رواية في رحالها قلبي الفصل الأول 1 بقلم آية العربي
رواية في رحالها قلبي الجزء الأول
رواية في رحالها قلبي البارت الأول
رواية في رحالها قلبي الحلقة الأولى
إذا أعطتك الحياة ما تتمناه بسهولة فاحذر من القادم لإنك إما أن تفقده سريعًا أو يغتالك باسم الحب .
الحياة لا تعطي شيئًا بسهولة حتى أنك تظنها ظالمة ولكن الظالم هنا هو أنت .
فالحياة تمنحك المعرفة ، تعطيك دروسًا وتجاربًا وقواعدًا ، تعطيك خبراتٍ ثمنها الألم ، تغذيك بمعرفة الصالح من الفاسد والصاحب من الحاقد .
تنزع منك السلاح وسط ميدان الحرب وتعطيك العزيمة لتواجه وتظن أنها ظالمة وتظن أن عدوك يمتلك عليك سلطانًا وتنسى أنك جئت الحياة لتصارع نفسك أولًا ثم الشيطان .
❈-❈-❈
تجلس منذ بضع دقائق تقبض على هذا الاختبار وتطالعه بشرود .
منذ أن ظهر علامتين باللون الأحمر وعلمت بحملها وهي تخفي سعادتها وراء جدران الخوف والقلق .
عيناها مثبتة على ما في يدها وتفكر ؛ كيف ستخبره وكيف سيستقبل هذا الخبر وهما المتفقان منذ توقيع العقود على ألا تحمل أبدًا ولكنها نقضت الاتفاق بفعلتها المتعمدة .
نعم اختارته لثراءه وتنازلت عن حقها في الأمومة ولكنها بعد عامٍ من زواجها حن قلبها لطفلٍ صغيرٍ فهل ارتكبت جريمة ؟
تسلحت بالقوة والعزيمة وسحبت شهيقًا قويًا تهيء به نفسها لاستقباله ومن ثم إخباره وليحدث ما يحدث ، يجب أن يعلم بحملها ،،، لتعود مرتطمة إلى أرض الواقع وتتذكر تحذيراته ونظراته .
نعم إنها تخشاه برغم عدم رؤيتها لوجهه الآخر الذي سمعت عنه ولكن يكفيها وجهه الظاهر أمامها .
زفرت كأنها ناجية من الغرق وعاد القلق ينهش فؤادها والضيق يعتليها وتفكر…كيف ستخبره ؟
❈-❈-❈
قُل لصاحبة العيون السوداء أنها سيدتهن ، فبرغم معايير الجمال كلها تبقى هي الملكة بينهن .
عيناها سوداء كليلٍ حالك ، تتدلل فوق حصانها البني الناعم .
لا أرى منها ظِفرٌ ولا خصلة ولا أعلم ملامحها وبرغم ذلك أنا في هواها متغزل
ترجلت من سيارتها التي اشترتها مؤخرًا من عملها الخاص .
حيث أصبح لديها علامة تجارية خاصة بها في صناعة الشوكولاتة المميزة التي تبدع فيها والتي استطاعت تسويقها بشكلٍ جيد عبر الإنترنت .
كانت محظوظة بهذا العمل فهي منذ سنوات تسعى بجدٍ وتعبٍ إلى أن استطاعت تحقيق حلمًا من أحلامها .
دلفت الإسطبل تتطلع من خلف نقابها على الخيول فهي عاشقة لها لذا زفرت بحماس وتحدثت بنبرة مميزة وبحة هادئة تشع حيوية :
– السلام عليكم ، كيف حالك يا أستاذ «علي» .
نهض «علي» مسرعًا حينما رآها فهو واقعٌ في هواها وحينما تأتي يكون هذا أثمن أوقاته وأسعدها .
تطلع عليها من خلف نقابها وتحدث بنبرة هائمة وعيناه ترسل قلوبًا :
– أهلًا وسهلًا يا آنسة سارة ، كيف حالكِ أنتِ .
أومأت وعيناها تنظر نحو فرستها البنية وابتسمت تقول بحماسٍ بدا في صوتها :
– أنا بخير ، هل يمكن أن تخبرهم بتجهيز رشيدة كي آخذها في جولة ؟
أومأ لها بطاعة وتحدث وهو يتحرك بنفسه وينزع أحد السروج المعلقة ويتقدم من الفرسة قائلًا بسعادة تغمره حينما تأتي معبرًا عن اهتمامه :
– حالًا سأجهزها لكِ أنا ، تفضلي هنا إلى أن انتهي .
جلست على أحد المقاعد تطالعه وهو يعد لها الفرسة بينما من حولهما بناتٍ تتدربن على ركوب الخيل بحذر ، أما هي فابتسمت وتذكرت بدايتها ولكنها الآن باتت محترفة تستطيع التعامل مع فرستها بكل سهولة بل أصبح بينهما صداقة قوية لا تنكسر أبدًا .
وها هو حلمها الثاني يلوح في أفق رأسها وهو شراء هذه الفرسة ولكن لتنتهي أولًا من سداد أقساط سيارتها ثم ستدخر الأموال وتشتريها .
وعت من شرودها على صوت « علي» وهو يبتسم ويطالعها بعينين ثاقبتين قائلًا :
– رشيدة جاهزة يا آنسة سارة تفضلي .
أومأت له وشكرته ونهضت تخطو نحو الفرس تحت أنظاره ثم تمسكت باللجام جيدًا ووضعت قدمها على الدواسة ثم بسهولة ورشاقة صعدت على ظهرها تدلك رقبتها بروية وانحنت تقبلها من أسفل النقاب لتعتدل بعدها وتقوم بفرد لباسها الواسع من حولها فيغطيها ويغطي جزءًا من ظهر الحصان معها وتبدأ في التحرك تحت أنظار علي المتعجب من أمرها خاصةً وإنها تواجه العادات الخاصة بالمجتمع .
فهي متنقبة وتحب ركوب الخيل وتفعلها بدون أن يظهر لها إصبع متجاهلةً كل الانتقادات السلبية التي تقيدها بل تركض وتنطلق بحرية بات معجبًا بها بعدما كان يفكر كغيره .
أما هي فانطلقت في رحلتها مع فرستها التي تحمست وأسرعت خطاها حتى باتت تركض بسرعة عالية وعلى ظهرها سارة تضحك بسعادة وقد فردت ذراعيها في الهواء تعانقه بعدما أعطت ثقتها في رشيدتها الغالية .
❈-❈-❈
ليلًا
توقفت سيارته السوداء أمام باب فيلته .
ترجل منها بخطواتٍ واثقة ثم أغلق الباب وخطا يفتح الباب الخلفي ثم انتشل عددًا من الأكياس وعلبة كرتونية منمقة واعتدل يغلق الباب ثم التفت متجهًا نحو فيلته .
يتحرك بثبات وثقل ، رجلًا متزنًا لا يشوبه شائبة ، ملامحه رجولية جذابة وذقنه منحوتة بشموخ ليرفع رأسه ويخطو بجدية متناهية ولكن لم تخلُ عيناه من نظرة غامضة لا يستطيع تفسيرها أي شخصٍ عابر .
دلف يتجه للأعلى ومنه إلى جناحه ليفتحه ويتقدم من الفراش حيث كانت ممدة عليه تنام لذا زفر ووضع ما أحضره على طاولة جانبية ثم تقدم منها وانحنى يطبع قبلة هادئة على جبينها ثم تحدث بنبرة خافتة :
– فريدة ، هيا استيقظي .
تململت في نومها ثم فتحت عينيها تطالعه لثوانٍ ليعود ويهجم عليها خوفها مما تخفيه عنه لذا تشبحت ملامحها بالقلق وخاصةً عينيها حيث كان يحدق بهما كأنه كشف أمرها .
اعتدل يطالعها بتعجب وتساءل بنبرة هادئة جادة وعيناه تحاول تفسير ما بها :
– حدث شيئًا أم ماذا ؟
تحمحمت واتكأت بيديها تعتدل حتى جلست تجمع خصلاتها المبعثرة في كعكة فوضية بدبوس الشعر ثم تحدثت بتوتر وهي تبعد عيناها عنه وتحاول الترجل :
– لا حبيبي لا شيء ، فقط تعجبت لأنك دومًا تهاتفني أولًا .
تعجب من حالتها وأيقن أنها تخفي شيئًا ما عنه ولكنه تجاهل التحقيق في الأمر وزفر يتحدث وهو يعود ليجلس على المقعد من خلفه :
– حسنًا ، هيا استعدي لأننا سنذهب .
التفتت بعدما توقفت عن سيرها نحو الحمام تطالعه بعيون متسائلة فتابع وهو يضع ساقًا فوق الأخرى ويشير برأسه نحو مشترياته :
– هنا يوجد ثوبًا أنيقًا أريدك أن ترتديه وستجدين لوازمه معه ، هناك موعد عشاء مع بعض الشركاء وكلٍ منهم سيأتي وزوجته معه .
زفرت بقوة لثوانٍ ، فقد تخيلت نفسها ترفض عرضه وتخبره بحملها ولكنها حقًا لا تمتلك القوة لأخذ هذا القرار لذا أومأت تقول نبرة واهنة :
– حسنًا .
قالتها وتحركت نحو الحمام وتركته يجلس يطالع أثرها بشرود ، كلما غاب عنها عدة أيام في سفره يعود ويجدها على حالة جديدة ولكن حالتها الآن وعدم فرحتها بعودته يؤكدان له أن هناك شيئًا تخفيه ولن يكون سيف الدويري إن لم يعرفه ولكن لينتهي هذا العشاء أولًا .
❈-❈-❈
كانت تقف في مطبخها الذي خصصته لعملها تعد قوالب الشوكولاتة بعدة أطعمة مختلفة .
تردد أذكارًا طوال عملها الذي تعمله بحبٍ واستمتاع .
أمامها مسند معدني تعلق به هاتفها وتسجل هذه اللحظات في تسجيل مرئي كي تعدها بعد ذلك وتقوم بتحميلها على صفحاتها عبر مواقع التواصل .
تحمد الله دومًا على ما وصلت إليه في هذا المجال ، فهي تحب الطهي وخاصة صناعة الحلوى وتعشق إضافة لمسات خاصة بها وحدها .
أصبحت معروفة في هذا المجال وكثُر محبينها خاصة وأنها تلتزم بالاحتشام وتشغيل آيات القرآن مع مقاطعها .
وبالرغم من وجود تعليقات سلبية محبطة عن كونها فتاة منقبة ولا يجب أن يصدح صوتها أو لا يجوز لها ركوب الخيل وغيرها من الأحكام المتعصبة حيث تشارك أيضًا بعض فيديوهاتها أثناء ركوب الخيل إلا أنها استطاعت تجاهل هذا الأمر بعد تدريبات نفسية تستعملها لكي تقوي وتعزز من ثقتها بنفسها وبدينها .
وتساعدها في ذلك والدتها الغالية التي هي أكبر داعمٍ لها .
فبعدما توفى والدها منذ عامين وقد دلفت في نوبة اكتئاب مفتقدة إياه كثيرًا ، لقد كان حنونًا عليها بالقدر الذي لم ترَ مثله أبدًا .
ولكن والدتها ساعدتها على تخطى حالتها برغم حزنهما الواضح إلا أنهما كانتا عونًا لبعضهما ومعهما بالطبع …. فريدة !
انتهت من صنع الشوكولاتة ومدت يدها توقف التسجيل لذا زفرت بقوة وأسرعت تنزع نقابها وملابسها وتضع يديها على جانبيها تتكئ يمينًا ويسارًا ثم تعود للخلف بظهرها كي تساعد جسدها على الاسترخاء بعدما تيبست عضلاتها من كثرة المجهود .
وهنا ظهرت ملامحها الجميلة ، فاتنة بملامح شرقية وعينان سوداء كالليل ووجهٍ مستدير ببشرة خمرية ناعمة وملامح تتناسق مع وجهها بفتنة جعلتها مليحة بحق بينما جسدها كان يشع أنوثة تخفيه بملابسها الفضفاضة .
جاءت والدتها تربت على ظهرها بحنان وتحدثت وهي تتطلع إلى الفوضى التي تعم المكان من خلف الكاميرا :
– هيا يا حبيبتي اذهبي للراحة ودعيني أنهي الأعمال المتبقية .
هزت رأسها رفضًا وقالت وهي تبدأ في جمع الأغراض المتسخة :
– لا يا أمي اذهبي أنتِ وتمددي على سريركِ وسأنتهي سريعًا وآتي إليكِ .
لم تطعها بل تحدثت بتصميم وهي تتجه نحو غسالة الأطباق وتفتحها وتبدأ في رص الأواني بها :
– وأنا التي ستقول حاضر ؟ ، هيا يا بنت اسمعي كلمتي ولا تتعبي قلبي وإلا قمت بضربكِ بهذه المكنسة .
قالتها بعدما اعتدلت تشير إلى المكنسة الخشبية لتبتسم سارة وهي تناولها باقي الأغراض قائلة بمرحٍ :
– تفعلينها يا حاجة سعاد مثلما ركضتي خلفي أمس بالمنفضة ، لا أعلم ما المميز في أدوات التنظيف لتعتبريها أدوات تعذيب لي ، أين أدوات الزمن الجميل كالخف وخرطوم المياه .
تنهدت تتابع بملامح تمثيلية كأنها تتحسر على ماضٍ بعيد :
– إيييييه ، ليت الشباب يعود يومًا .
انتشلت سعاد قطعة قماش من فوق الرخامة وكورتها تلقيها عليها وتردف ضاحكة بتوبيخ مرح :
– أي شباب يا ابنة بطني أنتِ لم تتجاوزي الخامسة والعشرين بعد .
ضحكت سارة وهي تميل حتى لا تصيبها القطعة ثم اعتدلت ترقص حاجبيها لوالدتها وتردف باستفزاز ظاهري يشوبه المرح والاستمتاع :
– نعم أنا عجوز وظهري عمره ستون عامًا بينما ساقاي تجاوزا السبعون وعن عضلات رقبتي فهي الآن في سن اليأس ولكن قلبي ما زال شبابًا يا أمي لا تقلقي .
برغم المرح في صوتها إلا أن والدتها نظرت لها بغيظ حقيقي وتحدثت موبخة بخوفٍ :
– حقًا ، حسنًا كيف أنا إذا يا عجوز ؟ ، لا تجعليني أقسم ألا تعودي للطهي مرةً أخرى .
قهقهت سارة حينما وجدت نبرة والدتها تأخذ منحنى جدي لذا أسرعت تتجه إليها وتعانقها عنوةً قائلة بحبٍ ومشاكسة :
– كل ما يهمكِ هو سنكِ يا سعادة ولكن اطمأني من يراكِ يظنكِ ابنتي ، حسنًا حسنًا أنا فقط أمزح معكِ ، تعلمين أن الطهي وصنع الحلويات هو العمل الذي لا يمكنني الاستغناء عنه .
ربتت سعاد على ظهرها وباتت تبادلها العناق ثم ابتعدت تنظر لها بروية وتقول بقلب أمٍ منفطر :
– أعلم يا قلب أمكِ ولكن أراكِ تجهدين نفسكِ ، منذ أن أنهيتِ جامعتكِ وأنتِ لا ترتاحين ، وأنا أم وأريد أن يطمئن قلبي عليكِ .
إلى هنا وأيقنت أن الحديث يأخذ منحنى عاطفي تميل له معظم الأمهات وأكدت لها والدتها هذا حينما تابعت بترقب :
– ألن تفتحي قلبكِ للحب أبدًا يا سارة ؟ .
نظرت سارة لوالدتها بعينين تترجياها ألا تبدأ في نفس الحديث ثم تحدثت بتروٍ :
– أمي حبيبتي ، هل أنا وجدت الشخص المناسب ورفضت ؟ ، إنه النصيب يا سعادة فدعيه يأتي وقتما يريد ، أم هل أصبح وجودي معكِ ثقيلًا .
تحولت نظرة سعاد من الحب إلى الغضب وأسرعت تصفعها على كتفها بغيظ مرددة :
– هذا ما تجيدينه ، كلما فتحت معكِ موضوع الزواج والحب ترددين ( هل أصبح وجودي معكِ ثقيلًا ) .
قالتها ساخرة عليها لتضحك سارة وتعود لوالدتها مقبلة وجنتها بحب ثم ابتعدت تزفر قائلة بصدقٍ وروية :
– حسنًا أمي أعدكِ إن جائني شابٌ ابن حلال يكون ملتزمًا ويصلي وطولًا بعرضٍ حينها سأفكر ، وإن كان وسيمًا ستعلو نسبة موافقتي ، وإن كان غنيًا ستكون النسبة مليون في المئة .
وهنا أسرعت سعاد ترفع كفيها وتدعي بمَ قالته سارة مرددة أمامها :
– يارب يا سارة يرزقكِ بزوجٍ حنونٍ ملتزم يحبك وتحبيه ويكن طولًا بعرضٍ ووسيمًا وغنيًا .
– آميـــــــــــــن .
رددتها سارة خلفها وهي ترفع كفيها وتبتسم بمرح وسعادة ثم بدأتا في إنهاء العمل سويًا ولكن تساءلت سعاد بترقب وهي تضع الأغراض في الثلاجة :
– هل فريدة تهاتفكِ يا سارة ؟
توترت سارة ورفعت نظرهت إلى والدتها التي تعلم جيدًا أنها لا تود أن تسمع عن أي خلاف بينها وبين فريدة لذا تنهدت تجيب بمراوغة وهي تخفي عيناها عنها :
– نعم أمي نتحدث ولكن منذ يومين لم تهاتفني ، ربمَا انشغلت بعودة زوجها .
تعلم سعاد أنها تراوغ لذا عادت تواجهها وتردف بنبرة مترجية :
– سارة حبيبتي ، أراكِ تبتعدين عن شقيقتكِ ، تعلمين أن فريدة عصبية وربمَا تنطق بمَ لا تقصده ولكنها تحبكِ كثيرًا ، لا تقطعي علاقتكِ بها يا سارة هي ليس لها سوانا في هذه الدنيا .
تنفست سارة بقوة وتحدثت موضحة بهدوء :
– يا أمي ألا ترين أن فريدة منذ زواجها بذلك الرجل وهي تبتعد عني ؟ ، ألا تلاحظين أن ذلك الرجل غامضًا وحوله هالة مخيفة ؟ ، أنا إلى الآن لا أعلم كيف تزوجت به ؟ ، بين ليلة وضحاها وجدتها تخبرني بالزواج منه ؟ ، فريدة يا أمي تلك التي أحببتها كما لو كانت شقيقتي الفعلية وفضلتها على نفسي باتت تعاملني كالغرباء ، كلما تقربت لها ذراعًا ابتعدت هي عني أميالًا .
تعلم أن ابنتها محقة ، تعلم جيدًا أن فريدة برغم كل الحنان الذي غمروه بها إلا أنها ترى نفسها غريبة بينهم .
ولم لا وهي قد أتت لتعيش بينهم بعدما مات والدها ووصى صديقه والد سارة بالاعتناء بها وتربت مع ابنته خاصةً وأنها فقدت والدتها أيضًا بعد صراعٍ مع قلبٍ مريض .
ليأخذها والد سارة ابنة الاثنا عشر عامًا ويربيها مع ابنته كما لو كانت من صلبه حقًا ، لم يميز سارة عنها ظاهريًا وكذلك سعاد لم تشعرها بالدونية يومًا .
وحتى سارة التي كانت تصغرها بعامين ولكنها تعلقت بها بل أحبتها كثيرًا واتخذتها شقيقة وصديقة وكذلك فعلت فريدة ولكنها دومًا كانت تعاني من الاستنتاجات الخاطئة والشك الذي جعلها تبدو حزينة دومًا .
تنهدت سعاد وتحدثت مجددًا بتعقل ليقينها أن سارة تحمل عقلًا واعيًا وقلبًا حنونًا قائلة :
– أعلم يا حبيبتي ، أعلم أنها تبتعد ولهذا أوصيكِ بها ، بالرغم من أنكِ تصغيرنها سنًا إلا أنكِ الأكثر وعيًا عنها ، هي تحتاجكِ حتى وإن أنكرت ، وبالنسبة لزوجها لا تهتمي بشأنه يكفينا أن يعاملها جيدًا وأن نسمع أنها سعيدة معه .
تعمقت سارة في والدتها وحديثها ثم أومأت مبتسمة وتحدثت بنبرة مطمئنة :
– حسنًا يا سعادة أنتِ تأمرين ، في الغد سأمر عليها وآراها تلك الدرامية المملة ، ولكن إن عاملتني بجفاء أقسم سأنتف خصلاتها الصفراء التي تتباهى بها واحدة تلو الأخرى .
ابتسمت سعاد وانشرح فؤادها وأومأت مؤيدة تردد :
– نعم افعليها إن استطعتِ .
❈-❈-❈
انتهت من تجهيز نفسها ووقفت تطالع هيئتها في المرآة .
جمالها ملفتٌ للأنظار ببشرة بيضاء ووجهٍ نحيف وعينان رمادية ورثتهما عن والدتها .
ملست على حجابها الذي أظهر بعض الخصلات لتشعر بالضيق من نفسها فهي لم تكن تظهر خصلاتها ولكنها هكذا تبدو أكثر جمالًا وهذا ما تريده .
زفرت بقوة ووضعت كفها على قلبها النابض بعنف يحثها على إخباره قبل المغادرة فلم تكن بحالة جيدة وهي تخفي عنه هذا الأمر .
حسنًا ربمَا تبالغ وخوفها يقودها إلى سيناريوهات ليس لها أساسًا ولا صحة .
ربمَا يفرح بهذا الخبر خاصةً وأنه يتيمًا مثلها ومن المؤكد سيشتاق للأطفال .
انتفضت على صوته الذي أخرجها من شرودها وهو يقول متسائلًا بعدما انتهى من ارتداء ثيابه :
– فريدة ؟
التفتت تطالعه بعيون مذعورة ليتعجب وتتجلى على ملامحه عدة تساؤلات نسبةً لحالتها منذ أن عاد وتحدث وهو يتقدم منها حتى توقف أمامها وعيناه تتجول على ملامحها :
– ما بكِ .
ظلت تحدق به لثوانٍ فعاد يتساءل بملامح أكثر صرامة وتابع مسترسلًا :
– أحدثكِ يا فريدة ، ماذا بكِ ؟
حاولت سحب نفسًا قويًا كأن الأوكسجين تبخر من حولها ثم التفتت تتحرك نحو الكومود ومالت تفتح درجه الأول وتخرج منه اختبار الحمل بيدٍ مرتعشة ثم عادت إليه ووقفت أمامه تمد يدها له بصمتٍ تام وتتابع عيناه التي تحركت للأسفل ليرى ما بيدها .
ثواني مرت عليها لم تسمع صوتًا في الغرفة سوى أنفاسها المتلاحقة كأنها تفر هاربة .
أما هو فثبت عينه على الجهاز ، يطالعه بسكون تام ثم رفع نظره عنها فحبست أنفاسها خاصةً حينما رأت نظرته .
نظرة حادة دبت الخوف في جسدها لينطق مكملًا عليها بنبرة هامسة متسائلًا :
– ما هذا ؟
– أنا حامل .
وكأن لسانها تولى أمرها وأراد أن يريحها من هذا الخوف لينطق بها دون مقدمات .
استقبل الخبر بصمتٍ كأنه لم يسمعه ثم أطرق رأسه لثوانٍ يفكر ويفكر قبل أن يرفع رأسه مجددًا ويرسم على وجهه ابتسامة ونظرة أخافتاها بل حبستا أنفاسها وقال بقسوة تعمدها :
– سأعتبر أنها غلطة قمتِ بها ولكن لا بأس يمكننا إصلاحها ، سنذهب أنا وأنتِ صباحًا لنتخلص من هذا الحمل .
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية في رحالها قلبي)