روايات

رواية في قبضة الأقدار الفصل التاسع والستون 69 بقلم نورهان آل عشري

موقع كتابك في سطور

رواية في قبضة الأقدار الفصل التاسع والستون 69 بقلم نورهان آل عشري

رواية في قبضة الأقدار الجزء التاسع والستون

رواية في قبضة الأقدار البارت التاسع والستون

في قبضة الأقدار
في قبضة الأقدار

رواية في قبضة الأقدار الحلقة التاسعة والستون

لم يختر أحد بإرادته المُضي في دروب الصبر الموحشة . إنما كان الخيار الوحيد في وسط كل هذا الألم الذي يقتات على الروح و بكل دقيقة تمـر يلتقِم جزءً كبيرًا منها ، والشيء الوحيد الذي يُبقيها على قيد الحياة هو ذلك الوعد الرباني “وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا” فاصبري يا روحي و اصطبري فغدًا تنقشع غيمة الألم و تُمطِر على جراحنا فـ تُذهِر …

نورهان العشري ✍️

🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁

انكمشت ملامحه بصدمة و للحظة لم يستوعب كلمات «سالم» الذي كان يُناظره بـ أعين ثاقبة لم تتزحزح بل تُراقب وقع الكلمات عليه ولم يتفاجأ حين وجده يقول بهسيس مرعب
_ انت بتقول ايه ؟ ناجي مين اللي بيهدد جنة ؟

«سالم» بسخرية جافة
_ هو احنا عندنا كام ناجي ؟

هب من مكانه و قذائف الجمر تتأرجح بين طيات صدره الذي كان يعلو و يهبِط من فِرط الغضب الذي جعل عينيه تبرق بلون الدماء و صاح بزئير غاضب
_ انت بتقول ايه ؟ الكلب دا ايه اللي وصله لمراتي ؟

جاءت لهجته هادئة يشوبها سخرية طفيفة على عكس ملامحه الواجمة
_ والله بما أن دي مراتك فالسؤال دا تسأله لنفسك ؟

لم يستطِع تحمُل جموده و سخريته فصاح بحدة
_ سااالم . كلمني زي الناس .

انقشعت غمامة الهدوء و حل محلها الغضب و القسوة التي غلفت نبرته حين قال
_ لو هكلمك زي الناس يبقى قبلها هعلق ايدك التانيه في رقبتك .

كاد أن يتحدث ولكنه ردعته كلمات «سالم» القاسية حين قال
_ لما كلب زي دا يوصل لمراتك و يهددها و يرعبها لدرجة أنها تبقى عايزة تسيب الدنيا كلها و تهرب يبقى دي عيبة في حقك كراجل . فين الأمان اللي مفروض تعيشها فيه ؟

اهتاجت أنفاسه و تناحرت بصدره تتقاذفها أسهم نارية تساقطت من بين كلمات شقيقه الذي لم يُبالي بل تابع حديثه بلهجة أهدأ
_ كلامي زعلك صح ؟ لكن الحقيقة و اللي حصل مع جنة هيزعلك أكتر لما تعرف أنه بقاله اكتر من شهر بيهددها و مسمم عيشتها ، و بالمناسبة دا سبب أنها كانت متغيرة معاك .

امتلأت حقيبة جراحه بالدماء فلم يعد بمقدوره التحمُل أكثر و صاح باهتياج
_ يعني انا بشم على ضهر ايدي ؟ دانا كنت بحايل فيها عشان تقولي مالها ؟ فيها ايه ؟ اتحملت اللي محدش اتحمله و بردو أنا وحش ! كانت بتدوس عليا و مستمتعة وهي بتحسسني اني عاجز ارجعلها حقها .

«سالم» بفظاظة
_ والله اللي اعرفه انك متجوزتش جنة جواز صالونات ولا قابلتها في النادي فـ عجبتك فـ اتجوزتها ! انت اتجوزتها و أنت عارف كويس اوي ظروفها و قابل بيها .

استمهل نفسه لثوان قبل أن يُضيف بتقريع
_ و تقريبًا انت كنت متوقع كدا و اسوأ من كدا ولا انا بيتهيألي ؟

«سليم» بتعب قلما يظهر عليه
_ لا مش بتهيألك . انا فعلًا كنت قابل و راضي . هي اللي مرضيتش . هي اللي بنت في نهاية علاقتنا حيطة سد مقدرتش اكسرها .

«سالم» بعنفوان
_ متبقاش سليم الوزان اللي اعرفه . طول عمرك أسد مفيش حاجه بتقف قدامك . ايه مش عارف تمشي حياتك و تنقذ جوازك ؟ خيبت على كبر ؟

تعاظم القهر و الألم بداخله فصاح غاضبًا
_ أنت مش حاسس بيا . انا فعلًا تعبت . حطيتني في أصعب اختيار في الدنيا يا اجبلها حقها من اللي ظلمها يا انساها . مفروض اعمل ايه ؟

تشابهت عينيه و نبرته حين قال
_ تعرف ايه اللي وصلها لكدا .

«سليم» بجفاء
_ عملت المستحيل عشان اعرف مفيش فايدة ، والهانم ليه مجتش قالتلي ان ناجي بيهددها ؟

«سالم» بحنق
_ سؤال حلو . بس إجابته سيئة !

لا يعرف لما شعُر بـ غصه كبيرة في حلقه من كلمات «سالم» التي ينتابه هاجس قوي بأنها ستكون صادمة بل أكثر
_ كان بيهدد جنة بأنه معاه فيديو ليها مع حازم يوم ما اغتصبها .

سقطت كلمات «سالم» كالمطرقة فوق قلبه الذي انتفض
بـ وَجَل سرعان ما اجتاحه طوفان الغضب ممزوجًا بالغيرة يشوبه الخزي فكان الأمر أكبر من قدرته على التحمل فصاح كـ وحشًا جريح أخذ يتردد زئيره في أرجاء الغرفة التي نالت نصيبها من جنونه حين قام بحمل ذلك المقعد و إلقائه فوق أحد الجدران و ما أن أوشك أن يحمل المقعد الأخر حتى امتدت يد «سالم» لتوقفه وهو يزمجر غاضبًا
_ سليم ..

حاول الإفلات من بين براثن شقيقه ولكن هيهات فقد كان يتمسك به بكل ذرة بجسده يؤاذره قلبه الذي كان ينتفض ألمًا على ما يحدث مع شقيقه الذي حاوط رأسه بيديه و أخذ يهتف بلاوعي
_ لا . لا . انا في كابوس . دا مش حقيقي . أكيد مش حقيقي

حانت لحظة إلقاء المرساة لإيقاف السفينة عِند برها الآمن فصاح «سالم» بقوة مُشددًا على حروفه
_ طبعًا مش حقيقي دي حيلة قذرة من واحد زي ناجي عشان يلعب بأعصابها .

تجمد لثوان قبل أن يلتفت بأعين يتساقط منها التوسل على هيئة عبرات لم تفلح في محو الألم من نبرته حين قال
_ الكلام دا بجد ؟ ولا ؟

_ مفيش ولا . الكلام دا مالوش أساس ، و أنا بنفسي مُتأكد من كدا . هو حب يخترع أي حاجه يشوشر بيها على تفكير جنة .

صمت لثوان قبل أن يُضيف مغلولًا
_ ناجي مش عايز دم . عايز نار تحرقنا واحنا عايشين و بنتنفس . نار متموتناش تفضل تعذبنا طول عمرنا . عايزنا كلنا نوصل لحالتك دي .

أخذ يمضغ أسنانه غضبًا تبلور في عينيه التي من فرط شناعتها تجمدت العبرات بها لتندفع ألسنة اللهب من شفتيه
_ الحقير . نهايته على أيدي ..

«سالم» محاولًا امتصاص غضبه
_ على ايدنا . ايدك لوحدك سهل اوي يقطعها ، و دا اللي هو عايزه . اقعد خلينا نتكلم بهدوء .

طاوعه على مضض ليُتابع «سالم» بعد أن استقر على المقعد المُقابل
_ في حاجات كتير اوي تمنعنا أننا نخلص عليه و ان عارف كدا ، و دلوقتي اركنه على جنب انا عايز اعرف انت ليه عامل في نفسك كدا ؟

القى بثقله على ظهر المقعد وهو يضحك بصخب ينافي غيوم الحزن التي تُغلف عينيه اللتين كانتَ في تلك اللحظة صورة حية لرجل اُغتيلت روحه وهو لايزال على الحياة .

_ ياااه يا سالم . أنا اللي عامل في نفسي كدا ! دانا نفسي دي مبقتش لاقيها ! انا عامل زي واحد محكوم عليه بالإعدام وهو عامل نفسه عبيط عشان يقضي اليومين اللي باقيين له من غير خوف . لا قادر يصرخ ولا قادر يبكي ولا قادر حتى ينهي حياته بإيده . كل ما اخلص من طوق الذنب اللي خانقني الاقي الدنيا تجيبني من رقبتي بذنب أصعب و أصعب . كل مرة اقول خلاص . هرتاح . هطمن .هعيش حياتي زي الناس الاقي قلم أصعب من اللي قبله .

محى تلك الدمعة الغادرة التي شقت قلبه قبل مآقيه و تابع بحرقة
_ انا مبقاش فيا حيل لذنوب تانيه مبقاش عندي طاقة اسند نفسي و اقف على رجلي. انا لأول مرة عايز اهرب اجري لبعيد لحد ما يتقطع نفسي يمكن ارتاح .

كان رجلًا جليديًا ذو شكيمة و جأشٍ صلب و الآن تشقق كل ذلك وهو يناظر كل هذا الكم من الحُزن الذي يتقاذف من حروف شقيقه و عينيه فاشتعلت حمية الإنتقام بقلبه وتفشت علة الغضب بـ أوردته و أقسم على أن يضرب العالم بـ إنتقامه أبشع الأمثلة
_ خلصت ؟

هكذا تحدث بجفاء كان نشاذًا على مسامع «سليم» الذي ارتفعت عينيه تناظر «سالم» فهاله هيئته التي توحي بأن هُناك جيوش تتلاحم خلف ستار الجمود الذي يدعيه فلم يستطِع كبح جماح كلماته حين قال
_ انت في صف مين يا سالم ؟

اختطفه استفهام سليم إلى خارج حدود المعركة لذا هدأت لهجته قليلًا حين قال
_ تبقى غبي لو فكرت اني مش في صفك!

تشدق ساخرًا
_ في صفي ؟ دا انت متوجعتش ولو للحظة عشاني !

أخذ يهز رأسه في الجهتين قبل أن يقول بهدوء كان غريب من نوعه
_ متوجعتش عشانك ! جايز ! بس ما انت كمان متوجعتش عشان نفسك ! مشيل نفسك أحمال مش بتاعتك . غرقان في ذنوب ملكش يد فيها.

انكمشت ملامحه بصدمة سرعان ما تبددت حين سمع كلمات «سالم» القاسية
_ من اول ما حازم اتقال انه مات وانت مشيل نفسك ذنب موته مع أن لحظة موت الإنسان مكتوبة من قبل ما يتولد ، وبسببها ظلمت بنت غلبانه من غير اي ذنب

صمت لثوان قبل أن يستطرد قائلًا
_ بس على فكرة هي تستاهل . عشان هي غبية و مثالية زيادة عن اللزوم زيك . اختارت أنها تحفظ سر واحد غشها و خدعها ، و طبيعي يكون رد فعلك كدا معاها بس طبعًا انت عمرك ما تختار الطريقة السهلة و تفكر كدا . لا . دا انت تفضل شايل ذنبها هي كمان .

كان يتابع وقع كلماته على «سليم» بترقب وحين أوشك الأخير على الحديث لم يُمهله الوقت بل تابع بتقريع
_ نفس النظام مع مروة . مروة دي جرحتك زمان و سابتك من غير ما تحترم أي شيء بينكوا و بناءً عليه خسرتك . أما جالها فرصة تصلح غلطها في حقك مترددتش و برأتك . جت ساعة موتها بالطريقة اللي ربنا كاتبها ليها . لا ازاي ؟ دا ذنبي و لازم اشيله و أشيله للغلبانه التانية ، و اهي بجملة القرف صح ؟

قساوة الكلمات تتنافى مع وقعها على قلب «سليم» الذي لاحت بوادر الضوء تتسلل إلى صدره فلانت ملامحه قليلًا ليُتابع «سالم» بمبدأ الطرق على الحديد وهو ساخن
_ إلا قولي يا سليم هو انت طلبت من مروة تيجي تبرأك قدامنا ؟

هزة خفيفة من رأسه بمعنى لا فتابع «سالم» استفهاماته
_ هي قالتلك ان ناجي هددها أنه يقتلها لو برأتك ؟

نفس ردة الفعل فتحدث «سالم» بتقريع

_ يبقي عقلك الغبي ليه صورلك أن ذنبها في رقبتك ؟ ليه متقولش ان دا واحد مجرم مختل ولازم يتحاسب على كل جرايمه ؟
حين أوشك «سالم» على متابعة الحديث تفاجأ ب«مروان» الذي اقتحم النافذة برأسه وهو يصيح بغضب

_ تشيل الطين و تشيلهولنا معاك ليه انا عايز افهم ؟ ناقصين قرف ؟ مش كفاية عمتك و اللي عملاه فينا ؟

التفت الأخوان يناظرون ذلك الذي اقتحم جلستهم فأشار له «سالم» بيديه لكي يأتي فاخذته الحمية و لم يلحظ ذلك الوميض الخطِر في عينيه فدلف إلى داخل الغرفة ليُلاحظ عيني سالم التي كانت مُريبه فاندفع يقول بحماس
_ الله يكملك بعقلك يا باشا . الباشا الكبير اللي مفيش في عقله و ذكائه اتنين .
وجه أنظاره إلى «سليم» قائلًا بتهكم
_ طبعًا انت والذكاء أعداء .

قطع حديثه صوت «سالم» الجاف حين قال
_ انت كنت بتتجسس علينا من الشباك ؟

«مروان» بتلعثم
_ ايه يا باشا ؟ ايه . اتجسس عليك دي ؟ هو انت رأفت الهجان ولا ايه؟

«سالم» بلهجة صارمة تحوي تحذير لا يُمكن تجاهله
_ مروااان ؟

_ الصراحة بقى فرح قالتلي اروح اسمع بتقولوا ايه و اقولها وانا اتغاظت من الجحش دا و مقدرتش امسك نفسي ..

لم يستطِع اخفاء تلك البسمة الساخرة التي ارتسمت على شفتيه ولكنه تجاهل وجود «مروان» و التفت ينظر إلى «سليم» بأعين هدأت قليلًا تأثرًا بمرور نسمات وجودها حوله و تابع بلهجه هادئة
_ انا مش في صف جنة يا سليم لو في صفها كنت طلقتها منك .

وقع الكلمة كان صاعقًا للحد الذي جعله يرفع رأسه بحدة يناظر« سالم» بذعر هدأ قليلًا حين تابع الأخير
_ ولأول مرة في حياتي احيد عن الحق و مقفش في صفة عشان لو وقفت في صفة هطلقها منك بردو ، و وقتها ابقى كتبت نهايتك بإيدي و دا انا للأسف مش هقدر اعمله واللي مريح ضميري شويه اني عارف انها هتضيع من غيرك هي كمان .

ألقى« سليم» برأسه للخلف وهو يحاول التملُص من دقات قلبه الهادرة لدى سماعه جملة «سالم» الأخيرة و لوهلة غامت عينيه برغبة عاتية في الإستلقاء بين جنبات عشقها ينشُد الراحة يبغي البكاء علَ قطراته تمحي رماد الحزن الذي يُعشعش داخل أوردته لذا نصب عوده و قرر المواجهة فإما أن ينتصر بها وإما أن يُهزم بين ذراعيها

_ عندك حق . انا مش هسمح لا لناجي ولا لحد يدمر حياتنا سوى .

التفت «مروان» الى سالم بنظرات مستفهمة حذرة فها هي النقطة التي كان يخشى الوصول إليها ولكن الأخير لم يُبالي بأي حذر و حين أوشك «سليم» الوصول إلى باب الغرفة تحدث «سالم» بجفاء
_ جنة مشيت يا سليم .

توقف النبض بصدره للحظة كانت الأسوأ على الإطلاق . كانت جملة صغيرة كافية لغمس قلبه في جذوة مُشتعِلة ترتكز بقعر الجحيم الذي تجلى في نظراته حين التفت إلى «سالم» الذي تمهل قبل أن يُجيبه بنبرة ذات مغزى
_ مفروض أنها مشيت عشان تعبت أو عشان تبدأ تلملم نفسها من جديد دا اللي قالته بس اللي انا واثق منه أنها مشيت عشان تعرف انت عايزها ولا لا ؟

همس بغير وعي
_ عايزها ولا لا ؟

تدخل« مروان» قائلًا باتزان
_ اعتقد انها مستنية منك إجابة .

فك أسر أنفاسه التي تناحرت بصدره لتخرج مُلتهبة كما كلماته حين قال
_ السفر امتى ؟

«سالم» باختصار
_ التلات الصبح

أجابهم بلهجة جافة تُشبه نظراته حين قال
_ هروح اجهز نفسي .

ما أن غادر الغرفة حتى اندفع «مروان» قائلًا بسخط
_ هيجهز نفسه لأيه بالظبط ؟ هو هيسافر من غير ما يروحلها ؟

«سالم» بنفاذ صبر
_ في الغالب أه .

«مروان» بحنق
_ و دا ليه أن شاء الله ؟ اومال المحاضرة اللي ادتهاله دي من شويه دي كانت ليه ؟

«سالم» بجفاء
_ دي الحجة اللي هترجعه ليها لما الشوق يقرصه.

«مروان» بسخط
_ لا مش فاهم بقى . هو المفروض هيحاول ينقذ حياته معاها ولا هيعند و يتغابى ؟

«سالم» بسلاسة
_ هيعند و يتغابى ، وللعلم هو له حق يزعل مكنش ينفع انها تخرج من البيت من غير ما يعرف . بس كان لازم دا يحصل

«مروان» بعدم فهم
_ انت في صف مين يا كبير ؟ انا مبقتش فاهمك

«سالم» بنفاذ صبر
_ اللتنين صف واحد . بس كل واحد و له أخطاءه . كل واحد فيهم شايف أنه اتحمل اللي محدش اتحمله عشان التاني . مع أن محدش جبرهم يعملوا كدا .

«مروان» بغضب
_ هما اتحملوا كتير يا سالم بس سليم طلع عينه عشان جنة . هي اتحملت نتيجة خطأها حتى لو غير مقصود بس بعد كدا الكل كان رهن إشارتها

«سالم» بتعقل
_ بغض النظر عننا بس الحب يعني عطاء ، وعطاء غير مشروط . بحب يعني اعمل كل اللي اقدر عليه عشان الشخص اللي بحبه . الشخص اللي اختارته بكامل إرادتي . محدش أجبرني ، واكبر غلط ارتكبه في حقه و حق نفسي لما في اول مشكله بينا اعايره بكل اللي عملتهوله اللي بردو عملته بكامل إرادتي . محدش أجبرني اعمله .

_ عندك حق . بس فعلا سليم صعب عليا . اه انا مع جنة عشان هي الجانب الضعيف بس سليم بردو تعب .

_ و لسه هيتعب . عشان هو موقفش علاقته بيها على أرض صلبة من البداية ، و البعد دا في مصلحتهم . شوقهم لبعض و خوفهم من أنهم يفترقوا تاني هيخليهم يحسبوها صح المرة الجايه .

★★★★★★★★★★

_ طمني يا دكتور هي عامله ايه دلوقتي ؟

هكذا

★★★★★★★★★★

_ بصي بقى يا أمو جلامبو احنا لازم نتصرف نعمل اي حاجه الواد هيسافر و دا عنيد و دماغه جزمة .

هكذا تحدث «مروان» إلى «فرح» التي كانت تغلي من الغضب حين قص عليها «مروان» ما حدث فهبت من مكانها وهي تقول بانفعال
_ بقى كمان البيه مش ناوي يراضيها و يعتذرلها عن عمايله ؟

«مروان» بحنق
_ معلش بقى اللتنين غلطانين . سليم غلط تحت ضغط شديد زي ما هي بردو كانت مطلعه عينه عشان عليها ضغط و أنتِ اكتر واحدة عارفه هو اتحمل ايه عشان خاطرها . كمان هي مشيت من غير ما يعرف

وخزات التأنيب تفشت بقلبها فهي أكثر من يعلم ما مر به على يد شقيقتها في الفترة الماضيه لذا زفرت بقوة قبل أن تُجيب بغضب
_ بس هو الراجل و مهما كان هو كسر بخاطرها و جرحها و أنت بنفسك اللي حكيلي .

«مروان» بسخط
_ يتقطع لساني أنتِ اللي جرجرتيني في الكلام . ما أنتِ سوسة .

حين لم تستطيع معرفة ما حدث تفصيليلًا من« سالم» لجأت إلى «مروان» الذي اوهمته بمعرفتها بكل شيء لينخرط معها في الحديث و يخبرها عما حدث تفصيليلًا
تجاهلت كلماته و قالت بحنق
_ وهي مشيت لوحدها ولا هو اللي طردها من حياته ؟

تفاجئت بذلك الصوت القاسي الآتي من الخلف
_ وهي كام مرة طردتني من حياتها ؟

التفتت لتتفاجئ ب«سليم» الذي كان الجمر يتساقط من كلماته و نظراته التي اغضبتها فقالت ساخطة
_ و انت بتردهالها بقى ؟

«سليم» بجفاء
_ انا حر انا و مراتي .

«فرح» بانفعال و نبرة تجاوزت حدود المسموح به
_ مراتك دي مش جايه من الشارع ؟ دي ليها أهل يدافعوا عنها و يحموها .

تجاهل غضبه من طريقتها وقال بجفاء
_ لما تبقى تشتكي لأهلها يبقوا ييجو يكلموني . لكن هي مشتكتش هي مشيت . يبقى محدش له فيه .

احرقتها كلماته ولكنها لمحت تلك اللمعة في عينيه التي أشعرتها بما يُعانيه من ذهابها فهي تجاوزته كما تجاوزتها و ذهبت دون أن تلتف إلى الوراء
ابتلعت غضبها و حزنها و قالت بلهجة قاطعه كالسيف الذي شق قلبه لنصفين
_ هي فعلًا مشتكتش ولا هتشتكي . عارف ليه ؟ عشان للأسف هي بتحبك . هي ممكن تشتكي من كل حاجه في الدنيا إلا أنت . كل خوفها عليك . بس أنت كتر ألف خيرك مخلتش قدامها أي حل غير انها تمشي ، و دلوقتي اختي بعيد عني بسببك . ارتاح بقى .

انهت كلماتها و توجهت إلى الخارج تبغي الصُراخ من فرط الغضب و الألم معًا لذا اختارت المكان الوحيد الذي بإمكانه احتمال صراخها و بكاءها و غضبها و لو استمر ألف عام .
توجهت بخطٍ متعثرة إلى غرفة مكتبه و قامت بالدلوف إليها مُباشرةً ليتفاجىء بها تقتحم غرفته بحالتها المُذرية فهب من مكانه يسحبه قلبه ليقابلها في منتصف الغرفة وهي تهرول إليه باكية ترتمي بين أحضانه تنشد الراحة التي لن تجدها سوى بجانبه
_ فرح . مالك في ايه ؟

لم تُجيبه بل شرعت في نوبة بُكاء عنيفة اهتز لها قلبه فأخذ يُشدد من عناقها و كأن يريد إدخالها بجانب قلبه موطنها الأصلي يبغي امتصاص كل هذا الحزن الذي يُخيم على قلبها فـ ظلا متعانقين لفترة غير محسوبة على الرغم من هدوء نوبه انهيارها الا أنها لم تُريد الانسلاخ عنه و شاطرها قلبه رغبتها مستنشقًا عبيرها الآسر و يديه تُدللان خصلاتها المتموجه بتمريرات حانية هدأت من روعها كثيرًا فقد توقع ما حدث معها لذا آثر تأجيل الحديث لحين هدوئها تمامًا
تململت بين ضلوعه ليخفف من احتوائه لها حتى أصبح وجهًا لوجه معها فمد يديه يزيح آثار العبرات التي تُلطِخ فتنتها التي تتضاعف مع تقدم شهور الحمل .
كان حنانه آخاذ يُغريها بالانغماس بين أحضانه للأبد حتى ولكن كان هناك ألمًا يُنغِص عليها كل شيء حتى التنفس
_ مش نهدى شويه بقى ؟

كلماته كانت تحوي عتابًا لم تخطيء فهمه فأخفضت رأسها وهي تقول بحزن
_ كل ما احاول أهدى تحصل حاجه تضايقني و تخنقني أكتر .

احتوت كفوفه وجهها كما فعلت عينيه بخاصتها في نظرة عميقة أرسلت ذبذبات قوية إلى سائر جسدها و خاصةً حين تحدث بصوتًا أجش
_ مش اتفقنا تسيبي كل حاجه عليا ؟

همست بخفوت
_ انت هتشيل ايه ولا ايه بس يا سالم ؟

تبلور العشق بنظراته و انساب من بين حروفه حين قال بخشونة
_ أشيل الدنيا دي كلها على كتافي المهم تبقي مرتاحة يا فرح .

توسعت عينيها تأثرًا بكلماته فلم تجد بداخلها من الكلمات ما قد يُعبر عن عشقها له فاقتربت تضع رأسها فوق صدره النابض عشقًا لها وأخذت تُمرغ رأسها كقطة وديعه بين ذراعيه فكان لفعلتها وقعًا خاصًا عليه فأخذ يُشدد من عناقها كثيرًا إلى أن علم بهدوئها كليًا فقام بجذبها ليتوجه إلى الأريكة ليأخذها بين ذراعيه قائلًا بخشونة
_ قوليلي بقى حصل ايه بينك و بين سليم ؟

رفعت رأسها بحدة تجلت في نبرته فارتفع أحد حاجبيه تحذيرًا فابتلعت غصة غاضبة بحلقها و قالت بحنق مكتوم
_ البيه ناوي يسافر من غير ما يروح يصالح جنة و يعتذرلها .

«سالم» مُحاولًا عدم الابتسام على مظهرها الغاضب الذي تجاهد حتى تتحكم به
_ طب و أيه المشكلة هو حر معاها .

انتفضت غاضبة بيد ذراعيه لتجيبه باندفاع
_ يعني ايه حر معاها ؟ يعني يزعلها و يبهدلها و عادي كدا مفروض اسيبه

«سالم» بهدوء
_ مفروض تسبيهم يحلوا مشاكلهم مع بعض . حتى لو عمل فيها ايه هي الوحيدة اللي ليها حق تعاتبه

«فرح» بعدم تصديق
_ سالم.

«سالم» بتعقل و يديه تحويان كفها في محاولة لجعلها تستكين
_ فرح أنتِ عندك شك في حب سليم لجنة ؟

رغمًا عنها أجابته نافيه فاستطرد قائلًا
_ يبقى تديهم فرصة يفهموا حبهم دا و يحاولوا يحافظوا عليه ، و صدقيني سليم بيتعذب اكتر منك عشانها .

«فرح» بحنق
_ طب و ليه يعذبها و يعذب نفسه ؟

_ عشان هو بني آدم يا فرح بيزعل و يتخنق و يجيب آخره ، و على فكرة الغلط دي صفة بشرية محدش ملاك فبلاش اسطوانة غلط و مغلطش . اديهم فرصة يعرفوا قيمة بعض ، و صدقيني دي اول خطوة على الطريق الصحيح .

صمتت لثوان تُفكر في كلماته التي وجدت أنها بالرغم من كل شيء صحيحة لذا هدأت نظراتها لانت ملامحها و حين أوشكت على الحديث حتى بادرها قائلًا بتخابُث
_ و بعدين بلاش تحمليه ذنب أنها وحشتك . عشان هي وحشته اكتر منك .

«فرح» بسخرية
_ و عرفت منين ؟

قرب وجهه منها و هو يهمس ضد شفتيها
_ إذا كنتِ أنتِ بتوحشني لما تغيبي عني ثواني اومال هو يعمل ايه ؟

تجاهلت جملته الأخيرة و قد التمعت عينيها بالشغف الذي كان يقطُر من بين كلماتها حين قالت بغنج
_ يعني أنا بوحشك لو غبت عنك ثواني ؟

«سالم» بخشونة أذابتها
_ عندِك شك في كدا ؟

«فرح» بتخابث أضاء عينيها الزيتونية الخلابة
_ يعني محتاجة شوية إثباتات .

اشعلت كلماتها حمية العشق بقلبه الذي تلاحمت بـ أوردته الرغبة و الشغف ليتولد بركان هائل من المشاعر التي خضعت لـ سطوتها الأكثر من مُحببه لقلبها فأخذا يتبادلان العشق يتأرجحان بين السنة الرغبة العاتية التي تجتاح كليهمَ ليخترقها اعتراض رقيق من ذلك الكائن الصغير بين أحشائها لتنتفض «فرح» بين ذراعيه بطريقة أجفلته فاندفع بقلق
_ ايه مالك ؟ أنتِ كويسه ؟

همست بحبور وهي تُمسِك يده تضعها فوق ذلك البروز البسيط فوق بطنها
_ سالم . البيبي بيتحرك .

كان شعورًا لا يوصف من الفرحة و الرهبة التي قلما زارته و الآن تتغلغل داخل قلبه احتفاءً بهذا الشعور العظيم الذي لطالما حلِم به طوال حياته فارتسمت ضحكه صافية على ملامحه أضاءت قلب تلك التي كانت تُراقِب معالمه و انفعالات وجهه فاقتربت منه تحتوي وجهه بين كفوفها وهي تقول بنبرة تقطُر عشقًا و عينين غامتا بعبارات الفرح
_ هتكون أجمل بابي في الدنيا .

و كأن ذلك الكائن الصغير يؤازرها على طريقته فقام بركلة صغيرة أسفل كف «سالم» الذي شعر بانتفاضة قلبه تأثرا بما حدث فهمس بتمني تخلل كلماته حين قال
_ امتى ييجي بقى انا هتجنن و أشوفه .

_ خلاص هانت فاضل تلت شهور و ييجي بالسلامه. بس هو ممكن يسمعك على فكرة .

هكذا تحدثت« فرح» بحنو شاركها هو به حين أخذ يُمرر يديه بلُطف فوق بطنها قبل أن يقول بغموض

_ ابوك بيعمل كل اللي يقدر عليه عشان لما تيجي تلاقي كل حاجه حلوة مستنياك .

★★★★★★★★★

_ طمني يا دكتور مالها ؟

هكذا تحدث «ياسين» بقلق بعد أن كادت تسقط بين يديه في الجامعه ليقوم بامساكها و اراحتها فوق الأريكة قبل أن يستدعي طبيب الجامعه الذي كان يعلم بأنه متزوج ولكن لم يكن يعلم هويتها فاجابه قائلا
_ كويسه ضغطها وطي بس و دا شيء طبيعي في الحمل .

«ياسين» بصدمة
_ حمل !

الطبيب باندهاش من مظاهر الصدمة التي تلون ملامحه
_ انت تعرفها ؟

فاق من صدمته مطلقاً ضحكة قويه قبل أن يقول بسعادة بالغة
_ اعرفها ؟ دي مراتي . يعني أنا هبقى اب . انا مش مصدق نفسي . الف حمد و شكر ليك يارب .

الطبيب بحبور
_ الف مبروك يا دكتور ربنا يقومها بالسلامه . بس لازم تتابع مع دكتور مختص عشان يتابع حالتها و حالة الجنين.
«ياسين» بلهفة
_ اه طبعًا . أكيد .
انصرف الطبيب و تركهم لتبدأ «حلا» في استعادة وعيها شيئًا فشيئًا إلى أن استقرت زمرديتها على أحب وجة إلى قلبها فهمست باسمه بخفوت
_ ياسين .

اقترب يلثم حروف اسمه من بين شفاهها قبل أن يقول بعشق
_ قلب ياسين .
فتحت عينيها تناظر ملامحه التي كانت تضج بسعادة و حبور لون عينيه الجميلة فارتسم سؤال مُلِح في عينيها و قالت بخفوت
_ في ايه ؟ انا اغمي عليا ليه ؟
جذبها ليجعلها تستقر بجانب قلبه قبل أن يقول بسعادة
_ أخيرًا يا حلوة قلبي ربنا كرمنا .

وصل إلى عقلها هاجس جعل قلبها يرتجف داخلها فرفعت رأسها تطالعه بلهفه و عينيها تتوسلان إليه بأن يطمأنها فلبى نداءها على الفور وهو يقول بتأثر
_ انتٌ حامل يا حبيبتي .
لوهلة تصنمت بمكانها تحاول أن تستوعب ما قال قبل أن تخرج منها صرخة قوية وهي تهتف بسعادة غامرة
_ انا حاااامل . مش مصدقة نفسي بجد

حاول «ياسين» احتوائها وهو يقول بسعادة
_ اهدي يا مجنونه الجامعه كلها عرفت ، وبعدين ايه مش مصدقة دي هو أنتِ معاكِ اي حد ولا ايه ؟

لون المكر نظراته وهو يقول بتخابث
_ لو كنت نسيت افكرك !

اختتم كلماته بغمزة عابثة جعلت الدماء تندفع لأوردتها ولكنها دفعته قبل أن تهب واقفه وهي تقول بدلال
_ سينو مش وقت قلة ادبك دي . انا نفسي في مانجا

«ياسين» بصدمة
_ مانجا ؟ مانجة ايه اللي في شهر اتنين دي ؟

_ ايوا مانجا . أيه مسمعتش عن الوحم قبل كدا . خلي بالك لو مجبتوليش مانجا البيبي هيزعل يرضيك ؟

تدلى فكه من فرط الصدمة التي تحولت إلى استنكار تحلى في حروفه حين قال
_ وحم و البيبي هيزعل ! هو لحق دا أنتِ لسه عارفه انك حامل من تلت دقايق

«حلا» باندفاع
_ ايوا هي التلت دقايق دي شويه ؟ و بعدين انت من اولها هتناقشني لا بقى انا هروح لطنط تهاني اشتكيلها منك .

«ياسين» باندهاش
_ هي حصلت ؟ دانا بايني هشوف معاكِ أيام سودا . ربنا يستر .

اقترب منها قائلًا
_ استنيني في العربية عشر دقايق هعمل حاجه مهمة و بعدين هاخدك عالدكتور عشان نطمن عالبيبي قبل ما نروح عالبيت .

لاح شبح غاضب بنظراته ففطنت ما ينتوي عليه فاقتربت منه قائلة بهدوء
_ ياسين احنا لسه دلوقتي سامعين خبر حلو . انا عارفه انك متضايق بس بلاش تأذيها عاقبها بس من غير أذية

«ياسين» بجفاء
_ متقلقيش انا عارف هعمل ايه كويس .

ماهي الا دقائق حتى اوصلها للسيارة و توجه إلى مكتبه بعد أن أرسل استدعاء لتلك الفتاة التي كانت تقف أمامه وبقلب مذعور و ما أن استقر خلف مكتبه حتى اندفعت قائلة بتبرير
_ والله يا دكتور ما كنت اعرف . انا كنت …

قاطعها «ياسين» بقسوة
_ كنت ِ عايزة تفضحيها مش كدا ؟

اخفضت« أروى» رأسها فتابع بحدة
_ بنت تأذي بنت زيها بالطريقة القذرة دي ليه ؟

لم تجد إجابة واحدة تنفذها من هذا الموقف المُذل فتابع بقسوة
_ هو أنتِ لابسة الحجاب دا ليه ؟ لما أنتِ متعرفيش ربنا لبساه ليه ؟ شكل و بس ؟ متعرفيش أنه دائن تُدان ، و أن اللي هتعمليه فيها هيتردلك في يوم

كلماته كانت كـ النغزات التي أصابت كرامتها و أردتها تحت اقدامه و خاصةً حين تابع بتقريع
_ عيب اوي لما بنت تتعمد تأذي بنت زيها و تفضحها على الرغم انها معملتش فيكِ حاجه . انا ممكن اعملك استدعاء لأهلك ، و ممكن أضمن انك تفضلي تسقطي طول حياتك ، و ممكن اتسبب انك تتفصلي من الجامعه و يضيع مستقبلك .

ارتجف بدنها رُعبًا من كلماته و أخذت تنتظر باقي جملته كمُجرم ينتظر حكم الأعدام فتابع «ياسين» بعنفوان زاد من تحقيرها
_ بس انا مش حقير زيك . ماهو اللي عملتيه دا حقارة ودناءة . مسمعتيش عن حديث سيدنا محمد ( صل الله عليه وسلم ) من ستر مُسلمًا ستر الله يوم القيامة ؟

_ انا أسفة والله . انا …

قاطعها «ياسين» بصرامة
_ أسفة دي تقوليها لـ نفسك اللي غلطي في حقها و حطتيها في الموقف المُخزي دا . نفسك دي أمانه عندك بلاش تهينيها و تذليها عشان هتتحاسبي .

صمت لثوان أن يُردف بنبرة صارمة
_ انا هكتفي بإنك تعتذري لحلا قدام المدرج كله بإنك اقتحمتي خصوصيتها ، و من هنا لحد ما التيرم ينتهي مش عايزك تحضريلي ولا محاضرة .

شهقت «اروى» بصدمة و قالت برجاء
_ بس انا كدا هسقط …

قاطعها بجفاء
_ تقدري تاخدي المحاضرات من زمايلك ، وانا كدا رحيم بيكِ اوي مع انك متستاهليش الرحمة . اتفضلي على محاضراتك و مش محتاج اقولك أن حلا الوزان خط أحمر ..

★★★★★★★★★

_ عاملة ايه دلوقتي ؟

هكذا تحدث «طارق» ل«همت» التي كانت تغادر لتوها غرفة «شيرين» فأجابته بحزن
_ هتكون عامله ايه يا طارق ؟ بناتي ربنا يتولاهم ملهمش غيره

اغتاظ «طارق» من طريقتها فقال بجفاء
_ ونعم بالله يا عمتي كلنا ملناش غير ربنا . بس لازم تعرفي أن بناتك مش لوحدهم احنا كلنا حواليهم .

اومأت بصمت فقام «طارق» باحتوائها بين ذراعيه فقد شعر بمرارتها و مدى ثُقل جراحها و نزيف روحها فاشعرتها فعلته برغبة عاتية في البكاء فطاوعتها رغمًا عنها و أخذت تبكي بحرقة بين ذراعي «طارق» الذي لم يحاول تهدئتها بل تركها تُفرِغ ما بجوفها من حرائق فمرت بضع دقائق قبل أن تقول «همت» من بين عبراتها
_ انا ظلمت نفسي و ظلمت بناتي يا طارق . اختارتلهم اسوأ أب في الدنيا . هما دلوقتي بيدفعوا تمن أخطائي .

_ يا عمتي كل شيء في الدنيا دي نصيب . مفيش حد عارف بكرة في ايه ؟ و أنتِ لما عرفتي حقيقته القذرة سبتيه و دوستي عليه و دي اكتر حاجه وجعته .

رفعت رأسها تناظره بألم جلل
_ ناجي مفيش حاجه بتوجعه يا طارق . دا شيطان

أومأ «طارق» برأسه عدة مرات قبل أن يقول بهسيس مُرعِب
_ هنشوف . والله الي بتهز له سبع سموات لـ هخليه يبكي بدل الدموع دم على كل دمعة نزلت من عينيها.

هالها مظهره و توعده فكفكفت عبراتها قبل أن تقول باندهاش
_ هو انت بتحبها اوي كدا يا طارق ؟

«طارق» بصدق تبلور في نظراته و كذلك لهجته حين قال
_ انا عمري ما عرفت يعني ايه حب غير على ايديها. شيرين دي فرصتي من ربنا عشان ابقى انسان جديد.

صمت لثوان قبل أن يُتابع بنبرة ذات مغزى
_ وانا مش هسيب فرصتي تضيع مني أبدًا

وصلها مغزى حديثه فاومأت بصمت فتابع هو بنبرة صارمة
_ كب كتابي على شيرين بكرة زي دلوقتي .

شهقت «همت» بصدمة
_ بتقول ايه يا طارق وهي في الحالة دي ؟

أوشك «طارق» على الحديث فتفاجئت بتلك التي فتحت باب الغرفة وهي تقول بأسى من بين عبرات جامحة
_ انا موافقة يا ماما .

لم تسعده موافقتها بل على العكس اغضبته فهي لم توافق عشقًا له بل استجابة لرغبة قوية في الانتقام من «ناجي» الذي تعلم ان زواجها منه سيشعل جنونه .
لم يُعاتبها ليس وهي لم تصبح زوجته بعد ليس وهي في تلك الحالة التي تجعله يُريد غرسها بداخل أحضانه ليمتص منها كل ذلك الحزن الذي يكاد يُجهِز عليها لذا قال بجفاء
_ جهزي نفسك و استعدي عشان بكرة .

★★★★★★★★★

يقف جامدًا كتمثال قُد مِن حجر بينما بداخله حرائق مشتعلة ولا يلوح خبر انطفائها بالآفاق .
لم يعُد يعلم سبب تلك النيران المندلعة بجوفه هل غضبًا أم ندمًا أم شوقًا ؟ يشتاق لا يخجل من الإفصاح عن ذلك ، نادم على ما حدث و ما سيحدُث ، و غاضب و بشدة على شوقه الأحمق و ندمه المُريع و لمعرفته بأن كل هذا سيتوقف ما أن يلمح طيفها.
يعلم بمدى فداحة خطأه تجاهها ولكن لا أحد يعلم فداحة ما كان يشعر في تلك اللحظة . أن يموت شخصًا بسببه دون أن يقترف أي إثم سوى إنقاذه . تكالبت عليه أوجاعه و عقدة الذنب الي تلازمه دائمًا ولأول مرة يرى الحياة سوداء بعينيه حد اشتهائه الموت حتى يتخلص من كل هذا العذاب الذي تضاعف حين سمع تلك الحقائق المُروعة من شقيقه لـ يتعاظم الألم بداخله فلا يعلم لمَ يتألم ؟
هل يتألم لكل هذا الضغط الذي عاشته بمفردها كي تحميه من صدمة كانت ستودي به إلى الهلاك ؟ أم يتألم كونه لم يكُن يحميها بالقدر الكافي لتتعرض لكل هذا الأذى وهي بجانبه ؟ أم يتألم لكونه لا يستطِع الذهاب الآن لرؤيتها و احتضانها حتى تتحطم ضلوعها تحت وطأة عناقه و إخبارها بأنها أثمن ما يمتلك في هذه الحياة ؟

ولكن بالرغم من كل شيء كان هناك عتابًا لها بداخل قلبه ألم يحتمل قلبها ثورة واحدة منه بينما احتمل هو الكثير و الكثير من ثورات و عواصف و اضطرابات ألمت بها دون أم يمل أو يشتكي ؟

انفلتت دمعة غادرة من عينيه تحكي أي عذاب يقع تحت سطوته لم يمحيها ولم يحاول قمع مثيلاتها التي تدحرجن فوق خديه يرويان سطور الوجع المحفور بقلبه الذي كان يتوسل إليه التراجع ولو قليلًا فلم يمنع نفسه من التقاط هاتفه و قام بالضغط فوق اسمها ينوي الصراخ و توبيخها و اعلان عظم رضاه عما فعلت وربما يبكي كالطفل يتوسل إليها العودة وكأن اضطرابه و ثورة قلبه كانت استجابه لدعاءها المُلِح بأن يروي ظمأ شوقها إليه فتسابقت دقات قلبها حين شاهدت اسمه يضيء هاتفها فلوهله ظنت بأنها تهذي فالتفتت تنظر إلى «سهام» التي فطنت إلى أن المتصل «سليم» خاصةً وأنها كانت تتحدث عنه لذا قالت بلهفه
_ ردي عليه .

«جنة» بأنفاس مقطوعه
_ طب أقوله ايه ؟

_ خليكِ هادية و شوفي هو هيقول ايه يالا ردي

أجابت بأنامل مُرتعِشة و نبرة صوت ترتجف شوقًا و تأثرًا
_ ألو ..

_ مشيتي ليه ؟

هكذا استفهم بنبرة مُعذبة لم تُخطيء في فهمها فأجابته بنبرة حاولت أن تبدو متماسكة
_ دا اللي كان لازم يحصل من زمان .

لا يُنكر شوقه الذي كان هو الشعور الطاغي على كل ما يجيش بصدره ولكنه اندفع يستنكر بغضب
_ لا والله ! كان مفروض انك تمشي من زمان ؟

_ كان مفروض اني امشي من الأول لحد ما اتعافى و تتعافى عشان نقدر نعيش .

تجاهل ما يرمي إليه حديثها و صاح بغضب يحوي عتابًا خاصًا ارتج له قلبها
_ كل دا عشان انفعلت عليكِ و أنا في أصعب حالاتي ؟

لم تفلح في محو الألم من نبرة صوتها وهي تُحيبه
_ لا يا سليم . مشيت عشان كل مرة كنت بقولك انت تعبت معايا أنا عبأ عليك كنت بتقولي اوعي تقولي كدا تاني المرة دي انت اللي قولتها ، و انت عارف انت قولت ايه . كفاية عليك اوي كدا . انت تعبت و عايز ترتاح .

كان يود الصراخ في وجهها عن أي راحة وهو يتلظى فوق جمر مُلتهب لا يطفأه سوى وجودها ؟ و بآخر لحظة تماسك ليسكب كل ما يمتلك من جمود فوق لهجته حين قال
_ و أنتِ عايزة حقك صح ؟

جنة بصدمة سُرعان ما تحولت إلى ذُعر
_ تقصد ايه ؟

أجابها بلهجة اذابت عظامها ذُعرًا
_ مسافر . رايح اجبلك حقك عشان ترتاحي أنتِ كمان .

انتفض قلبها و هبت من مقعدها وهي تقول برجاء
_ سليم .

قاطعها بلهجة جافة
_ خلي بالك من نفسك و من محمود و بعد كدا لما حد يتعرضلك بسوء ليكِ رجالة تقفلك .

لم تكد تُجيبه حتى أغلق الهاتف ليسقط قلبها ذعرًا بين قدميها و تناثر الدمع فزعًا من مآقيها وهي تصرخ برعب
_ سليييم .

★★★★★★★★★

_ طنط سهام الحقيني .

هكذا تحدثت «جنة» من بين انهيارها فهبت «سهام» تتلقفها بين يديها وهي تقول بفزع
_ في ايه يا جنة ؟

تمالكت نفسها بصعوبة قبل أن تقُص عليها ما حدث بينها و بين «سليم» ثم أنهت حديثها قائلة بألم
_ رنيت على فرح مردتش و رنيت على مروان بردو مردش انا هموت من القلق .

تدخلت« نجمة» قائلة بتفكير
_ ما يمكن بيصيع عليكِ يعني ؟

«جنة» بصدمة
_ بتقولي ايه!
_ ايوا . ماهو حديته دا بيخلينا نفكر أنه رايح يفتح عكه مثلًا ! اني شاكه أنه بيجول أكده عشان يخوفك فترچعيله .

تدخلت «سهام» تنفي حديثها
_ لا مش صح . سليم مش كدا و بدل قال مسافر يبقى فعلا في حاجه . استنوني هنا .

هرولت« سهام» إلى غرفة« صفوت» لتقتحمها وهي تقول باندفاع
_ انتوا ناويين على ايه مع ناجي ؟

انتفضت عروقه غضبًا حين سمعها تأتي على ذكر ذلك الرجل فأجابها بهسيس مُرعب
_ ميخصكيش .

شعرت بمدى غضبه فرققت لهجتها قليلًا وقالت بخفوت
_ ناجي ميستاهلش توسخوا ايدكوا بيه.

إصرارها على ذكر اسم ذلك الرجل اثار استفزازه فهتف بتحذير
_ قولتلك ملكيش فيه ؟

مظهره يوحي بأنها على الطريق الصحيح لذا تابعت بإصرار
_ سليم كلم جنة وقالها أنه مسافر و هي منهارة وانا قولت اكيد دا له علاقة بناجي

لم تستطِع اكمال جملتها فقد اقترب يُمسِك بكفها يُقربها منه حتى تلاحمت أنفاسهم وهو يزمجر بخشونة افزعتها
_ أنتِ قصداها بقى . عماله تكرري اسمه قدامي . عايزة ايه ؟ بتحومي حوالين ايه ؟ عايزه تختبري غيرتي ولا عايزة ايه ؟

قال جملته الأخيرة بصراخ افزعها فتمسكت بقميصه تحتمي به من غضبه وهي تنتفض خوفًا
_ صفوت .

كان لفعلتها وقعًا خاصًا على قلبه كما همسها و كأنها تستنجد به من بطشه و قربها الذي تنبه له فغامت عينيه برغبة كان يحاول دفنها بقلبه قدر الإمكان ولكن بعد ما حدث هيهات أن يستطِع التملص منها فقام بجذب خصرها حتى أصبحت جزء منه و بأنامل قاسية رفع رأسها كي يقر عينيه برؤيه عينيها ثم زمجر بخشونة
_ عايزة ايه يا سهام ؟

تنحى كل شيء أمام سطوة رجل امتلك قلبها سابقًا و استحوذ على جميع حواسها الآن لذا همست بخفوت
_ عيزاك ، و بحبك يا صفوت .

كان تصريحها مُباغتًا للحد الذي غيب عقله فهمس بنبرة عاشقة
_ و أنا بعشقك ياسهام .

أطلق العنان لوحوش شوقه الضارية أن تفترسها دون رحمة فقد كان لقاءً طال انتظاره لسنوات يُمني نفسه بأن اجتماعهم سيأتي قريبًا والآن جاءت تلك اللحظة التي تحمل لأجلها شتى أنواع العذاب و اللوعة التي أحرقت قلبه والآن كان كالناسك الذي ظفر بجنته فصار يتنعم بها بنهم بينما لم يكُن حالها افضل منه فقد اغدقت عليه من حنانها و عشقها ما جعله يهيم بها كالمجنون يمتلك كل أنش بها يوشمه بعشقه و يرتشف عشقها بجوع قاتل لا يعرف الشبع وهي غارقة بين ذراعيه تختبر اروع شعور يمكن بإمرأة أن تختبره و هو أن يهيم بها رجلًا عظيمًا مثله و ينصبها ملكة على عرش قلبه .

★★★★★★★★*

كان الألم يتشعب بصدره رغمًا عن إنكاره له فضاق به جسده الذي أخذ ينتفض جراء الحمى التي أصابته فارتده طريح الفراش لمدة يومين ذاق الويلات من هذا المتعجرف الذي كان يُعامله بجفاء
_ يالا قوم اشرب اللبن طولت في المرض اوي وانا مش فاضيلك .

اجابه من بين أنفاسه المقطوعة بسبب السُعال
_ مش قادر . تعبان اوي .انت مش شايف ؟

«جرير» بنفاذ صبر
_ شايف ايه ؟ شويه برد يرقدوك كدا ؟ اللي يشوفك كدا يقول انك هتموت .

«حازم» بغضب لم يستطِع التعبير عنه
_ هموت لو مجبتليش دكتور و دوا و أكل زي الناس .

«جرير» باستنكار
_ لا والله دكتور و اكل و دوا مش عايز اغسلك رجلك بالمرة ؟ هو انت فاكرني الست والدتك ؟

تسلل شعور عارم بالحزن إلى قلبه حين أتى على ذكر والدته فقد اشتاقها كثيرًا اشتاق لحنانها و لدفء ذراعيها و خاصةً حين يمرض كتلك الحالة فقد كانت تسهر على راحته يستيقظ في جوف الليل يجدها غافية إلى جواره تتفحص حراراته و أشقائه «حلا» التي كانت تبكي ما إذا أصابه ذكام طفيف و تتعلق به حتى تُصاب هي الأخرى و «سالم» الذي كان يطمئن عليه دائمًا وعلى أبسط شيء يخصه ، و«سليم» الذي بالرغم من قسوته الظاهرة لايزال يتذكر ذلك اليوم حين اصابه خلع في الكتف حين كان يلعب الكرة فقام بحمله و الهروله به إلى المشفى وهو ينتفض خوفًا عليه والآن أين ذهب كل هذا الدفء و الحب ؟ يرتجف بردًا و ألمًا و مرضًا و لا يجد من يُشفِق عليه .
_ انت نمت ولا ايه ؟ اصحى خد دواك و من بكرة بإذن الله هتشوف شغلك . لا تكون مصدق انك تعبان ؟ الرجاله مبتنمش زيك كدا .

★★★★★★★★*

جاء اليوم المنشود لأي فتاة أن تُكتب على اسم من تُحِب و كعادتها لا يكُن اي شيء معها يبعث على الفرح بل على العكس تتبدل دائمًا فرضيات الأمور و تُصبِح النقيض فها هي الآن بدلاً من أن تكُن بأقصى درجات السعادة يكاد الحُزن أن يقتلها .

_ خلاص جهزتي ؟

كان هذا صوت «هِمت» التي دلفت إلى داخل غرفتها تستحثها على النزول للأسفل فنصبت عودها وهي تقول بجمود
_ جهزت .

أمسكت «همت» بذراعها وهي تقول بحنو
_ كل حاجه هتبقى خير بإذن الله . خلي عندك ثقة في ربنا.

«شيرين» بأسى
_ انا واثقة في ربنا يا ماما . بس احنا بنات ناجي اسمه لوحده كفيل منع أي خير ممكن يجيلنا . يالا عشان ننزل .

بضع دقائق كانت تصل إلى الغرفة المنشودة لتجد الجمع العائلي المتوقع و بينهم شيخ كبير على يمينه «سالم» و بجانبه «مروان» و على يساره «طارق» و بجانبه «سليم» الذي نهض من مقعده ليجلسها فتوجهت الي مقعده بصمت و قبل أن يشرع الشيخ تساءلت «شيرين»
_ هي سما منزلتش ليه ؟

هب «مروان» من مكانه يُخفي غضبًا كبير بداخله من تجنبها الحديث معه منذ تلك الحادثه ليقول بصرامة
_ انا هطلع اجيبها .

تجاهل اعتراض كان على وشك أن يظهر على «همت» و توجه للأعلى ينوي أن يُخرجها من تلك القوقعة التي تحتمي بها فقام بطرق باب الغرفة ولكن لم يجد رد فكرر الأمر عدة مرات ولكن دون رد لذا حسم أمره و قام بفتح باب الغرفة و سرعان ما تجمدت الدماء في أوردته حين شاهد …..

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية في قبضة الأقدار)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى