روايات

رواية في قبضة الأقدار الفصل الثاني والأربعون 42 بقلم نورهان آل عشري

رواية في قبضة الأقدار الفصل الثاني والأربعون 42 بقلم نورهان آل عشري

رواية في قبضة الأقدار الجزء الثاني والأربعون

رواية في قبضة الأقدار البارت الثاني والأربعون

في قبضة الأقدار
في قبضة الأقدار

رواية في قبضة الأقدار الحلقة الثانية والأربعون

من كل قلبي اتمني لو يلتقي الكبرياء و العشق يومًا ما عند مفترق طرق تقودنا الى درب واحد نسلكه سويًا. فقد سئمت و روحي من المقاومة فتلك الحرب ليست عادلة و خسائرها فادحه. فـ قلبي فلسطيني أعزل وعيناك قدسي الغالية لذا فـ التخلي ليس من ضمن قائمة اختياراتِ فأنتِ وطني الذي لا اعرف وطنًا غيره فـ أنا منه وإليه أعود ..

نورهان العشري ✍️

🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁

” هو في ايه بيحصل بره ؟”

هكذا استفهمت «ساندي» لدى سماعها أصوات شجار في الخارج فحاولت النهوض لترى ماذا يحدث فتدخلت والدتها التي قالت بتوتر
” خليكِ انا هشوف في ايه؟”

اطاعتها بصمت فتوجهت «منال» للخارج فرأت زوجها الذي كانت الصدمه تلون معالمه بالكامل و هو يناظر عدى» الذي كان ينتفض غضبًا و هو يخاطب رجال الشرطة
” والله ما عملت حاجه . اغتصاب مين و كلام فارغ ايه ؟ سيبوني..”

تدخل «سعد» قائلًا باستفهام
” حضرة الظابط ممكن تفهمني في ايه ؟ اغتصاب ايه و مين البنت دي ؟”

الضابط باختصار
” هتعرف كل حاجه في القسم . هاتوه..”
و بالفعل قام رجال الشرطة بأخذه و هرول «سعد» خلفه بعد أن التفت إلي زوجته قائلًا بتحذير
” اوعي تجيبي سيرة لساندي و أنا هروح اشوف الزفت دا نيل ايه ربنا يستر ..”

اومأت «منال» قائلة بلهفة
” حاضر .. متقلقش بس متنساش تطمني ..”

أومأ بالإيجاب و اندفع خلف «عدى» بينما اخت تردد بحسرة
” يا عيني عليكِ و علي بختك يا بنتي . استرها من عندك يارب ..”

” في ايه يا ماما ؟”
هكذا تحدثت «ساندي» فالتفتت «منال» بلهفه و خرجت كلماتها مبعثرة
” ايه .. لا . مفيش . حاجه . دا . دا باين باباكي . راكن غلط . و الناس .. طلعت . تشكتي فراحوا . يشوفوا في ايه .. متقلقيش . شويه و هيطلعوا…”

لم ترتح ل إجابتها ولكنها لم تكن في وضع يسمح لها بالحديث أكثر فقد بدأ الألم بالزحف الى جسدها بعد انتهاء ميعاد المسكن فشعرت والدتها بذلك وتقدمت منها قائلة بحنان
” ميعاد ادويتك .يالا عشان تاخديها..”

لامس حنان والدتها زاويه ما بقلبها ولكن عقلها رفض ذلك الإحساس بشدة ف تراجعت خطوة للخلف قبل أن تقول بجفاء
” متشغليش بالك. انا عارفه مواعيد ادويتي و هاخدها .”

أنهت كلماتها و تراجعت الي غرفتها تاركه خلفها «منال» التي أخذت تتخبط بين الندم و الحسرة و الألم …

***************

كانت أيامًا ثقيلة يحاول تجاوزها بشق الأنفس فكل ما يحيط به يُنذِر بالسوء. بالرغم من كونه شخصًا مؤمنًا و ذو عقيدة راسخة بأن رب الخير لا يأتي إلا بالخير ولكن بداخله شعور قوي بأن السئ قادم. قد يكون ذلك الشعور تولد نتيجة ل ألمه الداخلي و الذي يحاول بقوة الصعود على السطح و هو يقاومه دافنًا نفسه بين طيات الأوراق يحاول الانغماس في العمل حتى ينسى تلك اللحظة التي سيدخل بها غرفته وحده. يعلم بأنها قريبة كل القرب منه و لكن لا تطالها يده. يتلظى بنيران الشوق والألم معًا ولا يستطيع التعبير عن ذلك. فقد كان صامتًا على الرغم من ثرثرة عقله التي لا تتوقف.

انتصف الليل و هلك الجسد فلم يعد يتحمل اكثر فزفر بإرهاق و نهض ناصبًا عوده فاعلن جسده عن ما ألم به من تعب عن طريق طقطقه قويه لعظامه التي تنشد الراحة ولكن أي راحة الالم الحقيقي منبعه القلب ..؟
بأقدام متثاقله دلف الي داخل غرفته فوجدها سابحة في الظلام إلا من نور خلفت تسلل من غرفة الملابس يعلن بأنها لازالت مستيقظة.. أدار وجهه إلي الجهة الأخرى فقلبه بدء نوبة تمرده يغويه بالتوجه الي مكانها ولكنه قام بردعه و التوجه إلي الحمام ل أخذ حمامًا منعشًا يزيل عنه آثار وأعباء هذا اليوم الطويل وبعد أن قضى أكثر من ربع ساعه أسفل المياه الدافئة خرج ينوي الذهاب رأسًا الى السرير حتى يحمي نفسه من اغراء أفكار قلبه المتمرد ولكن دائمًا تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن. ف حين التفت ليرتدي ملابسه تفاجئ من أنه لم يجلب اي شئ يستر به جسده الذي كان يحيطه بمنشفة صغيرة تطوق خصره لتصل إلي ركبتيه. و ملابسه هناك في غرفة الملابس التي هي أكثر مكان يود الفرار منه الآن.

زفر بقوة قبل أن يأخذ قرارًا بأن يذهب الي هناك و ليكن الله بعونه حتى تمر تلك الدقائق بسلام .

كانت جالسه علي السرير تستند برأسها علي ظهره وهي تتذكر كل ما حدث معها و كيف أخطأت بحقه و ها هي تدفع ثمن خطأها ألمًا وشوقًا لا تعلم كيف تعبر عنه ؟

هبت واقفه حين سمعت صوت باب الغرفه يفتح فعلمت أنه أخيرًا جاء فأخذ قلبها يدق بعنف آلمها تود لو تخرج إليه و تخبره كم هي آسفه بل نادمة علي ما حدث لكنها كانت تخشي أن تتلقي منه رفضًا قد لا تتحمله.. ترى بعينيه تعب و ألم تعلم أنها أحد اسبابه ولهذا لا تجروء عن سؤاله عن ما به. تريد فقط أن تخفف احماله التي تعلم أنها ترهقه كما تعلم أنه أبدًا لن يشتكي. فهي طبيعته.

زفرت بقوة جراء تلك المعركة الدائرة بداخلها والتي لا تسفر عن أي نتيجه فهي بالنهاية حائرة خائفة لا تجرؤ على اتخاذ القرار
” يارب . حلها من عندك بقي . انا تعبت ومبقتش قادرة اتحمل ..”

هكذا خرجت الكلمات منها معذبه وما أن انتهت حتى تسمرت بمكانها لدى سماعها ذلك الطرق الخفيف علي باب الغرفة فالتفتت تناظر الباب بلهفه وهي غير مصدقه هل فعلًا سمعت طرقًا أم أن حُمى الشوق بقلبها جعلتها تتخيل ؟
عاد الطرق مرة أخرى فارتسمت ابتسامة بلهاء علي شفتيها فهي لم تكن تتخيل و بخطٍ متلهفة توجهت الي الباب وقامت بفتحه فتجمدت عينيها على صدره العارى الذي يعج بالعضلات التي اختطفت بصرها لثوان . كما اختطف أنظاره مظهرها الرائع وهي بذلك اللباس البيتي المكون من قطعتين إحداهما بنطلونا من الستان و بلوزة صيفية من نفس القماش بندقية اللون ذو حملتان رفيعتان تغرقان ببحر من الحليب الذي يلون كتفيها التي تحيط بها خصلات شعرها المتمرد فبدت فاتنة بحق .
و قد كان هذا أكثر ما يخشاه اغواء قاتل قد لا يقدر على مقاومته و حتي أن تغلب على جيوش شوقه و رغبته فهذا سيكون هلاك من نوعًا آخر.
ولكنه لم يكن وحده من يتعذب ف رؤيته بهذه الطريقه كانت أكثر من مهلكه على قلب اختلط به العشق و الشوق و الندم معاً .. فكان من المفترض الآن أن تكن بين ذراعيه تنعم بعشقهم الجارف معًا تقف تناظره من بعيد بشوق ضارى لا تقدر عن التعبير عنه. ك جائع يعرض أمامه اشهي انواع الطعام ولكن محظور عليه حتي الاقتراب منه. هذا كان حالها .

طال الصمت عن المعتاد وكان كلًا منهما يشكو معاناته للآخر بسيل من النظرات القوية التي قطعها صوته الجاف حين قال
” معلش لو صحيتك . بس كنت عايز هدوم.. عشان ألبسها.. هدومي كلها هنا “

بللت حلقها الجاف و قد فطنت لسبب قدومه الذي كان مخيبا ل آمالها ولكنها حاولت أن تخفي ذلك قدر الإمكان حين قالت
” اه طبعًا. اتفضل. انا مكنتش لسه نمت..”

خطت أقدامه إلى الداخل يحاول تجاوز وجودها المهلك و رائحتها الشهية و تقدم من أحد الأرفف ساحبًا أحد السراويل القصيرة بعجاله ثم عاد ادراجه الى الخارج ولكنه توقف. لا يعلم لما؟ ولا ماذا سيقول؟ فقط أراد أن يطيل الحديث معها. يقر عينيه برؤيتها لمدة أطول فالتفت قائلًا بنبرة خشنة
” جنة هتسافر اخر الاسبوع. عشان الجلسات عرفتي ؟”

” اه عرفت.. هي قالتلي. بس بتقول هيكلموا الدكتور عشان الجلسات تكون هنا واقدر اكون موجودة معاها..”

هكذا تحدثت بلهفة فقال بفظاظة
” لو حابه تروحي معاها. براحتك “

لو لم تكن تعلم سابقًا من شقيقتها بأنه رفض هذا العرض لكانت ماتت ألمًا فهي من أخبرتها بأن تطرح هذا الامر علي «سليم» لتري ردة فعله ولكنها الآن تعلم أنه مازال غاضبًا بل متألم بسبب ما حدث لذا تحدثت بثبات
” لا. انا هستني لما تروح و ترجع و مدام سليم معاها انا مطمنه. “

ارتاح قلبه ل إجابتها ولم يعلق اكتفي بإيماءة بسيطة من رأسه و أوشك علي الالتفات فجاءت كلماتها التي جعلته يتوقف بمكانه
” اتعشيت ولا اجهزلك العشاء ؟”

أراد أن يخبرها بأن جوعه لم يكن للطعام ولكن اكتفي بالقول
” لا مش جعان.. ”
” بس غلط كدا.. انت فين من ميعاد الغدا؟ عدي اكتر من تمن ساعات..”

هكذا تحدثت بلهفه فقد كانت تريد أن تطيل معه الحديث قدر الإمكان ولا تعلم بأنها تضعه في تحدٍ عنيف بين ثباته التي بدأ يتلاشى و بين شوقه الضاري لها و خاصةً وهي بتلك الهيئة فحاول التماسك قدر الامكان قائلًا بفظاظة
” انا بحب انام خفيف.. “

” غلط علي فكرة .. أن لبدنك عليك حق”
عاندته حين رأت عروقه النافرة التي تدل على مقاومته الضارية ل مشاعره نحوها وقد تذكرت حديث «أمينة» التي قالت بتعقل
” جوزك بيحبك. يعني قلبه في صفك. كل راجل وله طريقه اه. بس الرجاله كلها بيجتمعوا في نقطة الغريزة فلما تجمعي بين قلبه و غريزته يبقي أنتِ ملكتيه العمر كله.. و لو معرفتيش تستغلي دا يبقي أنتِ غبية”

علمت أنها في الطريق الصحيح لذا قررت اللعب بشتى الاتجاهات حتى تعيده الي أحضانها من جديد.
” متشغليش بالك.. انا متعود على كده..”

هكذا أجابها بفظاظة فقد ضاق ذرعًا بعنادها و أراد الهرب من بين براثن اغوائها القاتل فتوجه إلى داخل الغرفة فتبعته قائلة
” انت بتقاوح في الغلط ليه ؟”

توقف بمنتصف الغرفة وقال بخشونة
” عايز اغير هدومي لو حابه تفضلي عندك تتفرجي انا معنديش مانع..”

تسمرت بمكانها لدي سماعها كلماته التي جعلت فكها يتدلى من فرط الصدمة و خرجت شهقه قويه من جوفها لدي رؤيتها يده التي امتدت تمسك بطرف المنشفه فالتفتت بلمح البرق الي غرفة الملابس مغلقه الباب خلفها بعنف فلم ترى ضحكته العابثة ولا ذلك النفس القوي الذي خرج حارقًا من جوفه ..

***********

وقعت فريسة لذكرياتها المؤلمة بقدر روعتها فباتت ليلها تضحك تارة و تبكي أخرى وهي ترى صورًا من الماضي تعكس لحظات لن تعود و لن تحيا مثلها أبدًا..
جاء الصباح وهي غارقة ببحور العذاب حتى أنها لم تنتبه لشروق الشمس الذي أضاء الغرفة ف قلبها كان غارقًا في ظلام الوجع الذي بعد مرور تلك السنوات لم يهدأ أبدًا .
طرق قوي على باب الغرفة جعلها تقوم بلملمة اوجاعها و دفنهم بصندوقها السري الذي أتقنت اخفاءه في خزانة ملابسها و قامت بكفكفه عبراتها قبل أن تقول بصوت مبحوح
” ادخل…”
أطلت «شيرين» برأسها من الباب لتقع نظراتها علي «همت» التي كانت عينيها تحكي مقدار الألم الذي تحاول جاهدة اخفاءه حين قالت بجفاء
” خير عالصبح..”

تقدمت «شيرين» من والدتها تناظرها بقلق تجلي في نبرتها حين قالت
” مالك يا ماما .. في أي؟”

«همت» بجفاء
” مفيش . جايه ليه ؟”
” لسه بردو زعلانه مني؟”
أدارت رأسها الناحية الاخرى وهي تقول بنبرة قاسية
” مش عايزة اتكلم فى حاجه ..”

عاندتها بتوسل
” طب عشان خاطري. خلينا نتكلم و اسمعيني بعد كده لو عايزة تضربيني انا موافقه..”

التفتت تناظرها بحدة تجلت في نبرتها حين قالت
” اضربك.. فكرك بالكلام ده هتضحكي عليا ؟ اديني سبب واحد مقنع يخليكِ تعملي في نفسك اللي عملتيه دا؟ “

” كان غصب عني ..”
هكذا اجابتها وهي تخفض رأسها فصاحت «همت» غاضبة
” كذب. أنتِ قبلتي بالوضع دا عشان تثبتي لسالم انك مش هتموتي من غيره . تموتي نفسك بالبطئ عشان خاطره. زي بردو ما حاولتِ تموتي نفسك قدامه عشان ميروحش الفرح ومهمكيش دموعي ولا وجع قلبي عليكِ.. ليه بتبهدلي في نفسك كدا.. ردي عليا… ليه هاينه شيرين عليكِ كدا؟”

استفزها حديث والدتها بشكل كبير وللحظه أوشكت على اخبارها بكل شئ ولكنها تراجعت بآخر لحظة و قالت بنبرة متألمة
” عشان معنديش حد غيره. محبتش حد غيره. هو كان بالنسبالي كل حاجه . قبلت بعقابه انا حتي فرحت بحالة احمد. لاني فعلا مكنتش هتحمل راجل غير سالم يقرب مني.. و رجعت عشان متحملتش يكون ل واحده غيري.. و بموت وانا بتخيله معاها..”

” و غلطي معاه من الأول ليه ؟ ماهو كان جمبك و معاكِ و كان زمانك متجوزاه ومخلفه منه . أنتِ الي اتملعنتي و لعبتي بديلك.. “

هكذا اجابتها «همت» بقسوة فصاحت «شيرين» بغضب
” حرام عليكِ تعيدي و تزيدي في الموضوع من تاني . شرحتلك الف مرة اني غصب عني غلطت. ايه اللي يغلط عندكوا يندبح !!”

«همت» بنبرة جريحة
” احنا اللي بنندبح من غلط اللي بنحبهم . عشان كدا مستحيل نقدر نسامح ..”

” أنتِ زيه و شبهه علي فكرة . زي ماهو عاقبني و رماني أنتِ عاقبتي بابا و اتخليتي عنه..”
تألمت بقوة حتي أن عينيها فاضت ب عبرات غزيرة انهمرت علي وجنتيها حين قالت
” و أنتِ للأسف زي ابوكي .. عايزة تاخدي كل حاجه مش مهم ب تدوسي علي مين ؟ وعايزة بردو الناس تسامحك علي كل اللي بتعمليه. من غير ما يكون ليهم حق حتي يتألموا. زمان هو خاني و استكتر عليا اتعذب من خيانته. “

خرج صوتها جريحًا معذبًا حين قالت
” مخانش .. بابا مخانكيش أبدًا. هما اللي ضحكوا عليكِ وفهموكي كدا زمان عشان يبعدوكي عنه..”

«همت» بسخرية مريرة
” الوحيد المضحوك عليه هو أنتِ .. لو كنتِ ماشيه وراه هتندمي عشان ابوكي معندوش لا عزيز ولا غالي..”

«شيرين» بألم
” حرام عليكِ .. ابويا عاش عمره كله علي ذكراكِ . بالرغم من انك اتخليتي عنه. و صدقتيهم . ”
” عشان هما مكذبوش.. “

هكذا صرخت «همت» بقهر ف تراجعت «شيرين» للخلف مصدوم فتابعت «همت» بألم
” لو هما كذابين فاحساسي عمره ما هيكذب ..”

” طب و لو اثبتلك بالدليل أنهم كذبوا. و لو وريتك بعنيكِ أنهم كذابين تقبلي ترجعيله تاني ؟”

كانت تتحدث بثقة نجحت في زعزعة ثبات «همت» للحظات ولكنها صاحت برفض
” أي حاجه منه عارفه انها كذب ابوكي يقدر يزيف الحقائق و العكس بمنتهى الاحترافيه..”

«شيرين» بقوة
” مش كل حاجه ينفع تتزيف يا ماما .. بابا مش خارق. و عمومًا انا هوريكِ بعينك أن بابا اتظلم منهم زمان و أن اللي كانوا عاملين حبايبك هما الي طعنوكي في ضهرك .”

«همت» بريبة
” تقصدي مين ؟”
” أمينة. تنكري انك كنتِ عارفه انها امنت بتحبه زمام قبل ما اتجوز خالي ؟؟”
تراجعت «همت» بصدمة
” ايه ؟”

*******************

كان يسير بعربته بين الأروقة و الطرقات لا يعلم وجهته و لا يفهم ذلك الضيق الذي يملأ قلبه منذ البارحة.
حديثها و نظراتها المتألمة و قهرها الكبير يدميان قلبه. لم يكن من أصحاب القلوب اللينة لطالما كانت الناس تخشاه نظرا لقسوته و عنفوانه ولكن ماذا جرى له؟
هناك مشاعر قاسية وغريبة من نوعها تجتاحه ك فيضان لا يقدر على مقاومته .. نيران الذنب تحرق أحشاءه من الداخل و كلماتها تُعاد علي مسامعه كل لحظة فيزداد ألمه تشعبًا داخل صدره. فلم يعد يحتمل البقاء بغرفته و خرج منذ الصباح يجوب الطرقات لا يعلم عما يبحث ولكنه يحاول الهرب من ذلك العذاب الذي طرد النوم من عينيه الليلة الفائته ..

خفقة قوية ضربت قلبه حين شاهد تلك التي كانت تمشي بخطٍ مثقلة و ملامح واجمة وهي تحمل بيدها وعاء بيه أسمنت و تقوم بنقله الي موقع أحد الابنيه و بجانبها الكثير من مثيلاتها مِن مَن يقمن بهذا العمل الشاق ف تحفزت كل خليه به و تصاعدت أبخرة الغضب إلى رأسه خاصةً حين وجد أحد الرجال يناظرها بنظرات وقحة فاوثف عربته بعنف جعل الخيل يصهل بقوة و قام بالقفز من فوقها وهو يتوجه بأعين ترسلان سهامًا مشتعلة و قام بلكز ذلك الرجل في كتفه وهو يقول بغضب
” واجف جدام الحريم أكده ليه يا بغل انت؟”

تراجع الرحل بذعر من رؤيته وقال بتلعثم
” اني. اني بشرف عليهم يا عمار بيه. ”
” طب غور من وشي. و شوفلهم حرمة غيرك تشرف عليهم.. “

اطاعه الرجل دون حديث مبتلعًا إهانته بصمت بينما توجه هو إلى تلك التي ضربت رجفة قويه جسدها بالكامل حين سمعت صوته ولكنها لم تحاول الالتفات حتي بل تابعت طريقها الي حيث تضع ما بيدها ولكنها تفاجئت منه حين قام بجذب ذلك الوعاء بقوة و إلقاءه أرضًا وهو يقول بفظاظة
” بتعملي ايه اهنه؟”

التفتت بأعين جامدة تشبه لهجتها حين قالت
” چنابك شايف اي؟”

اغتاظ من حماقة استفهامه فتجاوز عن اجابتها وقال آمرًا
” تعالي عايز اتكلم معاكِ في موضوع مهم..”
” لاه..”

فاجأة ردها القوي و الصارم ف اكفهرت معالمه و احتدت عينيه و شابهتها لهجته حين قال
” أنتِ اچنيتي يا بت . بجولك عايز اتكلم معاكِ تجوليلي لاه..”

أكدت علي حديثها قائلة بجفاء
” ايوا لاه.. اني مش فاضيه للحديت مع حد ورايا شغل و كمان مفيش بيني و بينك حاچه نتكلموا فيها.. “

ابتلع جمرات غضبه وقال من بين أسنانه
” شغلك موچود . انا موافجتش انك تسيبيه. و دلوق انچرى جدامي مفيش شغل ليكِ أهنه ولا أنتِ عاچبك الرچاله الي عينها هتطلع عليكِ أكده؟”

كانت كلماته مسمومة بقدر غضبه من نظرات ذلك الرجل لها وقد جاءت فى أكثر الأوقات الخطأ فسددت سهمًا اخر لها فردته هي بحرفيه لم تكن مقصودة حين قالت
” والله ده شئ ميخصكش. اللي يبص يبص. ايه مزعلك؟ “

كان سؤال وجهه لنفسه اولًا والتي هربت من إجابته والآن اعادته هي علي مسامعه فهل يهرب ؟ أو السؤال هنا كيف يهرب ؟”
” لسانك طول. و صار لازمن ينجطع . فوتي جدامي..”

” لااه..”
هكذا أجابته بقوة و إصرار فتحولت عينيه الي بركة من الدماء الغاضبة فتابعت هي بجفاء
” بعد عني يا كبير. و لو مفكر انك بفلوسك و سلطتك تجدر تبيع و تشتري في الخلج فمش كل اللي ينشرى و لا كل الي ينباع.. عن اذنك..”

ألقت كلماتها بوجهه ثم شيعته بنظرات ساخطة قبل أن تقوم بالعودة الي عملها تاركه خلفها كتلة من النيران التي أخذت تأكله من الداخل ولأول مرة بحياته يشعر بأنه لا يعرف ماذا يقول ولا كيف يتصرف؟ فقط ظلت عينيه معلقه عليها بصمت و انهزام كان الأول لقلبه..

*******************

” لسه بردو متصالحتوش ؟”
هكذا تحدثت «جنة» مع «فرح» التي كانت سابحه بخيالها وهي ترتشف قهوتها الصباحية برفقتها في الشرفة المطلة على الحديقة و الحقيقة أنها كانت بعالم آخر يقتصر عليه فقط و لكن جاءت كلمات «جنة» لتعيدها إلى واقع أليم فتنهدت بحرقة وهي تجيبها
” لا .. و مش باينلها صلح ..”
” ليه بتقولي كدا؟”

لون الامتعاض ملامحها وقالت بتحسر
” معرفش . سالم محتاج وقت طويل على ما يقدر يسامحني و يرجع يتعامل معايا زي الأول و خصوصًا أن شكل في حاجة كبيرة حصلت وهو مش عايز يقول عليها و طبعًا مش هقدر اسأله..”

انكمشت ملامح «جنة» بقلق تجلي في نبرتها حين قالت
” حاجه زى ايه ؟”
” مانا قولتلك معرفش . و ماليش عين اسأل.. انا كل ما ابصله بلاقي عتاب كبير اوي في عينيه.. زي ما يكون كل ما يشوفني يفتكر اللي حصل .. انا بس نفسي اكون جنبه و اخفف عنه شويه “

هكذا تحدثت بحزن لون ملامحها بوضوح فرق قلب «جنة» لحالها و فجأة لمعت عينيها بحماس تجلي في نبرتها حين قالت
” بصي لو هو مش هقول أنتِ تعرفي من بره و وقتها تحددي”

” و هعرف منين ؟ و ازاي ؟”
هكذا تحدثت بيأس فتابعت «جنة» بحماس
” هو واحد بس الي ممكن يساعدنا نعرف في ايه ؟ و بناءً عليه هنقرر الخطة اللي هتمشي عليها عشان تخليه يسامحك..”

التفتت «فرح» تناظرها بعدم فهم ف أردفت «جنة» بحنق
” فرح فتحي مخك شويه . أنتِ اولا لازم تصالحيه زي ما زعلتيه . بس قبل ما تعملي كده لازم نعرف في ايه ؟ خصوصًا أن سليم هو كمان شكله مش مظبوط ومخبي حاجه و أنا بردو هموت واعرف ايه الحاجه دي ؟ بس بردو مش قادرة اسأل فنعرف الاول وبعد كدا نشوف هتعملي ايه ؟”

” طب بردو هنعرف ازاي ؟”
” سيبيها عليا..”

هكذا تحدثت «جنة» و ما أن انتهت حتى أتاها صوتًا عابثًا من خلفها
” يا ساتر استر يارب . متجمعين كده يبقي بتفسدوا مانا عارف تجمع الستات دا آخرته مصايب سودا..”

التفتت «جنة» لدى سماعها صوت «مروان» الساخر فهبت من مقعدها تناظره بصدمة تجلت في نبرتها حين قالت
” يخربيتك . انت جيت منين؟ دانا كنت لسه هقوم حالًا ادور عليك..”

جلس «مروان» علي الكرسي بين الشقيقتين وهو يقول بترقب
” اكيد حظي المنيل هو الي جابني دلوقتي .. انجزي كنتِ هتقومي تدوري عليا ليه ؟ “

اقتربت «جنة» تجلس أمامه وهي تقوم بوضع قطعة كيك في الطبق و تقديمها إليه قائلة بصوت رقيق و نبرة هادئة
” طب فطرت الاول . دي الكيك دي اللي انت بتحبها علي فكرة و انا اللي عملاها.”
” استر.. اهو انا بقي مبخافش غير من الدخلات دي”

هكذا صاح «مروان» بشك فرسمت «جنة» الحزن علي ملامحها و تجلي في نبرته حين قالت
” اخس عليك.. وانا اللي قولت تيجي تفطر معانا و عملت الكيك اللي بتحبه..”

«مروان» بتهكم
“ماهي دايمًا المصايب بتبتدي كدا .. جُر رجل الزبون و بعدين زحلقه وقعه علي دماغه. انجزي عايزة ايه. و هاتي الكيك دا اما ادوقه”

ناولته «جنة» طبق الكيك فأخذ منه قطمه تلو الأخرى و بدا عليه الاستمتاع بطعمه فقال بريبة
” الكيك طعمه رائع و دا في حد ذاته يقلق..”

انكمشت ملامحها بحيرة تجلت في نبرتها حين قالت
” يقلق ازاي؟”
” عشان اللي هييجي بعده هيبقي مرار.. جمال الكيك يتناسب طرديًا مع فداحة المصيبة اللي بتيجي بعده. واللي مخلياكِ قاعدالي كدا زي قرد قطع عينك في كل قطمة بحطها في بقي . لما هيجيلي تلبك معوي. اخلصي عايزة ايه ؟”

أخذت الفتاتان تناظرنه بصدمه تجلت في كلمات «فرح» حين قالت ل«جنة»
” أنتِ فاهمه حاجه ؟”
«جنة» بغباء
” لا..”

رمقهم بسخرية و تابع يأكل بنهم إلى أن توقف الأكل بحلقة فسعل بقوة فهبت «جنة» تناوله كوب المياة بلهفه وهي تصيح
” ادي اخرة التفاصه ..”

«مروان» من بين سعاله
” قصدك آخرة عنيكِ اللي تندب فيها رصاصة..”

قهقهت «جنة» علي مظهره و خاصةً حين جلب قطعة أخرى إلى طبقة وهو يقول و كأن شيئًا لم يكن
” ها ياستي قوليلي عايزة مني ايه ؟ عجبني الكيك و نويت اساعدك خلاص..”

اقتربت «جنة» منه تشير إليه بالاقتراب وهي تقول بصوت لا يسمعه سوى ثلاثتهم
” سالم و سليم مالهم ؟ في ايه شاغلهم اليومين دول و مخليهم مش علي بعضهم؟”

توقف الطعام بفمه وهو يناظر عينيهم المسلطة بقوة عليه فصاح بمراوغة
” بيقولك بقى لما تحطي شويه خل ع الكيكه بيخليها هشه كدا و عامله زي الهوى. إنما الكيكه دي مكتومه .. لا مش قد كدا . أنا بقول اقوم اروح لدادا نعمه اخليها تعملنا صينيه كيكه من بتوعها و بالمرة تعلمك الطريقة .. عن اذنكوا..”

اوشك علي الفرار فوجد يد «جنة» التي امتدت تمسك ساعده وعينيها التي ضيقتها بشر تجلي في نبرتها حين قالت
” اقعد .. بتصيع عليا. طيب يكون في علمك اني مش أنا اللي عامله الكيكه . و مبعرفش اعمل كيكه اصلًا.. نعمه اللي عملاها. ابقي اتجرأ و قول الكلمتين دول قدامها.. و دلوقتي بقي. نتكلم بصراحه و من غير لف ولا دوران. في ايه مخبيينه علينا. انطق و الا متلومش غير نفسك ..”

كانت تحادثه و يدها تلهو في حركة استعراضية بسكين الفاكهة تريد بث الرعب في قلبه و قد نجحت في ذلك فقد بهتت نبرته و تراجع قائلًا
” شوف ياخي و انا اقول بردو . دي استحالة نكون عمايل ايديكِ انتِ تعملي قلقاس . بصارة.. خبيزة إنما كيكه لا طبعاً. “

تدخلت «فرح» بنفاذ صبر
” انجز هتقولنا ولا لا ؟”

زل لسانه وهو يقول بحدة مفتعلة
” انتوا عايزيني أبيع ولاد عمي و اطلع اسرارهم بره؟”

صاحت «جنة» باندفاع
” انا قولت . يبقي اسرار فعلًا واحنا منعرفهاش..”

اغمض عينيه للحظات يلعن غباءه فتدخلت «فرح» قائلة برفق
” مروان . سالم مش متظبط خالص . وانا حاسه ان في حاجه والحاجه دي تخصني و هو كالعادة مبيقولش . فقلنا نسألك انت ب تعتبرنا اخواتك و اكيد هتساعدنا..”

«مروان» بتهكم
“و أنا مين هيساعدني لما يعلقني عالبوابة ويبيع الكيلو مني بقرش ؟ “

” اوف بقي . ما تنشف كدا ولا حد يقدر يعمل معاك حاجه واحنا موجودين .. و بعدين مش احنا اخواتك زي ما قولت ؟”

مروان باستنكار
“هموت و اعرف قولت امتا الكلام دا ! اخواتي منين انا ليا أخ واحد و امريكا بحالها مكنتش وخدانا احنا الاتنين طفشت منه و جيت. بعت معايا المخفية بنته عشان تكمل مشواره في تنغيص حياتي . مين قالك اني عايز اخوات اصلًا.؟”

«فرح» بخيبة أمل
” طب خلاص يا مروان .. مش عايزة اعرف حاجه..”

كام مظهرها محزنًا للغاية فتحدث بنفاذ صبر
” ايه دا أنتِ زعلتى ولا ايه ؟ لا بقولك ايه انا نقطه ضعفي الوحيدة الاقي مزة زعلانه.. “

تدخلت «جنة» معنفة
” طب ما تقول لنفسك . ما هي مقهورة قدامك اهيه…”

زفر بقوة و قال بنفاذ صبر
” طب بصي اديني فرصة أخد و ادي من نفسي كدا و اشوف انا ينفع اقول ايه و ايه الي مينفعش اقوله . دي أسرار بردو ..”

برقت أعين الفتاتين و صحن في آن واحد
” يعني في اكتر من حاجه مش حاجة واحدة ؟؟”

هنا أدرك هفوته فقام بضرب رأسه بظهر يده وهو يتمتم بحنق
” يا وقعتك السودا يا مروان . ”
” مروان يا بتاع سما . أنجز و قول في ايه احسن ما هخلي البيت كله يعرف المستخبي. وانت عارفني مجنونة واعملها…”

” هشششش . اخرسي الله يخربيتك . هتوديني في داهية. ”
هكذا تحدث بلهفه وهو يتلفت بكل الاتجاهات فلمعت عينيها بخبث تجلي في نبرتها حين قالت
” يبقى تتعدل و تقول في ايه ؟”

” جنة .. جنة..”
صدح صوت «سليم» خلفهم فالتفت الثلاث إلي الخلف وما أن رآه «مروان» حتي هب من مكانه وهو يقول بلهفة
” سليييم . حبيب قلبي .. بدور عليك من الصبح . عايزك في موضوع مهم ميتأجلش ثانيه واحدة ..”

كانت فرصته الوحيدة في الهرب من بين براثنهم فهرول الي «سليم» الذي تفاجأ به يجلس بينهم ثم وثب قائمًا تجاهها يجره بعيدًا عنهم ..
” في ايه يا ابني جررني وراك كدا ليه”

«مروان» بلهاث
” اصلك متعرفش . انا كنت في حلقة استجواب مع المحقق كونان و انت جيتلي نجدة من السما..”

«سليم» بنفاذ صبر
” انا مش فاهملك حاجه ياد انت. استجواب ايه و كونان ايه دا مش ناوي تعقل شويه؟”

” كونان دي يبقي الهانم مراتك ..”
هكذا أجابه «مروان» بتهكم ف انكمشت ملامحه بغضب و قال بتقريع
” مالك و مال مراتي يا حيوان..؟”

«مروان» باستفزاز
” السؤال الأصح هي اللي مالها ومالي . الهانم شقطتني و أنا ماشي في حالي و هات يا دلع و اشي كيك و شاي و طلعت في الاخر عايزة تستجوبني ..”

امسك «سليم» به من تلابيبه وهو يصيح غاضبًا
” كيك و دلع هي حصلت دانا هدفنك حي النهاردة..”

كاد أن يختنق بين يديه فحاول الحديث قائلًا من بين أنفاسه المتلاحقة
” افهم يا ابو مخ مصدي . بقولك ب تستدرجني عايزة تقررني و تعرف سالم ماله و احنا مخبيين عنهم ايه ؟”

أفلته «سليم» بغتة و قال بلهفه
” اوعي تكون قولتلهم حاجه ؟؟”

«مروان» بغرور
” عيب .. عيب تقول علي صاحبك وحبيبك و كاتم أسرارك كدا.. لا طبعًا توهتهم لحد ما انت جيت و خلعت. بس جنة دي مش سهله دي فقستني و أنا مش هسلك معاها. و أساليبها كلها مغرية و انا بصراحه بضعف ..’

لكمة قوية كادت أن تصيب فمه ولكنه تفاداها ببراعة وهو يقول بلهفة
” مش كل مرة يا برنس عيب ..”

فصاح «سليم» غاضبًا
” دانا هكسر صف سنانك اساليب ايه يا بغل اللي مغرية ؟؟”

صحح «مروان» حديثه إذ قال بسلاسة
” تصدق الحرمان وحش بردو . يا ابني افهم . دماغك بتروح فين اقصد جابتلي كيك. قالتلي انا اللي عملته بأيدي و انت زي اخونا و بنحبك و الكلام اللي اي حد حمار ممكن يتثبت بيه ..”

” و طبعا انت اتثبت ؟”
هكذا تحدث «سليم» ساخرًا فأجابه «مروان» باندفاع
” طبعًا بقولك أساليب مغرية جدًا.. “

” بقي الست هانم بتثبتك عايزة تعرف منك .. دي مفكرتش حتي تسألني ؟ ماشي يا جنة ..”

هكذا تحدث «سليم» حانقًا فأجابه «مروان» بمزاح
” دي غيرة و نفسنه و لا انا بيتهيألي ؟”

تراجع خطوتين إثر نظرات سليم النارية فآثر تغيير الموضوع إذ قال بجدية مفاجأة
” بس قولي تفتكر سالم ليه مصارحش فرح بموضوع الايميل الي اتبعت من علي اللاب بتاعها دا ؟ تفتكر كان شاكك فيها ؟؟”

نجح في تشتيت انتباهه فتحدث «سليم» بحيرة
” والله معرفش .و هو مش مرسيني دماغه فيها ايه ؟ اي حاجه تخص فرح مبيصرحش بيها. “

هنا تراجعت خطوة إلي الخلف بعد أن استمعت لحديثهم بتحريض من «جنة» التي كانت بواد آخر وهي تتخيل «سليم» غاضب منها لما حدث مع «مروان» ولكنها تنبهت علي حديث «فرح» التي قالت بعدم فهم
” ايميل ايه ؟ و ايه حكايه شكه فيا دي ؟”

«جنة» بعدم فهم
” معرفش .. و موعدكيش اني اقدر اعرف .. لو عايزة رأيي اسأليه دا حقك مدام الموضوع كله يخصك …”

ارتسم التصميم علي ملامحها و نبرتها حين قالت
” عندك حق ..”

أنهت جملتها وتوجهت رأسًا إلى مكتبه و قامت بدق الباب و حين أتاها أمره بالدخول قامت بالدلوف علي الفور وهي تتوجه بخطوات ثابته إليه تشبه نبرتها حين قالت
” عايزة اتكلم معاك في موضوع مهم ؟”

رفع رأسه يطالعها بصمت دام للحظات قبل أن يقول باختصار
” سامعك…”
” ايه حكايه الايميل دا اللي اتبعت من ع اللاب بتاعي دا ؟”

احتدت نظراته لثوان قبل أن يقرر الحديث بصراحه
” من فترة اتعرضنا لعملية نصب حد اتعاقد مع شركة ألمانية باسمنا و بعت من علي ايميل الشركه اوردر للمخازن أنها تطلع البضاعة و تمن الصفقة و الفلوس اتحولت علي حسابه و لحد دلوقتي معرفناش مين الشخص دا ..”

انكمشت ملامحها بعدم فهم سرعان ما تحول لصدمه ما أن وصل مغزى حديثه الي عقلها و الذي لسوء حظها
أكدته كلماته حين تابع بخشونة
” ايميل الشركه كان مفتوح عندي وعند سليم و عندك! “

تراجعت خطوة للخلف وهي تقول بصدمة
” تقصد ..”
قاطعها حديثه الجاف حين اكمل
” مروان فحص التلت أجهزة. اكتشفنا أن الايميل اتبعت من عندك….”

كلماته اخترقت قلبها كسهام مشتعلة نفذت إلي أعماقها بقوة آلمتها و تجلي ذلك الألم على وجهها و تقاسيمها التي امتقعت ف خرجت الكلمات من فمها مبعثرة تمامًا كحالها في تلك اللحظة
” انا. انت .. انت.. تصدق .. أن .. انا . اعمل . حاجه . زي دي؟. أنا . عمرى .. ما ..”

قاطعها بلهجته الخشنه و ملامحه التي قست حين رأي ألمها الجلي علي وجهها
” الكلام دا عدي أوانه خلاص ..”

بشفاه مرتجفه اجابته
” تقصد ايه ؟.. لحظة . انت سألتني عن اللاب بتاعي قبل الفرح .. يعني ..”

زفر بقوة قبل أن يعيد كلماته السابقة
” قولتلك الكلام عدي أوانه خلاص ..”
وصل المغزي خلف حديثه فهو لم يشك بها قط و الا لما تابع مخططه بالزواج منها فتقدمت منه قائلة بحزن
” انت مشكتش فيا اصلًا .. أنا متأكدة من دا..”

تجاهل ألمه و أجابها بفظاظته المعهودة
” طبيعي تكوني متأكدة . ماهو مفيش واحد هيتجوز واحدة شاكك فيها.. والا يبقي غبي ..”

كانت تعلم ما يرمي إليه جيدًا و قد تعاظم شعور الندم بداخلها علي خطأها الجسيم بحقه و قد هالها نظراته المعاتبة الجريحه فهو لم يشك بها أبدًا حتى لو رآي بعينيه وهي التي صدقت كلمات تلك الشيطانة و انساقت خلف مخططاتها بكل غباء . ياليت الزمن يعود إلي ذلك اليوم
فتنفض كل هذا العبث و ترتمي بين أحضانه ولن تفارقها أبدًا ..

اقتربت خطوتين وهي تقول بشفاة مرتجفه
” سالم .. انا عارفه اني غلطت في ..”
قاطعها بقسوة كانت جديدة كليًا عليه
” اسكتي يا فرح . “

هبت معانده
” سالم .. ”
قاطعها بصرامة
” امشي يا فرح …”

توقفت إثر اختراق الكلمة قلبها الذي اهتز حين تابع قائلًا بجفاء
” معنديش استعداد لأي نقاش دلوقتي و مش ضامن نفسي. ولا عايز يطولك أذايا .. فالأحسن تمشي…”
بشفاه مرتجفه وقلب محترق أجابته بخفوت
” حاضر .. همشي..”

لا تعلم كيف جرت قدميها للأعلى ولكنها لم تتوقع أن يطلب منها المغادرة بتلك الطريقه . نعم خطأها فادح و عواقبه وخيمة ولكن طلبه منها بالرحيل كان اقسي ما يتحمله قلبها. جل ما تريده الآن أن تغادر هذا المنزل لأبعد مكان تختفي به لتلعق كبرياءها الجريح و قلبها النازف ..

لا تعلم ماذا كانت تضع بالحقيبة ف عبراتها حجبت الرؤية أمامها و شهقاتها تعالت حتى أنها جذبت أسماع «أمينة» التي دخلت الي الغرفة لترى ماذا يحدث فتفاجئت بتلك التي تحمل حقيبتها تنوي المغادرة ف استوقفتها قائلة بصدمة
” راحه فين يا فرح؟ ”
اجابتها بنبرة جريحه من فرط الألم
” ماشية..”

«أمينة» باستنكار
” ماشيه فين أنتِ اتجننتِ ؟”
«فرح» بنبرة متقطعة من بين شهقاتها
” لا . متجننتش . سالم اللي طلب مني امشي ..”

بهتت ملامح «أمينة» و قالت بصدمة
” ايه ؟ سالم الي طلب منك تمشي ؟”
” قالي لو مش عايزة يطولك أذايا امشي. امشي يا فرح ..”

قالت جملتها الأخيرة و انفجرت في نوبة بكاء مريرة رق لها قلب «أمينة» التي احتضنتها بحنان يتنافى مع تعاظم الغضب بداخلها وأخذت تربت على كتفها في محاولة لتهدئتها وحين لاحظت سكون جسدها قليلًا تراجعت تناظرها وهي تقول بصرامة
” استنيني هنا . و اوعي تفكري تخطي بره باب الأوضاع بالشنطه دي . اللي مش قادر يسيطر على غضبه هو اللي يمشي . معندناش ستات تسيب بيتها ..”

اوشكت على مقاطعتها ف نهرتها «أمينة» بغضب
” ولا كلمه . استنيني هنا..”

في الأسفل كان يشعر وكأن الكون كله يضيق به . التنفس كان ثقيلًا للحد الذي جعله يقوم بفك ربطة عنقه و حل أزرار قميصه ليستطيع الأكسجين المرور إلى رئتيه التي كادت أن تنفجر من كثرة الضغط عليها.
” انت فعلًا طلبت من فرح تمشي و تسيب البيت ؟”

هذا كان استفهام «أمينة» الغاضب حين اقتحمت الغرفة دون أن استئذان ولكنه لم ينتبه سوي لحديثها الذي جعل جميع خلاياه تتحفز و قال بنبرة مستنكرة
” تمشي و تسيب البيت ؟ مين قالك كدا ؟”

” محدش قالي. دخلت الاوضه لقيتها منهارة و بتلم هدومها و ماشيه. أما سألتها قالت انك قولتلها كدا..”

وثب قائمًا من مكانه و قد غلف الغضب عينيه و لون تقاسيمه و صدح صوته في أرجاء الغرفة وهو يقول بحدة
” ايه التهريج دا ؟؟”

ما أن خطى خطوتين باتجاه باب الغرفة حتي تسمر بمكانه إثر سماعه صوت صراخها الذي اخترق اعماق قلبه ووووو

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية في قبضة الأقدار)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى