روايات

رواية في قبضة الأقدار الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم نورهان آل عشري

رواية في قبضة الأقدار الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم نورهان آل عشري

رواية في قبضة الأقدار الجزء الحادي والعشرون

رواية في قبضة الأقدار البارت الحادي والعشرون

في قبضة الأقدار
في قبضة الأقدار

رواية في قبضة الأقدار الحلقة الحادية والعشرون

حتى لو انفلت زمام القلب من بين يديك فعليك أن تمنع عقلك من إعطاء الثقة الكاملة كي تتأكد أولًا من أنك لن تهون ..

نورهان العشري ✍️

🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁

تسمر في مكانه لدى رؤيته تلك المرأة التي لم يكن يعرفها خاصة وهي في هذه الحالة المذرية من ملامحها المبعثرة و زينتها التي كانت تشكل لوحه اختلطت ألوانها بفوضويه فجعلتها في أسوأ حالاتها و لكن من الواضح أنها تعرفه تمام المعرفة. اقترب بخطوات ثابتة كما هي عادته إلى أن وقف أمامها قائلا بفظاظة
” أنتي مين و إزاي تتكلمي بالطريقة دي ؟؟”

تجاهلت سؤاله و قالت منال بغل
” وديت الكلب اللي اسمه عدي فين ؟’
هنا فطن إلى هويتها فأجابها بخشونة
” مودتوش في حتة ومعرفش عنه حاجة.”

صرخت بملئ فمها
” أنت كذاب وأكيد بتتستر عليه ..’
لون الغضب عيناه بحمرة قانية و زأر بقوة
” صوتك ميعلاش و أنتِ بتكلمي سليم الوزان.. قلتلك معرفش عنه حاجة. “

هدأت نبرتها و علا نحيبها و قالت بقهر
” إزاي و أنت اللي…”

قاطع حديثها جنة التي هرولت من الأعلي إثر سماعها أصوات صراخ وشجار . تسمرت عينا منال علي تلك الفتاة التي توقعت هويتها دون أي سؤال. التف سليم إلى حيث تنظر منال فوجد جنة التي كانت تقف أسفل الدرج تشاهد ما يحدث فاكفهرت معالمه و قام بالالتفات إلى منال و قال بلهجة آمرة
” تعالي نتكلم بره”
طاوعته بغضب بينما قام بإغلاق باب القصر خلفه و التف إليها قائلا بقسوة إرتسمت على ملامحه أولا
” معرفش مكان حد .. و بدل ما أنتي جاية ترمي بلاكِ عالناس ابقي دوري عالمجرم الحقيقي و عاقبيه.”
” تقصد مين ؟”
سليم بإزدراء
” كنتي منتظره منه يحافظ على بنتك وأنتي أمها محافظتيش عليها.”
لم تجد ما تقوله فتابع يجلد ما تبقي لها من كرامة
” تقدري تقوليلي أنتي كنتي فين و بنتك في وقت زي دا بره البيت؟”

أغلقت عيناها بقوة بينما تشعر و كأنها عارية أمامه مجردة من كل ذرة كبرياء دهس تحت أقدام حديثه القاسي فقد كانت كلماته تصيب قلبها كأسهم نارية محملة بنيران ذنبها و أخطاءها و إهمالها في حق إبنتها وخاصة حين قال بنبرة لازعة
” الحق مش عليه لوحده .. الحق عالي قبلت تروح معاه شقته .. و عالي من البداية سابتها تمشي على حل شعرها. اتفضلي من غير مطرود”

كان محقًا في كلامه وأن كان سمًا ولكنه كان يحمل من الحقيقة الكثير فهي وحدها المخطئة فلتعاقب نفسها أولا علي إهمالها في حق إبنتها بنتها قبل أن تبحث عن أخطاء الآخرين…

كانت جنة بالداخل تقف و بجانبها الخادمة نعمة و خلفهم همت التي تساءلت بفظاظة
” في ايه ؟ مين اللي كان بيزعق هنا دا ؟”

التفتت جنة تناظرها بحنق و لم تجبها بينما تحدثت نعمة
” متعرفش دى واحدة شكلها غريب دا كانت عايزة سليم بيه و هو واقف معاها بره “

كانت عينا همت تطالع جنة بكره كبير لم يخفي عليها و لكنها تجاهلته فقالت همت ساخرة
” وسليم من امتى بيجيله ستات البيت تسأل عنه! والله ولاد أخويا دول حالهم بقى يحزن. بقوا يمدوا أيديهم في الزبالة و يطلعوا ستات.”

شعرت جنة بمقدار الإهانة الموجهة لها فانتفضت كل ذرة في عروقها غضبًا من حديث تلك السيدة التي لا تعرف أي حدود للأدب و الذوق فأغمضت عينيها تعد للعشرة حتي تهدي من روعها قليلا و لكن ما أن وصلت لرقم تسعة حتى وجدت نفسها تلتفت إليها قائله بإحتقار
” معلش بقي يا عمتو. هي مواجهة الواقع صعبة كده .. الواحد بيبقي مفكر نفسه حاجة كبيرة أوي و أن الناس كلها تتمناه و فجأة يلاقي الناس داست عليه و عدت و لا كأنه موجود اصلّا .. عارفه ليه عشان هو أقل بكتير من أنه يلفت انتباههم حتى !”

برقت عينا همت التي لم تكن تتخيل أن تقف أمامها تلك الفأرة و ترد لها الصاع صاعين بتلك الوقاحة فهي ظنت أنها لقمة سائغة سوف تلوكها كيفما تريد و لكنها تفاجئت بنبرة غاضبة يتطاير الشر من عينيها و لكن ما جعلها تجن غضبًا حين شاهدت سما التي كانت تقف بأول الدرج تشاهد و تسمع ما يحدث بعين منكسرة و ملامح ممتقعضه فتدفقت الدماء بأوردتها و قامت برفع كفها وهوت بصفعة قوية كان هدفها خد جنة التي أغمضت عينيها بقوة لتتفاجئ بها تسحب للخلف ففتحت عيناها علي مصرعيها فوجدت ذلك الظل الضخم و صوت يشبهه ضخامة
” انتي زودتيها أوى يا عمتي. .. حصلت تمدي إيدك عليها .. إيه فكرتي أن البيت دا خلاص ملهوش كبير..”

صدمت همت حين وجدت سليم يظهر من العدم ويقف أمامها ممسكًا بكفها بقوة يمنعه من الوصول لتلك الفتاة فتراجعت خطوتان للخلف إثر سماعها جملته و شعرت في تلك اللحظة أنها تمادت كثيرًا لذا قالت بارتباك
” أنت مسمعتش هي قالت إيه .. دي قلت أدبها عليا و شتمتني ..”

التف سليم بناظر لجنة التي تراجعت للخلف و أخذت تهز برأسها يمينًا و يسارًا و لكن شفتاها أبت الحديث فهي تعلم مقدار كرهه لها و أنه حتمًا سيلقي باللوم عليها و لكنها تفاجأت به يقول بسخط
” كفاية كذب يا عمتي و أعرفي أن اللي حصل دلوقتي وقبل كدا مش هيعدي بالساهل ..”

كانت مفاجأة قوية حين وجدته يدافع عنها بهذا الشكل حتى ظنت أنها تهزي أو ربما تحلم و لكن جاء صوت خلفهم جعلها تدرك أنها بواقع لا يمكن نكرانه
” في ايه بيحصل هنا ؟”

التفت الجميع على صوت سالم الذي كان يحمل حلا و يدخل بها من باب القصر فتفاجئ بهذا التجمهر و سليم الذي يقف بين عمته و جنة..
هرولت سما بقلب متلهف إلى حلا التي كانت محمولة بين يدي سالم مجبرة الساق و اليد فتألمت سما بقوة وأخذ ضميرها يلدغها بقوة فتناثرت عبراتها و خرج صوتها مبحوحًا وهي تقول
“حمد لله على سلامتك يا حلا..”
حلا بإبتسامة كبيرة
” الله يسلمك يا سمسمة. متعيطيش أنا كويسه والله .”
كانت عينا همت تناظر سليم بتوسل صامت شعر هو به فتجاهلها و توجه إلى حلا التي وضعها سالم برفق على إحدى الأرائك و تجمهر الجميع حولها و كان آخرهم جنة التي أقتربت من سالم قائلة بنبرة خفيضة
” هي فرح مجتش مع حضرتك ؟”

اكفهرت ملامحه و زوي ما بين حاجبيه مما جعلها ترتعب من مظهره الذي يبعث الرعب في النفوس و كذلك لهجته الخشنة حين قال
” جاية ورانا.”
لم يطيل في الحديث إنما التفت إلى سليم قائلا بقسوة
” سليم تعالي عايزك..”

نظر سليم لحلا قائلا بحنو
” حمد لله على سلامتك. ”
أجابته حلا بإبتسامة أضاءت ملامحها
” الله يسلمك يا أبيه..”
نصب عوده و عادت ملامحه مكفهرة كعادتها وخاصة حين مر بها و لم يلتفت إليها بل كان ينظر أمامه بعينان مشتعلتان كعادته فخرجت الكلمات من بين شفتيها خافتة مستنكرة
” ياربي هي الناس دي عامله كدا ليه .. دا أحنا و لا اللي عايشين في بيت الرعب..”

” مش عاجبك ولادي يا أم لسانين.”
هكذا كان صوت أمينة التي كانت في طريقها إليهم و سمعت حديث جنة الخافت فأرادت مشاكستها قليلا.
التفتت جنة بلهفه و تجلى التوتر على ملامحها حين سمعت جملة أمينة فحاولت تصحيح الوضع قائلة بإرتباك
” والله أبدا.. أنا بس .. يعني كنت بقول “

” إنك عايشه في بيت الرعب صح .”
جنة بصدق
” الصراحة اه .. ولادك دول كشريين أوي يا حاجة .. أنتي بتتعاملي معاهم إزاي ؟”
تغضن وجه أمينة بالحزن الذي تجلى في نبرتها حين قالت
” تعرفي أن دي كلمة حازم الله يرحمه.. كان دايما يقولي عيالك دول كشريين أوي يا أمينة..”

لامس حزنها قلب جنة التي كانت تحارب دائمًا ذكرياتها معه بحلوها و مرها حتى لا تنهار أمام وجعها العظيم الذي إرتسم على ملامحها في تلك اللحظة فأمتدت يد أمينة تكررها على بطنها التي امتلأت قليلا و قالت بصوت يملؤه الشجن
” بس ربنا بيعوض .. عوضنا أنا و أنتي بإبنه اللي لما يجي بالسلامة هشيله في قلبي قبل عيني .. زي ما هشيلك أنتي كمان يا جنة..”
تلالأت العبرات بمقلتيها تأثرًا بحديث أمينة التي قالت بتوسل ارتسم بعيناها
” مش هتحرميني منه في يوم من الأيام صح .. مش هتكسري قلبي عليه زي ما اتكسر على أبوه صح ..”
كانت أمينة تعلم جيدًا الطريق لقلب تلك الفتاة البريئة التي تأثرت كثيرًا بحديثها و قالت بصدق
” أبدًا .. عمري ما هحرمك منه .. أنا مش وحشة زي ما انتي متخيله .”
زفرة ارتياح خرجت من قلبها فقالت بصدق
” عارفة .. عارفة إنك مش وحشه .. هتصدقينى لو قلتلك إني بقيت بعتبرك زي حلا بنتي .. و أتمني أنك تعتبريني أنتي كمان زي والدتك.”

تفاعلت من حديثها الصادق و مشاعرها التي كانت بحاجة ماسة إليها فقالت بتأثر
” طبعًا. من غير ما تقولي..”
قاطع حديثهم صوت حلا التي كانت تصرخ مناديه علي والدتها فقالت أمينة برفق
” تعالي سلمي علي حلا .و متزعليش منها هي طيبه والله بس لسه متعرفكيش و أنا واثقه أنها لما تعرفك على حقيقتك هتحبك اوي و هتبقوا أصحاب كمان ..”

اومات جنة برأسها في صمت بينما توجهت أمينه ممسكه بيدها إلي غرفة الجلوس فوجدت حلا تتسطح على الأريكة ز بجانبها سما تجلس القرفصاء علي الأرض و أمامها همت التي كانت تناظر جنة بغضب لم تفلح في إخفاءه
” انتي فين يا ماما كل دا ؟”

أمينة بهدوء
” موجودة يا حبيبتي. تعبانه و لا حاجه انادي حد من اخواتك يطلعك اوضتك ..”

كانت نظرات حلا مصوبه بقوة علي جنة الممسكه بيد والدتها و قد اغضبها هذا كثيرا فهي للآن ام تستطيع نسيان تلك الصفعه التي نالتها بسببها لذا قالت بخشونه
” الجو هنا خنيق فعلا وعايزة اطلع اوضتي ..”

تجاهلت جنة حديثها و نظراتها و قالت بلطف
” حمد لله علي سلامتك .”
لم تتكبد عناء الرد عليها انما اومأت برأسها و ملامحها مازالت مكفهره مما جعل الغضب يأكل جنة من الداخل و لكنها لاذت بالصمت الذي قطعه صوت أمينه القوي حين قالت
“طبيعي طول ما الناس فوق راسك كدا هتتخنقي. وعموما لما اخواتك يخلصوا الي في أيديهم هخلي حد فيهم يطلعك اوضتك. ”
أنهت حديثها و التفتت الي جنة قائله بلطف
” تعالي يا جنة طلعيني اوضتي عشان تعبت وعايزة ارتاح شويه ..”

تبعتها جنة دون أي حديث و بعد أن غادرا انفجرت همت قائله بانفعال
” شايفه يا حلا امك بتعمل ايه. بقي احنا هنخنقك. بقينا احنا وحشين و البت دي هي الكويسه سحبهالنا معاها في كل حتة. “

تعالي الغضب بداخلها حتي وصل ذروته و خاصة حين قالت سما بحزن
” انا مش فاهمه مرات عمي بتعمل معانا كده ليه. انا معملتش فيها حاجه وحشه. دي كانت بتقولي انتي زيك زي حلا دلوقتي فجأة كدا كرهتني..”

تأثرت حلا كثيرا بحديث سما و ملامحها الحزينة فقالت بإنفعال
” لا بقي الوضع مبقاش يتسكت عليه. انا مش متخيله ازاي ماما تعاملها كدا دي كانت بتكرهها و تقول انها السبب في موت حازم .”

واصلت همت بث سمومها في عقل حلا حين قالت بتهكم
” ياريت على قد مامتك و بس. دا حتي الكبير الي كنا بنقول عليه عاقل جرجرته و خلته يحاميلها. والله و أعلم بتخطط لأيه؟”

نجحت في غرس شكوكها في عقل حلا التي قالت بعدم فهم
” تقصدي مين ؟”
همت بحزن مفتعل
” سليم.. تخيلي من شويه البنت قلت أدبها عليا و بدل ما يقولها عيب ميصحش يقولي محصلش.. و لما قولتله عالي قالته قالي اني بكذب . بهدلني قدام الخدم يا حلا يرضيكِ !”

شهقت حلا بصدمه مما سمعته لتوها و قالت بذهول
” لا يا عمتو مش معقول الي بتقوليه دا ! ”
” طب حتي أسألي سما .”
سما بنفاذ صبر
” طلعي سما من الحوار دا سما خلاص هتسبهالها مخضرة و تمشي”
تفاجأت حلا من حديث سما الذي جعلها تنتفض في مكانها كمن لدغتها افعي قائله بصدمه
” سما ايه الي انتي بتقوليه دا ؟ تمشي تروحي فين؟ ايه الكلام دا يا عمتو؟”

همت بقهر
” عمتك هتموت بقهرتها. تخيلي يا حلا سما عايزة تسبني و تسافر تروح تعيش مع شيرين . عايزين يسبوني لوحدي في آخر أيامي و يفضل قلبي متشحتف عليهم العمر كله.. و كل دا ليه ؟ عاشت ست الحسن و الجمال مش راضيه تبعد عنها..’
حلا بانفعال
” يعني ايه الكلام دا. هو بمزاجها! دي هي الي تمشي و تغور في داهيه. اسمعي يا سما مفيش مشيان من البيت دا و لو عملتيها لا انتِ بنت عمتي و لا اعرفك ولا لساني هيخاطب لسانك ليوم الدين. سمعاني.”

سما بتعب
” حلا الله يباركلك بلاش كلامك دا..”
قاطعتها حلا بصرامة
” بلاش انتي عبطك دا و انسي اللي بتفكري فيه دا خالص.. و إن كان عالست جنة دي أنا هعرف أوقفها عند حدها. و اعرفها ازاي تتجاوز حدودها معاكِ”

*************

كان الأخوان في المكتب يناقشان أمور العمل وكان سالم كل دقيقه ينظر إلى ساعته و منها إلي النافذة مما جعل سليم ينتبه الي ما يحدث فأغلق الاوراق أمامه و قال باستفهام
” في حاجه يا سالم ؟ انت منتظر حد ؟”
سالم باختصار
” مفيش..”
شعر سليم بخطب ما يحدث مع أخيه فاستطرد قائلا
” حاجه مضيقاك..”

قاطعه سالم مفجرا قنبلته دون أي مقدمات
” انا هتجوز فرح ..”

برقت عينا سليم من هول ما سمع حتى أنه أخذ عدة لحظات في محاولة لاستيعاب ما تحدث به أخاه الذي كانت معالمه لا تفسر فتحمحم سليم متجاوزا صدمته قائلاً
” شكلك بيقول انك واخد قرارك و مصمم عليه و دا طبعا حقك . بس ممكن اعرف ازاي حصل دا؟”

نهض سالم متوجهًا الي النافذة واضعا يديه بجيوب بنطاله و أخذ يصارع غضبه الذي كان يحاول إخراجه مع ذرات ثاني أكسيد الكربون العالقة بصدره فقد كان تفكيره الآن منصبا علي تلك التي لم تاتِ حتي الآن بينما هو يحترق بنيران لم يختبرها مسبقا سوي معها و لم يكن يتخيل أن تكون مؤلمه لتلك الدرجة
أعاد سليم سؤاله حين قال
” سالم . سمعتني. كنت بقولك ازاي حصل ..”
قاطعه سالم بخشونة
” من غير الدخول في تفاصيل مش مهمه. انا قررت و انتهي الموضوع.”

” تمام بس اشمعنا فرح بالتحديد يعني انت مش شايف انها مختلفه عنك في كل حاجه ؟”
حديث أخاه جعل ابتسامه ساخره ترتسم علي ملامحه فعلي العكس تماما هي تشبهه كثيرا شموخها و عنادها و قوتها حتي هدوئها الظاهري. كان يود في تلك اللحظه أن يخبره بأنها إمرأته التي خلقت من ضلعه الأعوج الذي استقام بعشقها. يخبره بأنها بالنسبه اليه كانت تحدي ظن أنه انتصر به و الحقيقه أنه هزم أمامها و أعلن قلبه رايه التسليم في هواها متيما.. ولكنه كعادته يفصح أقل بقليل مما يخفي اكتفي بالقول
” مناسبة ليا “

صمته و عضلاته التي تشنجت عند ذكرها و ايضا ذلك النفس الذي خرج محترقا من بين ضلوعه كل تلك الأشياء جعلت سليم يواجه حقيقه لم يكن يتوقعها أن أخاه وقع بعشق تلك المرأة!
” سالم . انت؟؟”
سالم بفظاظة
” مش عايز استنتاجات معنديش استعداد أجاوب عليها يا سليم..”

تفهم سليم شعور أخيه جيدا فهو بمثل موقفه لا يقدر على التبرير و لا حتى الإفصاح عما يدور بداخله لذا توجه يقف بجانبه ينظر من النافذة وهو يقول بهدوء
” الي تشوفه يا سالم. بس اكيد مش هتعمل حاجه قبل ما تعدي سنه علي وفاة حازم علي الأقل. انت عارف الحاجه غير أنه مينفعش.”
نجح في إخفاء حزنه وغضبه بداخله و قال بخشونه
” متقلقش. مفيش حاجه هتم قبل ما جنة تولد بالسلامه و سنوية حازم تعدي..”

هدير سيارة جعل الغضب يحل محل الحزن حيث تبدلت معالم سالم و بدأ متحفزا و كأنه نمر يوشك على الانقضاض على فريسته حين رأى فرح التي ترجلت من السيارة و تتحدث مع مروان بدون تحفظ و ابتسامتها تملأ وجهها و ذلك الوغد يضحك ملأ فمه الذي يود تلك اللحظة أن يعطيه لكمة قوية تُحطِم أسنانه حتى لا يضحك معها مرة ثانيه .
ازدادت شراسة معالمه حتى كادت أنيابه أن تظهر و قال بصوت يشبه الزئير في قوته
” هاتلي الكلب الي اسمه مروان دا هنا ..”

تفاجئ سليم كثيرًا من مظهر أخاه و نبرته المتوعدة و لكنه لم يعلق و توجه إلي الخارج فوجد جنة التي كانت تهرول الي باب القصر عندما علمت من الخدم بوصول شقيقتها فبلغت سعادتها عنان السماء و أطلقت الريح لساقيها حتي تلاقيها و لكنها تفاجئت من تلك القبضة القوية التي أحكمت الإمساك برسغها فالتفتت بصدمه لتجد عينان تعرفهما جيدا فاحمرارهما و ذلك الغضب الذي يميزهما لم تراه أبدا في حياتها سوي عندما شاهدته.
كانت أنفاسها المتسارعة و دقاتها الهادرة و شفتيها المرتعشتين اغواء قاتل لقديس مثله لم يذق معني العشق بحياته و لم يتذوق من شهده رشفه واحده و لكنه الآن متجسد أمامه كالتفاح الحرام الذي يغريه من بعيد و لا يجروء علي لمسه.اجل كانت تلك تفاحة أدم التي ستودي به الي الهلاك.
” مش تحاسبي. ازاي تجري بالشكل دا و انتي حامل..”
برقت عيناها من حديثه و اهتمامه المفاجئ بها الذي جعلها تقول دون احتراز
” نعم. انت خايف عليا و لا أنا خدت شومة علي دماغي باين !”

بلمح البرق تركتها يداه بغته و اعتدل في وقفته و حاول إخفاء لهفته الغبيه التي وضعته في مأذق الآن فقال بتهكم
” لا الشومه دي فعلا انتي تستحقي تاخدي بيها علي دماغك علي استهبالك دا!”

اغتاظت من وقاحته فقالت قاصده استفزازه
” مش قولتلك ملكش دعوة بيا و لو شوفتني بموت كبر دماغك مني! مالك و مالي؟”

اشتعل حنقه أكثر من حديثها فقد قالت ما يود أن يقحمه بقلبه الغبي الذي لا يعلم لما يحاوطها بهذا الشكل و لكنه أبى ان يجعلها تظفر بنصر آخر عليه فقال بفظاظة
” توضيح بسيط انتي متفرقيش معايا. انا بس خايف عالي في بطنك و الي حذرتك قبل كدا انك تعرضيه للخطر. قولتلك كدا ميت مرة و لا مقولتش ؟”

تابعت استفزازه قائله

“انت بتقول كتير الصراحه و أنا مبركزش!”
هدر بغضب
” متضايقنيش احسنلك ”
كانت مستمتعه ب إغضابه كما كان يفعل دومًا فتابعت بتهكم
” انت كدا كدا علي طول متضايق فبلاش تلبسني تهم عالفاضي .”

أوشك أن يجيبها فقاطعه صوت مروان المازح حين قال
” جنة . بت يا أم حزومبل . انتي فين اختك جت من السفر ..”
” جايه يا مارو اهوة..”
هكذا أجابت جنة علي مروان و هرولت للخارج تاركه خلفها شعلة من النيران المتأججة التي كانت قادرة على حرقها في تلك اللحظة.

ارتمت جنة بأحضان فرح التي استقبلتها بشوق بالغ فقد كانت تلك المرة الأولي التي تبتعد عنها و كانت تعد الدقائق و الساعات حتى تأتي و تحتضنها خاصة وقد كانت خائفه من تركها وسط هؤلاء البشر ولكن لأول مرة غُلِبت على أمرها و انحنت أمام أوامر ذلك المتسلط..
” وحشتيني اوي يا فرح .. أخيرًا جيتي..”
فرح بشوق
” انتي وحشتيني اكتر يا جنة .. والله ما كنت عايزة اسيبك اصلا بس للضرورة أحكام.هعمل ايه بس ؟”

تدخل مروان قائلا بمزاح
” قصدك حكم قراقوش.. قولي قولي متتكسفيش سرك في بير.”

قهقهت الفتيات علي مزاحه و قالت فرح من بين ضحكاتها
” يا ابني انت ايه . بطني وجعتني من كتر الضحك.. ”
مروان بمزاح
” اي خدمه عدي الجمايل. الواحد بيداينكوا عشان لما ييجي يتزنق تلحقوه..”
جنة محاولة إغاظته
” مبتعملش حاجة لله أبدا. والله انت تستاهل إلي ريتال بتعمله فيك..”

مروان بتهكم
” ريتال دي المفروض طفله و أنا باخد بالي منها بس تصدقي بالله احيانا بحس ان انا الي عبيط و هي الي عارفه كل حاجه. تحسيها واحده عندها سبعين سنه و اتسخطت.. مشرداني الله يسامحها..”

تعالت قهقهاتهم أمام ذلك الذي كان غضبه تخطي حدود المسموح فقال بصوت ارعدهم جميعا
” مروااان.”

انتفض مروان في مكانه و قال بذعر
” مين. مروان مين؟ اكيد مش انا..”
لا تعلم لما شعرت بالانتشاء لغضبه الذي تجلي بوضوح في صوته لم تكن تري ملامحه فقد كانت تلمحه منذ أن ترجلت من السيارة و هو يقف في النافذة و لهذا و بالرغم من تعبها إلا أنها أرادت أغضابه.
جنة بإشفاق
” اهو قراقوش شكله سمعك. الله يرحمك كنت طيب و بتسلينا. مين هيضحكنا بعدك يا مارو”
ناظرها مروان بإشمئزاز قبل أن يقول
” هو ده اللي ربنا قدرك عليه تعددي عليا و أنا لسه عايش. اومال لما اموت هتعملي ايه. حسبي الله ونعم الوكيل يا شيخه “

أنهى حديثه وتوجه إلى الداخل بينما استدارت فرح نصف استدارة و ألقت نظرة متشفيه على ذلك الذي كان كتلة من الجحيم في تلك اللحظه و لكن لحسن حظها فقد حجب الزجاج ملامحه التي تنذر بهبوب عاصفة هوجاء قد تكون هي أول ضحاياها. و لكنها واصلت عبثها معه حين قامت باحتضان شقيقتها و توجهت معها الي الملحق الخاص بهم دون أن تمر عليه لمعرفة إذا ما كان يحتاجها ام لا .

بينما عيناه تأكلانها بنظراته الغاضبة وهي تغادر و نظرتها له وكأنها تتحداه علنًا. ولكنه قبل تحديها الصامت متوعدا
” ماشي يا فرح. انتي اللي ابتديتي ..”

دلف مروان و خلفه سليم الغاضب الي داخل الغرفة و حين اغلق الباب بقوة جفل مروان الذي قال بتملق
” أخيرا الباشا الكبير بتاعنا وصل. نورت بيتك والله . شوف الدنيا كلها كانت مضلمة من غيرك “

التفت إليه سالم بمعالمه التي بدت وكأنها آتية من الجحيم مما جعل مروان يتراجع خطوتان للخلف فزعًا و خاصة حين اقترب منه سالم بخطٍ سُلحفيه وهو يقطم شفته السفليه بحنق و يهز برأسه قائلا بتوعد
” اهلا … اهلا بالي مقضيها هلس و لعب و مش عامل اعتبار لحد”

تراجع مروان خطوتان فوجد كف سليم يهبط بقوة على كتفه فاوقفه في مكانه و هو يقول بنبرة مرعبة
” مكانك يا خفيف..”

توقف مروان بمكانه و هو ينظر إلي هذان الوحشان بذعر قائلا بتلعثم
” ايه يا رجاله في ايه؟ دانا زي ابن عمكوا بردو.. انتوا هتبلعوني و لا ايه ؟ لا بقولكوا ايه دانا معايا الباسبور الأمريكي.”

قاطعه سالم بوعيد
” انت بتهددنا ولا حاجه ؟”
مروان بنفي قاطع
” لا اهدد مين دانا يتقطع لساني.دانا بعرفكوا بس عشان لو محتاجين اي حاجه من هناك يعني!!”

سالم مرددا كلمته بوعيد

” بتعرفنا اه.. ولا انت مش عاجبني !”
مروان بصدمه
” ليه و أنا كنت عملت ايه ؟”

سالم بفظاظة
” قعدتك في البيت وسط الحريم دي مش عجباني ! ”
مروان باندفاع
” هو في أجمل من قاعدة الحريم. “

سالم بحدة
” نعم ! ”
مروان مصححًا
” أااا .لا. أقصد ولا عجباني انا كمان . ما تشوفولي شغل يا جدعان . انا اتخنقت الصراحه. مانا مش جاي هنا اقعد يعني “

نظرا الإخوان لبعضهما البعض بغموض و تحدث سليم قائلًا بوعيد
” بس كدا . غالي والطلب رخيص ..”

*****************

بعد مرور أسبوع

كان الوضع هادئًا أو لنقل هدوء ما قبل العاصفة فقد كان سليم يتحاشى التواجد في المنزل حتى يحاول الوصول إلى قرار مع نفسه تاركًا خلفه جنة التي لا تعلم لما كانت تفتقده. هناك شعور ما لا تختبره سوي بوجوده لا تعلم و لكنها كانت تشعر بأن هناك شئ ينقصها ولا تجروء علي الإفصاح عن مكنوناتها حتي الي شقيقتها التي كانت بعالم آخر فهو يتجاهلها و يتعامل معها في حدود العمل فقط بضع كلمات مقتضبة عما يريده او يحتاجه دون حتى أن ينظر إليها و لا تعلم لما كان هذا يغضبها بل يؤلمها كثيرًا .
و لدهشتها افتقدته . برودة استفزازه. ردوده اللاذعة. كانت تفتقد نزاعاتهم و حروبهم الباردة و لكنها أبدا لن تفصح عما يدور بداخلها و رضيت بأن تتلظى بلهيب البعد و هو أمامها .

كانت ترتب اوراقها علي المكتب فقد حان موعد الغداء وهي قد أنهت كل الأعمال التي اوكلها إياها و توجهت الى باب المكتب فأوقفها رنين هاتفها كانت جارتهم السيدة علا فأجابتها فرح و بعد تبادل السلامات قالت علا بعتاب
” كدا يا فرح ارن عليكي كل دا ولا تروديش عليا؟ . ”
فرح بتبرير
” والله يا حاجه غضب عني انشغلت و لما جيت رنيت عليكي اداني غير متاح .. حقك عليا متزعليش”
” لا ولا يهمك انا بس كنت عايزة احكيلك علي الجدع قريبكوا الي جه سأل عليكوا دا ..”
فرح بانتباه
” قريبنا! قريبنا مين ؟”
قصت علا عليها ما حدث و زيارة ياسين لها فاندهشت فرح من حيدثها و قالت بإستفهام
” مقالكيش اسمه ايه ؟”
” لا مقاليش بس وراني بطاقته . استني هفتكرلك اسمه ايه ؟”
في تلك الأثناء كان ياسين يقف أمام باب المنزل الذي علا جرسه فتوجهت الخادمة لفتحه و سألته بلطف
” مين حضرتك ؟”
اجاب ياسين باحترام

” دكتور ياسين وفيق عمران . و عندي معاد مع سالم بيه ”
تسمرت فرح في مكانها لدي سماعها ذلك الاسم و حينها صدح صوت السيدة علا التي قالت بلهفه
” اه يا فرح افتكرت اسمه ياسين..”
فجأة سقط الهاتف من يدها ووووو

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية في قبضة الأقدار)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى