رواية في قبضة الأقدار الفصل الثامن والأربعون 48 بقلم نورهان آل عشري
رواية في قبضة الأقدار الجزء الثامن والأربعون
رواية في قبضة الأقدار البارت الثامن والأربعون
رواية في قبضة الأقدار الحلقة الثامنة والأربعون
حقًا لا اعرف متي تنتهي معاناتي مع الحياه؟
فتارة تجمعني بأُناس ينطفئ قلبي بوجودهم و لا اتحمل الحياه معهم ، تارة تمنع عني أُناس لا تحلو الحياه سوي برفقتهم و لا يضئ قلبي إلا في حضرتهم…
ترى هل يمكن أن اتصالح معها يومًا ما و احتضن جزء كانت قد بترته مني فتكتمل به روحي و أروي به ظمأ قلبي؟
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
ارتعب الجميع حين وقعت أعينهم علي《 مروان》 الذي كان يئن بألم و أسفله بقعه من الدماء و بجانبه 《سما》 التي كانت تبكي بإنهيار و ترتجف ذعرًا مما حدث ولكن المشهد الأكثر رعبًا كان هذا الرجل المذعور الذي يمسك سكينًا ملطخ بدماء بريئة لم ترتكب إثمًا ل تطالها يد الغدر تمامًا كما حدث مع ابنته التي تم إغتصابها بوحشية لترقد في غيبوبة لجأ إليها عقلها الذي لم يستطيع تقبل تلك الفاجعة التي ألمت بها
” أنت !”
هكذا صاح 《سالم》 حين رأي 《محمد》 والد 《لبني》 راكعًا علي ركبتيه ممسكًا سكينًا تقطر بالدماء التي امتزجت معها مياه عينيها و الحرس ينهالون بالضرب فوقه فتفرق الجميع و انقسم جمعهم الي مجموعتين إحداها و التي كانت مكونه من 《أمينة》 و 《همت》 و 《فرح》 و 《جنة》 و 《طارق》 الي 《مروان》 الذي كان يئن بألم و الأخرى كانت مكونة من 《سليم》 و 《سالم》 الذي قام بجذب 《محمد》 من تلابيبه وهو يصرخ بزئير ارتجف له الجميع
“عملت كدا ليه ؟؟؟”
خرجت الكلمات مرتجفة تمامًا كحالة
” بنتقم منكوا لبنتي اللي غدرتوا بيها..”
زمجر 《سالم》 بوحشية
” مين اللي غدر بمين ؟ مش انت اللي خدت بنتك و مراتك و هربت بعد ما غيرت أقوالها و اتهمت واحد برئ مالوش ذنب ..”
شعر بالكلمات كالحوافر التي نبشت في جراح أبت الشفاء فصرخ من عمق الوجع الكامن بصدره
” كفاية افتري بقي . بنتي غيرت أقوالها بعد ما بعت رجالتك يهددونا !”
” ايه ؟”
هكذا تحدث 《سالم》 بصدمة تبددت لحظة اندفاع 《طارق》 نحو 《محمد》 يحاول الثأر لأخيه الذي لحسن الحظ لم تكن إصابته خطيرة كما بدت للوهلة الأولى فقد اخترق السكين كتفه فلم يلامس أي منطقة حيوية في جسده
” هقتلك يا حيوان .. وديني ما هسيبك…”
تدخل 《سليم》 الذي فطن للأمر و قام بإيقاف 《طارق》 وهو يتحدث بصرامة
” سالم هيتولي أمره يا طارق بينا نودي مروان عالمستشفي …”
تدخل 《سالم》 آمرًا
” الحريم كلهم يدخلوا جوا . طارق انت و سليم ودوا مروان عالمستشفي و انا هحصلكوا..”
خرجت الكلمات منها بلهفة
” انا هروح معاهم يا أبيه سالم أرجوك . مش هسيبه لوحده..”
نظرت 《همت》 لأبنتها بصدمة فلم تعيرها 《سما》 اي اهتمام بل اندفعت حين سمح لها 《سالم》 خلف 《سليم》 و 《طارق》 الذي كان يسند 《مروان》 المتألم ..
الأعين يشوبها الكثير من الاستفهامات التي لم يفصح عنها اللسان فقد كان غضبه مريعًا ولم يستطع أحد مناقشة أوامره حتى هي !
أخذت تجوب الغرفة ذهابًا و إيابًا و الأفكار تطن برأسها كالذباب عن أي شئ يتحدث هذا الرجل ؟ و من تلك الفتاة و عن أي اتهام يتحدث !
” كفاية لف و دوران خيلتيني يا فرح !”
هنا تحدثت 《أمينة》 فحالتها لم تكن تقل عن الجميع توترًا و لكنها تحاول الثبات قدر الإمكان حتي يهدأ من حولها فهبت 《جنة》 متوجهه إليها قائله بهدوء
“شكلك تعبان يا ماما تعالي اطلعك فوق ترتاحي شويه ..”
” لا يا حبيبتي انا هستني اطمن علي مروان ..”
هكذا تحدثت 《أمينة》 بلطف فصدح صوت 《فرح》 مناديه علي أحد الخدم فجاءت إحداهم لتأمرها بلطف
” اعملي كوباية لمون لماما الحاجة . “
ثم تقدمت من 《أمينة》 وهي تقول بهدوء
” حقك عليا يا ماما .. انا أصلي قلقانه اوي علي سالم وهو مع الراجل دا جوا لوحدهم …”
” ربنا يستر يا بنتي و يجيب العواقب سليمة…”
*****************
” عملت كدا ليه ؟ و إياك تكذب عليا عشان وقتها هتشوف مني وش مش هيعجبك ..”
هكذا تحدث 《سالم》 بفظاظة وهو ينظر إلي 《محمد》 الذي كان منكثًا رأسه الذي اثقله الذنب فقد أصاب شخص لم يفعل له شئ و لكنه اليأس الذي اختلط مع ذلك القهر المستوطن في قلبه فشوش الرؤيه أمامه و غيب عقله الذي كان يصرخ مطالبًا بالثأر باي طريقة
” الوضع اللي انا فيه ميسمحليش اكذب ولا يسمحلك انت كمان يا بيه .. خلاص انا خسرت كل حاجه وانتوا السبب “
تعاظم الغضب بداخله و خرج صوته مثقلًا به حين قال
” السبب في ايه انت هتستهبل ! انا اتفقت معاك اتفاق و انت اللي اخليت بيه و هربت بعد ما بوظت كل حاجه . “
” هربت بعد ما بعت رجالتك يهددوني و يهددوا بنتي أنها لو مغيرتش أقوالها هيقتلونا كلنا ! جيت في المستشفى ضحكت علينا بكلمتين وادورت من الناحية التانيه و طعنتنا في ضهرنا . ليه عملت كدا ؟ مصعبتش عليك البنت اللي قولت عليها انها زي بنتك ؟ يا أخى حسبي الله ونعم الوكيل “
توقف عقله عند جملته الأولى التي وضعت سيف الحيرة الباتر علي رقبته فأغمض عينيه للحظات قبل أن يقول بجمود
” و أيه مصلحتي من دا؟ يعني انت من الاساس مكنتش هتقدر تعملى حاجه عشان اللي عمل كدا في بنتك مبقاش موجود. ليه انا هعمل معاكوا كدا ؟ كنت من الأول مسألتش فيكوا ولا انت ايه رأيك ؟”
بدأ محقًا في حديثه للحد الذي جعل الألم و الحيرة ترتسم علي وجه 《محمد》 الذي وضع رأسه بين يديه بقهر تجلى في نبرته وهو يقول
” مبقتش عارف اقول ايه ولا ايه الصح . لطفك يارب .”
تأثر داخلياً بمظهره ولكن خرجت كلماته جافة حين قال
” احكيلي اللي حصل بالظبط . “
*************
مرت الدقائق كساعات مع ذلك الانتظار المميت الذي كان يأكلهم بصمت لا يسمع فيه سوى أنفاس متوترة و صدور متأججة بنيران الخوف الذي تعاظم حين دخل الحرس الي المكتب ليخرجوا بعد لحظات محاوطين ذلك الرجل فهرولت 《فرح》 الي 《سالم》 الذي كان يتأهب للمغادرة فإذا بها تندفع إليه فحاوطتها يداه بقوة و اتكأ برأسه علي كتفها للحظات قطعها سؤالها المرتبك
” في ايه يا سالم ؟ و مين الراجل دا “
زفرة قوية خرجت من جوفه اتبعها قوله الصارم
” متسأليش يا فرح . سبيني ارتاح في حضنك شويه ..”
لم تجرؤ على الحديث أمام تعبه الذي بدا واضحًا من إتكاءه عليها فأخذت اناملها الحانية تهدهد أكتافه برفق علها تزيح توتره الذي يأبي الإفصاح عنه فمرت لحظات صامتة اختطفها من براثن الزمن ليستكين بين ذراعيها قبل أن يرفع رأسه قائلًا بخشونة
” هروح اطمن علي مروان . خلى بالك من ماما ولو سألت حصل ايه قوليلها عداوة مع ناس في الشغل..”
لم يعجبها حديثه فانكمشت ملامحها بامتعاض تجاهله وهو يقول بصرامة
” مش وقته كلام دلوقتي. في حاجات مهمة لازم اعملها..”
زفرت بقلة حيلة فاقترب واضعًا قبلة قوية بين عينيها و امتدت أنامله تتأرجح علي شفتيها برقه حين قال بخفوت
” عايز لما ارجع ألاقيكِ مستنياني ..”
بنبرة يشوبها العتاب أجابته
” انا دايمًا مستنياك ..”
شعر بعتابها فقال بخشونة
” حاسس بنبرة اعتراض ”
” حاسس مش متأكد ”
استفزته تلك النبرة التهكمية فقال بفظاظة
” عدي يومك عشان أنا علي أخرى منك ..”
ارتفع أحدي حاجبيها بسخط تجاهله وهو يتقدمها فأبت الصمت لتقول بنبرة يشوبها المكر
” ابقي طمني علي مروان ..”
لونت ملامحه ابتسامة بسيطة قبل أن يشملها بنظرة متوعدة تشبه لهجته حين قال
” أفضالك يا فرح و هربيكِ من اول وجديد الصبر بس ..”
لم يعطيها الفرصة للحديث انما انطلق الي وجهته ليتركها خلفه تنفس النيران من أنفها فهي تعشقه للحد الذي يجعلها تشعر بالسخط من كل تلك الأعباء التي تقيده و تجذبه بعيدًا عنها تتلظي بنيران الشوق و الغضب معًا
خرجت تتشاجر مع خطواتها لتصطدم بأمينة التي قالت بلهفه
” طمنيني يا فرح قالك ايه؟”
عدلت من لهجتها لتبدو عادية حين قالت
” عداوة شغل يا ماما . اطمني الموضوع اتحل ”
تعلم بأن الأمر تكبر و ترتاب في حديث هذا الرجل عن تلك الفتاة المزعومة ولكنها لن تناقش الآن
” يالا يا حاجه اطلعي عشان ترتاحي الفجر قرب يأذن و أنتِ منمتيش من امبارح “
هكذا تحدثت 《نعمة》 فأومأت 《أمينة》 بصمت و توجهت معها للأعلي فاقتربت 《جنة》 من 《فرح》 قائلة بخوف
” فرح . انا حاسة أن اللي حصل دا وراه حاجات كتير أوي متطمنش”
احتضنت 《فرح》 كتفيها وهي تصعد للأعلى قائلة بحنان
” متقلقيش يا جنة . سالم طمني أن الموضوع مجرد عداوة في الشغل . و هو اكيد هيحل كل حاجه..”
” اومال بنت مين اللي بيتكلموا عليها دي؟”
احتارت بماذا تجيبها فقالت بطمأنة
” متشغليش بالك يا جنة موضوع بعيد عننا و أن شاء الله سالم وسليم هيحلوه “
«جنة» بقلق
” خايفه علي سليم أوي . غضبه و تهوره بيخليني مش عايزاه يخرج من البيت حتي “
كان ألمها يلون ملامحها فأرادت 《فرح》 التخفيف عنها قليلًا فقالت بمزاح:
” الله الله أومال ايه التطورات الرهيبة دي ؟ والخوف و الحنية دول من امتى يا جنة هانم “
تجاهلت خجلها قائلة
” ايوا طبعًا مش جوزي حبيبي و لازم أخاف عليه !”
إرتفع إحدي حاجبيها الجميلين وهي تقول بمشاكسة
” جوزي حبيبي مرة واحدة دا في تطورات بقي وأنا معرفش ! و ياتري الغالي لسه بينام عالأرض و لا عفيتي عنه خلاص ؟”
اغتاظت من كلماتها فقالت بإندفاع:
” لا طبعًا أرض إيه بينام في حضني ياختي . “
ضحكت 《فرح》 بسعادة وقالت بحماس
” أوبا .. يبقي حصل ! فرحي قلبي و قولي أنه حصل “
لون الخجل ملامحها و قالت بحدة مفتعلة :
” بطلي يا فرح ..”
” يبقي حصل .. اخس عليكِ وانا معرفش .. سليم دا غيرك و بقيتي تخبي عني كل حاجة .. أنا لازم أوقع بينكوا”
هكذا تحدثت 《فرح》 بمزاح فهبت 《جنة》 بلهفة
” محدش في الدنيا يقدر يوقع بينا .. و بعدين دي أسرار يعني هو أنا مفروض أقول كل حاجة ..”
” عندك حق يا قلبي أنا بهزر معاكِ أسرارك أنتِ و جوزك متطلعش بره أوضة نومك .. ربنا يهنيكوا مع بعض .. فرحتلك أوي يا جنة.. سليم بيحبك و يستاهل تنسي كل حاجه و تعيشي معاه في سعادة..”
احتضنتها 《جنة》 بحب و بادلتها الفرح العناق باقوى منه وهي تحمد الله على سعادة شقيقتها.
” اسمحولي أقاطع الحضن الأخوى دا و أسأل عن مروان ؟”
برقت عينا 《فرح》 حين سمعت صوت 《شيرين》 من خلفهم فحاولت تمالك نفسها قبل أن تلتفت قائلة بإختصار
” كويس! “
اغتاظت 《شيرين》 من حديثها ولكن لم تعلق بل التفتت أنظارها إلى《جنة》 ورقت نبرتها حين قالت:
” عاملة إيه دلوقتي ؟”
خيم الإندهاش علي ملامح الشقيقتين و سرعان ما تجاهلته 《جنة》 قائلة بهدوء:
” الحمد لله أحسن .. شكرًا على سؤالك ..”
اومأت 《شيرين》 بابتسامة بسيطة قبل أن تقول بلهجة جامدة
” ياريت لو حد أطمن على مروان يطمني .. سما للأسف ناسيه فونها هنا مش عارفه أكلمها”
” حاضر هكلم سليم و أطمنك ..”
أومأت 《شيرين》 و توجهت إلى غرفتها لتنظر إلى《ريتال 》التي كانت تتوسط مخدعها نائمة بعمق فقامت بتناول هاتفها و قامت بإرسال رسالة نصية صدح بعدها رنين الهاتف بإلحاح تجاهلته بحنق و توجهت إلى المرحاض لتنعش جسدها بحمام ساخن تحتاجه بشدة..
**************
جاء الصباح بنوره ليطغي على ظلام الأمس فتوسطت الشمس كبد السماء ناثره أشعتها الدافئة على برودة قلوب أبت التسليم أمام أصفاد الماضي لتعلن عن بداية جديدة مع يوم جديد لا تعلم خباياه فقط تتضرع إلى الله أن يأتي حاملًا معه الخير
” حمد لله عالسلامة”
هكذا تحدثت 《سما》إلى《مروان》 الذي استيقظ لتوه فكان صوتها العذب بلسمًا لجرحه المؤلم الذي تجاهل انينه و التفت إليها قائلًا بمزاحه المعتاد :
” إيه الحلويات اللي عالصبح دي ؟ ولا أنا بايني موت و دخلت الجنة ؟”
تقاذفت الكلمات من بين شفتيها بلهفة :
” بعد الشر عنك .. متقولش كدا؟”
ناظرها بصدمة بينما ارتسم الغباء علة ملامحه و في لهجته حين قال :
” هو الراجل غزني في نفوخي ولا إيه؟ بت يا سما أنتِ سخنة ولا أنا اللي جعان باين! “
لونت الإبتسامة ملامحها على مزاحه الذي يخرجها دائمًا من حزنها
” أنت مفيش فايدة فيك ؟ حتي و أنت في الحالة دي بتضحك وتهزر ؟”
《مروان》 بغزل :
” دانا اتقلب قرد عشان أشوف الضحكة الحلوة دي ”
” أنت قرد من غير حاجه مش محتاج تتعب نفسك . “
اخترق صوت 《سليم》 الساخر حديثهم فبدد اجواءه الرومانسية مما جعل 《مروان》 يناظره بحنق تجلى في نبرته حين قال :
” دمك يلطش و كلنا عارفين إيه لازمته تستخفه بقي ؟”
《سليم》 ساخرًا
” شويه من اللي بتعمله فينا !”
تمتم 《مروان》 بحنق :
” عملك أسود و منيل يا بعيد ..”
” لسانك الطويل رجع تاني يبقي أنت كده خفيت ..”
كان هذا صوت 《سالم》 الساخر الذي دخل الغرفة يتبعه 《طارق》 الذي قال بتهكم:
” على أساس أنه كان في حاجة أصلاً ولا الخربوش دا يعتبر جرح ..”
وافقه 《سالم》 موجهًا حديثه إلى «مروان» :
” أجمد شويه هتشمت فينا الأجانب..”
طافت عينيه على ثلاثتهم وقال بحنق :
” اه انتوا اتفقتوا عليا انتوا التلاتة .. فاكرين أن مفيش حد يدافع عني .. براحتكوا بس حقي هعرف اخده ..”
طرقة خفيفة على باب الغرفة لفتت انتباههم و سرعان ما لونت الدهشة ملامح الجميع حين أطلت 《شيرين》 برأسها من الباب وهي تلقي التحية ثم تنظر إلى 《مروان》 قائلة باهتمام:
” عامل إيه دلوقتي ؟”
تمتم 《مروان》 بسخرية:
” اهي ابتدت تندع .. تعالي يا شيري يا حبيبتي أنا الحمد لله بقيت أحسن لما شوفتك “
قال جملته الأخيرة بنبرة أعلى و عينيه تلتقم تلك التي لون الإمتعاض ملامحها فابتهج قلبه كثيرًا بينما اجتاحت 《شيرين》 موجه من الذبذبات الموترة التي تفشت في سائر جسدها حين مرت بذلك الذي غافلته عينيه و حاوطتها باهتمام كبير تحول لحنق لا يعرف كنهه حين توجهت تجلس بجانب 《مروان》 وهي تقول بالقرب من أذنه :
“بطل لسانك الطويل دا و احترم نفسك البت قاعدة جنبك من امبارح.. “
《مروان》 بخفوت :
“بس يا بت أنتِ من معسكر الأعداء يبقي تخرسي خالص انا عارف بعمل ايه ؟”
ناظرته بصدمة سرعان ما تحولت لحزن بددته كلمات 《طارق》 الذي قال ساخرًا:
” ما تعرفونا بتقولوا إيه ؟ ولا إحنا مش قاعدين معاكوا ؟”
” اه صحيح انتوا إيه اللي مقعدكوا معانا ؟ ما تهوونا شويه ؟”
تحدث 《مروان》 موجه كلماته للجميع فنهره 《سالم》 قائلًا:
” اسكت احسنلك ..”
” ماهو زي القرد اهوة كان لازم تجرجرونا عالمستشفيات وخلاص “
التفت الجميع على صوت 《همت》 التي دخلت إلى منتصف الغرفة وخلفها 《أمينة》 و بجانبها كلًا من 《جنة》 و 《فرح》 التي اشتبكت عينيها مع عينيه المشتاقه فلبت دعوته على الفور حين مد يديه لتتقدم و تجلس بجانبه فحاوط كتفها بحب لم تفصح عنه شفتاه
” ايه اللي جاب الوليه دي هنا؟”
كان هذا صوت 《مروان》 الممتعض فحاول الجميع كبت إبتسامته و خاصةً 《أمينة》 التي اقتربت تعانقه وهي تقول بجانب أذنه:
” احترم نفسك و اتلم خليها تعدي علي خير ..”
” ايوا بردو يعني مش مكفيكوا اللي انا فيه رايحين جيبنهالي هنا كمان .”
هكذا تمتم بخفوت ثم رفع عينيه ليناظر 《همت》 بإبتسامة مزيفه تشبه نبرته حين قال :
” أهلاً يا عمتي خطوة عزيزة .. النجف بيرقص من الفرح عشان جيتي والله .. دا حتي جرحي التهب اول ما شوفتك…”
《همت》 بسخرية:
” عقبال لسانك يا قلب عمتك لما يلتهب هو كمان عشان نرتاح ..”
تمتم 《مروان》 بخفوت:
” حسبي الله ونعم الوكيل في كل ظالم . “
اجلس 《سالم》 والدته بجانب 《فرح》 وهو يقول بعتب
” تعبتي نفسك ليه يا ماما؟”
” و هتعب نفسي لاعز من مروان ؟ “
صاح 《مروان》 يرد علي 《أمينة》:
” تعيشي يا مرات عمي يا أصيلة…”
تغلب عليه شوقه حين رآها و تقدم ليحتضنها بحنان تجلى في نبرته حين قال بجانب أذنها:
” أعمل فيكِ إيه على عدم سمعانك الكلام دا ؟ مش قولتلك خليكِ و إحنا هنجيبه و نيجي عالبيت”
ناظرته 《جنة》 بخجل من أفعاله أمام الجميع و قالت بخفوت :
” مقدرتش استني في البيت لوحدي قولت أجي معاهم و بالمرة اطمن عليه ”
” اهو زي القرد قدامك اهوة..”
تحدث «سليم» بصوت عالي فصاح 《مروان》 بحنق
” هو في ايه انتوا جايين تزوروني ولا تقروا عليا ؟”
أجابته 《فرح》 بمزاح :
” لا جايين نطمن عليك طبعًا عندك شك في كدا ؟”
《مروان》 بسخرية :
” صدقتك أنا و أنتِ قاعدة جمب حبيب القلب ولا حتى قولتيلي سلامتك .. وكل مخططاتنا راحت في الفاضي صح ؟”
تدخل 《سليم》 موجهًا حديثه إلى «سالم» :
” على فكرة كان بيوقع بينك و بينها طول ما أنت كنت مسافر و عمال يسخنها عليك”
صاح 《مروان》 بإندفاع :
” اتقي الله يا مفتري .. بتحطني قدام القطر ماشي ليك يوم ”
اشتدت يديه المحيطة بها وهو يشدد على كل حرف يخرج من بين شفتيه:
” محدش يقدر يوقع بيني و بين فرح .. ولا إيه ؟”
لحظة تعانقت بها نظراتهم المشتاقه قبل أن تجيبه بتأكيد
” أكيد طبعًا ”
” ما خلاص بقي. انتوا كلكوا عليه ولا ايه ؟ طب والله البيت من غيرك وحش لدرجة أن محدش فينا قدر يقعد وأنت مش فيه و جينا كلنا علي هنا “
هكذا تحدثت 《جنة》 فتمتم 《سليم 》حانقًا:
” الصبر من عندك يارب ..”
انطلقت الضحكات وسط مزاح 《مروان》 و مشاكسته للجميع و لدهشتها وجدت نفسها مستمتعة لجو العائلة الدافئ المحيط بهم ولكن بدد الجو حولها اهتزاز هاتفها فنظرت للمتصل و هوى قلبها رعبًا فحاولت تجاهله ليعيد الهاتف اهتزازه فتوجهت للخارج للإجابة على هذا الاتصال الملح ظنًا منها أن لا أحد يلاحظ غيابها ولكنها كانت مخطئة فقد كانت عينيه تلتقمان كل همسه تصدر منها بلا وعي منه و لم يستطع مقاومة فضوله حين رآها تخرج فما هي إلا لحظات حتي قادته قدماه خلفها ليجدها تتحدث إلى الهاتف وهي تقول بحنق :
” اللي حصل قولتهولك .. وأنا كنت هعمل إيه يعني حتى دا كمان ليا فيه ؟؟”
بدأ أنها تستمتع إلى الطرف الآخر بحنق تجلى في نبرتها حين قالت :
” اعتقد أن دي مش مشكلتي و مش هتدخل تاني في حاجة زي دي .. كفايه اللي حصل قبل كدا .”
أنهت جملتها و قامت بإغلاق الهاتف و التفتت لتنفلت منها شهقة خافتة حين رأته يقف بطلته الخاطفة واضعًا يديه في جيوب بنطاله يناظرها بجمود خالط لهجته حين قال:
” بتكلمي مين ؟”
تجاهلت شئ مزعج يجذبها إليه وقالت بجفاء:
” ميخصكش..”
مين قالك كدا ؟ دا يخصني و أوي كمان”
استفهم بفظاظه فخرجت منها ضحكة مستنكرة حين قالت :
” دا بأمارة ايه ؟”
جاءت نبرته فظة دون أن يقصد حين أجابها :
” بأمارة انك اتطلقتي و بقيتي من ضمن مسئولياتي !”
” مسئولياتك ؟”
استفهمت باستنكار متجاهله تلك الضربات المتلاحقة بصدرها فصحح كلماته قائلًا :
” اقصد مسئولياتنا !”
زفرت بحنق تجلى في نبرتها حين قالت :
“انا مش لسه طفلة صغيرة و لا مسئولية حد .. أنا مسئولة من نفسي وياريت تبعد عني احسنلك ”
” و إلا ؟؟”
نبرته كان يشوبها تحدي اربكها فقالت بتوتر :
” تقصد ايه ؟”
《طارق》 بفظاظة:
” كملي الجملة ابعد عنك احسنلي و إلا ؟؟”
لم تجد ما تقوله فقالت بنفاذ صبر :
” معنديش رد .. و ماليش خلق للأفلام بتاعتك دي .. أنا ماشية “
اوقفتها يداه التي قبضت على رسغها بقوة شابهت نبرته حين قال:
” بما أنك معندكيش رد .. يبقي تسمعي المفيد ..”
سخرت قائلة:
” إللي هو ؟”
تجاهل سخريتها و قال مشددًا على حروفه:
” أنا واخد بالي منك أوي .. وبالمناسبة أنتِ مش عجباني .. فخلي بالك من كل حاجة بتعمليها عشان هحاسبك عليها.. و من هنا ورايح كل حرف و كل خطوة محسوبه عليكِ .. حطي كلامي ده حلقة في ودنك ..”
دق قلبها بقوة لم تختبرها مسبقًا وزحفت دماءها المحتقنة إلى خديها فحاولت السيطرة علي مشاعر غريبة اجتاحتها حين لجأت إلى إستفزازه قائلة :
” و إلا ؟؟”
نجحت في مسعاها فشدد من قبضته ليؤلمها قبل أن يقول بفظاظة:
” هكسر دماغك .. ”
” بأي حق ؟”
سؤالًا لا يعرف إجابته ولا يحاول البحث عنها لذا لجأ إلى المراوغة حين قال:
” لو كنتِ ناسية أنتِ بنت الوزان و دا كفيل يديني ألف حق انك لما تتعوجي أعدلك ..”
سحبت يدها بعنف من يديه و قالت غاضبة :
” اوعى تفكر تلمسني تاني .. ولا اسم الوزان بيديلك الحق تقل أدبك كمان ؟”
للحظة استرجع مذاق قبلتها فسرت قشعريرة لذيذة بجسده و لا إراديًا توجهت عينيه إلى شفتيها لتعبر قشعريرته إلى جسدها هي الأخرى و دون وعي تراجعت للخلف فلونت ملامحه ابتسامة خافتة قبل أن يقول بخشونة
” كانت غلطة .. بس مندمتش ولا هندم عليها أبدًا. “
لا تعرف ما عليها أن تفعل فقد ضرب ثباتها في مقتل و لعب على نقاط ضعفها ببراعة لذا لم تجد مفر أمامها من الهرب فتجاوزته و هرولت إلى الخارج تنوي الإبتعاد عنه قدر الإمكان …
” سالم أنا جهزت عقود الصفقة فاضل بس تشوفها و تقول لو عندك أي تعديل ”
هكذا تحدث 《سليم》 موجهًا حديثه إلى 《سالم》 الذي قال بإمتنان :
” عملت فيا خير .. لما اروح هبقي أراجع عليها و جهز نفسك عشان أنت اللي هتتولي أدارة المجموعه الفترة الجاية دي “
خرج استفهامها رغمًا عنها
“ليه و أنت هتكون فين ؟”
نظر 《سالم》 إليها بطمأنه قبل أن يقول بغموض:
” لما نروح هنتكلم ..”
أزداد توترها ما أن سمعت حديثهم فقد جاء وقت التنفيذ لذا تجاهلت إرتباكها وقالت:
” عايزة اتكلم معاك يا سالم .. لوحدنا ! “
التفت 《سالم 》إلى 《همت》 إثر حديثها الذي أثار استفهام الجميع فقال بفظاظة قاطعًا أي مجال للحديث الجانبي:
” تعالي معايا ..”
خرج 《سالم》 برفقة 《همت》 فتمتمت «فرح» بقلق
” يا ترى عايزاه في إيه؟”
إجابتها 《أمينة》 بنبرة مختنقة:
” أيًا كان اللي عايزاه فيه فهو مش خير . “
لون الحزن معالمها فتألم لرؤيتها هكذا و استغل إنشغال الجميع فيما امتدت يديه تجذب انتباهها و حين التفتت إليه اقترب منها قائلًا بخفوت:
” بحبك..”
برقت عينيها وهي تناظره و انفلت اسمه من بين شفتيها دون وعي:
” مروان ..”
احتضنتها عينيه بحب لا تعرف كيف غفلت عنه سابقًا و انسابت الكلمات من بين شفتيه:
” عارف أنه مش وقته بس أنا فعلًا بحبك .. عارف أني اتأخرت عشان اقولهالك بس قلبي كان محتاج يطمن الأول..”
خرجت الكلمات همسًا من بين شفتيها حين قالت
” و قلبك اطمن ؟’
غازلتها عينيه حين قال بهمس :
” لسه محتاج شويه إقناع ”
اخفضت بصرها خجلًا فتابع بخفوت:
” مش هتقنعيه طيب ؟”
” تقنعك بأيه ؟”
صدح صوت 《سليم》 خلفهم مما جعل 《سما》 تنتفض إلى الخلف وهي تنظر في كل الاتجاهات من فرط الخجل بينما سب 《مروان》 بخفوت قبل أن يلتفت قائلًا بحنق:
” و أنت مالك .. رامي ودنك معانا ليه ؟”
《سليم》 بإستفزاز :
” أصلك غالي عليا و في دين في رقبتي لازم يتسدد ..”
لكزته 《جنة》 في كتفه قائلة بتقريع:
” بطل ترخم عليه بقي !”
أقترب من أذنيها قائلًا بهمس :
” هاتي بوسة وأنا أبطل !”
غمرها الخجل و روى خديها فنبت الزهر فوقهما فبللت حلقها الذي جف من كلماته قم قالت بخفوت :
” سليم متستهبلش !”
غمرتها عينيه العاشقة و شدد من احتضانه لكتفها قبل أن يقول بغزل:
” سليم هيعمل ايه بس ما أنتِ اللي حلوة و زي القمر .. حد قالك تبقي حلو كدا “
نهرته قائلة:
“بطل بقي الناس حوالينا ..”
استغل كلماته ليقول بلهفة :
” يعني المشكلة في الناس .. طب يالا بينا ..”
أمسك يديها وهب واقفًا و هو يقول بعجالة
” هاخد جنة و نروح عشان ترتاح .. هتيجي معانا يا ماما ؟”
《أمينة》 بسعادة من رؤيتهما:
” لا يا حبيبي أنا هرجع مع السواق .. روحوا انتوا ”
التفتت 《جنة》 ناظرة إلى《مروان》 بخبث تجلى في نبرتها حين قالت :
” كان نفسنا نقعد معاك أكتر من كدا بس لازم نسيبك ترتاح .. أرتاح بقي وريح هاه !”
هب 《مروان》 مغتاظًا
” بالسلامة انستونا و نورتونا .. اتكلوا على الله يالا .. يا بخت مين زار و خفف. “
***********
هل يمكن لقلب أعتاد القلق ألا يكن ممتنًا لمن رواه الطمأنينة بكفوف صُنِعت من حب؟
طافت عينيه العاشقة على ملامحها الهادئة التي رواها الحب فزادها بهاء فوقع في عشقها للمرة التي لا يعرف عددها فكل ما بها يجذبه كالمغناطيس فقد كان يظن بأن النظر إليها مَسرة إلى أن خطى بقلبه إلى جنتها في الليلة الماضية فقد تذوق معها النعيم و عرف الهناء الطريق إلى قلبه الذي هجره النعاس خشية أن يكن قربها حلمًا ساحرًا يتبدد بآخر حين يغلق جفونه:
” حلا …”
صدح صوته المشتاق ليحثها على الأستيقاظ فقد طغى شوقه و فاض به القلب فتململت بنعومة سلبت أنفاسه فتابع بصوتًا أجش :
” اصحي بقي .. وحشتيني !”
اخترقت جملته قلبها الذي اهتز حين طافت يديه بحُرية تلامسها فتدفقت الدماء بقوة إلى سائر جسدها قبل أن ترفرف برموشها ليأثره ذلك الشعاع الأخضر الذي يطل من عينيها فاقترب واضعًا قبلات متفرقة فوقهم قبل أن يقول بلهجه مبحوحة:
” وحشوني..”
اخجلتها كلماته وأفعاله فقالت بخفوت :
” لحقوا ؟”
«ياسين» بخشونة:
” لحقوا ! دانا شويه وهحسد النوم إلى خدك مني ..”
«حلا» بإندهاش
” أنت منمتش ؟”
” لا ؟”
” ليه ؟ أنت كدا هتتعب .. اليوم طويل ”
راقت له لهفتها فعانق شفتيها بخاصته قبل أن يرفع رأسه قائلًا بخفوت:
” مش مهم .. المهم إنك موجودة معايا و دا في حد ذاته راحة “
نقشت كلماته حروفها فوق جدران قلبها الذي تقاذفت دقاته فاهتزت نبرتها حين قالت:
” قد كدا بتحبني ؟”
” بحبك أكتر من أي حاجه في الدنيا ..”
ارتج قلبها بعنف جراء كلماته الرائعة و التي لم ترتوي منها أبدًا فقالت بدلال:
” قولها تاني ؟ “
دلالها كان أكثر ما يمكن احتماله فتبدد إخضرار عينيه و أزداد قتامة و قال بأنفاس محمومة:
” أنا بقول كفاية كلام بقي .. في حاجات تانيه أهم ..”
«حلا» بدلال :
” اللي هي ؟”
” انك وحشتيني ..”
حوت كلماته شغفًا قاتل أتقن سكبه فوق تقاسيم وجهها قبل أن يجرفها تيار عشقه إلى عالم ساحر يقتصر على كليهما فقط .. عالم لم تستطيع حكايات العشق أن تسطره أو تصل إليه .. كان بارعًا في سلبها أنفاسها و اللعب على ثباتها الذي طار أدراج الرياح فأي ثبات أمام رجل مثله ! يعرف جيدًا كيف يجعلها تصل إلى قمة السعادة .. تتقلب بين يديه على جمرات الشوق و لهيب الهوى .. يعزف على أوتار قلبها بلمساته التي تارة قويه شغوفه وأخرى حانية مُراعيه . يقودها إلى الجنون الذي تعزفه آناتها العاشقة فيتجدد شوقه مرة أخرى و يتعاظم الشغف بداخله فيبثها إياه بكل ما أوتي من عشق لا ينضب أبدًا فقد عرف الطمأنينة بجانبها فهي الشخص الوحيد الذي احتوي جراحه و تخبطاته و امتص جميع أوجاعه ..
****************
أخيرًا وصلا إلى غرفتهما فقد ظن بأن ذلك اليوم لن ينتهي أبدًا فقام بإغلاق الباب مستندًا بكامل ثقله عليه وهو يقول بتعب:
” مش مصدق أني وصلت ل أوضتنا أخيرًا ..”
لامست تعبه الواضح فقالت بحنو :
” معلش عدت الحمد لله .. أدخل خد شاور على ما اجهزلك حاجة سريعة تاكلها و نام لك شويه ..”
تأرجحت إبتسامة ساخرة على شفتيه فأبرزت بعمق غمازتيه الرائعتين و أقترب منها بخطوات هادئه تنافي قوة ذراعيه وهي تحيط بخصرها ليقربها منه مستنشقًا أتفاسها العذبة قبل أن يقول بخشونة:
” نوم إيه بس دا إحنا يدوب هنقول كلمتين و هنزل ورايا شغل كتير ..”
ناظرته بإستفهام و شاب القلق نبرتها حين قالت :
” في إيه يا سليم قلبي واجعني أوي و حاسه أن في حاجة كبيرة حاصلة و أن موضوع مروان دا وراه مصيبة كبيرة.. و مين البنت دي…”
قاطع حديثها اشتدا. حصاره عليها أكثر وهو يقول بخفوت:
” سلامة قلبك من الوجع .. متخليش دماغك الحلوة دي تفكر في حاجات وحشة .. و أن شاء الله كل اللي جاي خير ..”
قرب رأسه منها ليروي ظمأه فإذا بهاتفه يرن فحبس أنفاسه الغاضبة و أسند جبينه على خلصتها و هو يتمتم:
” حتى الكلمتين مش لاحق أقولهم ..”
لون الخجل ملامحها و أخفضت رأسها فزينه بقبلة قوية قبل أن يبتعد قائلًا بغضب مخاطبًا هذا المتصل الذي يعلم هويته جيدًا :
“خلاص يا سالم هتوضي و أصلي … ارحمني من العيلة دي يارب ..”
توقف إثر سماعه ضحكتها و التفت مغازلًا:
” طب بزمتك حد يسيب الضحكة القمر دي و يروح للأشكال الغلط دي؟ “
اختلطت ضحكاتهم و خرج «سليم» من الحمام فتوجهت إليه قائلة بنبرة يشوبها الحرج :
” سليم …”
” لا سليم إيه أنا متوضي يا بنتي ..”
اندهشت من كلماته و صاحت مستفهمة:
” طب فين المشكلة و أنا كنت عملت ايه ؟”
«سليم» مغازلًا :
” كلك على بعضك مشكله .. ”
راق له خجلها فتابع يشاكسها :
” طب يعني لما تقوليلي سليم الحلوة دي مفروض اسكت مثلًا ! حد قالك اني مابحسش ولا حاجه ؟”
ارتدت قناع الجدية وهي تقول:
” والله لو ما بطلت ما هقولك عايزة إيه ؟”
” لا و على أيه .. أؤمر يا قمر “
خرجت الكلمات من بين شفتيها بتمني راق له كثيرًا:
” أنا نفسي نصلي جماعة مع بعض ..”
تعابيرها الطفولية و طريقتها اللطيفة في الحديث إضافة إلى طلبها الذي أسعده بشدة كل تلك الأشياء لها وقع السحر علي قلبه الذي يود لو يختطفها من العالم أجمع..
” انجرى يا جنة روحي اتوضي ..”
قهقهت علي لهجته و تقاسيمه التي لونها القهر و اتجهت إلى الحمام توضأت و خرجت لتجده ينتظرها و سرعان ما ارتدت جلباب الصلاة و توجهت لتقف خلفه و ما هي إلا ثوان حتى أقام الصلاة ركعة تلو الأخرى و سجدة تليها سجدة و دعاءها الذي لا يفارقها
” سبحان الذي رزقني هذا من غير حول لي ولا قوة يا مديم النعم أدمه لي في حياتي و أصلحني به و اصلحه بي .. و هبنا ذرية صالحة و احفظ لي ابني وأجعله قرة عين لي و له و أعنا على تربيته و أجعله ذرية صالحة لنا و اعفو عن أباه و اغفر له انك أنت العفو الغفور ..”
لا تعلم لما كانت تدعو له ولكنه و بالرغم من كل سيئاته فهو السبب لكل شيء جيد حدث لها بداية من محمود طفلها الحبيب إلى «سليم» رفيق الروح و وتين القلب .
انهى «سليم» الصلاة والتفت ناظرًا إليها و قم بمد يده لها فناولته يدها لتتفاجئ به وهو يقوم بختام الصلاة على أناملها مرددًا :
” سبحان الله – الحمد لله – الله اكبر – لا إله الا الله وحده لا شريك له .. له الملك وله الحمد و هو علي كل شئ قدير “
انبثقت العبرات من مقلتيها تأثرًا حين أردف بخشونة:
” عايز نكون سوى في الجنة .. عايزك مراتي دنيا و آخرة .. “
أفصحت عينيها عن عشقًا جارفًا و ترجمته شفتيها حين قالت بتأثر :
” انا مكنتش أتخيل أن عوض ربنا ليا هيكون كبير أوي كدا .. “
«سليم» بحنو:
“عايزك تعرفي حاجه مهمة أوي يا جنة .. ربنا لما بيبتلي حد يبقي بيحبه ولما بينزل البلاء بيكون على قدر طاقة الإنسان . لقوله تعالي( لا يكلف الله نفسّا إلا وسعها) ..”
تعلقت عينيها بحديثه المريح للنفس فتابع بخشونة
” ولما الإنسان يصبر يقوم يشتد الكرب أوي عشان ربنا بيختبر مدي قوة ايمان الإنسان فينا و مدى تحمله مع العلم أنه الكرب دا ممكن يكون باب خير كبير بس إحنا منعرفش ربنا قال (عسى أن تكرهوا شيئًا و هو خيرًا لكم). وشوفتي هو إبتلانا بس بيطمنا في الأيه اللي بتقول ( واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا) تخيلي ربنا بعظامته بيقولك أنتِ في عنيه .. “
ترقرقت العبرات في مقلتيها تأثرًا فاضاف بحنو
“و في عز ما أحنا موجوعين و صابرين على الإبتلاء تقوم تنزل رحمة ربنا و تلطف بينا (إن مع العسر يسر ) اوعي تفقدي إيمانك بربنا مهما حصل .. ربنا عوضه عظيم فوق ما تتخيلي .. سلمي أمورك ليه و دايمًا قولي افوض أمري لله والله بصير بالعباد .. دا بقي راحة ما بعدها راحة “
كانت تناظره بعينين مشدوهتين بما تسمعه .. فذلك الرجل تجاوز كل تخيلاتها بمدى روعته فقد كانت كلماته تصف كل ما تعرضت له و قد كان هو عوض الله الذي وعد بها بعد طول الصبر و الألم .
لم تمنع نفسها وهي تستكين بين أحضانه واضعه رأسها فوق موضع نبضه الذي يخفق بقوة تأثرًا بقربها وقام بوضع قبلة دافئه على مقدمة رأسها حين سمعها تقول:
” الحمد لله على أنك موجود في حياتي .. أنا كنت طول عمري بصلي وبقرأ قرآن بس بعد كلامك دا حسيت إني فايتني كتير أوي.. أنا محتاجه أعيد حساباتي من تاني و أقرب من ربنا بقلبي اكتر ..”
اشتد حصاره لها وهو يقول بحنو :
” اول حاجه تبتدى بيها أنك دايمًا تحمدي ربنا على كل حاجة عشان ربنا يباركلك فيها ربنا قال و لئن شكرتم لأزيدنكم “
همست بخفوت :
” الحمد لله ”
تابع بلهجه دافئة:
” واوعي تألفي النعم فتشوفيها عاديه و لا تسلمي للشيطان لما يقعد يشوهلك كل النعم اللي حواليكِ .. في ناس كتير تتمني تعيش نص حياتنا دي “
التفتت تناظره بحلا عينيها التي توهجت فأضاءت وجهها الفاتن و همست بعذوبة :
” مش انت وعدتني أننا هنحفظ قرآن سوي ؟ “
«سليم» بحب :
” وعدتك و هنفذ في أقرب وقت أن شاء الله..”
عادت إلى أحضانه وهي تهمس بحب :
” ربنا ما يحرمني منك أبدًا ..”
قاطع لحظاتهم الجميلة رنين الهاتف فاستغفر «سليم» في سره وانتزع نفسه منها على مضض ليجيب فجأة صوت «سالم» الصارم :
” دقيقة و ألاقيك قدامي …”
” طيب ”
أغلق الهاتف و التفت قائلًا بمزاح:
” ربنا عالظالم .. قولي لفرح سليم بيقولك أنتِ مش مسيطرة خالص .. و شكلك وحش جدًا”
****************
نزلت خطوات الدرج متوجهه إلى المطبخ لمتابعة الأعمال هناك فتفاجئت 《بجنة》 التي نادتها :
” فروحة .. ”
” قلب فروحة.. “
حاوطت 《جنة》 خصرها كما اعتادت أن تفعل في السابق و بادلتها 《فرح》 بإحتضان كتفيها فإذا ب«جنة» تقول بمزاح
” سليم باعتلك رسالة و محلفني أوصلهالك ..”
” خير .. العاشق الولهان باعتلي إيه ؟”
《جنة》 بمرح:
” بيقولك أنتِ مش مسيطرة .. و شكلك وحش ..”
انكمشت ملامح 《فرح》 بصدمة فأردفت 《جنة》 بإندفاع:
” والله سليم اللي قالي اقولك كدا ..”
” و أنتِ أي حاجه سليم يقولها تيجي تقوليها كدا عادي ؟”
لم تكد تجيبها حتي سمعت صوتًا حاد من خلفهم فالتفتت الاثنتان تناظرا 《سالم》 الآتي من غرفة مكتبه فناظرته 《فرح》 بحنق لم تخفيه و على عكسها ارتعبت 《جنة》 من رؤيته وقالت بإرتباك :
” والله يا سالم بيه .. ما كنت أقصد أنا ..”
«سالم» بحدة مزيفه :
” إيه ؟ سالم بيه !! غلطاتك كترت يا جنة.. أنا مش هعاقبك .. هعاقبه هو . “
” لا بالله عليك بلاش هو .. دا طيب والله . ”
هكذا تحدثت 《جنة》 بإندفاع فواصل 《سالم》 مزاحه قائلًا:
” هو اللي طيب و لا أنتِ اللي هبلة ..”
ابتسمت 《جنة》 و قالت متصنعه الصدمة:
” أنا هبلة ؟؟”
تدخلت 《فرح》 بمرارة:
“مش لوحدك يا حبيبتي. إحنا الأتنين أهبل من بعض ..”
كانت تناظره بحنق لم تخفيه فقابل حنقها بابتسامة مستفزة فقد كانت تروقه بكل تعبيراتها و خاصةً الغاضب منها لذا استغل هروب 《جنة》 و أقترب منها قائلًا بخشونة:
” متقوليش على نفسك كدا. في حد اهبل و حلو بالشكل دا ؟”
سخرت بمرارة :
” تخيل !”
واصل استفزازه قائلًا:
” اوعي تقولي انك زعلانه من كلام سليم ..”
” و أزعل ليه إذا كان بيقول الحقيقة ؟”
لم يكن لا المكان ولا الزمان يسمحان له بأن يريها كم تؤثر به ومدى سيطرتها علي قلبه لذا اقترب خطوة و تحدث بلهجته الخشنة المثيرة :
” بقي أنتِ مش مسيطرة ؟ أومال مين اللي واخد قلبي لحسابه ؟”
لا تنكر أن كلماته أثرت بها كثيرًا ولكنها لم ترد الإستسلام أمامه لذا قالت بتهكم :
” لما تبقي تعرف ابقي قولي ..”
اجابها بنفاذ صبر :
” فرح !!”
” عن أذنك …”
هرولت للأعلى لا تعلم لما شعرت برغبة قوية في البكاء و لم ترد لأحد أن يراها وهي تبكي لذا قصدت غرفتها و تحديدًا غرفة الملابس التي أغلقتها بالمفتاح من الداخل وهوت على السرير لتنخرط في نوبه بكاء عنيفة …
******************
دلف الثلاثة الي المكتب فصاح «مروان» باعتراض
” بقي يا ربي تاخدوني من الدار للنار علي طول كدا ؟”
تجاهله «سالم» و ناظر «سليم» بحدة تجلت في نبرته حين قال
” من بكرة هتنزل القاهرة في شغل كتير متعطل لحد ما اخلص من موضوع الانتخابات دا.”
«سليم» باختصار
“تمام . طمني عملت ايه مع الراجل المجنون دا ؟”
«سالم» بفظاظة
” هييجي هو و عيلته يعيشوا هنا في المزرعة ..”
انهي كلماته ثم توجهت أنظاره الي «مروان» وهو يقول بأمر
” تشوفله شغل كويس و سكن يكون جمب شغله ..”
برقت عينا كلًا من «مروان» و«سليم» الذي قال بصدمة
” سالم انت عايز تجيب الراجل اللي كان عايز يموت ابن عمك يعيش هنا هو و عيلته ؟؟”
تدخل «مروان» ساخرًا
“أيوا أصله معرفش ينشن المرة اللي فاتت صح و جابها في كتفي . نديله فرصه المرة الجايه يمكن تظبط معاه و يجبها في قلبي “
تجاهل «سالم» سخريته وقال بغموض
” الراجل دا ضحية . و اللي ظلمه لازم يتعاقب ..”
«مروان» بسخط
” اللي تشوفه .. اومال طارق فين ؟”
«سالم» باختصار
” في مشوار و عالأغلب مش هيرجع في خلال يومين ..”
«سليم» باستفهام
” مشوار ايه ؟”
«سالم» بنفاذ صبر
” سيبك من طارق و خلينا في المهم ..”
«سليم» بسخط
” وهو ايه المهم ؟’
«سالم» باختصار
” عمتك عايزة حقها. واربع اضعاف تمن الأرض بتاعتها ..”
خرجات صيحات الاستنكار من كلًا من «سليم» و «مروان» الي قال
” انا قولت الولية دي اتهطلت محدش صدقني .. يا جدعان خطبوها ولا جوزوها ولا شوفولها اي حاجه تتلهي فيها عننا . دي حالفة لا تشل العيلة كلها…”
«سليم» بتهكم
” اول مره تقول حاجه صح في حياتك ..”
قاطع حديثهم طرق الخادمة علي باب الغرفة تعلن عن وقت الطعام فتحدث سالم آمرًا
” طلعي العشاء بتاعي علي اوضتي .. و انتوا يالا روحوا اتعشوا..”
انصرف الجميع فتوجه الي الأعلى بخطٍ تحمل اللهفة فقد مرت ساعتان منذ أن تركته و صعدت للأعلى و قد قرر إنهاء ذلك الخصام اللعين و مراضاتها فقد انشغل عنها كثيرًا و من المؤكد أن كل ما تمر به جراء شوقها إليه فهو مثلها يرغب في تحطيم كل تلك الأشياء التي تبعده عنها.
خطي الي داخل الغرفة فوجدها خالية فاعترته الدهشة فتوجه الي الحمام يبحث عنها فوجده خال فلونت وجهه ابتسامه لم تصل إلي عينيه وهو يعيد خطواته الي غرفة الملابس و قد تعاظم الغضب بداخله حين لمح نورها المنبعث من أسفل الباب فقام بالطرق عليه بقوة فلم يأتيه رد و ما أن هم بالطرق مجددًا حتي سمع صوت انغام آتيه من الداخل تلاها صوت فايزة أحمد و هي تشدو معاتبه
“بتسأل ليه عليا و تقول وحشاك عينيا. من امتا انتا حبيبى و دارى ب اللى بيا. ياللى بتسأل عليا ملكش دعوه بيا … ياللي بتسأل عليا .. ملكش دعوة بيا .. بتسأل ليه ليه ليه بتسأل ليه عليا ؟؟”
دهشة عارمة تملكته حين سمع كلمات الأغنية فقد شعر في تلك اللحظة بأن تلك المرأة تنوي إصابته بجلطة دماغية .
” هي حصلت يا فرح مشغلالي فايزة أحمد ؟؟”
تابع الطرق بصورة أقوى علي الباب وهو يزمجر غاضبًا
” افتحي الباب يا فرح بلاش شغل عيال ..”
شهقت مغتاظه منه وتمتمت بحنق
” شغل عيال ! انا بعمل شغل عيال . و بيزعق كمان ! طب والله مانا فاتحه.. مش فاتحه يا سالم و مش عايزة اتكلم معاك “
علا صوتها حتي وصل مسامعه حين قالت جملتها الأخيرة فانكمشت ملامحه بغضب قاتم و بلحظه قام بضرب الباب بكتفه لينفتح علي مصرعيه فهبت من مخدعها بصدمه حين رأته يتوسط الغرفة ويناظرها بأعين يتطاير منها الشرر وهو يعض علي شفتيه السفليه بوعيد فحاولت تمالك نفسها و استجمعت شجاعتها قائلة بوقاحة
” اخرج بره …”
تجاوزت حدود المسموح بالنسبة إليه فبرقت عينيه بدرجة ارعبتها وبرزت عروق رقبته و تجعدت ملامحه قبل أن يزمجر بوحشية وهو يقترب منها ممسكًا برسغها يهزها بقوة
” انا ميتقاليش أخرج بره.. فاهمه ولا لا ؟ “
شهقة خافته شقت جوفها جزعًا فلأول مرة تراه غاضبًا بتلك الدرجة فتقاذفت العبرات من مقلتيها و شعرت بثورة عارمة في معدتها فوضعت يدها فوق فمها و انتزعت يدها الأخرى من بين يديه وهي تهرول إلي الحمام تفرغ ما في جوفها فتابعها بخطوات قلقة فوجدها تجثو علي ركبتيها بتعب فهوي بجانبها يحتضنها بخوف تجلي في نبرته حين قالت
” في ايه يا فرح ؟؟؟”
لم تجيبه إنما أرسلت عينيها سهام العتب الذي نال منه فشعر بتأنيب الضمير تجاهها و قام بحملها متوجهًا إلي المرحاض و فتح المياة و أخذ يبلل وجهها بلطف و التقط المنشفة و جفف وجهها بحنو ثم قام بحملها ليضعها علي السرير وهو يتوجه الي الباب ينادي بغضب
” سليم… “
أطل سليم برأسه من الاسفل فهدر سالم بأمر
” اطلبلي دكتور بسرعة …’
تنهي كلماته و اغلق الباب خلفه و التفت يناظرها فقالت بخفوت
” الموضوع مش مستاهل كل دا ممكن شويه برد و يروحوا لحالهم “
اجابها بفظاظة
” مش مهم بالنسبالك لكن مهم بالنسبالي.. ”
تمتمت بخفوت
” ماهو واضع..”
” فرح انا ماسك نفسي عنك بالعافيه .. “
هكذا تحدث بحنق فأجابته بانفعال
” انت اللي ماسك نفسك صح ؟ انت اللي بتدور عليا و مش لاقيني صح ؟ “
اقترب منها قائلًا بعتب
” وهو دا بمزاجي ؟ و لا انا مبسوط وانا بعيد عنك ؟”
خرجت كلماتها متألمة حين قالت بأنهيار
” طب شاركني عرفني في ايه .. انا معرفش حاجه ومش لاقياك و حاسه اني مش طايقه نفسي ولا طايقه حد ..”
رق قلبه لحالها فاقترب يحتويها داخل أحضانه قائلًا بحنو
” عندك حق .. بس صدقيني انا معنديش وقت اتنفس . ”
صاحت معترضه
” ماليش دعوة عايزة وقت ليا لوحدي .. “
من ذا الذي يجد كل هذا الحب بعيون تشبه خاصتها ولا يذوب!
” كل دا عشان وحشتك ؟”
اومأت برأسها دون حديث فزين جبهتها بقبلة اعتذار لم يتجاوز حدود شفتاه فحاوطت خصره بذراعيها وقالت بخفوت
” انا حاسه انك شايل حمل كبير اوي يا سالم . شاركني ارجوك مش انا مراتك حبيبتك؟”
” أنتِ روحي يا فرح ..”
اخترقت كلماته اعماق قلبها و دكت جميع حصونها فوجدت نفسها تحوي وجهه بين يديها وهي تقول بخفوت
” طب ايه بقى ؟”
امتدت يديه تجلسها بين أحضانه وقال بجفاء و نبرة تقطر حزنًا
” مروان بيتجسس علينا لحساب ناجي !”
*****************
حين يسكن اليأس في قلوبنا فأنه ينهيها ببطء يتغزي علي دماء الروح التي انشطر عنها أحد شقيها فتناثرت دماءها قهرًا لا يحكى و لا يشكي فقط يبكي !
لا يعلم الي ايه عليه الذهاب فقد تقصي عنه في كل أرجاء البلد عله يجد طرف خيط في يوصله لها ولكن دون جدوى.
حتي أنه كان يسأل الناس من حوله كما لو أنها طفلة صغيرة تاهت عن والدها. يشعر و كأن القدر يعاقبه علي ظلمه لها و تجبره عليها ولكن عقله اللعين كان جاهلًا بتلك المشاعر العميقة التي جرفته نحوها. و حين فطن الي مدى تعلقه بها اختطفها منه بمنتهى القسوة ليتركه بين براثن العذاب الذي ينهش بصدره حتى كاد أن يدميه.
أخذ يمشي و يمشي دون أن يستطيع الاستقرار علي وجهه آمنه تحتضن خوفه أو يد حانيه تربت علي جزع قلبه.
فجأة وجد نفسه بالمقابر تحديداً أمام قبر والدته التي غادرته هي و والده وهو طفل صغير لم يكد يتجاوز الثالثة من عمره . طفل صغير بائس يشعر بالشفقه عليه كل من حوله لن يدركوا مقدار احتياجه للحنان و الأحتواء. أن يمرر أحدهم يده فوق خصلاته ويخبره بأن كل شئ سيكون بخير . لم يعرف معني الدفء يومًا فقد رباه جده الذي بذلك الوقت كان مثال للقوة و الجبروت فأخذ يبثه طباعه الحادة و قسوته اللا متناهيه ظانًا منه أن هذا يجعله رجلًا ولكن حتي أعتي الرجال يحتاج ولو لمرة واحدة في هذه الحياة أن يلقي برأسه علي صدر أحد يخبره بأن كل شئ سيكون علي ما يرام …
” جوليلي اعمل ايه يا امه..؟ جلبي واچعني جوي . حاسس بروحي بتروح . و اني عاچز .. ”
تدفقت العبرات من مقلتيه تحفر وديان الألم فوق خديه و قد خلع عباءة الكبرياء جانبًا و أطلق العنان لضعفه أن يظهر علي السطح فلم يعد في الروح متسع و لم يعد الجسد يتحمل أكثر من هذا فالألم فاق حدود المعقول
” نفسي اصرخ واجول أه.. بس عارف ان محدش هيسمعني . چيتلك يمكن تسمعيني أنتِ . جوليلي ياما اعمل ايه عشان ارچعها تاني ؟ “
تعالت شهقاته التي تتنافي مع هيبته و ضخامة جسده الذي سقط علي الارض لا حول له ولا قوة وتابع بنبرة منكسرة
” اني عارف اني كنت جاسي عليها جوي. بس اني اتربيت عالجسوة. معرفش غيرها. لو دا عقاب من ربنا اني راضي اتحرم منيها بس ترچع سالمه. جلبي بيحترج كل ما اتخيل أن حد ممكن يأذيها…”
خرجت منه أهه مشتعلة قبل أن يتابع بقهر
” هتچنن ياما .. عجلي هيشت مني. جلبت البلد حته حته ملهاش أي أثر . نفسي اعرف مين اللي خطفها؟ مين اللي مد يده و نزع جلبي من بين ضلوعي وخباه مني ؟؟”
تعالت أصوات بكاءه وهو ينظر للسماء قائلًا بتضرع
” أروح لمين بس يارب ؟ يارب ماليش غيرك دلني عالصح ..”
مرت الساعات مؤلمه و كان عقاربها تلدغه فصار يبكي دمًا حتي هدأت ثورته قليلًا و فجأة طرأت علي باله فكرة لا يعرف كيف غابت عن عقله و شرع علي الفور بتنفيذها فقاد سيارته بجنون يتسابق مع الزمن فكل دقيقة تمر بها وهي بعيده عنه لا يعرف مكانها أو مع من تزيد من جنونه أكثر ..
أخيرًا وصل الي وجهته فصف سيارته أمام ذلك المنزل الكبير و هرول إلي الباب يدقه بعنف ففتح له الغفير ليتجاوزه الي الداخل وهو يصيح
“صفوت بيه .. يا صفوت بيه “
” في ايه يا أخينا انت ؟ البيه مش موجود ”
سب 《عمار》 في سره وهو يقول الغفير بحنق
” و هياچي ميتا؟”
“معرفش ..”
” طب اني هستناه .. ”
ادخله الغفير الي المنزل و أجلسه بغرفة الاستقبال فقام بإخراج سلسالها الجميل الذكرى الوحيدة الباقية منها فأخذ يناظره بإعتذار صامت و ما هي إلا دقائق حتي أتي 《صفوت》 فقام 《عمار》 بوضع السلسال في جيبه و هب لملاقاته فوجده يقول باندهاش
“عمار .. في ايه حلا حصلها حاجه ؟”
《عمار》 بنفي
” لاه متجلجش حلا كويسة .. اني عايزك في موضوع يخصني انا .”
” موضوع ايه ؟”
《عمار》 بقلب محترق
” في حد يعز عليا جوي. بدور عليه و مش عارف أوصله .. ”
صفوت بعدم فهم
” لا انا مش فاهم . اقعد كدا و فهمني تقصد ايه؟”
قص عليه 《عمار》 ما حدث و انهي كلماته قائلًا
” اني مستعد ادفع مال الدنيا كله و افديها بعمري بس الاجيها..”
تذكر 《صفوت》 تلك الفتاة صاحبة المشكله التي قصها 《عمران》 عليه باختصار فقد شعر بالأسي حولها و ازداد شعوره حالياً فنظر إلي 《عمار》 بشفقة تجلت في نبرته حين قال
” طب هدي نفسك و اشرب الليمون وانا هعمل اتصالاتي و أن شاء الله خير ..”
ناوله 《صفوت》 كوب الليمون فأمتدت يده تلتقطه باهتزاز فسقط الكأس علي جلباب 《عمار》 فقال 《صفوت》 بلهفة
” معلش حصل خير … اقلع الجلابية هخليهم ينضفوهالك و يجيبوها علي طول ..”
《عمار 》برفض
” لاه سيبك من الچلابية دلوق . و خلينا في المهم ..”
《صفوت》 بعناد
” علي ما اعمل كام تليفون هيكونوا نضفوها وجففوها .. اسمع الكلام من غير نقاش “
أومأ 《عمار》 بصمت و قام بوضع يده في جيبه ملتقطًا سلسالها وهو يخلع جلبابه فتحدث 《صفوت》 ممازحًا في محاولة منه لتهدئته
” دا الموضوع طلع كبير بقي . ”
تشكلت غصة صدئة بجوفه وقال بمرارة
” دي آخر حاچة بجيت منيها . رفضت اديهالها زي ما يكون كان جلبي حاسس .”
لا يعلم السبب ولكنه وجد نفسه يمد يده إليه ليرى السلسال فتفاجئ 《عمار》 من فعلته و قام برفعها أمامه دون أن يلمسها فتراقص السلسال أمام أعين 《صفوت》 التي تحولت ابتسامته الي صدمة قويه و شعر بأن الكون توقف للحظة عن الدوران حين رأى تلك النجمة التي تتمايل أمامه فامتدت يديه تنتزعها من يد 《عمار 》الذي صاح بغضب
” ايه يا سيادة اللواء هات السلسال ده بتاعي .”
لم يستطيع الحديث فقد اهتزت يديه التي قامت بفتح السلسال لتظهر صورة تلك الصغيرة التي لم تفارق خياله أبدًا منذ أن فارقها. نعم كانت طفلته التي انتزعتها أيدي الغدر من بين يديه دون شفقه أو رحمة …
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية في قبضة الأقدار)