روايات

رواية في قبضة الأقدار الفصل الأربعون 40 بقلم نورهان آل عشري

رواية في قبضة الأقدار الفصل الأربعون 40 بقلم نورهان آل عشري

رواية في قبضة الأقدار الجزء الأربعون

رواية في قبضة الأقدار البارت الأربعون

في قبضة الأقدار
في قبضة الأقدار

رواية في قبضة الأقدار الحلقة الأربعون

لم اعتد يومًا على المبالغة.. بل كنت أتجنب الكثرة في كل شئ! في الحزن ، الغضب ، التعلق و حتى في الفرح و لكن معكِ تخليت عن خارطتي التي كنت امشي على نهجها طول حياتي ووجدتنى غارق في الكثير من الحب ، اللهفة و الشغف. و هنا بدأت معاناتي فـ على قدر كثرة شعوري نحوك كان ألمي عظيمًا وجراحي غائرة وأبواب الغفران مصفدة بسلاسل الكبرياء الذي يقف معاندًا أمام ثورة قلب لا يبغي سواكِ. سلاحه الوحيد عشق أهوج يجتاحني كطوفان لا اقدر على مواجهته أو الفرار منه. و بنهاية تلك الحرب الضارية أجد نفسي أمام حقيقة ثابتة..
أنني أريدك و بشدة. فما الحل ؟؟

نورهان العشري ✍️

🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁

” لبني محمد عبد العزيز.. خرجت يوم ١٥ ديسمبر تشتري دوا لوالدها المريض كان حوالي الساعه ١١ بالليل و اتأخرت .. قلقت والدتها عليها طلعت تدور ولأنهم في مكان شعبي انتشر خبر اختفائها و بعد حوالي ٤ ساعات لقوها في خرابه بتنزف و للأسف تعرضت لمحاولة اغتصاب وحشية و البنت من وقتها في غيبوبة.. و لسه فايقه منها من يومين . و لما فاقت طلبنا منها أوصاف الشخص اللي عمل كده و اللي طلعت بتنطبق علي حازم اخوك بالإضافة لانها كانت عرفاه و قالت إنها شافته كتير في الحتة عندها مع واحد ديلر هناك و حاول يتعرض لها لفظيًا قبل كدا و هي صدته “

هكذا انتهى وكيل النيابة من سرد تلك القصة المروعة على أذن 《سالم》 الذي كان جسده يقشعر امام كل حرف يقع على مسامعه. فـ خطايا و ذنوب أخاه لا تنتهي ابدًا.
زفر بتعب قبل أن يقول بخشونة
” البنت حالتها عاملة ايه دلوقتي ؟”

اجابه وكيل النيابة بسخرية
” سؤال غريب .. طفله عندها سبعتاشر سنه اغتصبت بوحشية لدرجة أنها تقعد في غيبوبة تسع شهور.. هتبقي حالتها عاملة ازاي؟”

أغضبته الإجابة إضافة إلي نبرته الساخرة والتي تتنافى مع وحشية الأمر ف احتدت نظراته وقال بفظاظة
“و مش غريبة انكوا تيجي تدوروا على شخص ميت بقاله تسع شهور .. ايه السيستم مهنج عندكوا ولا ايه ؟”

تنحنح الرجل و قال باختصار
” غلطة غير مقصودة .. وارد تحصل ..”

لم تعجبه الإجابة و لكنه تغاضى عنها و وثب من مكانه ناصبًا عوده الفارع و زر وثاق بذلته وهو يقول بفظاظة
” حازم الله يرحمه و كدا الجاني مش موجود عشان يُطبق عليه القانون . و انا هتواصل مع اهل البنت و هوصل معاهم لحل يرضيهم..”

انهي تلك المقابلة و توجه للخارج بشموخ يتنافى مع ما يحمله من أعباء و هموم لا تنتهي ناهيك عن أعباء قلبه الذي ما زال يتذكر ما حدث البارحة و تعاد تفاصيله أمام عينيه بكل ثانيه . يود الهرب منها ولكنها تلاحقه مع أنفاسه التي زفرها بحدة عله يتخلص من وجعه بها ولكنها كانت أمنية مستحيلة فما أن وطئت أقدامه باب المنزل حتى تفاجئ بالجميع ينتظر في الصالة الكبيرة و الأعين تطالعه إحداها بفضول و الأخرى بشماته تجاهلها و توجه إلي مكتبه لأول مرة هاربًا من اي استفسارات مرهقة ولكن هيهات فما أن دلف إلى الداخل حتى وجد كلًا من 《سليم 》و 《مروان》 الذي أغلق الباب خلفه تزامنا مع حديث «سليم» القلق
” حصل ايه يا 《سالم 》؟”

” الكلام اللي هقوله دا ميخرجش بره الاوضه دي مفهوم.”
ايماءه صامته تلقاها منهما فأخذ يسرد ما حدث بعجالة متجاهلا نظراتهم المصدومة وتعابيرهم التي لا تفسر و انهى كلماته قائلًا
” الكلام دا حصل قبل ما يموت بيوم واحد..”

أطلق جأشه مكبوتة داخل صدره قبل أن يضيف
” النهاردة بالليل هسافر عشان أروح لاهل البنت اطمن عليها و اشوف هعمل معاهم ايه ؟”

ارتسم الجنون بعيني 《سليم》 الذي صاح بانفعال
” هو في ايه؟ هو احنا كنا مربيين معانا شيطان واحنا منعرفش ؟ يغتصب بنت قاصر ! انا مش مصدق اللي بسمعه..”

تجاهل حديث أخاه و القي بجسده المنهك علي المقعد خلفه فيما تابع 《مروان》 قائلًا بحنق
” انا مش قادر اتخيل انه اتجرد من كل مشاعر الإنسانية للدرجادي .. دا مفكرش أننا عندنا بنات. و نازل مرمطه في بنات الناس . “

نالت كلماته من قلب 《سليم》الذي احتدت نظراته و اكفهرت معالمه رغمًا عنه وحين أوشك على الحديث جاءهم صوته الصارم
” خلصت. معدلوش لزول الكلام دا. دلوقتي هو بين ايدين ربنا..”

هب 《سليم》 من مقعده وكل خليه بداخله تنتفض غضبًا تجلي في نبرته حين قال
” كويس اوي أنه عند ربنا عشان اقسم بالله لو كان لسه عايش لكنت دفنته بايدي حي..”

كان الغضب ينهش بداخله من تلك الأفعال النكراء التي لا يفعلها سوى شيطان رجيم. و لسوء حظهم كان هذا الشيطان أخاهم.
” اهدي يا سليم و زي ما قال سالم معدلوش لزوم الكلام دا. خلينا نشوف هنعمل ايه مع الناس دي و هنعوضهم ازاي ؟”

《سليم》 باستنكار
” نعوضهم! اي شئ في الدنيا ممكن يتعوض الا الشرف يا مروان. مهما عملنا مش هنقدر نعوضهم. احنا انكتب علينا نشيل العار طول عمرنا بسببه. “

كان 《سالم》 ينظر إليه و يود لو يصرخ بألف اعتراض فقلبه يؤلمه من قسوة كلماته علي أخيهم الراحل ولكنه يعلم أنه محق فـ أفعاله المروعة لم تترك لهم مجال للحديث . بل و كتب عليهم لملمة قذاراته التي لا تنتهي لذا أخذ منحني الصمت وترك ل《مروان》 مهمة تهدئته
” عصبيتك دي مش هتحل حاجه .. لازم نهدي ونفكر و بعدين محدش فينا له ذنب في حاجة.. “

” الذنب في رقبتنا ليوم الدين عشان معرفناش نربيه.. “

هكذا اجابه 《سليم》 بقلب يحترق تتجاذبه النيران من كل حدب وصوب فلم يحتمل وجوده معهم فاندفع إلى الخارج بعد أن استمع لحديث 《سالم 》الصارم
” زي ما قلت من شوية مش عايز حد يعرف حاجه . وانا هروح للبنت وأهلها و بإذن الله هحاول ارضيهم علي قد ما اقدر .. “

شيعه 《مروان 》بنظرات الشفقة فقد شعر بمدى ثقل المهمة التي ألقيت على عاتقه فحاول تخفيف حدة الأمر قائلًا بسخرية
” عيني عليها فرح. مش عارفه تتهني بالعريس. ربنا يستر متطبقش في زمارة رقبتنا لما تعرف انك هتسافر النهاردة و تسيبها ..”

خفقة وجله ضربت قلبه حين سمع اسمها و كم اشتاق في تلك اللحظة أن يضع رأسه على صدرها يشكو لها اوجاعه و ثقل احماله. يتمنى لو كان بإمكانه أن يهرول إليها كطفل صغير يختبئ بين أحضان والدته من وحشة هذا العالم ولكنه لا يستطيع تجاوز رفضها المهين لقربه لذا أخذ نفسًا طويلًا قبل أن ينظر إلي 《مروان》 قائلًا بخشونة
” في حاجة مهمة عايزك تعملها. ”
” رقبتي يا كبير ..”

****************

كان يدور في الغرفة كمن مسه الجنون يمسك بذلك السلسال الذي يشبه اسمها و الذي رآه أكثر من مرة يحيط بعنقها و فقد كان يلفت انتباهه كثيرًا و الآن هو بين يديه بعد أن عثر عليه الغفير في موقع تلك الجريمة التي ضربت عقله كصاعقة كلما تذكر حديثه

” انت اتچنيت يا بغل انت ؟ نچمة مين ؟”

الغفير بذعر
” وكتاب الله يا كبير ما بكذب . اني بعد ما مشيوا دخلت الزريبة ولچيت السلسلة دي چنب السور و دي بتاعت البت نچمة اني متوهش عنها واصل ..”

اجتاحت نيران الغضب عقله وهاجت آخرى بقلبه فأخذ يدور حول نفسه كـ الملدوغ لا يقدر علي التفكير جل ما يريده أن يذهب الآن و يفرغ رصاصات سلاحه بصدرها حتى يهدأ ولكن فجأة طرأ على باله أحد المواقف حين كان مريضًا و طلب منها كوب من المياة و بالخطأ امتدت يده لتحتضن يدها الممسكة بالكوب فانتفضت بشدة جعلت المياة تنهمر فوق رأسه وحين عنفها صاحت به غاضبة
” ايه الحركات ده يا كبير. مش عيب ! ”
” عيب ايه يا بهيمه أنتِ ؟ مشايفشي زين ؟”

احتدت نظراتها و شابهتها نبرتها حين قالت
” شوف أما اجولك الحركات دي اني خبراها زين.. و لازمن تعرف اني من عيلة و بت ناس چوي . و ماليش في المسخرة و جلت الحيا دي . بعد أكده تفتح عينيك زين اومال لو مش عينيك خُضر كنت عملت اي؟”

صاح غاضبًا فهو لم يتوقع ثورتها تلك من ملامسه بريئه
” أنتِ اجنيتي يا به ؟ انتِ مفكراني هبص لواحده زيك ولا اعاكسها؟ و بعدين تعالي اهنه عيلة ايه يا ام عيلة؟ ده ابوكي مش معروف إذا كان بني آدم ولا لا من الأساس؟”

” بني آدم و لا جرد المهم انه ابوي. و بعدين ده جنايني جد الدنيا. من غيره الدود هيطلع عليكوا من الشجر ياكلكوا. “

هب من مكانه فإذا بالآلام تضرب جسده بقوة فصاح غاضبًا
” غوري من وشي بدل ما اجطع خبرك.. غوري ..”

ابتلع ريقه بصعوبه وهو يتذكر ملامحها في ذلك الوقت لم تكن تتصنع يقسم بذلك ولكن ما هذا الذي يحدث ؟ يكاد يجن من فرط التفكير ولكنه سـ يسعى جاهدًا لمعرفة ما حدث ..
“《 مسعود》 انت يا زفت يا 《مسعود 》..؟”

هرول الغفير إليه يلبي نداءه فصرخ به
” الزفت اللي اسمه 《مرعي》 تروج تچيبه من جفاه علي اهنه طوالي . ”
” حاضر يا چناب الكبير …”

انهي كلماته و هرول للخارج فوجد 《مرعي》 يقف يتحدث مع 《نجمة》 التي كانت آتية إلى العمل كما هو المعتاد وحين مرت به استوقفها قائلًا بغزل وقح
” الغزال اللي رايح چاي يتمختر امتي يحن علي بجي ؟”

شيعته بنظرات الخسه و الاحتقار قبل أن تتابع طريقها دون أن تعيره أن انتباه فتقدم يقف أمامها وهو يقول بوقاحة
” ما كفياكي تجل عاد . اني جلبي مولع نار و مجادرش اتحمل . “

لون الامتعاض ملامحها و تجلي في نبرتها حين قالت
” جلبك المولع ده ديته شبشبين يفوجوه و هو هيبجي زي الفل . وحظك حلو المداس لسه چديد .. لو تحب دلوق اطفيلك الحريجه معنديش مانع ولا تاخد بعضك و تخفي من وشي احسن ؟”

غضب من حديثها. و رفضها الدائم له فصاح مهددًا
” انتِ عايزة تضروبيني بالمداس يا بت الچنايني. طب والله لهعملك مداس في رجل الناس و بكرة تاچي تتحايلي علي ابصلك بس .”

رمقته شذرًا وهي تقول باحتقار
” اتحايل عليك انت يا معفن . دا انت الهدمة الي عليك جرفانه منك. غور داهيه تاخد خلجتك العفشة. يا غراب البين و حياة شنب ابوى اللي ما بحلف بيه باطل لو مخفيتش من وشي لهكون مفرچه عليك الناس و هجول للكبير علي جرفك .. هاه عارف جرفك يا بتاع الزرايب؟”

قالت جملتها الأخيرة وهي تتوعد له ففهم الآخر ما ترمي إليه و هوى قلبه ذعرا بين قدميه و خاصةً حين تفاجئ ب
《مسعود》 الذي قال بلهاث
” انت فين . جلبت الدنيا عليك . الكبير عايزك ضروري؟”

ارتعب من أن تكون تلك الفتاة قد اشتكت عليه و أخبرته بما شهدته البارحة فقال بذعر
” و الكبير عايزني ليه دلوق ؟هو حوصول حاچه ولا اى”

《مسعود》 بتخابث
” انت ادرى باللي حوصول يا مرعي . اني ما عليا إلا البلاغ اتفضل فوت جدامي و استلجي وعدك يا خفيف..”

هنا تيقن من انها أوشت به بالفعل و خاصةً عندما رأي وجه 《عمار》 الذي كان مرعبًا بحق و نبرته التي بثت الذعر بقلبه حين قال
” كنت بتعمل ايه في الزريبة المهچورة بعد الفرح ما خولوص؟”

《مرعي》 بذعر
” معملتش حاچة كنت بمر زي كل يوم و بعدين روحت..”
هوى 《عمار》 بصفعة قاسية على وجه 《مرعي》 الذي تراجع للخلف بذعر حين صاح به
” وكمان بتكذب يا كلب… دا انت موتك علي يدي النهاردة”

انتفض 《مرعي》 وقال ببكاء
” حجك عليا يا كبير . والله ما هكذب عليك واصل ؟”

موجه كهربائيه كانت تسري في جسده حين قال بأنفاس مقطوعة
” مين اللي كانت معاك امبارح في الزريبة ؟”

أضاء الشيطان عقله بفكرة الانتقام منها فقال بلهجة قاطعة
” نچمة.. نچمة بنت الچنايني..”

كانت تعد الطعام بالمطبخ الكبير وسط الخادمات اللائي كن يضحكون تارة و يغنين تارة و قد كانت هي أكثر من يغني من فرحتها حين أخبرتها «تهاني» بأنها ستعمل معهم بالبيت الكبير من اليوم و قد أسعدها ذلك كثيرًا وظهرت سعادتها علي هيئة ابتسامة مشرقة أضاءت عينيها الجميلة و لكن فجأة صدح صوت دوي زئيره في أرجاء البيت الكبير للحد الذي ارتجت جدرانه
” نچمه….”

سقطت المعلقة من يدها حين سمعت اسمها بتلك الطريقة و حين التفتت لترى ماذا يحدث فإذا بوحش كاسر يقتحم المطبخ بهيئة مرعبة فتسمرت بمكانها حين وجدته يقبل عليها و يرفع يده الضخمة و يهوي فوق خدها بأقصى صفعه نالتها بحياتها…

************

كانت تجلس بالحديقة تنظر إلي 《ريتال》 التي كانت تلهو حولها فإذا به يقتحم جلستها ويباغتها قائلًا
” عايزة تصلحي الغلط اللي غلطيه ؟”

تفاجئت 《سما》 من حديثه و ناظرته بصدمة تجلت في نبرتها حين قالت
” تقصد ايه ؟”
” عايزة تصححي غلطك ولا لا ؟”

هنا خاطبها بنبرة حادة انكمش لها جسدها و لم تفلح الحروف في العبور من بين شفتيها فأومأت برأسها
فاقترب 《مروان》 منها وقام بمد يده جاذبًا إياها من مرفقها و هو يقول بنبرة هادئه متبوعه بنظرات عاشقة
” انا شايف و عارف اللي جواكِ كويس اوي. و عارف انك عمرك ما كنتِ وحشه. و انك ضحية للبيت دا و اللي فيه . وعشان كدا بقولك انا جنبك و هفضل جمبك . “

تكونت طبقة كرستاليه من الدموع في مقلتيها فقد كانت كلماته حانيه بدرجة لم تتخيلها نفذت الي قلبها كالسهم المشتعل ولكنه لم يمهلها الفرصة لإجابته بأن هذا أكثر بكثير مما تمناه وذلك حين أردف بجمود
” كصديق . او كـ أخ..”

لا تعلم لما احزنها هذا الوصف ولكنها اومأت برأسها تحاول إخفاء خيبة تملكتها في تلك اللحظة فلم يستطيع هو تفسير ملامحها ولا تلك النظرة الغريبة في عينيها فتجاهل كل ذلك و شرع يسرد لها ما يريد و مع كل كلمة يتفوه بها كانت ملامحها تتبدل ما بين الرفض و الخوف و الذنب ولكنه اختتم كلماته قائلًا
” خليكِ فاكرة ان في دين في رقبتك و جت فرصتك عشان تسدديه و الفرصه مبتجيش غير مرة واحدة. ها قولتي ايه ؟”

نجح في غرس سهم الذنب في قلبها و الذي لم يعد يحتمل ذنوب أخرى فأطلقت تنهيدة متعبة قبل أن تومئ برأسها وهي تقول بهمس
” حاضر .. “

سلبت كفها من بين يديه فشعر برجفة باردة اخترقت جسده لدي رؤيتها تغادر منكسة الرأس فإذا به يجد 《ريتال》 التي قالت بعفوية
” صديق و اخ انت بتكذب يا عمو ؟”

انكمشت ملامحه بامتعاض تجلي في نبرته حين قال
” جتك خوت أنتِ وهي . بدل ما تديني رصية و لا بنية في وشى و تقولي اخ ايه؟ بتهزلي رأسها. رجاله العيلة دي باينهم موعودين بالستات الغبية ولا ايه؟”

صمت لثوان قبل أن يضيف بتحسر

– ” و بعدين بقي في العيلة اللي هتضيع مستقبلي دي و لا فاهم احب و لا اعلق البت و لا اتنيل اعمل حاجه .. “

************

كانت ليلة صعبة بكل ما تحمله المعنى حتى أنها تركت بصماتها على وجهها الذي كان باهتًا يلائم تورم عينيها من كثرة البكاء و انطبع الحزن الساكن قلبها علي ملامحها فبدت مروعة تمامًا كالألم الذي ضرب سائر جسدها فكانت تجر أقدامها جرًا للوصول إلي المرحاض وهي بمنتصف الطريق توقفت إثر دقات الباب فعدلت وجهتها وقامت بفتحه و لحسن حظها كانت شقيقتها هي من بالخارج و التي ما أن رأتها حتي اندفعت إليها تحتضن وجهها وهي تقول بلهفه
” فرح مالك في ايه ؟”

لأول مرة بحياتها تهزم هكذا. فلم تجد ما تقوله توقفت الكلمات على شفتيها فاعادت 《جنة》 سؤالها بنبرة أكثر لهفه يشوبها حنان كبير
” 《فرح》 ارجوكِ ردي عليا حصل ايه؟”

لامس قلبها خيط الحنان الذي يتجلى في نبرة شقيقتها فألقت بنفسها بين أحضانها وهي تقول بنبرة متألمة يخالطها نوبة بكاء عنيفة
” انا بموت يا جنة….”

كانت كلمتها كالسهم الذي اخترق قلبه حين كان يتوجه الي غرفته حتي يتجهز استعدادًا للسفر وحين وضع يده علي مقبض الباب تفاجئ بحديثها الذي آدمي قلبه و فتت روحه فاغمض عينيه للحظة غير قادر على الحركة. يود لو يدخل إليها يختطفها من بين براثن الألم الذي يتساقط من نبرتها و الذي يشاطرها إياه قلبه ولكن مشهد البارحه يقف أمامه بوضوح يذكره برفضها المهين له بألا يلمسها.

كانت كلمة قويه كـ طعنه نافذه أصابت رجولته و قلبه وكبريائه الذي اجبره علي النزول إلى غرفة المكتب مرة ثانيه فلا طاقة له بتحمل رؤيتها بهذا الشكل و ليدع لها الفرصة للتحدث براحه مع 《جنة》 التي يأمل أن تستطيع تهدئتها و لو قليلًا ..

في الداخل انتهت 《فرح 》من سرد ما حدث فشهقت 《جنة》 بصدمة تجلت في نبرتها حين قالت
” أنتِ مجنونه يا فرح ؟ ايه اللي أنتِ عملتيه دا ؟ معقول تصدقي الشيطانه دي؟ انا مش محذراكِ منها قبل كدا ؟”

تخبطت سحبها فامطرت ألمًا تجلي في نبرتها حين قالت
” غصب عني يا جنة. بقولك صوته. سمعته بودني. عقلي وقف عن التفكير. وحسيت الدنيا ضلمت في عيني و قلبي دا كأن نار قادت فيه. معرفش عملت كده ازاى. فجأة لقتني مش طيقاه يقرب مني أو يلمسني . “

أشفقت 《جنة》 علي شقيقتها وقالت بعتب
” كلامك و رفضك ليه بالشكل المهين دا صعب اوي يا فرح . و خصوصًا أن سالم شخصية مش سهله و أنتِ ضربتيه في مقتل. هنتيه و جيتي علي كبرياءه. الموضوع اتصعب اوي..”

هبت من مكانها غاضبة
” عارفه . والله عارفه. ودا اللي قاهرني . لو شفتيه وهو بيقولي قلبك مقالكيش أنه مش انا؟ وانا بغبائي قولتله كنت انت. معرفش حصلي ايه وقتها. هتجنن..”

اقتربت 《جنة》 منها تحتضنها برفق وهي تقول لتهدئتها
” طب اهدي . كل مشكله وليها حل ان شاء الله.”

تبلور التصميم علي ملامحها و اطلت نيران الانتقام من عينيها و قالت بقسوة
” انا هعرف أجيب حقي كويس و اعرفه اني مكذبتش عليه. “

” هتعملي ايه ؟”
هكذا استفهمت 《جنة》 فأجابتها بجفاء
” هسمعه الفويس اللي هي أنكرت أنه موجود.. يمكن لما يسمعه بودنه يبقي بداية الطريق أنه يسامحني..”

قالت جملتها الأخيرة بنبرة أرق و من ثم نظرت إلي 《جنة》 و أردفت بتوسل
” جنة محتاجه مساعدتك..”
انكمشت ملامحها بحيرة تجلت في نبرتها حين قالت
” ازاي ؟ ”
” هقولك …”

**************

يدور في غرفته بلا هوادة لا يعرف الراحه ولا يملك حتى حق تمنيها . كل خلية بـ داخل جسده تتوسل أن يصل إلى مبتغاه حتى يستطيع أن يهدئ نيران غضبه الموقدة ولو قليلا .
تدخل 《سليم 》الذي شاهد حالته المزرية فـ ملامحه كانت باهته و عينيه جاحظه و صدره يعلو و يهبط من شدة الانفعال و مع ذلك فهو كـ عادته صامت
” أن شاء الله كل حاجه هتتظبط يا سالم. انت بس هدي نفسك ..”

لم يجيبه اكتفي بإيماءة بسيطة من رأسه الذي ارتفع بلهفه حين رأى 《مروان》 الذي فتح باب الغرفة و بيده أحد الهواتف فـ خرجت الكلمات من فمه مندفعة
” عملت اللي قولتلك عليه ؟”

《مروان》 بتوتر
” اه . دورت في التليفون . و بصراحه ملقتش حاجه ..”
تعاظم غضبه فاغمض عينيه بقوة قبل أن يعيد فتحها وهو يحاول التحلي بفضيلة الصبر حين قال بخشونة
” انا عارف انك اكيد مش هتلاقي عليه حاجه. سؤالي هنا افحصه و شوف في حاجه اتحذفت من عليه ولا لا ؟؟”

جفل 《مروان 》من لهجته وقال مبررًا
” والله فحصته كام مرة عاللابتوب و جبت كل حاجه اتحذفت من عليه في خلال اسبوع و بردو ملقتش اي فويسات أو اي حاجه تخصك.”

أطلق زفرة حارة من جوفه فأردف 《مروان》 بحنق
” لو عايز رأيي انت غلطان كان مفروض من امبارح اخدت التليفون منها و فحصته و شوفت حوار الفويس دا..”

شيعه 《سالم》 بنظرات غاضبة اتبعها قولة الساخر
” وابقي مشيت عـ الخطة اللي هي رسمتها لنا بالضبط. مش كدا؟”

ناظره 《سليم》بعدم فهم وقال مستفسرًا
” تقصد ايه ؟”

وثب من مكانه قائمًا و يديه بجيوب بنطاله و كأنه لا يريد أن تطال اي شئ فتحطمه من فرط غضبه الذي تجلي في نبرته حين قال
” بقولك أنكرت وجود اي فويسات يبقى هتسيبه عالتليفون ازاي يا بني آدم ؟”

نظر الاثنان《مروان》 و 《سليم》 إلى بعضهم البعض فتابع «سالم» بحنق

” شغلوا دماغكوا شويه . مش طالبه غباء.. بديهيًا اي حد في مكاني كان مسك التليفون يشوفه واكيد مش هلاقي حاجه ماهي الهانم عامله حسابها و ماسحة الفويس. و وقتها تبقى هي المظلومه و فرح الوحشه اللي بترميها بالباطل و مش بعيد كانت تقولي هاتلي حقي من مراتك. وانا وقتها وربي كنت هفرغ سلاحي في دماغها…”

” يخربيت دماغك يااخي.. تصدق عندك حق ..”
هكذا تحدث 《مروان》 فأجابه 《سالم》 حانقًا
” مكفهاش اللي عملته لا كمان عايزة تشمت فيها لآخر لحظة و تثبتلي أنها كذابه..”

تدخل 《سليم》 مستفهمًا
” طب وبعدين يا سالم هتعمل ايه؟”
ناظر أخاه بتيه لأول مرة بحياته لم يعد يعلم ماذا يفعل ولكنه أراد المراوغة فنظر إلي 《مروان》 قائلًا بفظاظة
” ملقتش اي حاجة عـ الزفت دا مُريبة؟”

《مروان》 بصياح
” وربنا وحياة غلاوة دولت عندي ما لقيت حاجه . دا تليفون مهجور اصلًا. مكالماته كلها هبلة و رسايلها اللي فيه اهبل ..”

لمعت نظراته المطله علي 《مروان》 ما أن تفوه بآخر كلمة و صمت لثوان قبل أن يقول بنبرة ذات مغزى
” طب ما دا في حد ذاته مُريب!!!”

*************

ترتشف قهوتها في غرفة الجلوس وهي بأقصى درجات سعادتها فقد نالت مبتغاها في تخريب علاقتهم و التي متأكدة من أنها ستبقى على حالها لوقت طويل لذا كانت تشعر بلذة قوية تغلبت علي ألمها مما حدث و ما فعله بها وحين كانت تسترسل في ذكرياتها الأليمة تفاجئت ب
《جنة》 التي اقتربت منها تناظرها بغضب حاولت قمعه قدر الإمكان و قالت بلهجة حاولت أن تبدو صافية
” صباح الخير .. لقيتك بتشربي قهوتك قولت نشربها سوي ..”

زوت ما بين حاجبيها و أخذت ترسل نظرات متفحصة ل
《جنة》 و سرعان ما رسمت ابتسامة متصنعة على شفتيها وقالت بسرور مفتعل
” دا ايه الصباح النايس دا. عروستنا الحلوة جايه بنفسها تشرب القهوة معايا. دا سليم الوزان هيغير مني بعد كدا .”

فهمت 《جنة》 ما ترمي إليه فجلست وعينيها تطوف المكان حولها بتفحص قبل أن تقول بلهجه عادية
” لا متخافيش .. سليم عاقل ..”

《شيرين》 بسخرية
” الحب بيجنن . اساليني انا ..”
حاولت رسم ابتسامة متكلفة علي ملامحها قبل أن تقول
” و أنتِ بقي تعرفي منين ؟ حبيتي قبل كدا ولا ايه ؟”

ابتسمت 《شيرين》 بخبث وهي ترى جنه التي أمسكت بهاتفها تعبث به لثوان فأجابها بتسلية
” و مين فينا ماحبش ؟ و انكوى بنار الحب ..”

هكذا قالت 《شيرين 》جملتها الأخيرة بنبرة خبيثة تشبه نظراتها كثيرا ففهمت 《جنة》 علي الفور المغزي خلف حديثها ولكنها تجاهلت ذلك وقالت بسخرية
” لا بس واضح انك انكويتي اوي . “

《شيرين》 بسخرية
” اوي..”

ارتشفت من الكوب الخاص بها قبل أن تقول بخبث
” طب ولما انتِ كدا مبتحاوليش تصلحي ما بينكوا ليه ؟ أو حتي تخلي سالم بيه يتدخل يصلح .. انا سمعت أن جوزك صاحبه..”

نجحت في إغضابها و لكن 《شيرين》 كانت بارعة في التجاوز وتزييف كل شيء لذا قالت بحزن مفتعل
” للأسف سالم رافض . قولتله اديله فرصة تانية قالي علي جثتي . حتي احمد عمال يبعت نبه عليا مردش عليه .. معرفش دماغه فيها ايه ؟”

كانت تتحدث و عينيها تتابع شئ ما في الاعلى فأرادت
《جنة》 جذب انتباهها حين قالت بحنق
” والله لو بتحبي و مكويه اوي لا سالم بيه ولا غيره يقدر يقف قدامك .. أنتِ بس روحي قوليله سيبني ارجع لجوزي. و اريح و استريح ..”

ناظرتها 《شيرين 》باستهزاء وقالت بمكر
” بمناسبة الراحة هستاذنك اخد الدوا بتاعي عشان صدعت..”

هوى قلب 《جنة》 بمكانه وما أن أوشكت علي إيقافها حتي أطلقت الأخرى ساقيها للريح وهي تنوي اغتنام تلك الفرصة التي قدمت لها علي طبق من ذهب و بالفعل قامت بفتح باب غرفتها بقوة لتجد 《فرح》 التي كانت يدها تمتد لتلتقط هاتف مخفي بين طيات ملابسها وهنا صرخت
《شيرين》 بذعر مفتعل
” بتعملي ايه في أوضتي ؟؟”

شهقت 《فرح 》و تراجعت للخلف بصدمة فلم تتوقع أن تمسك بها تلك الأفعى متلبسه فقد أرسلت 《جنة》 لاختطاف هاتفها دون أن تلاحظ و لكن الأخيرة لم تجده فأرسلت رسالة هاتفيه تفيد أنه ليس معها فظنت بأنها ربما تركته في غرفتها فـ توجهت علي الفور الي هناك بعد أن أرسلت تخبر شقيقتها أن تعيقها قدر المستطاع . ولكن كانت حيلة التقطتها على الفور 《شيرين》 التي اقتربت قائلة بصوت أعلى
” ردي عليا بتعملي ايه في أوضتي ؟”

ارتجفت 《فرح》 و لم تسعفها الكلمات في الحديث فاقتربت 《شيرين》 منها قائلة بـ تخابث
” مدام القطة اكلت لسانك. يبقى هجيب اللي هيعرف يقررك كويس ..”

صاعقة قوية ضربتها حين فطنت الي ما ترمي إليه 《شيرين》 التي اندفعت إلى باب الغرفة وهي تصيح بملئ صوتها
” سالم… يا سالم . يا مرات خالي . يا ماما ..”

تجمهر الجميع إثر ندائها و كان هو آخر من وصل فتفاجئ من تلك التي كانت ترتجف في منتصف الغرفة و بلمح البصر وصل إليه سبب وجودها فـ اوشك على إطلاق مسبة بذيئة من فمه ولكنه أعرض عنها في آخر لحظة و لون الغضب نظراته و اكفهرت معالمه حين تحدثت 《شيرين》 بانفعال
” كنت تحت بشرب فنجان قهوتي و لقيت جنة جايه عماله ترغي في حاجات هايفه ملهاش لازمه و لما استأذنت اطلع أوضتي منعتني و لما اصريت و طلعت اتفاجئت بالست فرح هانم مراتك في أوضتي و بتدور في دولابي ..”

شهقة قوية خرجت من جوف 《هِمت 》التي ناظرت «فرح» بغضب قائلة
” حراميه ؟”

جاءها الرد القاطع من 《أمينة》 التي قالت بحدة
” اخرسي .. أنتِ مش عارفه بتتكلمي عن مين ولا ايه ؟”

أضافت 《شيرين》 بحدة
” امال تفسيرك ايه يا مرات خالي للي حصل ؟ ادي أنتِ جيتي بنفسك لقيتيها في نص اوضتي و دولابي مفتوح. رأيك ايه؟ و لا بلاش أنتِ سالم رأيك ايه ؟”

كانت أنفاسه تحرق صدره من شدة الغضب و خاصةً وهو يراها في هذا الموقف الصعب ترتجف بهذا الشكل و هو عاجز كليًا عن احتضانها و تهدئه خوفها فقد وضعته و وضعت نفسها في مأزق كبير مع تلك الحية التي لم تمرر ما حدث بسهولة و ستحاول النيل منها بكل الطرق ..

” رأيي انك تخرسي و تدي فرصه للناس تتكلم ..”
هكذا أجابها بقسوة و قام بالالتفات الي 《فرح》 التي كانت ترتجف من هول الاحراج ولكنه حاول طمأنتها بنظراته و لهجته التي رقت قليلًا وهو يقول
” كنتِ جايه لشيرين ليه يا فرح؟”

كانت كلماته كالبوصلة التي وجهتها الى طريق الهرب الذي التقطته علي الفور و نظراته التي جعلت عقلها يعود الي العمل فخرجت كلماتها ثابته إلي درجة كبيرة حين قالت
” أبدا أنا جيت اشوفها كانت عايزاني ليه؟ و لما دخلت الاوضه ملقتهاش فكرتها في الحمام روحت اخبط ملقتش حد وفجأة لقيتها داخله من باب الاوضة بتزعق فيا ..”

برقت عيني 《شيرين》 من هذا الكذب وقالت بسخرية
” لا والله. دخلت عليا الكذبة ؟ انا اللي كنت عيزاكِ ؟ و دا من امتى و هعوزك اعمل بيكِ ايه ان شاء الله ؟”

كانت غبية برغم شرها و قد وقعت في براثن الفخ الذي أحكمت 《فرح》 نصبه جيدًا حين قالت ببساطة

” قبل الفرح بكام يوم أنتِ كلمتيني و قولتي انك عيزاني في موضوع ضروري . حتي انك جيتي مخصوص من اسماعيليه يومها عشان تقابلينِ و أنا كان عندي بروفة الفستان و معرفتش اقابلك و قولتلك قدامنا وقت طويل نتكلم فيه بعد الفرح . و عشان كدا جيتلك دلوقتي اشوف كنتِ عايزاني ليه ؟”

أطلق نفسًا هادئًا لدي سماعه حديثها الذي كان أكثر من رائع وقعه على 《شيرين》 التي امتقع وجهها لدي سماعها حديث 《فرح》 و الذي اتبعه 《سالم》 حين قال بخشونه

” دا اكيد موضوع مهم اوي اللي يخليكِ تنزلي من اسماعيليه للصعيد مخصوص عشان تقابلي فرح . و عندي فضول بصراحه اعرف انا كمان..”

رسمت الحية شباكها حول نفسها تلك المرة فهاهي تقف أمامه كالبلهاء لا تستطيع التفوه بحرف فتلك اللعينة نجحت في لف الحبل حول عنقها جيدًا.
” بصراحة و أنا كمان يا سالم عايزة اعرف يا ترى كنتِ عايزة فرح في ايه يا شيرين ؟”

هكذا تحدثت 《أمينة》 بتهكم جعل الدماء تفور حارة في أوردتها خاصةً وهي تحت ميكروسكوب نظراتهم التي غلفتها السخرية فرفعت رأسها تحاول الفرار من هذا المأذق حين قالت بتلعثم
” أبدا. أنا. كنت. يعني. عايزة اشوفها . لو. لو محتاجه اي . مساعده.. بس “

أطلقت 《أمينة》 سهام سخريتها قائلة
” يااه بقي تسافري لها من اسماعيليه للصعيد عشان بس تشوفيها عايزة مساعدة ولا لا؟ دانتِ طلعتي خدومة اوي و احنا منعرفش ؟”

التفتت 《شيرين》 بحدة و عينيها تطلقان سهام الغضب نحو《 أمينة》 التي تابعت شن هجومها الساخر لتنال من كرامتها قدر الإمكان

” إلا قوليلي يا شيرين انتِ جايه من بيت جوزك بالهدمة الي عليكِ . ازاي تفكري أن فرح ممكن تسرقك و هتسرق منك ايه ؟ لا كدا بصراحه وحش في حقك تبقي خدومه كدا. و تظني في الناس الظن الوحش دا لا انا كده زعلت منك ..”

ارتسمت ابتسامة شامته علي ثغر 《فرح》 التي كانت تود الركض وعناق 《أمينة》 بقوة علي ما فعلته 《بشيرين》 التي امتقع لونها و بهتت ملامحها ولكن أتت المفاجأة حين تدخل قائلًا بصرامة
” اول و آخر مرة المهزلة دي تحصل هنا. و بعد كدا تخلى بالك بتقولي ايه ولمين؟ “

كانت نظراته وحدها تهديد عظيم نجحت في فهمه و لكنها شعرت بقلبها يتمزق لنصفين حين رأته يمد يده لـ غريمتها وهو يقول بلهجة هادئة
” يالا يا 《فرح》..”

كانت مفاجأة لم تتوقعها أبدًا أن يمد يده إليها هنا أمام الجميع و تحديدا تلك الشيطانة التي ذاقت الجحيم بسببها في الليلة الماضية و يتناسى خطأها الجسيم في حقه لهو أمرًا عظيم .

فإن كانت سابقًا تحبه فاليوم و في تلك اللحظة تحديدًا هي عاشقة له حد النخاع و لهذا أرادت أن توصل له ما تشعر به فمدت يدها إليه تشبك أصابعها بين تجويف أصابعه و تقبض بقوة علي كفه بينما عينيها تشابكت مع خاصته في نظرة خاطفة جعلت النبضات تتعثر بقوة داخل قلبه و لكنه اضطر لقطع تلك النظرة الخاصة التي يترقبها كل تلك الأزواج من العيون و لم ينسي إلقاء قنبلة أراد منها الانفجار فى وجه «شيرين» حين قال بسخرية موجها
حديثه 《الفرح》
” بعد كدا تتعلمي أن مش اي حد تعمليله قيمة و تسمعي كلامه..”

******************

دلفت إلى داخل الغرفة وهي تتشاجر مع خطواتها و لسانها لا يكتفي من السب و اللعن في تلك الأفعى كما اسمتها. و كان هو خلفها يناظر انفعالها بنظرات اعجاب لم يحاول إخفاءها فالتفتت تناظره فوجدته يبتسم بهدوء دق قلبها بقوة آلمتها و غزي الخجل ملامحها المفعمة بالغضب مما جعل محصول الطماطم الشهي ينبت فوق خديها فـ تسلحت بالغضب حتى تخفي احراجها قائلة
” مش شايفه اي حاجه تضحك في الموضوع إلا إذا كان عجبك عمايل بنت عمتك ؟”

لم يخفي ابتسامته ولكنه أجاب بهدوء
“اللي عاجبني بصراحه شكلك وأنتِ متعصبة. “

كان صريحًا بدرجة محرجة و قد نجح في التعزيز من خجلها أكثر بحديثه فهذا الشخص تستطيع إعطاءه جائزة الدولة في الصراحة و الوضوح فهو لا يخفي اي شئ و لا يترك شئ بقلبه و هذا ما يفاجئها وجود أشخاص مثله في تلك الحياة
” انا مش متعصبة.. انا هطق..”

هكذا تحدثت حتي تخفي خجلها فاقترب منها قائلًا باستنكار
” تطقي مرة واحدة ؟ لا دا الموضوع خطير بقي .. دانا اروح اجيب لك شيرين ترنيها علقه محترمه ولا تزعلي نفسك أبدًا..”

لمعت عينيها ببريق خاطف وهي تقول بحماس
” طب والله فكرة… “

قهقه علي مظهرها قبل أن يقول غامزًا بعبث
” يا واد انت يا شرس ؟”

جفلت من حديثه و تلك الغمزة التي بعثت قشعريرة قوية الي سائر جسدها فـ تراجعت للخلف فقام هو بالاقتراب بينما يديه مازالت في جيوب بنطاله و كأنه يخشي أن تغدر به وتحتضنها بقوة و هو لا يريد اخافتها خاصةً بعد ما حدث البارحة
” كان مالك امبارح ؟”

هوى قلبها بين قدميها حين باغتها بهذا السؤال الذي لم تكن تملك أي اجابه عليه فإجابته الوحيدة تخشاها كثيرًا و تخشي عواقبها لذلك التفتت تنظر في الجهة الأخرى تهرب بنظراتها منه وهي تقول بتوتر
” أبدًا.. أنا . يعني . مكنتش . عايزة ا. أضايقك بس.. كنت. خايفه..”

شعر بها تراوغ فتابع استجوابه قائلًا بإلحاح
” خايفه من ايه ؟”

رطبت حلقها قبل أن تجيب بتلعثم
” اصل. كابوس .شفت . كابوس. و كنت. خايفه .”

كان شبه متأكد من أنها تكذب فقد رآى أنها لم تكن نائمة من الأساس و لكنه لم يرد الضغط عليها أكثر فيكفيه فزعها الليلة السابقة فقد طلبت منه أن يظل جالسا أمامها حتي تذهب الي النوم و بالفعل أخذ يراقبها طوال الليل فقط تركها لدقائق حين تأكد من نومها للذهاب ورؤية ماذا حدث في الاسفل و من ثم بعد أن اطمئن على انطفاء الحريق عاد مرة أخرى لمراقبتها حتي أنه غفى علي المقعد دون أن يدري ..

“الكابوس من الشيطان . دايمًا عودي نفسك تنامي على وضوء و تقرأِ المعوذتين وآية الكرسي و خواتيم البقرة قبل ما تنامي. و مفيش اي حاجة هتفكر تقربلك ..”

انتبهت إلى حديثه الذي لاقى صدى كبير داخل قلبها فتحدثت بانبهار
” انت بتصلي يا 《سليم 》؟”

ابتسم بهدوء قبل أن يجيب بسلاسة
” اكيد طبعًا .. ايه السؤال دا ؟”
” لا أصلي اتفاجئت يعني . معرفش مشوفتكش بتصلي قبل كدا.. و كمان يعني حياتكوا الفلوس و العيلة و …”

توقفت عن الاسترسال في حديثها حين سمعت ضحكته الساخرة الذي اتبعها قائلًا
” طب و الحاجات دي تمنعني ليه اني اصلى . دي مفروض تقربني من ربنا اصلًا .”

” ازاي ؟”
سألته باندهاش فأجابها بسلاسة
” عشان دي كلها نعم من ربنا عليا و المفروض الإنسان يشكر ربنا على نعمه و يطلب منه يديمها . مش يجحد بعطاء ربنا و يبعد عنه.”

انبهرت حين لامست نزعته الدينية و فاجأها أكثر حين قال
” و على فكرة أنا بحفظ قرآن كمان . و ناوي أن شاء الله اختمه حفظ و تجويد في اقرب وقت..”

انتشي قلبها بحديثه فخرجت الكلمات من فمها باندفاع
” طب ممكن احفظ معاك؟”

لم يسعه الكون فرحًا لطلبها فأجاب بتأكيد
” طبعًا ممكن.. انتِ تؤمرى ..”

ابتسمت بخجل لم يستطع منع نفسه من التقدم منها و وضع قبله حانيه فوق رأسها وهو يقول بخفوت

” كل اللي نفسك فيه هنعمله سوا. و كل المستحيل هيبقي ممكن عشان خاطرك. و دا وعد من سليم الوزان بذات نفسه اللي عمره ما وعد غير ونفذ..”

طوفان من المشاعر المختلطة ضرب قلبها الهش فانتفض بين ضلوعها التي دوت بها دقاته بعنف و خاصةً حين رأت تلك النظرة بعينيه التي تعلقت بشفاهها التوتية بطريقة ارهبتها وما أن شعرت باقترابه منها حتى انتزعت نفسها من بين أحضانه وهي تقول بتلعثم
” هنزل . اشوف.. اشوف. فرح ..”

أنهت جملتها و هرولت للأسفل تاركة خلفها كتلة من النيران التي أحرقت جسده حتي صارت عضلاته تؤلمه كحال قلبه الذي يشتهي قربها بطريقة تعجز الكلمات عن وصفها..

**************

فتح باب الغرفة و دلف معها الى الداخل و مازالت يدها بيده تأبى تركها و قد شعر هو بذلك ولكن الغضب بداخله كان قوى لدرجة أنه قام بالتشديد علي يدها و هو يديرها إليه لمواجهته قائلًا بغضب
” الموقف اللي حصل دا لو اتكرر تاني هتزعلي مني أوي يا فرح ؟”

كانت قبضته الغير رحيمه تقبض على قلبها اولًا فخرجت الكلمات منها متألمة
” اكتر من كدا؟”

وثبت الدهشة الى ملامحه و لكنها سرعان ما انمحت وحل محلها الغضب الذي جعله يقول بجفاء
” اكتر بكتير ..”

عاتبته بألم
” متخيلتش انك ممكن تكون قاسي كدا؟”
لمس عتابها اوتار قلبه النازف فلونت الخيبة ملامحه قبل أن يقول بعتاب خفي
” و لا أنا! “

شعرت بمدى جرحه الذي تساقط من نظراته التي كانت تحاصرها بنظرات معاتبه اخترقت قلبها فقالت بندم
” انا عارفه اني غلطت لما صدقتها . و عارفه أن كلامي كان صعب ..”

” مش كلامك بس اللي كان صعب..”
هكذا تحدث بأنفاس متلاحقة و صدر يعلو ويهبط و كأنه ينازع لخوض هذا الحوار معها و أمامها. فبالرغم من كل شئ فهو يشتاقها و يشتاق دفء عناقها ليرمم جراح غائرة تنزف بقوة ولكنه لا يستطيع ان يخطو خطوة واحدة تجاهها وقد شعرت هي بذلك فاقتربت منه أكثر و عينيها تمطران ألمًا تجلى في نبرتها حين قالت
” معرفش ازاي عملت كده.. بس صدقني..”

” اسكتِ .. متكمليش. قلة الكلام في اللي حصل احسن..”
استفهمت بنبرة متوسله
” يعنى هنفضل كدا ؟”

ماذا يخبرها اينزع عباءة الكبرياء جانبًا و يخبرها عن مدى معاناته و أنها وحدها القادرة علي لملمة شتات روحه المهترئة ام يخبرها عن ذلك الثقل الذي يحمله على عاتقه و مدي الجرم الذي أحدثه شقيقه الراحل و من المفترض عليه معالجته و هو حتي لا يعلم كيف السبيل لذلك ؟ أخذ يناظرها طويلًا بعينين غلفها الوجع واظلمها الغضب ولكنه بالنهاية قطع تلك النظرات قائلًا بفظاظة
” أنا مسافر كمان شويه. هقعد يومين او اكتر . لسه مش عارف. لما ارجع نبقي نتكلم ..”

أفصحت عن انهار الألم المدفون بداخلها و قالت باستنكار من بين انهيارها
” هتسبنى وتمشى يا سالم؟ و في الوقت دا ؟”

ود لو يخبرها بتلك الأصفاد التي تكبله و تجذبه من عنقه حتي كادت أن تنحره ولكنه لم يعتاد علي الضعف أبدًا لذا قال بخشونة
” الموضوع للأسف ميتحملش اي تأجيل. وخلينا نعتبرها فرصة كل واحد يفكر فيها براحته.. “

انهى جملته وتوجه إلي غرفة الملابس لأعداد حقيبته بينما هو في الحقيقة يهرب منها و من ألمه و شوقه الضاري لها فوقف في منتصف الغرفة ينظر إلى السرير الذي احتضن ألمها و عبراتها الليله الماضية و التي لا تنمحي ذكراها من مخيلته أبدًا فحاول تشتيت انتباهه في تجهيز ما أراد وحين انتهي وقعت عينيه علي كنزة ملقاة بإهمال على الاريكه فاقترب منها و قام بالتقاطها و تقريبها من أنفه فغزت رائحتها العذبة رئتيه فانتشي سائر جسده وهو يتخيلها قابعه بين أحضانه و قام بإغماض عينيه لثواني يستمتع بحلاوة الشعور و دون أن يدري وجد نفسه يقوم بوضعها بين طيات ملابسه في الحقيبه و قام بإغلاقها متوجهًا للخارج فوجدها جالسة على المخدع بإهمال و عينين فاض بهم الدمع و حين رأته قادم شيعته بنظرات معاتبة و أخرى معتذرة فتقدم بخطٍ سلحفيه يقف أمامها فرفعت رأسها إليه فـ تحمحم بخشونة قبل أن يقول

” خلى بالك من نفسك . و حاولي قدر الإمكان تتجنبي عمتي وشيرين.. “

نهضت بتكاسل و كأنها لا تقوى علي حمل جسدها الواهن من فرط الألم الذي تجلى في نبرتها حين قالت
” حاضر ..”

كان استسلامها مؤلم كثيرًا إضافة إلي حزنها الذي يقتله فلم يستطيع منع نفسه أن يقول بخشونة
” البيت دا أنتِ مرات الكبير بتاعه. ياريت تتصرفي مع الناس اللي فيه عالاساس دا ..”

رفعت رأسها تناظره بلهفة لم تغادر حدود شفتيها التي ارتجفت أمام أنظاره فلم يعد يحتمل البقاء معها دون أن يفعل ما قد يندم عليه لذا أردف بفظاظة
” خلى بالك من نفسك ..”

انهى جملته و التفت متوجهًا للخارج وحين خطى إلى خارج الغرفة سمع انينها الخافت باسمه
” 《سالم》…”

توقف للحظة طاحنًا ضروسه من فرط الألم تتقاذفه رغبه ملحه في الالتفات و معاقبة شفتيها علي نطق اسمه بتلك الطريقه المهلكة لمشاعره و حواسه و النيل منها علي ما جعلته يعيشه من ألم و عذاب و إفراغ جميع شحنات غضبه و ألمه و عشقه بها و لكنه للحظة أشفق عليها من عقاب لن تتحمله و مشاعر من فرط قوتها حتمًا ستؤذيها لذا تجاهل همسها و توجه للأسفل فأوقفه نداء والدته التي استنكرت ما رأته وقالت بصدمة
” سالم .. انت رايح على فين ؟؟”

توقف 《سالم》 بمنتصف الصالة وهو يزفر النيران من أنفه فلم يعد لديه طاقة للحديث و خاصةً تبرير ما يفعله ولكنه احترم نداء والدته و التفت يجيبها
” في مشكلة كبيرة في فرع القاهرة و لازم اسافر دلوقتي حالًا ..”

انكمشت ملامحها بصدمة وخاصةً حين رأت ملامحه المكفهرة و شفتيه المذمومة كخيط رفيع و كأنه يريد التزام الصمت طوال حياته فتلك هي اقصى درجات الغضب لديه ولذلك لم تحاول التطرق إلى أشياء قد تزيد وطأة ما يحدث فقالت بنبرة لينه
” ربنا يعينك يا ابني . بس يعني . فرح؟ مش حرام تسبها يوم صبحيتها كدا ؟’

ود لو يخبرها بأن أقصى درجات الحرام ما يحدث معه فهو سيذهب تاركًا معها قلبه و روحه و وجدانه سيذهب بهذا الجسد المثقل بالهموم التي لا يعرف كيف سيعالجها و لكنه اكتفى بالقول
” فرح عاقلة و بتقدر يا ماما. متقلقيش..”

رنت جملته بأذنها مرورًا بقلبها الذي ارتج لدى سماعها جملته التي تحوي مديحًا مبطنًا فلم تقدر علي خذلانه و جاء صوتها الهادئ يؤازره
” سبيه يا ماما.سالم عنده شغل مهم و مينفعش يتأجل و أنا مش زعلانه أبدًا..”

لامست حروف كلماتها قلبه الذي يود لو يلتفت في تلك اللحظة يعتصرها بين قضبان ذراعيه حتى ترى ماذا تفعل به مجرد حروف بسيطه من شفتيها التي يشقى وهو أمامها يناظرها كالتفاح الحرام الذي لا ينفك يغويه ..

” اديكِ سمعتي بودنك . همشى انا بقى عشان متأخرش..”

لم يكن يخفي عليها ماذا يحدث ولكنها لم تطل في الحديث و خاصة حين التقمت عينيها تلك التي تراقب ما يحدث بشر فعلى صوتها وهي تقول
” تروح و ترجع بالسلامه يا ابني.. روحي يا فرح وصلي جوزك…”

اومأت 《فرح》 بالإيجاب و قد تفهمت نظرات 《أمينة》 المحذرة و توجهت خلفه الي أن وصلت إلي باب المنزل و قام بفتحه قبل أن ينظر إليها بجمود سرعان ما تبدل لصدمه حين وجدها تقترب منه محاوطه رقبته بذراعيها في عناق كان رقيقًا يشبه أنفاسها العطرة التي لامست رقبته للحظة بدت خاطفة سلبت إرادته و انساق خلفها إذ حاوط خصرها بيديه التي كانت قويه بقدر لينها مما جعل دقات قلبها تقرع كالطبول تشاطرها دقات قلبه الذي اهتاج داخله من فرط ما يعتريه من شوق يحتاج أكثر من هذا العناق ولكنه استخدم كل ذرة مقاومه لديه لنزعها من بين براثنه و أهداها نظرة بدت غامضة بقدر ما تحوي من مشاعر تعجز الكلمات عن وصفها. فـ شيعته هي بنظرات نادمه مشتاقه إليه قبل أن يبتعد. وخرجت الكلمات من بين شفتيها دافئه حين قالت
” اشوف وشك بخير ..”

كان ما يحدث أقصى ما يمكن احتماله لذا أومأ برأسه قبل أن يستمع إلي باب أحد الغرف يغلق بقوة فعلم بأن التمثيلية قد انتهت لذا تراجع سريعًا و التفت مغادرًا دون حديث ..

****************

ما أن غادر حتي سمعت صوت 《أمينة》 الصارم يناديها فالتفتت فوجدت 《جنة》 تهرول من الاعلى و كأن احدًا يلاحقها و تفاجئت ب《سليم》 الذي كان يخرج من الغرفة و وجهه لا يفسر
” انتوا الاتنين تعالوا ورايا..”

قالتها 《أمينة》 وهي تفرق نظراتها بينهم مما جعل《سليم 》يتوقف فنهرته قائلة
” علي شغلك. ”
” ماما…”

هكذا ناداها فهو يعلم حالتها تلك فـ أصرت علي موقفها قائلة
” كل واحد يشوف شغله.. يالا اتفضل على شغلك ..”

كان المشهد غريبًا علي كلا الفتاتين ولكن 《سليم》لم يستطع منع ابتسامة عابثة من الظهور على ثغره اتبعها بغمزة توجهت الى قلبها مباشرة وهو يلتفت دون حديث .

دلفت 《أمينة》 الي داخل الغرفة و خلفها الفتاتين و ما أن أغلقت الباب حتي التفتت إليهم وهي تقول بحدة
” بصوا بقى انتوا الاتنين. الكلام اللي هقوله دلوقتي يتسمع و يتنفذ بالحرف الواحد . و مش هسمح لحد أنه يناقشني فيه ..”

كان حديثها صادمًا لكليهما و خاصةً نبرتها الحادة و عينيها التي كانت تطلقان سهام بدلًا من النظرات فكان أول المتحدثين 《فرح》 التي قالت باندهاش
” حاجه أمينة حضرتك بتتكلمي ليه كدا؟”

اجابتها 《أمينة》 بصرامة
” مسميش الحاجة أمينة . اسمي ماما أمينة. مش انا حماتك ولا بيتهيألي؟”

تفاجئوا للحد الذي جعلهم صامتين فقط إيماءة بسيطة كانت إجابة علي سؤالها فـ اردفت بتصحيح

” يبقي تقولولي ماما . الحمي عندنا بيتقالها يا ماما . و دي اول نقطة . نيجي بقي لتاني نقطة . البيت اللي انتوا شايفينه دا مش قايم علي عمدان دا قايم علي كتاف ولادي . و مش بس البيت دي العيلة كلها قايمه علي كتافهم. و لو مكنش في حضن محاوط علي الكتف اللي شايل دا هيتعب و هيقع . فاهمين قصدي ولا اوضح اكثر..”

تحدثت 《فرح》 اولًا
” انا فاهمه..”
” و أنتِ ؟”

هكذا استفهمت 《أمينة》 بحدة فأجابت 《جنة》 علي الفور
” و أنا كمان فهمت. اه والله العظيم..”

استطردت《 أمينة》 قائلة بصرامة
” حلو. نيجي للنقطة اللي بعد كدا. انا عشت عمري كله محاوطه علي جوزي و ولادي و علي البيت بالي فيه. لدرجة أن البيت مكنش يمشي من غيرى لو تعبت يوم يقف . بس انا دلوقتي كبرت و فعلا تعبت. و مش هقبل أن البيت يتهد. عشان كدا عيزاكوا في ضهري. اللي جاي مش سهل . و في حرب قذرة دايره بدايتها كانت من زمان اوي من قبل ما تتولدوا حتي . و دلوقتي الشيطان راجع يهدد حياتنا من تاني بعد ما طردناه وارتحنا منه..”

انكمشت ملامح الفتيات بحيرة تجلت في نبرة 《جنة》 حين قالت
” طب هو حضرتك ممكن توضحي اكتر . انا مش فاهمه حاجه “

اجابتها《 أمينة》 بهدوء
” الشيطان دا ناجي جوز همت . و ابن عم منصور جوزي . اخو صفوت. “

شهقات خافته خرجت من افواههن تجاهلتها 《أمينة》 و تابعت
” طول عمره الفرع المعووج في العيلة و طول عمره بتاع مشاكل و بيبص للي في ايد غيره. عمي الله يرحمه كان مكافح كبر ثروته و مكنش عنده غير ولدين وبنت عشان كدا نصيبهم من تركته كان كتير أما ناجي أبوه كان عنده ست ولاد و ورثه و نصيبه كان يدوب ملاليم و عشان كدا كان بيحقد علي منصور و اخوه و طمعه خلاه يقرب من همت ويوهمها انه بيحبها لانه كان عارف غلاوتها عند ابوها.. و فعلا حبته و نجح في الي بيخططله و اتجوزها و عمى شغلو معاهم إكرامًا لبنته. بس للاسف بقي جشع اكتر و حاول يأذيهم في شغلهم و يشتغل لحسابه و من حسن حظنا أنه اتكشف و البنت السكرتيرة الي كان مجندها لحسابه بعد ما خلى بيها جت وفتنت عليه و حكت كل حاجه قدام همت..”

” يا حرام .. زمانها اتصدمت جدًا..”
هكذا تحدثت 《جنة》 بشفقه فتابعت 《امينة》
” اتصدمت و انهارت . ودخلت المستشفي شهر و في خلال الشهر دا هو عمل المستحيل عشان يشوفها و يقنعها. و عمي موافقش بس هو ميأسش و عمل اللي عايزه و وصلها بعد ما جاب البت السكرتيره و رضاها بقرشين عشان تغير كلامها و تقول إن منصور هو الي خلاها تيجي وتقول كدا عشان يطلق همت منه. لكن همت مصدقتوش عشان كانت عارفه أن منصور استحاله يعمل كدا و كمان اي ست تقدر تحس إذا كان جوزها بيخونها ولا لا ؟ وهي كانت حاسه أنه مش مظبوط…”

” دي مطلعتش وحشة زي ما احنا متخيلين . صعبت عليا اوي بعد كل اللي شافته..”

هكذا تحدثت《 فرح》 فهي اختبرت شعورًا مشابها ليلة أمس و ياله من شعور مريع لهذا أشفق قلبها علي تلك المرأة التي طالها الأذي من زوجها
” همت مش وحشة . همت عبيطة و دا اسوء. سهل اوي ينضحك عليها منه مرة تانية و خصوصًا أنه بيستخدم نقطه ضعفها بناتها أو خلينا نقول شيرين بس. سما زي امها. انما شيرين واخده منه كتير اوي ..”

تدخلت 《جنة》 بنفاذ صبر
” ايه الحرب دي ؟ طب ما تخلوها تاخد بناتها و تمشي ايه لازمته يعيشوا معاكوا بدل كل التعب دا ؟”

أجابتها 《أمينة》 بجمود
” مش.بمزاجنا يا جنة و لا بالسهولة دي تتخلصي من الشر . همت لما اختارت ابوها و اخواتها و رفضت تصدق ناجي. ابوها عشان يجبر بخاطرها و يراضيها قسم أملاكه علي ولاده التلاتة بالتساوي بما فيهم المزرعة دي كل واحد التلت ما عدا الأرض. وصي لو همت بناتها اتجوزوا من العيلة تاخد الأرض طين و لو خرجوا منها ياخدوا التلت بردو بس فلوس.. مكنش عايز الغريب يحط ايده علي أرضه..”

“دا عقد الموضوع اكتر ..”
هكذا تحدثت 《فرح》 فأجابتها 《امينة》 بتعب
” قولتلك دي حرب و بادئة من زمان اوي.. عشان كدا عيزاكوا جمبي و جمب سالم و سليم . البيت دا لازم يفضل رافع راسه العمر كله. و الشيطان دا لو حط رجله هنا تانى هتبقى نهايتنا كلنا ..”

تحدثت 《فرح》 بعدم فهم
” ازاي ييجي هنا و حضرتك بتقولي أنها عارفه حقيقته..”

” الشيطان مش وحش عشان بيوسوسلنا بالغلط يا فرح دا كمان بيزينه.وناجى دا الشيطان يقوله يا عمي و وارد يرجع يلعب بدماغها تاني وهي دلوقتي حاسه أننا ضدها و محتاجه حد يقويها وشيرين ممكن تلعب عالنقطه دي و تحاول تميل دماغها. “

” طب و ايه الحل يا ماما ؟”
هكذا تحدثت 《جنة》 بلهفه فأجابتها 《أمينة》 بتخطيط
” هقولكوا. بس خليكوا فاكرين أن مفيش مجال للغلط ولو مطلعتوش قد المسئوليه هاخدكوا من ايديكوا و ارجعكوا لأهلكوا و معايا ورق طلاقكوا. فاهمين ولا لا ؟”

بالرغم من أن حديثها يبدو جامدًا و لهجته متوعدة ولكن الفتيات فطن إلى ما ترمي إليه و بأنها تثير روح الحماس بداخلهم و بالنهايه هي لا تريد سوي الصالح للجميع لذا خرجت الكلمات من افواههن في آن واحد
” فاهمين ياماما…”

التمعت عينيها بالسعادة التي تجلت في نبرتها حين قالت
” حلو . يبقي اسمعوني كويس..”

*************

تفتكر يا سليم سالم هيعمل ايه مع البنت دي وأهلها؟”
هكذا تحدث 《مروان》 وهو يقف بالشرفة إلى جانب 《سليم》 الذي كان يرتشف قهوته المرة التي لم تفلح في جعله يتناسى ما حدث فـ أطلق زفرة حادة من جوفه قبل أن يقول
” لحد دلوقتي مش عارف و لا هو كمان عارف..”

” الموضوع عمال يتصعب بشكل غير طبيعي . انا حاسس ان عقلي واقف مش عارف افكر .. معقول تفضل في غيبوبه كل دا و بعد ما كانت بتموت تصحي تحكي علي كل اللي حصل شوف و القدر أن العمله السودة دي يعملها قبل ما يموت بيوم ضيع البنت الله يسامحه “

هكذا تحدث 《مروان》 بسخط فأجابه 《سليم》 بغضب
” كل حاجه هينه في الدنيا دي الا اللي تخص الشرف يا مروان. دي الحاجة الوحيدة اللي لو اتمست ملهاش اي دوا. “

” كلامك بيقلقني اكتر يا سليم . بس هرجع واقولك عندك حق . مهما عمل سالم حتي لو اداهم فلوس الدنيا و الآخرة دا مش هيعوضهم عن شرف بنتهم اللي ضاع علي ايد حازم .. “

كان حديث 《مروان》 شائك للغاية فلم يتحمله و اندفع غاضبا
” اسكت يا مروان الله يباركلك. انا من غير حاجه جوايا نار قايده.. “

التفت 《مروان》 يناظره بشفقه علي حاله و حاول أن يغير دفة الحديث إذ قال باستفهام
” بس مش غريبة انهم ييجوا يقبضوا على شخص متوفى . يعني مفروض يكون عندهم علم أنه متوفي اصلًا..’

خيمت الحيرة على ملامحه قبل أن يقول بجفاء
” هي غريبة طبعًا . بس خطأ وارد يحصل . و ممكن يكون مقصود . انا مبقتش فاهم حاجه..”

التقمت أذنيها تلك المحادثة السرية بينهما حين كانت تنوي التوجه للشرفة و لكنها تسمرت لدى سماعها حديثهم الذي جعل الذهول يخيم علي ملامحها فـ تراجعت بخفه الى الاعلى و قامت بجذب الهاتف السرى الذي تملكه و أجرت اتصالًا هاتفيًا و ما أن جاءها الرد حتي صاحت بصدمة
” بابا . الحق حازم طلع مغتصب بنت قبل ما يموت بيوم و البوليس جه هنا و سال عليه..”

أجابها 《ناجي》 بتسلية
” و إيه كمان ؟”
اندهشت من تقبله للأمر فقالت باستفهام
” انت كنت عارف حاجه زي دي ؟”

” ابوكي مفيش حاجه ميعرفهاش. المهم قوليلي متعرفيش هيتصرفوا ازاي”
اجابته 《شيرين》 بغضب
” والله معرفش. انا سمعت أن سالم راح يقابل اهل البنت و اكيد هيعرض عليهم فلوس. “

قهقه 《ناجي》 بشر وقال باستمتاع
” حلو اوي كدا الصنارة غمزت . خليهم يتلهوا في العظمة شويه لحد ما ابعتلهم القاضية.. “

****************

كانت تنتفض إثر تلك الصفعة التي تلقتها وجنتها الرقيقة التي انطبعت فوقها أصابعه الخشنة فجرحت جلدها الرقيق. فأخذت ترتجف رعبًا وهي تقول بتلعثم
” اني.. معملتش . حاچة. “

صاح بها بقلب يرتجف ألمًا زاد من حدة غضبه فـ دفعها بعنف علي الأرض الصلبة حول شهقات الجميع حوله و صاح بها غاضبًا
” و كمان ليكِ عين تتكلمي يا خاطيه… “

انهي كلماته و قام بإخراج سلسالها و القاءه بوجهها وهو يقول باشمئزاز
” تخصك دي مش أكده..”

التقطتها بيد متلهفة وهي تقول
” ايوا .. ديه سلسلتي و ضاعت مني امبارح…”

” جصدك وجعت منك..و أنتِ منتيش دريانه. اجولك وجعت فين ولا افتكرتي؟”

هكذا تحدث بلهجة تقطر الما و صدر يعلو و يهبط بفعل النيران المندلعة به فهالها مظهره و حديثه فقالت بذعر
” لا مفكراشي. اني روحت امبارح ملجتهاش في رجبتي.. معرفش وجعت فين؟”

صاح بنبرة متألمه ولكن خافته
” اجولك اني.. لجيناها چار الزريبة المهچورة..”

فجأة برقت عينيها حين جاء علي ذكر ذلك المكان الذي شاهدت به تلك الواقعة المشينة و لكن مهلًا ماذا ظن بها ؟ هل يظن أنها هي من كانت؟؟

” في ايه يا ولدي ؟”
هكذا تحدثت 《تهاني》 بصدمة مما تراه و جاء خلفها صوت 《عبد الحميد》 الذي قال بفظاظة
” هتعمل ايه يا عمار ؟ انت اچنيت ولا ايه ؟”

” بايني أكده..”
هكذا تحدث و هو يطحن ضروسه ألمًا فصاح به جده
” احكيلي حوصول ايه؟ بتضرب البت دي ليه؟”

وقع سؤال جده علي مسامعه كسوط جلد قلبه الذي لم يتحمل مرارة النطق بما حدث و خاصةً حين أخذت تهز برأسها يمينًا و يسارًا و عينيها تتوسله و قد ظن بأنها تتوسل لألا يفضح ما حدث و لكنها كانت تتوسله ألا يظلمها وعبراتها منهمرة كالشلال علي وجنتيها و فجأة خرج صوته جريحًا و هو يضع يده بجيب جلبابه مخرجًا شئ ما و الذي لم يكن سوى سلاحه الذي وجهه إلى رأسها مباشرة وهو يزأر بألم
” البت دي لازمن تمووت…”

تعالت الشهقات و الصيحات من حوله و ترددت عبارات المنع من جده و 《تهاني》 ولكن بدا التصميم جليًا في عينيه مما جعلها تتأكد أنها هالكه لا محالة فاغمضت عينيها بقهر انبثق منها على هيئة عبرات تزامنًا من انطلاق الرصاصة من فوهة سلاحه تصيب رأسها…..

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية في قبضة الأقدار)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى