رواية في قبضة الأقدار الفصل الرابع والخمسون 54 بقلم نورهان آل عشري
رواية في قبضة الأقدار الجزء الرابع والخمسون
رواية في قبضة الأقدار البارت الرابع والخمسون
رواية في قبضة الأقدار الحلقة الرابعة والخمسون
بسم الله الرحمن الرحيم
الأنشودة الرابعة 💗🎼
علينا أن ندرك جيدًا بأن هُناك لحظات فاصلة في حياتنا لا يعود بعدها كل شئ كما كان . لحظات أحيانًا من فرط مرارتها تشعر أنها النهاية ولكنها لم تكن سوي البداية . او لنقل أنها ولادة روح جديدة بداخلك خُلِقت من رحِم المعاناة و قساوة الخذلان الذي حتي و أن استطعت تجاوزه ستظل مرارته عالقة بجوفك لتذكرك بأن لا تغفر أبدًا ..
نورهان العشري ✍️
(كواسر أخضعها العشق ❤️🔥)
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
“هسيبك دلوقتي ترتاحي وبكرة أن شاء الله هاجي اطمن عليكِ..”
هكذا تحدث فقابلت كلماته ببسمة واهنة وحين كاد أن يفتح باب الغرفة لم تتمالك نفسها وهي تصيح قائلة
” الفويس اللي سمعته لفرح يوم فرحكوا كان بصوت حازم ..”
هل يمكن لعدة حروف بسيطة أن تصبح طلقات نارية قادرة علي إنتزاع روح إنسان ؟
تجمد بمكانه لثوان يحاول التقاط أنفاسه الهاربة قبل أن تأتيه كلماتها المحملة برذاذ الاعتذار
” أنا اسفة يا سالم . مبقتش قادرة اتحمل كل اللي شيلاه في قلبي . لو اتكتبلي عمر جديد هيبقي بقلب نضيف مش شايل اي مرارة جواه..”
كان الصمت طابعه المميز الذي يكمن بين طياته شموخ و كبرياء ولكن الآن كان صمته خزي و خذلان
ااخيرًا اتخذت قرار إخلاء سبيل كل تلك الأسرار المخبئة كالعلقم في جوفها
” حازم كمان اللي ولع في المزرعة يوم فرحكوا. عشان مكنش عايز سليم يقرب من جنة .. وهو اللي خلاني اقنع ماما تحط لجنة الحبوب في العصير عشان تسقطها. مكنش عايزها تخلف ولد يورث فلوسه . وهو اللي خد فلوس الصفقة الألمانية. لما جنة ولدت فكر انه ياخد اي حاجه من ورثه .. ”
تناثرت أشواك الحقيقة بقلبه مما جعله يُغمِض عينيه و داخله يبتهل لخالقه أن يستيقظ من ذلك الكابوس قبل أن يقضي عليه . ولكنه لم يكن كابوسًا بل واقع مرير دهس علي ثباته و قوة تحمله حتي كاد أن يسقط في تلك اللحظة من فرط ذلك الثقل الذي لم تعد قواه تكفي لتحمله
اشفقت علي ألمه ولكن لم يكن هناك وقت للتراجع لذا أكملت تجلده بسوط تلك الحقائق المريعة
” هو اللي خطف محمود عشان يساوم جنة أنها تسيب سليم . وهو اللي هدد لبني و أهلها انها تغير أقوالها و تتهم عُدي لما عرف أنه اتجوز ساندي ..”
صمتت لثوان قبل أن تضيف بلهجة تتضور وجعًا
” حازم زي بابا بالظبط . نفس الأنانية . نفس الطباع السيئة. معندوش مشكله أنه يأذي اي حد المهم ياخد اللي هو عايزه .”
تعاظم الوجع حتي استدل ستاره علي ملامح وجهه و طمس بريق عينيه و لهجته التي جاءت متحشرجة و كأنه كان يحاول انتزاع الحروف لتخرج من بين شفتيه
” هو اللي حاول يقتل لبني ؟”
التقمت عينيها ذلك التوسل الخفي بعينيه لإجابة قد تخفف من وطأة ألمه ولو قليلًا فلم تبخل عليه بها
” لا . بابا اللي عمل كدا . بس بطلب منه . اصلا سبب هروب حازم كان لبني دي . حكاية لبني دي بابا اللي ملفقها زي بردو ما جرى حازم عشان يشرب مخدرات . ”
سالم بجفاء اطل من عينيه اولًا
” عايز اعرف كل حاجه من البداية ..”
اومأت برأسها قبل أن تسهب في سرد ما حدث
” بابا سلط واحد ديلر علي حازم و أصحابه عشان يجرهم للمخدرات و بعد كدا بدأ يجيب رجل حازم عنده في المنطقة الشعبية دي عشان يلبسه تهمه يكسر عينكوا بيها. و لما بدأ حازم يتردد علي الولد دا في منطقته شاف لبني دي و حاول تقرب منها رفضته . فبدأ يتعلق بيها و يروح للولد دا كتير و هو لاحظ نظرات حازم ليها.”
صمتت لثوان تسترد أنفاسها محاوله تجاهل ذلك الألم الدامي في كتفها ثم استطردت بتعب
” و من هنا بدؤا يرتبوا لكل حاجه . و يوم الحادثة شربوا حازم مخدرات و خمرا و منشطات . و خطفوا البنت و قفلوا عليها هي وحازم في شقة عشان يعمل عملته . و طبعا حازم لما فاق لقي البنت غرقانه في دمها و انهار و فكرها ماتت و هما أكدوا عليه الاعتقاد دا . و الولد الديلر دا قاله أنه عنده حد يسفره بره و طبعا حازم مكنش في عقل يفكر كل اللي كان في دماغه أنه مرعوب منكوا لتعرفوا بعملته و مرعوب لا يتقبض عليه بتهمه الاغتصاب و القتل . فوافق.”
خرجت كلماته قاسية كملامحه في تلك اللحظة
” و طبعا البيه كان مجهزله ورق سفره حتي قبل ما يحصل اللي حصل ..”
اومأت بصمت فقد تشعب الخوف الي داخلها من نظراته و ملامحه التي كانت مرعبة و كذلك جاءت لهجته حين أمرها قائلًا
” كملي ..”
” بابا مكنش عايز انتقام عادي . كان عايز يدمركوا بمعني الكلمة و طبعًا موضوع حازم دا كفيل أنه يكسركوا العمر كله . اتفق مع الدكتور أنه يديله حقنه هتخلي النبض ضعيف جدًا و هو اللي خلي الدكتور يقولكوا أنه مدمن و دي كانت بداية انتقامه . و بعد ما خرج حازم من القبر سفره علي ايطاليا و منها علي ألمانيا..”
سالم بقسوة
” و عرف امتا أن ابوكي ورا كل دا ؟”.
” بابا في الأول قابله في بار بعد ما سابه شهر يتلطم في كل حتة لحد ما حازم كان بيفكر أنه ينتحر وقتها ظهرله في البار وقتها كان حازم بيشتغل هناك يعني بينضف الحمامات..”
كانت تشاهد فكه الذي كان يطبق علي الآخر بشدة و عروق رقبته التي كانت بارزة للحد الذي يجعل من يراها يظن بأنها ستنفجر في أي لحظة مما جعلها تبتلع ريقها بصعوبة وهي تكمل
“بابا كان قاصد كدا عشان اول ما حازم يشوفه يترمي تحت رجليه و فعلا دا اللي حصل و اخده معاه علي ألمانيا بعد ما حازم حكاله كل حاجه و بابا طمنه أنه عمره ما هيقول اي حاجه لحد و قبل ما لبني تفوق بتلت ايام سمع بابا وهو بيتكلم مع الواد الديلر دا و بيسأله علي لبني فاقت ولا لسه وقتها حازم اتجنن و قال لبابا أنه هينزل مصر و يحكيلكوا علي كل حاجه . فبابا حب يقرص ودنه راح كلم دكتور يعرفه و كلفه أنه يفصل عنها الأجهزة و كان في احتمالين يا اما تموت و يبلغ عنه لأنه طبعا كان مصوره جنبها يوم الحادثة . يا اما تفوق و تحكي أن حازم اللي اغتصبها خصوصاً أن حازم لما دخل عليها الأوضه كانت فاقت و شافته ”
اومأ برأسه فقد استشف ما حدث بعد ذلك و قال ساخرًا بمرارة
” و طبعاً عشان ياكد تمثيليته بعت الشرطه عندنا البيت ؟ ”
أكدت علي كلماته قائلة
” فعلًا و حازم وقتها مقدرش يرجع بس اشترط عليه أنه يلبس التهمة لعدي عشان يفضل معاه و بابا وافق كان كل همه أن حازم يفضل معاه عشان يضرب ضربته الأخيرة لما يصدمكوا بوجوده و كمان كان قاصد يجننكوا . وهو اللي أجبر أهل البنت أنهم يهربوا و هددهم أنه هيقتلها و أنه من طرفك! ”
أنهت كلماتها بوهن فقد تمكن منها الأعياء مما جعله يكتفي بتلك الجرعة المسمومة التي سُكِبت فوق مسامعه اليوم
” ارتاحي دلوقتي . و بعدين نكمل ..”
***************
” سليم . ممكن نتكلم شويه ؟”
هكذا تحدثت فرح التي شعرت بالشفقة علي ألمه المرتسم بين طيات ملامحه و المنبثق من عينيه التي لأول مرة تراها منطفئة هكذا
” سامعك ..”
كانت نبرتة جافة تشبة قلبه الذي تيبس من فرط اللوعه و الأشتياق المرير لإمرأة نفخت بقلبه الروح بعد أن كان شَعُوب لسنوات. إمرأة اغرته بالجنة و أسكرته بنعيمها فأصبحت أنفاسها هوائه وعشقها يسري في عروقه مسري الدماء حتي ظن أن سرمدية بقاءها أمرًا غير قابل للنقاش و إذا به ينال صفعة هجر قاسية سقطت علي قلبه لتنتزع منه تلك الحياة التي بثته إياها ذات يوم ..
” انا حاسة بيك و بوجعك .. بس عارفة و متأكدة أن جنة روحها فيك . و انت كمان عارف دا . ”
بشق الأنفس استطاع أن يتحكم في صراخه الذي أن أطلق له العنان سيحطم جدران ذلك المبني . فأي حبيب هذا الذي يقتل محبوبه بتلك الطريقة ؟ ولكنه اكتفي بإيماءة بسيطة قبل أن يقول بتهكم مرير
” عارف ..”
شعرت بما تحويه كلماته لذا شددت من كل حرف تتفوه به حين قالت بجفاء
” لازم تقدر موقفها يا سليم . جنة اتحطت في اسوء وضع ممكن واحدة تتحط فيه ؟ تبقي متجوزة اتنين .. ”
تلك الكلمة تدهس علي قلبه دون رحمه . حروفها كالسم السريع المفعول الذي يذهب بتعقله الي الجحيم .
التفت بحدة لتقاطعه كلماتها القاسية حين قالت
” شفت انت مش قادر تتحملها ازاي ؟ اومال هي تعمل ايه ؟ جنة مش قادرة تبص في وشك يا سليم . مكسوفه و مرعوبة منك ..”
استنكر حديثها قائلا
” مرعوبة مني ؟”
” ايوا مرعوبة منك .. افتكر كنت ازاي معاها قبل ما تعرف حقيقة اللي حصل . افتكر كنت بتعاملها ازاي و بتجرحها قد ايه ؟ ”
اندفع. ينفي تلك الشبهات عن نفسه
” وقتها انا كنت متضايق من اللي عملته و الفخ اللي وقعت نفسها فيه. كنت بقسي عليها من غضبي منها ”
صاحت بنفس لهجته
” و دلوقتي مش متضايق ؟ مش ممكن تلومها ماهو خيط الغلط لسه موصول . غضبك مش ممكن يخليك تقسي عليها ؟ ”
صمت لثوان يتفهم حديثها و يعيد تلك الاسئلة علي كلًا من عقله و قلبه فاستمهل نفسه قبل أن يجيبها بقوة
” لا .. عمري ما هعمل معاها كدا .”
انشرح قلبها لإجابته و رقت لهجتها وهي تقول
” يبقي قولها كدا . طمنها . عرفها انك مش هتلوم ولا هتقسي عليها ابدًا . جنة محتاجه وجودك اوي يا سليم . ”
كانت بوادر الاقتناع تلوح في الآفاق ولكنها كانت تعلم بأن كبرياءه يمكن له أن يفسد الأمور لذا خاطبت قلبه العاشق قائلة
” حتي لو زعلان منها مش وقته انت ناسي أنها لسه بتاخد جلسات و دا من غير حاجه بيأثر عليها..”
نجحت في مبتغاها فقد صفت ملامحه قليلًا و اومأ برأسه وأضافت هي بابتسامة بسيطة
” انت اقرب واحد ليها في الدنيا دي . واكتر حد بتحبه ومحتجاه . دا حتي أنا اتركنت عالرف . ”
ابتسامة هادئه سطعت في سماء عينيه فحاول الهروب بها عن عينيها فواصلت هجومها تعزز من زخيرته أكثر
” اوعي تسيب حد يدخل بينك و بينها. انتوا شفتوا العذاب ألوان عشان توصلوا لبعض. و معتقدش هتقدروا تتحملوا تاني ولو ربع اللي اتحملتوه قبل كدا ..”
نجحت في مسعاها فقد لون التصميم ملامحه و زين نظراته و لهجته حين قال
” عندك حق ….”
” سليم ..”
فاجأهم صوت سالم القاسي فالتفت كلًا منهما إليه و قد هالها مظهره المرعب و لكنها كانت أكثر من يعلمه لذا هرولت إليه فقد شعرت أن تلك القسوة خلفها آلام عظيمة . احتضنت ذراعه وعينيها تبحران فوق ملامحه باهتمام تجلي في نبرتها حين قالت
” انت كويس ؟”
تجاهلها متعمدًا فعينيها و لمساتها يغريانه بالإنهيار باكيًا بين ذراعيها ولكن التوقيت كان أكثر من خاطئ لذا وجه حديثه الي سليم قائلًا بجفاء
” اطمنت عالحاجة ؟”
زفر بقوة قبل أن يقول باختصار
” لا ..”
لم يكن بحاجه لسؤاله عن السبب لذا قال بفظاظة
” هروح اطمن عليها .”
أوقفته يد فرح التي علمت أن الأمر جلل و تعاظم الخوف بداخلها فقالت بنبرة تحوي التوسل بين طياتها
” سالم ..”
باغتها حين قال بجفاء
” مش كويس يا فرح . مش كويس ..”
شعر سليم بوضع شقيقه فقد كان أكثر من يعلمه و علي الرغم من تفشي الفضول بقلبه الذي فطن الي أن هناك الكثير مما يجهله ولكنه تجاهل كل شئ و اقترب منه قائلًا بخشونة
” هروح اطمن انا عالحاجة. وانت خد فرح و روح ..”
لم يكد ينهي جملته حتي جاء رنين هاتف سالم فقام بالتقاطه ليجيب بفظاظة
” في ايه ؟”
كان المتصل أحد الحراس الخاص بالفيلا الذي صاح بلهفه
” سالم بيه والدة حضرتك جاتلها الأزمة وهي عند حازم بيه و جبنا الإسعاف خدتها عالمستشفي وهو هنا مبهدل الدنيا عايز يروح وراها واحنا مانعينه ..”
هاج كوحش كاسر
” ولسه فاكر تقولي دلوقتي ؟ ”
” يا باشا تليفونك كان مقفول ومكنش قدامي وقت كنت عايز الحق الحاجة زمانها دلوقتي وصلت المستشفي عندك ..”
تمالك نفسه بمشقة و قال بقسوة
” اقفل عليه واياك تخرجه أبدًا حتي لو انك حكمت تكتفه .. فاهم ؟”
” بس يا سالم بيه ..”
قاطعه سالم بزئير
” نفذ اللي قولتلك عليه و مش هحاسبك نفذته ازاي ..”
كان إذنًا بتجاوز الخطوط الحمراء إن لزم الأمر لذا قال الحارس برضوخ
” أوامرك يا سالم بيه .”
اغلق الهاتف فهبت قائلة بخوف
” في ايه يا سالم ؟”
كذلك استفهم سليم الذي توقف إثر سماعه حديث سالم مع الحارس
” حصل ايه يا سالم ؟”
ابتلع جمراته الحارقه و أجابهم بعجالة قبل أن يتوجه الي قسم الطوارئ
” الحاجة جاتلها الأزمة والإسعاف جايبها و جاي ..”
تلك اخر كلمات قالها قبل أن يغادرهم متوجهًا للأسفل فهرولوا خلفه بخطْ متلهفه وقلوب مذعورة ..
*************
ذرفت من العبرات ما يكفيها لأعوام ولكنها أبدا لم تكتفي فقد كانت كمن أراد تطهير قلبها من كل شئ فقد جاءتها فرصتها علي طبق من ذهب للتخلص من كل تلك الآثام و الذنوب لذلك عزمت إلا تضيعها من يدها ..
شعرت بباب الغرفة يُفتح فالتقمت عيناها ذلك الذي أطل عليها بجسده الضخم و حضوره الطاغي فحاولت كتم أنفاسها و اغلاق جفونها عن رؤيته ولكنها لم تستطيع منع قلبها الذي تاق لرؤيته فهاجت ضرباته حتي آلمها صدرها ولكنها قمعت كل ما تشعر به داخلها و واصلت التمثيل بأنها نائمة و كم كان هذا شاقًا وهي تشعر به يقف قبالتها و عينيه تطوفان علي ملامحها التي اهتزت و كذلك جسدها حين شعرت بأنامله تتجول بحرية علي ذراعها و كأنه أراد إخبارها بأنها كاذبة فاشلة ..
” انصحك تبطلي تمثيل عشان متتعبيش . انا ناوي افضل هنا طول الليل ..”
ولدت شحنات اقترابه نيرانًا هوجاء بداخلها سرعان ما تحولت إلي غضب حارق جراء كلماته فالتفتت بغضب تألم له جرحها فخرجت آهه متألمة من شفتيها جعلته يقترب منها بلهفه لاقت صداها بقلبها خاصةً حين قال باهتمام
” بالراحة .. في ايه ؟ اهدي شويه ..”
كان المها جلي علي ملامحها للحد الذي جعلها عاجزة عن الرد فجاءت لمسته حانيه علي وجنتها وهو يقول بنبرته العابثة
” حاسب علي نفسك دا انت غالي..”
في تلك اللحظة كانت تود أن تلعنه فهو يقف أمامها بكامل أسلحته و هي عزلاء و جريحه و هناك خيانة تلوح بالآفاق من قلبها الوغد الذي يتأثر بقربه بطريقة كبيرة جعلت لهجتها مرتجفة وهي تقول
” اخرج بره يا طارق..”
” مش هخرج .. ”
كان يتحدث بسلاسة استفزتها فصاحت بغضب
” هو انت مش شايف ان انا تعبانه و مش حمل وجع اكتر من اللي انا فيه ..”
” ماهو وجعك دا اللي مخليني هنا . ”
استنكر عقلها حديثه علي عكس قلبها الذي رضخ بإذعان لوجوده بجانبها علي الرغم من جراحها النازفة
” انت كنت السبب في جزء كبير اوي منه . عشان كدا أخرج .. ”
شعرت بثقل السرير الذي تنام فوقه فعلمت أنه جلس بجانبها و سرعان ما شعرت بتيار كهربائي يضرب أنحاء جسدها حين احتوت كفوفه كفها بحنان جعل العبرات تعرف طريقها الي عينيها وخاصةً حين أضاف بخشونة
” انا مكذبتش عليكِ في حرف واحد من اللي قولته . و اتفاقي مع أمينة مكنش اني اوقعك في حبي . كان اني اراقبك و امنعك لو لاقيتك بتعملي حاجة غلط .”
التفتت الي الجهة الأخرى و صاحت حانقة
” مش مصدقاك .”
” مش مهم . ”
اثارتها كلمته البسيطة فاعادت نظراتها إليه مرة أخري لتقع أسيرة تلك الابتسامة الرائعة التي أضاءت ملامحه و خاصةً حين أضاف بخفوت
” كلامك اللي هتقوليه دلوقتي كله مش مهم . مش هيأثر في حاجه من اللي جوايا او اللي نويت عليه ..”
بللت حلقها الذي جف من نظراته المغويه وكلماته الغامضة و قالت بنبرة متحشرجة
” وهو ايه بقي اللي نويت عليه ؟”
” اني انسي كل اللي حصل و ابتدي معاكِ من دلوقتي. جاهزة نرمي كل حاجه ورا ضهرنا و نكمل المشوار سوي ؟ ”
” جاهزة يا طارق ابدأ من جديد ..”
لونت ابتسامة عريضة ملامحه استنكرتها هي فقد كانت كلماته عرضاً بالحياة لشخص علي مشارف الموت ولكن ندوب الغدر السابقة مازال وجعها قائم لذا جاءت كلماتها جافة حين أردفت
” بس مش معاك . معنديش نية أبدأ معاك من جديد ولا اكمل معاك في مشوارك ..”
لدهشتها لم تنمحي بسمته أو حتي تهتز نظراته إنما أخذت أنامله تلهو فوق كفها بخفة تجلت في نبرته حين قال
” عارفه انا طول عمري مش محبوب في العيلة ليه ؟”
” ليه ؟”
أجابها يشدد علي كل حرف يغادر شفاهه و تؤازره نظراته القوية تجاهها
” عشان أنا اكتر واحد بيعرف يحدد أهدافه صح و بيعرف ازاي يوصلها.
ذوق عافيه إجبار .كل الوسائل عندي متاحة و مفيش حاجه بتقف قدامي . ”
لن تنكر ابدًا ذلك الشعور بالبهجة الذي غزي قلبها جراء كلماته ولكنها حاولت ارتداء قناع البرود أمام نظراته التي أذابت عظامها فتابع بخشونة
” طبعًا كل الحاجات دي بالنسبالك عيوب بس هقولك علي ميزة حلو اوي فيا . انا شخص مبيقاوحش في الغلط ولا بيكسف أنه يعترف بيه. و لأول مرة هيعتذر عنه . انا اسف .. سامحيني.. ”
فاق الأمر حدود الروعة فهذا الرجل الذي لا تفلح أي كلمات في سرد صفاته يجلس أمامها و يضع قلبه بين كفوفها بل و يعتذر منها علي خطأه الذي بناءً علي ما حدث يُعد غير مقصود . ولكنه يعتذر لأجلها ..
تدفقت العبرات بغزارة من مقلتيها فلأول مرة بحياتها تشعر بأن أحد يحارب لأجلها . يشعرها أنها شئ ثمين يخشي ضياعه .
عبراتها عرت شعورها في تلك اللحظة فانتزعت عينيها من بين براثن عينيه الصقرية وهي تقول بنبرة متحشرجة
” انا تعبانة و عايزة انام ..”
جاءت نبرته حانية و كأنها قبله دافئة جراح قلبها الدامية
” نامي و هتصحي تلاقيني هنا .. جنبك. ”
شدد من كلمته الأخيرة فأخذت نفسًا عميقًا لأول مرة يحمل الراحه الي صدرها و أغمضت عينيها بينما يديها مازلت عالقة بين كفوفه التي أخذت تمسدها بحنان الي أن خلدت الي النوم …
**************
انتشر خبر إصابة أمينة بأزمة قلبيه بين الجميع فهرولوا الي غرفة العناية المركزة التي نُقِلت إليها و قد كان الأمر مروعًا علي الجميع و كان أكثرهم تأثرًا سالم الذي اختلط بقلبه الخوف والغضب ليشكلوا شعورًا هائلًا جعل الجميع يتجنبون مواجهته أو الاقتراب منه إلا هي . لم تستطيع تركه فريسة لكل تلك الأحاسيس المروعه التي حتمًا ستنهيه لذا اقتربت منه تتلمس بيدها الحانية ذارعه التي رفعته و وضعته حول كتفها و بيده الأخرى حاوطت خصره واضعه رأسها فوق موضع نبضه الجنوني فقد صح ظنها بأنه يعاني بقسوة مما يشعر به .
التقمتهم الأعين بنظرات مندهشة و أخري مشفقة علي فرح من رد فعل عنيف قد يصدر منه فقد كان في اقصي درجات غضبه ولكن لدهشتهم و دهشته أيضًا وجد نفسه يقربها منه بقوة و عينيه التي اخفضها لتشتبك معها في حوار صامت كان يحمل التوسل من جانبه بألا تتركه فقد كان قاب قوسين أو أدني من السقوط أمامهم و الانحناء أمام ألمه لأول مرة في حياته ولكن وجودها أنقذه و قام بانتشاله من بحور الوجع الذي كان يقتات علي روحه ..
خرج الطبيب من الغرفة فاندفع الجميع تجاهه فأجاب علي تساؤولاتهم بعملية
” مكدبش عليكوا الحاجه حالتها غير مطمئنة بالمرة صحيح الأزمة عدت بس حالة القلب تعبانه و مفيش في ايدينا غير الدعاء . عن اذنكوا..”
خيم الحزن علي وجوههم علي الرغم من توافد عبارات الحمد علي شفتيهم فجاء صوته آمرًا
” يالا عشان تروحوا البيت . مش عايز حد هنا . ”
قبل أن يدع المجال لأحد بالأعتراض تدخل سليم قال مؤيدًا حديث شقيقه
” قعادنا هنا مالوش لزوم . محدش في ايده حاجه يعملها. ”
تحدث صفوت بعمليه
” النهاردة اليوم كان متعب عالكل و الفجر أذن اصلًا . يالا يا همت هوصلكوا البيت ترتاحوا شويه و بعدين تبقوا تيجوا تطمنوا علي الحاجه بالليل ..”
تدخل مروان مضيفًا
” انا كلمت الشركة و زودت عربيات الحراسة عالقصر و هنسيب اللي بره هنا مع سالم و طارق . و هنروح احنا نرتاح شويه و بعدين هتيجي انا وسليم نبدلهم . ”
اومأ بصمت فلم تعد له طاقه للحديث فغادر الجميع الا هي فالتفت يناظرها وحين أوشك علي الحديث سبقته قائله بلهجة قاطعة
” متفكرش لحظة اني هسيبك . ”
فاجئها حين امتدت يديه تقربها منه بقوة تجلت في نبرته المتعبة حين قال
” متسبنيش يا فرح …”
” مش هسيبك ابدًا يا عمري ..”
قالتها فرح بعشق كبير انبعث من عينيها و كفوفها التي حاوطت وجهه بحنو فاخفض نظراته الي بطنها المسطحه و امتدت يديه تتلمسها بحنان و نظراته توحي وكأنه يشكو لصغيره وجع والده دون أن تفصح شفاهه عن أي شئ فشعرت هي به و تأزر قلبها معه و لأنها تعلم أنه لن يفصح عما يجول بداخله حاولت تشتيت انتباهه قائلة بمشاكسه
” نحن هنا علي فكرة . من دلوقتي مطنشني عشانه.. ”
لاحت ابتسامه بسيطه علي ثغره فاضافت بحنو
” تعالي ننزل نشرب حاجه تحت و ترتاح شويه من من امبارح علي حالتك دي ..”
لم يعارضها فلم يكن له طاقه لذلك فتبعها متوجهًا إلي الأعلي ولكن قبل أن يغادر التفت إلي غرفة والدته وهو يلقي نظرة طويلة بها و هو يتوسل في صمت ألا تغادره فلا يملك طاقة لتحمل فراقها أبدًا
اصطدم مروان بعمار الذي كان في المقهي الخاص بالمشفي لا يعلم ما عليه فعله ولا يطاوعه قلبه بالمغادرة و تركها خلفه حتي وهي آمنه مع أبويها و فضل الجلوس هنا عله يلمح طيفها و يستطيع تصليح الأمور العالقة بينهم ..
” ايه دا هو عم ذئاب الجبل دا لسه هنا بيعمل ايه ؟”
اجابه سليم بفظاظة
” معرفش و مش عايز اعرف ..”
ناظره مروان بامتعاض تجلي في نبرته حين قال
” يا ابني افرد بوزك دا بطل تشوه خلقتك اكتر واكتر مش كفايه علينا قرعتك دي ..”
تعاظم الحنق بداخله فهدر بعنف
” اقسم بالله لو ما بطلت استظرافك دا لهكون مطبقلك وشك انا دمي محروق و مش طايق نفسي .”
لم يبدو عليه التأثر بكلماته المتوعدة بل تابع سخريته قائلًا
” يا بني آدم شغل دماغك دي شويه . يا حبيبي دا ربنا ميز الإنسان عن الحيوان بالعقل شغل عقلك دا شويه هيصدي والله . ”
أوشك سليم علي لكمه فجاءهم صوت عمار الذي صاح من بعيد باستنكار
” خبر اي هتضربوا بعضيكوا ولا اي ؟”
مروان بتهكم خافت
” قابل يا عم . اهو شمت فينا اللي يسوي و اللي يسوي بردو عشان خاطر العيش و الملح .. ”
تجاهل سليم حديثهم وقال بانفعال
” أنا ماشي عشان مرتكبش جنايه ..”
أوقفته يد مروان قائلًا بخفوت قبل أن يصل عمار اليهم
يا ابني انت عامل زي النار اللي لما مبتلاقيش حاجه تاكلها بتاكل نفسها.”
صاح سليم بنفاذ صبر
” عايز تقول ايه ؟ أنجز .”
مروان بغموض
” خلي النار دي تحرق اللي يستحقها بدل ما تحرقك انت.. ”
سليم بتعب
” و امي اللي راقدة بين الحيا والموت فوق دي؟”
مروان باتزان
” يبقي دور عاللي هيطفيها يا سليم . جنة مراتك لوحدك حقك سيبك من كل كلامهم دا . ”
انتشي قلبه بتلك الجملة كثيرًا حتي أنه استطاع أن يأخذ نفسًا طويلًا ملئ صدره المكتظ بنيران الغضب ولكنه تفاجئ بحديث عمار الذي جاء مستنكرًا
” وهو انت عندك شك في الموضوع ده يا سليم؟”
كان يتجاهل عمار وما يأتي خلفه يريد استردادها و استرداد أنفاسه معها قبل أن يلتفت لتلك العقبة القوية التي سيخلفها ظهور حازم و قبل أن يتمكن من الحديث جاهم صوت سالم الصارم خلفهم
” انت لسه هنا يا عمار ؟”
التفت الثلاثة لسالم الذي كان يتجه إليهم و بجانبه فرح المتخوفه من مغبة هذا الحديث
” ايوا لسه اهنه يا سالم . عندك مشكله في وچودي ؟”
سالم بجفاء
” مش هيبقي في مشكله لو كان السبب مقنع..”
عمار بغضب بدأ يظهر علي السطح
” انا اهنه عشان بنات عمي و خطيبتي !”
تجاهل جملته الأولي بدهاء و علق علي الأخيرة مستنكرًا
” خطيبتك ! هي مين اللي خطيبتك ؟”
كان داخليًا يرتجف من رفضها لتلك العلاقة التي الصقها بها عنوة ولكنه قال بقوة
” نچمة ..”
سالم بفظاظة
” و خطبتها امتا و من مين ؟”
عمار بتوتر خفي
” جبل ما تنخطف . طلبت يدها .”
سالم بجفاء
” وقالتلك اي؟”
تنحنح قليلًا قبل أن يجيبه قائلًا
” جالت هتفكر..”
سالم بفظاظة
” طب لما تبقي تفكر و تقرر هنبقي نبلغك..”
كان مروان يقمع ضحكته بصعوبه و كذلك سليم من مظهر عمار الذي يكاد يجن غيظًا فلم يستطيع مروان الصمت اكثر و أراد الثأر لنفسه قائلًا
” اه هي تفكر. و سالم بما أنه البوص هنا هيفكر وسليم ببوزه اللي يقطع الخميرة من البيت دا لازم يفكر . و البغل طارق بما أنه طب علينا زي القضا المستعجل فلازم بردو يفكر . احنا عيلة بنحب نفكر . والا انا بقي لازم افكر تفكير لحد ما تضرب نفسك طلقتين انك فكرت تناسبنا . ولا فاكر نفسك هتاخد النيزك من وسطنا كدا برغيف عيش و حتة جبنة .. لا دا في تار بينا و طلاق تلاته هاخده..”
لم يجيبه عمار فقد شعر بأنه علي وشك ارتكاب جريمه و قد انقذهم قدوم صفوت الذي أخذ عمار ليتحدث معه فيما انطلق سالم في طريقه الي المقهي وسط صيحات فرح الغاضبة ولكنه لم يتوقف سوي أمام الطاولة فخاطبته بحنق
“دي شكرًا الي بتقولهاله يا سالم ؟”
سالم بفظاظة
” صفوت شكره مره و خلصنا..”
هتفت بسخرية
” كتر خيرك والله . انا هروح اشكره و اعتذر له علي كلامكوا معاه ..”
اوقفتها يداه التي امتدت تقبض علي رسغها بعنف و قال بتحذير
” اياكِ . ”
عاندته قائلة
” سالم ..”
تمكن منه الغصب و فاح من لهجته حين قال
” هكسر دماغك لو خطيتي خطوة واحده ..”
لم تحتمل حديثه ولا لهجته فالتفتت تنوي الجلوس بعيدة عنه فجذبها من يدها لتجلس بقربه و قال بلهجة بنفاذ صبر
” اترزعي هنا جنبي و افردي وشك انا علي أخري ..”
لم تحتمل طريقته أكثر فقالت بحدة
” انا مبتعاملش بالطريقة دي علي فكرة ..”
” يبقي متجبرنيش اعاملك بيها ..”
تعاظمت دهشتها قالت باستنكار
” انت مجنون؟ انا عملت ايه دلوقتي ؟”
أجابها بفظاظة
” أنتِ عارفه . و احمدي ربنا اني اصلًا بخليكِ تردي عليه السلام .”
غيرته الواضحه جعلت غضبها يهدأ قليلًا و لكنها لم تمنعها من القول بحنق
” مستبد ..”
فاجأها حين قال بغلظة
” ايوا مستبد . اعرفي كدا احسنلك عشان ترتاحي ..”
تجاهلت منحني الرد و أدارت وجهها الي الجهة الأخري ثم قامت بلف ذراعيها حول كتفها تقيها من هذا البرد المحيط بهم فتفاجئت به يحاوطها وهو يضع جاكته حولها ثم قام بوضع قُبلة سطحية فوق رأسها قبل أن يضيف بخشونة
” انتِ عارفه طبعي اتأقلمي …،”
لم تجيبه و تمسكت بصمتها فأطلق الهواء المكبوت بصدره دفعة واحدة قبل أن يضيف بلهجة فظة
” و بغير عليكِ فحاولي تتعودي ..”
خففت كلماته من حدة الموقف فالتفتت تناظره بابتسامة بسيطة لا توحي بالرضا ولكنها توحي بتفهمها للأمر و ما يمر به لذا لم تطيل و استجابت ليديه التي مدها إليها فقد كان يعلم بأنها لا تُجيد الخضوع ولكنها تفهمت دوافعه وما يمر به و قد كان هذا أكثر من كاف لجعله يشعر بالإمتنان نحوها..
.
***************
بعد مرور يومان لم يحدث بهم جديد سوي استقرار حالة أمينة فهدأ باله قليلًا و قرر أن يضع الأمور في نصابها الصحيح لذا امسك بهاتفه ليقرر الاتصال بسليم الذي ما أن أجاب حتي قال بخشونة
” جنة في فندق (..) جناح (..) روحلها.. ”
سليم بسخرية
” كتر خيرك والله لسه فاكر تقولي.. انا عارفه علي فكرة .”
سالم بفظاظة
” عارف انك عارف. و عارف بردو انك مكنتش هتروحلها غير لما اقولك . جنة مراتك شرعًا و قانونًا انا اتأكدت بنفسي . ”
تجاهل ثورة قلبه الذي هاج فرحًا علي الرغم من استنكاره الي شئ آخر ولكن كانت فرحته عارمه حتي أنه كان أمام المصعد قاصدًا غرفتها فقد كان يقضي ليله ونهاره ما بين المشفي للإطمئنان علي والدته و الفندق ليكون بالقرب منها بانتظار ذلك الفرمان الذي أعاد الحياة لقلبه من جديد
دق باب الغرفة قبل أن يقول مخاطبًا اخيه بجفاء
“أنها مراتي دا شئ مفروغ منه . مشكتش فيه لحظة . انا بس كنت مستني اشوف دماغها هتوديها لحد فين ..”
فطن سالم الي ما يحدث فقد كان يعلم بمكان شقيقه فأغلق الهاتف ليتركه يعالج أموره بالطريقة التي يُريد و كم كان يتوق الي هذه الفرصة فأعاد سؤاله أمامها بنبرة جافة تنافي عتاب نظراته التي اشتاقتها كثيرًا
” دماغك ودتك لحد فين يا جنة ؟”
كان شوقه مُتبادلًا فبكل مرة يدق باب غرفتها تتوسل الي الله أن يكون هو الطارق و كم خاب أملها بكل مرة ولكن تلك المرة اخترق دعائها السماء السابعة و تحققت امنيتها حين رأته ولم تستطيع منع نفسها من الهمس بين طوفان العبرات التي أغرقت وجهها
” ودتني لحد عندك يا سليم ..”
قالت جملتها و اندفعت بين أحضانه كغريق عانق قشة النجاة خاصته…
**************
” أخيرًا البيه عاود و افتكر أن له أهل …”
هكذا صاح عبد الحميد بغضب ما أن رأي عمار الذي دخل الي باب البيت ولكن استوقفته كلمات جده الغاضبة فالتفت يناظره قائلًا بنفاذ صبر
” اهلًا يا چدي ..”
” اهلًا أهلًا . كت بتعمل اي في مصر كل ده ؟”
عمار بملل
” كنك متعرفش يا چدي ؟ ملهاش عازة السؤالات دي ..”
هدر عبد الحميد بغضب تجمهر أهل البيت علي إثره
” عارف . و بجولك اهوه لو نفذت اللي في دماغك دي أنا اللي هكسرهالك.. سامع ؟ ”
انهي جملته والتفت إلي ياسين الذي كان يقف اعلي الدرج وبجانبه حلا و صاح بتحذير
” سامع يا ضكتور.؟ اللي مش هيخرچ عن طوعي و مهينفذش أوامري يتحمل ما يچراله ..”
انقبض قلبها بعنف وتلاحقت أنفاسها خاصةً حين خصها عبد الحميد بتلك النظرات القاتلة و كأنه يعنفها ولكن جاءت كلمات عمار الغاضبة لتجعل جسدها يرتجف من فرط الرعب
” كلام اي ده يا چدي اللي بتجوله؟ انت عايزنا نسيب طارنا ويا الكلب ده ؟ بعد ما مرمغ شرفنا في الوحل ؟”
عبد الحميد بصراخ هز أرجاء القصر
” اجفل خاشمك و اعرف بتجول اي.. بتنا متعززة اهناك في دار چوزها و لو في تار چوزها أولي بيه . و بعدين انت ناسي أن بنتهم حدانا . خلاص موضوع التار ده اتجفل .”
لم يستطيع تحمل حديث جده فالتفت إلي ياسين يبغي المؤازرة
” سامع كلام چدك يا ياسين ؟ عاچبك اللي عم بجوله ده ؟ هنتخلوا عن تارنا لأجل السنيورة مرتك ؟ “.
فجاءه صوت ياسين القاطع الذي كان منصل سكين حاد علي عنقها
” تارنا عمرنا ما نتخلي عنه عشان اي حد يا عمار …”
***************
ترجل من سيارته وهو ينظر إلي أحدهم قائلًا
” جاهزين ؟”
اومئ الرجال بصمت فتوجه الي الطابق السفلي و قام بفتح الباب فوجد حازم مُلقي علي الأريكة مكبل اليدين و القدمين و اثار الضرب باديه علي ملامحه فما أن رآه حتي صاح بانفعال
” سالم . تعالي شوفي الي الكلاب رجالتك عملوه فيا ؟”
سالم بجمود
” عملوا فيك ايه ؟”
حازم بانفعال
” ضربوني و كتفوني ازاي ؟”
سالم بسخرية
” غلطانين . مع اني كنت مديهم أوامر يكسروا ايديك و رجليك .. ”
صدمه حديث سالم فشهق مستنكرًا
” انت بتقول ايه يا سالم ؟”
تجاهل سؤاله وأضاف بتهكم
” بس يالا معلش انت عريس بردو ومفيش عريس بيحضر كتب كتابه وهو مكسر ..”
كادت روحه أن تغادره وهو يقول بارتباك
” عريس ايه انا مش فاهم حاجه .. ”
سالم باندهاش زائف
” معقول مش فاهم ؟ دا انت اللي قلت بعضمة لسانك ..”
حازم بذعر
” قل. قلت ايه ؟ ؟”
سالم بجفاء
” انك رجعت و هتشيل شيلتك . ”
ارتجف بدنه حتي كاد أن يتقئ من فرط الذعر فقال باكيًا
” تقصد ايه يا سالم ؟”
سالم بقسوة
” بصراحة انت وفرت عليا كتير و حكمت علي نفسك. وأنا جاي النهاردة انفذ الحكم . يالا عشان هتكتب كتابك علي لبني دلوقتي ..”
وقع حديث سالم كمسامعه وقع الصاعقة فصاح كالمجنون
” لااااا. انت بتقول ايه يا سالم . انا مستحيل اعمل كدا . ”
سالم ببرود ثلجي
” ليه مستحيل مش انت اغتصبتها بردو زي ما عملت مع جنة ؟ ولا الشيلة مش علي هواك المرادي عشان مش هتدوس في طريقك علي حد ؟ ”
تجاهل ما يرمي إليه و صاح بنبرة محترقة
” انت مش فاهم حاجه يا سالم . مش فاهم !”
سالم بنفس بروده
” فهمني. ؟”
حازم بقهر
” عشان مش انا لوحدي اللي اغتصبتها. الكلب سعيد اغتصبها معايا ..”
لم تتأثر ملامح سالم عدا عينيه التي قست وهو يحضر لدحر ما تبقي من كبرياءه حين قال بتهكم
” اها سعيد . لا متقلقش ماهو خد جزاءه وعلي فكرة هو مستنيك بره . اصله هيبقي شاهد علي جوازك من لبني .”
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية في قبضة الأقدار)