روايات

رواية فرط الحب الفصل السابع عشر 17 بقلم دينا ابراهيم

رواية فرط الحب الفصل السابع عشر 17 بقلم دينا ابراهيم

رواية فرط الحب الجزء السابع عشر

رواية فرط الحب البارت السابع عشر

فرط الحب
فرط الحب

رواية فرط الحب الحلقة السابعة عشر

دخل ريان إلى المنزل بأكتاف معبأة بالكثير من الإرهاق النفسي وذهنه لايزال مشتت في كل الاتجاهات.
الحياة تضغطه بشكل كامل فمن طرف هناك أخويه المفتقدان للكثير من الحب والرعاية في حياتهما.
ومن طرف أخر هناك ريم وعلاقتها بأحمد المخالفة لكل ما يؤمن به كرجل يعشق زوجته ويغار عليها.
جز على أسنانه يحاول تنظيم أنفاسه ما ان تذكر زيارة أحمد خلسة في الصباح على أمل ترتيب أفكاره كي لا يخرج خاسرًا من معركة يجهلها فتلك العلاقة صارت كشباك العنكبوت تبتلع ضحاياها لتلتهمها بعد أن تتلاعب بحبال اعصابها وثباتها الانفعالي.
جديًا هو غير قادر على تحليل أوفهم المغزى التي تريد زوجته ايصاله اليه بسماحها لرجل مهما كان بالحضور إلى منزلهما خاصة رجل يرغب في الزواج منها فمن يدري ربما ذلك الأحمد يخدعها من البداية ويرغب في كسب ثقتها تحت مسمى العجز والمرض.
والاقبح هو التساؤل حول عدد زياراته السابقة خلال سفره فبالتأكيد حين حضر أحمد لزيارتها اليوم لم يكن يدري بوجود ريان، لقد كانت تلك الزيارة عفوية بل أبشع تلقائية.
يشعر بالنقمة على الظروف التي منعته من الضغط على “ليان”، رغم انه كان قادر على إخراج منها الكثير والكثير مما تخفيه دون سبب واضح له ولكنها في الأغلب تحاول تصحيح أخطاءها بالتستر على خطأ ريم وربما هذا الغموض أو الإخفاء عنه هو الذي يأكله.
انتبه لجسد ريم المستلقية في صمت فوق الاريكة بالردهة دون أن تلتفت لحضوره طالعها بتفحص وكأنها في عالم أخر لا تشعر بأحد من حولها ترى من يجسد ذلك العالم الخاص معها هو أم أحمد؟!
أغمض جفونه يرفض الانسياق خلف منحنى أفكاره ثم ألقى بنظره فوق عمر الغافي في هدوء وسط ألعابه أمام التلفاز ليتجه في صمت نحو غرفته كي يغير ملابسه ومحور أفكاره رافضًا تسليم عقله لتلك الشكوك المحرضة لأنها ستكون المسمار الأخير في نعش زواجهما إذا كرر خطأه السابق بالانسياق ورا أوهامه.
كاد يمزق أزرار قميصه بشده، فأصابعه تعبر عن مشاعره المختنقة في براعة، خلع القميص ودون شعور وجد نفسه يضغط فوق طيات القماش كمجنون يشعر بالبركان داخله يزأر رافضًا الخمود، قذف القميص المسكين اخيرًا بأنفاس لاهثة تكسر الصمت من حوله ثم اندفع للخارج دون هدف واضح أمام عينيه مغلقًا الباب خلفه.
عاد جسد ريم للحياة على صوت الباب فاعتدلت تطالعه متعجبة متى عاد بالتأكيد، فكر ساخرًا وهو يتابع حركت شفتيها:
-لقيت بيجاد؟
-أيوة.
-كله تمام يعني؟
ابتسم في غموض ساخر ورأسه يميل لليسار قليلًا رافعًا حاجبه في تساءل:
-انتي شايفه ان كله تمام؟
رفضت ريم الإجابة عن السؤال المبطن بالكثير والتي يتكهن به حدسها فسعلت في خفة مغيرة الحديث قائلة بنبرة منهكة:
-بعد اذنك دخل عمر على سريره، انا هاخد شور.
اتجهت ريم للداخل حارصة على تخطيه دون ملامسته وعيناها ترفض ملاقاه عيناه المشتعلة بتفسيرات حارقة مهوسة حول تصرفها.
وقفت ريم أمام الخزانة مستكينة كالصنم غير قادرة على أخذ فعل أو التفكير بشكل جيد، كانت تشعر كمن وُضع داخل حلة المغسلة وكل أحبائها يتسارعون للتفرج عليها تدور وتدور على أمل تنظيف روحها بشكل يتناسب مع وجهة نظرهم هم لا هي .
أغمضت جفونها وهي تستشعر خطوات ريان المتقدمة نحوها فاحتلت كلمات أحمد ونظراته المتخاذلة مكنوناتها لتزداد حقدً وغضب على الذات بعد أن فرك فشلها في قسوة لامتناهية بوجهها.
لقد صدق أتهام أحمد لأنها صارت أنانية لا تفكر سوى بأحلامها الوردية، وتلك الأنانية غرسها ذلك الأنسان الأناني الاكبر القابع خلفها.
شعرت بأنفاس ريان الهادئة على غير العادة قبل ان تشعر بأنامله المتصلبة تمسك بطرف خصله هاربة من كحكتها الملتوية في عشوائية بمنتصف رأسها.
حركت ريم رأسها بعيدًا عنه تشعر بالاشمئزاز للقبول والمتعة التي افرزتها لمسة صغيرة منه نحوها بينما غيرها يتألم ويذوب بلا ذنب في مصائب كانت هي بمثابة حبل النجاة لها.
حرك ريان لسانه فوق شفاه السفلى يبلل جفافها بمرارة رفضها للمسته، لكنه لم يبالي واستمر على نفس المنوال يلامس ذراعها بطرف اصابعه متسائلًا بنبرة تخفي الكثير من الصقيع الداخلي الذي يغمر صدره:
-مالك، مش طايقه لمستي ليه؟
التفتت ريم تناظره بعيون خاوية وقالت بأنف مرفوع في شموخ واهي:
-وانا من أمتى بطيق لمستك؟
خرجت من صدره ضحكة ساخرة بينما يجلدها بتلك النظرة الصارخة ” لقد فقدت القدرة على عد اللحظات التي تذوبين فيها بين ذراعي”.
ابتلعت ريم لعابها في توتر لكنها تمسكت بشجاعتها الزائفة، قائلة بنبرة أرادتها قوية لكنها خرجت مهزوزة غير واثقة:
-أنا مش مبسوطة ومش راضية عن اللي بيحصل بينا.
-عادي ما أنا كمان مش راضي.
حدقته بنظرة جافة تحمل الكثير من اللوم وكأنها تستحضر كل ذكرياتهم السيئة معًا فلمعت عيناه في غضب قاتل لان ما يراه هو روح مسيرة فزوجته بلغت من الضعف بأن تترك لغيرها أن يتحكم بها بكل سذاجة فلم يستطع كبح غضبه أكثر ليردف باتهام من بين أسنانه:
-أنتي انسانه ضعيفة.
صُدمت ريم من كلماته التي ضربتها في مقتل لتبتعد خطوتين عنه تهرب من شعورها كالعصفور السجين بين أقفاص شخصيته القوية الواثقة ثم زمجرت في غضب منصب عليه:
-ضعيفة عشان سمحت لواحد زيك يدخل حياتي من تاني بكل سهولة.
رفع يده في وجهها مؤكدًا بنصف ابتسامه تشع منها الجنون والشك الذي يحاول اخفائهما دون جدوى:
-لا يا ريم انتي ضعيفة عشان ده مش كلامك، ده كلام أحمد مش كلامك!
-لا ده كلامي أنا بس أنت اللي مغرور مش شايف غير نفسك.
صرخت تخفي مشاعرها المتخبطة وكلماته تؤجج اعتقاد داخلها ترفض حتى الاعتراف بوجوده فصرخ في وجهها وهو يحاصرها ويقربها منه ممسكًا بذرعها:
-أحمد ده من هنا ورايح تنسيه وتنسي وجوده من حياتك نهائي،
انتي سمعاني!
طالعته في صدمه واندفعت تعكس عنف حركته تحاول الابتعاد عنه والانفلات من اصابعه المحكمة حول معصمها وهي تخبره دون اهتمام بفلتره الهياج المشتعل داخل صدرها من مشاعر متباينة بين كره ومسامحه:
-أنت انسان أناني وعندك جنون السيطرة على كل حاجة حواليك،
أحمد طول الوقت كان بينبهني قد ايه انت انسان اناني وانا كنت بدافع عنك بكل غباء.
جذبها ريان نحوه في حركة عنيفة دون تفكير بضعف جسدها الهش يحصرها بينه وبين الخزانة بقوة ضاغطًا فوق كتفها هاتفًا بين أسنانه في اتهام مُخزي:
-عايزة تعيشي دور الضحية عشان تبرري علاقتك بأحمد مش كده؟
-مفيش حاجه غلط في علاقتي بأحمد عشان ابررها.
صرخت وهي تهاجمه جسديًا وقد خرجت عن طور تعقلها منفجرة تحاول قطم أصابعه الممسكة بوجهها رافضة شعورها الخانق بانها عروس ماريونيت.
فعكس ريان صخبها بشكل أعنف وهو يكبل ذراعيها في علامة أكس أمام صدرها ضاغطًا على جسدها للخلف وكأن شيطانه يهيأ له الراحة في تحطيمها، ليزمجر بنبرة انتقامية غاضبة:
-علاقتك بأحمد كلها غلط، كلها غلط يا ريم مش حاجه فيها،
انت كلك على بعضك انسانه مجنونه وتصرفاتها غلط في غلط.
-انا مش مصدقه اني كنت بحبك في يوم واني مضطرة أتحمل وجودك في ذكرياتي طول العمر.
همست كلماتها بنبرة مرتعشة وجسد مهزوز كم على وشك السقوط بنوبة هلع من نوع ما وهي تشعر كالسجينة بين أصابعه القاسية.
-انا عمري ما حبقى ذكرى في حياتك.
بصق حروفه في هدوء ينذر بشر انفعالاته أمام وجهها وكل نبضه في صدره تتمزق بفعل الغيرة الحارقة ومشاعرها تلك المبعثرة الرافضة تكوي مشاعره قبل رجولته، هدأت حركتها فقط لتخبره بشفاه جانبية مرفوعة نحوه بتقزز:
-انت واهم نفسك بأيه؟
هاه عايز تثبت أيه باقتحامك لحياتي من تاني ؟
-انا بحارب نفسي ونفسك عشان مخسركيش،
بحارب وبثبت لنفسي ان انتي اللي مصره تدمرينا وتخسرينا.
-اخسرنا؟
ريان انت اناني فعلًا للدرجة انك اندمجت في الأنانية دي ومبقتش قادر تميزها عن شخصك.
خرجت كلماتها كالفحيح وهي تنفض ذراعيها منه وتضربه فوق صدره بكل ما تملكه من قوة وغضب مكبوت صارخة بجنون:
-انا خسرتك وخسرت نفسي، أنا كنت بتمنى الموت عشان محسش بالوجع اللي انت كنت سبب فيه!
ارتعش قلبه لاعترافها هذا بألم موجع عميق لم يتخيله يومًا، ألم أشد قوة من طلقات الرصاص لكنه همس مدافعًا عن بصيص الأمل داخله:
-مهما قولتي من اتهامات فبردو مش هقول غير اني حبيتك وهحبك طول العمر،
اللي بيتكلم ده سموم أحمد اللي انتي بنفسك ادتيه فرصة عشان يغرسها جواكي، فوقي لنفسك قبل فوات الأوان.
انهى جملته وهو يبتعد بجسده عنها للخلف فهمست تنفس بقايا غضب كمن انتزعت روحها:
-انت كذاب أنت عمرك ما حبتني ربع حبي ليك، أنا مكنش لازم أتمنى لنفسي الموت.
ضاقت عيون ريان وهو يتابع انكماش ملامحها الثائرة بعمق جراحها قبل أن تقذف كلماتها كالسهام الحادة المغمسة في السموم لتستقر في جوف صدره بقولها:
-أنا كان لازم أتمنى موتك أنت.
جزت على أسنانه التي تتخبط في بعضها من شده انفعالاتها المضطربة وهي تشير للأرض أسفلها هاتفة في كره:
-حياتي كانت هتبقى أسهل لو اتمنيتلك الموت، لو انت كنت موت أنا كنت هرتاح وهقدر أعيش.
دبدبت بقدميهما كمن تلبسها الجنون تستكمل صراخها بوجه أحمر مفتقد الاكسجين ثم احتضنت رأسها بين أصابعها:
-أنا بتمنى أنك تموت و و …..
تدرجت حده كلماته حتى صمتت تمامًا عندما توقفت عيناها فوق وجهه الصارخ بصدمته وعيناه المتألمة اللامعة بدموع العتاب التي يرفض كبريائه ذرفها رغم هول كلماتها التي ضربته في الصميم وجعلته كطفل صغير طردته والدته من رحمتها للتو.
ألهذه الدرجة وصل كرهها له …لدرجة تتمنى له الموت وترى فيه راحتها…
أخفض انظاره عن عيناها الباكية والتي صار غير قادر على تحمل المشاعر داخلهما.
فوقف كالأبله غير قادر على التحرك من مكانه او إبداء رد فعل ولكن انظاره ارتفعت نحوها مع ارتفاع بكاءها الحاد بشكل هستيري وشعر بصدره يضيق أكثر وأكثر لمعاناته وهي تقترب منه:
-يارب .. يارب ..لا..
قالت وسط بكائها الممزق لنياط القلب بينما تخفي وجهها بمعصميها قائلة بحرقة لا تصدق أنها تفوهت بهذا الجنون:
-أنا أسفة، أنا أسفة، أنا أسفة مستحيل أتمنى لك الأمنية البشعة دي.
رمت جسدها فوق صدره هامسة في حزن بصوت مبحوح وسط شهقاتها العالية:
-انا انسانة بشعة، انت عندك ابنك عمر ازاي قدرت انطقها، انت لازم تكرهني.
-أنا عمري ما هكرهك.
همس وهو يضمها اليه يربت على رأسها وكأنه لم تنفجر به وتحطمه لأشلاء منذ ثوان ولكن ما باليد حيله فهكذا هو الحب معطاء حد الجنون.
ضغطت ريم على كتفيه مفتتة بالذنب، تقربها أكثر منها وتخفي انينها الباكي في صدره ثم همست في صدق:
-يارب كنت موت أنا قبل ما أوجعك بالطريقة دي…
يارب أنا راضيه …. انا راضية …
توالت كلماتها الهستيرية وقد سيطر عليها الذنب والصدمة صافعه رأسها القابع فوق صدره فجذ ريان على أسنانه ممسكًا معصميها قبل أن يضرب احدهما فوق جانب وجهه سارقًا شهقة معترضة من فمها، معترفًا:
-عايزة تضربي اضربيني أنا، عايزة توجعي اوجعيني أنا مش همانع.
خبط بمعصمها فوق جانب وجهه وعنقه بقوة ارعبتها فعادت من جنونها الهستيري صارخة في استنكار وخوف:
-كفاية كفاية…أرجوك…
-لا مش كفاية اضربي وطلعي شحنة الكره والغضب اللي جواكي….
اضربي يا ريم بس اياكي تتمنى الموت لنفسك لانك ساعتها بتقتليني….
اضربي عشان تطلعي كل المشاعر الوحشة وتنتهي الحكاية….
صرخ بأخر كلماته وهو يضاعف حركه يدها فوق وجهه كأنه يعاقب ذاته على كل خطيئة وأذى ارتكبه في حقها ولم يتوقف إلا حين ارتمت ريم المرتعشة بين ذراعيه غير قادرة على حمل ثقلها لينشغل بإحكام ذراعيه حول جسدها المتراخي يثبت وجهها الباكي فوق صدره النابض بقوة متجهلًا جانب وجهه النابض من عنف صفعاته.
حملها ليستقر بها فوق ساقيه على أحد المقاعد ويخفي جسدها المنتفض بين ذراعيه هامسًا بقله حيلة لا يبالي لما يدور داخل صدره من مشاعر أشد جنونًا واضطرابًا من مشاعرها:
-بحبك يا ريم وربي المعبود بحبك.
اشتدت دموعها المتساقطة في خجل وقهر ثم ضغطت بوجهها فوق صدره تخفي نهنهت بكائها وهي تحارب للالتصاق بجسده كأنها ترغب في الاختفاء داخل جسده وكأنها تختبئ وتشكي منه إليه.
-أنا عايز مكاني الطبيعي كزوج في حياتك انا عايز قلبك وثقتك مش جسمك وخلاص،
عايز مشاعرك وتفكيرك اللي بتمنعيه عني ومتعلقة بوجود أحمد بسببه.
-ريان انا ماليش حد في الدنيا لا أب ولا أم ولا أهل، أحمد هو أهلي خصوصا لما انت اتخليت عني..
أخبرته ريم بصوت متقطع أثر بكاءها ووجهها يترجم مدى ذعرها ورعبها من وحدتها في الحياة، فرد ريان في نبرة صادقة وهو يمسح عبراتها ويرفع ذقنها نحوه ممسكًا بنظراتها:
-انا عمري ما سيبتك يا ريم، اه حصل سوء تفاهم فترة لكن أنا عمري ما سيبتك،
لو اتخليت عنك مش هبقى قاعد قدامك هنا بطالب بحقي في اني أكون أهلك وأنتي اللي رافضة.
-أنا مش رافضة، أفهمني أرجوك انا خايفة لدرجة اني مش عارفة انا عايزة ايه ولا المفروض اتصرف ازاي،
انا ضايعة وتايهه في حياتي أوي ومحدش حاسس بيا واللي مريت بيه مقيدني.
أعاد ريان رأسها للاستقرار فوق صدره ثم مرر أصابعه فوق وجنتيها الحمراء سامحًا لعيناه بالانتقال على وجهها المحتقن في حزن وأسى قبل أن يتنهد مؤكدًا لها:
-أنا مش هضغط عليكي، انا هديكي مساحتك ووقتك بس من غير ما تبعديني عن حياتك،
صدقيني مش هقدر أستحمل فكرة انك تبعديني عن حياتك.
لمست نبرته الخافتة الصادقة قلبها فأخرجت زفير قوي تلاه شهيق أقوى تتمنى لو تلملم شتات ذاتها كي تستريح من هذا الضغط المقيت الجاثم فوق صدرها.
وبدون تفكير أو وعي أعادت رأسها ليسقط فوق صدره مكتفية بالصمت الذي قابله هو بسكون راضي وقلبه يدق بتفاؤل فعل الأقل هي تتطلب قربه رغم اعترافها برغبتها في مساحة بعيدًا عنه.
ريم لا تزال ريم تلك المرأة المفعمة بروح الطفولة الصافية التي حرمت من عواطف وعلاقات طبيعية، تشعر بالنقص وعدم القدرة على التأقلم في أمور قد نراها أمور عادية في حين ان ذلك الأمر قد يجعلها في أشد لحظاتها تشتتًا.
ريم وقعت ضحية لشخص مستغل مريض نفسيًا يلعب على أوتار مشاعرها وانتمائها ويحركها بما يتناسب مع مصالحه وسيحارب بضراوة ليثبت لها ذلك عاجلًا أم أجلًا.
*****
-ادخلي غيري هدومك وتعالي شقتي وهوريكي طريقة أحلى صنيه بسبوسة في الدنيا..
قالت والدة وسام فضحكت ليان لتهز رأسها في موافقة مرحة:
-موافقة خمس دقايق وأبقى قدامك.
التفتت ليان بابتسامه خفيفة نحو الغرفة لتغيير ملابسها وهي تشعر بخفة حركتها وكأن جبال قد انزاحت من فوق كتفيها، أما والده وسام فنظرت لأبنتها في غيظ متسائلة:
-ممكن أفهم سيباه كل ده لوحده في الاوضة ليه؟
مصيبة لتكوني مستنياه هو اللي يعتذر.
زفرت وسام وهي تنظر نحو السماء تدعو الثبات ثم ردت في هدوء:
-انا سيباه يهدى شوية يا ماما وهدخل اعتذرله، ممكن تهدي وتسبيني اتصرف انا عارفة انا بعمل ايه!
-وربنا ما حد هيجلطني غيرك،
يا بت الواد بيحبك اتلحلحي وجبيه سكه ليطفش من فقرك.
-ماما قومي ولديني أحسن عشان خلاص بقيت على أخري.
قالت وسام مستنكره من بين اسنانها تطلب فقط ان تتركها والدتها وشأنها وقفت تتجه نحو الغرفة التي يحبس بها بيجاد نفسه من مغادرة ريان ثم نظرت خلف ظهرها تطالع والدتها المتفحصة المحركة ذراعيها بحركة دفع وهميه تحثها على الدخول.
قلبت وسام عيناها في غيظ طفولي من تصرفات والدتها الغير منصفة وفتحت الغرفة في عزم.
التقت عيناها بعيون “بيجاد” المتعجبة ما ان دخلت فانشغلت بإغلاق الباب خلفها دون تبرير ثم انتقلت عيناها فوق جسد “بيجاد” الذي تجاهلها وعاد لاستكمال استعداداته للخروج فهمست بصوت ضعيف:
-أنت خارج؟
-أيوة.
اجابها باقتضاب دون تطويل، فابتلعت شعورها بالأحراج والتطفل فهي زوجته، لتتساءل في اصرار من جديد:
-أنت رايح فين؟
رمقها في حده ليجيبها في جمود:
-حاجه متخصكيش.
اقتربت منه بتروي وتأكدت انه يستشعر قربها عندما تصلبت عضلات جسده المشنج فوقفت على أطراف أصابعها تربت بيدها فوق كتفيه تنفض غبار وهمي وانتهت تلامس ذراعه هامسة في حب وعتاب:
-مش هتسامحني؟
أغمض “بيجاد” جفونه يكبح مشاعره الجياشة التي تتلهف في شوق نحوها وركن داخله يخشى فتح أبواب اللوم والعتاب بينهما فهو لا يزال في زاوية مظلمة يحقد على ذاته في كره لأنه صفعها وتسبب في أذاها في لحظة غضبه.
فابتعد عن لمستها كالملسوع يخبرها بقناع من البرود:
-انتي معملتيش حاجه اسامحك عليها، اللي حصل حصل وانتهى.
-اللي بينا عمره ما هينتهى،
قولي عايز أيه وأنا هعمله وبلاش تموتني ببرودك ده.
أجبر أصابعه على حمل عطره المفضل يرش ملابسه محتفظًا بهالة تجاهله كعقاب له ولها لتهتف في غضب أنثوي:
-أنت رايح تقابل واحدة مش كده؟
اتسعت عيناه في المرآة يرمقها في تعجب قبل ان يلوي وجهه مؤكدًا على حالتها الميؤوسة من الجنون فرد متهكمًا:
-متقلقيش الست اللي هقابلها مش هخبيها في اوضة نومي…
-حرام عليك يا بيجاد هفضل لحد امتى اقولك أنا اسفة وسامحني،
بلاش تلعب عليا انت عارف ومتأكد اني عملت كده عشان خايفة عليك.
لامست وجهه وهي تقترب منه تسعى لتحطيم مقاومته وسيطرته فانتفض بأنفاس متوترة تحولت للغضب عندما تذكر تقربها الأخير منه التي استغلته لتهريب الرجل من براثنه، فوقف يخبرها في وجوم وصدق:
-طالما الخوف مبرر لتصرفاتنا الغلط،
يبقى متزعليش من تصرفي.
عقدت حاجبيها في توجس بينما تمنعه بجسدها من تخطيها والخروج من الباب لتسأله في نبرة خافتة متوترة:
-قصدك أيه؟
-انا وانتي مش هنكمل مع بعض،
عشان أنا للاسف خايف عليكي انتي وابني من نفسي…!
اتسعت عيناها لتهدر في شراسة غير مبالية ببطنها المنتفخ بينهما وهي تقترب محذرة:
-خايف علينا تاخد خطوة إيجابية مش تهرب مننا،
بلاش حجج واهية وقولي مين اللي لفت عليك وفكرها انها هتقدر تسرقك مني.
لمعت عيناه في تسلية غامضة قبل أن يبتسم ساخرًا:
-حيلك حيلك، بلاش العصبية الزايدة دي،
حاولي تسيطري على غضبك عشان منضطرش نعالجك بعد كده.
انهى جملته بابتسامه مغيظة ضربتها في مقتل ليدفعها في كتفها بخفة من امامه مغادرًا فركضت خلفه تحاول اصلاح الوضع خاشية من مغادرته وعدم عودته مرة أخرى:
-طيب هتيجي تتعشى معانا؟
عاملها بتجاهل مقصود لا يفهم مبرره لكن جزء كبير داخله مستمتع بتذوقها من نفس سلاح الجفاء التي قتلته به مرارًا ليخبرها في اعتيادية بدون مبالاة:
-لا أنا هتأخر محدش يستناني.
أغلق الباب خلفه لترتسم ابتسامه فوق صدغيه في رضا وهو يستمع لدبدبت قدمها الصغيرة ووصله غمغمتها الغاضبة.
هبط على الدرج وهدأت خطواته في الدور السابق لهم بينما يصله صوت باب المنزل يفتح ويغلق قبل أن تطرق زوجته باب والدتها.
اتسعت ابتسامته أكثر في تشفي وكاد يسقط أرضًا في محاولته لكبح ضحكاته عندما هتفت والدتها في وجهها:
-دخلا عليا بالحزن والدموع يا مجاب الغراب لامه، ادخلي يا روح أمك ادخلي.

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية فرط الحب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى