن جلبها حتى عاود التسلق من جديد فتجدد الأمر مرة أخرى حين حاول أن يأخذ نفسًا طويلًا سقطت باقة الورود من فمه ليلعن غاضبًا
_ دي عين عمتي . اللي تتفخت دي عين عمتي . حسبي الله ونعم الوكيل.
عاد ادراجه للأسفل مرة أخرى ليجلب باقة الزهور و حين بدأ بالتسلق الشاق و أصبح على بعد إنشات قليلة من شرفتها فإذا به يسمع صوت «مجاهد» الذي أخذ يصرُخ في كل مكان
_ حرامي . الحجونا يا خلج. الحجونا ياهوه . حرامي..
كان «مروان» على وشك الإصابة بسكتة قلبيه من فرط الذُعر فإذا به يُلقي بنفسه فوق «مجاهد» ليسقط الإثنان أرضًا فأخذ يتأوه بسخط
_ اه يانا يا ما . اه .
حين أوشك «مجاهد» على الصراخ كمم «مروان» فمه وهو يقول بتوبيخ
_ اكتم الله يخربيتك ايه انت شغال مؤذن . صوتك زي الجرس هتوديني في داهية .
ازال يده ما أن علم «مجاهد» هويته فصاح الأخير بصدمة
_ وه مروان بيه . انت هتعمل ايه اهنه ؟ و طالع عالحبال ليه؟
نظر الي الشراشف و قال باندهاش
_ وه انت لميت الغسيل اللي عالحبال كلاتها ولا اي
_ اه دي ملايات السرير بتاعت البيت كله .
_ طب ليه أكده ؟
توقف« مروان» لثوان لا يعلم كيف يجيبه فصاح بأول شيء خطر على باله
_ كنت طالع اصلح المواسير ..
«مجاهد» باندهاش
_ مواسير ايه ؟ دي اوضة الست سما و مفهاش مواسير .
«مروان» بسخط
_ ازاي مفهاش مواسير . مش فيها حمام طبيعي يكون فيها مواسير هتكون بتتصرف فين تحت السرير يعني ! ايه الغباوة دي !
«مجاهد» بتوضيح
_ يا بيه اجصد أن الحمام الجهة التانيه ثم انت مش محتاچ انك تطلع زي الحرامي أكده ما انت ممكن تدخل من باب الاوضه فوق ..
زفر «مروان» بحنق وهو يتمتم غاضبًا
_ أفهمه ازاي الغبي دا ؟
علت لهجته حين قال
_ اصلا في حداية قاعدة فوق قدام الاوضة و لو لمحتني هتشلبحني . انت ايه اللي مصحيك لحد دلوقتي ؟
«مجاهد» باعتزاز
_ اني سهران بمر. اومال انام و اسيب الحرامية يرمحوا في كل حتة ولا اي ؟
«مروان» بسخط
_ ياخي يعني طول عمرك نايم و سايبنا نتقلب حبكت ضميرك يصحى و تسهر النهاردة ! انا قولت دي عين عمتي . طب بقولك ايه ؟ عندك عدة سباكة ؟
_ايوا عندي .
_ طب روح هاتها وتعالى على ما اشيك على المواسير اللي فوق و اجيلك نشوف المواسير اللي تحت .
انصاع «مجاهد» لكلمات «مروان» و توجه ليجلب ادوات السباكه فقام الأخير بالتسلق بعد أن رمى باقة الورد وهو يقول بسخط
_ قال ورد قال . خسارة في امها .
أخذ يتسلق الحبل إلى أن وصل أخيرًا إلى سياج الشرفة فكانت الغرفة مظلمة إلا من ضوء مصباح خفيف بجانب السرير فأخذ «مروان» ينادي بصوت خفيض
_ بت يا سما .
لم يجد رد فأخذ ينادي مرة اخرى
_ سما . أنتِ يا بومة . يا بت اصحي . يخربيتك كل دا نوم !
سمع صوت خشخشات بسيطة قادمة من الداخل فظن انها استيقظت فأخذ ينادي بنبرة حالمية
_ سمايه قلبي . الحب كله اخيرًا صحيتي….
لم يكد يُنهي جملته حتى تفاجئ من نور الشرفة الذي أُضيء و «همت» التي فتحت باب الشُرفة بعُنف وهي تقول بسخط
_ حبك حنش يا بعيد ..
من فرط الصدمة اختل توازنه فلم يشعر بنفسه سوى وهو يسقط أرضًا فوق «مجاهد» الذي لم يستطع أن يتفاداه ليفترش الأرض و «مروان» فوقه يصيح بألم
_ اه يا عصعوصي يانا ياما .. انت ايه اللي جابك تحتي يخربيتك.
لم يخرج «مجاهد» اي صوت فصاح «مروان» بذعر
_ نهار ازرق الراجل بينه مات ولا ايه ؟ يجيكِ و يحط عليكِ يا عمتاااااااي ….
★★★★★★★★
_ ماما . حضرتك طبعاً عارفه وضع جنة و..
هكذا تحدثت «فرح» فقاطعتها «أمينة» التي قالت بتفهم
_ متبرريش حاجه يا فرح . انا مش عايزة اسمع منك حاجه و مقدرة كل اللي جنة فيه . انا بس عيزاكِ تفهميها أن محدش فينا له يد في اللي حصل دا.
كان الحزن يقطُر من بين كلماتها فاحتوت« فرح» كفوفها بحنو انبعث من بين حروفها حين قالت
_ جنة عارفه دا بس هي متلخبطة و تحسيها واقعة في دوامة كبيرة مش بتاعتها . عارفه اللي واقف في النص و خمسين ايد بتشد فيه .
«أمينة» بأسى
_ عارفه . و كنت متوقعه أن دا يحصل. بس سليم مالوش ذنب . سليم بيحبها اوي و دايمًا ربنا له حكمة في كل حاجه بتحصلنا يعني لو مكنتش قابلت حازم و حصل اللي حصل مكنتش هتقابل سليم ولا هتحبه .
«فرح» بمواساة
_ عارفه والله يا ماما و هتكلم معاها . انتِ متزعليش نفسك . هي خايفه تواجهك . جنة طيبة و حنينة اوي . بس كل اللي مرت بيه مكنش سهل . وانا مش هسيبها . هفهمها و حتى هتكلم مع سليم أنها تبدأ تشوف دكتور نفسي و تتعالج من أي بقايا للموضوع دا . عشان يقدروا يعيشوا اللي باقي من حياتهم طبيعي ..
«أمينة» بحزن
_ ربنا يعينك يا فرح . و يهدي سرهم ..
قبلت «فرح» جبهتها بحنو تجلى في نبرتها حين قالت
_ يالا بقى عشان تتعشي و تاخدي دواكِ و اعرفي أن أنا بنفسي اللي هأكلك بعد كدا و اديكي الدوا احنا بقى مش مضحيين بيكِ كل شويه تتعبي و تخضينا . عايزة تعرفي يعني أنتِ غاليه عندنا قد ايه ؟
ابتسمت «أمينة» بهدوء قبل أن تقول
_ ربنا ما يحرمني منكوا و يطمني عليكوا كلكوا و مشوفش فيكوا اي حاجه وحشة
امنت «فرح» على دعائها و ظلت بجانبها إلى أن اطمأنت أنها أنهت طعامها وأخذت دوائها و خلدت للنوم فتوجهت إلى خارج الغرفة لتجد «شيرين» الهاربه و خلفها «طارق» الذي يحاول اللحاق بها فتوقف الثلاثي يتبادلون الأنظار فيما بينهم فإذا بطارق يقول بسخط
_ شيرين احنا لازم نتكلم .
«شيرين» بصرامة
_ احنا مفيش بينا كلام يا طارق .
تعاظم الحنق بداخله ولكنه رأى نظرات «فرح» و إيماءتها التي تفي بأنها ستتولى الأمر فعاد أدراجه إلى الخلف وهو يلعن تحت أنفاسه فتوجهت «فرح» تناظرها بلوم تجلى في نبرتها حين قالت
_ وبعدين يا شيرين ؟ مش قولتي هتدي نفسك فرصة معاه ؟
«شيرين» بلوعة
_ خايفة يا فرح .
«فرح» بغضب
_ من ايه ؟ مش أنتِ اتأكدتي بنفسك
«شيرين» بتعب
_ يا فرح دا بيهددني بصور . طول ما الصور دي معاه انا مش هقدر اعيش حياتي مرتاحة .
حاولت «فرح» تهدأتها حين قالت
_ يا حبيبتي هو دلوقتي ميقدرش يعمل اي حاجه بالصور دي . ولا يقدر يمس شعره منك . عيشي حياتك بقى و انسي .
اخفضت «شيرين» رأسها وحين أوشكت على الحديث تفاجئت بسالم الذي أتى من الخلف قائلاً بفظاظة
_ الدور لسه مجاش عليا يا فرح هانم ولا ايه ؟
تفاجئت «فرح» بوجوده خلفها وكلماته التي تحوي حنقًا كبيرًا بين طياتها فهو ينتظرها منذ أكثر من ساعة وهي لم تأتي فضاق ذرعًا بالانتظار و خرج للبحث عنها ليتفاجئ بها تقف مع« شيرين» عند أعلى الدرج
التفتت« فرح» لتجده أمامها بعينين يلتمع بهم وميض الغضب فتجاهلته وقالت بلا مبالاة
_ هتكلم انا وشيرين شويه و بعدين هاجي يا روحي لو عايز تنام انت نام ..
تحمحمت «شيرين» وقالت بارتباك
_ لا خلاص يا فرح روحي أنتِ الكلام يتأجل للصبح
«فرح» بهدوء مستفز
_ لا يا روحي هنكمل كلامنا ..
يعلم بأنها تستفزه لذا تجاهل كل ما يحدث و نظر إلى شيرين قائلًا بنبرة قاطعة
_ تصبحي على خير يا شيرين ..
تفاجئت من كلماته وحين أوشكت على الاعتراض وجدت نفسها محمولة بين يديه التي كانت واحدة خلف ظهرها و الآخرى أسفل ركبتيها ليتوجه بها إلى الغرفة وسط ذهولها و ما أن وضعها على الأرض حتى التفتت تنوي الشجار معه فإذا به يسطو على شفتيها بقوة جمدتها للحظة بين ذراعيه التي احتوتها بضمة قوية جراء شوقه الضاري لها فأخذ يقربها أكثر منه حتى تعانقت أضلعهم و التحمت أجسادهم فنست كل شيء ولم تعد تتذكر سواه وما يبثها من مشاعر عاتية تأجج لأجلها صدرها الذي أخذ يخفق بعنف مما جعله يهدأ من هجومه الساحق ليفصل التحامهم و يستند بجبينه فوق خاصتها وهو يقول من بين أنفاس محرورة
_ انا قولتلك قبل كدا اني بعشقك لما تنفعلي و تتعصبي بالشكل دا ؟
كانت كلماته العاشقة هجوم من نوع آخر يوازي هجومه الساحق قبل قليل لذا همست بنبرة مُتهدجة
_ تؤ . مقولتش .
همس بصوته الأجش
_ انا بعشقك في كل حالاتك بس الحالة دي بتجنني . بحس اني عايز أكلك .
اخذت دقاتها تتقاذف بعنف داخل صدرها الذي تأججت بداخله براكين العشق الذي أخذت تنثره فوق شعيرات ذقنه قبل أن تقول بهمس
_ انا بقى بعشقك في كل حالاتك ..
أنهت جملتها ثم اخفضت رأسها لتستكين فوق موضع نبضه الثائر بفعل قربها فشعر بأنها ليست على ما يُرام فشدد من إحتضانها وهو ينثر عشقه فوق خصلات شعرها قبل أن يقول قاصدًا مشاكستها
_ منصور تاعبك ولا اي؟
رفعت رأسها بلهفة تناظره بعتب قبل أن تقول بلوم
_ هو انت خلاص قررت أنه ولد و اسمه منصور.
حاول إخفاء ابتسامته قبل أن يقول بخشونة
_ انا حاسس أنه ولد . واحساسي عمره ما خاني .
تمتمت بخفوت
_ يارب يخونك المرة دي .
«سالم» باستفهام
_ بتقولي حاجه يا فرح ؟
«فرح» بسخط حاولت اخفاءه
_ لا هقول ايه . لله الأمر من قبل و من بعد انا هروح انام ..
أوشكت على الالتفات فقام بجذبها من يدها لترتطم بسياج صدره لتجد أجمل ابتسامة يمكن أن تراها وعينيه التي كان المرح يتراقص بهم حين قال
_ مش عارف ليه حاسس أن الاسم مش عاجبك ؟
«فرح» بسخرية
_ حاسس !
تعمد ارتداء قناع الصرامة حين قال
_ مش عاجبك اسم ابويا يا فرح ؟
تفاجئت من نبرته وملامحه التي تبدلت فباغتتها رغبة مُفاجئة بالبكاء و اندفعت قائلة بلهفة و شفاه مُرتجِفة
_ لا والله . مش كدا . انا بس اتفاجئت من كلام ماما أمينة. مقصدش حاجه. متزعلش مني انا مقصدتش اضايقك
بدت شهيه وهي تحاول مُراضاته بينما شفاهها ترتجف وهي تمنع عبراتها من الانهمار فشعر في تلك اللحظة بأنه على وشك التهامها بالفعل فاشتدت ملامحه ودكنت نظراته بينما يديه احتوت خصرها بقوة و قال من بين أنفاسه المحرورة
_ دي بقي تاني حالة بعشقها فيكِ . لما تبقي زي الطفلة اللي عاملة حاجه غلط و عايزة ترضيني. و بصراحة بقى أنتِ في كل الأحوال عايزة تتاكلي ..
تبدل حالها من طفلة وديعة تريد مُراضاته إلى أنثى مُثيرة تعرف كيف تستخدم سحرها في نيل مأربها لذا امتدت يديها تلهو بأزرار بيچامته وهي تقول بدلال
_ يعني مش زعلان مني ؟
كان مشغولًا بنثر عشقه فوق ملامحها التي باتت محفوره في قلبه من فرط ولعه بها فهمس بخشونة
_ مقدرش ازعل منك .
انتزعت نفسها من بين ذراعيه وهي تقول بلهفة
_ يعني بجد مش هتخليني اسمي منصور دا يا سالم ؟
لم يعُد يحتمل جمرات الشوق أكثر فقام باعتقال خصرها ليرفعها عن الأرض و يتقدم بها نحو مخدعهم قائلًا بخشونة
_ جننتي سالم ..
لم يكد ينهي جملته حتى انتزعت شفاهه الإجابه من بين شفاهها فأخذ يُمارِس عليها طقوس العشق الأهوج الذي لم يعُد قلبه يتحمله أكثر فقد أطاحت تلك المرأة بثباته ضاربة بكل تعقله عرض الحائط لتُطلِق شياطين رغبته بها التي تتضاعف كلما اقترب منها فحين يظن أنه سيروي ظمأه منها فإذا به يلهَب لها أكثر للحد الذي جعله يقول من بين أنفاسه الموقدة
_ انا امتى هشبع منك بقى ؟
أنفاسها الهاربة و دقاتها الهادرة وجسدها الذي ينتفض بين طيات صدره كانا خير دليل بأن حالتها لا تقل عن حالته ولكنها تدللت قائلة بلهاث
_ انا ميتشبعش مني أبدًا فمتحاولش .
دلالها كان على قلبه أشهى من العسل الذي أخذ يرتشفه من ثغرها التوتي الذي ذاق الويلات من أفعاله الجنونية التي لم يسلم منها أي ركن من أركان الغرفة فقد أراد طبع آثار عشقهم الضاري على كل شيء حولهم لتتشكل لوحة رائعة لرجل و إمرأة هزمهم العشق فكان هذا أعظم انتصار لهم في الحياة .
★★★★★★★★
_ تصبح على خير يا روح ماما …
هدهدت طفلها و وضعته في مخدعه ثم لثمت جبينه الرهيف بقبلة دافئة تُنافي ذلك الصقيع الذي يُحيط بقلبها ثم توجهت إلى الخارج لتتوقف في منتصف الغرفة تحاول قمع ذلك الألم الذي يتشعب بداخلها كلما سمعت اهتزاز هاتفها ولكن سُرعان ما تحول هذا الألم إلى غضب كبير تجلى في نبرتها حين صاحت وهي تجيب
_ انت يا حيوان عايز مني ايه ؟ قولتلك مترنش عليا تاني ايه مبتفهمش !
قهقه «ناجي» بصخب قبل أن يقول من بين ضحكاته
_ عارفه المشكله في ايه ؟ ان دا طبع الستات كلها . يتمنعن وهن الراغبات .
«جنة» بحنق
_ ايه العبط دا ؟ انت بتقول اي كلام وخلاص !
«ناجي» بتخابث
_ للأسف يا جنة أنتِ بريئة اوي لدرجة أنك استحالة هتعرفي تخدعيني . لو فعلًا مش عايزة تكلميني كنتِ قولتي لسليم اني بضايقك . او كنتِ قولتي حتى لأختك . بس أنتِ هتموتي و تسمعي ايه اللي عندي لكن زي ما قولتلك يتمنعن وهن الراغبات .
كلماته كانت تُعري قلبها بطريقة استفزتها لذا صاحت بغضب
_ انت حقير زي ما بيقولوا عنك . لا دول مهما قالوا عنك مش هيقدروا يوصفوا حقارتك .
_ حقارتي ! على فكرة يا جنة انا مهما بلغت حقارتي دي مش هبقى ربع حازم . بس انا للأسف مكنش عندي اخوات يحبوني بجد لدرجة أنهم مهما غلطت يسامحوني و يحاولوا يقوموني !
هكذا تحدث بحُزن يُنافي ذلك السُم الذي يقطر من بين كلماته التي عرفت طريقها إلى قلب جنة التي انتفضت من مكانها وهي تقول باستفهام
_ بتقول ايه ؟
_ اللي حصل . اومال أنتِ فاكرة ايه ؟ سالم ولا سليم هيغضبوا على حازم أو هيكرهوه ! هقولك على حاجه هتستغربيها . انا نفسي بالرغم من كل اللي صفوت عمله فيا إلا إني مقدرتش أأذيه .
«جنة» بسخرية يشوبها الحنق
_ وخطفك لبنته دا تسميه ايه ؟ مش أذيه بردو !
_ لو كنت هأذيه صح كنت موتها في اليوم دا . و كنت ابقى انتقمت لنفسي من كل العذاب اللي شوفته وانا بتخيل سهام معاه . بس انا مقدرتش . وسالم وسليم بردو مش هيقدروا يقسوا على حازم و اللي يثبتلك كلامي دا أن سالم جوز حازم للبنى .
صاعقة قويه أصابتها حين سمعت كلماته هل حقًا حدث ذلك !
أردف ناجي بخسة
_ و طبعًا السيناريو الجاي معروف سالم هيصرف على لبنى وأهلها و يكسر عينهم عشان لما حبيب ماما يتأدب دا أن حصل يبقى يرجع يلاقي حياته و مراته و أهله و فلوسه و ابنه . مستنيينه !
شدد من كلمته حين ذكر صغيرها فهبت من مكانها وهي تقول بصراخ
_ اخرس. انت كداب . الكلام دا عمره ما هيحصل و الكلب دا عمره ما هيقرب من ابني .
«ناجي» بتعاطف زائف
_ بصراحة أنتِ صعبانه عليا بس دا اللي هيحصل انا قلت انبهك و بس . و لو فعلا عايزة تحفظي حق ابنك و تمنعيه عنه يبقى مفيش حل غير أنه يتكتب باسم سليم . ولو أن سليم عمره ما يعمل في اخوه كدا .
ودت لو تصرخ في وجهه قائلة يكفي ! فقد ضاق قلبها من كل ما يحدُث معها . فقد سبق و طلبت منه هذا الأمر و رفض رفضًا قاطعًا و قد كانت تتوقع ذلك ولكن المُريع في الأمر أن يكون رفضه بسبب ذلك الحقير..
نفضت غضبها وكل ما يعتمل بداخلها من قهر و صاحت بحدة
_ اياك تتصل بيا تاني . سامع ؟
«ناجي» بهدوء
_ مش انا اللي هتصل . أنتِ اللي هتتصلي . لما متلاقيش حد جنبك يساعدك غيري هتتصلي بيا. و قريب اوي هيحصل الكلام دا.
أنهى كلماته و اغلق الهاتف الذي ودت لو تحطمه مثلما تحطم قلبها إلى أشلاء وهي تتخيل أن يكون حديث ذلك الحقير يحمل شيء من الصواب !
قطع سير افكارها دلوفه إلى الغرفة فقد غضب بشدة حين لم تنزل لاستقبال والدته وقد تحججت «فرح» بأنها تنام باكرًا إستعدادًا لجلستها في الغد و لهذا لم يُفصِح عن غضبه منها حين رآها مستيقظة بل اكتفى بنظرة جوفاء قاسية تبعها تجاهل تام أوقد شعلة الغضب بقلبها فتوجهت بخطٍ غاضبة إلى المخدع لتتسطح على ظهرها تُمسِك أحد الكُتب تتظاهر بقراءته بينما عينيها تتلقفان كل حركة تصدُر منه و بدأت شعلة الغضب بالتصاعد وهي تراه يتمدد بجانبها ليعطيها ظهره دون أي حديث فجن جنونها و لم تشعُر بنفسها سوى وهي تصيح بغضب
_ اتفضل قوم من جنبي !
تفاجئ من كلماتها التي جعلته يلتفت قائلًا باندهاش
_ نعم !
هبت من مكانها وهي تقول بانفعال
_ اللي سمعته . شوف لك مكان تاني تنام فيه غير هنا .
فاق الأمر حدود قدرته على الاحتمال فهب من مكانه وهو يتوجه إليها قائلًا بغضب تبلور في عينيه التي تحولت إلى بركة من الدماء المحتقنة
_ انا ماسك نفسي عنك بالعافيه . فأحسنلك متزوديش غضبي منك أكتر من كدا .
تلبستها شياطين الجحيم فلم تعُد تُبالي بشيء فصاحت بنبرة تجاوزت حدود المسموح به
_ ولو زودت هتعمل ايه ؟
تجاهل استفزازها و التفت مُحاولًا إفشال مخطط الشيطان و عدم الشجار معها فجاءه صوتها الذي علا أكثر حين قالت
_ استنى عندك أنا بكلمك . رد عليا .
التفت مُحذرًا بلهجه خطيرة
_ اسكتي يا جنة . و اقصري الشر لحد كدا . انا مش عايز ازعلك
داخليًا كانت خائفة. تحتاج إلى عناق قوي يُحطم أضلعها و ربما قيود الخوف الذي يُكبل روحها ولكن أبت نفسها استجداء قربه فصرخت بكل ما يعتمل بداخلها من قهر
_ ايه هتموتني ولا هتطلقني ! ما خلاص مبقتش مُلزم تشيل غلط غيرك . ماهو البيه طلع عايش . يشيل شيلته زي ما كان بيقول ..
فجأة اظلم العالم من حولها ولم تشعر بوجهها الذي استدار إلى الجهة الأخرى جراء تلك الصفعة المُدوية التي سقطت فوق خدها الأيمن فتركت بصمات أصابعه لتُشكل أثرًا قويًا لن يُمحى بسهولة.
كان ردًا قويًا لم يتوقعه ولكن كانت كلماتها سهمًا مسمومًا نفذ إلى أعماق قلبه فلم يشعُر بيده التي ارتفعت لتهوى فوق خدها بتلك الطريقة ! تفرقت نظراته بين وجهها و كفه و كأنه غير مُصدِق لما حدث يرتج قلبه ألمًا عليها و ينتفض كبرياءه وجعًا عليه وهو يقف بالمنتصف لا يجروء على إبداء أي ردة فعل . لتخترق جموده قنبلتها المُدوية حين قالت بقهر بعد أن تداركت صدمتها
_ طلقني .
كان الأمر برمته كارثي . يشعر بأن في كابوس مُريع و داخله يتوسل له بأن يستيقظ نافضًا عنه كل هذا الوجع ليجدها بين ذراعيه كما اعتاد . ولكن نظراتها المُحتقنة التي يشع منها الكره و آثار إصبعه فوق خدها توحي بأنها حقيقة مُريعة ..
_ سمعتني . بقولك طلقني . انا بكرهك ..
لم يشعُر بنفسه سوى وهو يعتقل شفتيها بخاصته قاصدًا بتر تلك الكلمات التي كانت كطلقات تستقر في منتصف قلبه الذي لا يحتمل فكرة ابتعادها عنه . أخذ يقبلها بقسوة اختلطت بملوحة مياة عينيه ويديه تحاولان احتواء ثورتها و كأن جسده يتوسل إليها على طريقته بألا تفعل به ذلك ولكن في نهاية الأمر استطاعت الإفلات من بين براثنه وهي تدفعه بكل ما تملك من قوة و بيدها الآخرى تمحي أثر قبلته المُدمرة وهي تصيح بقهر
_ ابعد عني . بكرهك .
لم يعُد يحتمل ما يحدُث لذا انتزع نفسه من أمامها و أذنيه ترفض عبارات الكره التي أخذت تُرددها بجنون و قام بانتزاع ملابسه ليُغادر الغرفة و كأن شياطين العالم أجمع تُلاحقه ..
★★★★★★★
ما أن خطت أقدامها إلى داخل الغرفة حتى تفاجئت بذلك الذي اقتحم المكان مغلقًا الباب خلفها فصاحت غاضبة
_ طارق انت اتجننت ؟
لم تكد تُنهي جُملتها حتى وجدت يديه تمتد تُمسِك رسغها بعنف حتى كادت عظامها أن تتكسر بفعل قبضته الغير رحيمة تلاها صوته القاسي حين أرعد قائلًا
_ حصل ايه بينك و بين حازم ؟ و صور ايه اللي ماسكها عليكِ ؟
تقاذفت دقات قلبها ذُعرًا من كلماته و مظهره المُرعِب فأخذت ترتجف بين يديه فقام بهزها بعُنف تجلى في نبرته وهو يقول
_ انطقي . حصل بينك و بينه ايه ؟
و كأن جميع حواسها توقفت عن العمل إلا من تلك العبرات التي كانت تنهمر بغزارة من مقلتيها فجن جنونه لصمتها و قد نشب الألم حوافره بداخل قلبه وهو يتخيل نظرات ذلك الحقير إليها ذلك اليوم و تهديده الغير صريح لها و الذي جعلها ترضخ أمام هذا الإتهام البشع الذي قذفها به وحين حاول معرفة الأمر منها تهربت !
لم يكن يتخيل أن الأمر يُمكن أن يكون بذلك السوء فقد شعر بأن رئتيه سوف تنفجر من شدة الغضب المُتأجج بداخله و الذي تعاظم حين قالت بتلعثم
_ ا. انت . عر . عرفت. من . منين؟
هزها بعنف و داخله يود لو يحطم رأسها فصاح بزئير
_ هو دا اللي هامك؟ عرفت منين ؟ انطقي . حصل بينكوا ايه ؟ الحيوان دا قرب منك ؟ جاوبيني و اعرفي أن وشرف امي لو كذبتي عليا هدفنك حية . سامعه..
إلى هنا ولم تعُد تحتمل فقد ضاقت ذرعًا بكُل ما يحدُث معها فقامت بدفعه بقوة لتُخلص نفسها من بين براثنه وهي تقول بحدة
_ سيبني . انا مش هخاف منك و لو مش عايزة أقولك مش هتجبرني ..
تبلور الجنون بعينيه و امتدت يديه تقبض على خصلاتها وهو يقول بصراخ
_ هجبرك و اكسر دماغك . سألتك خمسين مرة بينك و بين الحيوان دا ايه و مردتيش تجاوبي اتاريكِ مخبية بلاوي . احكيلي حصل ايه بينك و بين الحيوان دا ؟
صاحت من بين آلامها المتفرقة
_ محصلش .محصلش بيني وبينه حاجه .
«طارق» بصراخ
_ كذابة . اومال صور ايه اللي خايفه منها ؟ انطقي قولي .
تآذر بها الوجع و آلمها ظلمه لها و قلة حيلتها في أخباره حقيقة ما حدث فصاحت بغضب
_ خلاص اعتبرني كدابه وابعد عني . انا قولتلك قبل كدا احنا مفيش بينا اي حاجه ولا هيكون فيه. عايز مني ايه ؟
امتدت يديه تقبض على عنقها و صاح بكل ما يجيش بصدره من قهر
_ أنتِ أحقر بني آدمة قابلتها في حياتي . متستاهليش حبي ليكِ ولا تستاهلي النار اللي في قلبي بسببك .
كانت يديه تقبض على عنقها بينما وجهه يكاد يُلامس وجهها فالتقت أعينهم في عتاب صامت من جانب عينيها و آخر قاسي من جانب عينيه التي تخللتها خطوط حمراء بدت وكأنها قادمة من الجحيم الذي كان أضعافه بقلبه وهو يتخيل أن تجمعها علاقة مع رجل آخر. لا يحتمل تلك الفكرة المروعة التي تحرق روحه بينما هي تتوارى خلف خداع واه و ترفض قول الحقيقة لذا همس بنبرة يشوبها التوسل حين قال
_ لآخر مرة بسألك . حصل ايه بينك و بين الكلب دا ؟ و ايه موضوع الصور اللي بيهددك بيها دي ؟
تُريد الصُراخ بوجهه بأنها لا تستطيع الحديث . لا تقوى على سرد تلك الأحداث المُخزية و ترتعب من فكرة أن يُضاف عار آخر إلى صفحتها المُلطخة بالسواد .
_ سيبني وانا هحكيلك ..
تركتها يديه على مضض لتقوم بفرك عنقها بألم وسط نظراته النافذة لا تعرف بما تجيبه ولهذا لجأت للكذب فقالت بارتباك
_ أبدا كنت متخانقة مع أحمد و روحت بار مع اصحابي و هناك شربت و قعدت ارقص وهو صورني و بيهددني بالصور دي ..
كانت نظراته غامضة للحد الذي اربكها و لكن سرعان ما تفاجئت حين تبدلت نظراته إلى أخرى قاسية و شابهتها نبرته حين قال
_ أنتِ كذابه . كذابة و حقيرة .
قال جملته ثم هوى على خدها بصفعة مُدوية جعلت رأسها يدور للجهة الأخرى ثم توالت صفعات حديثه على قلبها حين قال
_ كنت مُنتظر ايه من بنت ناجي غير أنها تبقى زيه ! أنتِ أحقر واحدة شفتها في حياتي . كان ممكن اسامحك على كل حاجه لو كنتِ إنسانة صادقة بس أنتِ خاينة و رخيصة ..
كانت العبرات تقطر من عينيه تُنافي قسوة كلماته التي انهالت فوق رأسها كطلقات نارية أصابت قلبها في مقتل فحين استمعت إلى باب الغرفة يُغلق حتى خانتها قدماها و سقطت تفترش الأرض أسفها بينما انطلق «طارق» كالريح
ليتقابل مع «سليم» الذي كان هو الآخر كالمحموم لا يرى أمامه ليتوقف الإثنان أمام بعضهم البعض فقال الأخير بقهر
_ انا عايز امشي من هنا . عايز اروح مكان انسى فيه اسمي .
اجابه «طارق» بجفاء
_ وانا كمان . عايز انسى البيت دا باللي فيه . تعالى معايا .
توجه الاثنان إلى سيارة «طارق» الذي تولى القيادة ليتوجه بهم إلى مكان معزول ليتوقف بعد أن تعب من القيادة و ينظر أمامه قائلًا بقهر
_ انا اول مرة في حياتي اتمنى الموت النهاردة .
اجابه «سليم» بمرارة
_ تبقى بتحب .
«طارق» بسخط
_ الله يلعن الحب واللي اخترعوه . انا كنت مرتاح . ايه اللي عملته في نفسي دا ؟
«سليم» بأسى
_ مش بمزاجك . مهما حاولت تهرب من قلبك مش هتعرف . أسألني انا .انا عملت المستحيل عشان اهرب منها و لقيت نفسي في النهاية راجع عندها. قلبي جابني عندها
رقت نبرته حين تابع بنبرة محشوة بالوجع
_ قلبي مش عايز غيرها . عملت المستحيل عشانها و بردو مفيش فايدة .
فجأة مد «طارق» له سيجارة لها رائحة غريبة فناظره باستفهام ليجيب الأخير بمرارة
_ الحاجة الوحيدة اللي هتخليك تنسى .
لأول مرة في حياته لم يُمانع بتجربة أي شيء في سبيل نسيان ذلك الوجع الهائل بصدره . لن يُمانع سلك أيًا من الدروب لربما يقوده إحداهما للنسيان ولو كان الثمن حياته فقد سئِم العذاب و الألم .
انقضى الليل الطويل ليأتي يومًا جديد يجني ثمار الأمس و لكل منا ما غرسه فمن يزرع الحنظل يجني مرارته .
تجهزت لكي تذهب الى موعد جلستها المنتظرة و بكل ثانية تنتظر دخوله من الباب حتى يذهب معها كما كان يفعل في السابق و خاصةً و أن هذه الجلسات هي الأخيرة كما أخبرهم الطبيب لذا كانت تتوقع انه أبدًا لن يتركها وحيدة في مثل هذا اليوم ولكن مرت الدقائق سريعه ولم يأتي فأطلقت تنهيدة قوية من جوفها المُحترق بنيران الأسى و لملمت أشياؤها و بداخلها شعور قوي بالوحشة و الخوف. ناهيك عن تلك الحرب الضارية التي كانت فريسة لها منذ البارحة جيوش الندم تتقاتل مع جيوش كبريائها الجريح لما فعله بها داخلها يلومها و الآخر يؤازرها . ألا يكفي ما تمُر به حتى تنقسم داخليًا و الأدهى من ذلك كونها لا تستطيع الاتكاء على كتفه لتشكو له مرارة ما تشعُر به .
اهتز قلبها بعنف تزامنًا مع اهتزاز هاتفها فتوجهت بخطٍ سريعة و قلب يتلهف لسماع صوته فإذا بها تجد رقمًا غريبًا فنشب الخوف مخالبه في قلبها لتُجيب بأيدًا مُرتعِشة
_ الو ..
_ كنت عارف انك مش هتردي على رقمي عشان كدا اتصلت من رقم غريب . عشان اعرفك اني معاكِ و في صفك .
اهتاج غضبها من ذلك الوقح و صاحت بغضب
_ انت مبتفهمش . انا مش عايزة اكلمك مترنش عليا تاني ..
«ناجي» بجفاء
_ مش هرن عليكِ تاني أنتِ اللي هترني . انا بس حبيت اقولك أن سليم باشا بايت ليلة امبارح في حضن مروة . خطيبته الأولانيه و لو مش مصدقاني هبعتلك عنوانها و روحي شوفي بنفسك .
دارت الأرض أسفلها ، و شعرت بأن الكون توقف من حولها فلم تدري كيف تحركت و لا متى وصلت إلى العنوان المنشود كل ما شعرت به هو طنين الجرس في أذنيها و سرعان ما برقت عينيها حين وجدت «مروة» أمامها بثياب النوم فدفعتها بقوة و دلفت إلى داخل المنزل لتشعر بقبضة قوية تعتصر قلبها حين لامست أنفها رائحته لتقودها قدماها إلى حيث تشعر بوجوده فإذا بأحدهم يغمس خنجرًا مسمومًا بداخل قلبها حين وجدته يجلس على الفراش عاري الصدر …..
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية في قبضة الأقدار)