رواية في قبضة الأقدار الفصل الرابع 4 بقلم نورهان آل عشري
رواية في قبضة الأقدار الجزء الرابع
رواية في قبضة الأقدار البارت الرابع
رواية في قبضة الأقدار الحلقة الرابعة
الصدمه التي لا تقتلك ستجعلك أقوي بكل تأكيد ! مقوله أشبعتني ضحكًا حد البكاء ! فبساطه كلماتها تتنافي تمامًا مع ذلك الدمار الهائل الذي يتلو صدمتك فيقودك إلى حافه الموت لتتجرع سكراته كامله و حين توشك علي إغماض عينيك طالبًا الراحه يعود بك إلي واقع مرير فتجد نفسك مُجبرًا علي مُجابهته بقوة نابعه من جرح عميق حفرته تلك الصدمه التي بالنهايه لم تقتلك !
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
كانت تناظره بعينان متسعه و قلب ينتفض بين ضلوعها لتسري رجفه قويه في سائر جسدها بينما تاهت الكلمات من علي شفتيها أمام نظراته المسلطه فوقها و التي كانت مختلفه عن نظراته السابقه لها فقد بدت و كأنها قاسيه غاضبه محتقرة !
لم تستطع التفوه بحرف واحد و خاصةً حين وجدته يتقدم إلي الغرفه بينما تراجعت هي للوراء و قد دب الذعر بقلبها حين سمعت لهجته الساخرة التي تُخفي بجوفها غضبًا مريرًا كان جليًا في عيناه
“مش عادتك تسكتي ! القطه كلت لسانك و لا إيه ؟”
حاولت تجاوز صدمتها و أخذت نفسًا قويًا كان معبًأ برائحته الرجوليه التي تغلغلت إلي أنفها و جعلت جميع حواسها تتنبه و لأول مرة تظهر إنفعالاتها بمثل هذا الوضوح أمامه و لكن غضبه كان يطمس كل شعور لديه في تلك اللحظه و قد كان صمتها يزيد من غضبه و لكنها أخيرًا إستطاعت السيطرة علي نفسها و قطع ذلك التواصل البصري بينهم و الذي كان يعج بعتاب مشحون غاضب و خرجت كلماتها بلهجه جافه كجفاف حلقها
” أنت جيت هنا إزاي ؟”
خرجت من بين شفتيه ضحكه خافته قاسيه خاليه من المرح أتبعها بحديثه الذي تتساقط الإتهامات من بين سطوره
” هو دا إلي فارقلك ! جيت هنا إزاي ! ”
كانت نظراته تقتنص ارتباكها الذي ظهر لأول مرة جليًا علي ملامحها فقد كانت في موقف لا تُحسد عليه عالقه في شباك نظراته التي تجعلها تتفوه بالحماقات و تقف سدًا منيعًا بينها و بين التفكير بتعقل بينما هو تابع قائلًا بعنف بكتوم
” مع إن مفروض أنا إلي أسألك بتعملي إيه هنا ؟ ”
أبتلعت غصة مؤلمه و حاولت أن تشحذ بعضًا من قوتها التي تبعثرت بحضوره و قالت بجمود
” مدام عرفت مكاني يبقي عرفت أنا هنا بعمل إيه ؟”
تشكلت غصه في حلقه حين سمع كلماتها التي لم يكن بها أي ذرة تأنيب ضمير أو هكذا ظن لتخرج الكلمات من فمه مُحمله بأكبر قدر من الإحتقار
” جايه تشاركي في قتل روح بريئه ملهاش ذنب في أي حاجه !”
إستقر إتهامه بمنتصف قلبها ليشطره إلي نصفين و قد ظهر ذلك الألم بعيناها التي كانت تخفيها تحت إطار من الزجاج حجب عنه رؤيه عذابها و لكنه تجلي في نبرتها حين قالت بعتاب خفي
” صدقت أو مصدقتش أنا معرفتش أنا هنا ليه غير من خمس دقايق بس . و عمري ما كنت هشارك في ذنب زي دا ”
قاطعها بقوة و نبرة حادة
” و سبتيها تدخل أوضه العمليات ليه ؟”
تهدجت نبرتها و خرج صوتها متحشرجًا حين قالت و هي تُحارب عبراتها
” مكنتش قادرة أستوعب إيه إلي بيحصل . الوقت بين لما عرفت أنها حامل و لما عرفت أنها جايه تنزله ميتعادش عشر ثواني .”
لأول مرة تكن لهجتها ضعيفه بذلك الشكل ! كان هناك صوت بأعماق قلبه يصدقها و لكن غضبه كان يخرس كل شئ حوله و لا يستوعب سوي حقيقه واحده أنه لو لم يتدخل في الوقت المناسب كان سيخسر الشئ الوحيد المتبقي من أخاه المتوفي لذا تجاهل هذا الألم الجلي علي ملامحها و قال بخشونه
” أحمدي ربنا إني أدخلت في الوقت المناسب و إلا ..”
إستيقظت روحها الثائرة بداخلها ما أن سمعت كلماته المهددة فإنتزعت الباقي من إرادتها و قالت بقوة
” متهددنيش ! ”
سالم بلهجة هادئه و لكن قويه توازيها نظرات محذرة
” مبهددش ! أنا بعرفك عشان تفكري ألف مرة قبل ما تعملي حركه غبيه زي دي تاني!”
فرح بتحدي
” لو فاكر إنك كدا بتخوفني تبقي غلطان !”
سالم بهدوء ظاهري و نبرة عميقه بينما عيناه تبحر فوق ملامحها بغموض
” لا مخوفك ! وبلاش تخليني أخوفك أكتر و أستخدم معاكي أسلوب أنا مابحبوش !”
« اللعنه عليك !» كان هذا أول ما تفوهت به بداخلها فذلك الرجل بغيض لدرجه جعلتها لا تستطيع التواجد معه في مكان واحد فالتفت تنوي مغادرة الغرفه و ما أن همت بتجاوزه حتي إمتدت يده تقبض علي معصمها بقوة آلمتها فتوقفت علي الفور و قد شعرت بطبول تدق بين ضلوعها إثر ملامسته لذراعها و علي مهل أدارت رأسها تواجهه لتشتعل حربًا صامته بين أعينهم دامت لثوان قبل أن تقطعه لهجته المحذرة حين قال من بين أسنانه
” لآخر مرة هحذرك ! لما أكون بكلمك أوعي تمشي و تسبيني ! ”
حاولت رد الصاع صاعين و لكن بطريقتها فقالت بإستفزاز
“إيه دا هو انت مكنتش خلصت !”
تحركت تفاحه آدم التي تتوسط عنقه بينما أشتدت قبضته علي ذراعها مما يدل علي محاولته إبتلاع غضبه التي زاد من إشتعاله أستفزازها و قال بصرامه
” كلامنا لسه مخلصش . هروحك أنتي و الغبيه إلي جوا دي و بعدها نتكلم عشان نحط النقط عالحروف ”
كانت هذه أكبر جمله تفوه بها منذ أن عرفته لذا كانت تعلم أن خلف حديثه هذا أشياء لن تعجبها و لكنها آثرت تأجيل كل شئ حتي تطمئن علي شقيقتها فقامت بتوجيه نظراتها إلي قبضته الممسكه بذراعها فخففها تدريجيًا إلى أن تركها فقالت بإختصار
” هروح أطمن علي جنة ”
*************
كانت جنة مستلقيه علي سرير الكشف و الطبيبه تقوم بتمرير جهاز الموجات فوق معدتها و فجأة صدح صوت قوي لنبضات صغيرة جعلت كل خليه في جسدها ترتجف فنظرت إلي الطبيبه التي قالت بوقار
” سامعه صوت قلبه !”
دون حديث إنهمرت الدموع فوق وجنتيها و شعرت بأن قلبها علي وشك الخروج من مكانه من فرط التأثر
كانت تشعر و كأن نبضاته تعاتبها علي جريمتها التي كانت علي وشك إرتكابها في حقه فلم تستطع الإجابه علي سؤال طبيبتها التي قالت بتأثر
” لما جتيلي و قولتيلي إنك عايزة تنزلي البيبي أول حاجه جت في بالي إني أطردك فورًا بعد ما أديكي الدُش المتين. بس لما عيني جت علي إيدك إلي كنتي بتحضني فيها بطنك و كأنك بتحمي إلي جواها من نفسك و خدت بالي من شفايفك إلي بترتعش قولت دي مش منظر واحده عايزة تضحي بضناها أبدًا . قولتلك أتفضلي عشان أكشف عليكي بس وقتها مكنش لسه في نبض عشان كدا أديتك ميعاد النهاردة بحيث تيجي في الوقت إلي يبقي قلب الطفل بدأ ينبض و كنت واثقه أنك بعد ما تسمعي صوت قلبه عمرك ما هتقدري تضحي بيه . أنا معرفش ظروفك إيه بس صدقيني ربنا مأردش أنك تحملي فيه إلا إذا كان له حكمه في دا و زي ما زرعه جواكي أكيد هيلطف بيكي و بيه . أحمدي ربنا علي النعمه دي في آلاف الستات بتجيلي هنا عندها استعداد تدفع عمرها كله قصاد انها تبقي أم . بتتمني بس ضافر طفل . استغفري ربنا علي الجريمه إلي كنتي عايزة تعمليها دي . و أحمدي ربنا الف مرة أنه أنقذك في الوقت المناسب ”
أنهت الطبيبه حديثها تزامنًا مع دخول «فرح » التي نظرت إلي ملامح شقيقتها المنهارة فهرولت تحتضنها فعلى صوت بكائها و هي تقول يإنهيار
” أنا كنت هموت أبني يا فرح . كنت هقتله بإيدي .”
حاولت فرح تهدئتها فأخذت تمرر يدها فوق رأسها المُلقي بين أحضانها وهي تقول بتأثر
” أحمدي ربنا أنك اتلحقتي في الوقت المناسب يا جنة . ”
جنة بإنهيار
” أنا سمعت صوت قلبه يا فرح دا زي ما يكون بيعاتبني و بيقولي إزاي جالك قلب تفكري تعملي فيا كدا ..”
هطلت العبرت من مقلتيها تأثرًا بحديث شقيقتها فشددت من إحتضانها و قالت بخفوت
” أهدي يا جنة عشان خاطره هو . أنفعالك دا غلط عليه ..”
هدأت حدة بكائها قليلًا و لكن أستمر خيط الدموع بالنزول في صمت و أخذ لسانها يردد عبارات الحمد بينما « فرح» رفعت رأسها للطبيبه و ناظرتها بإمتنان قابلته هي بابتسامه هادئه و ناولتها ورقه بها بعض الادويه و العقاقير بعد أن أعطتها التعليمات اللازمه للحفاظ علي الجنين ..
كانت تحتضن شقيقتها متوجهه إلي الخارج تنوي العودة إلي المنزل لتجده ييقف بسيارته أمام البنايه فخرجت منها زفرة تعبه فهناك مواجهه وشيكه ستحدث بينهم و لكنها كانت تفضل أن تحدث في غياب «جنة» التي إرتجفت حين رأته فمالت عليها « فرح» قائله بطمأنه
” متخافيش أنا جمبك ”
لم تُمانع حين رأته يقوم بفتح الباب الخلفي لشقيقتها التي أطاعته بصمت هي الآخري بينما أرسلت لها «فرح » إبتسامه مطمئنه قبل أن تقوم بالتوجه الي الكرسي الأمامي بجانبه و أنطلق بالسيارة متوجهًا إلي منزلهما الذي و لدهشتها وجدت أنه يعرفه فقد وصل إليه في وقت قياسي فإلتفتت تلقي عليه نظرة غاضبه قبل أن تترجل من السيارة لتقوم بمساعدة شقيقتها في الدخول إلي المنزل و لكنها توقفت تلتفت إليه قائله بلهجه باردة
” أتفضل نتكلم جوا ”
أومأ برأسه و تبعها فقامت بفتح باب الشقه و الدلوف إلي الداخل و بجانبها «جنة» المتشبسه بيدها و كأنها طوق نجاتها و قد كانت كذلك بالفعل فقد أقسمت بداخلها بأن تحميها هي و طفلها مهما كان الثمن .
” أظن مش محتاج أنبه عليكي تخلي بالك من نفسك و من إلي في بطنك ”
توقفت الفتاتان في منتصف الطريق المؤدي لغرفه «جنه» و التي كانت أمام صاله الاستقبال المتوسطه المساحه حين سمعوا جملته التي كانت تخفي تهديدًا واضحًا تجلي في لهجته الصارمه فإلتفتت إليه فرح تلقي عليه نظرة حانقه و قبل أن تجيب خرج صوت شقيقتها خافت مرتعش
” عمري ما هفكر أأذيه أبدًا ”
كانت نبرتها مرتعشه و لكنها صادقه و قد لمس هذا الصدق بها لذا لم يتابع بل جلس علي إحدي المقاعد خلفه بأريحية جعلت الغضب يتمكن منها من ذلك المتعجرف الذي إعتاد إلقاء الأوامر ثم يجلس بهدوء و كأنه في بيته «تبًا له »
كان يناظر غضبها بنظرات متسليه فتحديها له يروقه و إنتصاره الدائم عليها له مذاق لذيذ لا يعرف كنهه فتلك المرأة تثير فضوله بشكل غير مسبوق . خوفها الذي تخفيه خلف قناع من القوة الواهيه يجعله يريد الفتك به بلحظه و باللحظه الآخري يشعر بالألم حين يري ضعفها. بيد يريد تحطيم رأسها اليابس و الذي يهوي القتال أمامه و باليد الآخري يريد أن يطيب جراحها و يبثها أمان يعلم أنها تحتاجه .
لم يكن يهتم بالنساء كثيرًا و قد كان هذا يثير فضول من حوله . لم تجذبه إمرأه منذ سنوات طويله و لكن تلك المرأة منذ أول لقاء لهم شعر بشئ مميز بها . فبالرغم من جرأتها و مناطحتها له إلا أنها من كلمات بسيطه تتحول إلي فتاه خجوله مراهقه .
مزيج غريب أثار فضوله يعلم أن خلف قناع المعلمه الجادة الذي ترتديه توجد أنثي مختلفه كثيرًا . و بداخله رغبه كبيرة في التعرف إليها ..
أخيرًا أطلت عليه بعد أن أطمأنت أن شقيقتها آمنه في غرفتها و قد أخذت كل أدويتها التي توقف بمنتصف طريقهما ليحضرها رافضًا أن تقوم هي بجلبها و كأنه يريد أن يخبرها بأنه سيتابع كل شئ بنفسه بعد الآن .
أخذت نفسًا عميقا قبل أن تتوجه إلي حيث ينتظرها فقد جاءت لحظة المواجهه التي لا تعلم لما كانت خائفه منها بهذا الشكل .
قبل أن تخرج حانت منها إلتفاته بسيطه لمظهرها فقد بدت ملامحها هادئه عاديه وجه طبيعي باللون الخمري الذي يتسم بحمرة طبيعيه علي الوجنتين و شفاه ممتلئة امتلاءًا طبيعيًا ذا لون وردي هادئ و نظارات طبيه تخفي غابتها الزيتونيه و التي هما أكثر شئ مميز بها و كالعادة كانت تعقص شعرها علي هيئه كعكه تهدئ من جنونه و تطيح بجماله المتمرد و لكن كان هذا الشكل هو ما تحتاج أن تظهر عليه . فهو يعطيها وقارًا تستمد منه قوتها التي تحتاجها في مواجهه الحياة .
توقفت أمامه تناظره بهدوء تجلي في نبرتها حين قالت
” تشرب إيه ؟”
سالم بهدوء يماثل هدوئها
” و لا حاجه . خلينا ندخل في الموضوع علي طول ”
أبتلعت ريقها بتوتر حاولت إخفاؤه و تقدمت لتجلس أمامه علي الأريكه ذات الألوان البيضاء المريحه للعين و من ثم رفعت انظارها إليه و هي تقول بهدوء
” موافقه . بس الأول في كام سؤال محتاجه أعرف إجابتهم منك ”
رفع إحدي حاجبيه مستفهمًا فتابعت قائله بوضوح
” عرفت موضوع حمل جنة إزاي ؟ و عرفت مكاننا إزاي ؟ ياريت كل شئ يبقي واضح بينا معدش فيه مجال نكذب و لا نخبي كل حاجه إنكشفت خلاص ”
ناظرها طويلًا قبل أن يقول بنبرة ذات مغزي و عيناه تقتنص وقع الحديث علي ملامحها
” عرفت بالحمل تاني يوم الحادثه !”
تفاجئت من حديثه و قالت بصدمه
” نعم ! هو كان في حمل اصلًا وقتها ؟”
لاحت إبتسامه ساخرة علي جانب شفتيه قبل أن يقول بتقريع خفي
” أومال الحمل حصل بعدها !”
جفلت من حديثه الساخر و تابعت بغضب مكتوم
” أقصد أن مكنش في أي أعراض. الدكتورة قالتلنا النهاردة أنها في نص الشهر التالت . يعني لو حسبنا من تاني يوم الحادثه زي ما بتقول يبقي كان لسه في أوله و لا يمكن يكون ظهر في الكشف ”
سالم بإختصار
” بس بيظهر في الدم !”
فرح بإستفهام
” و مين طلب تحليل دم ؟ جنة مكنتش محتاجه نقل دم يوم الحادثه مجرد كسر في ايديها و كدمات في جسمها ”
سالم بهدوء
” أنا طلبت !”
فرح بقوة
” و ليه طلبت ؟”
أجابها بلهجه صارمه
” من غير ليه ؟”
كان تحادثه الند بالند و علي الرغم من هدوء النبرات كانت هناك حربًا مشتعله بين نظراتهم و لم تستطع نظاراتها إخفاء تحديها الصريح له و كأنها تريد أن تصل إلي نقطه ما و هذا ما جعلها تقول بقوة
” طلبت تحليل دم ليه ؟ كنت عايز تتأكد من إيه ؟ متقوليش أنك كنت شاكك أنها حامل ؟”
رفع إحدي حاجبيه و هو يناظرها بينما عيناه تجوبان ملامحها التي بدت واثقه من شئ ما و هذا ما جعله يقول يإختصار
” هاتي إلي عندك .”
شعرت بأنها في مركز قوة و علي وشك تحقيق انتصارًا عظيمًا عليه لذا قالت بتروي و كأنها تدخل كلماتها بعقله
“يمكن لما الدكتور قالك أن حازم الله يرحمه كان شارب مخدرات كنت عايز تشوف هي كمان كانت شاربه زيه و لا لا ؟ ”
صدمه معرفتها بالأمر و لكنه كالعادة لم يظهر شئ بل ظلت ملامحه علي حالها حتي أن نبرته خرجت عاديه كما لو أنه لم يتأثر بكل يقال حوله
” حلو طلعتي متابعه و عارفه كل حاجه .”
لو يعلم أنها علمت صدفه عند سماعها حديث الممرضات عن أضرار المخدرات و أنها السبب في ضياع شاب في ريعان شبابه و لكنها إغتاظت من رده كثيرًا و قد ظهر ذلك علي ملامحها و مع ذلك قالت بهدوء
” أكيد لازم أتابع و أعرف كل حاجه و خصوصًا بعد ما أخوك جه و هدد جنه بسبب إلي عملته في أخوه و الحقيقه أن كل إلي حصله و حصلها كان بسببه إدمانه و تهوره ”
سالم بلهجة جافه خشنه
” عايزة توصلي لأيه ؟”
فرح بقوة
” إننا لينا حق عندكوا و أظن أنت فاكر وعدك كويس أوي ”
كانت تظن بأنها حاصرته و لكنها لم تحسب حساب أبدًا لحديثه الذي جعل الدماء تتجمد بعروقها و خاصةً لهجته القاسيه
” فاكر . بس المفروض قبلها نتأكد إذا كان ليكي حق فعلًا ! ”
لا تعلم لما شعرت بالخوف من تلك النظرات ناهيك عن لهجته التي كانت توحي بأن هناك الكثير لم يخبرها به و لذلك تأهبت جميع حواسها حين قالت بترقب
” تقصد إيه ؟”
كانت الكلمات تخرج من بين شفتيه و كأنها سهام يقصد أن يجعلها تخترق مسامعها
” قبل ما تتكلمي عن إدمان حازم دوري علي إلي وصله لكدا ؟”
فرح بتوجس
” معناه إيه كلامك دا؟”
سالم بإختصار و عيناه علي باب غرفة شقيقتها
” أساليها .”
حاولت الحفاظ علي هدوئها و قالت بإستنكار
” و جنة إيه علاقتها بالموضوع دا ؟”
سالم بإختصار و بعينان لا تحيد عنها
” هعرف ! و لحد ما أعرف إيه مدي علاقتها بالموضوع هنأجل موضوع حقي و حقك دا .. خلينا دلوقتي في المهم ”
شعرت بأن هناك شئ آخر خلف رغبته في الحديث معها لذا قالت بإستفهام
” و هو في أهم من الموضوع دا ؟”
سالم بإختصار
“طبعًا في . ”
” إلي هو إيه ؟”
” إبن أخويا إلي كنتوا هتقتلوه النهاردة!”
كانت كلماته قويه توازي قوة عيناه التي توحي بأن هذا الأمر لن يمُر مرور الكرام و بالرغم من غضبها من كلماته إلا أنها أعطته الحق في غضبه لذا قالت بنبرة هادئه نسبيًا
” مكنتش هسمح بدا يحصل أبدًا . و انت شفت بعنيك إني كنت بفتح الباب و رايحه أمنع جنة تعمل كدا لولا إني لقيتك قدامي ”
سالم بإختصار
” أفرض حاولت تعمل دا من ورايا أنا و أنتي ؟”
فرح بنفي قاطع
” لا طبعًا عمرها ما تعمل كدا أنت شوفت حالتها كانت عامله أزاي و أزاي كانت حاسه بالندم أنها فكرت في كدا ”
أطلق تنهيدة خشنه غاضبه قبل أن يقول بلهجة جافه
” لو هحكم بإلي شفته فأختك غير مسؤوله بالمرة ”
فرح بإندفاع
” أنت إنسان غير مُنصف ”
سالم بقسوة
” أنا إنسان عملي بحكم عالناس من خلال تصرفاتهم . و تصرفاتها لحد دلوقتي كلها غير مسؤوله ”
لا تعلم ماذا دهاها في تلك اللحظه فجل ما تريده هو الدفاع عن شقيقتها فخرج الكلام منها عبثًا حين قالت
” علي فكرة جنة و حازم كانوا متجوزين عرفي!”
ما أن اختتمت جملتها و رأت تلك الإبتسامه البغيضه علي ملامحه حتي لعنت غبائها و خاصةً عندما قال بتهكم
” و دا في رأيك تصرف مسؤول ”
كان مهيمنًا علي الوضع بطريقه أغاظتها و أخرستها كلماته. تعلم بأن شقيقتها أخطأت كثيرًا و لكنها لا تستطيع أن تقف مكتوفه الأيدي أمام إتهاماته لها فخرج الكلام من بين شفتيها في محاوله أخيرة لنفي تلك التهم البغيضه التي تتجلى بوضوح في عيناه
” الغلط مكنش غلطها لوحدها . و أعتقد أني جيت و نبهتك قبل كدا ”
كانت ملامحها تضج بالألم و الغضب معًا و قد شعر بوخزة ألم علي حالتها تلك لذا قال بلهجه باردة تمامًا كما أراد
” أنا مش هنا عشان أشوف مين فيهم غلط أكتر من التاني . أنا هنا عشان أمنع غلط أكبر ”
فرح بعدم فهم
” تقصد إيه ؟”
” جنة هتيجي تعيش معانا لحد ما تولد !”
ألقي بقنبلته بينما أخذت عيناه وضع المراقبه لكل همسه تصدر منها و لكنها بقت جامدة للحظه قبل أن تخرج منها ضحكه قصيرة خاليه من المرح و كأنه القي نكته سخيفه كسخافه ذلك الوضع الذي هي فيه
” أنت أكيد بتهزر صح !”
أجابها بجفاء
” إنتي شايفه إيه ؟”
فرح و قد علت نبرتها دونًا عنها
” أنا هعمل نفسي لا شايفه و لا سامعه . ”
سالم بفظاظه
” تبقي بتدفني راسك في الرمل زي النعام ! ”
هبت من مكانها و قالت بانفعال
” أنت مستوعب كلامك ؟”
سالم بهدوء مستفز
” طبعًا ! الدور عليكي أنتي تستوعبيه عشان مش هيحصل غيره ”
فرح بتهكم
” و ياتري عايزها تروح تعيش معاك علي أي أساس ؟”
سالم مصححًا
” قولت هتعيش معانا مش معايا . و هنا أقصد عيلتنا والدتي و أخواتي ”
فرح ساخرة
” بصفتها إيه ؟”
كانت السخريه تغلف ملامحها و نبرتها و قد أغضبه هذا و لكنه كان يفهم ذلك الصراع بداخلها لذا قال مشددًا علي كلماته
” بصفتها أرملة حازم الله يرحمه و أم إبنه أو بنته إلي جاي ”
لم تنكر إرتياحها لتلك الصفات التي نسبها لشقيقتها و نبرته التي أكدت علي حديثه و لكنها لن تتنازل أبدًا عن حقها في الدفاع عنها فقالت بهدوء
” طب تمام حلو أوي دا. تقدر تعتبرها أرمله أخوك و أم إبنه أو بنته وهي في بيتها عشان جنه مش هتخرج من البيت دا و لو علي جثتي ”
نهض سالم بتكاسل من مقعده و قام بإغلاق أذرار بذلته و هو يقول بخفوت صارم و عيناه تؤكد علي حديثه
” لا هتيجي معايا و برضاكي كمان . ”
شعرت بالسخافه من نبرته الواثقه و كلماته الهادئه فقالت بتعجب
” ممكن اعرف إيه مصدر ثقتك دي . يعني حقيقي الموضوع مثير للإهتمام . بقولك مش هتخرج غير علي جثتي بتقولي لا هتخرج و برضاكي . إزاي بقي معلش !”
واصل حديثه خانقًا ضحكه بسيطه كانت تهدد بالخروج علي مظهرها الذي يبدو أقرب للجنون و أيضًا غضبها الذي تحاول كتمه بصعوبه فقد كانت هناك لذه خفيه في كل إنتصار يحققه عليها لا يعلم مصدر تلك اللذة و لا متي بدأ يعتبر نجاحه في إربكاها يعد إنتصار ؟ كل ما يعرفه أن هناك شئ ما بأعماقه يجبره علي تحديها و الإستمتاع بكل إنفعالاتها. خرج صوته هادئًا خشنًا يناقض كل أفكاره
” إيه رأيك تسأليها رأيها في كلامي ؟ و بعدين نشوف !”
خرجت منها ضحكه ساخرة خاليه من المرح و جاء صوتها مدهوشًا من حديثه
” دا بجد ! أنت عايزني أخد رأي جنة في الهبل دا ؟ طبعًا من رابع المستحيلات أنها توافق علي حاجه زي كدا !”
” بس أنا موافقه يا فرح !”
جفلت فرح من ذلك الصوت القادم من الخلف و شعرت بطلق ناري يستقر في منتصف ظهرها حين أستمعت لصوت شقيقها القادمه من وراءها فتسمرت في مكانها تنازع في محاولة لأسترداد أنفاسها الهاربه قبل أن تلتفت ببطئ لتلتقي عيناها مع شقيقتها التي كان الحزن و الألم مرتسمان علي ملامحها وهي تري وقع قنبلتها علي وجه «فرح» الذي كان يُحاكي شحوب الاموات في تلك اللحظه و صوتها المبحوح الذي ردد اسمها بعدم تصديق
” جنة ”
أقتربت منها «جنة » و علي وجهها جميع عبارات الأسي و عيناها ترسل ألف إعتذار و إعتذار لتلك التي كانت علي وشك الإغماء فأمتدت يد جنة تمسك بكفوف شقيقتها المرتعشه و هي تقول بنبرة قويه يشوبها بعض البكاء
” كفايه عليكي أوي كدا يا فرح !”
خرجت الكلمات من فمها مرتعشه تمامًا كحال قلبها
” كفايه إيه يا جنه ؟”
جنه بإنفعال وهي تشدد علي كل حرف تتفوه به
” كفايه بهدله فيكي لحد كدا . طول عمرك شايله حملنا علي كتافك . من أول تعب ماما وموتها و أنتي شايلانا كلنا حتي بابا إلي كان مفروض يعوضنا غياب ماما كان بيتسند عليكي . كنتي انتي إلي شيلاه مش العكس . بسببنا أتخليتي عن حلمك أنك تبقي دكتورة و سبتي كليه الطب عشان تقدري تتحملي مسئوليتنا و البيت دا يفضل مفتوح. و حتي بعد بابا ما مات محسستينيش يوم واحد إني يتيمه . فضلتي جمبي و في ضهري و عمرك ما حرمتيني من حاجه . كفايه أنك أتخليتي عن حب حياتك عشان تفضلي جمبي و متسبنيش. عشان كدا بقولك كفايه . لازم أتحمل نتيجه أخطائي . جه الوقت إلي تعيشي في حياتك و كفايه تتحملي كل حاجه لوحدك إرتاحي مرة واحده بقي ”
كانت كلمات جنة تتردد علي مسامعها و ذكريات حياتها كله يعاد أمام عيناها كالشريط فأفصحت مقلتيها عن دمعه خائنه إثر جملتها الأخيرة فعن أي راحه تتحدث ! هل فعلا قُدرت لها الراحه ؟ تجاهلت كل هذا الألم الهائل الذي عصف بها و قالت بلهجه حاولت أن تكون ثابته
” بس أنا مشتكتلكيش ؟”
جنة بلهفه
” و لا هتشتكي يا فرح ! عارفه ليه ؟ عشان أنتي أحسن حد في الدنيا . هتفضلي تتحملي لحد ما تقعي و لا أنك تحسسيني بأي حاجه بس أنا مش هتحمل تقعي يا فرح . أنتي بالذات خسارتك غير أي خسارة في الدنيا. خسارة مش هقدر عليها أبدًا ..”
لم تستطع الحديث إذ تفاجأت بجنه التي إلتفتت إلي سالم الذي كان جامدًا كتمثال صلب يستمع إلي ذلك الحديث الشائك عن معاناتها و كم تحملت لأجل عائلتها و هنا تغيرت كل نظرته إليها و تبدلت معالم شعوره نحوها و قد صدق ظنه بشأنها فهي كما وصفها منذ أول لقاء لهم أنثي إستثنائيه . و لكن عقله توقف أمام جمله ( أتخليتي عن حب حياتك ) خربش الفضول جدران قلبه بصورة قاتله لمعرفة ماذا تقصد و أي شكل أتخذ هذا الحب ؟
أخرجه من شروده و تساؤلاته كلمات جنة الذي يسكنها حزناً عميقًا
” أنا موافقه يا سالم بيه آجي معاك ”
لم تتحرك من مكانها و لم يرتفع رأسها و قد كان مظهرها يغضبه أو ربما يؤلمه لذا أعاد انظاره إلي «جنة» قائلًا بخشونة
” أتفقنا . العقد بتاع الجواز العرفي معاكي ؟”
أومأت برأسها بصمت فقد كان الخزي يتوج ملامحها في تلك للحظه فجاء طلبه لينقذها إذ قال بفظاظه
” عايز اشوفه ”
للمرة الثانيه أومأت برأسها و توجهت للداخل كي تحضره بينما كانت «فرح» ما تزال بمكانها لا تستطيع أن تواجهه فقد خسرت كل شئ أمامه تجردت من كل شئ تحت أنظاره
فتولد عندها شعور مفاجئ بحاجتها للإختفاء !
تود في تلك اللحظه أن تكون شئ غير مرئي مجرد سراب فلم تعد لديها طاقه للجدال أو النقاش أو أي شئ.
فالحياة تستمر بمعانداتها و إعطاؤها صفعه تلو الآخري حتي فقدت قدرتها علي التحمل لذا حاولت الإنسحاب خلف «جنة» هربًا من نظرات شامته لابد و أن ترتسم بعيناه في تلك اللحظه و لكنها لم تقدر علي تحملها . و ما أن تحركت تنوي الهروب حتي وجدت يد فولاذية تمسك برسغها تمنعها من الحركه تلاها صوتًا هادئًا يناديها
” فرح !”
حاولت أن تشحذ بعض قواها الخائرة و ألا تجعله يراها مهزومه بتلك الطريقه فلتواجه للنهايه و لتكن دائمًا مرفوعه الرأس .
أخيرًا رفعت رأسها تناظره فصدمها ذلك الدفء الغريب منبعثًا من عيناه التي بدت و كأنها تؤازرها في مصابها حتي أن ملامحه كانت هادئه خاليه تمامًا من أي سخريه أو شماته كما توقعت و لكنها تجاهلت كل شي و قالت بنبرة جافه
” نعم !”
خرجت نبرة صوته لينه بعض الشيء ففاجأته بقدر ما فاجأتها
” جنة عندها حق . أوعي تزعلي منها ”
لاحت إبتسامه ساخرة علي ملامحها تتنافى مع لهجتها المريرة حين قالت
” بتدافع عن جنة قدامي ! دا يوم المعجزات بقي !”
أستعاد سالم ملامحه الجامدة و قست لهجته قليلًا حين قال
” مبدافعش عنها بشخصها . لكن كلامها صح . الموضوع المرادي أكبر منك .”
فرح بمرارة
” بجد ! عمومًا مش زعلانه عشان عارفه أنها هترجعلي في النهاية بعد ما تاخدوا إلي أنتوا عايزينه منها ”
قطب جبينه و إزداد عبوس ملامحه قائلًا بعدم فهم
” يعني إيه ناخد إلي إحنا عايزينه منها !”
فرح بقسوة
” إبن أخوك ! مش دا إلي جابك ورانا لحد الدكتوره و طبعًا أكيد كنت مراقبنا قبلها عشان كدا عارف مكان بيتنا كويس ! طبعًا أخوك الله يرحمه طلعله طفل من تحت الأرض و أنا عذراك دا حقك إنك تتمسك بيه . لكن مصير جنة إيه بعد كدا ؟ أقولك أنا هترجع تاني مكان ما جت و تقضي بقيت حياتها تتعذب علي ضناها إلي أنتوا هتاخدوه منها ”
ضاقت عيناه و إسودت ملامحه من حديثها الذي صدمه كثيرًا فقال بإستنكار غاضب
” أنتي إزاي متخيلانا بالبشاعه دي ؟”
فرح بغضب
” لا دانا متخيلاكوا أكتر من كدا ”
سالم بحدة
” ليه ؟ إيه السبب ؟”
صرخت بقهر
” عشان مشفتش منكوا غير كدا .. أخوك من أول ما دخل حياتنا بوظها و دمر أختي و حول حياتنا لجحيم و أخوك التاني فجأة لقيناه داخل علينا عمال يهدد و يقل أدبه و بمنتهي البجاحه بيقول هعلمكوا الادب . مشوفتش منكوا حاجه واحده بس كويسه تخليني أآمن علي أختي معاكوا ”
” طب ما تجربي أنك تقربي أكتر يمكن تغيري رأيك ! ”
لا يعلم كيف غافلته الكلمات لأول مرة بحياته و خرجت مندفعه من بين شفتيه فصدمته بقدر ما صدمتها !
في البدايه ظنت أنها تتوهم و لكن لا . فقد أخترقت كلماته سمعها حتي أن قلبها إرتجف رغمًا عنها. تري ماذا يقصد بتلك الجمله ؟ هل يشير إلي نفسه فهي ذكرت شقيقيه بينما لم تأتي علي ذكره !
” مفهمتش ! تقصد إيه ؟”
هكذا تحدثت بخفوت
” أقصد إن كلامي مكنش علي جنة بس ؟ ”
هكذا أجاب بعدما أستعاد ملامحه الصارمه و لهجته الخشنه و تجاوز عن ذلته محاولًا إنقاذ هفوته التي لا يعلم كيف حدثت ؟
لم تفهم ما يقصد و كان عقلها توقف عن العمل فسألته بخفوت
” تقصد إيه ؟”
وصل إلي نقطه معينه من الحديث كان يريدها في أعماقه و الآن قد حان وقتها لذا قال بتمهل
” قصدي إنك تيجي معاها ”
برقت عيناها من حديثه و لوهله شعرت بالصدمه تجتاح كيانها فعجزت عن الرد لثوان في حين أن عيناه كانت تبحر فوق معالمها المصدومه و شفاهها المرتعشه فأستغل فرصة تبعثرها بهذا الشكل و قال بعتاب ماكر
” أكيد مش هتسيبي أختك و هي في الظروف دي وسط ناس متعرفهاش ! ”
نجحت كلمات في زرع الأشواك بصدرها و قد تجلي ذلك علي ملامحها فتابع ليصُب النار علي البنزين
” مهما كانوا الناس كويسين و هيعاملوها حلو أكيد هتكون محتجالك . بالرغم أنها عمرها ما هتقدر تطلب منك دا !”
كان محقًا و مقنعًا للحد الذي جعلها لا تستطيع أخذ أنفاسها و هي تتخيل شقيقتها تُعاني وسط هؤلاء البشر و لا تجد أحد يدافع عنها أو تبكي علي صدره !
إنقبضت ملامحها حين مر ببالها هذا الخاطر و آلمها قلبها كثيراً و قد شعر هو بذلك و لام نفسه بشدة علي إضفاء المزيد من الوقود إلي خزان أحزانها و لكنه عزم علي شئ و لن يتراجع عنه أبدًا .
” أنت طلعتلي منين ؟”
كأن سؤالها غريبًا وقحًا و غير متوقع و المثير للدهشة أنه أثار بداخله رغبه قويه في الضحك و لكنه حافظ علي رزانته و تعقله قائلًا ببساطه
” قدرك !”
” الأسود ! قصدك قدري الأسود ”
زادت رغبته في الضحك حين سمع إجابتها و لهجتها التي تعج بغضب مكتوم و لكنه مارس قوه كبيرة كي لا ينفجر أمامها ضاحكًا و أكتفي بأن يقول مؤنبًا
” أستغفري ربنا . عيب واحدة مؤمنه زيك تقول كدا !”
خرجت الكلمات من بين أسنانها مع زفير قوي حملته كل ما بداخلها من غضب من هذا البغيض ! أجل هذا هو الوصف الملائم له
” أستغفر الله العظيم.. ”
خرجت جنة تحمل الورقه بين يدها و سلمتها إليه بينما فرح توجهت كالأعصار إلي الداخل و ما كادت تدلف إلي غرفتها حتي تجمدت في مكانها حين سمعت صوته الخشن و هو يقول بنبرة عاليه قاصدًا أن تصل إليها
” بعد بكرة العربيه هتيجي تاخدكوا و تطلع بيكوا عالمزرعه بتاعتنا في إسماعيليه. جهزوا نفسكوا ”
قطبت جنة حاجبيها قبل أن تقول بإستفهام
” نجهز نفسنا ! هو حضرتك تقصد مين ؟”
أجابها و عينيه مثبته علي تلك التي عادت أدراجها للخارج تحذره من فعلته النكراء التي ينوي عليها فوجدت نظراته المتحديه و نبرته الصارمه حين قال
” أنتي و فرح ! ماهي مش هتقدر تسيبك لوحدك في الظروف دي ”
تبدلت ملامحها علي الفور لفرحه لا تستطيع وصفها و قالت بزهول
” أنت بتتكلم بجد ؟”
لم يقطع تواصلهما البصري بل قال بتسليه و عيناه تتحداها أن تستطيع الرفض
” أهي عندك أسأليها!”
ألتفت جنة للوراء فوجدت فرح تقف خلفها و عيناها يتقاذف منها الجمر و لكن من فرحتها لم تلاحظ شئ فاندفعت تجاهها تحتضنها وهي تقول بتوسل خفي
” صحيح الكلام دا يا فرح ؟ أنتي موافقه تيجي معايا ؟”
أرسلت عيناه إليها جمله صريحه لم تخطئ أبدًا في فهمها
” هل يمكنكِ الرفض ؟”
أشتدت يدها حول شقيقتها بينما أبتلعت غصة غاضبه شكلت ألمًا هائلًا في منتصف حلقها قبل أن تقول من بين أنفاسها
” موافقه !!”
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية في قبضة الأقدار)