رواية في رحالها قلبي الفصل الثاني 2 بقلم آية العربي
رواية في رحالها قلبي الجزء الثاني
رواية في رحالها قلبي البارت الثاني
رواية في رحالها قلبي الحلقة الثانية
بسم الله ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
وَلَقَدْ نَعْلَمُ أنّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُون فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبِكَ وكُن مِنَ السَاجِدِينْ واِعْبُد رَبَّكَ حَتّى يَأْتِيَكَ اليَقِينْ .
اللهم إنا نستودعك أهل غزة وكل فلسطين ، اللهم
كن لهم عونا اللهم إنا لا نملك لغزة وفلسطين إلا الدعاء
الفصل الثاني من رواية ( في رحالها قلبي) بقلم آية العربي
لا أحد يدرك معاناة امرأة وحيدة هشة تمتاز بالكتمان .
فالجميع بات لا يفهم سوا بالبوح عما بك لغة الصمت تحتاج لرفيق روح ربما لم تحظَ به في دنياك ولكن من نعيم الدنيا هي مناجاة الخالق وهذا أعظم الحظوظ .
استيقظت بفزع بمجرد أن لمسها وهذا يدل على خوفها .
منذ أمس وهي لم تغفُ إلا من حوالي ساعةٍ واحدةٍ بعد تفكير أرهق ذهنها .
أخبرها بكل قسوة أنهما سيتخلصان من هذا الحمل ومن ثم رافقها وغادرا إلى العشاء الذي مر دون أن تشعر به .
كانت حاضرةً بجسدها فقط ولكن عقلها يفكر فيما قاله .
عليها ألا توافق ، عليها أن تعترض ولكن كيف وهي التي قبلت بهذا الشرط منذ البداية ؟
حسنًا لتحاول إقناعه ، ستحاول معه وتستعطفه ربما حنّ وتقبل الاحتفاظ بهذا الحمل .
طالعته بعيون مذعورة كقطة خائفة وتحدثت بتحشرج متسائلة :
– ماذا هناك ؟
ملس بكفه على خصلاتها لتتناقض لمسته تناقضًا تامًا مع نبرته حينما قال بنظرات مبهمة :
– هيا استيقظي أمامنا عملًا هامًا .
تشبحت ملامحها بالذعر الذي تلاشى تدريجيًا واتخذ الغضب مكانه حينما أردفت بنبرة عالية نسبيًا وهي تنهض جالسة وتطالعه بنظرة تحمل ثباتًا ظاهريًا :
– لا أريد ، لا أريد إجهاضه ، أنا أرغب في الاحتفاظ به .
اعتدل يطالعها بنظرة ثاقبة ثم هز كتفيه ومط شفتيه يقول بهدوء وعينه مسلطة عليها :
– للأسف هذا الاحتمال ليس واردًا يا فريدة ، أنتِ أخطأتِ واتخذتِ بمفردكِ قرارًا كنا قد أنهيناه مسبقًا ، ولهذا يجب أن تصلحي هذا الخطأ ، هيا سأكون في انتظاركِ في الأسفل .
تحرك بعدها بخطواتٍ رتيبة وهدوء أصابها في مقتل وغادر وتركها تجلس تطالع أثره بغيظ .
لا يمكن أن تجهضه بعدما حصلت عليه ، هذا الحمل سيبقى حتى وإن … انفصلا ؟
ولكن حقًا هل تستطيع الانفصال عنه ؟ ، هل تستطيع العودة للعيش مع سعاد وسارة خاصةً بعدما توفى ذلك الرجل الحنون والذي كان هو الخيط الوحيد المتبقي لها من بين كل معارفها ؟
تعترف أن سعاد تعاملها بحبٍ ولكن بالطبع ليس كابنتها سارة ، لا إراديًا تشعر بينهما بالغربة خاصةً بعد موته وتخشى العودة لهما حتى لا تشعر بأنها حملٌ عليهما .
لذا فقد سعت بكل وسائلها لتصل إلى عقل سيف الدويري ونجحت في جذب انتباهه لها ومن ثم استقطابه لخطبتها خاصة بعدما علم أنها يتيمة .. مثله تمامًا .
كان زواجًا رسميًا قائمًا على عدة شروط أهمها عدم الإنجاب ولم تمانع بل وافقت دون حتى أن تسأله عن السبب فقط كل ما أرادته هو حياة الثراء والابتعاد عن الحياة التي تعيشها بين سعاد وسارة .
بعد دقائق ترجلت للأسفل بملابس نومها لتجده يجلس يرتشف قهوته التي أعدها لنفسه كما يرغب .
ما إن رآها كما هي حتى توقف عن ارتشاف قهوته وتمعن فيها بصمتٍ كان كفيلًا بشرح كل ما يجول في عقله لذا فركت كفيها بتوتر واتجهت تجلس أمامه ثم تحدثت بنبرة مستعطفة :
– دعنا نتحدث ربما أقنعتك يا سيف ، لمَ لا يكون لدينا طفلًا صغيرًا ؟ ، تخيل معي فقط ، أنت لا عائلة لك وأنا كذلك وسيكون هذا الصغير هو عائلتنا ، الأمر حقًا يستحق التفكير .
وجدته صامتًا فقط يطالعها ولا تستطيع تفسير ما يفكر به لذا أطرقت وتابعت معترفة :
– نعم أعلم أن شرط زواجنا هو عدم الإنجاب ، وأعلم أنني وافقت على ذلك ولكنني أشعر بالملل يا سيف كلما سافرت وتركتني هنا ، أشعر بالملل وأنت طوال اليوم في عملك حتى وإن سافرت معك أيضًا ، وأنت ترفض عودتي للعمل لمجرد فقد واجهتك الرسمية .
قالتها بنزق ثم تنهدت تتطلع إليه منتظرة حديثه ولكنه عاد يتناول قدح القهوة ويرتشف منه ببرودٍ وصمتٍ جعلها تحتد وتردف موبخة :
– لا تصمت هكذا وتحدث معي أنا لست مختلة عقليًا كي تتجاهل حديثي .
ظل كما هو لم يحرك ساكنًا وهو يراها أمامه تجاهد ألا تغضب أكثر لعلمها بالعواقب جيدًا لذا حاولت مجددًا التحدث بنبرة أقل حدة :
– سيف أرجوك قُل شيئًا ، لا تجبرني على إجهاضه أرجوك .
ترك القدح ونهض يغلق زر حُلته ثم طالعها لثوانٍ مرت عليها كسنين ثم أخيرًا تحدث كأنه لم يسمعها قط :
– تأخرنا فريدة وأنتِ هنا تجلسين تثرثرين في أمورٍ تافهة ، اصعدي للأعلى وبدلي ثيابكِ سريعًا فأنا لدي أعمالًا متراكمةً .
تحرك نحو باب الفيلًا قاصدًا فتحه ولكنها في لحظة تهور واندفاع حملت قدح القهوة وصوبته تجاهه ترميه بقوة قاصدة أن يصيبه ولكنه أصاب الباب فسقط متهشمًا تزامنًا مع رنين الجرس .
لأول مرة تتجلى الدهشة على ملامحه وهو ينظر لقطع القدح المتهشم بذهول ، هل كادت أن ترطمه ؟ ، هل جنت هذه ؟
ليتجاهل رنين الجرس ويلتفت يطالعها بعيون حادة وتحدث بصقيع يغلف نبرته وقلبه :
– هل جننتِ يا فريدة ؟ ، هل تختبرين صبري عليكِ ؟
كانت قد وقفت أمامه تزفر وتشهق وصدرها يعلو ويهبط بعنف ثم تكتفت وقالت بنبرة محذرة :
– أخبرتك ألا تتجاهلني هكذا .
نطقتها صارخة لتتعالى الطرقات على باب الفيلا لذا التفت يتقدم بخطوات ثابتة ويفتحه ليجد أمامه سارة تطالعه بعيون متسائلة من أسفل نقابها .
حدق بها لثوانٍ ثم أفسح لها المجال فعبرت تنظر نحو الزجاج المتهشم بتوتر وقامت برفع نظراتها إلى فريدة لتجدها في حالة فوضى وغضب لذا أسرعت تتجه نحوها وتساءلت بنبرة حنونة مغلفة بالدعم والثبات :
– ما بكِ فريدة ؟ ، هل أنتِ بخير .
لم تكن تريدها أن تأتي وتراها في هذا الحال ، لم يكن هذا من ضمن أمنياتها لذا لم تجبها بل ظلت صامتة تنظر نحو سيف الذي التفت يحدق بها وينتظر إجابتها على سارة التي طالعته بغيظ فهي لم تشعر بالراحة تجاهه يومًا لذا تساءلت من بين أسنانها :
– هل يمكن أن تشرح لي ما بها أختي ؟
وضع كفيه في جيبيه ثم تحدث ببرود وجلافة :
– لا دخل لكِ .
برغم وضعها في موقف حرج إلا أنها لم تعترف بذلك وتحدثت بشموخ يصاحبه دعمًا لشقيقتها وبرغم عدم تهورها في الكلام إلا أن هذا الماثل يستحق التهور لذا قالت :
– هل ظننتها وحيدة لتفعل بها ما تريد ؟ ، اسمع يا سيف يا دويري منذ البداية وأنا قلبي لم يرتح لك ولكنني قلت لتكن سعادة أختي فوق كل الاعتبارات ولكن أنا لم أعد أرى سعادتها هذه ، لم أعد أرى ضحكاتها ولا عفويتها ، أنت أفسدت كل شيء .
وقف يطالعها بذهول وهو يراها تتحدث من خلف نقابها دون خوفٍ أو قيود لينظر نحو فريدة منتظرًا ردها على حديث شقيقتها .
وبالرغم من أن فريدة تجد سارة محقة في كل ما قالته ، بل ويمكنها مساعدتها إلا أنها لا تريدها أن تتدخل في حياتها ، تريدها أن تبتعد عن طريقه لذا قالت بنبرة جدية وهي تنظر نحو سارة :
– سارة أنتِ تبالغين كثيرًا ، فقط أنا وسيف كنا نتناقش ولكنني المخطئة لم يكن هناك داعٍ لما فعلته .
نظرت بعدها نحو سيف وتعمقت فيه وقالت بنبرة تحمل تصميمًا خفيًا فهمه :
– اذهب أنت يا سيف أنا لن أذهب إلى هناك ، سأظل هنا مع سارة .
أومأ لها مرارًا ثم رمى نظرة عابرة على هذه الجريئة وتحرك بعدها يغادر بصمتٍ ويغلق الباب خلفه أما هي فالتفتت نحو فريدة بعدما باغتتها بنظرة حادة تعبر بها عن شكها فيه ورفعت نقابها تزفر وتتساءل بترقب :
– فريدة أنت تكذبين ، أخبريني ماذا فعل لكِ ، أقسم سأساعدكِ .
تنهدت فريدة تطالعها بتمعن ثم شردت لثوانٍ فيها هل تخبرها حقًا ، هل تقص لها ما حدث ؟، ولكن لا لن تخبرها بالاتفاق القائم بينهما لذا تحدثت بمراوغة وهي تجلس وتشرح بيديها :
– كنت أريد العودة للعمل ولكنه يرفض ، مهما حاولت إقناعه يخبرني بغيرته وحبه لذا فلم أشعر بنفسي إلا وأنا أرطم القدح أرضًا .
صدقتها سارة لذا اتجهت تجاورها وتربت على كفها بحنانٍ لم يزد فريدة إلا شعورًا بالذنب نحوها ولكنها لا تعلم لما باتت تبتعد عنها عمدًا ، زفرت وقالت بتروٍ :
– حسنًا إن كان الأمر كذلك فيمكن أن يكون محقًا ، أنتِ الآن زوجة مالك الشركة فكيف تريدين العودة للعمل كموظفة ، أما عن غيرته فأرى أن لا داعي لها .
احتدت ملامح فريدة وبصقت الكلمات دون وعي :
– لمَ لا داعي لها ؟ ألا استحق حبه وغيرته ؟
فرغ فاهُ سارة وتحدثت معبرة عن مقصدها :
– لا بالطبع لم أقصد ذلك ، فقط لأنكِ لن تفعلي أمورًا تثير غيرته وأراه بالأساس يطلب منكِ حضور الحفلات والعزومات وأنتِ في كامل أناقتكِ لذا أرى أنه يبالغ .
بالرغم من يقينها أنها محقة إلا أن هذا مالا تريده لذا زفرت وتحدثت بنبرة تحمل غموضًا وتناقضًا وملامحها متجهمة :
– نعم هو كذلك ، حتى أنه طلب مني أن أتخلى عن حجابي حبًا في خصلاتي ولكنني بالطبع رفضت .
قطبت جبينها وحدقت بها باستفهام وتعجب ثم تساءلت بمَ ورد على عقلها :
– كيف يطلب طلبًا كهذا ؟ ، وتقولين أنه يغار ! ، كيف يغار عليكِ ويطلب منكِ التخلي عن حجابكِ ! ، كيف يفكر هذا المعتوه ؟
ابتسمت فريدة أخيرًا وهزت كتفيها تردف بجهلٍ خبيث :
– حقًا لا أعلم ، شخصيته بها تناقضات غريبة ومخيفة .
– ولماذا تزوجتيه إذا يا فريدة ؟ ، وكيف حدث ذلك فجأةً ؟ ، إلى الآن لا أعلم وحقًا أتساءل .
أطرقت فريدة رأسها ولم تجبها لتقترب سارة منها وتتمسك بكفيها متابعة بحنان :
– فريدة أخبريني ما بكِ ، تبتعدين عني منذ وفاة بابا وبدون أي مقدمات تخبريني أنكِ ستتزوجين من مديركِ في العمل ولم يمر أسبوعًا إلا وأجدكما بالفعل زوجان ومن ثم بدأتي في الابتعاد عني ولم تعودي تأتي إلا نادرًا ، أخبريني ما بكِ ليطمئن قلبي .
هي بالأساس لا تعلم ما بها ، كل ما يسيطر عليها استنتاجات خاطئة من عقلها الباطن وما زالت تعيش بها لذا فهي تعاني من انعدام الثقة والشك المفرط .
مسكينة هذا الفريدة ، حقًا مسكينة فمن ذا الذي يجد يدًا ناعمة وسندًا حقيقيًا وصديقة تتجسد في أختٍ ولا يسرقها لنفسه ، تستطيع أن تثق تمامًا في سارة والأخرى تستطيع مساعدها ولكنها تأبى .
زفرت فريدة وقد ضاق صدرها لذا تحدثت بمراوغة وهي تقف لتنهي هذا الحديث :
– لا يوجد أي شيء يا سارة ، تقولين عني درامية وأراكِ أنتِ المملة حقًا ، أنا بخيرٍ تمامًا ، وما جمعني مع سيف هو الحب ، الحب فقط .
تنهدت سارة وأومأت لها بينما تابعت فريدة وهي تحثها على الوقوف وتتمسك بكفها تسحبها خلفها نحو المطبخ قائلة :
– دعك من الحديث وتعالي نعد بعض الأكلات ، اشتقت لطعامكِ يا سارة .
ضحكت سارة وتحركت معها قائلة وهي تلقي نظرة على الزجاج :
– حسنًا ولكن أولًا دعيني أجمع قطع هذا القدح المسكين يبدو قدحًا فرنسيًا أصليًا ، انظري كيف تهشم كالسكر .
ابتسمت فريدة عليها ووقفت عند حافة المطبخ تردف وهي تنظر نحو الزجاج :
– نعم أنه كذلك .
هزت سارة رأسها على شقيقتها بقلة حيلة وتحدثت معنفة بهدوء :
– أنتِ مفترية كعادتك ، أنسيتِ الأكواب خاصتي التي كنتِ تكسرينها لي .
– ألم تنسِ أبدًا ؟
تساءلت بها فريدة وهي تتكتف لتباغتها سارة بنظرة عدائية ظاهريًا وتردف باستنكار ملوحةً بيدها :
– نعم ؟ أنسى ؟ ، أنا أتعامل مع أغراضي كأنهم أولادي ، هل تنسى الأم ضناها يا صاحبة القلب المتحجر ؟
عاد حمل فريدة يحتل رأسها مع جملة شقيقتها ولكنها زفرت بقوة وتحدثت بهدوء ومراوغة :
– حسنًا هيا تعالي لنحضر الطعام وسأشتري لكِ بديل ما كسرته والخادمة ستأتي الآن وتنظف الأرض .
شوحت سارة بيدها قائلة بملامح حانقةٍ :
– لا يا قلب أختك أنا لا أقبل العوض ، ثم أنني أشتريت غيرهم لا بأس ، هيا هيا لنبدأ .
❈-❈-❈
بعد يومين
لم يعد للمنزل وتجاهل اتصالاتها وتركها هكذا تعاني من كثرة الأفكار والتساؤلات .
حتى أنها لا تستطيع اللجوء لأحدٍ أو مشاركته ما بها .
كل ما فعلته كي تتخطى هذه الحالة هو التنزه بسيارتها في عدة أماكن علّ الهواء الطلق يريحها ولكنها لم تذق طعم الراحة إلا حينما يعود ويتحدث معها .
حسنًا إن خيرها بالانفصال أو الإجهاض فستختار مجبرةً الإجهاض .
هي لن تستطيع الانفصال عنه ، هي أحبته ، نعم أحبته وباتت لا تريد سوى قربه وليته يحبها كما تحبه .
تعلم جيدًا أنه لا يحبها وترى ذلك في عينيه ، كل ما يفعله هو معاملة هادئة وطلباتٍ مجابة ولمساتٍ حنونة ولكنه يظل غامضًا لم يفتح قلبه لها .
أما هي فأحبته ، هو مثلها ، فقد عائلته منذ زمن ولولا ثراءهم لكان الآن متشردًا ضعيفًا ولكنه صارع من أجل البقاء والسلطة والقوة .
نعم على الصعيد المهني فهو ناجحًا بمهارة لذا فهو كان دومًا فتى أحلامها والآن بات زوجها و… حبيبها فلمَ لا يصبح والد طفلها إذًا .
تحسست رحمها بشرود وتنهدت ثم أجفلت حينما استمعت إلى صوت سيارته لذا أسرعت تنهض وتتجه نحو المرآة تطالع هيئتها وتقيمها برضا ثم التقطت زجاجة العطر ونثرت حولها الكثير منها ثم وضعتها وسحبت نفسًا قويًا ثم تحركت نحو الأسفل لتستقبله .
ما إن دلف من الباب حتى أسرعت تركض نحوه وتعانقه فزفر ثم بادلها العناق بهدوء وربت على ظهرها يقول بنبرة رخيمة :
– كيف حالكِ .
هزت رأسها وملأت الدموع مقلتيها وهي تجيبه بنبرة مختنقة :
– لست بخير يا سيف ، لست بخير أبدًا ، تركتني هنا منذ يومين ولم ُتجِب على اتصالاتي حتى ، لم تفعل بي هذا ؟ .
زفر بحرارة ثم ابتعد عنها قليلًا ينظر لوجهها بدقة وما إن لاحظ ذبولها ودموعها حتى رفع إبهاميه يجففهم ثم تحدث بنبرة لينة :
– حسنًا كان يجب أن أفكر جيدًا مع نفسي .
ترقبت عينيه بدقة ثم تساءلت بأملٍ ينتعش داخلها :
– حسنًا وإيلام وصلت ؟
تحدث بعد تنهيدة قوية وهو يهز رأسه :
– لا أستطيع يا فريدة ، حاولت أن أفعلها من أجلكِ ولكن حقًا لا أستطيع أن أعطي هذا الطفل اسمي .
انهارت كل آمالها التي لم تشيّد بعد وظلت تحدق به فأسرع يحاوط ذراعيها ويتابع بثقب :
– لا تجعلي هذا الأمر يطول ، دعينا ننهيه قبل أن يكبر ، حجزت لكِ موعدً عند طبيب موثوق ، سأذهب إلى الشركة الآن وليلًا سأصطحبكِ إليه .
ابتعدت خطوة للخلف وتحررت من بين يديه ثم تصنمت لثوانٍ قبل أن تقول بجمودٍ أصابها :
– حسنًا ، سأفعل ما تريده .
التفتت بعدها وأطلقت العنان لقدميها لتأخذاها ركضًا للأعلى تحت أنظاره الثاقبة وهو يفكر أن هذا هو القرار الصائب .
❈-❈-❈
تجلس على سريرها بعد عملٍ شاقٍ تتمسك بهاتفها وتتابع التعليقات وترد عليهما بلطافة وأما عن التعليقات السلبية فتحذفها وتحظر صاحبها .
برغم الضيق الذي ينتابها من قراءة مثل هذه الانتقادات اللاذعة إلا أنها باتت تعلم كيف تتجاوز الأمر .
خاصة وهي ترى نفسها تخطو في الطريق الصحيح وكل من ينتقد لا يرى سوى عيوبًا في عقله فقط ويفسر برأسه المربع فقط .
مادامت ترضي ربها وتلتزم بأخلاقها فلن تبالي بأحدٍ .
لاحظت تعليقًا مميزًا عن غيره وكان من ( علي ) الذي دوّن
( رائعة دومًا ومميزة ، أراكِ ملكة بأخلاقكِ والتزامكِ ، لا تهتمي بالحديث السام للبعض ودعي الكلاب تعوي والقافلة تسير ) .
ابتسمت على هذا العلي وتعليقه وباتت في حيرة من الرد عليه خاصةً وأنها مراقبة وهناك من ينتظر لها أي خطأ لذا وضعت فقط قلبًا على كلماته وأكملت قراءة التعليقات على الفيديو الذي توضح فيه طريقة عمل مجموعة مميزة من صوصات الشوكولاتة الخاصة بها .
رن هاتفها برقم فريدة فتعجبت تعقد ما بين حاجبيها ثم اعتدلت في جلستها وأجابت بترقب :
– فريدة ؟ ، كيف حالكِ ؟
استمعت إلى صوتها الباكي وتحدثت باحتياج :
– سارة ، أ أ أنا حامل ، هل يمكنكِ أن تأتي ؟
تملك الذهول جسد سارة وتحدثت بنبرة فرحة :
– حامل ؟ ، أنتِ حامل يا فريدة ؟ حسنًا حسنًا سآتي في الحال .
– ولكن لا تخبري أمي بشيء .
قالتها فريدة بتحشرج فتعجبت سارة ولكنها أومأت تردف :
– حسنًا حبيبتي ، هيا أغلقي ومسافة الطريق سأكون عندكِ .
أغلقت وأسرعت للخارج لتخبر والدتها برغبتها في الذهاب إلى فريدة دون الإفصاح عن الحمل .
أما فريدة فبعد أن أغلقت وألقت الهاتف على الفراش بإهمال بينما وجهها غارقًا في الدموع حيث ظلت تفكر وتفكر ووجدت أنها لا تستطيع التخلي عنه مهما حدث لذا فقررت بعد صراعٍ مع نفسها أن تلجأ إلى سارة لتساعدها علها ترشدها ماذا تفعل وكيف تقنع زوجها فبرغم عدم تقبلها لدخول سارة في تفاصيل حياتها مع سيف إلا أن طفلها يستحق أن تخترق القواعد .
❈-❈-❈
بعد وقتٍ ترجلت سارة من سيارتها واتجهت إلى الفيلا تطرق بابها لتفتح لها فريدة وبدون مقدمات ألقت نفسها في عناق سارة فلم تعد تحتمل .
كلها عدة ساعات فقط وسيأتي ليصطحبها إلى الطبيب كما قال .
عانقتها سارة بسعادة تحولت إلى صدمة حينما وجدتها تجهش في البكاء لذا حاولت تهدئتها وقالت بتروٍ وهي تربت على ظهرها :
– ما بكِ يا فريدة ؟ ، لم تبكين ؟
ابتعدت عنها فريدة تطالعها بملامح باهتة ثم سحبتها معها للداخل وأغلقت الباب واتجهتا تجلسان على الأريكة لتبدأ فريدة في إخبارها بحقيقة الأمر قبل أن تتراجع عن قرارها قائلة :
– سارة أرجوكِ افعلي شيئًا ولا تسأليني عن أسبابٍ أو تلقي علي باللوم ، فقط جدي لي حلًا .
قطبت سارة جبينها بعدم فهم فتابعت فريدة بتحشرج واندفاع :
– سيف يريدني أن أجهض الجنين وأنا لا أريد ذلك .
ذهولًا أصابها حيث تدلى فكها تطالعها بتعجب وتحدثت جاحظة :
– ماذا ؟ ، هل جُن هذا الرجل أم ماذا ؟
زفرت فريدة وأسرعت توضح بجزءٍ من الحقيقة والكثير من الكذب :
– حسنًا نحن اتفقنا على ألا أحمل في الوقت الراهن وأن نأخذ هذا القرار سويًا ولكنني خالفت الاتفاق ، أعلم أنني أخطأت ولكن لا أريد أن أجهض طفلي ، إفعلي شيئًا يا سارة أرجوكِ .
أي خللٍ هذا الذي تتفوه به شقيقتها ، كانت تعلم أن هناك أمرًا مريبًا في هذا الزواج وها هي ترى النتائج أمامها ولكنها قررت ألا تسأل كما طلبت فريدة لذا قالت بتروٍ :
– حسنًا اهدئي تمامًا وسنجد حلًا ولن يحدث سوى ما تريدينه .
أومأت فريدة تتمسك بكفيها وكأنها غريقًا يتعلق بقشة نجاته ثم قالت بنبرة مترجية :
– ولكن إياكِ يا سارة أن تطلبي مني الابتعاد عن سيف .
لم تكن ستفعل ولكن طلب فريدة أثار تعجبها لذا تساءلت :
– ماذا ؟ ، تبتعدين عنه وأنتِ تحملين طفله ؟ ، من المؤكد لن أفعل يا فريدة ولكن دعينا نجد حلًا .
عادت تنظر أمامها وتتابع تفكر بصوتٍ عالٍ :
– حسنًا هو لا يريد أطفالًا الآن وهذا كان اتفاقًا بينكما وأنتِ خالفتيه وهو طلب أن تجهضي طفلكِ .
لم تحتمل لذا عادت تنظر إلى شقيقتها وتحدثت بحدة وتوبيخ :
– هذا مختل عقليًا ، كيف يفكر هل يظنه عقد عمل ؟ ، هناك طفلًا ينمو داخلكِ منه وعليه أن يتحمل مسؤوليته .
هبت واقفة بعد أن فارت الدماء في جسدها وتحدثت وهي تنظر إلى فريدة :
– اجلسي هنا ولا تتحركي إلى أي مكان يا فريدة.، لن يستطيع إجباركِ على شيء وإن فعل سنلجأ للقانون ، هل يظن أنكِ وحيدة ؟
تحركت فأوقفتها فريدة تردف متسائلة بشكٍ :
– توقفي يا سارة إلى أين ستذهبين ؟
التفتت لها وتحدثت بثبات وغضب وهي تخفض نقابها :
– سأبحث عن كبيرٍ لذلك المختل ، يجب أن يقف عند حده .
تحركت تغادر وارتدت فريدة على المقعد تفكر بقلق ، تخشى عواقب فعلتها ولكنها لا تستطيع التخلي عن حملها ، ليس بعد شعورها بشيءٍ ينمو داخلها .
أما سارة فقد استقلت سيارتها وانطلقت مغادرة إلى شركته لترى لم يفعل هذا بشقيقتها ولتوضح له أن هذا زواجًا قائمًا على المودة والرحمة فإما أن تحصل على حقها في الأمومة أو يطلق سراحها .
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية في رحالها قلبي)