رواية في قبضة الأقدار الفصل السابع عشر 17 بقلم نورهان آل عشري
رواية في قبضة الأقدار الجزء السابع عشر
رواية في قبضة الأقدار البارت السابع عشر
رواية في قبضة الأقدار الحلقة السابعة عشر
أخبريني كيف يُمكِنني الإفصاح عن ذلك العِشق الذي تغلغل إلى داخلي و احتل كُل ذرة من كِياني دون أن أمس كرامتي أو اخدش كبريائي؟! كيف اُخبِرُك بأنى أشتاق لعالم لم يُخلق به سواكِ . أنتِ و عينيكِ و ابتسامتكِ التي أضاءت ظلام قلبي . فتمهلي و أرأفي بقلبً لم يُبصِر النور إلا على يداكِ. و إن كان المِنْطِيق يأبى الإفصَاح عن الهوى. فالقلب بات عاشقًا حتى الثرى..
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
لا تُجَابَه القوَّة إلاّ بالقُوَّة و لا تُقهر المرأة إلا بالمرأة . قد تكون تلك المقولة قاسية قليلًا و لكن ليست أقسي من أن يقف كبرياء المرأة بينها و بين العشق خاصة إن كان عشق رجل مثله. لا يقبل بالهزيمة و لا يعرف أنصاف الحلول. أكثر ما يثير جنونه العصيان خاصة حين يكون أول من إستسلم فحينها يمتزج عشقه بكبرياء عاصف لا يقبل المقاومة فإما الاستكانة بين أحضانه أو الذوبان في بحور هواه وإن اختارت التمرد فليكن بين جنبات صدره و هذا أقصي ما هو مسموح به ..
برقت عيناها حين سمعت ذلك الصوت الأنثوي يناديه برقه تليق كثيرًا بصاحبة العينان الزرقاء الصاخبة كجمالها الذي جعل دقاتها تتقاذف غضبًا ذو نكهة مؤلمه حين وجدته يلتفت إلى تلك المرأة و من ثم قال بنبرة مشتاقه قبل أن يغادر السيارة للترحيب بها
” مروة ! ”
ما أن خطت أقدامه خارج السيارة حتي اندفعت المرأة تعانقه بشوق كبير قابله تحفظ من جهته ولكن لشدة حنقها لم تلحظه فقد أعماها غضب مقيت جعلها تترجل من السيارة دون وعي و عيناها معلقه بذلك الثنائي الذي بدا و كأنهما يعرفان بعضهما تمام المعرفة
مروة بشوق
” سالم. ايه الصدفة الجميلة دي ؟ ”
سالم بحبور
” هي صدفة جميلة فعلًا . عامله ايه ؟”
مروة بجرءة
” قبل ما أشوفك و لا بعد ما شوفتك ؟”
ارتسمت ضحكه عريضة علي محياه حين سمع بابا السيارة يفتح من جهتها فأراد اللعب قليلا إذ قال يشاكسها
” هو في الحالتين انتي زي القمر . “
صدحت ضحكه عاليه من ثغرها الجميل قبل أن تقول بدلال
” سالم الوزان بيعاكسني انا كده هتغر! ”
سالم بمزاح
” لا اتغري براحتك !”
لم تتحمل الوقوف دقيقة واحده و رؤيته مُستمتِع بالحديث مع تلك المرأة التي لا تعرف من تكون و لا تُريد معرفتها جل ما تُريده هو إنتزاع عيناها الفاتنة تلك من محجريهُما حتى تُبعِد سهامها اللعينة عن مرماه. انكوت بنيران لم تعهدها سابقا. شعور مقيت يجعل دقاتها تتقاذف بين ضلوعها في حرب طاحنة تُهلِك أنفاسها التي تخرج من أنفها على هيئة نيران مُلتهِبة تحرِق رئتيها دون رحمة و أسنانها التي كانت تصرُخ ألمًا من فِرط ضغطهم بهذا الشكل في محاولة لابتلاع غضبها خوفًا من أن تلتفت متوجهه الى تلك الأفعى شقراء الشعر زرقاء العينين و تقوم بنزع رأسها من فوق جسدها حتى تشعر بالراحة.
سحبت نفسًا طويلا ل تثبط نوبة البكاء التي كانت على وشك الإنفجار في أي لحظة و ظلت على حالها لدقائق كانت كساعات و هي تتظاهر بالنظر ل واجهات المحلات الزجاجية ولكنها في الحقيقة كانت مُغمضة عيناها وجهها يعكس مدى عذابها الذي تشعر به و الذي جعلها في واد آخر حتى أنها لم تلحظ توقفه بجانبها لثوان و تلك البسمة الصافية المُرتسِمه على ثغره و التي كانت أشد اتساعًا بقلبه الذي كان يُشفِق عليها من ألم الغيرة الذي لا يرحم و لكن لا بأس ف لتشعر بشئ بسيط مما يعتمل بصدره حين رآها بتلك الملابس .
قرر إنتزاعها من بين براثن العذاب و قال بصوت مميز يشوبه بعض المكر
” الفستان عاجبك اوى كدا ؟”
اللعنة علي صوته الذي يُرسِل ذبذبات حسية تسري في سائر جسدها الذي ينتفض بقوة الآن و لكنها كانت بارعة في إخفاء تأثيره عليها لذا فتحت عيناها الصافيه رغم كل شئ و التفتت تُناظره بهدوء يتنافى مع ضجيج قلبها و رسمت ملامح الشجن فوق قسماتها الجميلة و قالت بصوت مِتأثِر
” مش أوي . بس فكرني بذكريات مكنتش حابة افتكرها .”
بلمح البرق إنقلب عالمه رأسًا علي عقِب فقد كان يظُن بأنها تتلظى بنيران الغيرة و ها هي تصدمه بأنها غارقة في ذكريات يعلم أنها كانت مع غيره. خفقة وجلة ضربت بعُنف فؤاده فأصبحت حتى دقاته تؤلمه و لأول مرة بحياته يرغب في صفع إمرأة ف أظلمت عيناه و ارتسم بها نظرة جوفاء قاسية اخافتها للحظة فأرادت الهرب من نيران كانت هي من أشعلتها لذا توجهت الى باب المحل و هي تقول
” في كام حاجه عجبتني هدخل أشوفها.”
لم يُجيبها إنما اكفهرت تعابيره بشكل مُريب و قد أيقن في تلك اللحظة بأن طريقهما لازال طويل و قد كان هذا درس قاس جعله يعلم بأن كل النساء لا يجب اللهو معهن..
سمعت صوت الباب يُفتح و علمت بوجوده خلفها فقد كان حضوره آسر و هيبته طاغية و رائحته التي أصبحت تروق لأنفها كثيرًا و ينتشي بها سائر جسدها الذي تخشب حين سمع صاحبة المحل و هي تتوجه إليه بترحاب كبير
” أهلًا . أهلًا سالم بيه ‘
لم يُجيبها إنما هز رأسه و هو يضع يديه بجيوب بنطاله خشية أن يقوم بكسر عنقها فقد استنفذ كل ذرة مقاومة لديه حتى لا يقوم بهزها و إخراج تلك الذكريات اللعينة من رأسها و لكن لا بأس سيعرف كيف يُمحيها و لكن بطريقته.
كانت عيناه تطوف كل شئ حوله دون أن يظهر علي ملامحه أي شئ و لكن ذلك لم يُعيق تلك المرأة التي كانت تتعمد الدلال و هي تقول
” أنا حقيقي مش مصدقة نفسي اني واقفه قدام حضرتك. المحل حقيقي نور بوجودك “
امرأتان في نفس الساعة تحومان حوله كان هذا أكثر من قدرتها علي التحمل لذا التفتت بعُنف غير مقصود و عينان تشتعلان غضبًا لتتفاجأ به يُعطيها ابتسامة ساحرة و هو يقول بتحفظ
” شكرا لذوقك. “
اقتربت فرح منهما و هي تقول بنبرة بها بعض الترفع
” في كام حاجه عجبتني عايزة اجربها”
” اه . طب ثواني هشوف حد من البنات يقف معاكي !”
هكذا حدثتها المرأة بلامبالاه بينما صبت كل إهتمامها عليه و التفتت إليه تقول بلطف زائد
” حضرتك تؤمرني بأيه يا فندم ؟”
انتفخت أوردتها غضبًا من تلك الحثالة التي عملتها
ب لامبالاة بينما تُناظره وكأنها سوف تلتهمه و ذلك الوغد الذي يرسم اجمل ابتساماته أمامها وكأنه يُريد اغاظتها! ستريه ذلك المعتوه الأبله المغرور الوسيم الذي يستهلك جميع أحاسيسها في آن واحد لدرجة تجعلها تشعر بالتعب دون أن تقوم بفعل اي شئ فقط يكفيها مشاهدته هو و معجباته الغبيات. أخرجها من شرودها حين سمعته يقول بطلف
” ياريت تشوفي الهانم عايزة إيه”
” ايه دا هي الهانم مع حضرتك ؟”
هز رأسه فتقدمت فرح تقف بجانبه و هي تقول بتهكم
” تخيلي !”
” انا والله معرفش . طب اقدر اساعد حضرتك بأيه . شاوريلي علي الي عاجبك و أنا هجبهولك بنفسي “
شعر بها تقف بجانبه و قد كان وجهها مُحمرًا بشده و يبدو بأنها غاضبة بشكل كبير و لهذا واصل العزف علي أوتار حنقها إذ قال موجها نظراته لها
” تمام يا أنسه فرح اختاري الي تحبيه . المدام بنفسها هتبقي معاكي !”
آنسة فرح!! الآن يناديها بهذا اللقب و كأنها لا تعنيه! ارتسم تعبير مُندهِش ممزوج بغضب واستنكار جعلها ترفع إحدي حاجبيها و هي تناظره بينما هو رسم الإستمتاع علي ملامحه و عيناه الماكرة التي كانت تُرسِل تحدي مُبطن لها و لكنها سُرعان ما أدركت لعبته و قررت مجاراته لذا التفتت إلي السيدة التي كانت مُندهشة من نظراتهم التي توحي بالكثير و التي قطعها فرح حين أشارت إلي أحد الأركان و هي تقول بترفع
” في هنا كام حاجه عجبتني عايزة اشوفهم “
السيدة باحترام
” عيوني . يا فندم اتفضلي .”
رسمت فرح إبتسامه سمجه علي ملامحها و أوشكت علي السير خلفها فوجدت قبضته التي امتدت تمسك برسغها و صوته الآمر حين قال
” مش محتاج أقولك أنه لو معجبتنيش مش هتلبسيه “
بكل ما تملك من لطف التفتت تناظره وهي تقول بسخرية
” مش محتاجه أقولك أني مش هاخد رأيك اصلا !”
من المفترض منه أن يغضب ولكن على العكس كان يبتسم علي ملامحها و حديثها فكل شئ تفعله يروق له وهو الذي لم يكن أحد يجرؤ علي مُعارضته خوفًا من بطشه لتأتي هي تفرض سيطرتها علي قلبه الذي يشتهي تحديها و عنادها و حتى غضبها و هنا صدحت حقيقة قويه أمام عيناه و هو أنه واقع لتلك المرأة و بشدة . استطاع الآن التخلص من كل القيود و الإعتراف بأنه يحبها. بل يعشقها . يشتهي كل شئ بها و كأنه جائع منذ زمن وهي ألذ ما رأي بحياته.
***************
كانت تقود سيارتها باقصي سرعة و لم تكن تبالي بصراخ الناس من حولها و لا تلك الأصوات الصاخبة لأبواق السيارات حولها فقد تكالب عليها كل شئ ألمها و غضبها و كبرياءها المدهوس فأخذت تبكي كل شئ يؤلمها تبكي كما لو لو تفعل من قبل حتي أن صوت بكاءها تحول الي صراخ وصل إلي مسامع ذلك الذي كان يلاحقها بكل ما أوتي من قوة و بداخله يرتعب من أن يحدث لها أي شئ و لكن فجأة أظلم كل شئ من حوله حين شاهد سيارتها التي انقلبت في الهواء و هبطت بقوة علي الطريق أمامه فأوقف سيارته و هرول مسرعا الي تلك السيارة التي تحطمت و انقلبت علي رأسها و ما أن رأي تلك المكومه بداخلها حتي خرج صوت من أعماق قلبه الذي صرخ قائلا برعب
” حلااااااا”
قبل ساعة من الآن
ترجلت حلا من سيارتها و توقفت أمام باب الجامعة و هي تنظر إليها لا تعلم هل تدخل أم لا ؟ لا تعرف شئ في هذه البلاد سوى تلك الجامعة التي لا تملك بها أي أصدقاء لا تعرف أين تذهب و لا مع من تتحدث؟ ف كبريائها مجروح بشدة و لأول مرة يُغضِبها الحديث مع سما صديقتها الوحيدة حتى أنها أرادت الهرب منها و من كل شئ و ها هي تقف الآن وحيدة منبوذة لا تملك إنسان واحد في تلك الحياة تُخبِرُه عن وجعها الذي تقطر من عيناها علي هيئه فيضانات حفرت وديان الألم فوق خديها .
للمرة الثانية يتكرر مشهدها المهزوم أمامه فهاهي تقف تنظر إلى الفراغ بعينان تقطران ألما و ملامح يكسوها الحزن الذي تغلغل إلى داخله بشكل كبير. لا يُنكِر إعجابه بها منذ المرة الأولي التي رآها و لكنه الآن يشعر بالألم الكبير لحزنها هذا. و لذلك قرر الحديث معها وعدم تركها فريسة للألم هكذا.
ما أن خطى خطوتين تجاهها حتى تفاجئ بها ترتد إلى الخلف و تعاود الصعود الي سيارتها و قد بدا أنها على شفير الإنهيار و الذي تجلي في قيادتها المجنونه فدب الذعر بقلبه و أطلق الريح ل قدماه حتى يلحق بها فصعد الي سيارته و بلمح البرق كان خلفها يحاول بشتي الطرق الإقتراب منها و هو يصرخ عل صوته المُرتعِب يصل إليها و لكن دون جدوى وفجأة أظلم كل شئ أمامه و هو يرى سيارتها تنقلب أمامه بهذه الشكل المروع .
بعد عدة ساعات كان يقف أمام غرفة العمليات المحتجزة بها تلك التي حملها من داخل السيارة المحطمة و دمائها تسيل علي يديه و داخله يشعر بالألم يعتصر صدره بشدة و كأنها شخص يعرفه منذ سنين.
لا يعلم الكثير عنها و لكنه كان يشعر ب أنها بطريقة أو بآخري قريبة منه للحد الذي يجعله يتضرع إلى الله بأن تخرج سالمة من هذا الحادث المروع . خرج الطبيب من الغرفة فهرع إليه يسأل بلهفة
” طمني يا دكتور هي عامله ايه ؟”
الطبيب
” الحمد لله شوية كسور و جروح و كنا خايفين يكون في نزيف داخلي بس اطمنا أن الوضع تحت السيطرة . ”
زفر بإرتياح من حديث الطبيب الذي قال مستفهما
” حضرتك تقربلها ايه ؟”
احتار بما يجيب و لكنه في النهاية قرر قول الحقيقة
” أنا دكتور و هي طالبه عندي و الحادثة حصلت قريب من الجامعة وأنا الي جبتها علي هنا ”
اومأ الطبيب قبل أن يقول بعمليه
” خير ما عملت . الحمد لله ملحقتش تنزف كتير و دا طبعًا في صالحها .”
تحدث قائًلا بإرتياح
” الحمد لله انها بخير . اقدر اشوفها واطمن عليها ”
” المفروض أن إدارة المستشفى تكون كلمت أهلها و هما اللي يقرروا . يعني حضرتك مش قريبها و اكيد انت فاهم الحرج. “
ياسين بتفهم
” فاهم يا دكتور . شكرا لذوقك .’
” العفو . عموما هي نص ساعة و هتتنقل اوضة عادية. عن إذنك “
لم يكد يتنفس بارتياح إطمئنانا عليها حتى أتاه إتصال كان يتمناه بشده فأجاب بلهفة
” ايوا يا سعد طمني ؟”
المتصل على الطرف الآخر
” عايز الحلاوة يا ياسين . جبتلك عنوان بنات عمك .”
****************
كانت تدور حول نفسها بغضب كان أساسه الخوف! خوف من أن تكون معه بمفردها و خوف من كلماته السامه التي تنحر قلبها بكل مرة و خوف علي صغيرها من عدم تحملها لكل ما يحدث معها فيكون هو الضحية و خوف من مشاعر غريبة تجتاحها تجاهه . كانت تمقته فما الذي حدث حتى صارت تمقت الظروف التي وضعتها في تلك المواقف أمامه . تكره كونها مذنبه في عيناه و كان هذا الشعور لا يروقها أبدا. و للمرة التي لا تعرف عددها تتمنى لو أن تلك الأشهر الماضية لم تمر عليها تتمنى لو أن شاحنة دهستها قبل أن تذهب إلى الجامعة في ذلك اليوم. و لكنها تعود نادمة حين تنظر إلي بطنها المسطح و الذي يحوي روحًا بريئه تأمل بأن تكون هي المُرمِمة ل جراحها الغائرة .
لا تعلم ماذا عليها أن تفعل. هل تهرب ام تواجه ؟ هل تبتعد أم تقترب ؟ لا تعلم ماذا تخبئ لها الأيام و لكنها خائفه كثيرًا من الغد و من المستقبل فبعد ما حدث لها لم تعد تثق حتى بنفسها التي باتت عبئًا حتى عليها كما قال . فبالرغم من قساوة كلماته و لكنها كانت صحيحة . و بالرغم من أنه وقف إلى جانبها البارحة و أخذ لها حقها من شقيقته البغيضة تلك إلا أنها مازالت خائفه منه و بشدة .
ارتجف قلبها ذعرًا حين سمعت ذلك الطرق علي باب حُجرتها و تسارعت أنفاسها و هي تتقدم بخطً سُلحفيه لتقول بصوت مُرتعِش
” مين ؟”
اطمأنت قليلًا حين سمعت صوت أمينه التي قالت
” أنا الحاجة أمينة يا جنة . ممكن ادخل “
تنفست الصعداء و فتحت الباب و هي تنظر إلي أمينة باستفهام فهي آخر شخص توقعت رؤيته خاصة في الصباح ولكنها شعرت بالراحة حين رأت تلك البسمة البشوشة علي ملامحها فأجبرت شفتاها عن الإفصاح عن آخري هادئه حين قالت
” أهلًا يا حاجه . اتفضلي .”
بالفعل دلفت أمينة للداخل و توجهت الي الأريكة الموضوعة في منتصف الغرفة بينما اضطرت جنة إلى إغلاق الباب و التوجه بتؤدة إلى حيث تجلس فامتدت يد أمينة تُشير إليها بأن تجلس بجانبها و هي تقول بلطف
” تعالي يا جنة اقعدي جمبي “
اطاعتها جنة بصمت بينما بداخلها تشعر بالرهبة و قد لاحظت أمينة ذلك لذا قالت بمزاح
” ماتخافيش احنا ما بناكلش بني آدمين ”
ابتسمت جنة رغما عنها و جلست بجانبها دون التفوه بحرف ل تُفاجٓئها أمينة التي تحولت نظراتها للحيرة حين قالت
” ليه يا جنة ؟”
اندهشت من سؤالها و تجلى ذلك في استفهامها
” هو ايه اللي ليه ؟”
” ليه أنقذتِ حياتي ؟”
تفاجئت من حديثها وقالت بزهول
” هو أنا كان ممكن اعمل حاجه غير كدا ؟”
أمينة بهدوء
” آه . كان ممكن تقفلي الباب و تمشي و لا كأنك شوفتيني . يعني بعد الي الكلام اللى قولتهولك والأذى الى سببتهولك…”
قاطعتها جنة باندفاع يحوي غضبا كبيرا
” دا عند ربنا. الأذى الى سببتهولي دا عند ربنا. لكن انا مقدرش اشوف إنسان بيموت و مساعدهوش. “
آلمتها كلماتها بشدة فقد اشعرتها بمدى حقارتها سابقًا معها و قد تجلي ألمها في كلماتها حين قالت
” مفكرتيش لحظة.”
قاطعتها للمرة الثانية
” أبدًا و لو رجع بيا الزمن هعمل كدا تاني حتي لو كنتي عاملة فيا ايه! انا مش ملاك و لا حاجه و هبقي صريحة معاكي انا معملتش كده عشانك انا عملت اللي اتربيت عليه . ”
” تقصدي تقوليلي حتي لو انتي وحشة أنا مش زيك !”
جنة بلهفه
” انا مقصدش كده والله .”
تلك المرة قاطعتها يد أمينة التي ارتفعت توقفها عن الحديث و قالت بإبتسامه هادئه
” عارفه انك متقصدِش . ”
سحبت نفسًا عميقًا قبل أن تتابع
” انا شايفه أن أنا و أنتي محتاجين ناخد فرصة نعرف فيها بعض أكتر . هكون ممتنة ليكي لو تقدري تتجاوزي سوء الفهم اللي حصل بينا و نبتدي من أول و جديد “
تفاجئت جنة من حديث أمينة و للحظة لم تعرف ماذا تجيب و لكن ذلك الرجاء في عين تلك العجوز جعل قلبها يلين فابتسمت بهدوء قبل أن تقول برقه
” فرح دايما تقولي مترديش إيد اتمدتلك بالسلام . “
ابتسمت أمينة براحة من جملتها البسيطة و قالت بمزاح
” فكريني أشكر فرح على الحكمة الجميلة دي .”
ابتسمت جنة علي جملتها فتحدثت أمينة قائله بترقب
” أنا سمعت انك رايحه النهاردة للدكتور تطمني على وضع الجنين .”
جنة بحماس
” أه فعلا . النهاردة مفروض يقولي علي نوع البيبي و هيغيرلي الفيتامينات كمان .”
ارتسم على ملامح أمينة رجاء صامت و لكنها لاحظته بالرغم من لهجتها المحرجة حين قالت
” متنسيش أول ما تيجي تطمنيني . ربنا يطمنك عليه ويجيبه بالسلامه . ابن الغالي .”
عند ذكر الغالي الراحل سقطت دمعة من طرف عيناها تحكي مقدار الوجع المدفون بصدرها فشعرت جنة بالشفقه عليها و فجأة طرأ على بالها فكرة لتدخل السرور علي قلب تلك العجوز و أيضاً لترد الصاع صاعين لذلك الهتلر اللعين الذي يهدد أمنها و سلامتها لذا قالت بإندفاع
” لو تحبي تيجي معايا انا معنديش مانع “
فورًا تبدلت معالم أمينة من الحزن و الألم الي الفرح و السرور الذي تجلي في لهجتها حين قالت بلهفه
” بجد يا جنة . انا ممكن اجي معاكي ؟”
جنة بابتسامة جميلة
” طبعًا ممكن تيجي .يعني لو مكنش المشوار هيتعبك ”
أمينة بلهفه
” لا يتعبني ايه . دا هو دا الي هيريحني . قوليلي انتي ميعادك امتى هناك ؟”
نظرت جنة إلى ساعتها التي تشير الى الواحدة و قالت
” تقريبا بعد ساعه من دلوقتي ”
أمينة بلهفه و هي تنهض من جلستها
” طب حلو هروح اخلي مروان يستنانا كان عايز يروح يفسح ريتال نروح احنا كمان معاه يالا هقوله علي بال ما تجهزي ”
” لا أنا جاهزة من بدري ”
أمينة بحبور
” طب يلا بينا ننزل سوا ”
و بالفعل خرجت مع أمينة الي الخارج و هي تستند على ذراعها حتى وصلا إلى الدرج و لكن خفقة قويه ضربت يسار صدرها حين لمحته يصعد الدرج و لأول مرة تنظر إلي ملامحه التي تفاجأت بمدى وسامتها و تناسقها مع بشرته الخمرية و لحيته الكثيفة التي كانت تزين وجهه بشكل كبير و لكن تبقى عيناه المخيفة التي دائما ما يكون لونها بلون الجحيم الذي يرهبها بشكل كبير فشتتت نظراتها لكل شئ حولها حتى أنها لم تستطيع النظر إليه حين تحدث مع والدته
” عامله ايه دلوقتي ؟”
أمينة بحنان
” الحمد لله يا حبيبي. احسن كتير .”
حانت منه إلتفاتة بسيطة لصاحبة الشعر الحالك السواد كظلام الليل يضاهيه بحر عيناها الأسود اللامع و الذي يناقضه بشرة حليبيه يزينها خدان شهيان كالتفاح الناضج و ثغر! لم يسمح لعقله بالتمادي أكثر فيكفيه ضجيج قلبه الذي كان يقرع كالطبول فصب إهتمامه بأكمله على والدته و قال بحنان يتنافى مع طبيعته الدائمة معها
” الحمد لله يا حبيبتي . انتي راحه علي فين كدا ”
أمينة بحبور
” رايحه انا و جنة للدكتور معاد متابعتها النهاردة ”
تجمدت الدماء في أوردتها و برقت عيناها التي كانت تنظر أمامها مباشرة حين سمعت حديث أمينة تكمل
” مشوفتش الواد مروان اصله كان خارج يفسح ريتال هنخليه يوصلنا في طريقه و بعدين يبقى يعدي ياخدنا “
اندفعت الدماء إلي أوردته و سرت كالنيران الذي شعر بها تحرق احشاؤه و تلونت حدقتاه باللون الأحمر القاني و هو ينظر إليها فوجدها تنظر أمامها بصدمة غير قادرة على النظر إليه وما أن أوشك على الرفض القاطع أتاه صوت مروان خلفه و الذي قال بمزاح
” أنا اهوه يا مرات عمي . حسيت انك محتجاني فجيت جري ”
أمينة بلهفه
” ابن حلال والله . عايزاك تاخدنا معاك البلد عشان معاد الدكتور بتاع جنة كمان ساعه”
كان مروان يشعر بشئ منذ البارحة في نظرات سليم لجنة و قد تأكد حين إلتفت رآه يناظرها بتلك النظرات الجحيميه فأراد أن يلعب على أوتار غيرته حتى يلقنه درسا قاسيا فقال بمزاح
” بس كدا . دانتي تأمري . دانتي لو طلبتي كبدتي تشوحيها عالغدا مأخرهاش عنك يا مرات عمي . دا تحت امر الست جنة هانم . يا سلام . عنيا. اوديكم و اجبكوا و افسحكوا كمان لو عايزين “
كانت في تلك اللحظة تتمني أو أنها قذيفة من السماء تسقط على رأس ذلك الثرثار فيصمت للأبد فكلما كان يتحدث كانت نظرات ذلك المجنون تزداد احمرارا و تتقد غضبا و ملامحه تتوحش أكثر حتى ظنت بأنه سوف يبتلعها الآن و لكن أمينه التي شددت علي يدها و هي تتابع النزول قائله بمزاح
” لا يا شيخ ايه الجدعنة والشهامة دي كلها. طب ورينا بقى هتفسحنا فين “
كانت اللحظات الأشد غضبا في حياته . لأول مرة يشعر بأنه يريد تحطيم كل شئ حوله حتى تخور قواه . ما هذا الغضب الهائل الذي اجتاحه كطوفان يود إغراقها به حتى تلفظ أنفاسها الأخيرة. نعم يفضل أن يقتلها في تلك اللحظة حتي تشفي نيران غضبه المتقدة داخل صدره . لأول مرة بحياته يصمته الغضب لم يستطيع فعل شئ سوي العودة بخطوات ملتهبه الى مكتبه و قام بإغلاق الباب خلفه بقوة لا يعرف من أين واتته أخذ ينظر داخل أرجاء الغرفه بجنون يشعر بأن هناك شئ سيخترق رأسه من الأعلى. ستنفجر عيناه من فرط الضغط الماثل فوقهما . هناك لحظة فارقه بينه و بين أن يخر صريعًا جراء غيرة هوجاء قد ينفجر رأسه بسبب عدم احتمالها. و بلمح البرق وجد نفسه يفرغ كل تلك الشحنات المريعة في ذلك المقعد الذي قام بحمله و إلقاءه في آخر الغرفة ليصطدم برف كبير يحمل عدد لا بأس به من الكتب و المجلدات و التي سقطت مرتطمه بالأرض جراء هذا الهجوم الكاسح ليصدر ذلك الارتطام صوت قوي جعل من في الخارج يتنبهون منا جعل أمينة تقول بلهفة
” ايه يا ولاد الصوت دا ؟”
علم مروان ما حدث و قد صدقت تكهناته لذا اقترب من أمينة و أخذ يدها من بين كفوف جنة و قال بمزاح
” متاخديش في بالك دا طور هايج فى عنبر ستة . أنا عايزك تركزِ معايا يا أمونة عشان هعملك حتة بروجرام انما ايه عنب هيفكرك بأيام الشقاوة “
لكزته أمينة بكتفه و هي تقول بتوبيخ
” بس ياد يا أبو لسانين أنت. أنت إيه لسانك دا متبري منك . و بعدين ايه أمونة دي . إسمي الحاجة أمينه لو كان عمك عايش و سمعك بتدلعني كدة . كان شال رقبتك من مكانها .”
مروان بتهكم
” الصلاة عالنبي . انا كدا عرفت الطور طالع لمين .”
اوصلها مروان إلي باب السيارة الخلفي و فتح لها الباب و ساعدها بالصعود بجانب ريتال التي كانت في انتظارهم و ألتفت يوجه أنظاره إلي جنة التي كانت تسير خلفهم فقام بفتح الباب الأمامي لها و هو يقول ساخرًا
” اتفضلي حضرتك شرفي عربيتي المتواضعة .”
اطاعته جنة التي كانت تُعاني من نوبة هلع داخليه حين سمعت صوت التحطيم القادم من غرفته و لم تلحظ تلك النظرات النارية التي تراقبهم من النافذة و التي لو كانت طلقات لأردتها صريعة في الحال .بينما إلتقمها مروان الذي قال بتحسر
” دانا بايني هشوف في البيت دا أيام سودة . يا خسارة شبابك الي هيضيع يا مروان “
****************
خيم الظلام و كانت تجلس بغرفتها تحتضن وسادتها التي كانت رفيقة لياليها الحزينة المُكلله بدموع لا تنضب أبدا . كم شعرت بأنها وحيدة منبوذة محرومه من كل ملذات الحياة التي تحيط بها من كل جانب . شعرت بأن ما مضى من حياتها كان هراء. كانت تظن بأنها تمتلك كل شئ المال و الجمال و الصداقة و الحب! و لكن بلمح البصر انقلب كل شئ فمن ظنته حبيبا هو من أذاقها مرارة الغدر والهجر والاصعب انه تركها لأجل آخرى وهذا جل ما تحتمله انثى بحياتها فالطعنة لم تطال القلب فقط بل اخترقت كبرياءها فأدمته . فبعد ما خسرت لأجله كل شئ تركها لأجل تلك الفتاة الفقيرة التي عاش لها ومات معها والآن هي تحمل طفله و اسمه بينما هي تتجرع مرارة الغدر و الألم معًا. و الأدهي من كل ذلك أنها خسرت صديقها الذي لطالما كان ملجأها الآمن و الذي كانت تتجرد أمامه من كل أقنعتها و تشكوه هجر والديها العزيزين و الذان من أكبر و أهم الأطباء بمصر. يهتمان بمرضاهم أكثر منها . يهتمان بمستقبلهم المهني أكثر منها يتركوها تتجرع ألم الحرمان بينما ينشغلان بمداواة آلام الآخرين .
لازالت تتذكر حديثها البارحة مع والدتها حين كادت أن تتوسل أليها بألا تسافر لذلك المؤتمر اللعين و تبقى معها
” ماما أنا محتجالك اوي . بليز خليكِ معايا. متسافرِش ”
اقتربت منها منال تربت على خديها بلطف و هي تقول
” بطلي دلع يا ساندي انتي مبقتيش صغيرة . و كمان انتي عارفه ان دا مستقبلي. يرضيكِ ابوكي يسبقني . ”
ساندي بإرهاق
” يا ماما انا تعبت من المنافسه الي بينكوا طول الوقت دي . هيجرا ايه لو هو راح المؤتمر و انتي لا .”
منال بحدة
” هيجري كتير يا ساندي . أنا كنت بحفر في الصخر عشان اوصل للمكانة اللي وصلتلها دي . كنت حامل فيكي و بحضر للدكتوراه و كان ربنا يعلم بيا و بتعبي. و هو مكنش بيسأل علي حاجه و لا علي حد و مع ذلك مقدرش يتغلب عليا و دلوقتي بعد ما وصلت لكل دا اسيبه بقي يسبقني و يتفوق عليا. ”
أنهت جملتها و توجهت الي حقيقتها تتابع تحضيرها فتوجهت إليها ساندي تقول بألم و حقد
” طب و أنا. أنا فين من كل دا ؟ مبتفكريش فيا خالص. ”
منال بغضب
” انتي عندك كل حاجه تتمناها اي بنت في سنك و مش محرومة من حاجة . و بعدين دا بدل ما تشجعيني انتي الي جايه تقفي في وشي .مش بعيد يكون هو اللي باعتك عشان تعملي الشويتين دول مانا عرفاه وعارفه حركاته .”
استقرت كلمات والدتها القاسية في منتصف قلبها فمزقته إلي أشلاء. ألم تلحظ كل ذلك الألم في مقلتيها و الذي يلون ملامحها. ألم تلحظ رجفة الخوف في نبرتها . هي حتى لم تلتفت إلي تلك الظلال السوداء التي تحيط بعينيها ولا شحوب لونها الذي أصبح يحاكي الموتى .نحول جسدها الذي كان يضج بالأنوثة سابقا. كل هذه الأشياء الكارثية لم تلحظها لا بقلب الأم و لا بعين الطبيبة الهذه الدرجة هي لا تراها؟!
عند هذه النقطة قررت أن تمحوها من حياتها تماما هي و والدها الذي لا تتذكر متى جمع بينهم آخر عناق. و الآن قررت أن تلجأ لأكثر شخص كان يهون عليها كل هذا العذاب كان نورها في أحلك الأوقات ظلمه و مخدرها في أكثر اللحظات ألمًا.
رفعت هاتفها و بأنامل مرتعشه قامت بالإتصال به و ازدادت ضربات قلبها و تسارعت أنفاسها فمع كل جرس كان يخترق مسامعها كانت عبراتها تزداد هطولا حتى كاد بكائها يتحول لصراخ لم يكن يسمعه و لكن كان يشعر به و ككل مرة يهزم أمام قلبه أمسك الهاتف ليضغط ذر الإجابة فيصل إليه بكائها الحاد فخرجت الكلمات مرتعشة من بين شفتيه
” مالك .في ايه ؟”
ساندي ببكاء مرير
” عُدي !”
كان في نطقها لاسمه إستغاثة استشعرها قلبه الذي صرخ مرتعبا
” فيكي ايه ؟”
لم تكد تجيبه حتى انفتح الباب و دخل منه شخص كان ينتظره و حين سمعت صوته مرحبا به شعرت بإعصار خوف هائل اجتاح سائر جسدها
” ألف سلامه يا عدي ؟”
هكذا تحدث سليم ما أن دخل إلى الغرفة فتسارعت أنفاسه بشدة حين رآه و لكنه تحكم في نبرته إذ قال
” الله يسلمك يا سليم باشا .”
علي الطرف الآخر خرج صوتها مرتعبا و هي تقول
” دا سليم الوزان يا عدي صح ؟”
أجابها بكلمة واحدة قاطعة كنصل سكين حاد نحر قلبها
” صح “
هنا صرخت بقوة وبكل ما تمتلك من طاقة
” أبوس إيدك لا يا عدي لاااااااااااا”
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية في قبضة الأقدار)