رواية في قبضة الأقدار الفصل السادس عشر 16 بقلم نورهان آل عشري
رواية في قبضة الأقدار الجزء السادس عشر
رواية في قبضة الأقدار البارت السادس عشر
رواية في قبضة الأقدار الحلقة السادسة عشر
كُل الأسود حِداد إلا الأسود في عيناكِ. فهو فِتنةً من نوع خاص. لم يستطِع قلبي الباسل مُقاومتها و أنا الذي ظننتهُ مُحصن ضد هجمات الهوي. فلم تُصيبني رياحه يومًا و لم أكترث ل وداده أبدًا. إلي أن أخترقت عيناكِ قلاعي و لامس نسيم وجدِك قلبي. فأصبحت في العشق غريق لا يبغي النجاة أبدًا. فالنجاة منكِ تعني الهلاك لقلب لا يرغب سواكِ
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
تسمرت «جنة» في مكانها للحظة و من ثم خرجت شهقة قوية من جوفها حين شاهدت «أمينة» التي كانت مُلقاة علي الأرض تختنق و كأن روحها علي وشك العودة إلي بارٓئها فاندفعت «جنة» تجاهها و هي تقول بذُعر
” حاجه أمينة . مالك في إيه ؟”
لم تستطِع «أمينة» الحديث و لكن بصعوبة استطاعت أن تُشير بيدها على شئ ما أسفل الأريكة في آخر الغُرفة و الذي لم يكن سوي بخاخ لعلاج حالات الإختناق المُشابِهة لذلك فهبت «جنة» من مكانها و قامت بجلب تلك البخاخه و تقريبها من وجهها و قامت بالضغط عليها عِدة مرات لتستشعر «أمينة» عودة الحياة إلى صدرها مرة أُخرى فقد كانت على شفير الهلاك فقد انقطع عنها الهواء و لم تعُد تستطِع حتى إخراج صوتها و إزدادت ضربات صدرها بشكل كبير إلى أن أرسل الله لها الغوث في تلك الفتاة و التي كانت آخر شخص تتوقع أن يُساعدها لتتخلص تدريجيًا من آثار الأزمة على أقوي منها عندما شعرت بيد «جنة» الحانية و التي أخذت تُمسِد بها صدرها بحركات دائرية هادئة و بيدها الأُخرى كانت تُطوق كتفيها و قد آلمها أو لنقل أخجلها هذا الموقف كثيرًا خاصةً حين سمعت صوتها المِتلهِف تقول
” طمنيني بقيتي أحسن دلوقتي ؟”
هدأت أنفاسها تدريجيًا و لكن كان صوتها بعيد و لم تكن قادرة على استدعائه فهزت رأسها بضعف لتقول «جنة» بلُطف
” طب قومي معايا افردي جسمك و ارتاحي علي السرير “
و كأن حنانها و لطفها كانوا كالسوط الذي أخذ يجلد قلبها دون رحمة .فبهذا المكان تحديدًا أذاقتها كل أنواع الاتهامات واشنعها والآن تقوم بأنقاذ حياتها و مُعاملتها بكل ذلك اللُطف و الحنان !
أي جُرم ارتكبته في حق تلك الفتاة التي لا تستطيع نسيان نظراتها المُلتاعة ولا التوسل الذي كانت تُخفيه خلف قوتها بألا تواصل جلدها و إحراق روحها و لكنها دهست علي كل ذلك بأقدام الظُلم و أجهزت على كبريائها دون أن يرف لها جفن من الرحمة و الآن ألقي بها القدر بين يديها و التي لم تتردد لحظة في إنقاذ حياتها بنفس المكان الذي قتلتها به !
انتهت «جنة» من وضع «أمينة» في فراشها و دثرتها بالغطاء و أخذت تناظرها باهتمام تجلي في نبرتها حين قالت
” حضرتك عامله إيه دلوقتى ؟”
لم تجبها «أمينة» فلم تُطاوعها شفتيها بالحديث إنما هزت رأسها و عيناها مازالت تعج بفوضي الشعور بداخلها و الذي قاطعه دلوف عاصف للجميع إلى داخل غرفتها و كان أول المهرولين هي «حلا» التي إندفعت إلى فراش والدتها و هي تقول بنبرة مُلتاعة
” ماما حبيبتي مالك في إيه ؟”
” حاجة أمينة . انتي كويسة ؟”
كان هذا صوت «نعمة الخادمة الخاصة بها و جاء صوت «مروان» الذي كان ممسك بيد «ريتال» التي ما أن رأت «أمينة» الملقاة أرضا حتى هرولت الى الأسفل لتخبر الجميع و قد كان آخر من دخل الى الغرفة كانت «سما» التي جاهدت قلقها علي «أمينة» و رسمت قناع البرود علي محياها و لم تتفوه بحرف و قد جذب انتباهها «جنة» التي انزوت بعيدًا عنهم بآخر الغرفة خوفا من بطشهم
” أنا كويسة الحمد لله . اطمنوا”
«حلا» بخوف
” كويسة ازاي يا ماما وشك مخطوف و مش قادرة تاخدي نفسك “
أومأت «أمينة» برأسها بتعب تجلي في نبرتها حين قالت
” متقلقيش يا حلا قُلت كويسة “
إلتقمت عيناها تلك التي كانت تقف بأحد الأركان و يبدو عليها الخوف فاندفعت تجاهها و أمسكت برسغها تهزها بعنف مصحوب بكلمات قاسية
” انتي ايه اللي جابك.هنا ؟ اكيد انتي ضايقتيها بكلامك و خلتيها تعبت كدا “
خرج صوت «أمينة» ضعيف حين قالت
” سبيها يا حلا ”
ارتعشت «جنة» تحت يدها و هزت رأسها بنفي ليقاطعها صوت قوي قادم من خلفهم
” في إيه بيحصل هنا ؟”
للقلب دائما سلطان علي العقل يسلك كل الطرق المشروعة و الغير مشروعه حتي ينفذ إرادتة و هذا ما حدث معه فبالرغم من أنه قد عزم علي محاربتها و كل شعور يخصها داخله إلا أن هناك شئ قوي اجبره قسرا علي الذهاب خلفها مختلقا حجج وهمية ترضي كبرياءه و لكن حين سمع صوت بكاءها شعر و أن عبراتها جمرات نار مشتعلة تحرق احشاؤه من الداخل حتي أنه كاد أن يذهب خلفها لا يعلم ماذا سيفعل و كيف سيصحح أخطاءه التي دائما ما يرتكبها بحقها و لكنه توقف حين رأي «ريتال» تلهو بالحديقة فاقترب منها قائلا بلطف و حرج
” ريتا . بتعملي ايه هنا ؟”
” كنت زهقانه شويه و قولت أخرج اشم شويه هوا ”
” و مروان سابك تخرجي لوحدك كدا ؟”
” لا مانا هربت منه . و حضرتك اكيد مش هتقوله ؟”
فكر قليلا قبل أن يقول- ” لا مش هقوله بس عايز منك خدمة ”
” اتفضل يا عمو ”
جذبها من مرفقها و وقف بعيدا خلف تلك التي كان بكائها يقطع نياط قلبه و قال بألم
” ينفع تروحي تخليها تبطل عياط ؟”
الطفله ببراءة
” طب و أنا هعمل كده ازاي يا عمو ؟”
أجابها بما يعتمل داخله ويريده بشدة
” احضنيها . احضنيها أوي .”
اطاعته الطفلة مع وعد بأن يبقى ذلك سرا بينهما و توجهت إلى «جنة» و لم يستطيع منع نفسه من سماع حديثهما الذي كان كالوقود على نيران ذنبه و غضبه الذي كان يحرقه منها و عليها فظل يُتابع ما يحدث حتى شاهدها تذهب معها للداخل و هنا اندلع شعور أهوج بغيرة حمقاء حين تذكر «مروان» الذي كان يجلس يتابع إحدى البرامج على شاشة التلفاز و قد تملكه شعور حارق و هو يتخيلها تجلس معه لا توجه علي الفور إلي الداخل و لكن أوقفه رنين هاتفه و قد أخذت مكالمته عدة دقائق و سرعان ما أنهاها حين سمع الهتاف بالداخل فهرول الى الأعلى ليتفاجأ من «حلا» تهزها بعنف وكأنها ارتكبت جريمة كبيرة .
التفتت «حلا» الي «سليم» قائله بغضب و مازالت يدها تمسك برسغ «جنة» التي زاد ذعرها حين رأته
” اتفضل شوف عمايل الست هانم. كانت هتموت ماما زي ما موتت حازم “
تفشي الخوف ب أوردتها حتى صارت ترتجف و عبراتها تنهمر بغزارة علي وجنتيها ولم تستطيع سوى أن تهز برأسها بنفي أمام عيناه التي كانت تخشاها كثيرا و لو تعلم كم آلمه هذا الشعور و الذي كان كسكين باتر ينحر قلبه ببطئ شديد فأغمض عيناه بقوة تجلت في نبرته حين توجه بأنظاره إلى «حلا» قائلا
” سبيها يا حلا !”
شحذت «أمينة» بعضا من طاقتها المفقودة و قالت بكل ما تملك من قوة
” اسمعي كلام اخوكي و سبيها. هي معملتش حاجه “
تمسك بجملة والدته الأخيرة كسلاح قوي أمام شقيقته العنيدة و التي قالت بعنف
” دا شئ لا يحتمل احنا مش مجبورين نتحمل كل عمايلها عشان حتة العيل الي الهانم هتجيبهولنا “
قالت جملتها و قامت بدفع «جنة» التي تلقفتها يد «سليم» بلهفة و قلب انتفض ذعرا عليها و لكن ما أن لامست يداه جسدها المذعور و الذي تضج أوردته بنبضات هادرة و قطراتها المُتساقطه بعُنف حتى اشتعل رأسه بغضب جحيمي جعله يندفع تجاه «حلا» و يمسكها بقوة من رسغها الذي كاد أن يتحطم و التفت ناظرا الى والدته وهو يزمجر بعنف
” ماما . جنة هي إلي ضايقتك و خلتك تتعبي زي ما هي بتقول ؟”
«أمينة» بصوت واهن
” أبدا يا سليم انا جالي ضيق تنفس فجأة و البخاخة وقعت من ايدي و هي دخلت لقتني تعبانه و جريت عليا جابتهالي بعد ما كنت خلاص هموت .”
سقط الحديث علي مسامع الجميع كصاعقة و ما جاء بعده كان اقوي حين التفت اليها «سليم» يناظرها بإحتقار و يداه مازالت تعتصر رسغها بعنف تجلي في نبرته حين قال
” سمعتي ! إلي انتي واقفه تهينيها دي هي إلي أنقذت حياة أمك . “
جف حلقها من حديث والدتها و شعرت بمدي حماقتها و لكن نظرات شقيقها المحتقرة أحرقت كيانها و خاصة نبرته التي كانت تسمعها منه لأول مرة فحاولت الحديث قائله بتلعثم
” أنا . أنا اتلخبطت لما . شفت . ما . ماما ..”
قاطعها نبرته الصارمة حين قال
” مش عايز مبررات . ”
امتدت يده تمسك برسغ «جنة » التي مازالت ترتجف جراء ما يحدث و قام بإيقافها أمام «حلا » و كان هو بالمنتصف و مازالت نظراته موجهه ل«حلا» حين قال بقسوة
” اعتذري !”
صاعقة ضربت رأسها حين سمعت حديث أخاها و رغما عنها هزت رأسها بالنفي و كأنها لا تستطيع أستيعاب كلماته فخرج صوته هادرًا
” قلت اعتذري “
لأول مرة بحياتها تشعر بالقهر و قد كان ذلك بيد داعمها الأول و مصدر قوتها فقد كان الأمر موجع للغاية و لكنها ابتلعت مرارته و قالت بعنفوان و هي تناظره «جنة» بغضب
” تمام . أنا اسفة . بس خلي بالك انا مبعتذرش عشان فعلا أسفة بعتذر عشان مجبرة “
التفت «سليم» إلي «مروان» و قال بصرامة
” مروان . خدهم و انزلوا كلكوا علي تحت “
هز «مروان» رأسه و قال ناظرا إلى «أمينة»
” الف سلامه يا مرات عمي ”
هزت «أمينة» رأسها و لكن عيناها كانت متعلقة ب «هِمت» التي كانت تنظر إلي الأرض و لم تستطيع رفع وجهها بل التفتت مغادرة دون التفوه بحرف و كذلك «سما» التي رمقت «أمينة» بنظرات باردة مصحوبة بكلمات خاوية لم تنتظر حتي ردا عليها
” حمد لله علي سلامتك “
لم تعنيها كلمات «حلا» بل كانت تود الفرار من ذلك المكان الخانق باقصى سرعة لذا ما أن سمعت كلماته حتي أرادت الهرب و لكن يده كانت تحكم الإمساك بها و قد التفت إليها حين شعر بمقاومتها ولكن تلك المرة كانت نظرته مختلفة عن سابقتها على عكس نبرته التي لازالت غاضبة حين قال
” استنيني بره متمشيش ”
هزت رأسها دون حديث فجل ما تريده الهرب من بين براثنه و ما أن أفلتها حتى هرولت للخارج و تبعتها «ريتال» للخارج و كان آخر من غادر هي «نعمة» التي ما أن أغلقت الباب حتى هوت صفعة قوية على خد «حلا» أدارتها للجهة الأخرى و دوي رنينها في أرجاء الغرفة حتي أن «أمينة» هبت بذعر من مجلسها قائلة بلوعة
” سليم !”
و لكنه لم يلتفت لوالدته بل ظلت نظراته الغاضبة مسلطة علي وجه «حلا» الشاحب و المصدوم
” القلم دا عشان يرجع عقلك لراسك . و عشان تفكري ألف مرة قبل ما تهيني حد خصوصا لو ضيف عندك. و عندي إستعداد اديكي بداله ألف لو كررتي الي عملتيه النهاردة “
خرج صوتها مجروحا كحال قلبها حين قالت
” أنت . بتضربني . عشانها. يا أبية ”
«سليم» بصرامة
” بضربك عشان قليتي أدبك و محترمتيش حد . معقول دا آخرة دلعنا فيكي ؟ بقيتي تتجبري علي الناس و تهنيهم من غير ما يكون معاكي أي دليل؟ ”
«حلا» بإنهيار
” أنا دخلت لقيت ماما تعبانه و هي الي موجوده معاها مفروض افهم ايه ؟”
” مفروض تسمعي عشان تفهمي . “
هكذا قال بصرامة بينما نفضتها يداه تجاه والدته التي كانت تتابع ما يحدث بصمت و داخلها يحترق ألمًا علي صغيرتها و ندمًا على تلك الفتاة التي اذاقوها الويلات دون أن يكون لها ذنب و جاء صوته الغاضب ليزيد من حزنها و هو يقوم بدفع شقيقته تجاه مخدعها
” فهميها و علميها ازاي تتعامل مع الناس بعد كدا . و لو لزم الأمر ربيها من أول و جديد . عشان مش هسمح بأي غلط زي الي حصل يحصل تاني. و كلام سالم هيتنفذ بالحرف الواحد “
ألقي بكلماته و توجه إلي باب الغرفة قبل أن يلتفت ناظرا إلى شقيقته بحنق تجلي في نبرته وهو يقول
” فكري بقي يا ام لسانين هتقوليله ايه لما ييجي . لأن الي حصل دا كله هيوصله “
**************
خرج من الغرفة غاضب للحد الذي جعله يأكل خطاياه و هو يبحث عنها فقد كان في تلك اللحظة على وشك الإعتذار منها . فقد صب جام غضبه علي شقيقته و أفرغ بها شحنات ندمه و يأسه و قد كانت كلماته لها تخترق قلبه و تعنف عقله الذي جعله يهينها و يؤذيها هو الآخر و هي ماذا فعلت بالمقابل انقذت حياة والدته بعد دقائق من إهانته لها ! أي وغد هو ؟ كيف إستطاع إلحاق الأذى بها بذلك الشكل ؟ لم يكن ظالمًا لأي شخص بحياته و الآن اصبح جلادها الذي لا يعرف الرحمة وكأنه يعاقبها علي إختراقها لدوافعه و حصونه التي لا يعلم كيف انهارت أمامها ؟
كان يقاومها بشدة بينما هي تتسرب إلي داخله دون أن يدري حتى باتت تحتل جزء كبير داخل قلبه العاصي الذي انحاز لها بكل قوة حتى أصبح هو عدوه وليس هي !
هكذا وصلت به أفكاره و هو يقف في اسفل الدرج بينما عيناه تمشط المكان بحثا عنها و قد توقف أمام حقيقة واحدة و هي أن لا ذنب لها بغباء قلبه و وقوعه لها و أن عليه أن يحارب نفسه و يعنفها لا أن يحاربها و هو يعلم بأن قوتها لا تقارن بقوته و قد كان هذا هو الظلم بعينه فإن كنت ستحارب فلتختر من يستطيع أن يكن ندا لك و ما غير ذلك فهو تجبر و قسوة لا تليق بشهامة رجل مثله .
طافت عيناه المكان و لم تجدها ولكن ارهفت أذناه السمع لتلتقط صوت «ريتال» التي كانت تقول ببراءة
“ممكن تاخدي مني شيكولاته هتعجبك اوي . “
توقف أمام باب المطبخ فوجد «ريتال» تتحدث و تمد يدها بالشيكولاه أمام ثغر «جنة» الذي كان لازال يرتجف حين قالت بصوت مبحوح
” مش قادرة يا ريتا “
كان يناظر ضعفها و ألمها بندم و حزن كبيران و لكنهما تبدلا فورا بنيران عظيمة حين شاهد «مروان» يضع كوب من العصير أمام «جنة» و هو يقول بمزاح
” يا بنتي دا عرض ميتفوتش . دا البت ريتال دي جلدة مبتديش شيكولاته لحد أبدا . دا بتطلع عيني عشان لحسه “
ناظرته «ريتال» ببراءة و قالت بصدق
” لا والله يا عمو مش بخل بس جدو دايما يقول الشيكولاتة دي حلوة ميكلهاش غير الحلوين و انت مش حلو فمينفعش تاكل منها ‘
برقت عيناه للحظه قبل أن يقول بصدمة
” دانتي يومك مش فايت النهاردة هو مين دا يا بت الي مش حلو . “
رغما عنها أفلتت منها ضحكه قصيرة علي مظهر «مروان» و حديث «ريتال» التي قالت براءة
” ايه دا يا عمو هو انت ازاي متعرفش حاجه زي دي مع إنك كل يوم بتقف قدام المرايا بالساعات “
ازدادت ضحكاتها مما جعل «مروان» يقول بمزاح
” شوف البت بتقول ايه . دانتي خاربة بيت ابويا و جايه دلوقتي تقوليلي كدا ماشي يا ريتال الكلب أما وريتك . أبقي شوفي مين هيجبلك شيكولاتة تاني . “
خرجت كلماتها لطيفه كمظهرها حين قالت بلطف
” لا يا عمو دي ريتال متقصدش دي بتحبك جدا مش كدا يا ريتا ؟”
«ريتال» ببراءة
” أيوا فعلا انا بحبه . بس ريتا مبتكذبش هو فعلا مش حلو . يعني معندوش شعر جميل زيك و لا عنيه حلوة زيك و لا عنده خدود بتحمر لما بتيعيط زيك يبقي اكيد مش حلو. اديله شيكولاته ليه ؟”
التفت «مروان» ناظرا الي «جنة » التي لم يفشل الحزن في إخفاء فتنتها و قال بغزل
” تصدقي يا بت يا ريتال اقنعتيني . بس لا نسيتي تقولي أن ضحكتها كمان جميلة “
ابتسمت «جنة» بخجل و قد غزي الإحمرار وجنتيها و لكن سرعان ما دب الذعر في أوصالها حين سمعت صوته القاسي الآتي من خلفها
” مروان !”
لم تستطيع الإلتفات إليه بل تعلقت نظراتها المرتعبه بلاشي أمامها بينما التفت «مروان» قائلا بمزاح
” ايه يا عم صرعتنا هو احنا في ثاني بلد ما احنا جنبك اهوة “
تجاهل مزاحه و كانت نظراته تحرق ظهرها قبل أن يعيدها إلي مروان مرة آخري و هو يقول بفظاظة
” مش شايف أن الوقت اتأخر لصوتكوا العالي دا و كمان مينفعش طفلة زي ريتال تسهر لدلوقتي !”
شعرت و كأن توبيخه موجها إليها و لكنها استمرت علي تجاهله و لم تجروء علي رفع عيناها حتي عندما شعرت به يقف بجانب مقعدها مما جعلها تحبس أنفاسها حتي لا يشعر بمقدار هلعها منه
” ريتال في إجازة يعني عادي تسهر لبعد دلوقتي كمان و بعدين معتقدش أن صوتنا كان عالي اوي لدرجة أنه يزعجك يا سليم !”
سليم بفظاظة و تحدي مبطن
” لا ازعجني يا مروان . “
شعر بوجود شئ خاطئ في عيناه و نبرته و تصرفه لذا اختار الإنسحاب حتي لا يتفاقم الأمر أكثر فتراجع خطوة للخلف بطريقه مسرحية بينما قال بتهكم
” لا و علي ايه حقك علينا . يالا يا ريتال نكمل سهرتنا فوق مش عايزين نزعج الناس أكتر من كدا “
شعر بالتهكم في نبرته و لكنه تجاهل ذلك و لم يعلق بل أخذ يشاهده و هو يمسك بيد الصغيرة و يغادر المطبخ لتشعر هي بتجمد الدماء بأوردتها فها هي قد أصبحت بمفردها معه . مع اكثر شخص تهابه بحياتها شخص قادر علي إنقاذها من الجحيم و رميها بجمراته التي تستقر بمنتصف روحها فتهلكها و لا تستطيع الوقوف أمامه لذا كان الهرب خطتها الوحيدة فتركت الكوب من يدها وهبت من مقعدها تنوي المغادرة فاوقفتها كلماته حين قال بصرامة
” استني عندك “
تجمدت بأرضها و قد شعرت للحظة برغبتها في التلاشي فلم تعد تستطيع تحمل كلمة أخري يكفيها ما عانته طوال هذا اليوم المريع لا تحتمل روحها أي إهانة آخري و لا مزيد من الجروح التي لا تعلم كيف ستداويها .
كانت تعطيه ظهرها مما جعله يتقدم ليقف خلفها حتي استشعرت دفئا غريبا لا يليق بجموده و جبروته و لكنها تجاهلته حين سمعت صوته الساخر حين قال
” ايه هتفضلي مدياني ضهرك كتير . و لا عشان انا مبعرفش اضحك واهزر!”
برقت عيناها من حديثه مما جعلها تلتفت تناظره بصدمة تجلت في نبرتها حين قالت
” نعم !”
صدمه حديثه بقدر ما صدمها فظل للحظه ساكنا يناظرها يحاول إستعادة رباطة جأشة بينما عيناه تطوف علي تقاسيمها فالحزن مازال يُخيم علي ملامحها و مازالت عبراتها تُلطخ خديها المتوردان بشكل شهي للغاية بينما عيناها يشتعل بهم شئ خاص مزيج من البراءه المفعمة بالشغف الذي لم يفلح الحزن في إخماده . يعلم بأن ما يشعر به خاطئ و ما يفعله خاطئ و وجوده معها في هذا المكان يناظرها بتلك الطريقة هو خطاء كبير و لكنه عاجز عن إصلاحه . هذا ما يحدث دائما معها يعاقبها علي أخطاءه هو التي ليس لها بها أي ذنب و ينسي توبيخ نفسه و قلبه العاق الذي لا يعلم كيف يستعيده من بين براثن عيناها تلك.
” سالم كلمني و قالي علي معادك مع الدكتور بكرة . اعملي حسابك عشان هوديكي . “
هكذا خرجت الكلمات فظة من بين شفتيه الغليظة بينما تجاوزها بصعوبة و كأن الخطوات البسيطة التي ستنتزعه من أمام عيناها ملغومة بنيران لا يعرف كيف يخمدها!
لم تكن تساعده إطلاقا فما أن تجاوزها و أوشك علي إستعادة أنفاسه علي أوقفته كلماتها
” بس انا مش عايزاك توديني في أي مكان . شكرا !”
بدا و كأن قلبه يضخ نيران الي اوردته و ليس دماء حين تابعت قائله
” أنا هستني لما فرح تيجي و اروح معاها. كفاية تعبك معايا لحد كدا “
ابتلع جمرات أن أطلقها ستُحرِقها و فضل أن يحترق هو تلك المرة لذا قال بإختصار
” أنا مخدتش رأيك. و دا مش عشانك دا عشان ابن اخويا . و اعملي حسابك الساعه اتنين بالدقيقه تكوني جاهزة عشان نتحرك “
ألقي كلماته دون أن ينظر إليها و تابع طريقه يريد الفرار من ذلك الهواء الذي يحمل رائحتها و يمتلئ بحضورها الطاغي يريد جمع أوراقه و إعاده ترتيبها للوصول إلي حل لمعضلته .
***************
ذلك الصباح لم يكن كأي صباح مر عليه . بل كان الأكثر صفاء برغم تلبد أجواءه أمس و حيرته و ضجيح أفكاره التي لم تهدأ حتي خيوط الفجر الأولي و لكنه يشعر الأن بأنه يقف علي أرض صلبه أمام نفسه فقد اختار أن يعطيها و يعطي نفسه فرصة و لم تأتي هذا الفرصة جزافا أو نتيجه شهامته في إنقاذها كما ادعي و لكنها كانت نابعة من اقتناع قوي بأن تلك المرأة لا يمكن أن تعوض أبدا.
فحين انتزعت نفسها من بين براثنه غاضبة عزم علي معرفة كل شئ حدث بالماضي ليرضي ذلك الشعور المقيت بالغيرة الذي تولد حين رآها تقف مع ذلك الرجل و ما أن خرج للحديقه حتي يتنفس هواء نضيف عله يهدئ من نيرانه قليلا حتي تجمد حين سمع حديثها مع ذلك البغيض و الذي أطاح بكل توقعاته عن ضعفها أمام عشقه مرة آخري !
احرقته تلك المرأة بكبرياءها و عنفوانها و شموخها . تولد بداخله شعور عميق بإنتمائها له . أيقن في تلك اللحظة بأنها لا تليق إلا به لم تُخلق الا له فهي كالجواهر النفيسه التي يُكافئ بها القادة العِظام و هو سيدهم! و أكثر من يُحب إقتناء الأشياء الثمينة و خاصة إن كان لبريقها وقع خاص علي قلبه الذي يرفض مواجهته حتي يتأكد من أن ما يشعر به تجاهها له صداه بقلبها أيضا. فكبرياؤه يأبي إعلان هزيمته العذبة أمام عيناها إن لم تعلنه هي قبلا . و سيتأكد من حدوث ذلك في القريب العاجل . فهو لن يضمن أن تطول مقاومته أمامها كثيرا لهذا قرر إستخدام كل أسلحته و سيهاجم حصونها بكل ضراوة دون أن يعطي لها الفرصة للفرار أو حتي المقاومة ..
كانت عيناه تطوف أرجاء المطعم بعد أن أخبره عامل الإستقبال بأنها تحتسي قهوتها هناك فتوجه بخطي تحمل اللهفه و الأشتياق معا و قد تجلي ذلك في نظراته حين تسلطت عليها و قد راق له مظهرها فقد كانت تجمع شعرها للخلف كزيل حصان و لا ترتدي تلك النظارات البشعة التي تحجب جمالا يروق لقلبه قبل عيناه و ترتدي !!
برقت عيناه حين شاهد ذلك القميص الزيتوني الذي يناقض بياض كتفيها العاريتين فقد كان بلا أكمام و قد اغضبه هذا كثيرا فتحولت نظراته من عاشقه الي غاضبة و تجلي ذلك في خطواته التي كانت تأكل الأرض و هو يتوجه إليها خاصة أن الأمر لم يكن يقتصر علي قميص لعين بلا اكمام فقد كانت هناك تنورة تصل إلي ركبتيها كاشفه عن سيقان بيضاء طويلة لابد و أنها كانت متعة للناظرين حين كانت تتوجه إلي هنا تعلو حذاء ذو كعبين لابد و أنهما عزفا سيمفونيه عظيمة مع كل خطوة تخطوها و الله وحده يعلم كم عدد رؤوس الرجال التي أدارتها بملابسها تلك !
أخيرا توقف أمامها يناظرها بحنق فاعطته إبتسامة فريدة لم يرها مسبقا و لكن كان هناك شئ في عيناها يناقض إبتسامتها و لكنه تجاهل ذلك و قال بفظاظة
” مستنتنيش ليه ننزل سوي ؟”
فرح بهدوء و هي تضع قدح القهوة علي الطاولة أمامها
” أبدا انا متعودة اني بصحي لوحدي اشرب قهوتي في هدوء عشان اعرف أبدا يومي صح “
و كأن اختارت بعنايه كلماتها لتزيد من إشتعال غضبه فقام بجر المقعد أمامها بعنف و ألقي بجسده عليه بينما عيناه لم تحيد عنها فقد كان يعلم المغزي من حديثها و لكن لم يكن في مزاج لمشاكستها الآن فغيرته أظلمت كل شئ أمامه لذا قال بفظاظة
” بس انا شايفك بدأتي تغيري حاجات كتير كنتي متعودة عليها اشمعنا دي ؟”
رفعت إحدي حاجبيها الجميلين و قالت مدعية عدم الفهم
” تقصد.ايه ؟”
كانت تلعب علي أوتار جموده و بروده اللا متناهي و لكنها لم تتوقع غضبة و لا قسوته حين قال بلهجه فجة
” لبسك الي مبين أكتر من الي مداريه. تقريبا مش من عادتك و لا إيه ؟ “
تصاعدت أدخنة الغضب إلي رأسها فخرج صوتها عال نسبيا حين قالت
” أنت ازاي تتجرأ ..”
بتر جملتها حديثه الصارم و تهديده الواضح حين قال بخشونة
” أنا اجروء اعمل كل الي تتخيليه و الي مش تتخيليع! و ممكن كمان اكسر دماغك لو فكرتي تعملي حركة زي دي تاني “
وقاحته في تهديدها جعلتها تعجز عن الحديث لذا آثرت الإنسحاب و هي تقول بغضب كاد أن يبكيها
” الحق مش عليك الحق علي الي سمحتلك تتمادى معاها بالشكل دا!”
كادت أن تهب من مكانها و لكن امتدت قبضته الفولاذية تُمسِك بمعصمها لتجعل من انسحابها أمرا مستحيل .
كانت تجاهد علي منع دموع الغضب من الفرار حتي لا تجعله يشعر بالإنتصار عليها فأدارت رأسها للجهة الأخري و هي تقول من بين أنفاسها
” سيب أيدي !”
” بصيلي ”
” قولتلك سيب أيدي عايزة اقوم ”
” و أنا قولتلك بصيلي “
قال جملته بأمر وعندما لم تمتثل لاوامره امتدت يده الأخري تقوم بفتح كفها المُعتقل بين يديه و أخذ يُمرر أصبعه فوق عروق يدها بلُطف و بطئ و هو يقول قاصدًا إستفزازها
” و علي العموم أنا مرتاح كدا . براحتك خليكي باصة الناحيه التانيه “
ما أن تفوه بجملته حتي التفتت تناظره بغضب كبير بينما زوبعة من المشاعر اجتاحتها جراء لمساته لكفها و ما أن شاهدها تلتفت إليه حتي ترك يدها و قال بتسلية
” حلو . بقيتي تسمعي الكلام اهو”
كانت عيناه تحوي نظرات أربكتها نظرات خالية من التسلية و قد أتاها هاجس استنكرته بشدة و لكنه كان فرصتها الوحيدة للنيل منه فقالت بهدوء يناقض غضبها المشتعل بمقلتيها مما أثار إندهاشه
” إيه إلي مضايقك أوي كدا في لبسي ؟ ”
تصنع الجمود و هو يقول بإختصار
” مش مناسب ”
” لمين ؟”
“ليكي !”
” أنا أدري بالي يناسبني !”
توقفت عن الحديث مُتعمدة و إرتسمت علامات الدهشه و غلف المكر عيناها و هي تقول بإستنكار
” متقوليش انك بتغير عليا !”
لامس استفهامها حواف قلبه و اضطربت دقاته بشكل لم يعهده فلأول مرة يكن شفافا أمامها بتلك الطريقه و لكنه حاول إستدراك الموقف حين قال بالمبالاة
” و ليه لا ؟”
” و ليه آه”
ارجع ظهره للخلف و هو يبتسم قائلا بتذمر
” رجعنا نلعب تاني ”
” مش لعب بس فاجئتني . بتغير عليا . مش قادرة ابلعها بصراحه”
استمرت وصلة بروده المعتاد و قالت بخشونة
” علي حسب دوافع الغيرة دي من وجهة نظرك!”
فرح يتخابث
“الغيرة ملهاش غير دافع واحد و أنا متأكدة انة مش موجود”
” إلي هو ؟”
أجابها بإختصار لتقول بتمهل و كأن الكلمه ترتسم علي شفتيها
” الحب ! ”
كانت للكلمة وقع خاص علي قلبه مما جعل نبضاته تتعثر بداخله و لمع وميض خاطف بعيناه سرعان ما محاه ليحل محله التهكم بينما تابع بفظاظة
” غلطانه ! أي راجل بيغير علي البت إلي مفروض هتبقي مراته حتي لو مش بيحبها”
خرجت الكلمات غاضبة من بين شفتيها
” و لما هو مابيحبهاش هيتجوزها ليه ؟”
“في مليون سبب يخلوا الواحد يتجوز غير الحب “
” بس المليون سبب دول ملهمش لازمة مدام الحب مش موجود”
قالتها بخيبة بدت جلية في عيناها و لكنه لن ينحني أبدا لذا قال بتهكم
“دا كلام مراهقين ميقولوش حد ناضج زيك “
تابعت بسخرية مريرة
“عندك حق . الحب كلام مراهقين فعلا !”
سالم بتقريع خفي
” و الي انتي بتعمليه دا بردو حركات عيال صغيرة ”
فرح بإنفعال
” إيه إلي أنت بتقوله دا ؟”
سالم بصرامة
” أنا خدت قراري و هنفذه! كل الحركات الهبلة دي مش هتخليني أغير رأيي بس هتزعلنا من بعض . “
تحدثت معانده
“تمام ابقي نفذ قراراتك لوحدك ”
حدجها بنظرة محذرة قبل أن يقول
” بطلي جنان عشان مش هتقدري تتحملي توابعه !”
فرح بإندهاش
” كمان بتهددني ؟”
سالم بإختصار
” بحذرك و دي تفرق “
“تفرق بالنسبالك . بالنسبالي النتيجة واحدة “
“إلي هي ؟”
لم تقدر علي الصمت أكثر فبصقت الكلمات من فمها بكل ما تحمل من غضب مستعر جراء وقاحته
“أنك إنسان متكبر و مغرور و متسلط و مبتشوفش غير نفسك و بس. عايز كل الناس تسمع كلامك و بس. تنفذ أوامرك و بس. من غير أي اعتبار لمشاعرهم و لا رغباتهم ؟ اقولك انت فعلا ديكتاتور زي ما جنة مسمياك”
كانت يداه تعبث بالملعقه التي أصابها الدوار جراء تقليبه المستمر بقدح الشاي الخاص به مما أثار حنقها كونه بدا غير مباليا يحدثها الوقح الذي لا تعلم كيف خرج من بين شفتيها و للحظه نهرت نفسها علي حماقة ما تفوهت بها ليصدمها حديثه حين قال بلامبالاة
” بغض النظر عن وقاحة أسلوبك بس انتي عندك حق. و جنة كمان عندها حق”
تجمدت نظراتها بصدمة سرعان ما تبخرت ليحل محلها غضب عارم حين اقترب يستند بمرفقيه علي الطاولة أمامها و عيناه تحدجها بنظرات قوية محذرة ثم قال بعنجهية اغضبتها
” انا فعلاً ديكتاتور. و مبنفذش غير الي انا عايزه . و دا يعرفك أن كل الهبل إلي بتعمليه دا مش هيغير قراري. يبقي بلاش توجعي دماغك و دماغي “
لم يمهلها وقت للرد فقد إلتقمت عيناه تلك السترة التي وجدها علي المقعد بجانبها فارتاح قليلا كونها لن تخرج بهذا الشكل الذي يثير جنونه لذا قال بفظاظة
” البسي عشان هننزل نشتؤي شويه حاجات !”
” نعم ”
” مضطرين لدا . انتي علي الاقل . في فرح الليله حد من معارفي و بما اني هنا فلازم احضر و انتي هتكوني معايا .”
انهي جملته ثم حدجها بنظرة متسلطه و هو يقول
” علي إنك خطيبتي طبعا “
هنا لمع المكر بعيناها و قررت أن تنحي الحديث جانبا و لتهزمه بأفعال ستري أن كان سيتحملها لذا قالت بهدوء أثار الريبة بداخله
” تمام يالا بينا “
*********************
كانت حلا تجلس في تلك الحديقة بمزاج سودوي فقد كانت الليلة الفائته من أصعب الليالي التي مرت عليها بحياتها فصفعة شقيقها انطبعت بقلبها و ليس خدها و مازال ألمها عالق للآن بمخيلتها و قد تجلي ذلك بمظهرها المشعث و عيناها التي تظللها هالات سوداء تماما كالتي تحيط بقلب تلك التي تجلس أمامها قائله بتأثر زائف
” صعبان عليا شكلك أوي يا حلا ! القلم لسه معلم علي خدك “
رفعت حلا رأسها تطالعها بغضب اخفته خلف نبره مستفهمه و هي تقول
” قلم ايه الي لسه معلم علي خدي انتي بتخرفي و لا ايه ؟”
سما بتخابث
” القلم الي سليم اداهولك امبارح يا حلا . كلنا سمعنا صوته . و بعدين انتي مشوفتيش وشك في المراية قبل ما تخرجي و لا إيه ؟”
حلا بحزن انهمر من عيناها علي هيئة قطرات أغرقت وجنتيها فتابعت سما الضرب علي اوتار كبرياءها المهزوم
” بصراحة متوقعتش كل دا يحصل . يعني مش كفايه طنط أمينة الي دافعت عنها قدامنا كلنا كمان سليم يضربك عشانها و قبل كدا أبية سالم بردو زعقلك قدامنها بسببها . فاضل مين تاني مبهدلكيش بسببها “
ازداد الغضب بداخلها حتي تشكلت غصة مريرة في حلقها جعلتها عاجزة عن التنفس فهبت من مكانها و انتزعت حقيبتها و هي تقول بعجالة
” ورايا مشوار في الجامعه هخلصه و هاجي علي طول . سلام “
هرولت حلا الي سيارتها دون أن تستدعي السائق و قادتها منطلقه الي الخارج فشعرت سما بالغضب مما فعلته و خفق قلبها ذعرا علي حلا التي لا تعرف عن القيادة الكثير و لم تعد تدري ماذا تفعل لتتفاجئ بصوت محتقر آت من خلفها
” مرتاحة دلوقتي ؟”
انتفضت بذعر لتتفاجئ بمروان الذي خرج من العدم و قد ارتسم الإحتقار في عيناه و هو يطالعها الي أن وصل إلي مكانها و قال بأزدراء
” قوليلي يا سما. انتي كدا مرتاحه ؟”
حاولت رسم القوة علي ملامحها قبل أن تقول
” و انت مالك و مالي مرتاحة و لا لا ؟’
مروان بغضب دفين
” بصراحة عندي فضول اعرف احساس الإنسان الي بيأذي غيره و بيعمل فتن بين الناس و بعضها . ياتري بيبقي مبسوط و لا بيبقي حاسس بأيه ؟”
سما بأندفاع
” أنا مقولتش غير الي حصل . و علي فكرة بقي أنا سمعته و هو بيزعقلك في المطبخ عشان قاعد تتكلم مع الست هانم “
مروان بتهكم قاصدا إذلالها
” برافو يا سما .كمان بتقيتي تعرفي تتصنتِ عالناس حلو ؟”
اغتاظت من حديثه و إهانته المتعمدة لها و قالت بغضب
” هو دا الي انت شاطر فيه . تقعد تتريق عالناس و بس “
مروان بسخرية
” يعني تتريق عالناس احسن ما أوقع بينهم و أأذي اقرب ناس ليا . مش دي حلا صاحبتك الي بتعادي مرات اخوها عشان خاطرك . إلي مش طايقه جنة في البيت عشان خاطرك. مفكرتيش احساسها ايه دلوقتي ؟ موجوعة قد ايه بدل ما تهوني عليها يا صاحبتها !”
رمقها بنظرات إحتقار حين طال صمتها و إلتف ينوي المغادرة فخرجت الكلمات كالشوك من بين لفائف احبالها الصوتيه لتعبر عن مدى ألمها و هي تقول
” و أنا محدش هون عليا وجعي ليه ؟ محدش حس بألمي وعذابي ليه ؟ كل الناس بتحس و أنا لا . كل الناس بتتعذب و أنا لا ؟ كل الناس عندها الي يقف جنبها و انا لا !”
لم يتخيل أن يؤلمه ضعفها و عذابها بهذا الشكل فتوقف بمكانه يشعر بأن جمراتها تسقط فوق قلبه و خاصة حين تابعت بعتاب من بين قطراتها
” حتي أنت ! مفكرتش مرة واحده تكلمني من يوم موت حازم . بالرغم من اني كنت محتجالك أكتر واحد تهون عليا . أنت كنت اقرب واحد ليه . الحاجه الوحيدة الي بقيالي من ريحته و ملامحه !”
لم تستطع أن تكمل حديثها الذي لا تعلم أنه اشعل بجوفه عاصفة غضب هوجاء أوشكت أن تقضي عليها حين اقترب منها بعينان إرتسم بهما الجنون و انفاس لاهبه جعلتها تتراجع بذعر من مظهره و لكنه كان اسرع حين اقترب منها و قام بإمساك رسغها و دفعها بعنف لتسقط علي الأريكة خلفها بينما يداه لم تفلتها و لكنه اقترب منها قائلا بغضب جحيمي
” أنا مش من ريحة حد . و أياكِ تنطقي الكلام الي قولتيه دا تاني. فاهمه و لا لا ؟”
لم تستطع الحديث فقط هزة جنونيه منها لم تفلح في إخماد غضبه لتتفاجئ به يمسك بفكها و يديره للخلف و هو يقول بقسوة افزعتها
” بصي وراكي كدا شايفه مين هناك ؟ دي مرات حازم . الوحيدة الي يحقلها تحزن عليه الوحيدة الي حبها و اختارها و اتجوزها و معبركيش . بطلي بقي ترخصي نفسك كدا . بطلي توحشي في نفسك اكتر من كدا. ارحميها و ارحميني ..”
تركها بغتة بشكل عنيف تماما كهجومه الضاري الذي لم تكن تتوقعه فظلت ترتجف في إثره لا تعلم هل ما حدث للتو حقيقة أم كابوس !
*********”**********
كانت فرح تجلس بجانبه في السيارة بصمت فقد اكتفت من حديثها معه منذ دقائق و لا رغبة لها في المتابعه أكثر فقد كانت تريد بعض الهدوء حتي تستطيع إعادة تنظيم أوراقها و معرفة ماذا عليها أن تفعل حتي تتخلص من وضع اقحمت ظاهريا به بينما هناك شعور خائن بداخلها كان يروق له ما يحدث !
” علي فكرة الفرح دا هتلاقي في ناس كتير تعرفيهم .”
نجح في جذب انتباهها و إخراجها من قوقعتها التي فرضتها عليه و لم تروق له فقد إشتاق لنزال آخر معها
” ليه هو فرح مين ؟”
” بلال الطحان “
برقت عيناها و قالت بزهول
” بلال الطحان صاحب شركات تصنيع السيارات ؟”
” هو !”
” دي تقريبا رابع جوازة له !”
أومأ برأسه دون حديث لتقول بإستنكار
” و له عين يعمل فرح ؟”
سالم بتسلية
” مالوش عين ليه ؟ هو مبيعملش حاجه عيب و لا حرام”
فرح بتهكم
” اه طبعا لا عيب و لا حرام ! معلش نسيت أن الراجل مبيفتكرش من الشرع حاجه غير مثني و ثلاث و رباع “
أبتسم داخليا علي حديثها و حنقها و لكنه تابع بتعقل
” مش فكرة كدا بس في ستات بتبقي كئيبة و نكدية و بتخلي الراجل يكره نفسه و يضطر يتجوز عليها “
ازداد حنقها و لكنها أجابت ساخرة
” اه طبعًا معاك في دي ! الستات بتتولد نكدية مش مثلًا هو قارفها في عيشتها و رامي عليها المسئوليه كلها من بيت لأطفال لتعليم لجري في الشوارع . “
أردف قاصدًا إستفزازها
” جري في الشوارع ! لا هو عنده شركات تصنيع سيارات فالأكيد أنه مخصصلها عربية تجري بيها !”
شيعته بنظرات الخسة الممزوجة بالغضب قبل أن تتمتم بتهكم
” اتريق براحتك .مانتا راجل زيه و لازم هتدافع عنه !”
أبتسم علي حديثها و لم يستطِع أن يُفوت تٓلك الفُرصة في مُشاكستها فقال بنبرة جادة
” لا اكيد مش هدافع عنه لمجرد أني راجل زيه. و مش محتاج اعمل كدا.”
” اه طبعًا طبعًا “
تجاهل سخريتها و تابع
” دا واحد بينفذ شرع ربنا و بصراحه التعدد دا المُتنفس الوحيد للراجل . يعني عشان ميعملش حاجه حرام “
كانت تقطم شفتها السفلية بحنق من حديثه الذي يظهر لها بواطن تفكيره ونظرته للأمور لتتفاجئ حين تابع بتهكم
” عارف إن كلامي هيضايقك . فكرة التعدد دي مرفوضة عند أي ست. ألا طبعًا الست العاقلة .”
رمقها بنظرة جانبية حين انهى جُملته فباغتته حين رسمت قناع الجدية على ملامحها قائلة بنبرة ثابته توحي بمدي صٓدقها
” مين قالك كدا ؟ فكرة التعدد مش مرفوضة بالنسبة لاي ست و لا حاجه . يعني أنا مثلا لو كنت راجل كنت أتجوزت أربعة !”
لم تفشل تلك المرأة أبدا في إدهاشه و لكن هذه المرة تخطت كل التوقعات حتي أنه لم يستطع قمع ضحكته التي ملأ صداها أرجاء السيارة و بالرغم من غضبها منه ألا أنها وقعت للحظه أسيرة لضحكته التي جعلت دقات قلبها تتخبط بعنف داخل صدرها فظلت عيناها معلقه عليه و لم تلحظ توقف السيارة إلي أن سمعت صوته العميق و هو يقول
” وصلنا “
تحمحمت قبل أن تتمتم بخفوت
” طبعا أنا لو رفضت هتعمل نفسك و لا كإنك سامع اصلا ”
أجابها بإختصار
” بالظبط ”
إجابته بحنق
” خليك فاكر إنك علي طول بتدبسني “
” مانا انا ادبست !”
باغتها رده و تلكا لتنهيدة القوية التي خرجت من جوفها فإلتفتت تقول بترقب بينما هناك ضجيج قوي بداخل صدرها
” أنت قولت ايه ؟”
” قولت يالا عشان نختار سوي هتلبسي ايه ؟”
لم تتيح لها الفرصة للحديث إذ تفاجئت بصوت أنثوي خلفه يقول بصدمة
” سالم ..”
***********************
كانت تقود سيارتها باقصي سرعة و لم تكن تبالي بصراخ الناس من حولها و لا تلك الأصوات الصاخبة لأبواق السيارات حولها فقد تكالب عليها كل شئ ألمها و غضبها و كبرياءها المدهوس فأخذت تبكي كل شئ يؤلمها تبكي كما لو لو تفعل من قبل حتي أن صوت بكاءها تحول الي صراخ وصل إلي مسامع ذلك الذي كان يلاحقها بكل ما أوتي من قوة و بداخله يرتعب من أن يحدث لها أي شئ و لكن فجأة أظلم كل شئ من حوله حين شاهد سيارتها التي انقلبت في الهواء و هبطت بقوة علي الطريق أمامه فأوقف سيارته و هرول مسرعا الي تلك السيارة التي تحطمت و انقلبت علي رأسها و ما أن رأي تلك المكومه بداخلها حتي خرج صوت من أعماق قلبه الذي صرخ قائلا برعب
” حلااااااا”
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية في قبضة الأقدار)