روايات

رواية فرط الحب الفصل الثالث 3 بقلم دينا ابراهيم

رواية فرط الحب الفصل الثالث 3 بقلم دينا ابراهيم

رواية فرط الحب الجزء الثالث

رواية فرط الحب البارت الثالث

فرط الحب
فرط الحب

رواية فرط الحب الحلقة الثالثة

وقفت “ريم” في منتصف المنزل تنتظر خروجه من الغرفة المنزوية بأخر الشقة والتي كانت يومًا مخصصه ل “عُمر” كي يضعه في فراشه الصغير الذي لم تمس به أي تغيير حتى بعد مرور سنة على انفصالهما، ففراشه تحرص على تغييره اسبوعيًا بجانب تنظيفها للألعاب وعلب الألوان الصغيرة التي فقدت رونها باشتياقها لسحر طفولته.
غمرتها رغبة عارمه في البكاء والصراخ لتلك الطريقة البشعة التي اقتلع بها ريان صغيرها منها.
ألهذا الحد لا قيمة لمشاعر أمومتها بعد أن توَلت تربيته وعشقته منذ كان وليد يومين ؟!
نعم، فهي أمه رغمًا عن أنف الجميع وماذا إن لم يقتطع من رحمها لكنه عاش وترعرع في روحها وملئ فراغ موحش داخل قلبها، ولا حق لأحد حتى المسمى بوالده في انتزاعه منها بتلك الطريقة المتوحشة.
حاولت التركيز على تلك المشاعر العنيفة والابتعاد عن أخرى ضعيفة مثيرة للشفقة تدافع بلهفة عن عودة “ريان” وظهوره الغير متوقع لكنها لن تستسلم لأوهامها وقلبها الأحمق مرة أخرى ولن تنساق وراء مشاعرها السخيفة وقد ذاقت بسببها المرار، فإن كان للحب وجود بينهما لما مزقها بتلك الطريقة المروعة.
قطع أفكارها خروج “ريان” من الغرفة، فاعتدلت تنتظره شامخة الرأس بإصرار على فعل ما يمليه عليها عقلها تراقبه يتقدم منها بخطوات غامضة.
ثنى ريان قميصه في طريقه لها ثم توقف يغمض عينيه لحظه واتجه للمقعد جوارها حتى يخلع حذائه في تأني قبل أن يضع ساق فوق الأخرى مستند للخلف بأريحيه يخفي خلف جفونه ثورة كالداهية ستكون هي ضحيتها.
– ممكن أفهم انت ظهرت في حياتي تاني ليه؟
انعقد حاجبيه وهو يمرر إصبعه على شفتيه في تهكم وتفكير ثم قال في نبرة غريبه:
– وإنتِ مكنتيش عايزاني أظهر؟
طالعته كأنه مجنون وعقدت ذراعيها كي تمنع نفسها من الانقضاض عليه لتُمزق وجهه، قبل أن تقول بحده:
– وإنت كنت متوقع إني هرحب بيك تاني بعد اللي عملته فيا؟
– وده يديكي الحق إنك تتخطبي لواحد وإنتِ على ذمة واحد تاني !
أخبرها بنبرة حاده قاتلة وهو يستقيم ويقف أمامها مباشرة غير قادر على التصرف بتحضُر وكل حرف يخرج من فاهها يكوي رجولته، لكنها ابتعدت خطوة للخلف بحذر وقالت في توتر:
– أعتقد الموضوع كده زاد عن حده، إنت بأي حق بتكلمني عن خياراتي،
على ما أتذكر إنت اللي رمتني وطلقتني مش أنا.
– وأنا بردو اللي رديتك لعصمتي وإنتِ اللي فضلتي تبعدي وتعزليني عنك وأنا سيبتك بمزاجك لحد ما أرجعلك مصر،
لكن متخيلتش إنك ممكن يجيلك الجرأة وتعملي مصيبة زي دي.
– ردتني لعصمتك ، يعني إيه ردتني لعصمتك؟
تساءلت بغباء عاجزة عن استيعاب ما يخرج من فمه فابتسم تلك الابتسامة الساخرة البغيضة وهو يمد أصابعه يلمس وجنتها الحمراء من شدة انفعالاتها ثم أردف:
– إنتِ عايزه يبقى معناها إيه؟
– بلاش تهريج وفهمني يعني إيه، لو قصدك ترجعني فأنا مش هرجعلك ولو على جثتي!
هتفت وهي تبعد أصابعه في حده فارتفع حاجبه يحلل كلماتها، تنفس من فمه ببطء سبب أخر يدفعه للتروي ويُذكّره بأنها فاقدة للكثير والكثير بموت ذويها لكن لم يمنعه ذلك من القول بتشفي:
– يعني في شرع ربنا إنتِ لسه مراتي!
حركت يديها بينهما بانفعال شديد قبل أن تتوالى اتهاماتها:
– كذاب، أنا مش مصدقه حرف واحد من اللي قولته، إنت فاكرني عبيطه وهصدَقك،
شرع إيه اللي يخليك تردني بعد سنة طلاق وبعدين بيجاد أكدلي إنك هتبعتلي ورقة طلاقي أول ما تنزل أجازة يبقى إزاي ردتني زي ما بتقول!
عقد ذراعيه وهو يراقبها في غضب يحاول تحليل غضبها أهو صادق أم أنها تعلمت المكر والخديعة في غيابه لتلمع عيناه وقد تَذكّر أمر هام، فبادلها نفس الخطوة ومال لتصبح عينيه الحالكة بغضبه بمستوى عيناها ويتهمها من بين أسنانه:
– لمّا كلمتي بيجاد كان لسه بقالنا شهرين، لكن أنا رديتك بعد ٣ شهور يعني قبل العدة ما تنتهي بأيام وأظن الرسالة كانت واضحة فبلاش كدب عشان تداري على عملتك.
– أداري على عملتي!
لا إنت تطلع برا بيتي حالًا، والكلام اللي إنت بتقوله ده مش صحيح أنا مجاليش أي رسايل بكلامك الفارغ ده.
– لا حصل الرسالة وصلتلك مع عقد الشقة.
حركت رأسها لليسار واليمين بنفي وهي تجزم في ذعر:
عشان تعرف انك كداب، العقد معايا لوحده ومكنش فيه اي رسايل لما وصلي الظرف وبعدين عايز تفهمني انك ردتني زي ما بتقول برساله،
لا انا مش مصدقاك دي أكيد لعبة من ألاعيبك.

– أنا كلمتك بدل المرة ألف وبدل الرسالة ألفين لكن إنتِ اللي رفضتي تكلميني وغيرتي رقمك.
ضحكت باستخفاف لتقول بلهجة يغلبها اختناقها بمشاعرها :
-تعالى اتهمك بالظلم وارميك رميه الكلاب واسافر،
وبعديها بتلت شهور هبقى افتكر اني ابعت اكلمك وشوف كده هتتصرف ازاي،
ولا انت كنت فاكرني معنديش دم او كرامة وكنت عايزني أرد اقولك عشان خاطري تعالى رجعني.
خرجت جملتها الأخيرة مهتزة لتلعن الحياة وتلعن وجوده فيها، فأجابها في غضب يوازي غضبها وهو يميل بوجهه نحوها:
– أنا معترف إني غلطان بس أنا إنسان ومفيش إنسان كامل وكل الناس بتغلط مش أنا بس،
وموضوع الرسالة ده وصلك ولا لا فأنا هعرف أوصل لنهايته.
هزت رأسها بموافقة والتفت بعيدّا عنه تخفي عمق أحزانها لتعلن بصرامة:
– كويس إنك عارف وحتى لو الكلام ده صحيح متتعبش نفسك وتدور في حاجات تافهة،
فأنا مستحيل أوافق إني أرجع لعصمتك.
– إنتِ رجعتي مراتي فعلًا، الشرع بيقول كده.
– شرع إيه اللي متعرفش عنه حاجه ده، والشرع بردو اللي قالك تردني وتسبني مرميه سنه إنت في بلد وأنا في بلد ومعرفش عنك حاجة،
وفي الآخر عايز ترجع وكأن شيء لم يكن!
صرخت بكل قوتها وهي تلتفت في هياج عصبي شديد وتدفعه في صدره دون مراعاة لهيئته الغاضبة بل المرعبة فجذبها ريان نحوه من معصميها غير مبالي بأصابعه المنغرسة في لحمها ليحذرها بنبرة غليظة واستنكار:
– أنا اعترفت إني غلطت والموضوع إنتهى ولا إنتِ عايزاني أسجد قدامك وأقولك سماح!
تعلقت عيناها المتسعة بعينيه القاسية غير مصدقه أنها كانت يومًا تغرق في بحور عشقه بكل هذا الولع والهيام.
– ريم…؟
قاطعهما صوت “عمر” المتلعثم بخوف والمختلط ببكائه الصامت وهو يطالع والده وريم يتدافعان في غضب.
التفَتَ كلاهما نحوه قبل أن تجذب ريم معصمها من بين براثن “ريان” لتردف بصوت تستحضر فيه هدوءها وحنانها:
– متخافش يا عُمر أنا وبابي بنتكلم شوية.
– أدخل جوا يا عُمر ومتطلعش غير لما أنادي عليك، ده كلام كبار متدخلش فيه.
علا صوت “ريان” من خلفها فأغمضت عينيها تحاول السيطرة على رغبة كبيرة في الالتفاف وصفع وجهه الرجولي ولكنها فتحتهما وهي تستمع لصوت تحركات قدم الصغير المترددة نحو الداخل.
فاستدارت نحوه مسترسلة في حزم:
– آخر كلام عندي يا ريان أنا شوفت مصلحتي وإنت مش فيها وبعد إذنك إتفضل من غير مطرود لإنك مش مرحب بيك هنا.
دوت ضحكته المكان وهو يتركها ليعود للجلوس في مقعده ويعلن بعنجهية:
– على ما افتكر البيت ده يبقى بيتي.
جزت على أسنانها كي لا تمطره بأسوأ السباب وقالت في حده:
– على ما افتكر ده كان بيتك قبل ما تطلقني وتكتبوا بإسمي.
– وعلى ما افتكر لما كتبته بإسمك مكنش عشان تروحي لراجل غريب وتتجوزيه.
– حاجة ماتخصكش، دي حياتي وأنا حرة فيها.
وقف بحده ليهتف في ضيق:
– وكنتي هتعملي إيه هتتجوزي وإنتِ متجوزه ؟؟
– دي غلطتك إنت مش أنا بس إحنا فيها إنت لازم تطلقني ودلوقتي حالا.
– مستحيل وأسيبك إنتِ وهو تكملوا الفيلم عليا مش كده،
مش ده الصديق اللي في محنة ومينفعش تتخلي عنه، إيه دلوقتي ينفع يتجوز عادي!
احمرت وجنتيها وعقدت ذراعيها بعناد رافضه تماما الرد وذلك الأمل الذي يحاول اختطافه من قلبها بسبب تملكه، اقترب “ريان” نحوها يحاول إمساك أصابعها لكنها رفضت بحدة وهي تبتعد للخلف ليقول ساخرًا:
– بعينك إنتِ وهو مش عايزه ترجعيلي إنتِ حره بس إبقي قابليني لو عرفتي تتجوزي من بعدي،
خليكي كده زي البيت الوقف من غيري.
– هتجوزه غصب عنك..اااه.
تأوهت “ريم” في ذهول وقد تشابكت أصابعه بين خصلاتها يجذبها للخلف بعنف ويجبرها على النظر في وجهه المرعب وكأن الجحيم انبثق من عينيه بكلماتها، فقد طفح الكيل وتلاشت محاولاته في السيطرة على ذلك الشرقي المختبئ خلف فعلته الحمقاء معها ولكن لكل شيء حدود ولطالما كان حبه لها كلعنه موسومه بالغيرة والتملك السافر.
تجمعت قطرات العرق الحامي فوق صدغيه وتكاد أسنانه تتكسر من شدة تشنجه، فهدر من بين شفتيه وهو يتنفس بصعوبة ويصرح عما ينهش في مخيلته:
– قرب منك … لمسك ؟
إنطقي وإلا قسمًا بالله لو حسيتك بتكدبي ولا بتدُّوري بس كده لهقتلك بإيدي قبل ما أروح أخلص عليه!
انتفض جسدها لاتهامه المقزز وهو يعتصرها إليه وفي ذات الوقت يضع على خصلاتها للخلف يكاد يفصل رأسها عن جسدها بقبضته لكنها همست في خفوت مرتعده الفرائص:
– أقسم بالله ما قربلي، إنت إزاي تقولّي كده.
هزت رأسها بذهول لحقارة كلماته وعنفه الذي دب الرعب في أوصالها ودفعها لتتلبس تلك المرأة الضعيفة مرة اخرى.
شعرت بدموعها تحارب للهرب من عينها ولكنها لن تستسلم لتلك الراحة الواهية، فقاومت للتخلص من قبضته خلف رأسها ثم أخبرته وهي تضغط على كل حرف من بين شفتيها:
– سيب شعري وإطلع برا بدل ما أصوت وألم عليك الناس.
تركها ولكنه لم يفلتها بالكامل:
– عُمر…..!
صرخ في نبرة نفضت قلبها عن جسدها ووجهه لايزال في مقابلة وجهها ليركض الصغير نحو والده بحيرة قائلًا:
– نعم يا بابي.
– يلا عشان ماشين.
ركض الصغير ليمسك في ساق ريم فسقط قلبها بين قدميها ساحبًا ذلك الأمان الواهي التي حاصرت ذاتها به، وضعت ذراعيها حول الصغير ترفعه إلي أحضانها وتقبّله بجنون واخيرًا سمحت لدموعها في الهبوط عندما همس في قلق جلي:
– ريم هتروّح معانا.
– لا ريم مش عايزة تبقى معانا.
قال “ريان” فحدجته ” ريم” بنظرات قاتلة لتوحشه وقالت مبررة بصوت مرتعش:
– أصل بابا مينفعش يفضل هنا عشان عنده شغل يا حبيبي.
لمعت عيون ريان بشيطانية ليستغل ضعفها بقوله:
– لا أنا معنديش شغل يا عُمر هي اللي مش عايزه ترجعلنا.
– ريان!
هتفت محذره فرفع عُمر عينيه الملائكية بتوسل نحوها متسائلًا:
– لو بابا معندوش شغل ينفع نفضل معاكي هنا ونرجع بيتنا تاني؟
– بس هو عنده …
– لا معنديش
أغمضت جفونها بقوة عندما قاطعها “ريان” بنبرته القاطعة وسمعت شهقة عُمر الفرِحة ليقول في حماس:
– ريم معندوش، كده ممكن نبات صح؟
أجبرت ابتسامة على الارتسام فوق وجهها وأومأت رأسها بالموافقة في ضعف، غير منتبهه لتلك الابتسامة واللمعة المنتصرة في أعين سوداء خلفها.
– ممكن تنامي جنبي زي الأول.
تحركت ريم وعُمر لايزال بين يديها لتلبي مطلبه وللحظة تناست ما حدث ويحدث في حياتها ليقفز قلبها في سعادة لاستعادتها لصغيرها هنا في أحضانها.
حاولت عدم الالتفات والنظر إلى ريان حتى تستجمع شتات عقلها في محاولة لفهم لعبته وما يرغبه منها وينوي عليه، لكنها ستسمح له بالانتصار اليوم مرجعة ذلك للإرهاق الذي يغرقها ولأنها تستحق قضاء الليلة في أحضان صغيرها.
تابعها ريان تختفي ورمى بجسده على المقعد خلفه ثم تنهد بتعب يشعر وكأن قلبه على وشك الانفجار ويحمد الله أنه استطاع بدهاء البقاء بين جدران هذا البيت فعنادها وذبذبات الكره في عينيها تجزم له بأن خروجه من هذا البيت الآن يعني خروجه التام من حياتها وهذا ما لن يسمح به أبدًا.
يعلم أنه أخطأ ولكنها أيضًا لا تعطيه فرصة لتكفير ذنبه بل تصّر على معاقبته ومعاقبة نفسها فهو ليس أبله ليَفت عليه تلك النظرة الموحشة التي قابلته بها وكأن قلبها يشتاق إلى نبضات قلبه كما يفعل هو.
فرك خصلاته السوداء والقصيرة للخلف وتَعجَب من الغباء الذي تملًكه وأعماه عن حبها لصغيره، كيف استطاع تصديق كلمة تتهمها بإهماله حتى وإن كانت من شقيقته وبذلك سرح بمخيلته في ذكريات مؤلمة من عام مضى.
***
– إنتِ متأكده يا ليان يعني هي راحت فين وسابته لوحده؟
سمع ريان صوت شقيقته من الجهة الأخرى:
-مش عارفة، أكيد راحت لأحمد.
شعر بقبضة تعتصر قلبه فهتف من بين اسنانه:
– خليكي معاه أنا هستأذن وجاي حالًا.
حاول ريان الاتصال بها لمعرفة أين تجرأت بالذهاب وترك صغيره نائمًا في المنزل وحده دون رعاية ولكنه تفاجأ بصوت شقيقته تخبره بأنها نسيت هاتفها.
ابتلع ريقه بصعوبة وقد جف حلقه من انتفاض مشاعره بكل الاتجاهات لا يصدق فعلتها تلك متسائلًا في صمت:
هل بالفعل فضلت أحمد على سلامة طفله؟
هل تمسكها بأحمد رغم غيرته الحارقة من علاقتهما الوطيدة وراءه أمر أخر أخطر من شعورها بالانتماء والامتنان لدعمه لها طوال حياتها؟
هل مبررها الأخير عن صحة أحمد هي كذبة ليخدعاه و….؟
لم يستطع إكمال التفكير واسئلة كثيرة مميته تفجر براكينه وتقتله تدور في رأسه وهو في طريقه متجه في صمت نحو المنزل يتوعد لها إن صح ظنهُ.
بعد مرور ساعتين دلفت ريم إلى المنزل بوجه واجم فتفاجأت بريان يجلس على الأريكة بجوار شقيقته وشعرت بوجود خطب ما، فهي لا تستطيع تفسير النيران المشتعلة في عينيه وبالفعل لم يجعلها “ريان” تفكر كثيرًا وهو يهتف:
– إنتِ كنتي فين؟
– هو حصل حاجه؟
– ردي عليا كنتي فين؟
حركت رأسها بتعجب لغضبه وقالت بصدق وهي تبعد خصلاتها للخلف:
– نزلت المحل عند أحمد كان فيه مشكلة واحتاجني.
ارتفع جانب فم ريان في سخرية وتلونت عيناه ببغض ما أن سمع اسم غريمُه ثم حرك رأسه وكأن ظنه قد خاب بها أو أنها اجرمت فانتقلت عيناها المرتبكة نحو شقيقته ذات العشرون عام والتي تشبهه إلى حد كبير بخلاف عيونها العسلية التي تحاول إبعادها عن مرماها بريبة تعجبت لها ولكن ريان استحوذ على جام انتباهها وهو يضع يديه في جيبي سرواله ويقف امامها بجمود متهمًا:
– تسيبي طفل أقل من أربع سنين في البيت لوحده عشان أحمد كان محتاجك ؟!
طفل كنت بتخدعيني وبترسمي عليا وعليه الامومة وإنتِ أحقر من كده بكتير.
– إيه الكلام ده، أنا مسبتوش لوحده طبعا.
قاطعته في حده وذهول ليخبرها في حقد:
– كنتي سايباه مع مين مع الملاك الحارس؟
– انت جرالك إيه؟!
اسأل ليان انا كلمتها وهي جت تاخد بالها منه لحد ما اجي، صح يا ليان؟!
نظرت لليان بثقه لكنها صدمتها بقولها:
– كلمتيني إمتى؟
أنا جيت صدفه لقيت عُمر بيعيط ومنهار وإنتِ مش هنا.
اتسعت أعين ريم ووقفت كالصنم عاجزة عن تصديق ما تتفوه به ليان من كذب وافتراء دون سبب، حاولت ريم اتخاذ خطوة نحو ريان وهي تقول بذهول:
– والله العظيم كلمتها يا ريان إنت عارف إني مستحيل أعمل كده في عُمر، صح مش إنت عارف يا ريان؟
اهتز صوتها بذعر بدأ يتملك حواسها ودواخلها لكنه هدر في عنف وغضب:
– كنت فاكر إني عارفك لكن طلعت مخدوع فيكي فوق الوصف،
إنتِ إنسانه كدابه ومش أمينة ومستحيل هآمن على بيتي وإبني معاكي.
هربت دموعها وارتعشت شفتيها وهمست باختناق وهي تتجه نحو شقيقته الصغرى التي اعتبرتها أكثر من صديقة وشقيقة لها لتلمس يدها بتوسل:
– ليان إنتِ بتكدبي ليه مش أنا كلمتك؟
قولي الحقيقة ورحمة أمك.
– كفاية تمثيل، إدخلي يا ليان لمي كام طقم من هدوم عُمر.
حركت ليان رأسها دون أن تنظر نحوها مرة واحده ثم اندفعت للداخل تاركة إياهما في صراع القلوب، لامست “ريم” ذراعه وسألت بكل ما تشعر به من مشاعر وظلم:
– إنت هتعمل إيه والله أنا مش بكذب، أرجوك صدقني عُمر إبني والله العظيم إبني وأنا مقدرش اعمل الجنان ده.
لم يجيبها ورفض الرد عليها في عناد وداخله يشتعل بغيرة تنهش رجولته ليقول بنبرة حادة:
– إبقي خلي أحمد ينفعك، إنتِ اخترتيه على أغلى حاجة عندي.
دقائق وخرجت ليان بحقيبة صغيرة وضعت بها بضعًا من ملابس الصغير وحملت عمر باليد الأخرى معلنة بعيون ترفض النظر لريم:
– خلاص يا ريان.
– إنتوا رايحين فين، أنا مش هسيبكم ابدًا، ريان أرجوك إسمعني،
ليان إنتِ بتكدبي ليه؟
قالت بذعر وقد انفجرت في شهقات بكائها ترفض ترك ذراعه الذي يحاول نفضه من بين أناملها المتشبثة به بقوة حتى أعلن في قسوة:
– البيت أنا مش عايزُه خليهولِك بدل شقة أهلك الايجار اللي خليتك تسبيها وكده انا مش ظلمك وهبعتلك عقدُه بكرا مع ورقة طلاقك.
– طلاقي؟
قالت في خفوت بعد لحظة تستطعم مرارة الكلمة ثم تركت ذراعه لوضع كفيها فوق فمها في خضه مبتعدة خطوتين للوراء تتمنى لو تختفي من فوق الأرض بتلك اللحظة المؤلمة.
ليتجه ريان بحزم نحو الباب في صمت قبل ان يتوقف لحظة ويخبرها بصوت مثقل مهتز وجفنين منغلقين يخفي خلفهم كسره وخذلان:
-أنتِ طالق.
وبذلك تحرك بشقيقته وابنه إلي خارج المنزل وتركها بمفردها في حالة من الذهول، سمعت صوت شهقات تحارب للتنفس لتتفاجأ أنها صادرة من صدرها، شعرت بالمكان ينغلق عليها ويبتلعها فسندت على الجدار جوارها لا تقدر على التحرك او ملاحقته للصراخ في وجهه ووجه شقيقته الكاذبة غير مصدقه انه يظلمها ويتهمها ببشاعة بعد كل الحب الذي أغرقته به وبعد كل الليالي التي حاربت فيها لإرضائه…
واخيرًا تركت دموعها تتساب تبكي بحرقة لأجل نفسها التي ظلمها بكل بساطة دون ان يعطيها فرصة للتبرير فقط تخلى عنها بسهولة وتركها وحيده تنهار وتغرق بدونه ودون صغيرها.

***
حرك ريان رأسه في ضيق يكره تلك الذكريات ويعلم تمامًا إنه مزق قلبها إلى قطع وقتها ولكن الله وحده يعلم كم تمزق قلبه أضعاف أضعافها.

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية فرط الحب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى