رواية فرط الحب الفصل الثاني عشر 12 بقلم دينا ابراهيم
رواية فرط الحب الجزء الثاني عشر
رواية فرط الحب البارت الثاني عشر
رواية فرط الحب الحلقة الثانية عشر
خرج “ريان” بعد دقائق فوجد “عُمر” متخصر أمام الباب ينتظره، رفع “ريان” حاجبه الأيسر في تساؤل صامت ليجيبه “عُمر” الناقم:
– مش شايفها اتصالحت دي طلعت متضايقه اكتر.
مال “ريان” لمستواه وهمس في حنق:
– إنت فاكرها سهله كده، الموضوع لازم يجيي على مراحل،
دي خناقة كبار مش خناقة على لانش بوكس.
حرك “عُمر” رأسه وكأن والده خيب ظنه وقال ساخرًا:
– ما إنت لو كتت بتوديني المدرسة كنت عرفت ايه خناقة اللانش بوكس دي كمان.
جذب “ريان” أذنه بشكل طفيف وهو يخبره بلهجة معاتبه:
– بطّل لماضه بقى قولتلك السنة الجديده هتدخل ما انت عارف مكنش ينفع ادخلك وانا بنقل شغلي هنا.
ابعد “عُمر” وجهه عنه للجهة البعيدة وهو يزم شفتيه فابتسم “ريان” وجذبه نحوه يقبل رأسه بحنان متعمد دفع اصابعه في جانبي صغيره لتهرب منه ضحكة مفعمة بطفوليته مدغدغه نبضات قلب والده الذي قال في نبرة جديه يشوبها حنان بالغ:
– متخافش يا عُمر ريم مش هتبعد عننا تاني ابدًا، اطمن وخليك واثق فيا وطول ما احنا في ضهر بعض ريم مِلكنا احنا الاتنين.
ابتسم الصغير في رضا وسرور وهز رأسه في موافقة مؤكدًا:
– ومش هتزعلها ابدًا ابدًا.
ارتفع جانب وجهه وهو يستقيم ويبعثر خصلات صغيره فيردد جملة صغيرة الدائمة مؤكدًا في لهجة يشوبها المرح:
– ابدًا ابدًا.
*****
وقفت ريم في مرحاض غرفتها تطالع هيئتها التائهة وقد فشل الماء في إضفاء أي اتزان داخل روحها،
ففي الأمس كانت تخطط وهي مقتنعة بأنها ستتخطاه بالكامل وفي الصباح تقف كالبلهاء أمام المرآة لا تعرف حقيقة شعورها نحوه هل تخطته بالفعل ام أن عِنادها ما يدفن مشاعرها نحوه ويجعلها تهلل في كبرياء مخادع بأنها قادرة على الابتعاد.
– بَحبِك..
هزت رأسها في ارتباك بالغ وصوته بتردد داخل رأسها دون توقف فمست وهي تحيط وجهها بكفيها:
– ايوة يعني انا هعمل ايه دلوقتي؟
رفعت أطراف أصابعها تلامس شفتيها المنتفخة بفعل لمساته الجامحة وجزء كبير داخلها يؤكد لها بانه صادق في اعترافه فالحب المنبعث من عيناه كان حقيقيًا ولامس قلبها في مجون.
وجزء أخر حاد يحذرها ويسألها … السؤال الدائم….
ماذا ستفعل إن تخلى عنها مرة أخرى؟
لأنها بالتأكيد ستنهار وتفقد صوابها، استدارت في المرحاض حول نفسها وهي تتذكر بقاءها باكية داخل منزلها فمضت عليها الشهور الأولى من انفصالهما دون أن ترى ضوء النهار.
وما كان من “أحمد” الشخص الوحيد المهتم سوى أن أرسل لها “دعاء” زميلتها في العمل بطعام في زيارة تتكرر كل أول أسبوع ويرافقها رسالة منه بأن تنهي رثائها والا سيأتي لها في المرة المقبلة ويقتلعها من هنا عنوة.
وقد تكررت تهديداته وتنوعت مع مرساله أسبوع بعد أسبوع حتى طفح بيه الكيل وتفاجأت به يأتي كل يوم لمده شهر كامل ليقف على باب المنزل دون الدخول كي يحثها على الرضوخ لرغباته فينتهي بها الأمر بتغيير ملابسها والنزول للعمل ساعات قليله يتعمد فيها أحمد إخراج مكنونات قلبها حتى تبكي فتركض تختبئ في فراشها تارة وفي فراش “عُمر” تارة أخرى.
تنفست بقوة فحتى آلمها وارتباكها بوفاة والديها لم يوازي أَلم تفتت أمالها في حياتها الجديدة على يد من عشقته بصدق واعطته من نفسها كل ما تملك.
– بَحبِك … مش هسيبِك ابدًا…
ترددت كلماته المدفونة في عقلها الباطن لتصدح داخلها وتغطي حزن بات فاترًا تلاها ابتسامتها حين تذكرت اتهامه:
– وليه نكد….
هزت رأسها فقد وصل البؤس بها لأن تبتسم على مشاكساته البغيضة، خرجت من افكارها عندما دق البغيض نفسه الباب معلنًا عن وجوده مطالبًا:
– إنجزي عايز استحمى.
– ما تروح تستحمى برا ده ايه السخافة دي.
قالت بصوت مسموع وحاجب مرفوع فاتاها رده السمج:
– ماشي بس اوعي تتكلمي كتير في الحمام لتتلبسي.
– أبو تقل دم أهلك.
غمغمت في انزعاج في صوت غير مسموع، ليخبرها وهو يغادر بنبرة مستمتعة رغم عدم سماعه لكلماتها:
-عادي أنتي عادي اشتمي براحتك.
عضت شفتيها تمنع ابتسامه ثم أكملت ارتداء ملابسها في سرعة وما كادت تخرج من بابه حتى علا صوت جرس المنزل.
وضعت يدها فوق فمها تكتم شهقتها فقد نسيت تمامًا مخططها بسبب ارباكه لها، وضعت يدها فوق رأسها هامسة:
– أنا وليه نكد فعلًا انتوا مبتكدبوش.
*****
دندن “ريان” بنغمات أغنية مشهورة وهو يجفف جسده جيدًا وانعقد حاجبيه في تساؤل حين سمع صوت الباب الذي تلاه صوت امرأة غريب، نظر كطفل وقع في ورطة إلى السروال الذي يرتديه وصدره العاري الذي تعمد اظهاره لمشاكسة زوجته الصغيرة ولكنه يشعر بالندم الآن بوجود صحبة غريبه.
– ايه النحس ده.
زفر “ريان” بينما يختبئ خلف الباب ويفتحه ببطء مناديًا بهدوء:
– ريم … ريم …. عُمر ….يا عُمر
صمت من جديد يحاول سماع أيًا منهم فقال بصوت عال قليلًا:
– عُمر تعالى.
صدح صوت غريب مزعج من المطبخ فأخذته دقيقة ليعي انه صوت الخلاط الكهربائي فتنهد في راحة مرجعًا عدم سماعهم له لوجودهم في المطبخ فوضع المنشفة فوق كتفه يخفي ما يستطيع من جسده العريض وهرع للخارج.
كان على بعد خطوتين من الغرفة حين سمع أحد ينظف حلقه لتلتقي عيناه بامرأة حمراء الشعر متوسطة العمر والهيئة وما ترتديه لا يخفي أكثر مما ترتديه، طالعها من اسفلها لأعلاها في تعجب ورمش حين حركت السيدة أصابعها أمام وجهها في حركة مرحبة هامسة:
– أهلا.. أنا نرمين…
كيف بالله يخجل من نظرات امرأة !
تسأل في تعجب وأبعد الخجل من عقله فلما يفعل ان كانت هي لا تفعل؟
فسعل بخفة مرحبًا:
– أهلا بحضرتك… عن إذنك…
تركها ودلف للغرفة وهز رأسه في تعجب متسائلًا ماذا حدث في العالم لتتبدل طباع النساء بطباع الرجال؟..
لكنه ابتسم في غرور فعلى الأقل هناك من يرغب في النظر إليه ويشعره بجاذبيته ورجولته التي تصّر ريم بأفعالها على قمعها،
امم … سيكون عليه معرفه كيف انتهى بزوجته الخجولة صديقة لتلك الامرأة الفجة.
ارتدى باقي بيجامته ثم جلس فوق فراشه يشعل سجائره كالعادة بينما يعبث على جهازه المحمول يتفقد أي رسائل قد تكون عاجلة من مكان عمله وحمد الله عندما لم يجد ليطمئن على باقي أيام اجازته، فقد استطاع أخذ اجازة طويلة لأهمية مكانته في الشركة.
ولولا إنه من موظفيها المؤسسين لِما رضخوا لرغباته وأعطوه اجازة بدون راتب، أمر لم يستطع فعله في بداية انفصاله مع ريم بسبب التغيرات التي طرأت على الاقتصاد العالمي وكادت تطيح بالشركة لولا عملهم المضنى.
ابتسم في مكر فهو لن ينكر انه فضّل الوضع بهذه التعقيدات وقتها خوفًا من مواجهة الواقع ومواجهة ريم، قطع أفكاره دخول ريم المرتبكة التي لم تدق الباب على غير عادتها، رفع رأسه في تساؤل مريب عندما فتحت ثغرها مرتين قبل أن تخبره اخيرًا:
– الفطار جاهز.
ارتفع كلا حاجبيه في ذهول وقد شعر بخطب ما فعليًا فمنذ عودته لم يتناول وجبة واحده معهما وتتركه يتناول وحيدًا ككلبٍ أجرب، ولكنه لن يجادل بالتأكيد فوقف سريعًا قائلًا:
– هي صاحبتك مشيت ولا لسه؟
– لا هتفطر معانا.
أجابته ريم بعد أن ذهبت للخارج فقط ارتفع حاجبي ريان التابع لها يعبر عن ذهوله وتعجبه من هذا التغيير، رمق تلك الجالسة وهز رأسه مرحبًا قبل ان يتوسط الطاولة بجوار عُمر، بينما جلست على الجانب الآخر بينه وبين السيدة.
وكل ما يدور في عقله هو لماذا يشاركهم الطعام وصديقتها لاتزال هنا، فمن عادته لا يحبذ الاختلاط مع اصدقائها وعند حضور إحداهن يتعمد البقاء في غرفته ليعيطهم حريتهم في التحاور.
غلب الصمت على وجبة الإفطار، وحدسه يؤكد له بأن هناك أمر يحدث وهذا الأمر لن يعجبه مطلقًا وبالفعل تأكدت ظنونه حين لكزت “نرمين” الصامتة جوارها.
ولم يفت “ريان” مرفق السيدة الذي تقابل مع جسد ريم وكأنها تحثها على أمر ما، ولكنه تعمد التجاهل حتى ارتفعت عيناه ليقابل ريم التي تركت شوكتها في حدة معلنة:
– أعرفكم ريان… نرمين….
عروستك…
حركت ريم يدها بينهما بالتوالي قبل أن تستقر نظراته الجامدة فوق عينيه الحالكة السواد وقد أشعلت فتيل غضبه، صدح صوت نرمين في الخلفية وهي تسترسل بابتسامه واسعة مرحبة تجهل معركة الأعين الحامية التي تدور بين كليهما:
– أهلا بيك، انا مبسوطة أوي اني قابلتك، ريم على طول بتتكلم عنك بالخير.
لم يسمع ريان كلمة مما تقوله، فقد كان عقله متوقف غير قادر على الاستيعاب ونظراته الثابتة منشغله بإحداث ثقوب في جانب وجه ريم التي تعمدت ابعاد نظرها والعودة للطعام في هدوء وكأنها لم تُفجر قنبلة في وجهه للتو.
عض ريان شفاه العلوية يحاول السيطرة على جانب وجهه الذي يحارب للارتفاع في تعبير عدواني قاسي لكنه التفت يناظر عيون “عُمر” التي على وشك البكاء وأخبره:
– إدخل أوضتك يا عُمر وإفتكر وَعدي ليك كويس.
هز عُمر رأسه في توتر ثم ابتعد عن الطاولة ليختبئ في غرفته.
أما “ريان” فقد أمسك كأس الماء جواره يتجرع ببطء وهدوء ينافي الاحتراق والغضب المختلطان ببعضهما داخل صدره …حسنًا كل لعبة تتطلب طرفان … وهو كذلك…. انهى تفكيره وهو يضع الكأس الزجاجي مردفًا بكل برود:
– إنتِ عارفه أنا مين؟!
– ايوة، ريان طليق ريم.
أكدت “نرمين” باعتياديه فأجابها بشبح ابتسامه:
– أنا جوزها مش طليقها، هي محكتلكيش تفاصيل العلاقة اللي هتكون بينا يا عروستي؟
اتسعت أعينها وانتقلت نظراتها نحو ريم التي تضغط على شوكتها في غضب ترمقه في تحذير، لكنه استند بمرفقيه على الطاولة في أريحيه ليستكمل:
– يعني برغم انك اوبن مايند إلا أنها معندهاش ثقة فيكي عشان تقولك على طبيعة العلاقة اللي هتكون بينا احنا التلاته، يبقى ازاي أوافق عليكي.
اتسعت أعين ريم من وقاحته بينما وقفت “نرمين” التي لم يهمها سوى جملته الأخيرة في حده مهللة في تحذير:
– هو ايه ده اللي توافق عليا إنت فاكر نفسك مين، أنا حاجة كبيره واستحق إحترام أكتر من كده.
– حاجة كبيره ومحترمة مكنتش هتيجي بنفسها لراجل في بيته حتى لو معاه صاحبتك ولا ايه!
– ريان..
هتفت ريم في حده تقطع وصلة احتقاره لصديقتها فهتف بها في صوت زلزل كيانها:
– حقي إنتِ جبتي عروسة وانا قولت مش عجباني مش استايلي البنات مكشوفة الوش دي، ولا هو ده استايلك يا بيبي؟
عجزت ريم عن مجاراته، واغمضت جفونها حين اخترق مسامعها صوت صديقتها:
– إنسان مش متربي ومش محترم ومعرفش واخد قلم في نفسك على إيه.
هتفت “نرمين” التي جذبت حقيبتها للمغادرة فعلا صوت “ريان” الساخر:
– ابقي كملي بقيت هدومك قماش الأول قبل ما تتكلمي عن التربية وقيمتي إنتِ اللي حددتيها لما جيتي تعرضي نفسك عليا جوا بيتي.
اغلقت الباب خلفها في حده فانطلقت “ريم” توبخه:
– إنت انسان مش طبيعي ابدًا.
– والمفروض انك لما تجيبي لجوزك عروسة كده إنتِ طبيعية!.
علت ابتسامة مغيظة محياها وهي تخبره مبررة:
– ده كان طلبك مش اكتر وانا بلبيه.
-لا وإنتِ ملبيه اوي الصراحة.
رد عليها ريان غير عابئ بإخفاء غضبه فتشدق كلماته التالية في حرقة تلسع لسانه:
– أنا مش مصدقك، جيبالي عروسة بنفسك فعلًا يعني إنتِ هتستحملي تشوفي واحدة تانية غيرك في حضني؟
رمشت ريم لكنها قررت استكمال هدم كبريائه للنهاية فهمست بمجون قاتل وهي تلعق شفتيها:
– اه عادي وليه لا ما أنا كمان هنام في حضن واحد غيرك.
انتفض ريان لتنزاح الطاولة من وضعية هجومه بينما يمد ذراعه ليمسك بها، فخرجت منها صرخة هلع بينما تستقيم راكضة من أصابعه الممدودة في شر نحوها متجهة بسرعة قياسيه إلى غرفتها للاختفاء من أمامه فهي تعلم انها عبثت بثباته ومتأكدة انه لن يرحمها ان وقعت تحت يديه، كادت دقات قلبها تتوقف في ذعر وهي تستمع لخطواته الرعدية من خلفها.
وحمدت الله بقوة وهي تستند للباب لا تصدق انها نجحت في إغلاق الباب واحكامه بالمفتاح قبل أن يلحق بها.
كتمت شهقة كادت تنفلت في رعب عندما انتقل لجسدها ذبذبات قبضاته العنيفة التي تدق فوق الباب قبل أن يصلها صوته المختلط بأنفاسه اللاهثة:
– افتحي الباب حالًا عشان هكسر دماغك.
اختلطت مشاعرها بين بكاء وضحك على اقواله فبالتأكيد هي لن تفتح إن كان سيحطم رأسها، لكنها لم تستطع منع تلك الابتسامة الواسعة من على فمها وهي تؤكد:
– الله إنت زعلان ليه، مش دي الحقيقة إنك عايز عروسة تبقى أم لعمر عشان تطلقني؟
قاطعها ريان وهو يضرب بقبضته بعنف مرتين صائحًا:
– اااه…. إنتِ صدقتي نفسك بجد، طلاق ايه يا أم طلاق…
لا فوقي واضح اني كنت غلطان لما قولت اخدك على قد عقلك واهاودك لكن إنتِ مينفعش معاكي غير كسر الدماغ.. افتحي بقولك…
وضعت يدها فوق فمها تكتم ضحكتها لا تدري ما سبب تلك السعادة التي تتدفق في صدرها لكنها ردت بصوت مرتعش ما بين ضحك وغرور:
– على فكرة لو “أحم….
– إخرسي بقولك متخلنيش اكسر الباب واعرفك ان الله حق.
وحطي في دماغك حاجة واحده إياكي تسهي عنها، طلاق مش مطلق، إنتِ ليا أنا وعقلك متحرم عليه التفكير في أي راجل غيري.
ارتفع جانب وجهها وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها بثقه لتخبره ساخرة:
– دول حاجتين مش حاجة واحده.
جاءتها الإجابة على شكل ضربة قوية من قبضة يده فوق الباب رعشت جسدها الساند فوقه لكن ابتسامتها المنتصرة لم تهتز فقال من بين أسنانه:
-ما تلوميش غير نفسك يا ريم.
ختم جملته بضربة أخيرة صارمة ثم سمعته يطلق بعض الشتائم القذرة مثله قبل أن يبتعد عن الباب…
بالتأكيد ذاهب للبحث عن علبة سجائره التي القتها بكل سلام ورضا داخلي من الشرفة…فكرت في شر لكنه يستحق ذلك المدخن الشره….
– ريم…..!!
صدح صوت “ريان” في توعد من بعيد لتنفجر ضاحكة وهي تتقفز من حولها حتى استقرت فوق الفراش تلتقط انفاسها وسعادة لا توصف تطغي عليها لا تدري سببها اهو انه رفض نرمين ذات الجمال الأخاذ والأنوثة الثائرة أو لأنه يتمسك أكثر بها رافضًا الانفصال مؤكدًا ادعاءات العشق والغرام خاصته.
رن هاتفها يقطع افكارها وتنهدت في حزن عندما لمع أسم أحمد امامها، خبطت رأسها في غيظ متسائلة مالذي يحدث لها ولِم بحق الجحيم تشعر بالسعادة على الإطلاق…
– عشان غبية … وضعيفة…
كررتها أكثر من مرة ثم زفرت تحاول نسيان هذا النهار بالكامل فكل ما حدث به يعد كارثه حقيقيه تهدد مصيرها وما تبقى من عقلها، ويتوجب عليها أن تتخلى بالقوة والعزيمة لأن غريمها قوي جبار لا يهاب ضعفها…
*****
اغلقت “وسام” باب غرفتها بالمفتاح من الخارج ووضعته بأصابع مرتعشة داخل مقدمة ردائها ودقات قلبها ترفض الهدوء والتروي.
ألقت نظرة على باب المنزل من الداخل في توجس قبل ان تنتقل حول الارضية تتصيد أي أثر لدماء الحقير الذي المختبئ بالداخل، ضربت يدها فوق صدرها تحاول السيطرة على نوبة الهلع التي تكاد تصيبها وهي تستمع لاقتراب “بيجاد” مع بعض الرجال المحاولين تهدئته قبل ان يصرخ فيهم للابتعاد عن باب منزله ليدلف.
ركضت نحو الأريكة تجلس فوقها تتصنع الجلوس ووقفت حين دخل يسألها بعيون تدور حول المكان في درجة من الجنون لم تعهدها فيه من قبل:
– مشوفتيش الجبان اللي طلع العمارة.
-وأنا هشوفه فين يعني؟
ردت في سرعة وملامح غاضبة ثم هتفت في وجهه تحاول إخفاء توترها:
– مش كفاية لحد كده وتسيبه في حاله، انت اديته اللي فيه النصيب عايز ايه تاني ولا لازم تموته وتروح في داهيه فعلا المرة دي!
– لا اسكت واسيب عيل نطع يلمس مراتي ويتحرش بيها، بقولك ايه انا مش فايق للكلام ده نهائي كفاية انك مسمعتيش كلامي من الأول وبرضه نزلتي رغم تحذيري ليكي.
– يا سلام دلوقتي بقيت أنا السبب ان الحيوان ده هو اللي اتحرش بيا !
اتجه نحو الخارج من جديد متجاهلًا إياها فسألته في لهفة وهي ترى اثار الضربات فوق اصابعه الحاملة لغرض غريب:
– إنت رايح فين وإيه اللي في إيدك ده؟
ارتفع جانب وجهه في غموض وأجابها ساخرًا:
– ده مفتاح عربية الباشا اللي كانت في المغسلة، ومستحيل هيروّح من غيرها،
أما رايح فين فأكيد نازل اقعد على باب العمارة ويوريني بقى هينزل ازاي أبو الرجالة.
– صدقني اللي بيحصل ده غلط انت بتدمرنا بأفعالك حرام عليك يا أخي.
جزّ على أسنانه رافضًا اجابتها وانطلق للخارج مغلقًا الباب خلفه، متجهًا للأسفل ليجلس فوق مقعد خشبي بمنتصف الشارع كالوحش الهائج المنتظر لمح فريسته كي ينهشها وبجواره يجلس “علاء” في ترقب وتأهب لمساعدة “بيجاد” إن سمح له.
*****
في المساء جلست “ريم” تشاهد التلفاز بكل اريحيه وجوارها عُمر الشبه غافي مستلقي ببراءة وهدوء فوق ساقيها حتى همس:
– ريم ممكن اسألك سؤال؟
– امم أكيد..
– إنتِ بجد عايزه تسبيني انا وبابي؟
ارتبكت ريم التي لم تتوقع سؤاله لكنها سعلت بخفه وهي تخبره:
– الموضوع صعب تفهمه يا حبيبي.
عدل من جلسته وقال في اصرار طفولي:
– صعب ازاي مش الانسان يا يبقى عايز يعيش مع ابنه يا مش عايز؟
ابتسمت ابتسامه خفيفة وهي تلعب في خصلاته الطويلة قائلة:
– لو على ابنه فالإنسان ده أكيد عايز يعيش مع ابنه، لكن ابو ابن الانسان ده بقى هو اللي معقد الدنيا.
– بابي سخيف شوية بس طيب والله.
– عُمر، عيب متقولش على بابي كده.
– سوري، أنا قصدت ان بابي بيحبك أوي وانا بحبك أوي أوي يبقى مينفعش تسبينا ابدًا ابدًا.
– يا روحي مش أنا اللي سيبتكم هو اللي سافر وسابني هنا لوحدي.
خفت نبرتها بتأثر وهي تستكمل متذكرة وحدتها:
-وانت عارف اني بخاف انام لوحدي.
مط عُمر شفتيه في حزن وهز رأسه ليخبرها في لهجة هشة:
– انا كمان كنت بخاف أنام لوحدي خصوصا لما عمتي ليان اتعاركت هي وبابي وراحت بيت جوزها.
رمشت ريم وهي تستمع لتلك التفاصيل اذن ليان متزوجة الآن وتهنأ بحياتها بعد دمرت حياة ريم الهادئة.
استغفرت الله لا ترغب في الحقد عليها حتى وان اساءت إليها، فريم لديها مكنوناتها المركبة صعبة الفهم فلا أحد يستطيع أذيتها وكسرها إلا من يسكنها وينعم بحبها المطلق ومن حطمها وكسر مشاعرها لم تكن كذبة ليان ولكن “ريان” من فعل بتخليه عنها.
بالتأكيد هي غاضبة منها ولا تريد رؤيتها لكن في الحقيقة الأمر غير فارق معها كثيرًا فقط أمر واحد تتمناه هو أن تعلم لِما خانتها وفعلت فعلتها.
انفتح باب الغرفة التي انعزل بها ريان طوال اليوم رافضًا رؤيتها أو تناول الطعام فخرجت من افكارها ورفعت عيناها تطالع هيئته الهائجة بريبه وانخلع قلبها من مكانه حين اقترب منها بصورة مباشرة فاستقامت مذعورة وتلاها في الذعر “عُمر” الذي وقف فوق الأريكة يتشبث بقوة في خصرها حين صدح صوت ريان الغاضب المختلط بشيء من الجنون:
– أنا حجزت تذكرة طيران ومسافر كمان ساعة.
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية فرط الحب)