رواية فردوس الشياطين كاملة مجمعة (جميع فصول الرواية) بقلم مريم محمد غريب
فصول الرواية
الفصل الأول
~¤ الثأر ¤~ :
المكان : كفـر الدواغـرة , طاميـة / الفيــوم
الزمان : مساء 23 أغسطس 2016
تشق تلك السيارة الفـارهة طريقها وسط كفر بنـي داغر المهيب … أو الذي كان مهيبا
قبل إنتشار الفوضى و الإنفلات الأمني و تفشى جرائم القتل و السرقة و قطع الطرق و كل هذا لأسباب مجهولة
توالت الحوادث الواحدة تلو الأخرى و من كثرتها حفظت بالملفات بقسم الشرطة و لم يهتم أحد بالتقصى خلف الدلائل أو تتبع المجرم لأنه كما يبدو ليس مجرم واحدا ، بل أنهم مجموعة مجرمون
و في ظل هذه الأجواء المكهربة ضاعت شخصية و هيبة العمدة بعد هيبة الشرطة ، بالإضافة إلى الانفلات الأخلاقى و أصبح الجميع دون انكسار و كثرت المشاكل
خاصة الثأرية التى تنتهى بضحايا كثيرة ، حيث كان لبعض الأجهزة الأمنية دور كبير فى هذه المشاكل ، بالإضافة إلى البلطجة و الاستيلاء على الأراضى … إلخ
تتوقف السيارة السوداء بعيدا عن دوار العمدة بقليل فلا تميزها من شدة الحلكة بالمكان ..
يترجل منها ذاك الرجل الملثم المفتول بمنتهي الحرص و الحذر
يتسلل في هدوء الليل إلى الداخل قافزا بمهارة من فوق السور الحجري
شاهد الخفراء يجلسون ضمن حلقة نار قرب البوابة الضخمة يحتسون الشاى و يتسامرون
وثب واقفا بخفة كي لا يجذب إنتباههم و أكمل طريقه منطلقا بين الشجيرات بسرعة غير مرئية ، حتي وصل عند غرفة خلفية في الحديقة تفضي إلي داخل البيت
ولج بسهولة و صعد الدرج للطابق العلوى و إتجه لغرفة عمه … “منصـور الداغـر” عمدة كفر الدواغــــرة
أمسك بمقبض الباب و أداره ، ثم دفعه بهدوء و دخل و أغلق من خلفه بالمفتاح …
كان العم مستيقظا في فراشه
إنتبه لتكة المفتاح في قفل الباب فنظر ناحيته صائحا :
-ميــن ؟ .. كان صوته متحشرجا
-أنا ! .. قالها الرجل و هو يخلع شماغة وجهه
العم و هو يدقق النظر عبر الظلام :
-إنت مين ؟! .. و أشعل ضؤ الأباچورة بجانبه
-سفيــان !! .. هتف العم بدهشة
ليبتسم “سفيان” إبتسامة ودية و هو يقول :
-أيوه يا عمي أنا سفيان .. كويس و الله إنك لسا فاكرني
العم و هو يكفكف دموعه في كم جلبابه :
– طبعا فاكرك يابني . معقول هنساك !
ده أني كنت مستنيك أصلا . إتأخرت أوي كده ليه ؟ إنت مادرتش بإللي حصل ؟
يتقدم “سفيان” من سريره و هو يقول ببرودة أعصاب :
-دريت .. دريت يا عمي
البقاء لله
كان جسد العم هزيلا و وجهه مترهل تملأه التجعيدات ، تغير كثيرا عن أخر مرة قابله “سفيان” .. مرت سنوات بعد أخر لقاء ليكون عمر العم الآن فوق الثمانون عاما بقليل
كان شاحب و جسده أبيض تخالطه الزرقة ، تماما كالأموات
لكنه حى أمامه … جسد فقط ، بلا روح
-كسرولي ضهري يا سفيان .. قالها العم بصوت كالأنين و هطلت دموعه من جديد
إلتوى ثغر “سفيان” بإبتسامة هازئة و قال :
-هما مين دول يا عمي ؟ إنت عرفت مين إللي قتل ولادك ؟
العم و هو يبكي بحرقة :
-لأ لسا يابني . بس هعرفه . و رحمة الغاليين لأعرفه و ساعتها هاجيبه هنا قدام البلد كلها و هقطع من جتته حتت
هرميه للكلاب و هو حي و هشرب من دمه . و الله لو كان أخر يوم في عمري لأعمل كده
يضحك “سفيان” ضحكة مجلجلة ، ثم يقول ساخرا :
-مافتكرش يا عمي .. مافتكرش هتقدر تعمل كده
توقف العم عن البكاء و نظر إلي إبن أخيه متسائلا بدهشة :
-إنت بتضحك علي إيه يا وله ؟ و بعدين قصدك إيه ؟
مش هقدر ليه يعني ؟!
سفيان : أنا آسف شكلي إستخدمت تعبير مش واضح
نخليها مش هتلحق !
العم : و مش هلحق ليه يابني ؟؟!!
حني “سفيان” رأسه قليلا و أتت نبرته مغناة تطير في الغرفة كالريشة :
-لأنـي هقتــــــلك .. أه هقتلك دلوقتي يا عمي
جحظت عينا الأخير و هو يقول بصدمة :
-إنت . جاي عايز تقتلني ؟؟؟
سفيان بإبتسامته الشيطانية : إسم الله عليك . أيوه يا عمي أنا جاي عشان أقتلك
و أقولك الكبيرة كمان ؟ أنا إللي قتلت ولادك . ياسر و بدر و خيري .. أنا إللي عملت القلق في البلد و قومتها عشان ماخليش دليل ورايا و بعدين بعتلهم ناس محترفين مخصوص عشان يقتلوهم علي حياة عينك و يحرقوا قلبك عليهم
العم بصدمة مضاعفة :
-إنت .. إنت إللي قتلتهم ؟ ليــه ؟؟؟؟؟
سفيان و قد إكتسح الغضب ملامحه و نبرات صوته :
-هو إيه إللي ليه ؟ إنت نسيت إنت عملت إيه ؟
نسيت عملت إيه فيا و في أبويا و أمي و أخواتي يا عمي ؟ ده أنا صممت أخلي حسابك إنت للأخر عشان أدوقك من نفس الكاس و أعيشك يومين غم قبل ما أبعتك لربنا هو بقي يكمل بقيت حسابك
العم بإنفعال : حســاب إيــــه يا وله ؟ ده أني إللي هقطع خبرك و آا …
-بـــس إهدا علي نفسك شوية ! .. قاطعه “سفيان” بصرامة ، و أكمل بخبث :
-ماتتعصبش أوي كده . أنا محتاج أوي لتركيزك الشوية الفاضلين دول .. و هجم عليه ممسكا به
هم العم بالصراخ ، فكمم “سفيان” فمه و أنهضه من فراشه ملقيا به علي كتفه … وضعه علي الكرسي المتحرك الذي وجد بجوار السرير
قيد يديه خلف ظهر الكرسي و أحضر منشفة صغيرة و حشرها بفم العجوز العصبي ليسكت صراخه المزعج ..
إعتدل في وقفته أمام عمه و مد يده و سحب مسدسه المزود بكاتم الصوت من جيب بنطاله الخلفي ، ثم أشهره في وجه العم و أكمل كلامه :
-أنا مش هقتلك غدر. حتي لو إنت عارف الأسباب لازم تسمعها مني قبل ما أنفذ إللي جيت عشانه
من 17 سنة .. كان عمري وقتها 21 سنة و كنت مسافر أدرس في أمريكا . جدي ذكريا الداغر مات و هو بيعمل عملية في قلبه . مافاتش علي موته 40 يوم و كنت بتتعارك إنت و أبويا علي العمودية
العركة كبرت و وصلت للقتل . قتلت أخوك يا عمي و طلعت منها بعيار طايش . عن طريق الغلط . بعدها إتجوزت أمي غصب قبل حتي ما العدة تخلص . إخواتي الصبيان يوسف و محمد إللي كانوا أطفال و مالهمش ذنب في أي حاجة
غرقتهم في السواقي منغير ماتحس بذرة شفقة عليهم . و إللي لحقت تهرب منك قبل ما تقتلها وفاء أختي . جاتلي علي أمريكا و حكتلي علي كل حاجة
بعديها بفترة سمعنا إنك حبلت أمي و جبت منها عيال من نسلك . عاشت معاك 5 سنين و من القهرة ماتت في الأخر
صمت “سفيان” للحظات ، و أردف بجدية :
-عارف رغم إن ولادك التلاتة يعتبروا إخواتي .. بس أنا مش ندمان أبدا إني قتلتهم و لا حتي زعلان عليهم
دول كانوا زرعة وسـ×× في أرض طاهرة و كان لازم أمحيهم من الوجود . دلوقتي أمي تقدر ترتاح في تربتها
فاضل أبويا و إخواتي . يوسف و محمد
و أحكم قبضته علي المسدس ، شد صمام الأمان ليهئ خروج الطلقة التي إدخرها لسنوات من أجل هذه اللحظة ..
شخص العم ببصره و غمغم بالرفض و هو يتلوي في الكرسي
ليضحك “سفيان” و يقول بإسلوبه الماكر :
-نفس العيار إللي ضربت بيه أبويا . جبتهولك مخصوص يا عمي . بالله عليك ماتنساش لما تشوفه تسلملي عليه و تقوله سفيان إبنك .. هو إللي خدلك حقك
ثم ضغط علي الزناد ضغطة وحيدة حاسمة …
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
كانت درجة الحرارة لا تطاق في الشوارع عندما أوقفت “يارا” سيارتها داخل المرآب و هرولت مسرعة نحو منزلها الذي تظلله الأشجار ذات الأوراق الكبيرة
شعرت “يارا” أن الطقس قاتم و مكفهر مثل مزاجها تماما بعد العراك الذي نشب بينها و بين رئيس تحرير الجريدة التي تعمل بها كصحفية
لقد إشترطت علي ذلك الأرعن الرزيل قبل أن تلتحق بعملها بأنها لن تسافر إلي أي قرى أو نجوع لتغطية أي خبر كان
كانت توافق علي السفر إلي خارج البلاد أحيانا و ضمن فريق كامل من زملائها ، كانت تهوى تغطية الحفلات و المهرجانات و المؤتمرات ، هذا ما تفهم فيه أكثر
و لكن رئيسها لم يعجبه ذلك ، فأوكل إليها مهمة تغطية تحقيق مقتل عمدة إحدي القرى بالفيوم
لن تذهب ، لقد عقدت العزم علي هذا و إن وصلت إلي حد فصلها من الجريدة ، لن تسـافــــر …
غمغمت “يارا” بتذمر و هي تبحث في حقيبتها عن مفاتيح المنزل ، و ما أن أصبحت بالداخل حتي غمرتها الراحة النفسية
بحثت عن أمها و هي تهتف :
-مـامآااا .. مـامآااا . يا ميرڤــــت . إنتي فين يا حجة …
-إيه يابنتي الغاغة دي ؟ .. قالتها الأم بإنزعاج و هي تدخل من باب الشقة
تلتفت “يارا” لها و تقول بتبرم :
-إنتي كنتي فين يا ماما ؟ أنا كل ما أجي من برا ألاقاكي في حتة شكل . كنتي فين يا ميرڤت ؟
ميرڤت بضيق : سبيني في حالي ونبي يا يارا
لسا جاية من عند خالتك سعاد و مغمومة علي أخري و الله
يارا و هو تلوي فمها بإمتعاض :
-إيه إللي حصل تاني . مين المرة دي ؟ أحمد و لا كريم و لا هشام ؟
ميرڤت : هشام
يارا : و عمل إيه سي هشام ؟ إشجيني
ميرڤت : سرق طبنجة ظابط
يارا و هي تشهق بصدمة :
-يخربيته .. نهاره إسوود و عمل كده ليه ؟؟؟
ميرڤت : هو و صحابه كانوا صايعين إمبارح في الشارع لحد أخر الليل شافوا بنت ماشية بعربيتها مشيوا وراها و فضلوا يضايقوها لحد ما وقفهم أمين دورية . الظابط نزلهم و إداهم كام شتيمة فمسكوا فيه . واحد عوره و التاني كسرله إيده و إبن خالتك الباشا سرق طبنجته و جري هربان علي البيت
يارا بغضب : الحيوآان .. ده يستاهل قطع رقبته . طبعا خالتي مخبياه دلوقتي و البوليس بيدور عليه
ميرڤت بسخرية : البوليس قبض عليه يا حبيبتي
صاحبه الوحيد إللي إتمسك قر عليهم من أول ألم
يارا : يا نهآااار إسووود .. طيب محدش راح يخرجه و لا حد عمل أي حاجة ؟؟؟
ميرڤت بضيق شديد : لأ محدش عرف يعمله حاجة حتي الكفالة عشان يخرج ماينفعش . هيتحبس 15 يوم علي ذمة التحقيق و الله أعلم هترسي علي إيه
منه لله الواد ده هيجيب أجل أمه
يارا بتهكم ممزوج بالغيظ الشديد : لأ و إنتي الصدقة يا والدتي الـ3 مع بعض هيشلوا أختك عن قريب .. ثم أخرجت هاتفهها مكملة :
-عموما أنا هتصرف كلمي خالتو و طمنيها
ميرڤت بتلهف : بجد يا يارا ؟ هتعملي إيـــه ؟؟؟
نظرت “يارا” لها و قالت بتأفف :
-هعمل إيه ! هعصر علي نفسي فدان لمون و هكلم مستر هتلر
ميرڤت بإستغراب : هتكلمي مين ؟ إيه هتلر ده ؟!
يارا بضيق : الأستاذ شكري .. رئيس الزفت التحرير !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
هنا في هذا الحى القاهري الراقي و الذي يتميز بالعزلة و الهدوء بعيدا عن ضجيج المدينة … تبرز مساحة من الأرض
تقع في الجزء الجنوبي الغربي للمنطقة ، توضعت عليها ڤيلا آل”داغر” الفخمة الشامخة
الحراسة تطوق المنزل و الحركة ساكنة بالحديقة إلا من تمايل أغصان الشجر و زقزقة العصافير
تظهر إمرأة في العقد الرابع من عمرها عند الشرفة العلوية للمنزل ، تلقي نظرة قلقة علي مرآب السيارات و تطمئن فجأة حين لمحت سيارة أخيها في مكانها
تترك الشرفة و تنطلق صوب غرفته ، تفتحها دون أن تدق علي الباب و تدخل ..
كان الأخ مستغرقا في نومه بملابسه الداخلية ، أو تحديدا بالسروال الداخلي فقط كما هي عادته منذ صغره
إقتربت الأخت منه و وضعت يدها علي كتفه العاري ، هزته بلطف و هي تناديه :
-سفيـان .. سفيـان . يا سفيان إصحـي
يتململ “سفيان” مغمغما بضيق :
-إيــه يا وفـاء في إيـه علي الصبح
سبيني نايم شوية أنا ماكملتش ساعتين
وفاء بنبرة خفيضة : أنا بس كنت جاية إطمن عليك . خلصت الموضوع بهدوء زي ما إتفقنا ؟!
سفيان بصوت ناعس : أيوه . كله تمام ماتقلقيش .. يلا بقي إخرجي عايز أنـآاام
وفاء : طيب يا حبيبي هاسيبك . بس هبلغك رسالة من المتر سامح الأول . بيقولك ميرا خرجت من المستشفى من ساعة
و هنا هب “سفيان” من فراشه ناسيا نعاسه تماما :
-خرجت و راحت علي فين ؟ مين إللي خرجها ؟؟؟
وفاء : أمها .. أمها إللي خرجتها و خدتها علي البيت هو لسا مكلم المحامي إللي وكلناه في أمريكا و هو بنفسه إللي بلغه بالخبر ده
سفيان و هو يتوقد غضبا : و إزاي بنت الـ××××× دي تخرجها بدون علمي ؟
دي نهارها أزرق . أنا هسافرلها و هطلع ميـ××× أمها .. و كاد يمضي نحو خزانته
لتستوقفه أخته : إستني يا سفيان . الأمور مش بتتاخد كده
سفيان بعصبية : أومال بتتاخد إزآااي ؟
إنتي عايزاني أستني لحد ما بنتي تضيع عشان أتحرك ؟!!
مش كفاية سبتها مع أم مستهترة و بنت ستين كلب 16 سنة بحالهم ؟
البت أكيد شربت منها حاجات كتير لو سبتها أكتر من كده مش هتنفع لازم أجبها هنا في أسرع وقت
وفاء و هي تحاول تهدئته : ماتقلقش يا حبيبي هانجبها
إهدا إنت بس هي هتروح فين يعني ؟
أمها ماتقدرش تنقلها من مكانها في قضية شغالة و المحكمة كمان إسبوع و بعدين الشرطة هناك مش بتهزر .. إهدا بقي كله هيبقي تمام
زفر “سفيان” حانقا و قال بخشونة :
-لأ . مش هاهدا .. إطلبيلي سامح خليه يجي حالا
أنا داخل أخد دوش بسرعة .. و أكمل و هو ينطلق صوب المرحاض الملحق بالغرفة :
-و خلي حد يجبلي القهوة بتاعتي هنا
تنهدت “وفاء” و تمتمت يائسة :
-مافيش فايدة . لا بيرتاح و لا بيهدا أبدا . نآاار قايدة و مابتنطفيش !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في قسم الشرطة … داخل مكتب وكيل النيابة
تجلس “يارا” بجوار “شكري العبيدي” رئيسها في العمل ، تستمع بفتور إلي حواره الثقيل مثله مع الضابط
شكري بلهجته الرسمية : سيادة اللوا باعتلك سلام معايا يا حضرة الظابط و بيقولك تستعجلنا محضر الصلح لو تكرمت .. و ناوله كارت اللواء
الضابط و هو يلقي بالكارت فوق مكتبه بحركة إستخفاف : يا أستاذ شكري إنت مش محتاج كارت . يكفي مجيتك لحد هنا إنت شرفت القسم و الله
شكري بحبور : الله يخليك يافندم متشكر
الضابط : بس العيال دي لازم تتربى .. سبهملي يومين هنا و أنا هخلي سبيلهم و هراضي الأمين إللي إضرب بس بعد ما يتأدبوا شوية
إرتبك “شكري” و هو ينظر نحو “يارا” المستنكرة ، فعاد بنظره للضابط و قال بلطف :
-يا باشا إحنا طمعانين في كرمك . دول مجرد شباب صغيرين و غلطوا غصب عنهم . إعتبرهم زي إخواتك و هما كويسين و ولاد ناس و الله
معلش عشان خاطري أنا تخرجهم إنهاردة !
صمت الضابط لبرهة ، ثم قال بفم ممتعض :
-ماشي يا أستاذ شكري
عشان خاطرك إنت .. و الله ما بعملها مع حد عشان تبقي عارف بس
شكري بإمتنان : متشكر يا باشا . و إحنا كمان في الخدمة لو عوزت أي حاجة
الضابط : يا سيدي ربنا يبعدنا عنكم . الصحافة بالذات إحنا في حالنا و إنتوا في حالكوا
شكري و هو يضحك : برضو في الخدمة يا باشا
و خرج كلا من “شكري” و “يارا” بعد أن حصلا علي وعد من الضابط بإخلاء سبيل “هشام” .. في المساء سيعود إلي بيته
-أنا مش عارفة أشكرك إزاي يا ريس ؟ .. قالتها “يارا” بلهجة فاترة
ليرد “شكري” بصرامة تامة :
-لأ يا أستاذة يارا إنتي عارفة ممكن تشكريني إزاي .. التحقيق ده مهم و لازم يتغطى خصوصا إن بقيت الجرايد ماكتبتش عنه لغاية دلوقتي كله خايف يسافر بسبب الفوضى و الإنفلات الأمني إللي هناك دي فرصتنا
يارا بغضب ممزوج بالدهشة : يعني حضرتك بتقول الناس خايفة تسافر و فوضي و إنفلات أمني و ما شاء الله الجرنال مليان زملا رجالة ضاقت بيك أوي و عايز تبعتني أنا هناك ؟؟!!
شكري بجدية : إنتي بالذات لازم تسافري . إنتي مش مجرد صحافية شاطرة عندي لأ . إنتي كمان أحسن مصورة في الجرنال . و يا ستي لو كنتي خايفة من السفر لوحدك هبعت معاكي الأستاذ شمس محرر باب الحوادث و الوفيات أهو يساعدك في كتاية التقرير هو راجل خبرة برضو
يارا و هي تحتدم غيظا : هاخد معايا الأستاذ شمس الكفيف ؟ ده أنا كده إللي هشتغله داده طول الرحلة
إنت عايز توديني في داهية يافندم ؟!
زفر “شكري” و قال بضيق :
-إسمعيني . مش عايز جدال . إللي عندي قولته
يا تسافري بكره تغطيلي التحقيقات يا تدوري علي جرنال تاني تشتغلي فيه
يارا : بقي ده كلام يعني يا ريس ؟
شكري : هو ده الكلام بالنسبة لي . مهنة الصحافة لها ضريبة و الصحفي الناجح هو إللي بيكون مغامر و قلبه ميت حتي لو واحدة ست هتبقي بـ100 راجل و حواليكي أمثلة كتير يا أستاذة يارا
نظرت “يارا” له و قالت بصوت جاف :
-ده أخر كلام عند حضرتك ؟
زم “شكري” شفتاه و قال بصرامة :
-أيوه . و عايز ردك بكره الصبح عشان لو رفضتي ألحق أتصرف .. و أكمل بسخرية :
-و تلحقي إنتي كمان تشوفيلك جرنال خايب تشتغلي فيه علي كيفك و تفضلي صحفية درجة تالتة طول عمرك
عن أذنك يا أستاذة .. و رحل
ليزيد غضبها و غيظها إضطراما و هي تغمغم :
-صحفية درجة تالتة !!
طيب و الله لأوريك يا شارلوك هولمز إنت . هعرفك مين هي يارا الزهيري ……….. !!!!!!!!!!!!
يتبـــــع …
الفصل الثاني
~¤ أسفار ! ¤~
يخرج “سفيان” من الحمام مرتديا مئزره الأبيض … ليجد فنجان القهوة الذي طلبه بإنتظاره علي الطاولة
يحتسيه كله علي ثلاثة جرعات ، ثم يتجه صوب خزانته الضخمة ..
عمد علي تنسيق بنطلون رمادي مع قميص أبيض يعزز تقاسيم بنيته الرياضية ، و أرتدي حذاء من نفس لون القميص ، ثم إنتقل لقسم الإكسسوارات و العطور
فإرتدي ساعة يد إبتلعت معصمه الأسمر العريض و إتخذ سلسلة فضية تدلت منها قلادة ثلاثية الأبعاد علي شكل مرساة السفينة
و أخيرا مشط شعره بخفة و رش عطره القاتم النفاذ بغزارة ، ثم أسرع إلي الأسفل …
يقابل الخادمة في طريقه لتبلغه بوصول صديقه “سامح حمدان” المحامي ، خرج “سفيان” إلي الشرفة مسرعا فوجد صديقه يجلس هناك و يحتسي فنجانا من الشاي
تقدم نحوه و هو يهتف :
-سـآامح ! بنتي خرجت من المستشفى إزاي ؟؟؟؟
يرد “سامح” و هو يضع الفنجان علي الطاولة :
-صباح الخير يا سفيان
سفيان : بقــــــــولك بنتي خرجت من المستشفى إزاي ؟
سامح : طيب إزيك الأول !
سفيان بغضب : جرى إيه يا سامح
تنهد “سامح” و قال مبتسما :
-خلاص ماتتضايقش أوي كده .. بنتك خرجت من المستشفي مع أمها . الدكتور سمحلها بالخروج رجلها بقت كويسة و مافيش داعي تقعد أكتر من كده و هي كمان إللي طلبت تخرج
سفيان : و أنا قرطاس لب هنا صح ؟
أنا قولتلك أمها ماتشوفهاش لحد معاد المحكمة حصل و لا لأ ؟؟؟
سامح : حصل يا سيدي بس دي كانت رغبة بنتك هي قبلت تشوف أمها و إنت عارف الأمريكان عندهم Democracy و حقوق إنسان و ليلة بيضة و حضرتك عربي و مسلم هيسمعوا كلامك و لا كلام أمها الأمريكانية !!
سفيان بإنفعال : أمها الأمريكانية دي مدمنة خمرة و كانت محبوسة من 4 شهور في المستشفى . أمها ماتقدرش تراعيها و لا تاخد بالها منها دي ممكن تبيعها لو هتجبلها تمن إزازة ويسكي
سامح بثقة : ماتقلقش عليها ماتقدرش تعملها حاجة إحنا عندنا عيون برا و لا نسيت ؟
سفيان : نهــايته .. أنا عاوز أسافرلها إنهاردة شوف هتعمل إيه إحجزلي علي أول طيارة أو حتي شوفلي طيارة خاصة المهم أبقي عندها الليلة دي
سامح بإستنكار : يعني إيه إللي بتقوله ده ؟
ماينفعش تسافر اليومين دول شغلنا المهم و قضية عمك إللي إتقتل و إعلام وراثة و بلاوي زرقة عايز تسيب كل ده و تسافر ؟
سفيان : أه هسافر و إنهاردة إعمل إللي بقولك عليه من سكات
سامح : يابني إنت ماينفعش إللي بتقوله
طيب قول لسا قضية عمك بيتحقق فيها و مش مهمة . لكن الصفقة إللي عقدناها مع الجماعة الألمان . دول مابيهزروش و إنت عارف ماينفعش نتأخر عليهم
سفيان بصرامة : قلت هسافر يعني هسافر
يولعوا كلهم بجاز مايهمنيش و إنت عارف بردو .. ثم قام مكملا :
-أنا طالع أجهز شنطتي تكون جهزتلي رحلة علي هناك
و أعمل حسابك هتيجي معايا
و لم يعطيه “سفيان” فرصة للإعتراض ، فمضي مسرعا إلي الداخل و صعد لغرفته
إصطدم بأخته بالأعلي ، لتسأله :
-إيه يا سفيان ماشي متلهوج كده ليه ؟
سفيان : مستعجل . ورايا مشوار
وفاء بإستغراب : مشوار تاني ؟ رايح فين المرة دي ؟
سفيان بصوته القوي :
-رايـح أجيب بنتــي !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
تذهب “يارا” برفقة “هشام” إبن خالتها إلي منزلهم بعد أن ضمنته في القسم …
تقابلها الخالة بحفاوة شديدة و تحضتنها بقوة و هي تهدل :
-يا حبيبة قلبي . يا روحي يا غالية يا بنت الغالية
مش عارفة أعملك إيه يا ريري بس فرحتي بيكي ماتتوصفش ربنا يخليكي لينا يا رب
يارا بإبتسامة متكلفة :
-ماتقوليش كده يا خالتو أنا ماعملتش حاجة بالعكس ده واجب عليا .. ثم نظرت نحو “هشام” و أكملت :
-أهم حاجة بس الأستاذ ده يتعلم من غلطه و يمشي عدل بعد كده
نظرت “سعاد” لأبنها و قالت بغيظ :
-ده الأستاذ ده له حساب تاني معايا .. و رحمة أبوك يا هشام ما هطول مني مليم و عربيتك إنساها هديها لأخوك كريم و المدرسة كمان مانتش رايحها
هشام : نعــم ! إيه إللي بتقوليه ده يا ست الكل ؟
مافيش الكلام ده إنتي بتكلمي عيل صغير !!
سعاد : أااه بكلم عيل صغير . لما تروح تمشي مع الصيع و تقلدهم في السفالة و قلة الأدب ده هيبقي إسلوبي معاك لحد ما تتعدل و أشوف ده بعيني
هشام بنظرات محتقنة :
-بقي كده يا ماما !
سعاد : كده يا روح أمك و إن كان عجبك
هشام : مآاااشي . بس إبقي إفتكريها .. و ذهب إلي غرفته
لتسمعه “يارا” يصفق الباب بعنف تهتز له الأبدان ..
-خبطة في نفوخك إن شاء الله يا قليل الآدب .. قالتها “سعاد” بصوتها الجهوري
فضحكت “يارا” بخفة و قالت :
-طيب عن إذنك بقي يا خالتو . همشي عشان إتأخرت علي ماما
سعاد بلطف جم :
-لأ يا حبيبتي تمشي إيه ؟ إنتي هتتعشي معانا ده أحمد زمانه جاي من الشغل و هيفرح أووي لما يشوفك .. و غمزت لها
يارا بضيق : معلش يا خالتو لازم أمشي
مرة تانية إن شاء الله
سعاد : طيب إستني أنا كنت عايزة أسألك سؤال
ردك إيه يا حبيبتي علي الموضوع إللي أمك كلمتك فيه
نظرت “يارا” لخالتها و قالت بجدية :
-بصي يا خالتو
أولا أنا مش بفكر في الجواز الفترة دي نهائي . ثانيا أحمد زي أخويا إحنا إتربينا سوا و أنا مش هقدر أبصله من منظور تاني
سعاد و قد تلاشت إبتسامتها :
-يعني إيه ؟ بترفضي إبني يا يارا ؟؟!!
يارا : يا خالتو بليز ماتزعليش مني
بس أنا من حقي إختار الراجل إللي هتجوزه . أهم حاجة عايزاها في الإنسان إللي هرتبط بيه إني أكون مليا عنيه و بصراحة سوري يعني إبنك صايع و بتاع بنات مقضيها و كل يوم مع واحدة
سعاد : يا بنتي دي إشاعــات و الله إشاعـآاات
إنتي بتصدقي كلام الناس ؟ طب و الله و ما ليكي عليا يمين احمد هو إللي كلمني عليكي بنفسه . يابنتي إنتي ناسية من و إنتوا أد كده و هو لازق فيكي ده طول عمره بيحبك
يارا بإبتسامة باهتة :
-طيب خلاص يا خالتو أوعدك هفكر في الموضوع تاني
يلا بقي سلام
سعاد : مع السلامة يا غالية . إبقي طمنيني لما توصلي
خرجت “يارا” من بيت خالتها و هي تتنفس الصعداء
ركضت نحو سيارتها و صعدت خلف المقود ، بحثت عن هاتفهها ، ثم أجرت الإتصال بوالدتها …
يارا : أيوه يا ماما .. أه وصلت البيه .. أيوه خالتو فرحانة أوي
المهم يا ماما إسمعيني . عايزاكي تدخلي تحضريلي شنطة هدوم صغيرة كده .. مسافرة الفيوم أغطي تحقيق للجرنال
هاروح أحجز تذكرة القطر دلوقتي .. لازم أسافر الليلة دي عشان أكون هناك الصبح إن شاء الله .. حاضر . مش هتأخر .. سلام !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
مطار العاصمة واشنطن , مقاطعة كولومبيا , الولايات المتحدة الأمريكية … كان فرق التوقيت واضحا
عندما نظر “سفيان” في ساعة يده فوجدها تشير للحادية عشر مساءً بتوقيت القاهرة ، بينما في ساعة المطار الضخمة تشير إلي الخامسة صباحا
ضبط ساعته علي التوقيت الحالي ، ثم إلتفت إلي “سامح” قائلا :
-العربية وصلت يا سامح ؟
سامح : أيوه يا عم وصلت و الشنط طلعت
يلا بينا
و مضيا سويا إلي الخارج ، إستقلا سيارة ليموزين كانت في إنتظارهما … ليجدا المحامي الأمريكي يجلس في مقعد بمفرده منتظرا قدومهما هو الأخر
-أهلا بكما ! .. قالها المحامي الإنجليزي بلغته الأم ، و تابع و هو يصافح “سفيان” بحرارة :
-سيد سفيان . سعدت بلقائك كثيرا
سفيان ماضيا بإنجليزيته الممتازة :
-سعدت بلقائك أيضا سيد چورچ
أخبرني من فضلك . كيف حال إبنتي ؟
چورچ : إنها في أحسن صحة . سترى بنفسك
بيت السيدة ستيلا لا يبعد كثيرا عن هنا . سنكون هناك في غضون خمسة عشر دقيقة
سفيان : حسنا جدا
و أعطي “چورچ” للسائق الأمر بالإنطلاق ، لتتجه السيارة إلي بيت السيدة “ستيلا براون” زوجة “سفيان الداغر” السابقة ..
وصلوا قبل الوقت الذي إقترحه “چورچ”
فترجل “سفيان” أولا و هو ينظر إلي ذلك البيت الذي يتألف من طابقين ، تحيط به المرج الخضراء و تطوقه أشجار الأرز العالية بجذوعها التي تغطيها الطحالب و تتدلي من أغصانها ..
تقدمه المحامي ، و مشي “سفيان” مع “سامح” جنبا إلي جنب … شعر بقلبه يخفق في صدره كعصفور وجل ، فمع كل خطوة تتقلص المسافة أكثر بينه و بين إبنته التي لم يراها منذ كانت في العاشرة من عمرها
دق “چورچ” جرس المنزل و إنتظر لدقيقة ..
ففتحت “ستيلا” بنفسها
سيدة في منتصف الثلاثينيات ، بيضاء نحيلة ، متوسطة القامة ، شعرها الأشقر الناعم يصل إلي كتفيها ، و عيناها الزرقاء باهتة تحيط بها الهالات الناجمة عن السموم التي تتناولها ..
ما أن رأت “ستيلا” زوجها السابق حتي إبتسمت ساخرة و قالت :
-كنت أعلم إنك ستأتي في أسرع وقت . كيف حالك يا عزيزي ؟
أظلمت نظرات “سفيان” و لمحت “ستيلا” في وجهه هبوب عاصفة مدمرة لا تبقي و لا تذر ..
نطق أخيرا ، فقال لها بنبرة عدائية تحمل تهديدا صريح :
-ستيلا .. جئت لآخذ إبنتي !
ستيلا بإستخفاف : فلتأخذها طبعا و لا داعي للمحاكم و القضايا . إنها إبنتك أيضا
لقد كبرت و أصبحت بحاجة إليك أكثر مني .. و أكملت بمكر :
-و لكن بشروط يا حبيبي .. تفضلوا بالدخول أولا
و أفسحت لهم مجالا للدخول …
ولج “سفيان” بعد “چورچ” و أتبعه “سامح” … جلس الجميع بغرفة المعيشة ، و قبل أن يفتتح أيا منهم حديثا
إقتحمت “ميرا” المكان و علي وجهها إبتسامة مشرقة ..
نظرت إلي والدها بعدم تصديق ، و بدوره وقف “سفيان” يرمقها بشوق كبير .. إنطلقت “ميرا” نحوه حتي إستقرت بأحضانه
ضمها بحنان أبوي و هو يمسح علي شعرها الكستنائي الأملس ، لتهمس له بعربيتها الركيكة :
-دآادي . وهـشتني ( وحشتني ) كتيييييير
يبعدها “سفيان” عنه قليلا ، ثم يقول و هو ينظر لها بسعادة مفرطة :
-إنتي وحشتيني أكتر . ميرا حبيبتي
كبرتي !
ميرا و هي تنظر إلي وجهه المنحوت و تتأمل وسامته المتزايدة :
-و إنت لسا صغير … زي ما إنت
كان “سامح” في وادٍ أخر … كان يقف كالصنم ، مأخوذا بجمال تلك الحورية التي يستأثر بها صديقه
لم يصدق أنها إبنته ، هو يعلم أن له إبنة في مبتدأ سن المراهقة ، كان يتخيلها مجرد طفلة علي مطلع البلوغ
و لكن من رآها الآن أنثي بالغة بكل ما في الكلمة من معني ، أنثي بلغت كمالها … إنها تشبه والدتها إلي حد كبير و لا شك ، و لكنه إستطاع رؤية أطوار صديقه طاغية عليها ..
حمحم “سامح” بإرتباك و قال و هو يواصل النظر للفتاة الجامحة التي تقف أمامه :
-هي . هي دي ميرا ؟ .. دي بنتك يا سفيان ؟؟!!
نظر “سفيان” له و قال بحدة :
-إيه يا سامح جرالك إيــه ؟
سامح بتوتر : مافيش حاجة . أنا قصدي ما شاء الله عليها يعني ماتخيلتهاش كده .. ربنا يخليهالك
و فشل أن يحيد عنها ، ليرمقه “سفيان” بضيق شديد …
و هنا أعلنت “ستيلا” بصوتها الرقيق :
-و الآن لنتفق يا .. أبا ميرا
إذا كنت تريد إبنتك بدون مشاكل . فلتدفع ثمنها أولا ….. !!!!!!
يتبـــــع …
الفصل الثالث
~¤ كنز ! ¤~
تستيقظ “يارا” علي صوت محصل التذاكر …
تنظر حولها بإستغراب فتدرك مع هزات عربة القطار المتجه إلي الفيوم بأنها ذاهبة في رحلة عمل
-خير يا حضرة ! .. قالتها “يارا” بصوت متحشرج و هي تعتدل بمكانها
المحصل : تذكرتك يا أستاذة . باقي ربع ساعة و نوصل الفيوم إن شاء الله
تثاءبت “يارا” و هي تخرج التذكرة من حقيبتها
أعطتها له و نظرت من النافذة ، لترى ريف الفيوم يقترب و النخيل و أبراج الحمام تلوح من بعيد
إبتسمت و أمسكت بهاتهها لتحدث أمها :
-أيوه يا ماما .. أنا وصلت يا حبيبتي .. حاضر .. هبقي أكلمك كل شوية .. و إنتي كمان خدي بالك من نفسك .. مع السلامة … و أغلقت معها
دقائق و أطلق القطار بوق الوصول ، فقامت “يارا” و إرتدت حقيبة ظهرها ، ثم أنزلت حقيبة السفر المتوسطة من علي الرف العلوي و همت بالخروج إلي الرصيف ..
خرجت من المحطة و أوقفت تاكسي ، طلبت من السائق أن يقلها إلي نقطة الشرطة … و بعد أن أوصلها طلبت منه أن ينتظرها قليلا ، ثم نزلت و ولجت إلي ذلك المخفر المتواضع
قابلت المأمور بالداخل ، ليرحب بها مظهرا الكثير من اللطف :
-أهلا . أهلا و سهلا يا أستاذة نورتي طامية و الفيوم كلها
يارا بإبتسامة : منورة بأهلها يافندم . شكرا لحضرتك
المأمور : إتفضلي أقعدي . تشربي إيه ؟
يارا و هي تجلس :
-و لا أي حاجة . أنا لسا واصلة أساسا و قلت أجي علي هنا الأول أشوف التحقيقات وصلت لحد فين و بعدين أروح أشوفلي فندق أحجز فيه يومين
المأمور : قصدك التحقيقات إللي تخص حادثة عمدة كفر الدواغرة ؟
يارا : هو في غيره يافندم
المأمور : بصي عموما التحقيقات لحد دلوقتي سطحية جدا . مافيش حد بعينه و لا واحد بس مشتبه فيه
الحادثة غامضة جدا و الطب الشرعي في تقريره المبدئي قال إن طلقة الرصاص إللي خرجوها من دماغ العمدة طلعت من مسدس كاتم للصوت و مافيش بصمات في الدوار كله تدل علي شخص غريب دخل في الليلة دي
و الخفرا بيقولوا ماشوفناش حد و لا حسينا بحاجة أبدا
من الأخر يا أستاذة إللي عملها شخص محترف زي ما بيقولوا . إرتكب جريمة نضيفة جدا و مش سايب ورا أي أثر
يارا بإهتمام : طيب إنتوا مش بتشكوا في حد من أهل البلد ؟
يمكن العمدة عنده أعداء مثلا
المأمور و هو يضحك :
-مش يمكن يا أستاذة . منصور الداغر عدو البلد كلها
الله يرحمه بقي كان جبرووت مايقدرش عليه إلا ربنا
يارا : طيب ولاده إللي ماتوا من فترة ؟ تفتكر حضرتك القاتل هو هو قتلهم و بعدين قتل أبوهم ؟؟؟
المأمور : إحتمال وارد طبعا
رغم إن في شهود عيان قالوا إنهم كانوا أكتر من واحد شافوهم و هما بيغرقوا بدر و خيري و ياسر في السواقي
يارا بصدمة : كان في شهود عيان علي كده و محدش حاول ينقذهم !!!
المأمور بجدية : يا أستاذة الناس هنا غلابة . كل واحد في حاله همه مكفيه و محدش هيروح للمصايب برجليه خصوصا إن دول ولاد العمدة لو كان حد إدخل و المجرم الحقيقي هرب التهمة كانت هتمسك في البرئ إللي مالهوش ذنب . منصور الداغر كان مفتري و حرقته علي عياله كانت هتخليه يهبش في أي حد حتي لو كان عارف أنه مظلوم
عبست “يارا” و تنهدت بثقل .. ليكمل المأمور :
-عموما بردو التحقيقات لسا مكملة . إبن أخو العمدة لازم يتابع معانا بنفسه بس هو مش في مصر اليومين دول المحامي بتاعه قالنا مسافر لأسباب خاصة و راجع علطول مش هيتأخر يعني
نظرت “يارا” له و إبتسمت بجهد قائلة :
-ماشي يافندم .. أنا متشكرة جدا علي وقت حضرتك
هستأذنك دلوقتي بقي هاروح أحجز في أي فندق و بعد ما أرتاح من السفر هاجي عشان أصور الدوار و المكان إللي تمت فيه الجريمة و كمان أخد نسخة من التحقيقات لو أمكن يعني
المأمور : طبعا ممكن . ماشي أنا هبعت معاكي خفير يأمنلك السكة عشان القلق إللي داير في البلد و أبقي أشوفك بكره إن شاء الله
قامت “يارا” و صافحته و هي تقول :
-إن شاء الله يافندم . و متشكرة مرة تانية !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
أما في نصف الكرة الأرضية الأخر …
حيث تسير تلك السيارة الفـارهة بأرقي شوارع العاصمة الفيدرالية للولايات المتحدة ( واشنطن ) .. كان “سفيان” و إبنته يجلسان وحدهما بالخلف
بينما ترك “سامح” مع المحامي الأمريكي “جورچ بويد” ليتمم إجراءات التسوية التي توصل لها مع زوجته السابقة
فقد إقترحت “ستيلا” أن تتنازل عن حضانة إبنتها مقابل مبلغ طائل من المال ، و بالطبع وافق “سفيان” بدون مجادلة
طلب من “چورچ” إعداد الأوراق في الحال و بعد أن سجلت إمضتها حول لها ثلاثة مليون دولارا في حسابها البنكي
ثم أخذ إبنته بالثياب التي ترتديها فقط و مشي …
كانت مندسة تحت إبطه ، متوسدة صدره و مطوقة خصره العريض بذراعيها .. بينما كان يمسد علي شعرها بحنان و يقبل رأسها من حين لأخر ، كان بغاية السرور
حتي شعر بقطرات رطبة تتساقط علي ظاهر يده الملقاة في حجره
رفع يده ليجدها قطرات دموع إبنته ..
سفيان بقلق : ميرا !
إنتي كويسة يا حبيبتي ؟ إنتي بتعيطي ؟؟!!
وجدت صعوبة في إبتلاع ريقها قبل أن تجيب :
-لا دادي . مش بآيط ( بعيط ) .. I’m Okay
لامس “سفيان” خدها المبلل بالدموع و قال :
-إيه إللي مزعلك يا ميرا ؟ إنتي مش عايزة تنزلي معايا علي مصر ؟ عايزة تقعدي هنا ؟ بس أنا مقدرش أسيبك هنا أبدا
ميرا : أنا مش آيزة ( عايزة ) أفضل هنا دادي . إنت فهمتني غلط .. أنا مبسوطة إنك جيت آشاني ( عشاني ) و مبسوطة إني هسافر مآك ( معاك )
سفيان : أومال مالك طيب ؟ ليه الدموع دي ؟ سببها إيه يا حبيبتي ؟
ميرا بصوت كالأنين :
-سببها مامي . أنا مش كنت فاكرة أبدا إنها ممكن تتنازل آني ( عني ) بالسهولة دي . I’m shocked لهد ( لحد ) دلوقتي
مامي ماكانتش كده . مش آرفة ( عارفة ) هصلها ( حصلها ) إيه !!
سفيان و هو يربت علي كتفها بلطف :
-أمك عمرها ما حبتك يا ميرا . للآسف . مافيش أم بتحب بنتها و تقبل أنها تبيعها أو تتنازل عنها مهما كانت الأسباب
بس ماتزعليش . أنا جمبك مش هاسيبك أبدا I Promise you
نظرت “ميرا” له و قالت بإبتسامة :
-و أنا مش هاسيبك Never Ever دادي .. و طبعت قبلة خاطفة علي خده
-حبيبتي .. غمغم “سفيان” و هو يضغطها في حضنه أكثر ، و تابع :
-أنا هاعوضك . هحققلك كل أحلامك و كل إللي بتتمنيه
كل إللي ملكي ليكي يا ميرا
………………
في كاڤيتيريا المطار … كانت “ميرا” جالسة وحدها علي طاولة صغيرة ، تحتسي كأسا من عصير البرتقال و تأكل سندويشا
بينما يقف “سفيان” مع “سامح” علي بعد مسافة قليلة منها ، لم يحيد بناظريه عنها مطلقا و هو مستمر في نقاشه مع صديقه ..
سامح بغير رضا :
-إنت إتسرعت يا سفيان . 3 مليون دولار كتير أوي علي بنت الـ××× دي
سفيان بهدوء مستفز : مش كتير و لا حاجة .. بنتي عندي أغلي من كنوز الدنيا . و لا كنت عايزني أسيبها لها !
سامح : أنا ماقولتش كده . بس بالعقل
المحكمة كانت كده كده هتحكملك إنت بالحضانة يبقي كان إيه لازمته إللي عملته ده ؟!
سفيان بجدية : أنا فكرت في بنتي . بدل ما أعرضها للمواقف دي و أوقفها في محاكم بيني و بين أمها إشتريت راحتها و نفسيتها بالفلوس . عادي أومال أنا بعمل الفلوس دي كلها لمين ؟ ما كله ليها يا سامح و المبلغ ده مش كبير أوي يعني
سامح : 3 مليـــوون دولار مبلغ مش كبيــر !!!
سفيان : تغور بيهم . المهم بنتي زي ما قولتلك و إللي عندي كتير بردو . أنت المحامي بتاعي و عارف ثروتي أد إيه
سامح : بس آ ..
-مابسش .. قاطعه “سفيان” بصرامة ، و أكمل :
-أنا دفعت 3 مليون دولار إنهاردة و رجعت بنتي لحضني . أحسن ما كنت هستني إسبوع لحد ما المحكمة تحكملي
الصفقة كسبانة يا سامح مش خسارنة و إحنا كلنا راجعين علي مصر إنهاردة . ماكملناش هنا 24 ساعة
زم “سامح” شفتاه متعجبا ، لكنه قال بإستسلام :
-و الله إللي إنت شايفه . من حكم في ما له ما ظلم
و هنا هدر نداء الرحلة عبر مكبرات الصوت …
توجه “سفيان” نحو إبنته و علي وجهه إبتسامة مشرقة ، ليتبعه “سامح” مزدردا ريقه بتوتر .. فكلما وقعت عيناه علي تلك المخلوقة يرتبك بداخله بشكل لا يطاق
حيث تغدو تصرفاته و مشاعره مفضوحة ، و لكن عليه أن يتحكم بنفسه و يتوخ الحذر ، فهذه ليست كأي فتاة
إنها فتاة “سفيـان الداغـر” …………… !!!!!!!!!!
يتبــــع ….
الفصل الرابع
~¤ تمييز ! ¤~
صباح يوم جديد … و تستعد “يارا” لبدء العمل الذي أتت من أجله
تركت الفندق الذي نزلت به ، و ركبت السيارة التي بعثت لها خصيصا بتوصية من المأمور و وصلت إلي مسرح الجريمة
دوار عمدة كفر الدواغرة .. “منصور الداغر” …
إلتقطت عدة صور للمنزل من الخارج و من مختلف الزوايا ، ثم أمسكت بالمسجل خاصتها و شغلته و أخذت تصف المكان و هي تلج إلي الداخل
أخذت جولة في الطابق السفلي ، ثم صعدت إلي غرفة القتيل … كانت حالها ، لم يلمس أحد أي شئ و هو الأمر الذي شدد عليه الضابط الذي يرافقها
حذرها بالإحتراس بأن تمس يدها أي شئ ، فأطاعت و واصلت عملها بروية و هدوء ..
صورت كل ركن بالغرفة
الفراش الفوضوي ، و النافذة المفتوحة ، و متعلقات القتيل ، علاجه و نظارته الطبية و عكازه و الكرسي المتحرك الذي كان يستخدمه
ثم جاءت عند البقعة المحظورة …
الكرسي الذي وجدوا عليه جثة “منصور الداغر” مكبلة بالحبال بعد أن تلق رصاصة في رأسه أردته قتيلا
أمسكت “يارا” بالكاميرا و قربت العدسة من الكرسي المنداحة فوقه الدماء ، دماء داكنة … متجلطة ، ثم إلتقطت أول صورة
……………..
-صباح الخير يافندم ! .. قالتها “يارا” و هي تقف عند باب مكتب المأمور
ينظر الرجل الأربعيني نحوها و يهتف بترحاب :
-أهلا و سهلا يا أستاذة . نورتينا تاني إتفضلي
إبتسمت “يارا” و دخلت
جلست أمامه فسألها : ها كله ماشي تمام و لا إيه ؟ خلصتي شغلك و لا لسا و مش محتاجة مساعدة ؟
يارا : متشكرة جدا يافندم حضرتك وفرت عليا كتير جدا
يعني بالشكل ده أنا همشي إنهاردة إن شاء الله
المأمور مداعبا : يآااه بسرعة كده !
إحنا لسا ماشبعناش منك و مش كل يوم مصر بتبعتلنا الحلويات دي
يارا بإبتسامة متكلفة :
-معلش بقي هبقي أعملكم زيارة قريب .. ثم قالت :
-المهم أنا كنت محتاجة نسخة من التحقيقات زي ما قلت لحضرتك إمبارح و كمان عايزة عنوان إبن أخو المجني عليه في القاهرة
المأمور بدهشة : و عايزة عنوانه ليه يا أستاذة ؟
يارا : عايزة عنوانه عشان أروح أعمل تحقيق صحفي معاه المقالة لازم تبقي كاملة يافندم
المأمور بتردد : مش عارف !
يارا : مش عارف إيه حضرتك ؟!
المأمور : مش عارف مسموحلي أديكي العنوان و لا لأ
يارا : يافندم هو عنوان وزير الداخلية !!
ده مواطن عادي و أنا صحفية و هيبقي معايا تصريح من الجريدة
صمت المأمور لبرهة ، ثم قال موافقا :
-ماشي . هكتبلك العنوان دلوقتي .. و أمسك بالورقة و القلم و بدأ بتدوين العنوان
يارا بإبتسامة نصر :
-ميرسي أوي !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في مطار القاهرة …
كانت “ميرا” متآبطة ذراع والدها .. عندما خرجوا جميعا إلي صالة الإستقبال ، لترى والدها يلوح ييده مشيرا إلي شخصا ما
نظرت حيث ينظر فوجدت إمرأة سمراء ، متناسقة القوام ، تشبه أبيها إلي حد كبير و لكن تبدو أكبر سنا منه قليلا ، علي وجهها مسحة جمال و كان الذكاء يشع من عيتيها البنيتين ..
أقبلت عليهم مبتسمة و متلهفة في آن
تفاجأت “ميرا” حين رمت المرأة ذراعيها حولها و جذبتها إلي حضنها
نظرت إلي والدها بإرتياب ، فإبتسم “سفيان” و قال لها :
-ماتخافيش يا ميرا . دي عمتك وفاء .. تبقي أختي يعني
وفاء و هي تنظر لها بحبور شديد :
-إيه يا حبيبتي إنتي مش فكراني ؟ أنا عمتو وفاء . ده أنا كنت بشيلك و إنتي صغيرة
سفيان بسخرية : كان عندها سنتين هتفتكرك إزاي يا وفاء
وفاء و هي تضحك :
-عندك حق و الله .. و أكملت بفرح :
-بس ما شاء الله كبرتي و بقيتي عروسة ده أنا كان نفسك أشوفك أوووي
ميرا برقتها المعهودة :
-Thanks , أنا كمان مبسوطة كتير آشان ( عشان ) شوفتك
و هنا لاحظت “وفاء” مرافق أخيها و إبنته
نظرت إلي “سامح” و قالت و هي تسبل جفناها بشئ من الخجل :
-إزيك يا سامح ؟
سامح : تمام يا وفاء هانم الحمدلله
إزي حضرتك ؟
وفاء : كويسة الحمدلله .. إنت هتيجي تتعشا معانا بقي أنا طابخة إنهاردة بنفسي بمناسبة وصول ميرا
سامح و هو ينظر إلي “ميرا” بتيه :
-طبعا . طبعا جاي .. و أدرك نفسه بسرعة
ليحاوط “سفيان” خصر إبنته بذراعه و يقول :
-طيب يلا بينا من هنا . أنا تعبان علي الأخر و بقالي ليلتين مانمتش !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
نزلت “يارا” من القطار … إلي رصيف المدينة القاهرية الأصيلة
رغم أنها غابت ليوم واحد و لكنها شعرت بالغربة ، الآن فقط غمرتها الراحة و السكينة
إتصلت برئيسها قبل أي شئ ..
يارا : أيوه يا أستاذ شكري . أنا وصلت
شكري : عملتي إيه يا يارا ؟؟؟
يارا بتفاخر : كله تمام يا ريس هشرفك ماتقلقش
شكري : أهم حاجة الشواهد و الإثبتات إحنا مش عايزين نقدم سبق صحفي و بس إحنا عايزين نقدم أدلة
يارا : إطمن أنا عملت شغل واثقة إنه هيعجبك أوي
بس فاضلي خطوة صغيرة
شكري : إيه هي ؟
يارا : قبل ما أجي طلبت عنوان … و حكت له ما حدث
شكري : بتقـــوولي إيــــه ؟؟؟ إنتي إتجننتي يا أستاذة !!
تصريح إيه إللي هتاخديه من الجريدة من إمتي الصحافة بيبقي معاهم تصاريح خارج المؤسسات المهمة ؟
و بعدين الراجل إللي عايزة تروحيله ده معروف ده من أكبر رجال الأعمال في البلد و العالم كله إوعي تتجنني و تروحيله أنا بحذرك
يارا بعبوس : الله ! ده ماكنش كلامك ليا يا ريس
مش إنت إللي قولتلي الصحفي الناجح بيبقي قلبه ميت و حتي لو ست بتبقي بـ100 راجل ؟!
شكري : أيوه قلت كده بس كل حاجة و ليها حدود
روحي علي بيتك يا يارا و بكره الصبح لينا كلام . هنرتب مع بعض لنشر الأخبار إللي جبتيها و ممكن نتواصل مع سفيان الداغر لو وافق يمدنا بأي معلومات هبعتك له . لو ماوافقش يبقي تنسي مفهـــوووم ؟؟؟؟
يارا بإمتعاض : مفهوم !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في ڤيلا آل”داغر” …
كانت “ميرا” بغرفتها ، تقف أمام الخزانة الملأى بالثياب مشدوهة .. ظلت هكذا حتي دق الباب و وجدت عمتها تلج إليها
-حبيبة قلبي جهزتي ! .. قالتها “وفاء” بإبتسامة ودية
نظرت “ميرا” لها و قالت :
-أنطي وفاء !
مين جاب كل الهدوم دي ؟؟!!
وفاء و هي تقترب منها :
-أنا يا حبيبتي إللي نزلت و جبتلك كل الحاجات دي .. و أكملت بقلق :
-إيه مش عجبينك !!
ميرا : لا لا I like it
هلوين ( حلوين ) أوي Don’t worry . بس أستغربت مش أكتر
وفاء بإبتسامة : لأ يا حبيبتي إزاي . ده أنا كان الود ودي أشتريلك الدنيا بحالها . أول ما أبوكي قالي هجبها تعيش معانا هنا الفرحة ماكانتش سايعاني
أوام بقي جهزتلك الأوضة دي و نزلت أجبلك لبس و كل حاجة ممكن تحتاجيها . صحيح عجبتك أوضتك ؟
ميرا برقة : So Pretty . أنا مش آرفة ( عارفة ) أقولك إيه !
وفاء : ماتقوليش أي حاجة .. ده بيتك يا حبيبتي و بيت أبوكي أنا هنا ضيفة
ميرا : إنتي هبيبتي ( حبيبتي ) .. و إحتضنتها
ضحكت “وفاء” و قالت :
-لينا قاعدة مع بعض بردو عشان أظبطلك عوجت اللسان دي
قوليلي صحيح إنتي إتعلمتي عربي إزاي ؟
ميرا و هي تنظر لها :
-من علي الإنترنت . و عندي صحاب آرب ( عرب ) و كمان كنت بتكلم مع دادي Chatting كتير
وفاء بإعجاب : كمان بتعرفي تكتبي عربي ؟
أومأت “ميرا” بالإيجاب
وفاء : شطوورة يا روحي
طيب يلا بقي إلبسي عشان العشا جهز و أنكل سامح وصل
ميرا : دادي صهي ( صحي ) ؟
وفاء : أيوه يا حبيبتي لسا سايباه بيلبس هو كمان . يلا بقي قدامك 10 دقايق بالظبط .. و خرجت
لتعود “ميرا” إلي خزانتها …
إختارت فستانا رياضيا و إنتعلت خف عملي ، ثم خرجت و ذهبت إلي غرفة أبيها
دقت علي الباب ، ثم فتحته قليلا ..
-دادي ! .. قالتها “ميرا” بلهجة كمن يستأذن
إلتفت “سفيان” إليها و قد كان يمشط خصلات شعره الناعم :
-حبيبتي .. تعالي … و فتح لها ذراعاه
مشت “ميرا” ناحيته مبتسمة ، و رست بهدوء في أحضانه
سفيان و هو يمسد علي شعرها :
-إيه القمر ده ؟ معقول أنا عندي بنت بالجمال ده كله !!
ميرا و هي تضحك :
-إنت كمان هلو ( حلو ) Mr سـُفيان
ضمها “سفيان” أكثر كأنه يعوض سنوات العجاف و الحرمان منها ، ثم قال :
-Mr سفيان من إنهاردة تحت أمرك يا برنسيس . مالي و أملاكي كلها هحطها تحت رجليكي . أنا مش عايش أصلا غير ليكي .. إنتي كل حياتي يا ميرا
نظرت “ميرا” له و إبتسمت بحب …
لتلحظ شيئا إتسعت له عيناها الزقاوتان :
-OMG !!
سفيان بإستغراب : مالك يا حبيبتي ؟!
ميرا و هي تفك أزار قميصه العلوية :
-impossible .. دآادي إنت آمل ( عامل ) تاتو !
سفيان بتلك الإبتسامة التي لا يمنحها إلا لها هي فقط :
-إسمـك ! و أشار إلي حروف إسمها التي نقشت باللغة السريانية
علي صدره ، فوق موضع قلبه مباشرةً …….. !!!!!!!!!!!!
يتبــــع …
الفصل الخامس
~¤ غزال ! ¤~
تستيقظ “يارا” في الصباح التالي في ساعة أبكر من المعتاد
تقوم بتجهيز حقيبة ظهرها الصغيرة ، ثم ترتدي ملابسها الفلكلورية المؤلفة من قميص أبيض مشحوذا عند منطقة الصدر مما أعطاها مظهرا مثيرا ، و بنطلون من الچينز الداكن
أسدلت شعرها الفاحم الطويل و تركته حرا علي ظهرها ، ثم إنتعلت حذاءً رياضيا من العلامة التجارية Gucci ..
أخذت هاتفهها و خرجت من غرفتها ، وجدت أمها تضع الفطور علي المائدة
قبلتها علي خدها قبلة الصباح
لتنظر “ميرڤت” لها و تقول بدهشة :
-إيه يابنتي صاحية بدري أوي إنهاردة ليه ؟
يارا و هي تصنع سندويشا لنفسها :
-أصل عندي مشوار مهم لازم أعمله قبل أروح الجرنال
ميرڤت : مشوار إيه ده يعني إللي يصحيكي بدري كده ؟ و فين ؟!
يارا : مشوار و خلاص يا ماما . و لازم أمشي حالا عشان ألحق أخلص الشغل المتعلق ده .. و أكملت و هي تقضم من السندويش :
-يلا بقي سلام يا ميرفت . إبقي إعمليلي ورق عنب علي الغدا
ميرڤت بتذمر : أنا فاضية بقي أعمل محشي دي شغلانة زرقة
ضحكت “يارا” و قالت :
-طيب خلاص خليها مكرونة بشاميل
يلا باي
و إنطلقت خارجة من المنزل …
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في ڤيلا آل”داغر” …
كانت “ميرا” بالحديقة ، تجلس علي الأرجوحة بثياب الفروسية .. بدت نافذة الصبر و هي تعبث في شعرها الذهبي بأناملها الرقيقة
لترتعد فرائصها حين شعرت بمن يدفع بالأرجوحة فجأة ..
إلتفتت ، لترى “سامح” يقف خلفها مبتسما
ردت له الإبتسامة و قالت :
-Good Morning أنكل سامه ( سامح )
سامح برقة : صباح الفل و الورد عليكي يا قمر . عاملة إيه يا ميرا
ميرا : كويسة , Thanks
سامح : أومال فين باباكي ؟
ميرا : دادي فوق بيلبس . أصله وآدني (وعدني ) يآلمني ( يعلمني ) ركوب الـHorses
سامح : وااااو . لأ و أبوكي بصراحة Good Teacher في موضوع الخيل ده .. و أكمل بشئ من التردد :
-طيب ممكن أقعد معاكي لحد ما ينزل ؟!
ميرا و هي تفسح له قليلا :
-Sure !
جلس “سامح” بجوارها و باشر في هز الأرجوحة بقدميه ، ثم قال :
-قوليلي يا ميرا .. و إنتي في أمريكا . ماكنتيش مصاحبة ولد من سنك أو زميلك في المدرسة مثلا ؟؟؟
عقدت “ميرا” حاجبيها بغرابة و قالت :
-أكيد يا أنكل . كان آندي ( كتير ) مش واهد ( واحد ) بس
سامح بذهول : معقول !
كنتي بتحبي كذا واحد في نفس الوقت ؟؟!!
ميرا و قد أدركت ما يرمي إليه :
-لا إنت فهمت إيه ؟ إنت قصدك My Boyfriend ؟
سامح بترقب : أيوه !
ميرا بخجل ممزوج بالدلال :
-كان في .. إسمه كريس
سامح بإهتمام : لسا بتكلموا بعض ؟؟؟
ميرا بحزن : No
سامح : ليه ؟!
ميرا : ما أنا قلت لدادي آنه ( عنه ) قالي لازم أسيبه آشان ( عشان ) لو هبيت ( حبيت ) أتجوزه لازم يغير دينه و هو Noway يآمل ( يعمل ) كده
أومأ “سامح” بتفهم و قال بإبتسامة ذات مغزي :
-في كل الأحوال إنتي بنوتة زي القمر . و ألف راجل يتمناكي
نظرت “ميرا” له و قالت بإمتنان :
-Thank you , إنت لطيف أوي يا أنكل
سامح و قد تلاشت إبتسامته :
-ما بلاش أنكل دي .. أنا بقولك ميرا منغير حاجة إنتي كمان قوليلي سامح عادي
ميرا و هي تضحك :
-أوك يا سامه ( سامح )
سامح و هو يتفرس في ملامحها و تفاصيلها :
-أيوه كده . طالعة من بؤك زي العسل
و كانت قوى مجهولة تدفعه من الداخل ليقترب منها أكثر و يفعل أشياءً محظورة …
لكن صوت صديقه جمده فجأة و مسح الفكرة من رأسه تماما ..
-ميـــرا . إنتي فين يا حبيبتي ! .. هتف “سفيان” من مكان قريب
لتصيح “ميرا” بصوتها الموسيقي :
-دآااااااااادي . أنا هنـــا
يظهر “سفيان” من بين الأشجار متتبعا صوت إبنته .. و تختفي إبتسامته كما لو أنها نور و أنطفأ عندما شاهد صديقه يجلس مع “ميرا” ..
لقد تفاجأ ، فلم يخبره “سامح” أنه سيأتي الآن
مشي “سفيان” ناحيتهما و هو يقول بصوته العميق :
-أهلا يا سامح . خير إيه إللي جابك علي الصبح كده !!
إبتسم “سامح” مغالبا إرتباكه :
-إنت علطول بتستقبلني إستقبالات ناشفة كده ؟
عموما أنا كنت جاي أبلغك خبر بخصوص ميرا
سفيان و قد تحفز وجهه متخذا تعابيره الشيطانية :
-خير ؟ يخص أمها ؟؟!!
سامح : لالالا أبدا . ده بخصوص المدرسة
مش إنت قولتلي أحول أوراقها لمدرسة زي مدرستها إللي كانت فيها في أمريكا ؟ أنا وديت الورق مدرسة إسمها آون هليوبوليس في المنطقة الخامسة عند الشيراتون كده
سفيان : طيب .. تمام كده . هي الدراسة لسا مابدأتش أصلا صح ؟
سامح : أيوه لسا
سفيان : حلو . عشان تقضي معايا وقت قبل ما تنشغل بالمذاكرة .. و نظر إلي إبنته راسما تلك الإبتسامة الخاصة بها
إبتسمت “ميرا” أيضا و إرتمت عليه قائلة :
-دادي فين الـHorses إللي قولتلي عليها ؟؟؟
سفيان بلطف : حالا يا حبيبتي أهو مش شايفاني لابس و مجهز نفسي !
ميرا بحماسة :طيب بجد هتديني الهصان ( الحصان ) الإسود إللي قولتلي آليه ( عليه ) ؟؟؟
سفيان : شوفي . الإسطبل و الڤيلا كلها و صاحب الڤيلا خاتم في صباعك .. كل إللي حواليكي ده ملكك إنتي و لو أطول أجبلك الدنيا كلها مش هتأخر
إحتضنته “ميرا” بقوة ، ثم طبعت قبلة مطولة علي خده و قالت بسعادة :
-I love you دادي .. و Really أنا مبسوطة كتيييير إني مآك ( معاك ) هنا
سفيان و هو يمسح علي شعرها بحنان :
-قولتلك قبل كده .. إنتي حياتي . إنتي إختصار كل سنين عمري إللي فاتت . إنتي أحسن حاجة حصلتلي !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
تركن “يارا” سيارتها علي بعد مسافة قليلة من ڤيلا “سفيان الداغر” … تترجل آخدة أشيائها
و تمشي بمحاذاة السور بهدوء حتي لا تلفت إليها الأنظار ، فكما علمت المنزل مدجج بالحراسة … أخرجت الكاميرا خاصتها و بدأت تصوير
إلتقطت عدة صور لوجهات الڤيلا الأربع ، و في خضم تركيزها لم تنتبه لذاك الحارس الذي تسلل و قبض عليها فجأة كالأسد حين ينقض علي غزال ..
-إنتي مــــين ؟؟؟ .. قالها الحارس بصوته الخشن
يارا و هي تحاول إفلات رسغها الصغير من قبضته الحديدية :
-آ إووووعي . إووعي بقولك سيب إيدي إنت مجنون و لا إيــه ؟؟؟!!
الحارس : ده إنتي المجنونة يا شاطرة . جاية و بتحومي عادي كده حوالين الڤيلا . نهارك إسود . إنتي ماتعرفيش ده بيت مين ؟ و كنتي بتصوري إيه ؟ وريني كده
و إنتزع الكاميرا من يدها بالقوة وسط إحتجاجها العنيف :
-سيــــب الكاميــرآااا .. إنت يا حيـــوآان
ده أنا هاوديك في ستين داهيـــة
الحارس بسخرية : ده إنتي إللي مش هتخرجي من هنا سليمة .. ده لو خرجتي أصلا !
………………………
قبل أن يسمح “سفيان” لإبنته بأن تمتطي الخيل
تأكد أولا من تطابق مزاج الحصان مع مهارة “ميرا” المتواضعة ، و جعلها تداعب رأسه قليلا حتي يتألف معها و يصبح التعامل بينهما آمنا
إختارت “ميرا” الفرس الأسود ، المفضل لدي والدها و يدعى “حيدر” و هو إسم من أسماء الأسد يدل علي قوته و مهارته
ساعد “سفيان” إبنته علي ركوب الجواد ، حيث رفعها بذراعه المفتول بمنتهي السهولة و أجلسها علي السرج و هو يرشدها بأن تضع يدها اليسرى علي الكتف الأيسر و أن تستولى علي رقبته بإستخدام اليد اليسري أيضا ..
رفع “سفيان” قدمها مرتين في الهواء بهدف إرجاع جسمها للخلف ، ثم أمسك باللجام و وضعها بيديها قائلا :
-ميرا . Relax .. سيبي جسمك خالص و إوعي تتوتري
ميرا بخوف شديد :
-دادي .. أنا . أنا خايفة أووووي
سفيان بصرامة : ماتخافيش . هتتعودي .. أهم حاجة تبقي هادية . و إفردي ضهرك .. أيوه كده
لأ كده غلط . ماتضغطيش برجليكي حوالين الفرس عشان مايجريش بيكي أو يمشي . خففي نفسك . براڤو
إمسكي اللجام بقي .. حركي وشه في الإتجاه إللي عايزة تمشي فيه . لأ مش تحركي وشه جامد كده . برآاحة .. شاطرة يا ميرا
إبتسمت “ميرا” بحبور ، ليرد “سفيان” لها الإبتسامة ، ثم يمتطي جواده هو الأخر ..
كان “سامح” يتابعهم من مكانه ، رأي “سفيان” ينحني قليلا ليصفع فرس “ميرا” ليجعله ينطلق
سمع صرختها الملتاعة ، و شاهد “سفيان” يهدئ من روعها و يطمئنها و هما ينطلقان بسرعة عبر المرج الأخضر ،بينما حفنة من الأزهار البيضاء تدور فوق رأسيهما
و هكذا إستمر التريض الصباحي لمدة معينة حددها “سفيان” ثم أعلن عن إنتهاء الجولة الأولى متوقفا في فناء الإصطبل الواسع
نزل عن حصانه بخفة مادا ذراعيه لـ”ميرا” التي قفزت نحوهما مبتسمة مشرقة العينين ..
-إتبسطي يا حبيبتي ؟ .. قالها “سفيان” و هو يحيط خصرها بذراعه
ميرا بإبتسامة عريضة :
-مبسووووووووطة كتيييييير . الـHorse كان جميل أووي و كان بيسمع كلامك !!
سفيان بتفاخر : طبعا . كل ما تكوني واثقة و بتتعاملي مع الفرس بحزم هيطاوعك .. و ده إللي أنا كنت بعلمهولك إنهاردة
و هنا جاء أحد الحرس و قال منكسا رأسه إحتراما لسيده :
-سفيان باشا . عندنا مشكلة علي البوابة و محتاجين سيادتك ……. !!!!!!!!!!
يتبــــع …
الفصل السادس
~¤ محمية طبيعية ! ¤~
كانت “يارا” في أقصي مراحل غضبها حين أمسك بها الحارس الضخم و جرجرها قسرا عنها إلي داخل الڤيلا ..
وضعها بالبدروم و أمرها بالإلتزام الصمت حتي يآتي سيد البيت و يراها
إنفعلت “يارا” عليه و صاحت بعصبية :
-إنت مش من حقك تجبني لحد هنا و تحبسني يا حيوان إنت
قسما بالله لأندمك علي إللي عملته ده إنت و إللي مشغلك هاوديكوا في داهية
الحارس بحدة : إتلمي يابت إنتي أنا ماسك نفسي عليكي بالعافية . إحنا عندنا أوامر ننسف أي حد غريب يقرب من الڤيلا فأشكري ربنا إني سايبك سليمة و حتي ماقومتش بالواجب معاكي
يارا بإستهجان : واجـــب ؟ و ده شكله إيه الواجب بتاعكوا ده إن شاء الله !!
إلتوى ثغر الأخير بإبتسامة شيطانية و قال :
-ماكنش لازم تسألي عن واجبنا .. بس طالما عندك فضول . مش هنكسفك .. ثم إلتفت نحو الباب و صاح :
-جبـآاااالي
ثوان و رأت “يارا” هذا الثور البشري يلج إلي البدروم راسما علي وجهه تعابير أرعبتها … لكنها تجلدت
و قالت متظاهرة بالشجاعة :
-إنت فاكرني هخاف يا بابا !!
لأ أنت ماتعرفش أنا مين و لا ممكن أعمل فيك إيه . أحسنلك تخرجني من هنا دلوقتي حالا بدل ما الموضوع يوسع أكتر من كده . أنا لو ماخرجتش في خلال 10 دقايق هتلاقوا إللي جايين يهدوا البيت ده علي دماغكوا
كانت تكذب لتنجي نفسها ، و لكن الحرس الخاص بـ”سفيان الداغر” جميعهم لديهم مناعة ضد عبارات التهديد و الترهيب ..
إبتسم لها الحارس ، و أشار لرفيقه قائلا :
-جبالي .. الأنسة عايزانا نوجب معاها . شوف شغلك و لما تخلص نادي علي الباقي يجوا يلعبوا معاها شوية
بدأ المدعو “جبالي” بالإقتراب منها ، لتقفز “يارا” للخلف صارخة بذعر شديد :
-مكانك يا حقير إنت . أنا بحذركوا لو حد قرب مني هـ آا ..
-إيه ده في إيــه ؟؟!! .. قالها “سفيان” بصوت خشن عندما ولج و شاهد هذه الجلبة
وزع نظراته علي رجاله و تلك الفتاة الغريبة
ليتخذ الحارس وقفة الخضوع و يقول هو ينظر للأرض :
-سفيان باشا .. مافيش حاجة . إحنا بس لاقينا البنت دي ماسكة كاميرا و بتحوم حوالين الڤيلا فمسكناها و جبناها عشان سيادتك تشوفها
سفيان بحدة : و إيه إللي دخلكوا إنتوا الإتنين معاها ؟ من إمتي حد هنا بيتصرف من دماغه ؟؟؟
الحارس : إحنا آسفين يا باشا . كده كده بعتنا مسعد يبلغ حضرتك محدش إتصرف من دماغه و الله مانقدرش
سفيان : طيب إتفضلوا برا . و بردو حسابنا لسا ماخلصش
خرجا الرفيقين دون التفوه بكلمة .. لتزدرد “يارا” ريقها بتوتر و هي تحملق في ذاك الرجل الذي تحيط به هالة مهيبة عجيبة جدا
كان يرتدي ثياب الفروسية ، السروال الطويل ، و القميص الأبيض ، و الجزمة الجلدية ذات الرقبة العالية
و كان العرق ينداح من رأسه ملصقا بعض خصيلات شعره الناعمة علي جبينه الأسمر
نظر “سفيان” لها بعينيه الحادتين ، تفحصها من أعلي رأسها إلي أخمص قدميها .. شكلها لا يوحي بالخطر
كانت في تقييمه فتاة عادية ، رؤيته أنبأته بأنها ليست نذير شؤوم ، بل أنها أنثي مثيرة ، مثيرة جدا و لها جسد يربك العزيمة و يشعل الخيال …
……………………………
صعدت “ميرا” إلي غرفتها لتأخذ حماما و تركت “سامح” وحده يحتسي فنجان القهوة بالحديقة ..
لم ينتبه لإقبال “وفاء” عليه ، بينما مشت الأخيرة نحوه و البسمة تملأ وجهها ، وضعت يدها علي كتفه
لينظر لها فورا و يقول بضيق :
-ماينفعش كده يا وفاء . قولتلك 100 مرة تاخدي بالك من تصرفاتك معايا سفيان مش غبي
نظرت له بحب و قالت برقة :
-وحشتني . بقالي كتير ماشوفتكش و لا قعدت معاك
أنا ماوحشتكش و لا إيه ؟!
سامح و هو يبعد يدها عنه :
-وحشتيني ياستي . بس مش وقته البيت بقي مليان دلوقتي
ماينفعش أي حد يلاحظ علينا حاجة
جلست “وفاء” بجواره و هي تقول :
-ماتخافش . مستحيل حد يشك فينا و بعدين سفيان بيثق فيك جدا مش هيجي في باله إننا علي علاقة ببعض
سامح بسخرية : سفيان بيثق فيا ؟!
سفيان عمره ما وثق في حد و لا عمره هيعملها . إسكتي يا وفاء إنتي ماتعرفيش أخوكي أنا إللي عارف عنه كل حاجة
وفاء : و أنا كمان أعرف عنه حاجات و عارفة إنه ذكي و مش سهل . شيطان يعني .. بس أنا تلميذته بردو و عندي فكرة دماغه ماشية إزاي
سامح بجدية : بردو الحرص واجب . مش لازم نلفت الإنتباه لينا
وفاء بضيق : طيب هنتقابل إمتي ؟ بقولك وحشتني يا سامح
سامح : إصبري شوية أخلص كام حاجة في الشغل و هفضالك يا وفاء
وفاء بلوعة : إمتي بس ؟ إنت بقالك فترة مشغول عني
سامح بإبتسامة متكلفة :
-قريب .. مش هيبقي ورايا غيرك إنتي و بس يا حبيبتي
وفاء بحبور : ربنا مايحرمنيش منك .. ثم قالت بإستغراب :
-صحيح أومال فين سفيان ؟!
سامح : مش عارف . راح عند البوابة يظبط حاجة مع الآمن تقريبا !
……………………………………………………………………….
كان الحر شديدا هنا ، و كان العرق يبلل شعرها عند صدغيها و ينساب حتي رقبتها ببطء أشعرها بأنها تنصهر
و كأن درجة الحرارة هي المشكلة ، لا وجودها مع هذا الشخص الخطير الذي يمثل الخبث بعينه .. كان خطأ عظيم هو مجيئها إلي هنا
إرتعش فكها و هي تواصل النظر إليه بخوف واضح
ليبتسم هو بوداعة شديدة ، ثم يقول بلطف متناهى :
-أنا آسف علي سوء التفاهم إللي حصل
أرجوكي تسامحيني يا أنسة .. بس كان لازم تديني خبر إنك جاية . المكان هنا لا يصلح للإستهلاك الآدمي
هو صحيح إللي ساكنين هنا بني آدمين . بس زي ما بيقولوا الأشياء لا تعكس كل الحقيقة و إقترب برأسه قليلا و أكمل بلهجته الناعمة :
-إنتي هنا في محمية طبيعية . و مش أي حد يقدر يدخل زيك كده
كل إللي هنا همج مالهمش مالكة إلا في إيدي أنا بس .. لكن ماتقلقيش أنا أطيب واحد فيهم
أخذت “يارا” نفس عميق و تكلمت أخيرا :
-أنا كده كده كنت هدخل البيت من بابه . رجالت حضرتك هما إللي مسكوا فيا زي ما أكون حرامية و أو جاية أتهجم عليك .. كانت نبرتها صلبة
سفيان بإبتسامة : أنا فهمت إنك صحافية زي ما قولتيلي و إنك كنتي جاية بخصوص قضية عمي .. كنتي جاية تسأليني عن شوية حاجات !
أنا مش ممانع إطلاقا تواصل الصحافة معايا . بس بالأصول
المفروض كنتي ختي معاد الأول تجنبا للموقف إللي حصلك إنهاردة . ما رجالتي معذروين بردو هما يعرفوكي منين !!
عقدت “يارا” حاجبيها و قالت بلهجة مقتضبة :
-طيب حصل خير . و أنا آسفة إني جيت منغير معاد
و خلاص مش عايزة أعمل تحقيق مع حضرتك
ممكن تخرجني من هنا بقي ؟ عايزة أمشي
سفيان و هو يضحك : ده إنتي زعلانة أوي بقي
لأ و أنا مايرضنيش تخرجي من بيتي زعلانة . دلوقتي حالا هجمع الحرس كلهم . إللي قابلتيه و إللي ماقابلتيهوش و هخليهم كلهم يعتذرولك
يارا : مالوش لزوم . أنا عايزة أمشي بس من فضلك
سفيان و هو يشملها بنظرات جريئة :
-طيب أرجعك إزاي بإيدك فاضية كده ؟ لازم نتفق علي يوم تجيلي و أقعد معاكي نتكلم في إللي إنتي عايزاه
يارا بحدة و قد أزعجتها نظراته :
-إن شاء الله هشوف . خرجني من هنا بقي لو سمحت !
ضحك “سفيان” بمرح و قال :
-حاضر ماتخافيش أوي كده . هتخرجي بالسلامة إطمني .. و أخذ حقيبتها بيد حازمة
يارا بإحتجاج : إيه ده إنت بتعمل إيــه ؟؟!!
أخرج “سفيان” هاتفهها و قال بنبرته الجذابة :
-هرن علي نفسي من عندك عشان أسجل رقمك
و هبقي أكلمك عشان نحدد المعاد سوا .. و غمز لها
نظرت له بصدمة و قالت :
-لأ إنت فاهمني غلط . بص أنا همشي و حضرتك إنسي إني جتلك خالص
سفيان : إهدي شوية . أنا ماعملتش معاكي أي حاجة و واقف مكاني محترم أهو .. و ضحك من جديد
أعاد لها الهاتف بعد أن بعث برقمها إلي هاتفهه ، ثم قال بإبتسامة ودية :
-إتفضلي . و مرة تانية آسف علي الإستقبال البايخ ده
بس أوعدك المرة الجاية هتتبسطي أوي و هثبتلك أد إيه سفيان الداغر لطيف و Gentleman
يارا بإبتسامة باهتة :
-إن شاء الله . عايزة أمشي بقي
واكبها “سفيان” حتي بوابة الڤيلا … رمت “يارا” أفراد الحراسة بنظرارت مزدرية ، لمحها “سفيان” فطلب من الجميع أن يعتذروا لها
فعلوا ما أمروا به و ودعها “سفيان” دون أن يتخلى عن إسلوبه الخبيث و تلميحاته غير المريحة
تنفست “يارا” الصعداء عندما وصلت بأمان إلي سيارتها ..
شغلت المحرك و إنطلقت بعيدا و هي تقول :
-أوووووف .. الحمدلله . مش مصدقة إني خرجت . إيــه بيت الرعب ده ……. !!!!!!!!!!!!!
يتبــــع …
الفصل السابع
~¤ خطر ! ¤~
تصل “يارا” إلي مقر الجريدة …
تذهب إلي مكتب الرئيس مباشرةً ، و تلج بعد أخذ الإذن
إستقبلها “شكري” بإبتسامة مهللة قائلا :
-حمدلله علي السلامة يا ست الكل .. إيه شكل صحتك جت علي رحلة الفيوم . لا لو هتبقي كده أبعتك هناك علطول .. و ضحك بمرح
عقدت “يارا” حاجبيها إستياءً و قالت :
-يعني منظري كده عاجب حضرتك ؟ وشي الأصفر عاجبك أوي يا أستاذ شكري .. ده من ربع ساعة بس كنت قاطعة الخلف
شكري و قد تلاشت إبتسامته :
-ليه خير إيه إللي حصل ؟!
زفرت “يارا” بضيق وجلست أمامه ، ثم بدأت تسرد عليه ما حدث معها بمنزل “سفيان الداغر” …
-نهـــآاااااارك إســووود ! .. صاح “شكري” بغضب شديد و هو يضرب بقبضته علي سطح المكتب ، و تابع :
-إنتي إيه إللي وداكي عنده ؟؟؟ أنا مش حذرتك يا أستاذة ؟ بتتصرفي من دماغك يعني و مش عاملة إعتبار لحد ؟؟؟!!!
يارا بتأفف : من فضلك يافندم وطي صوتك . أنا أعصابي تلفانة أصلا و مش قادرة أتلم علي بعضي من ساعة ما خرجت من بيته
شكري بغلظة : ده إنتي تحمدي ربنا إنك خرجتي أصلا
عارفة لو كان ضرب عليكي و لا كان حد حس بيكي . كمان ممكن تبقي تحت باطه كده و لو إتسأل عنك هيقول و لا شوفتها و كله هيصدق كلامه .. بيت سفيان الداغر الخارج منه مولود و الداخل مفقود يا أستاذة يارا
يارا بإستنكار : و ده ليه بقي إن شاء الله ؟ كان مين حضرته يعني !!
شكري بإنفعال : ده يبقي أكبر تاجر سلاح في بلدك يا أستــاذة
جحظت عيناها بصدمة و قالت :
-بتقول إيه يافندم ؟ و حضرتك عرفت منين
شكري : هو إيه إللي عرفت منين ؟ البلد كلها عارفة يا ماما و الحكومة كمان بس محدش يقدر يهوب ناحيته
يارا : محدش يقدر يهوب ناحيته ليه ؟؟؟؟؟؟؟
شكري بسخرية : بيستثمر في البلد يا أستاذة . نص المشاريع الضخمة بإسمه و شركاتة علامة من علامات الدولة بإختصار يعني السلطة بتتعامل معاه بالسياسة العليا مالهمش دعوة هو بيجيب فلوسه منين أهم حاجة الاستثمارات تفضل مستمرة
صمتت “يارا” عندما أعجزتها الصدمة عن الكلام ..
ليكمل “شكري” بجدية :
-إسمعيني يا يارا . إحنا صحفيين أه . بس لينا حدود .. الناس الكبار دول ماينفعش نلعب معاهم نهائي
أنا هعفيكي من التحقيق ده و هدخل أي حد مكانك . بس إوعديني إنك تبعدي عن سكة سفيان الداغر ده .. إنتي زي بنتي في الأول و في الأخر و أنا مش عايزلك الآذي
الحمدلله أنه سابك تخرجي صدقيني و الله دي معجزة
نظرت له بغير راحة ، لكنها وعدته :
-أوعدك يافندم .. هبعد عن سكته
و ربنا يستر بقي !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
صباح يوم جديد … و تستيقظ “ميرا” من نومها بنشاط
أنه اليوم الداسي الأول بمدرستها الجديدة و الحماسة تملأها بشدة ..
ولجت إلي الحمام ، غسلت وجهها و فرشت أسنانها بقوة
خرجت و إرتدت الزي الرسمي المؤلف من تنورة سوداء قصيرة ، و كنزة حمراء بأكمام طويلة ، ثم إنتعلت حذاء أبيض منخفض و خفيف الوزن
صففت شعرها رافعة إياه علي شكل ذيل حصان ، إستخدمت القليل جدا من أدوات التجميل ، ثم تناولت عطرها الناعم الهادئ .. رشت علي صدرها و حول عنقها
و أخيرا إلتفتت لتأخد حقيبة ظهرها المتوسطة ، و إنطلقت خارجة من الغرفة …
هبطت إلي الأسفل حيث تركت غريزتها تقودها لوالدها .. فدخلت إلي غرفة الطعام ، لتجده جالسا هناك كعادته في كل صباح يقرأ الصحف و المجلات
أشرق وجهه عندما ظهرت أمامه صغيرته الغالية
ألقي بالجريدة جانبا و فتح لها ذراعاه ، لتسرع إليه و تجلس علي قدمه و هي تعانقه بقوة ..
-مش ممكن إيه الصباح الحلو أووي ده ! .. قالها “سفيان” و هو يمسد علي ظهرها بحنان
ميرا برقة : شكرا .. دادي أنا مبسوطة أوووي
سفيان و هو ينظر لها بحب :
-مبسوطة عشان رايحة المدرسة ؟
ميرا : Yeah , و مبسوطة أكتر إني هتآرف ( هتعرف ) آلي ( علي ) New Friends و مصريين كمان زيك
سفيان بإبتسامة : ما إنتي كمان مصرية زيي .. نصك أمريكاني و نصك التاني مصري و لسا لما هتعيشي هنا أكتر هتبقي مصرية صرف . أنا مش مستعجل عليكي و عارف إنك لسا صغيرة و إنك واحدة واحدة هتطبعي بطبع أبوكي
ميرا : أنا نفسي أبقي زيك في كل هاجة ( حاجة ) أصلا .. و قبلته علي خده قبلة شقية مطولة
ضحك “سفيان” و قال :
-طيب خلاص كفاية دلع أحسن مش هخليكي تتحركي من جمبي إنهاردة .. يلا أقعد إفطري و سامح علي وصول هياخدك و يوصلك و يرجعك كمان بعد ما اليوم يخلص لحد ما أجبلك عربية بسواق
إبتسمت “ميرا” و شدت لنفسها كرسي و جلست بجواره ، بدأت تأكل … و بعد قليل لاحظت أمرا
فنظرت لوالدها و قالت بإستغراب :
-هي فين أنطي وفاء ؟!
سفيان و هو يقرب فنجان القهوة من فمه :
-عمتك صحيت من بدري و راحت النادي . مش هتتأخر قبل ما ترجعي إنتي هتكون هنا
و دق هاتفهه في هذه اللحظة …
-ده سامح .. قالها “سفيان” و هو يلقي نظرة علي الشاشة المضيئة ، ثم نظر لإبنته و أردف مبتسما :
-يلا أخرجيله .. و Good Luck يا حبيبتي !
…………………………………………
كان “سامح” ينتظر “ميرا” بسيارته .. عندما تلقي إتصالا من “وفاء”
تآفف بضجر و رد بإقتضاب :
-ألو !
أيوه يا وفاء .. خلاص عرفت إنك وصلتي .. أنا بوصل ميرا للمدرسة .. لأ ياستي مش هتأخر .. مسافة السكة و جايلك
يلا باي .. و أغلق الخط و هو يزفر بضيق
وجد “ميرا” تخرج من باب المنزل و تتجه نحوه باسمة
رد لها الإبتسامة و مد يده ليفتح لها باب السيارة
صعدت بجواره و هي تقول بنبرتها الناعمة :
-Good Morning سامه ( سامح ) !
سامح : صباح الفل يا قمر .. ها عاملة إيه إنهاردة ؟
ميرا : I’m Fine , و إنت ؟
سامح و هو يشملها بنظرات الإعجاب :
-كويس طبعا . طول ما أنا شايفك ببقي كويس
ميرا بإبتسامة : شكرا
سامح : العفو يا حبيبتي . جاهزة لأول يوم في الدراسة ؟
ميرا بحماسة كبيرة :
-أوووي . I’m Ready جدااا
و أثناء حركتها تهدلت خصلة أمامية علي وجهها ، ليسبقها “سامح” و يمد أنامله ليرفع الخصلة خلف أذنها ..
تلكأت حركاته متعمدا ، و لكن “ميرا” لم تظن به سوءاً ، بل أبقت علي إبتسامتها الرقيقة ، بينما كان يمسد علي وجنتها الغضة المخضبة بالحمرة الطبيعية
كاد يستغرق في الأمر ، لولا رائحة الخطر التي تسللت إلي حواسه …
حمحم بإرتباك و سحب يده قائلا بصوت أجش :
-طيب .. نتحرك بقي . إربطي الحزام يا ميرا
إنصاعت له و أحكمت ربط حزام الأمان
ليأخذ نفسا عميقا ، ثم ينطلق بإتجاه المدرسة الخصوصية …
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في منزل “يارا” …
كانت نائمة في غرفتها ، و الهاتف لا يكف عن الرنين .. تآففت بضيق شديد و أمسكت به
كان “أحمد” إبن خالتها ، و مشروع خطيبها الإجباري ..
-حسبي الله و نعم الوكيل ! .. قالتها “يارا” بلهجة ناعسة و ضغطت بقوة علي زر الرفض
ثم عادت إلي النوم ..
و هكذا دواليك ، ظل الهاتف يرن بإلحاح مرة تلو المرة تلو المرة .. حتي فاض بها
ردت بإنفعال شديد :
-ألـوووووو يا زرل إنــت
إيه الزن ده عايز مني إيـــــه علي الصبح يا صايع يا سمج . ما تروح تنام و لا شوفلك مصيبة تعملها . أنا زهقت منك يابني آدم ماسكة نفسي بقالي كتير و سايباكوا تهروا في الحوار المقرف ده بس خلاص أنا جبت أخري
مش هتجوزك . سـآاامع يا حيــوآااان يا بتاع البنات إنت ؟ مش. هتجــوووووووزك
-يا ساتر يا رب ! .. قالها صوت مختلف تماما
لتنتفض “يارا” معتدلة و تنظر إلي الرقم و هي تفرك عينيها بقبضتها ..
كان غير معنون بإسم … فوضعت الهاتف علي أذنها ثانيةً و ردت بتلعثم :
-آ آا . مـ مين معايا ؟؟!!
المتصل : أكيد مش إللي مزعلك و هبيتي فيه من شوية
إلا صحيح مين الرزل السمج بتاع البنات ده إللي قولتي مش هتتجوزيه !!
كررت “يارا” و قد بدأ القلق يساورها :
-مين معايـــا ؟؟؟
سمعته يتنهد ، ثم أعلن بصوته القوى الجذاب :
-سفيــان .. سفيـــــان الداغر يا أنسة يارا ……….. !!!!!!!!!!!
يتبـــع …
الفصل الثامن
~¤ غرفة الإعدام ! ¤~
كان بعض الطلاب قد بدأوا يصلون … عندما أوقف “سامح” سيارته أمام بوابة المدرسة الخصوصية
كانت أقرب إلي مشروع إستثماري بحداثة إنشائها و فخامة بنائها ، بدت مثل مجموعة من البيوت المتشابهة تحيط بها الأشجار و الأجمات الخضراء
ينظر “سامح” إلي “ميرا” ليجدها متوترة الأعصاب ، فقال بإبتسامة :
-إيه يا ميرا ! شكلك بقي Nerves كده ليه ؟
فين حماستك ؟!
نظرت “ميرا” له و قالت مغالبة توترها :
-مافيش هاجة ( حاجة ) يا سامه ( سامح ) . I’m Fine , Don’t worry !
سامح بلطف : عموما أنا هبقي معاكي خطوة بخطوة . لو حصل معاكي أي حاجة كلميني هتلاقيني قدامك في خمس دقايق بالظبط . و كمان أول ما تخرجي هكون مستنيكي هنا في نفس المكان
ميرا بإبتسامة رقيقة :
-شكرا .. أوك . أنا هانزل Now
مد “سامح” يده قابضا علي يدها و قال :
-خلي بالك من نفسك !
نظرت “ميرا” إلي يدها المعتقلة بين أصابعه و عقدت حاجبيها بغرابة ، ليتركها “سامح” فورا و يعتذر بإرتباك :
-Sorry , كنت بودعك بس . و معلش أنا نسيت قواعد أوروبا No touching . أنا ضايقتك ؟
ميرا : لأ أبدا . مش مضايقة
إنت مش شخص غريب يا سامه ( سامح )
You’re my father’s friend .. و إبتسمت مؤكدة
رد لها الإبتسامة و قال :
-طيب يلا . إنزلي عشان ماتتأخريش
ميرا : باي
سامح : باي . مع السلامة
و نزلت “ميرا” من السيارة و هي تعلق الحقيبة علي كتفها ..
راقبها “سامح” و هي تمر عبر جهاز كشف المعادن حتي ولجت إلي الداخل و إختفت عن ناظريه
تنهد بعمق ، ثم شغل محرك سيارته و إنطلق شاعرا بالكدر إلي شقته السرية ، حيث يقابل “وفاء” خلسة بها كلما سنحت الفرصة …
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
ها هي تكرر نفس موقفها الغبي مرة أخرى و تذهب إليه بقدميها …
و كأن قوى خفية في صوته و إسلوبه أجبرتها علي القيام و إرتداء ملابسها ، ثم الركض إليه فورا … ذاك الخطير المريب
إبتلعت “يارا” ريقها بصعوبة و هي تقف أمام هذا المطعم المشهور ، تنظر من خلال الألواح الزجاجية إلي مضيفها الجالس علي طاولة صغيرة بمفرده
رأته هادئا ، يحتسي كوب قهوة ببطء و تلذذ واضح .. رغم أنها تأخرت عن الميعاد نصف ساعة تقريبا ، و لكنه بدا مسترخيا غير عابئ بتأخيرها المتعمد
بللت شفتاها الجافتان بلسانها و أخذت نفس عميق ، ثم مشت صوب باب المطعم …
كان “سفيان” يضع سيجارا بين شفتيه ، عندما شعر بظل ينطرح فوقه .. تطلع ليستكشف ماهيته ، فوجدها أمامه بمظهرها الأنثوي البحت
هكذا يراها مثالا حيا لكلمة ( أ – ن – ث – ي )
كانت ترتدي فستانا ورديا ، ملتصق بها و مبرزا ثناياها المثيرة بوضوح شديد .. تأملها بأعين جريئه
نظر لها و كأنها حصانا يود شرائه ، بل هي كانت في نظره فرسة عربية أصيلة بشعرها الفاحم الحر و بشرتها الغضة و قوامها الممتلئ بتناسق دون شحوم و متناسب جدا
لقد أيقظت هذه الفتاة الرجل الذي بداخله بعد سبات دام لأكثر من عشرة أعوام ، إنها حقا في مأزق فهو لن يعتقها أبدا قبل أن ينول مراده …
-أهلا أهلا . يا صباح الخير يا أنسة يارا ! .. قالها “سفيان” مرحبا
و قام ليصافح “يارا” التي إبتسمت بتردد و قالت :
-صباح النور يا سفيان بيه . إزي حضرتك ؟
سفيان : أنا تمام الحمدلله . نعم ربنا مالهاش أخر .. إتفضلي إقعدي … و أشار لها نحو الكرسي المقابل له
شدت “يارا” الكرسي و جلست بتمهل
جلس “سفيان” هو الأخر و واصل نظراته المتبجحة فيها ، كان يتفرس في كل شئ ، كل تفصيلة بدون أدني خجل
إلي أن رأت عيناه تنزلان ببطء عند فتحة صدر فستانها …
و هنا ضربت الطاولة بكفها لتدرء تلك النظرات عنها ، ثم قالت بإبتسامة صفراء :
-خير يا سفيان بيه .. حضرتك طلبت تقابلني و أديني قدامك أهو . خير ؟؟!!
نظر “سفيان” في عيناها و إبتسم قائلا بنبرته العذبة :
-خير . كل خير يا أنسة يارا .. الأول تشربي إيه ؟
يارا : ممكن عصير فراولة
إستدعي “سفيان” النادل و أسند له طلبها ، ثم عاد لحديثه معها ..
سفيان : أنا كنت قايلك عايزك عشان نكمل كلامنا في مسألة التحقيق
يارا : ده صحيح !
سفيان بإبتسامة معابثة :
-بصراحة ده ماكنش هدفي خالص .. أنا كنت عايز أشوفك و أتكلم معاكي بعيدا عن قضية عمي نهائي لإن دي قصة محسومة من البداية و القاتل مجهول و المعلومات إللي عندي مش مفيدة أوي يعني مالهاش لازمة
يارا بإستغراب : طيب مش فاهمة عاوز تتكلم معايا في إيه حضرتك ؟
صمت قصير … ثم قال “سفيان” :
-بصي يا أنسة .. أنا هقولك بصراحة . إنتي عجتيني جدا من ساعة ما شوفتك . و تقريبا طول الوقت بفكر فيكي
الغريبة إني ماحستش الإحساس ده من زمان أوووي
إني أبقي عايز واحدة بالشكل ده و تبقي مليا خيالي ليل و نهار . أنا عازب بقالي 10 سنين . مادخلتش أي علاقة و لا قربت من ست حتي
عضت “يارا” علي شفتها و أحمـَّر وجهها خجلا ، ليضحك “سفيان” و يستطرد :
-أنا آسف بس أنا قولتلك هكلمك بصراحة
يارا بنفاذ صبر :
-طيب بردو مش فاهمة حضرتك عاوز مني إيه !!
سفيان بإبتسامة هادئة :
-عاوزك .. عاوزك إنتي . و مستعد لشروطك كلها !
……………………………………………………………………….
في شقة “سامح” بحي الزمالك …
تدوى أصوات مطارحة الغرام من جهة غرفة النوم ، تشمل المناجاة و الغزل إلخ … كان لقاء منتظر من قبل “وفاء”
و لكنه لم يكن هكذا بالنسبة إلي “سامح” إطلاقا ، مع ذلك هو يجيد الخداع و هي كالعادة تصدقه ..
بعد قليل عم الهدوء المكان و ساد الصمت تماما .. ليخرج “سامح” في هذه اللحظة و هو يغلق بقية أزار قميصه
خرجت “وفاء” خلفه مرتدية قميص نومها الطويل ، مدت يدها ممسكة بكتفه و هي تقول بحزن :
-معقول عايز تسبني و تمشي بسرعة كده ؟!
سامح : معلش يا وفاء عشان ماتأخرش علي ميرا . ما أنتي عارفة سفيان موصيني و كمان عشان تلحقي تروحي إنتي كمان
وفاء بتبرم : إمتي هخلص من الرقابة الزفت بتاعته دي
أنا نفسي أعيش معاك براحتي بقي . نفسي نبقي مع بعض في النور
إلتفت “سامح” لها و طوقها بذراعيه قائلا :
-هيحصل يا حبيبتي .. قريب الكل هيعرف بعلاقتنا و أولهم سفيان
وفاء : دي أمنية حياتي . أبقي مع الإنسان الوحيد في الدنيا إللي حبيته .. إنت يا سامح
سامح بإبتسامة : ما إحنا مع بعض علطول أهو و منغير أي حاجة . إنتي شوفتيني سبتك ؟ .. ثم قبلها علي خدها و أكمل :
-يلا بقي سلام . ماتنسيش مفتاح الشقة بس و إتأكدي إن البلكونات و الشبابيك كلها مقفولة
وفاء بحب : حاضر يا حبيبي ماتشغلش بالك
خلي بالك من نفسك بس
و تبادلا قبلة سريعة ، ثم رحل “سامح” …
……………………………………………………………………….
عند “سفيان” و “يارا” …
لم تنفك عن النظر إليه بدهشة ، حتي و هي ترد :
-إنت . عايز تتجوزني أنا ؟؟!!
سفيان بإبتسامة ساخرة :
-مش أد المقام و لا إيه ؟!
يارا بحرج : لأ . مش قصدي .. أنا أقصد إني ماشوفتكش إلا مرة واحدة بس . إيه إللي صورلك إني ممكن أوافق و أنا ماعرفكش أصلا .. و بعدين آا … و بترت كلامها
سفيان مكررا بإهتمام :
-و بعدين !!
كملي أنا عايز أسمعك
يارا : بصراحة أنا مش حاسة إني ممكن أوافق علي حضرتك .. مش تقليل منك بس أنا سمعت عنك حاجات تخوف
سفيان بهدوء : حاجات زي إيه ؟
يارا بتوتر : يعني .. سمعت إنك أكبر تاجر سلاح في البلد . ده غير إني لما دخلت بيتك شوفت بعيني معاملة غير إنسانية و إنت بنفسك إللي قولتلي بيتك محمية طبيعية و إللي عايشين فيه مش بني آدمين
تفتكر حضرتك بعد كل إللي سمعته و شوفته ممكن أوافق علي شخص بمواصفاتك !
سفيان بثقة : هتوافقي .. أنا مافيش حاجة تعجز قدامي . و إللي أنا عايزه بيكون
يارا بغضب : أستغفر الله . ماتقولش كده من فضلك إنت مجرد إنسان مش إله عشان مافيش حاجة تعجز قدامك
سفيان : حاشا لله طبعا ماقولتش حاجة .. بس هتوافقي يا يارا . أنا حطيتك في دماغي
يارا بإستنكار : غصب يعني !
أنا حرة محدش يقدر يغصبني علي حاجة
سفيان بإبتسامة : لأ إنتي فهمتيني غلط . أنا مش هغصبك
أنا هغتصبك
يارا بصدمة : يا سافل يا حقير يا آا ..
-سافل و حقير و مش متربي .. قاطعها “سفيان” ضاحكا ، و أكمل :
-تحبي أزودلك كمان ؟ أنا موافقك في أي صفة توصفيني بيها
يارا بحنق : إنت حقيقي شيطان زي ما سمعت عنك
إلتوي ثغره بإبتسامته الشيطانية ، و مد رقبته للإمام و قال بجدية :
-أنا أسوأ بكتييييير . أنا ليا قانون لوحدي و محدش يقدر يعديني .. مهما سمعتي عني مش هتوصلك الصورة كاملة . أنا ماليش مثيل . ماعنديش حدود . و بقولك لازم تخافي مني . أكيد هكون لطيف معاكي بس عشان أنا شخص مش مضمون هحددلك فترة في حياتي و بعدها كل واحد في طريقه .. مش هتقل عليكي . بس أنولك و أتمتع بيكي علي كيفي
رمقته بنظرات محتقنة و قالت :
-إنت فعلا بني آدم مش محترم . و تستاهل الحرق ألف مرة و إنت لو أخر راجل علي وجه الأرض مستحيل أتجوزك .. ثم هبت واقفة ، و أردفت بتحد سافر :
-جهز نفسك بقي يا سفيان بيه يا أكبر تاجر سلاح في البلد .. نهايتك علي إيدي أنا . أوعدك إني هاوصلك بنفسي لغرفة الإعدام … باي
و تركته و مضت ذاهبة …
لتتسع إبتسامة “سفيان” و يتنشق الهواء بسعادة غريبة ، فقد أطربته تهديداتها الهزيلة جدا .. حفزته و أعطته دفعة إيجابية كبيرة
تناول سيجاره مجددا و أشعله و هو يدمدم :
-علي رأي الفنان الراحل عبد الحليم حافظ .. و إبتدا إبتدا إبتدا المشوار . و أه يا خوووفي . آه يا خووفي من أخر المشوار آه يا خوفي
و إنفجر ضاحكا بقدر جذب إليه نظرات رواد المطعم ، منها المستنكر ، و المتذمر … و المعجب بجرأة هذا الرجل و ثقته المطلقة ……. !!!!!!!!
يتبــــع …
الفصل التاسع
~¤ صفعات ! ¤~
مرت الأيام عصبية علي “يارا” … صحيح أنه حتي الآن لم يتعرض لها ، لكنه أولد لديها ذعر لا يحتمل
بالرغم من أنها فتاة شجاعة و صاحبة شخصية قوية ..
أصبح هوسا يلاحقها أينما ذهبت ، يخيل إليها أنه سيظهر لها في أي مكان في أي وقت و ينفذ تهديداته ، طوال عمرها لم تخاف أحدا بقدر ما خافت من هذا الرجل
لا تعرف لماذا صدقت وعيده رغم أنها قابلته بإستخفاف و سخرية .. هابته ، و لكنها ما زالت قوية ، لعله ينساها
ربما …
-إنتي لسا نايمة يا يارا !! .. قالتها “ميرڤت” بضيق و هي تلج إلي غرفة إبنتها
-إصحي يابنتي بقينا الضهر . كده هنتأخر علي الغدا و خالتك هتزعل .. و فتحت الستائر ليغمر الضوء المكان
تآففت “يارا” و هي تنقلب في سريرها للجهة الأخري :
-إفففف يا ماما . 100 مرة أقولك مابحبش أروح عند أختك خصوصا لو إبنها الرزل ده هناك
قفلي الستاير الله يرضي عليكي و سبيني أنام شوية إنهاردة أجازتي
ميرڤت بصرامة : لأ مافيش نوم يلا قـووومي . و بعدين كام مرة قولتلك تتكلمي علي إبن خالتك عدل ؟
قامت “يارا” صائحة بنفاذ صبر :
-يا ماما انتي مش بتزهقي خالص ؟ سوري يعني بس الموضوع ده إحنا إتكلمنا فيه كام مرة ؟ إبن خالتي ده زي أخويا و قولتهالك قبل كده . مش هتجوزه ماتحطيش أملك نهائي علي كده عشان مش هيحصل
ميرڤت : طيب قومي . قومي هنروح نزور خالتك و نتغدا معاها أطن دي مافيهاش حاجة
يارا : لأ مافيهاش . بس لو حد فاتحني في الحوار ده و رحمة أبويا لأسيب القاعدة و همشي . مش هعمل إعتبار لحد
ميرڤت بغيظ : ماشي . إتفضلي قومي بقي
زفرت “يارا” بضيق شديد و هي تركل الغطاء بقدمها ، ثم قامت إلي الحمام لتتجهز …
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في ڤيلا آل”داغر” …
يجلس “سفيان” مع أخته علي مائدة الغداء .. يقطع شريحة اللحم اللذيذة و يضعها بفمه ، ثم يتبعها بجرعة من مشروب الـwine الأحمر
يلاحظ غياب إبنته عن الغداء فينظر إلي “وفاء” متسائلا :
-الله ! أومال ميرا فين يا وفاء ؟ لسا مارجعتش من المدرسة و لا إيه ؟!
وفاء بإبتسامة : لأ يا حبيبي رجعت من بدري . بس إستأذنت مني و خرجت تقابل صحابها برا
سفيان بدهشة : معقول لحقت تصاحب حد في الفترة القصيرة دي ؟ .. ثم قال بإهتمام :
-طيب قالتلك هتروح فين و هترجع إمتي ؟
وفاء : قالت هتقضي النهار كله برا و هترجع علي بليل كده
سفيان : السواق معاها ؟
وفاء : لأ صحابها عدوا عليها و خدوها و هيرجعوها لحد هنا بردو . ماتقلقش
سفيان : أنا مش قلقان بالعكس .. أنا مبسوط إنها إبتدت تتجاوب مع جو البلد و كمان عرفت تندمج مع الشباب إللي في سنها
وفاء : أنا بفكر نعملها حفلة بمناسبة رجعوها . نقدمها للناس و نعرفها علي صحابنا و معارفنا
سفيان بتفكير : و الله فكرة . طيب شوفي التجهيزات و أنا تحت أمرك .. بس أهم حاجة تحددي يوم في أخر الإسبوع عشان الفترة دي الشغل كتير و بلاقي وقت بالعافية
وفاء : إطمن يا حبيبي هتتبسط مني
و هنا جاء “سامح” و أقبل عليهما بوجه مكفهر غاضبا ..
-أهلا سامح . جيت في وقتك ! .. قالها “سفيان” مرحبا ، و أكمل :
-تعالي إتغدا معانا . وفاء عاملة كانيلوني و تورللي تاكل صوابعك وراهم . تعالي يلا
إبتسمت “وفاء” بخجل ، بينما إزداد تجهم “سامح” و هو يقول بصوت أجش :
-سفيان إنت قاعد هنا رايق و بتتغدا و بتشرب كمان .. يا تري عارف بنتك فين ؟؟؟؟
سفيان و هو يعقد حاجباه بشدة :
-قصدك إيه ؟؟؟ أيوه عارف بنتي فين . مالك إنت داخل عليا حامي كده ليه ؟؟!!
لم يرد عليه ، بل أخرج هاتفهه و عبث به للحظات ، ثم وضعه نصب عيني “سفيان” و هو يقول بخشونة :
-الصورة تريند أول علي Instagram
الكل عرف إنها بنتك و الـComments نازلة زي الكرابيج
بنت أكبر رجل أعمال في مصر متصورة مع شاب بيبوسها . شوف كده الشتايم و الأوصاف القذرة
و لسا ده في خلال ساعة واحدة . أصبر علي بليل
-كلمهــآااااااالي ! .. صاح “سفيان” و هو يهب واقفا بعنف
-إتصلي بيها حــالا
……………………………………………………………………….
في منزل الخالة “سعاد” …
كانت “يارا” تقف في الشرفة بعد تناول الغداء ، فقد ملت من جلستهم النسائية تلك
حتي إبناء خالتها الذكور بدوا كالنساء بكثرة أحاديثم و تدخلهم في كل شئ .. لقد أخذت نفسها الآن و شعرت ببعض الراحة
و لكنها لم تدوم ..
-ريري حبيبة قلبي ! .. قالها “أحمد” هامسا بأذن “يارا” من الخلف
شهقت “يارا” بذعر و إلتفتت إليه
نظرت له و قالت بغضب :
-إيـه التصرفات الطايشة دي يا أستاذ أحمد
ياريت تحترم نفسك و تفتكر إني بنت خالتك عيب مايصحش
أحمد بإبتسامة خبيثة :
-إيه بس مالك ؟ ما إنتي خطيبتي عادي
يارا بنفاد صبر :
-لأ مش خطيبتك و مش عــادي . و أنا بحذرك لو إتعاملت معايا كده تاني هنسي خالص إننا قرايب و هاروح أبلغك عنك . هلبسك تهمة تحرش في 5 دقايق
أحمد بدهشة : الله الله الله .. تهمة تحرش مرة واحدة !
يارا بسخرية : لو تحب أخليها لك علي مرتين
أحمد و هو يضحك :
-دمك خفيف يا ريري . تعالي أقولك حاجة .. و مد ذراعه لاففا إياه حول خصرها
دفعته “يارا” بقوة و هي تهدر بغضب شديد :
-إووووعي يا حيــوآاان .. و صفعته
نظر لها بصدمة و قال :
-بتضربيني بالقلم يا يارا ؟؟؟
يارا بحنق : إنت تستاهل ضرب النار كمان . زي الكلاب
و تجاوزته ماضية إلي الداخل ..
كانت “أمها و خالتها في الطريق إليهما عندما سمعا صوت الشجار المحتدم ، لكنها كانت تندفع بسرعة صوب باب المنزل و لم تتوقف لنداءات أمها ، فإضطرت للركض خلفها
بينما ذهبت “سعاد” لإبنها و سألته :
-إيه يابني إللي حصل عملت إيه لبنت خالتك ؟؟!!
أحمد بنظرات محتقنة :
-أنا علي أخر الزمن بت تضربني بالقلم !
قسما بالله ما هاعديها لها
سعاد بصدمة : ضربتك بالقلم ؟؟؟ ليه عملت لها إيـــه ؟؟؟؟!!
أحمد بعصبية : عملت إللي عملته بنت أختك دي ماينفعش معاها الطيب و ديني لأربيها و مناخيرها إللي رفعاها في السما دي هاجيبها الأرض و هاتشوفي
و تركها متوجها إلي غرفته …
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في منزل آل”داغر” …
حل المساء ، بل إنتصف الليل و لم تعود “ميرا” حتي الآن
هاتفهها مغلق و عجزت محاولات “سفيان” في معرفة أين هي ، حاول السيطرة علي غضبه و هو ينظر إلي ساعة البهو الكبيرة ..
كلما مرت العقارب يزداد الغضب أكثر ، يحتقن وجهه و تتقلص عضلات بطنه من الخوف عليها ، فمن يدرى أين أراضيها الآن و ماذا يحدث معها
أراد أن يمسك بأثاث البيت كله و يطوح به في الهواء ، لكنه يكظم غيظه .. لا فائدة من الإنفعال ، لن يأت بنتيجة
أتت “وفاء” في هذه اللحظة و وضعت يدها علي كتفه ..
أدار وجهه إليها و قال مغمض العينين :
-سبيني دلوقتي يا وفاء . مش قادر أتكلم مع حد
وفاء بلطف : إهدا شوية يا حبيبي . زمانها جاية و سامح طمنا قال مش موجودة لا في الإقسام و لا المستشفيات
إحنا بس مش عايزين نعمل شوشرة طالما كويسة و ممكن توصل في أي لحظة
كز “سفيان” علي أسنانه بقوة و قال :
-دي لسا بنت صغيرة . لسا 16 سنة يا وفاء و هنا مش زي أمريكا .. أنا خايف حد يستغلها
وفاء : إن شاء الله مش هيحصل . هترجع بالسلامة ماتقلقش
و هنا دق جرس الباب …
إستدار “سفيان” بلمحة ، بينما إنطلقت الخادمة لتفتح
ظهرت “ميرا” عند المدخل ، كانت ترتدي فستان قرمزي اللون يصل إلي فوق ركبتيها و شعرها المرتب علي الدوام كان فوضوي قليلا الآن
كانت تبتسم ببلاهة و هي تمضي إلي الداخل ، و كانت عمتها تقف بالجهة الأخري محاولة تهدئة شقيقها
لكنه أفلت منها و صاح مستوقفا إبنته :
-ميــــــرا !
جمدت “ميرا” بمكانها ، و إستدارت لمصدر الصوت ببطء ، رفعت ناظريها حتي إلتقيا بعيني والدها ..
إبتسمت برقة و قالت :
-Good evening دادي !
سفيان بجمود : كنتي فين ؟
ميرا : كنت سهرانة . With my friends
زم “سفيان” شفتاه و إقترب من إبنته دون أن يتخلى عن قناع الهدوء المزيف الذي يرتديه حتي لا يفقد أعصابه ..
رفع الهاتف أمام عيناها قائلا :
-مين ده إللي متصورة معاه ؟ و إزاي تنشري صورة زي دي للناس كلها تشوفها ؟ إنتي فاكرة نفسك لسا في أمريكا ؟؟؟ … و إرتفع صوته الآن
ميرا و هي تزفر بضيق :
-دادي بليز .. Be quite
أنا مش آملت ( عملت ) هاجة ( حاجة ) غلط . ده My Boyfriend و مسلم زيي . مش إنت كنت آيز ( عايز ) كده !!
كانت نبرتها متثاقلة قليلا حيث بدت و كأنها إستيقظت من النوم للتو ، ليشك “سفيان” بأمرها
فإجتذبها من مرفقها مزمجرا :
-تعالي هنا !
و تشمم الهواء الخارج من رئتيها ..
-نهـآاارك إسوود .. صاح “سفيان” بغضب شديد :
-إنتي شاربة ؟؟؟؟؟
إنفعلت “ميرا” و هي تسحب يدها من قبضته بقوة :
-let me go .. أيوه شاربة . ما إنت كمان بتشرب !
إحتقنت نظرات “سفيان” و قست تعابير وجهه بشدة ، فلم يشعر بنفسه إلا و هو يرفع كفه عاليا ثم يهوى به علي وجه إبنته بمنتهي العنف …
كانت الصفعة شديدة أردتها أرضا في الحال ، لكن صدمتها كانت أشد
لامست خدها الملتهب و تطلعت لأبيها من خلال دموعها و خصلات شعرها المتهدلة فوق عينيها
رمقته بعدم تصديق و سيطر الغضب عليها و تآكلها
فإنفجرت صارخة : I Hate you . أنا بكرهـــك !
ثم وثبت قائمة و ركضت بسرعة بإتجاه غرفتها ..
-ليه كده يا سفيان ؟! .. قالتها “وفاء” لائمة
ثم أسرعت لتلحق بإبنة أخيها ، بينما زفر “سفيان” أنفاسه بإختناق و أمسك بمزهرية الورود و أطاح بها بإتجاه الحائط
لتسقط شظايا متناثرة ……. !!!!!!!!!
يتبـــــع …
الفصل العاشر
~¤ كراهية ! ¤~
كان “سفيان” يقف أمام غرفة إبنته … مستندا علي درابزون الدرچ ، يستمع إلي بكائها الحار و قلبه يغلي في صدره
لقد عنفها بشدة و لكنها لم تهون عليه ، و بنفس الوقت يود لو يلج و يبرحها ضربا قاسيا .. فمازالت صورتها و الشاب المراهق يقبلها عالقة برأسه
فتاته الصغيرة ، ملاكه ، عمله النظيف ، الشئ الوحيد الذي يستطيع التباهي به أمام الجميع ، مع أول محاولة لإفسادها إستجابت
لكنه لن يسمح بهذا .. لا لها أول لغيرها ، لن تلوث فردوسه الصغيرة طالما هو علي قيد الحياة …
إنفتح باب غرفتها في هذه اللحظة ، فإلتفت “سيفان” بسرعة و مضي صوب الطبيب صائحا :
-طمني يا رأفت !
البت كويسة و لا لأ ؟؟؟
رأفت و هو يغلق الباب بهدوء :
-شششش وطي صوتك شوية يا سفيان بيه . البنت منهارة مش حمل العصبية بتاعتك دي
سفيان بإنفعال : بلا منهارة بلا زفت قووولي فيها إيـــه ؟؟ حصلها حاجة ؟؟؟؟؟؟
رأفت بضيق : يا سيدي بنتك زي الفل . محدش قرب منها و صاغ سليم إطمن
و هنا هدأ “سفيان” نسبيا و إرتخت عضلات جسمه ، لكن ظل صدره يعلو و يهبط من فرط تنفسه العنيف ..
-لازم تهدا شوية .. قالها “رأفت” بجدية ، و أكمل :
-إللي عرفته من وفاء هانم إن البنت طول عمرها عايشة برا
إنت إزاي عايزها تغير نمط حياتها بين يوم و ليلة ؟ مش ممكن ده يحصل بالسرعة دي لازم تديها وقتها و يكون نفسك طويل الطريقة دي ماتنفعش يا سفيان بيه
سفيان بنفاذ صبر :
-و الله أنا ماعرفش إلا الطريقة دي . و هي غصب عنها هتمشي علي مزاجي و إلا و رحمة أمي هقتلها .. كان يتعمد رفع صوته لتسمعه
قطب “رأفت” حاجبيه و قال بغضب :
-إنت همجي دايما حتي مع بنتك ؟ Sorry بس إنت كده مش أب مثالي بالعكس إنت هتخلبها تاخد موقف منك و هتبني بينكوا سور مش هتعرف تعديه أبدا
سفيان بغلظة : مالكش دعوة إنت يا رأفت . دي بنتي و أنا حر فيها أربيها زي ما أنا عايز
رمقه “رأفت” بغيظ و قال بإقتضاب :
-طيب . براحتك .. عموما هي كويسة مافيهاش حاجة لو تكرمت بس متضغطش علي أعصابها عشان نفسيتها مدمرة
عن إذنك ! .. و رحل
لكن “سفيان” لم يأخذ بنصيحته ، بل مشي نحو غرفتها و الشرر يتطاير من عينيه ..
دفع الباب بقوة ، لترتعد “ميرا” المستقرة بأحضان عمتها
أخذت ترتجف كالعصفورة و هي تنظر له بخوف و كراهية في آن ، لقد آلمته تلك النظرات لكنه وضع حجر علي قلبه
و صاح بخشونة و هو يقترب من سريرها :
-إسمعي يابت .. إنتي صحيح بنتي الوحيدة و كل إللي معايا في الأخر هيبقي ملكك لوحدك و قولتلك قبل كده أنا أد إيه بحبك و طلباتك كلها أوامر و أحلامك هحققها لك و مش هخلي في نفسك حاجة . بس لحد شرفي ماعرفش أبويا و ماعنديش عزيز سـآااامعة ؟ لازم تفهمي إنك تبعي أنا مش تبع أمك يعني لو عرفت بعد كده إنك دوقتي الخمرة دي بس أو حد قرب منك تاني مش هرحمك
و حياتك عندي لأقتلك بأيديا و مش هحزن عليكي
إرتفع صوت نشيجها و هطلت دموعها الملتهبة علي خديها كالشلالات
كانت تنتفض و تتقلص بعصبية بين ذراعي “وفاء” … لتصيح الأخيرة بغضب :
-سفيــآااان .. بس خلاص كفاية البنت هتموت من الرعب حرام عليك . إنت عايز تعمل فيها إيه ؟ كفاية عليها إللي عمله الدكتور مش مقدر إنها مخضوضة و جاي تكمل عليها ؟!! من فضلك إطلع برا دلوقتي
تجاهل “سفيان” كلمة أخته و إستطرد بصرامة شديدة :
-من بكرة كل حاجة مسحوبة منك .. مافيش خروج من البيت مافيش مدرسة مافيش موبايل كمان
لما تتعدلي و تمشي علي مزاجي هترجعي تاني بنتي إللي بحبها و بثق فيها . لكن من الساعة دي آبتدا عقابك
you’re punished يعني .. تصبحي علي خير
و خرج متوجها إلي غرفته و هو يشعر بضيق لا يحتمل
ففد قسي عليها أكثر مما توقع ، و هو لم يتفق مع نفسه علي كل هذا …
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
مضي إسبوع بعد ذلك و كلا من الأب و إبنته علي حدة …
كانت “ميرا” ملتزمة غرفتها ، و كان “سفيان” مشغولا بأعماله فلم يضنيه الحنين إليها كثيرا
مع أنه عندما يعود كل ليلة إلي البيت تلح عليه نفسه بأن يطرق بابها و يسترضيها ، يعتذر لها و يأخذ بخاطرها ، يحتضنها و يخبرها بأنها تمثل له كل شئ في الحياة
و أنه يحبها كثيرا و يخشى عليها من الهواء
لكن روح الأبوة تغلبت عليه و فضل أن يتركها لفترة قليلة حتي تدرك خطأها بنفسها ، ثم يذهب هو و يصالحها …
………………………
أتي صباح جديد … و إعتزم “سفيان” الخروج من المنزل
ليصطدم بصديقه “سامح” عند البوابة ..
سامح بإستغراب : الله ! رايح فين علي الصبح كده ؟
سفيان بتعجل : عندي مشوار مآجله من فترة لازم أعمله إنهاردة
سامح بفضول : مشوار إيه ده ؟
سفيان بفتور : مالكش دعوة يا سامح
سامح : بقي كده ؟ ماشي
بس كنت جايلك عشان نظبط معاد للجماعة الطلاينة . الناس بتعونا هنا محتاجين شحنة جديدة
سفيان : بعدين يا سامح لما أرجع . مش وقته الكلام ده .. و جاء ليذهب ، فأستوقفه “سامح” :
-طيب إستني .. هي ميرا مش هتروح المدرسة إنهاردة ؟
سفيان بصرامة : لأ
سامح بنفاذ صبر :
-إنت هتفضل محدد إقامتها كده لحد إمتي ؟!
سفيان بجدية : سامح مش هتبقي إنت و وفاء عليا . دي بنتي و محدش عارف مصلحتها غيري . مش عايز رغي كتير بقي .. سلام
و رحل …
ليتنهد “سامح” بإستسلام ، ثم يمضي إلي داخل البيت
لم يجد أحد هنا .. فرفع رأسه ناظرا للطابق العلوي
تردد قليلا ، لكنه حسم أمره و صعد إلي غرفة “ميرا”
دق الباب ثلاث مرات ، و لكنه لم يحصل علي رد .. فإدار المقبض و ورابه قليلا ، ثم أطل برأسه هاتفا :
-ميرا .. أنا سامح . ممكن أدخل ؟
كانت الغرفة مظلمة ، أضأت فجأة و ظهرت “ميرا” في فراشها
إبتسمت و هي تقول بصوتها الرقيق :
-إتفضل سامه ( سامح )
ولج “سامح” و أغلق الباب خلفه ..
-عاملة إيه يا قمر ؟ .. قالها “سامح” مبتسما و هو يجلس علي طرف السرير
ميرا بإبتسامة شاحبة :
-Fine , و إنت ؟
سامح : طول ما إنتي كويسة أنا كويس .. و دقق النظر في وجهها الذابل و قال :
-ميرا إنتي خاسة و شكلك مرهق أووي
إنتي مش بتاكلي و لا إيه ؟!
نظرت “ميرا” له و قالت بحزن :
-مش ليا نفس
سامح بلطف : ليه بس يا قمر ؟ إنتي لسا مضايقة من بابا يعني ؟
ضغطت “ميرا” علي شفتاها بقوة .. تكبح مشاعرها ، لكنها فشلت تماما
تفجرت من عيناها الدموع و إنهمرت بغزارة ، فتقلص وجه “سامح” و هو يقول بجزع :
-لأ . ماتعيطيش بليز .. عشان خاطري !
و مد إبهامه ليزيل دموعها ، فإندفعت بإتجاهه و طوقت عنقه مجهشة بالبكاء ..
تفاجأ “سامح” و إرتبك من قربها الزائد منه ، حاول أن يتصرف بسرعة … فرفع يده و ربت علي ظهرها و هو يقول مغالبا توتره :
-بس .. بس يا حبيبتي . It’s okay
ماتزعليش . كفاية عياط عشان خاطري
ميرا و هي تئن بحرارة :
-دادي بيكرهني .. مش آيزني ( عايزني )
آيز ( عايز ) ميرا تموت يا سامه ( سامح )
سامح : إيه إللي بتقوليه ده يا حبيبتي ؟ مستحيل طبعا باباكي بيحبك . بيحبك جدا كمان و مابيحبش حد غيرك
هو بس زعلان منك شوية
ميرا ببكاء : No , مش بيهبني ( بيحبني )
و أنا خلاص بكرهه
سامح : لأ ماتقوليش كده . ده باباكي يا ميرا عيب .. ثم أبعدها عنه قليلا و أكمل بهدوء :
-سفيان بيحب ميرا . صدقيني I swear إنه مابيحبش حد أدك .. و لا أنا كمان !
ميرا و هي تفرك عينها بقبضتها :
-أنا كمان بهبك ( بحبك ) سامه ( سامح )
You’re so kind .. مش زي دادي
إبتسم “سامح” و حني رأسه مقبلا خدها الرطب بعمق ، ثم همس بجوار أذنها :
-إنتي بقيتي أحلي حاجة في حياتي . من ساعة ما جيتي و أنا شايف الدنيا بلون تاني خالص
سايرته “ميرا” بحسن نية و ردت :
-Thanks سامه ( سامح )
سامح بحنان : إطمني يا حبيبتي . أوعدك إني هكلم سفيان و هخليه يجي يصالحك و هترجعي مدرستك قريب جدا و هتعملي كل إللي أنتي عايزاه
و دخلت “وفاء” في هذه اللحظة …
أسرع “سامح” و تحفظ في جلسته ، رسم علي وجهه تعابير الحزم ، بينما أقبلت “وفاء” نحوهما حاملة صينية الطعام
عقدت حاجبيها و هي تقول بإستغراب :
-الله ! سامح هنا .. محدش قالي
سامح بإبتسامة هادئة :
-أنا لسا واصل من 10 دقايق . إزيك يا وفاء ؟
وفاء بإبتسامة ذات مغزى :
-الحمدلله كويسة . إنت إيه أخبارك ؟ .. و وضعت الصينية علي طاولة قرب السرير
سامح : أنا تمام الحمدلله
وفاء : كويس إنك جيت محتاجة مساعدتك . ميرا بتغلبني في أكلها و مش بترضي تاكل بسهولة أبدا
نظر “سامح” إلي “ميرا” و قال بعتاب :
-ده كلام بردو ؟ لأ لازم تاكلي يا حبيبتي صحتك تتأثر كده
وفاء : قولها
أمسك “سامح” بصحن الحساء و قال :
-ميرا مش هتكسفني و هتاكل من إيدي
صح يا قمر ؟
إبتسمت “ميرا” برقة و أومأت رأسها بالإيجاب
ليرد “سامح” لها الإبتسامة ، ثم يبدأ بإطعامها بيده شاعرا بمتعة لا توصف ، بينما تشجعه المسكينة “وفاء” و هي تجهل نواياه الخفية تماما …
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في منزل “يارا” …
تعود من عملها علي نحو الظهيرة ، تجد أمها في إستقبالها بالصالة فتتجه إليها مباشرةً
يارا بتساؤل : في إيه يا ماما ! أول مرة تستعجليني كده إنهاردة حصل إيه ؟؟؟
ميرڤت بحبور كبير :
-حبيبة قلبي . مش هتصدقي .. متقدملك عريس زي الفل لأ و مستقتل عليكي كمان
يارا بضيق شديد :
-تآااااني يا ماما .. إبن أختك الرزل تآاني !!!
ميرڤت : لأ لأ مش أحمد إطمني . واحد تاني خالص
يارا بإستغراب : واحد تاني !
مين ؟؟
ميرڤت بإبتسامة عريضة :
-سفيــان الدآااغـــر . أكيد عارفاه صاحب El Dagheer Holding …. !!!!!!!
يتبــــع …
الفصل الحادي عشر
~¤ أسود ! ¤~
كانت “يارا” تقود سيارتها بسرعة لم تعتادها من قبل …
عندما دق هاتفهها للمرة العاشرة حتي الآن ، و بالطبع هي والدتها .. لم تنفك عن إلحاحها منذ غادرت إبنتها المنزل و هي لا تلوي سوي علي الشر
تآففت “يارا” بضيق و ردت علي أمها :
-ألو يا ماما !
ميرڤت بصوت غاضب :
-إنتي سبتيني و نزلتي علي فين يا بنت ؟ أنا مش كنت بكلمك ؟؟؟!!
يارا بحنق : أنا نزلت و سبتك يا ماما عشان أوقف الشخص ده عند حده . إللي دخل بيتنا من ورايا و قال عايز يحطني أمام الأمر الواقع بس أنا هاوريه و هعرفه أنا مين كويس
ميرڤت : الله يخربيتك هتعملي إيـــه ؟؟؟ إحنا إدينا الراجل كلمة خلاص و عمك قاله إنك موافقة
يارا بعصبية : أنا و عمي هنتحاسب علي الموافقة إللي إخترعها دي بس لما أرجع
دلوقتي إقفلي يا ماما أنا سايقة و مش حلو الإنفعال ده مع سرعة 200 . باي .. و أقفلت الخط
دقائق و وصلت عند ڤيلا آل”داغر” … بيت الرعب كما يحلو لها أن تسميه
ترجلت من سيارتها و مشت نحو البوابة المحفوفة بالحرس
كانت خطواتها مهرولة ، وجهها أحمر كالطماطم و عينيها تقدحان شرارات خطيرة
وقف الحارس الأضخم بوجهها قائلا :
-إيـه يا أنسة علي فين ؟
يارا بحدة : إوعي من طريقي أنا داخلة أقابل إللي مشغلك
الحارس برعونة : داخلة إيه هي واكلة منغير بواب !
و بعدين إيه إللي مشغلك دي ؟ إسمه سفيان باشا الداغر
يارا بإنفعال : البرنس .. الملك . الكونت .. عايـزة أقابلـه
إبتسم الحارس و هو ينظر لها بخبث و قال :
-مش حضرتك بردو إللي كنتي هنا من فترة ؟ عموما سفيان باشا قالنا إنك جاية دلوقتي . جنابه مستنيكي جوا
إتفضلي … و أفسح لها مجالا للدخول
نظرت حياله بقلق ، لكنها دخلت متظاهرة بالحزم و الصرامة ..
واكبها الحارس حتي المدخل ، دق الجرس ، لتفتح الخادمة بعد لحظات
رمقت الضيفة بنظرات مريبة ، ثم نظرت للحارس نظرة ذات مغزي و قالت :
-خير يا أبو زياد ؟
الحارس : دي الأنسة يارا يا حنان
الخادمة و هي تشمل “يارا” بنظرات متفحصة :
-أه طبعا .. أهلا و سهلا بحضرتك . إتفضلي سفيان بيه منتظرك في مكتبه
أوصلتها الخادمة عند مكتب “سفيان” … وقفت أمام الباب لحظة ، فسمعت صوت “سفيان” يقول :
-إدخل !
فتحت الخادمة الباب ثم غادرت ، لتدخل “يارا” و ترى غرفة مرتفعة السقف ، لها نوافذ طويلة و جدران مغطاة بألواح خشبية داكنة ، و رفوف الكتب تحتل القسم الأكبر من الغرفة
لم ترى “يارا” في حياتها كمية كبيرة من الكتب كما تري في هذا المكان الآن ..
و وقعت عيناها عليه
كان معطيا ظهره لها ، رأته يقف عند طاولة متوسطة بغرب الغرفة ، ممسكا بغطاء حوض السمك و بيده الأخري يسقط الطعام في الماء ليطعم سمكاته الصغيرة ..
-كنت متأكد إنك جاية ! .. قالها “سفيان” بصوته الواضح المرتب ، و أكمل :
-علي فكرة والدتك ست لطيفة أوي و مضيافة . أنا تقريبا كلت و شربت من كل حاجة عندكوا . ده غير إن أنا و هي بقينا صحاب و حبايب يعني لما نتجوز و فكرتي تنكدي عليا هي إللي هتجبلي حقي
يارا بنبرة محتدمة :
-نتجوز ! ده عشم إبليس في الجنة
إنت إتجرأت عليا أووي . بس أنا بقي جاية أجيب أخرك
و هنا إلتفت “سفيان” لها ..
-حلو أوي .. قالها مبتسما ، و تابع :
-أنا دايما بحب النهايات السعيدة و أهو تكوني وفرتي عليا كتير
يارا بنظرات محتقنة :
-بس للآسف النهاية دي هتبقي سودة علي دماغك إن شاء الله و مش هتعجبك أبدا
ضحك “سفيان” بقوة و قال و هو مشي ناحيتها :
-أنا بموووت في الغوامق . ماعندكيش فكرة بحب الألوان دي أد إيه .. خصوصا الأسود . مش بيقولوا عليه ملك الألوان ؟
يارا بحدة : إنت عايز مني إيه ؟؟
سفيان : قولتلك أنا عايز منك إيه .. عايز إتجوزك
يارا : ليه ؟ إشمعنا أنا بالذات ؟ ما إنت راجل غني و وسيم و مركزك مرموق يعني أي بنت ممكن تقبلك
ليه أنا ؟؟؟
سفيان : عجبتيني يا يارا . ما أنا كان قدامي بنات العالم طول السنين إللي فاتت . لكن و لا واحدة عرفت تدخل مزاجي زيك .. إنتي فيكي كل المواصفات إللي أنا عايزاها
شكلك و مضمونك و أنا مش هرتاح إلا و إنتي معايا هنا
في بيتي . مراتي
يارا : حتي لو أنا مش عايزاك ؟ حتي لو هتتجوزني و إنت عارف إني مش راضية و مغصوبة ؟؟!!
سفيان : رغبتي فيكي هتتغلب علي أي شعور تاني ممكن أحس بيه . إنتي عارفة أنا بقالي أد إيه مالمستش ست ؟
أحمـَّر وجهها غيظا و قالت :
-لأ ده إنت كده جبلة بقي و ماعندكش دم
بقولك أنا مش عايزاك هتتجوزني بالعافية ؟!
سفيان بإبتسامة : يا حبيبتي و الله إنتي واخدة عني فكرة غلط . أنا مابحبش الغصب .. أنا بحب حاجات تانية أقوي بكتـييييير
زمت شفتاها قائلة بحسم :
-أنا مش هتجوزك لإن الجواز مش بالعافية و عايزاك تبعد عن طريقي من فضلك . كفاية أوي لحد كده
شهقت حين قبض علي رسغها و أخذ يدفعها بإتجاه الحائط ، جحظت عيناها بصدمة و غضب في آن
بينما مد رقبته للأمام ، فضربت أنفاسه الدافئة وجهها و هو يقول بصوت هادئ :
-لأخر مرة يا يارا .. إقبلي الجواز مني بكرامتك أحسن . بدل ما تيجي تطلبي مني بعدين و أنا إللي أرفض
يارا بغضب : إنت بتهددني ؟ بس لازم تعرف إني ما بخافش و إنت مش هتعرف تعمل معايا حاجة
سفيان و هو يضحك :
-قولتلك قبل كده أنا مش محتاج أهددك . أنا عندي إستعداد أفاجئك برد فعلي دلوقتي حالا .. تحبي تجربي ؟
و أخفض رأسه متفرسا في جسدها بجرأة و هو يعض علي شفته السفلي بقوة
يارا و قد أقشعر بدنها خوفا :
-إنت فعلا مجرم . مش معقوول !!
سفيان : ده أنا أغلب من الغلب و الله . طب وحياة بنتي أنا واخد الموضوع بجد و عايزك في الحلال .. أنا غلطان يعني ؟
-بنتك ! .. علقت “يارا” بدهشة
-إنت متجوز و مخلف كمان ؟؟
سفيان بإبتسامة : كنت متجوز و طلقتها من 7 سنين
و أه مخلف . ميرا عندها 16 سنة
فغرت “يارا” فاهها بدهشة مضاعفة ، ليكمل “سفيان” ضاحكا :
-أصلي كنت صغير لما إتجوزت أمها . كنت بدرس في أمريكا و هي كانت زميلتي حبينا بعض و إتجوزنا و خلفت ميرا و أنا عندي 21 سنة و هي دلوقتي عايشة معايا هنا
مدت “يارا” يدها و حاولت دفعه من أمامها و هي تقول :
-كل ده مايهمنيش . أرجوك شيلني من دماغك أنا مابقتش عارفة أمارس حياتي الطبيعية بسببك
إبتعد “سفيان” عن طريقها بإرادته ، ثم قال بجدية تامة :
-مش هشيلك يا يارا . أنا دلوقتي بكلمك بمنتهي الصراحة
لو مش هتجيلي بمزاجك هاجيبك أنا غصب عنك بس ساعتها هتزعلي أوي و أنا مش مسؤول لأني عملت إللي عليا و دخلت البيت من بابه زي ما بيقولوا .. وافقي . إنتي خسرانة إيه ؟ مش يمكن أطلع كويس !
يارا بسخرية : يعني تاجر سلاح زيك هيطلع كويس بقدرة قادر
سفيان : طيب مش كويس .. بس هخليكي برنسيسة . كل إللي إنتي عايزاه هعملهلك
يارا : يعني إنت بتعترف إنك تاجر سلاح
سفيان بإبتسامة مرواغة :
-أنا بتاجر في كل حاجة . بس واضح إن عندك مشكلة شخصية مع السلاح
يارا : دي مش شخصية . دي عامة و الحكم فيها إعدام بدون رأفة
سفيان بثقة : محدش يقدر يعدمني . رأس مالي هو إللي موقف البلد دي علي رجليها منغيري كل حاجة تقع
زراعة ، صناعة ، تجارة .. إنتي ماسمعتيش عن الـDagheer Holding و لا إيه ؟
يارا بتحد : بردو مش هتورط فيك . الدنيا ماخلصتش دورلك علي غيري يا سفيان بيه .. سلام
و إستدارت مغادرة
سفيان بصوت مرتفع بمسحة ضحك :
-إنتي كده إللي إختارتي إتعامل Direct معاكي .. و هو كذلك يا حضرة الصحافية المبجلة …… !!!!!!!!!
يتبــــع …
الفصل الثاني عشر
~¤ حفلة ! ¤~
تولت “وفاء” مهمة الإشراف علي تجهيزات حفل الليلة …
و الذي قرر “سفيان” إقامته بمناسبة عودة إبنته الوحيدة إلي موطن أبيها ، إلي بيتها ، المكان الذي يجب أن تكون فيه دوما وسط عائلتها و بنو عرقها
كانت الشمس مائلة صوب الغروب ، عندما وصل “سامح” إلي ڤيلا آل”داغر” .. قابل “وفاء” بالبهو ، كانت تملي رغباتها علي العمال بتركيز و إنهماك شديدين
ملأت البسمة وجهها حين رأته مقبلا عليها
أصرفت العمال سريعا و وقفت متأهبة لقدومه …
-مساء الخير يا فيفي ! .. قالها “سامح” بإبتسامته الجذابة
وفاء بحب : مساء النور يا سمسم . وحشتني أوووي يا حبيبي
سامح : إنتي كمان وحشتيني .. ثم قال بإهتمام :
-أومال فين أميرتنا الجميلة ؟ حفلة الليلة علي شرفها
وفاء : ميرا فوق بتجهز و معاها الـMake_Up Artist
شوية و هتنزل مع سفيان
سامح : و هو فين سفيان ؟
وفاء : في أوضته بيجهز هو كمان
سامح : هو خلاص إتصالح مع ميرا يعني ؟!
زمت “وفاء” شفتاها و قالت :
-لأ . للأسف لسا
سامح بدهشة : الله ! أومال هيحضروا الحفلة إزاي مع بعض ؟
وفاء : ماعرفش و الله يا سامح . ما إنت عارف سفيان له دماغ لوحده . محدش يعرف هو بيفكر إزاي
سامح بتفهم : أوك . عموما ربنا يستر .. و أكمل مداعبا :
-بس إنتي مش ناوية تجهزي زيهم و لا إيه ؟ مش معقول تحضري الحفلة بالچينز صح ؟!
وفاء بإبتسامة رقيقة :
-لأ يا حبيبي إطمن . أنا طالعة دلوقتي ألبس و أجهز نفسي
هفاجئك . أنا بس كنت براقب حركة العمال و بتأكد إن كل حاجة هنا تمام
سامح : أوك يا حبيبتي .. يلا بقي إطلعي جهزي نفسك
عايز أشوفك أحلي واحدة في الحفلة الليلة دي . عايزك تطلعي أحلي من بنت أخوكي كمان
وفاء و هي تضحك :
-معقول يا سامح . دي ميرا زي القمر أنا هاجي جمبها إيـه ؟
تلفت “سامح” حوله ليتأكد من خلو المكان ، ثم إقترب منها هامسا بحرارة :
-ده إنتي كرباج يا فيفي . ماشوفتش زيك أبداااا . ده إنتي حتتي يابت النظرة ليكي بتخليني آيد نـآااار
كان بدنها يقشعـّـِر بشدة كلما ضربت أنفاسه الساخنة بشرتها و هو يتحدث ..
إبتسمت “وفاء” بخجل و قالت بصوت خفيض :
-عمري إنت يا سامح . بحبك أوووووي
سامح : أنا بحبك أكتر يا روح سامح
يلا بقي إطلعي إجهزي الوقت بيجري
وفاء و هي تسبل جفناها بدلال :
-أوك . See you يا قلبي
سامح بإبتسامة : See you
و صعدت “وفاء” إلي غرفتها ..
إنتظر “سامح” قليلا ، و صعد خلفها قاصدا غرفة “ميرا”
إمتصت السجادة السميكة وقع خطوات قدميه و هو يمشي صوب الغرفة و قلبه يخفق من الإثارة و التوتر … دق علي الباب ثلاث مرات و إنتظر للحظات
فتحت له إمرأة في أواسط العمر ، كانت زينتها صارخة و لباسها مبتذل جدا ، و كاتت تمضغ العلكة بطريقة مستفزة
إنها خبيرة التجميل و لا شك ..
-Hi , Can I help you ! ( أهلا ! أقدر أساعدك )
يبحث “سامح” عن “ميرا” حتي يجدها تجلس هتاك أمام المرآة ، فيبتسم هاتفا :
-ميــرا !
نظرت “ميرا” بإتجاهه و إبتسمت هي الأخري قائلة :
-سامه ( سامح ) .. Come over
سمحت المرأة له بالدخول بعد ترحيب “ميرا” .. ولج “سامح” راسما علي ثغره الإبتسامة الخاصة بـ”ميرا”
إقترب منها و هو يقول :
-إيـه القمر ده يا ناس . معقول في كده يا مورا !!
ردت “ميرا” له الإبتسامة و قالت برقة :
-Thanks , بجد هلوة ( حلوة ) ؟
و قامت لتريه فستانها الزهري القصير المليئ بالورود الصغيرة البارزة …
سامح و هو يلتهمها بعينيه :
-مزززززة مزززة يا حبيبتي
ميرا بإستغراب : what ؟!
سامح معتذرا : أه آسف نسيت إنك ماتعرفيش مصطلحاتنا الدارجة . مزة يا حبيبتي In English بمعني Sexy , Attractive . كده
ميرا : إممم , Okay فهمتك . شكرا تاني
سامح : أنا مش بجاملك يا حبيبتي . إنتي فعلا طالعة حلوة جدا .. و ثبت ناظريه عند تجويف نهديها المبرعمين
لاحظت “ميرا” تحديقه المستمر في منطقتها العلوية ، فقالت :
-What’s wrong , في هاجة ( حاجة ) مش مظبوطة في الـDress ؟؟
سامح و هو مستمرا في تأملها :
-لأ يا حبيبتي كله مظبوط . بس الفستان عريان أووي من فوق . بابا شافه ؟؟؟
ميرا و قد حلت علامات الضيق علي وجهها :
-Yeah , هو إللي إختاره أصلا
سامح : فعلا ؟
طيب كويس
ميرا : any way , أنا خلصت . أقدر أنزل إمتي ؟
سامح بثبات : أنا شايف إنك لسا ماخلصتيش
شعرك و هو سايب أحلي بكتيييير .. و مد يده مزيلا عقصة شعرها
لتنساب الأمواج الذهبية بنعومة و يسر حول كتفيها العاريتين ..
أطلقت الخبيرة سبة غاضبة عندما فعل “سامح” هذا ، بينما ألقت “ميرا” نظرة علي نفسها بالمرآة .. أعجبها الشكل الجديد
فإلتفتت إلي “سامح” قائلة :
-You right , شكلي كده أهلي ( أحلي )
و نظرت للخبيرة مكملة : It’s okay , I like that ( مافيش مشكلة ، أنا حبيت ده )
……………………………………………………………………….
في منزل “يارا” …
تدخل الصالون حاملة صينية المشروبات بين يديها ، ترمق عمها الجالس قبالة أمها علي الآريكة بنظرات محتقنة
تضع الصينية فوق الطاولة بحركة حادة ، لتطلق الأم لسانها في هذه اللحظة :
-شايف عصبيتها يا سامي ؟ أهو من ساعة ما إبتدا الموضوع و هي كده راكبها ستين عفريت . لما هخرج عن شعوري معاها و هاوريها شغلها كويـس
سامي بلهجة هادئة :
-لأ بالهداوة يا ميرڤت . دي يارا عاقلة و عارفة مصلحتها . هي أكيد بتدلع شوية بس ما إنتي عارفة البنات
يارا بحدة : لأ ده مش دلع بنات يا عمي . و لو سمحت يا ريت ماتتكلمش في الموضوع ده إنت خالص لأني علي حسب ما سمعت من ماما حضرتك بلغته علي لساني إني موافقة و ده مش صحيح يعني عيب عليك لما تعمل كده حضرتك مش صغير
ميرڤت بغضب : بنـــــــت . إنتي إتهبلتي و لا إيه ؟ بتغلطي في عمك كمان ؟ قطع لسانك يا قليلة الأدب
-سبيها تتكلم يا ميرڤت .. قالها “سامي” بإبتسامة متسامحة
نظرت “ميرڤت” له و قالت بإنفعال :
-مش سامع كلامها دي مش محترمة
سامي : معلش . نفهمها بالعقل ده جواز بردو و هي عندها حق .. ثم نظر إلي “يارا” و أكمل بجدية :
-بصي يابنتي . أنا كعمك و في مكان أبوكي الله يرحمه و يغفرله لما جه سفيان الداغر هنا يتقدملك ماشوفتش قدامي غير مصلحتك
يارا بإستنكار : مصلحتي مع تاجر سلاح و رئيس عصابات ؟؟!!
ده هو بنفسه مأنكرش إنه كده
سامي : يابنتي دي إشاعات . الراجل سمعته أنضف من الصيني بعد غسيله أنا سألت عليه . يا يارا دي فرصة عمرك الراجل ده هيخليكي ملكة حياتك هتتغير 360 درجة لو إتجوزتيه صدقيني أنا بتمنالك الخير مش الشر
ميرڤت بغيظ : لأ ما هي مش وش نعمة يا سامي . بنت أخوك غاوية فقر زي أمها .. لا مؤاخذة يعني
سامي و هو يضحك :
-و لا يهمك يا ميرڤت . بس أخويا كان بيموت فيكي بردو ماتنكريش
ميرڤت : مش ناكرة بس البت دي غيظاني . الراجل مافيهوش غلطة . شاب و شكله حلو و غني جدا عايزة إيـه أكتر من كده !!!!!
يارا : أنا ماتهمنيش الفلوس . أنا يهمني الراجل إللي هتجوزه و هيبقي أب لأولادي إللي هيشلوا إسمه . لازم أختارلهم أب يفتخروا بيه مش تاجر سلاح سمعته حلوه إنهاردة ممكن بكره تبقي في الطين
سامي : يا حبيبتي لو مش مصدقة كلامي و لسا شكة إنه مش كويس إديله فرصة . فترة خطوبة علي الأقل مش هتخسري حاجة
يارا : يا عمي أنا مش حقل تجاب أنا آا …
-قولنا ياخد فرصته بقي .. قاطعها “سامي” بضيق ، و تابع :
-ماتتعبيش قلبي يا يارا . و قسما بالله أنا مش هأكلك لقمة غصب عنك . لو إتخطبتي و ماستريحتيش أنا بنفسي هنهي لك الموضوع .. عشان خاطري يا حبيبتي
نظرت له بغير رضا و أطلقت زفرة مختنقة مطولة …
……………………………………………………………………….
في ڤيلا آل”داغر” …
كان الإحتفال في ذروته ، و لم تفارق “ميرا” والدها منذ ذهب ليأخذها و ينزلا سويا ليفتتحا الحفل
لم ينبس معها بحرف ، فقط كانت متأبطة ذراعه بصمت و قد رسمت علي ثغرها إبتسامة هادئة ، بينما كان “سفيان” متأنقا ببذلة زرقاء قاتمة أسفلها قميص أسود و ربطة العنق بلون فستان إبنته
بديا معا كنجوم السينما ، من يراهما لا يقول أب و إبنته
السن يبدو غير متباعد نهائيا و المظهر مبهر للغاية
في جهة أخري …
هربت “وفاء” مع “سامح” إلي سرداب صغير بالحديقة الخلفية
حظيت معه بلحظات حميمية ممتعة ، ثم خرجا كلا منهما يهندم ثيابه الفاخرة ..
-بس تصدقي حلو التغيير ده صآاايع أوووي .. قالها “سامح” و هو ينحني صوب “وفاء” و يغمر وجهه في لفائف شعرها
ضحكت “وفاء” و قالت بغنج :
-إبقي تعالي كل يوم يا حبيبي . بس يلا بينا بسرعة أحسن حد ياخد باله من غيابنا
سامح : ماتخافيش الحفلة مليانة حيتان مهمين و أخوكي مشغول معاهم لشوشته . مش هياخد باله من حاجة
وفاء و هي تطوق عنقه و تتمايل بدلال :
-طيب يلا بردو . أنا مش بحب أغامر خصوصا بيك
سامح : يا سلام و أنا هيحصلي إيه يعني ؟
وفاء بحب : أنا بترعب عليك من الهواء يا روحي . من كل حاجة في الدنيا . ربنا مايحرمني منك .. و إحتضنته بقوة
سامح و هو يمسد علي شعرها بلطف :
-ربنا يخليكي ليا يا حبيبتي . ماشي يلا نرجع الحفلة !
…………………………………
تنهال علي “ميرا” طلبات الرقص من جميع رجال و شباب الحفل و لكن في وجود “سفيان” كان هذا مستحيلا ..
كان لهم لبالمرصاد ، ظل يرفض الواحد تلو الأخر بأسلوب مهذب منافي لطبيعته الهمجية
إلي أن أتي صديقه المقرب … “سامح” :
-تسمحلي أخد أميرتك شوية يا سفيان بيه ؟ .. قالها “سامح” و هو ينقر علي كتف “سفيان” بخفة
قطع “سفيان” حديثه مع أحد شركائه المهمين بالصفقات و إلتفت إلي “سامح” ..
-و هتاخدها علي فين بقي ؟ .. تساءل “سفيان” باسما
سامح : مش بعيد . هناك علي البيست
هنرقص شوية و هرجعهالك تاني
حرر “سفيان” يد إبنته من عقال ذراعه لأول مرة في هذه الليلة ، و سلمها لصديقه قائلا :
-أوك إتفضل . بس خلي بالك منها إوعي حد يقربلها هقطع خبرك إنت
سامح و هو يضحك :
-ماتقلقش .. و أمسك بيد “ميرا” و قادها إلي حلبة الرقص
و علي أنغام معزوفة هادئة ، بدأ “سامح” رقصته مع “ميرا” و هو يقربها منه بشدة متحججا بقوانين الرقصات البطيئة ..
سامح بنبرة خافتة :
-مالك يا قمر ؟ مش مبسوطة من الحفلة و لا إيه ؟
نظرت “ميرا” له و قالت :
-No مبسوطة . بس تعبت من الواقفة
سامح : شوفتي بابا بيحبك إزاي يا ميرا ؟ عمل كل ده عشانك . عشان يصالحك
ميرا بإبتسامة ساخرة :
-Yeah I know !
و فجأة تهللت أساريرها و حلت ملامح الفرح محل قناع الفتور الملازم لها ..
قطب “سامح” حاجبيه و هو يسألها بإهتمام :
-في حاجة يا ميرا .. و تلفت حوله ليري موضع إهتمامها
ميرا بتلعثم : مافيش هاجة ( حاجة ) أنا بس نسيت موبايلي في الأوضة . هاطلع أجيبه و جاية
سامح بدهشة : إيه ده معقول بابا رجعلك الموبايل ؟
ميرا بتعجل : أه إنهاردة أنطي وفاء جابته ليا . Excuse me !
سامح : إتفضلي .. و أفلتها بسهولة
إنطلقت “ميرا” للداخل تلاحقها نظرات “سامح” الحائرة …
…………
في سيارة بورش مكشوفة السقف ، يجلس شاب في سن المراهقة ..
يحرك رأسه للجهتين بين الحين و الأخر مراقبا الباب الخلفي لـڤيلا آل”داغر” … يري صديقته تهرول صوبه و بسمة الإنتصار تملأ وجهها
رد لها الإبتسامة و تنهد بعمق ، في اللحظة التالية كانت مستقلة في المقعد الخلفي
نظر لها عبر المرآة الأمامية و سألها :
-ها يا چودي . طمنيني !
چودي و هي تغمز له :
-عيب عليك . جاية ورايا حالا
الشاب بغبطة : تسلم أفكار حبيبتي . دي وحشاني أوووووي
چودي : وحشاك أه بس الواضح إن إنت إللي واحشها أكتر
دي هي إللي كلمتني إنهاردة أول ما رجعلها الفون و قالتلي علي الخطة الجهنمية دي
الشاب و هو يضحك برعونة :
-هعهعهعهعهع . عشان يبقي يعمل فيها شاطر أوي بعد كده
چودي : هو مين ده ؟
الشاب : أبوهـا . كان فاكر إنه هيقدر يبعدها عني .. و ضحك ملء صوته
و هنا ظهرت “ميرا” علي مقدمة البوابة .. عبرتها ركضا و هي تنظر إلي صديقها الحميم بشوق
مد الأخير يده و فتح لها باب السيارة ، لتقفز هي بجواره فور وصولها … ترتمي “ميرا” بين أحضانه ، تشبك أصابعها خلف رأسه مطبقة بشفتاها علي فمه ..
تغمغم من بين قبلاتها :
-I miss you , چو . يوسف .. وهشتني ( وحشتني ) أوووي
يوسف و يبادلها بحرارة :
-إنتي وحشتيني أكتررررر يا بيبي . كنت هتجنن عليكي
چودي : طيب يلا مش وقته غراميات و Romantic دلوقتي خلينا نمشي من هنا بسرعة الأول
ميرا و هي تعتدل بمكانها :
-أيوه چودي . Correct
يلا نمشي بسرعة بليز چو Now قبل ما دادي يدور آليا ( عليا )
يوسف بإبتسامة خبيثة :
-ماتخافيش يا حبيبتي
أنتي بقيتي معايا خلاص !
و أدار المحرك ، ثم إنطلق بعيدا …
……………………………………………………………………….
مرت برهة طويلة من الزمن … كان “سامح” يرافق “سفيان” الآن
كلاهما يقفان ضمن حلقة ضمت أكبر رجال الأعمال بالبلد ..
حتي إسترعي غياب “ميرا” إنتباه والدها
إلتفت إلي “سامح” و سأله :
-أومال ميرا فين يا سامح ؟
سامح : أنا سبتها من شوية قالتلي طالعة تجيب موبايلها من الأوضة
سفيان : بس أنا مش شايفها قدامي !
سامح : هي قالتلي تعبت من الواقفة . تلاقيها بتستريح فوق ماتقلقش
أومأ “سفيان” رأسه و عاد لمتابعة أحاديث العمل من جديد …
………………
إنتهت الحفلة أخيــــــــــــرا …
ولج “سامح” مع صديقه و أخته إلي الداخل ، فقد طلب “سفيان” منه البقاء معهم لتناول العشاء
كانت المائدة جاهزة ، شد “سامح” مقعدا و قال و هو يمرر عينيه علي الأصناف الشهية :
-إمممممم ريحة الأكل تجنن . أيوه بقي الواحد ماعرفش ياكل في الحفلة .. و بدأ بتناول الطعام فورا
سفيان بصوته القوي :
-طيب أنا هطلع أجيب ميرا تتعشا معانا . من بدري ما أكلتش حاجة .. و إتجه إلي غرفة إبنته
وفاء بسعادة : أخيرا سفيان رضي عن ميرا
البنت كانت صعبانة عليا أوي يا سامح
سامح و هو يمضغ قطعة لحم كبيرة :
-أه أخيرا . مسكينة البنت دي و الله
…….
يفتح “سفيان” غرفة إبنته بعد أن قرع الباب مرات عديدة و لم يتلفي ردا ..
يري السكون سائد و العثور علي إبنته كان معدوما
لم تكن هنا ، الغرفة فارغة تماما
مشي “سفيان” صوب الحمام الملحق بالغرفة ، ربما كانت بالداخل … دق و هو ينادي عليها :
-ميرا .. ميـرا … ميـــرآاا
و فتح الباب في الأخير ..
فراغ أيضا ، ليست موجودة
و فجأة تقع عيناه علي ورقة صغيرة ملصقة علي مرآة مستطيلة أمام حوض الإستحمام
ذهب و إنتزعها بقوة ، فتحها و قرأ المحتوي بعينيه ..
كانت عبارة عن رسالة شديدة اللهجة ، وجهتها “ميرا” لأبيها ، و تحذره من البحث عنها أو الإقتراب منها و إلا ستبلغ عنه القنصلية الأمريكية و تتهمه بإنتهاك حقوقها و شئونها الخاصة بموجب جواز سفرها و أوراقها الشخصية
أطبق “سفيان” علي الورقة بكفه بشدة و قد إصطبغ كل شئ أمامه باللون الأحمر …
إنطلق للأسفل و دخل لغرفة الطعام و هو يهدر بعنف :
-وفـــــاء .. وفـــــــــآاااااااء
-إيه في إيــه يا سفيــان .. قالتها “وفاء” و هي تثب واقفة و تلتفت لشقيقها
سفيان بغضب شديد :
-ميرا خرجت من البيت إزاي ؟؟؟؟
وفاء بصدمة : خرجت !!
خرجت يعني إيه ؟ و خرجت إزاي ده إحنا بقينا نص الليل
إيه إللي إنت بتقوله ده يا سفيان ؟؟!!
-البت هربت يا وفــاء !! .. صاح “سفيان” بضراوة و هو يرفع الورقة أمام أعين أخته ، و أكمل :
-إنتي كنتي فيـــــن ؟ إزآاااي تهرب من بيتي أنـا إزآاااااااي ؟؟؟؟
وفاء بتوتر شديد :
-هربت إزاي بس ؟ و الله ربنا يعلم عيني مش بتتوارب عنها . صدقني ياخويا أنا ماليش ذنب أنا ماحستش بيها أبدا
-وريني كده يا سفيان ! .. قالها “سامح” و هو يأخذ الورقة منه
سفيان بإنفعال : إنت لسا هتقرا ؟ أنا عايز الدنيا تتقلب لحد ما ألاقيها . النهار مايطلعش إلا و هي هنا في البيت
نظر “سامح” له و قال بثقة :
-هنلاقيها ماتقلقش .. و قبل ما الشمس تطلع …… !!!!!!!
يتبــــع ….
الفصل الثالث عشر
~¤ الداغر ! ¤~
في الساعة الثالثة صباحا …
كان “سفيان” يقود سيارته الخاصة خلفه موكب هائل من الحراسة تجزأوا علي أربعة سيارات ضخمة ، “سامح” يجلس بجواره ملتزم هدوئه
فقط يعبث بهاتفهه بتركيز جم
ليلتفت “سفيان” له و يصيح بنفاذ صبر :
-حدتلي مكانها و لا لسا ؟ ما تقولي ماشيين إزآاااااي ؟؟؟؟
سامح ببرودة أعصاب :
-إهدا شوية يا سفيان . ثواني و هحدد الـlocation بالظبط
زفر “سفيان” بقوة و تابع قيادته المجنونة ، ليهتف “سامح” بعد لحظات :
– ( ****** ) Night club !
……………………………………………………………………….
في إحدى الملاهي الليلية …
تجلس “ميرا” بجانب صديقها “يوسف” عند بنش البار ، يطلب لها الكأس الثامن حتي الآن
يضيف له سائل شفاف و قد حرص علي ألا تراه و هو يفعل ذلك ، ثم يعطيه لها قائلا بإبتسامة :
-خدي ده كمان يا قلبي
ميرا بثمالة : Enough
كفاية يا چـوو .. مش قادرة أشرب تاني . I’m so drunk
-عشان خاطري يا بيبي .. قالها “يوسف” بنعومة و هو يدفس وجهه بتجويف عنقها :
-ده و بس !
ميرا : أوووك .. آشانك ( عشانك ) هشرب ده و بس
و أخذت منه الكأس و تجرعته كله دفعة واحدة …
يوسف بإبتسامة إنتصار :
-أيوووه كده يا حبيبتي . Good girl
و هنا جاءت “چودي”
أحاطت كتف “ميرا” بذراعها ، و نظرت إلي “يوسف” قائلة بنبرة ذات مغزي :
-البيست فاضي يا چو !
يوسف : بجد . كله تمام يعني ؟
چودي بغمزة : كله زي الفل
تهند “يوسف” بإمتنان و أمسك بيد “ميرا” قائلا :
-ريري حبيبتي . قومي معايا
كانت رأس “ميرا” أكثر تثاقلا الآن ، و كانت في حالة متزايدة من الإنفصال عن الوعي ..
نظرت له و هي تجاهد لإزاحة جفناها عن بعضهما و قالت بصوت خافت للغاية :
-هنروه ( هنروح ) فين ؟
يوسف بخبث : هنرقص يا قلبي .. و لف ذراعه حول خصرها
أقامها عن مقعدها و مشي بها منحرفا عن الطريق المؤدي لحلبة الرقص ..
كانت شبه نائمة فلم تستوعب شيئا ، و كان يجرجرها علي درج جانبي حتي صعد بها للطابق العلوي ، كان عبارة عن ممر طويل محفوف بالغرف
توقف “يوسف” عند غرفة معينة و فتح الباب ، ثم حمل “ميرا” علي ذراعيه و ولج مغلقا الباب بقدمه
كانت في سبات عميق الآن … عندما وضعها فوق سرير بمنتصف الغرفة
جلس بجانبها و دني منها ، لامس شعرها الحريري مغلغلا أصابعه بين خصلاته ، راح يرتشف وجهها قطعة قطعة ، و إلتصقت شفاهه بشفاهها تنهلان منها بقوة
إرتفعت حرارته و أحمـَّر وجهه بأذنيه نزولا إلي عنقه ..
نفذ صبره ، فخلع فستانها عنها بعنف و إلتقطها و هي خارجة منه عارية
ملمس جلدها الناعم و لونه أطلق العنان لرغبته ، كسر حاجز السيطرة و أصبح الآن حرا بلا قيود أو قواعد …
……………………………………………………………………….
يصل “سفيان” إلي الملهي الشهير تاركا رجاله علي البوابة يحاصرونها …
رافقه “سامح” فقط و دخل معه ليجدوا “ميرا”
أخذ “سفيان” يبحث في كل مكان ، لم يترك زاوية إلا و فتش فيها ، بينما ذهب “سامح” إلي المسؤول مباشرةً ..
كان رجلا في العقد الخامس من عمره ، خط الشيب رأسه و لحيته .. لكن “سامح” لم يحترم هذه الشيبة و إجتذبه فورا من ياقتي قميصه صائحا :
-تعالالــي يا عم الشباب و الرياضة
المسؤول بإرتباك ممزوج بالعصبية :
-إيه ده في إيه ؟ إنت مين يا أستاذ إنــت ؟؟؟؟
سامح بقذارة : أنا عملك الإسود في حياتك يابن الـ××××××
إنجر قدامي ياخويا . تعالي وريني المُكن بتاعتكوا
المسؤول بإنفعال : مُكن إيـه يا حضرة . إنت سكران و لا إيه ؟ نزل إيدك بدل ما أطلب لك الأمن
سامح : طب إنـجــــــزززززززز بقآاااا و تعالي وريني الأوض إللي هنا بدل ما أطلب لك أنا عزرائيل و دلوقتي حالا .. يلا . يـــلآاااااا
و خرج و هو يمسك به هكذا
قابل “سفيان” بالخارج ، فإصطحبه معه إلي وجهة الدليل الذي يسوقه …
……………………………………………………………………….
يشعر “يوسف” بنعومة هائلة تغمره .. إذ لأول مرة تسنح له فرصة ملامسة فتاة بهذا الجمال الفائق ، رغم أنه إبن التاسعة عشر
لكنه يشعر أنه في قمة ذكورته الآن ..
كل شئ ميهأ له ، كل ذرة منه علي أهبة الإستعداد ، فقط عندما يقرر
كان سيفعلها ، لم يكن سيتسغرقه الأمر سوي لحظة
لكن تبدل الحال في غمضة عين …
في هذه اللحظة دفع الباب بقوة ، ليرتعد “يوسف” مرتدا عن “ميرا” .. قام عنها مصعوقا و أحضر ثيابه من علي الأرض و بدأ بإرتدائها ليستر نفسه
من جهة أخري كان “سفيان” في المقدمة ورائه “سامح” قابضا علي الرجل العصبي ..
أول ما وقعت عيناه عليه كان جسم إبنته العاري ، جن جنونه علي الأخير و إنطلق صوبها علي الفور ، لفها بالملاءة بسرعة ثم إلتفت إلي “يوسف” و عيناه تقدحان نارا
لم يكن “سامح” موجودا في هذه اللحظات ، بل خرج بالرجل حتي لا يري “ميرا” و هي علي تلك الحالة ، ليهجم “سفيان” علي صديق إبنته و قد أعمي الغضب بصيرته تماما
أصابه بضربة ساحقة في صدره مستخدما قدمه ، فطار “يوسف” للخلف و سقط علي طاولة زجاجية فتحطمت و تناثرت الشظايا من حوله
لم يستطع إستعادة أنفاسه بعد ، لينهال عليه “سفيان” ضربا مبرحا ، سدد له اللكمات و الركلات حتي أدماه ، صار وجهه يقطر دما من كل منطقة الأنف و الفم و العينان
أخذ “سفيان” يفرغ شحنات غضبه اللانهائي في هذا الوغد ، حتي أنه كسر له ضلعا و قدم لكنه لم يبرد ، ظل يضربه بعنف شديد و هو يصيح بوحشية :
-يابن الـ××××× يا تربية مرى ×××× . أنا هقتلك يابن الـ××××××× مش هاسيبك عايش علي وش الدنيا لحظة
وديني لأوريك العــذآااااااب ألوان يابن ستين ××× مش هرحمـــــــك !
يوسف و هو يصرخ مستغيثا بألم شديد :
-يا أنكل حضرتك فاهم غلــــط . أنا بحب ميرا و الله
كفآااااية أرجووك هعملك إللي إنت عايـــــــزه
سفيان : إللي أنا عايزه هعمله بنفسي . و حياة أمك لأعملك غدا للكلاب بتوعي يا ××××× .. و لوي ضلعه الأخر
فسمع “يوسف” صوت التحطم قبل أن يشعر به
و هنا عاد “سامح” … أسرع نحو صديقه و بجهد أبعده عن جسد الشاب الذي ملأ صراخه المعذب الغرفة ..
-سيبني يا ســـآاامح إووووووعي .. جأر “سفيان” بغضب شديد و هو يحاول التخلص من ذراعي “سامح”
سامح بصرامة : إهـــدي يا سفيـان الواد هيموت في إيدك
سفيان بعصبية : يمـووووووت . أنا عايزه يموت و هموته بإيدي سبنـــيي
سامح : قولتلك إهدي . المهم دلوقتي نشوف ميرا و الواد ده أنا ماقولتش هانسيبه الرجالة طالعين ياخدوه هناخده معانا علي الڤيلا و هناك نتحاسب بس لما نطمن علي البنت الأول
ألقي “سفيان” نظرة علي إبنته المغماة ، فأضرمت النار بصدره من جديد و إنحني صوب “يوسف” هادرا و هو يكيل له اللكمات :
-عملت في بنتي إيـــه ياض ؟ إنطق عملت فيها إيـــــــه ؟؟؟؟
سامح بإنفعال : مش كده بقي يا سفيان كفـآاية قولتلك
و جاء الحرس في هذه اللحظة ..
أمرهم “سامح” بأخذ “يوسف” إلي السيارة ، ليقوم “سفيان” و يمضي نحو إبنته … حملها و هي ملفوفة هكذا بالملأءة ، ثم غادر الغرفة و المكان كله يتبعه “سامح” ……. !!!!!!!!!
يتبــع …
الفصل الرابع عشر
~¤ موعد ! ¤~
في ڤيلا آل”داغر” …
كانت “وفاء” تقف أمام النافذة ، لم تتوقف لحظة عن المراقبة منذ رحيل أخيها و حبيبها .. “سامح”
حاولت الإتصال بكليهما عدة مرات و لكن دون جدوي ، لم تحصل علي أي رد
و في الأخير عند أول ضوء لفجر اليوم الجديد ، رأت “وفاء” البوابة الرئيسية تفتح و تمر منها سيارة أخيها أولا ثم سيارات أفراد الحراسة ..
ركضت “وفاء” إليهم علي الفور ، فتحت باب المنزل لتري “سفيان” يصعد الدرجات و هو يحمل إبنته علي ذراعيه ملفوفة بملاءة
غطت فمها بكفيها و هي تقول بذعر :
-إيـه إللي حصل يا سفيـان ؟ مالها ميـرا ؟؟؟؟
لكنه لم يرد و تابع سيره للداخل ..
وفاء بإنفعال : إنت مابتردش عليا ليــه ؟ بقولك البنت مالها ؟
أمسك “سامح” بكتفها و ضغط عليه قائلا بصرامة :
-وفـاء .. إهدي دلوقتي . أنا هبقي أحكيلك علي كل حاجة بعدين بس ماتتكلميش مع سفيان نهائي
نظرت له و قالت بقلق :
-أنا خايفة علي البنت . إنت مش شايفها عاملة إزاي !
إنتوا جبتوها منين يا سامـح ؟؟!!
زفر “سامح” مغمض العينين و تمتم بنفاذ صبر :
-جبناها من Night club . إرتاحتي ؟
شهقت “وفاء” بصدمة و قالت :
-يانهار إسـود .. طب قولي إيه إللي عمل فيها كده و حصلها إيه ؟؟؟
سامح بضيق شديد :
-مش وقتك خآاالص يا وفاء قولتلك إهدي لما نطمن علي البنت الأول
و هنا دوي صوت “سفيان” من الأعلي :
-وفـــــــآاااااااء
رفعت رأسها هاتفة :
-جـآاااية .. ثم إلتفتت إلي “سامح” مكملة :
-خليك هنا ماتمشيش . و أنا هبعتلك الخادمة تشوف طلباتك إنت مالحفتش تتعشا أصلا
سامح : أنا قاعد إطمني بس شكرا أنا مش جعان عايز فنجان قهوة بس
وفاء بحزم : هتــــاكل حاجة الأول . ماتنفعش القهوة علي معدة فاضية
و ذهبت إلي المطبخ لتبعث له بخادمة تأتي بطلباته ، ثم صعدت إلي أخيها ….
………
في غرفة “ميرا” … بعد أن سطحها والدها علي فراشها ، ألقي بنفسه جالسا بجوارها
وضع رأسه بين يديه و أخذ التفكير يغزو رأسه ، كأفواج من الحشرات راحت تتأكله حتي إنتابه ألم لا يحتمل
طنين مستمر في أذنيه ، لم ينقطع إلا بمجيئ أخته ..
-سفيان ! .. قالتها “وفاء” عندما ولجت إلي الغرفة
أردفت و هي تمضي صوب “ميرا” مباشرةً :
-البنت صحيت ؟ هي نايمة يعني و لا مغم عليها ؟
سفيان بصوت جاف :
-متخدرة . متخدرة و شاربة يا وفاء .. ثم قام من مكانه مكملا بإيجاز :
-عايزك تكشفيلي عليها . شوفيها كويسة و لا لأ
أنا مستني برا .. و خرج بخطي ثابتة و أغلق الباب خلفه
إنقبض قلب “وفاء” بقوة ، و فورا أخذت تقوم بتنفيذ ما طلبه منها “سفيان” …
……………………………………………………………………….
بعد برهة من الزمن …
تخرج “وفاء” من غرفة “ميرا” لتجد شقيقها متكئا علي سور الدرج ، إستدار حين سمع الباب ينفتح
شاهد أخته و هي تقبل عليه مبتسمة براحة ثم تقول :
-الحمدلله . ميرا كويسة يا حبيبي إطمن
أومأ “سفيان” رأسه و نظر للجهة الأخري بشرود
وضعت “وفاء” يدها علي كتفه و قالت بلطف :
-أنا عارفة إن بنتك شوكة في ضهرك يا سفيان . و عارفة إنها تعبتك في الفترة القصيرة إللي قضتها هنا معانا
بس بردو عارفة إنك أدها .. دي مسألة وقت . مش عايزاك تشيل هم كله هيبقي كويس
أزال “سفيان” يدها عنه و إتجه للأسفل و هو يقول :
-خليكي جمبها يا وفاء . و لو فاقت في أي وقت ماتكلميهاش و ماتجيبلهاش سيرة عن أي حاجة . سبيها لحد ما أجيلها أنا !
……………………………………………………………………….
كان “يوسف” محتجزا بنفس السرداب الذي حبست فيه “يارا” من قبل …
و لكن الضوء الآن كان مغلق ، حتي يده لم يتسني له رؤيتها ، إلي أن إعتادت عيناه علي الظلمة ، بدأ يري مجسمات حيوانية صغيرة تطوف حوله
كان يسمع أصواتهم ، فئران هنا و هناك و رائحة عفن و رطوبة شديدة …
أعصابه علي حافة الإنهيار ، و لكنه لا يستطيع أن يصرخ أو يستغيث ، فهو بدون ذلك الرباط الذي يكمم فمه لا يقدر علي بذل أي مجهود
فقد أجهز “سفيان” عليه تماما و لم يترك فيه منطقة سليمة
كان البكاء هو الشئ الوحيد المتاح له ، فظل يبكي و يذرف دموعه بصمت …
حتي سمع أصوات أقدام تقترب من السرداب ، و لحظات و سمع مفتاحا يدور بقفل الباب ، ثم ينفتح الباب و يفاجئه نورا أعمي بصره
إنه ضوء النهار ، غمر المكان كله بلحظة … و شيئا فشئ إتضحت الرؤية أكثر لدي “يوسف”
حيث رأي “سفيان” يقترب منه بخطوات وئيدة ، لترتعد فرائصه و ترتسم علامات الذعر علي وجهه و هو ينظر إليه مترقبا مصيره المفجع
لكن “سفيان” توقف فجأة علي بعد مسافة قليلة منه ، و شد كرسي و جلس قبالته مادا جسمه للأمام ..
-إنت عايز إيـه من بنتي ياض ؟ .. قالها “سفيان” بصوت أجش مثقل بالغضب
نظر “يوسف” له و هز رأسه للجانبين و عيناه تلتمعان بالدموع ..
سفيان بإبتسامة ساخرة :
-أه إنت مش عارف تتكلم عشان الرباط علي بؤك ده !
أوك ثواني .. و نادي علي الحارس الذي تركه أمام الباب
ولج الحارس الضخم ، فأمره “سفيان” بإزالة الكمامة عن فم “يوسف” ليفعل ما أمر به ثم يخرج في هدوء تام ..
-ها بقي . ما ردتش عليا ! .. قالها “سفيان” بهدوء متكلف
يوسف بنبرة مهزوزة :
-أنا . بـ بحـ بحبها .. و الله يا أنكل بحبها
سفيان و هو يكظم غيظه قدر إستطاعته :
-بتحبها تقوم واخدها ديسكو و تسقيها خمرة و في الأخر تخدرها و تاخدها علي أوضة عشان تغتصبها ؟؟؟؟؟؟
يوسف : و اللـه ما لمستها . ما لحقتش آا …
-ما أنا عارف إنك مالمستهـاش .. قاطعه “سفيان” صائحا و هو يهب واقفا بعنف ، و أكمل و هو يحدجه بنظرات مشتعلة :
-لأنك لو كنت عملتها ماكنش زمانك قاعد قدامي دلوقتي .. كان زمانك في دورة هضم في بطون الكلاب بتوعي
يوسف برجاء : و الله أنا ماكنش قصدي آذيها . أرجوك .. أنا حبيتها و إنت حاولت تبعدها عني
سفيان : حاولت ؟!
حبيبي . أنا سفيان الداغر لما بعوز أعمل حاجة بعملها مش بحاول .. و أديك إنت إللي حاولت تلوي دراعي و تاخد بنتي مني . حصل إيـه بقي ؟ ماقدرتش تمس منها شعرة و جبتك هنا في مكان محدش يقدر يوصلك فيه . يعني ممكن تموت و تعفن و لا هتلاقي لك صاحب يسأل عليك
تردد “يوسف” لكنه قال مغالبا خوفه :
-إنت ماتعرفش أنا إبن مين . أبويا زمانه بيدور عليا
مش هيسكت
سفيان بسخرية : خليه يدور عليك . إن شاء الله يلاقيك في الأخرة .. و أكمل بلهجة قاتمة :
-هتقعد هنا إسبوع منغير أكل و شرب . و الله قدرت تستحمل و الروح فضلت فيك هاسيبك تخرج . ماقدرتش و سلمت روحك لربنا هتفضل هنا لحد ما جثتك تفني لوحدها
سلام يا .. چو !
و خرج تاركا إياه يتخبط في الكرسي صارخا :
-إستنـــي .. يا سفيـان بيـــه . أرجـوووك ماتسبنيش كده
أنا آسف و الله هعملك إللي إنت عايزه . بس خرجني من هنـــــآااااااا . يا سفيـــان بيـــــــــه !
و لكن دون فائدة ، ذهبت إستجداءاته كلها أدراج الرياح ، بينما ذهب “سفيان” إلي منزله شاعرا بقليل من صفو البال …
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في منزل “يارا” … يدق الهاتف بالصالة
فتسمعه “يارا” و هي بغرفتها ، تقوم لتذهب إليه ، لكن ينقطع الرنين و تجد أمها قد سبقتها
تراها مغتبطة كثيرا و هي تتحدث إلي الطرف الأخر
وقفت لتتسمع عاقدة ذراعيها أمام صدرها …
ميرڤت بسعادة كبيرة :
-أيوه يا سامي .. فهمت أه .. إنهاردة الساعة 8 .. إنت تيجي بدري بقي .. إن شاء الله .. كله هيبقي تمام ماتقلقش .. أيوه إنهاردة أجازة يارا .. ماشي .. مع السلامة
و أففلت ..
-عمي كان عايز إيه يا ماما ؟ .. تساءلت “يارا” من مكانها
ميرڤت و هي تلتفت لها :
-بسم الله الرحمن الرحيم . مش تكحي يابنتي و لا تقولي حاجة فزعتيني
يارا مكررة : عمي كان عايز إيه يا ماما ؟
تنهدت “ميرڤت” بنفاذ صبر و قالت :
-كان بيتصل يأكدلي المعاد
يارا : معاد إيـه ؟
ميرڤت : سفيان الداغر إتصل بعمك إمبارح و حدد معاد عشان يجي يخطبك إنهاردة
زفرت “يارا” بقوة و قال بضيق :
-إنتي مصممة يعني ؟؟
ميرڤت بإصرار : أيـوووه و مش هلاقي لك جوازة أحسن من دي . الراجل زي الفل مايترفضش
زمت “يارا” شفتاها و قالت بعزم :
-ماشـي .. خليه يجي . و أنا هثبتلك أنه مش مدهش أوي كده ……. !!!!!!!
يتبــــع …
الفصل الخامس عشر
~¤ غير متوقع ! ¤~
بعد يوم طويـــــل و شاق … من المتوقع أن يكون “سفيان” هنا الآن ، داخل حمامه الفخم ، واقفا تحت رذاذ المياه الدافئة ينعش نفسه و يصفي ذهنه
فهو لم ينم منذ ليلة أمس ، قضي ثمانية عشر ساعة بدون نوم ، و من المقرر ذهابه إلي منزل “يارا” بعد ساعة من الآن وفقا لإتفاقه مع عمها
برغم إرهاقه و تعبه إلا أنه مصمم علي الذهاب إلي تلك البريئة المستوحشة ، لقد ختمت علي صدره و لا يجوز أن يبتر صدره ، غير ممكن …
أخيرا يفرغ “سفيان” من حمامه الذي إستغرق وقتا أطول من المعتاد
يخرج إلي غرفته ، يجد بذلته التي أوصي عليها منذ إسبوع ملقاة علي سريره بجوارها علبة مخملية صغيرة ، إلتقطها “سفيان” و فتحها ، فإذا بقطعة ماس براقة تضوي وسط إطار ذهبي لخاتم ثمين جدا
أخذ نفسا عميقا أمام جمال هذه القطعة الخلابة المصنوعة بدقة بالغة و التي ترسل إنعكاسات بجميع الألوان حتي في ضوء الغرفة الخافت ..
أقفل العلبة و أعادها حيث كانت ، ثم باشر بتجهيز نفسه
بعد أن قام بتصفيف شعره ، إرتدي البذلة الفاخرة ذات القميص الأسود و السترة القاتمة ، لم يرفق معها ربطة عنق و ترك الثلاثة أزارار العليا دون إغلاق .. إنتعل جزمته السوداء اللامعة كالمرايا و علق قلادته الذهبية بعنقه ، ثم إرتدي ساعة يده الضخمة المصنوعة من الذهب أيضا و تطيب بعطره النفاذ
لم يكثر منه لشدة تركبيته المـُركزة …
يضع علبة المجوهرات الصغيرة بجيب سترته الداخلي ، و يخرج من غرفته متجها إلي غرفة “ميرا” أولا
أمسك بالمقبض و فتح الباب بدون إستئذان
كانت “وفاء” بالداخل ، تجلس بجوار إبنة أخيها و في يدها صحن طعام ، كانت تحاول إطعامها ، لكن يبدو أن “ميرا” لم تقبل …
-سفيان ! .. قالتها “وفاء” و هي تنظر نحو أخيها ، و تابعت بقلق :
-أنا كنت بأكل ميرا الغدا بتعاها . بس هي مغلباني شوية .. و صمتت حائرة
-إطلعي و سبينا لوحدنا شوية يا وفاء .. قالها “سفيان” بصوت صارم دون أن يحيد ناظريه عن إبنته
وفاء بتوتر : أسيبكوا لوحدكوا ! سفيـ آا ..
-وفـاء ! .. قاطعها “سفيان” و هو ينظر لها بقوة ، و تابع :
-من فضلك . إطلعي و سبيني مع بنتي شوية
نظرت له بغير ثقة ، لكنها إنصاعت له و قامت ..
همست بأذنه حين مرت بمحاذاته :
-سفيان بليز بالراحة عليها . عشان خاطري البنت بجد مش حملك . خليك لطيف بلييييز . و أه أنا أسفة حكتلها علي حاجة كنت مضطرة و الله .. و إنطلقت خارجة بسرعة
ثبت “سفيان” بمكانه و لم يبدي أي إنفعال ..
بينما كانت “ميرا” منكسة الرأس ، ضامة ساقيها إلي صدرها و هي تجلس بمنتصف الفراش .. لم تحرك ساكنا عندما شعرت بأبيها يمشي صوبها و يقترب منها ببطء
ظلت هادئة و إنتظرت عقابها الجديد بصمت …
لكن تبخرت ظنونها كلها بلحظة ، حين جلس “سفيان” بجوارها و فاجأها بإجتذابها لحضنه لاففا ذراعه حول كتفها بإحكام
جحظت عيناها من الصدمة ، ليسرع هو بالرد عليها :
-ماتتفاجئيش .. كان صوته خشنا :
-أنا صحيح هاين عليا أموتك بإيدي . خصوصا بعد المنظر إللي شوفته بعيني إمبارح .. بس هرجع و أقولك تاني . إنتي بنتي الوحيدة . ملخص سنين عمري إللي فات . إنتي الحاجة الوحيدة إللي طلعت بيها من الدنيا . و إنتي نقطة ضعفي و إيدي إللي بتوجعني و مقدرش أقطعها .. أنا بحبك يا ميرا . بحبك أكتر من نفسي و من روحي . ليه تعملي فيا كده ؟ .. ردي عليا
تنطق “ميرا” بصعوبة محاربة غصة تضغط بشدة علي حنجرتها :
-أنا مش آملت ( عملت ) هاجة ( حاجة ) .. I just loved
هو الهب ( الحب ) وهش ( وحش ) دادي ؟!!
سفيان : لأ الحب مش وحش يا ميرا . بس لما نتعامل معاه بالعقل قبل القلب . و إنتي للأسف إتبعتي قلبك بس .. و كنتي هتروحي مني .. و ضغطها في حضنه بقوة
ميرا ببكاء مرير :
-بس يوسف كان Very nice with me .. كان بيقول إنه بيهبني ( بيحبني ) .. و أنا وثفت فيه
سفيان : لدرجة إنك تهربي من أبوكي عشانه ؟ و تسبيلي ورقة مكتوب فيها أنا بكرهك و مش عايزة أعيش معاك ؟ أهو طلع عيل و×× و إبن كلب . خدك و كان عايز يعتدي عليكي لولا وصلتلك أنا في الوقت المناسب
ميرا و تمسح دموعها في كم كنزتها :
-يآني ( يعني ) إيه يآتدي ( يعتدي ) آليا ( عليا ) ؟!
سفيان : rapes you
همهمت “ميرا” بتفهم ، ليقول “سفيان” بصوته العميق :
-علي أي حال أديكي جربتي بنفسك و أكيد عرفتي إن أبوكي مش بيحاول يقف في طريقك أو يفرض سيطرته عليكي عشان يضايقك . أكيد عرفتي إن طول الوقت ده أنا كنت بحاول أحميكي و إنك إنتي إللي كنتي مصممة تأذي نفسك
تعلقت “ميرا” بذراعه و رفعت وجهها إليه قائلة بحزن :
-دادي . I love you . بليز forgive me .. أنا هبيته ( حبيته ) بجد
سفيان بضيق شديد :
-تاني هتقولي حبيته .. يابنتي قولتلك ده واد مش كويس و كان عايز يستغلك . عايزة إثبات تاني إيـه ؟؟؟
أطرقت رأسها خزيا ، فتنهد “سفيان” و رفع ذثنها بإبهامه قائلا :
-طيب يا ميرا . أنا معاكي للأخر .. و كل إللي إنتي عايزاه هيحصل . وحياتك عندي لأجبلهولك راكع تحت رجليكي
نظرت له بصدمة و قالت :
-What you mean ?
سفيان بإبتسامة : I mean إنك ماينفعش يبقي نفسك في حاجة و ماتبقاش ملكك .. إنتي بنت سفيان الداغر . يعني تقعدي مكانك و كل إللي إنتي عايزة يجي لحد عندك
الواد ده أنا هجبهولك راكع . أي أوامر تانية ؟
ضحكت “ميرا” و لم تصدق مدي سعادتها ، فقفزت علي والدها محتضنة إياه بقوة و هي تهدل :
-oh my gosh ! دآاااااادي . إنت بتتكلم بجد ؟ . يآني ( يعني ) هتوافق إني أشوف يوسف و يشوفني و كل الهاجات ( الحاجات ) دي ؟؟!!
سفيان و هو يضمها بلطف :
-هوافق عشان خاطرك إنتي يا حبيبتي . مش إنتي عايزاه ؟ أنا هخليه تحت رجلك . هجوزه لك !
إرتدت “ميرا” للخلف و نظرت له بإستغراب :
-آيزني ( عايزني ) أتجوزه
سفيان بجدية : أيوه طبعا . أومال هخليه يقرب منك منغير جواز ؟ هيتجوزك و هتعيشوا هنا معايا . تحت عنيا . أهم حاجة راحتك و سعادتك . و لو ده إللي هيريحك و يسعدك ماعنديش إختيارات تانية . هعملك إللي إنتي عايزاه
ميرا بحيرة : Yes دادي .. بس أنا لسا 16 سنة !
سفيان : عادي إحنا عندنا هنا في مصر البنات ممكن يتجوزوا صغيرين . بس أنا مش هجوزه لك علطول يعني . هنستني كام شهر كده عشان المظهر العام
زمت شفتاها بتفكير ، ثم قالت و هي تهز كتفاها :
-أوك . إللي إنت شايفه دادي
إبتسم “سفيان” و مرر أنامله علي وجنتها قائلا :
-سفيان الداغر ماعندوش قلب .. بس إنتي قلبه يا حبيبتي !
……………………………………………………………………….
هبط “سفيان” إلي الطابق السفلي ، ليجد “سامح” جالسا بالبهو مع “وفاء” تقدم له قدحا من الشاي ، ثم تجلس قبالته علي الآريكة العجمية المسطحة …
-أهلا سامح ! .. قالها “سفيان” و هو يقبل عليه بخطوات متواثبة
سامح بإبتسامة : ازيك يا سفيان . إيه الأخبار ؟
سفيان متخذا مظهرا جدي :
كله تمام . إلا قولي صحيح إنت كنت قايلي أبو يوسف ده شغال إيه ؟
قطب “سامح” حاجبيه و أجاب :
-أبوه يبقي بكر السنهوري . صاحب شركات الحديد و الصلب .. بتسأل ليه يا سفيان ؟!
سفيان بغموض : عادي مجرد سؤال . هتعرف بعدين يا سامح . لما أرجع من مشواري
سامح : و إنت رايح فين كده ؟
وفاء بفضول كبير :
-صحيح يا سفيان إنت متشيك علي الأخر كده و رايح علي فين ؟؟؟
نظر “سفيان” لها و قال مبتسما :
-رايـح أخطـب !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في منزل “يارا” …
تلج “ميرڤت” إلي غرفة إبنتها راسمة تعابير البهجة علي وجهها ، كانت “يارا” تجلس أمام المرآة ، صوبت لأمها نظرات حانقة عندما شاهدت حالة الفرح التي تلفها
أشاحت عنها و هي تزفر بضيق ، لتمضي “ميرڤت” ناحيتها و هي تهتف :
-بنتي الحلوة كبرت و بقت عرووسة يا ناس . إيه حبيبة قلبي جهزتي نفسك ؟ .. و وضعت يدها علي كتفها
يارا و هي تنظر لإنعكاس أمها بالمرآة :
-إتزفت . يا رب تكونوا مرتاحين بس
ميرڤت مؤنبة : و بعدين بقي يا يارا . إحنا مش إتفقنا هتبقي لطيفة مع الراجل
يارا بغيظ : حاضر هبقي لطيفة . حآاااضر هعملك كل إللي إنتي عايزاه . بس و الله لأجيب أخره إنهاردة و أعرفكوا حقيقته كويس
ميرڤت بجدية : علي فكرة يابنتي الراجل ده لو ماكنش كويس ماكنش دخل البيت من بابه . أنا متمسكة بيه جدا و عشان مصلحتك بإذن الله الجوازة دي هتم يعني هتم
و هنا دق جرس الباب …
-هه . أكيد هو ! .. قالتها “ميرڤت” بحماسة و أكملت :
-عمك برا هيفتحله . أما أروح عشان أستقبله أنا كمان
خليكي إنتي هنا بقي لحد ما أجي أجيبك أنا
و ذهبت ..
لتتأفف “يارا” بكدر شديد و تقول :
-أستغفر الله .. مصيبة إيه دي يا رب ؟ راجل تنح و بآاااارد أووووي ….. !!!!!!!!
يتبـــــــع …
الفصل السادس عشر
~¤ حاوي ! ¤~
تخرج “ميرڤت” من غرفة إبنتها و تذهب لإستقبال الصهر المستقبلي راسمة علي وجهها تلك البسمة الواسعة
لكنها تجد شقيق زوجها “سامي” قد إهتم بأمر الضيف و أجلسه بالصالون ..
ولجت إليهما و هي تهتف بحفاوة شديدة :
-أهلا أهلا . أهلا و سهلا يا سفيان بيه نورتنا !
قام “سفيان” و هو يقول بصوته العميق :
-بنورك يا ميرڤت هانم .. و أمسك بيدها و إنحني ليقبلها ، ثم نظر لها و قال :
-أنا جاي في معادي بالظبط . أتمتي ماكنش أزعجتكم
ميرڤت بإبتسامة : يا خبر إنت تزعجنا !
إستحالة طبعا يا باشا .. و نظرت إلي الهدايا و الأغراض التي أحضرها و قالت :
-بس ماكنش له لازمة التعب ده . ليه كلفت نفسك بس ؟
سفيان : ماتقوليش كده يا هانم ده من بعض ما عندكم . دي حاجات بسيطة جدا
ميرڤت بإمتنان : عموما شكرا . كلك ذوق و الله .. طيب إتفضل أقعد بقى واقف ليه ؟
جلس ثلاثتهم ، ليقول “سامي” بجدية :
-إنت شرفتنا و الله يا سفيان بيه . مجيتك غالية عندنا أوي
بس أنا كنت عايز أقولك حاجة قبل ما نجيب يارا تقعد معانا
-مش وقته يا سامي ! .. قالتها “ميرڤت” بتوتر
سامي و هو ينظر لها :
-مش وقته إزاي يا ميرڤت ؟ لازم كل حاجة تبقي علي المكشوف ده جواز يا مرات أخويا
-مافيش مشكلة يا أستاذ سامي .. قالها “سفيان” بثبات ، و أكمل بثقة :
-إحنا أساسا مش هنختلف . إتفضل قول كل إللي إنت عايزه
نظر “سامي” له و قال بلطف :
-إحنا يشرفنا نسبك طبعا يا سفيان بيه و كل الناس هيحسدونا علي العلاقة دي لو حصل نصيب . بس عشان يحصل نصيب و كلنا نبقي مبسوطين لازم العروسة تبقي مقتنعة و موافقة 100%
سفيان بإبتسامة : هي قالت إنها معترضة يعني !
مط “سامي” شفتاه و قال :
-مش بالظبط . هي قالت إنها هتقرر بعد المقابلة دي .. و أكمل بحرج :
-أصلها ماتأخذنيش يعني سمعت عنك إشاعات كده مخلياها قلقانة شوية
أومأ “سفيان” بتفهم و قال :
-تمام يا أستاذ سامي . أنا فهمت . ده كله حقها علي فكرة و أنا موافق علي كل إللي هي عايزاه . بس أوعدك إني مش هخرج من هنا إنهاردة إلا و أنا متفق علي كل حاجة
سامي بإبتسامة : و الله ده شئ يسعدني جدا يا سفيان بيه .. ثم إلتفت إلي زوجة أخيه و أردف :
-من فضلك يا ميرڤت إدخلي نادي يارا !
……………………………………………………………………….
في ڤيلا آل”داغر” …
ما زال “سامح” يجالس “وفاء” .. كان يستمع إلي حديثها بذهن شارد ، فكلمات “سفيان” عالقة بأذنيه حتي الآن
تري ماذا كان يقصد عندما سأله عن ماهية عمل والد “يوسف” ؟؟
ذاك الولد الأرعن الذي قفز أمامه فجأة ، و ماذا يريد ؟ يريد “ميرا” .. “ميرا” التي هبطت علي أراضي الشرق لتربك توازن الجميع ، حتي “سامح”
الرجل الناضج ، ذو العقل الراجح ، و الذي يتقدم أبيها في العمر بعدة سنوات قليلة
ثمة أشياء كثيرة تمنعه عن الخوض في هذا الطريق الوعر ، أولهم علاقته بـ”وفاء” فهي لن تسمح له بالتخلي عنها ، هي مجنونة رغم كل شئ و بإمكانها قلب الموازيين بلحظة
و إذا عرفت بالأمر لن يكفيها دمه و دم تلك البريئة الوقحة ، تربية السيدة “ستيلا براون” والدتها الأمريكية اللعوب ، مدمنة الكحول و رائدة متاجر القمار و الملاهي الليلية
لكنه لا يستطيع الإمساك بنفسه ، كلما حاول يفشل ، هناك شئ بداخله يريدها و بقــــوة … هذا شئ غير مقبول منطقيا ، و لكن هذا حاله ..
-سـامح ! .. قالتها “وفاء” عندما لاحظت شروده الطويل
أفاق “سامح” ناظرا إليها :
-نعم يا وفاء ؟!
وفاء و هي تنظر له بإستغراب :
-مالك يا حبيبي بتفكر في إيه ؟
سامح : أنا ! مش بفكر في حاجة .. بتسألي ليه ؟
وفاء : أصلي لاقيتك سرحت فجأة !!
إبتسم “سامح” بتظاهر و قال :
-مافيش حاجة يا حبيبتي . كنت بفكر في قضية كده . جاتلي من فترة مش عارف أقبلها و لا لأ
وفاء برقة : طيب ما تقولي قضية إيه و أنا أساعدك يا حبيبي
سامح و هو يضحك :
-ده إللي ناقص يا وفاء . بالمرة تيجي تشتغلي معايا في المكتب
وفاء بحزن : أخس عليك . يعني زهقان مني ؟
سامح : أنا أقدر يا قلبي ؟ .. و أمسك بيدها و ضغطها علي صدره مكملا :
-ده إنتي الحب كله يا فيفي . قاعدة هنا بين ضلوعي و مربعة
توردت “وفاء” خجلا و قالت بحب :
-بموت فيك يا سمسم . ربنا يخليك ليا يا حياتي
……………………………………………………………………….
في منزل “يارا” …
تسير “يارا” مع أمها صوب الصالون و هي تحمل صينية المشروبات بين يديها ، كانت زينة وجهها الباذخة تزعجها للغاية
لولا إصرار أمها لما تبرجت بإصراف هكذا ، كل ما يحدث الآن رغما عنها .. فهي لا تطيق هذا المجرم
يصيبها الرعب بمجرد النظر في عينيه ، و هو ببساطة أتيا ليطلب يدها !!!
-مساء الخير ! .. قالتها “يارا” علي مضض حين شعرت بلكزة أمها في جنبها
ليرد كلا من “سامي” و “سفيان” معا :
-مساء النور
قام “سفيان” من مكانه عندما شاهدها تمشي صوبه بخطواتها الثابتة ، مدت الصينية نحوه و هي تقول بإبتسامة صفراء :
-إتفضـل !
مد “سفيان” يده و أخذ كأس العصير المقدم له و قال بإبتسامة ملتوية :
-شكرا . تسلم إيدك
رمقته بنظرة إستخفاف ، و إنتقلت إلي عمها فقدمت له كأس أيضا ..
جلست في كرسي بجوار أمها ، ليتابع عمها الحديث فورا :
-يارا يابنتي .. سفيان بيه الداغر جاي إنهاردة عشان يطلب إيدك . أنا قولتله إن عندك شوية أسئلة له قبل ما تقولي قرارك النهائي و هو موافق و كان متفهم جدا . دلوقتي تقدري تتكلمي براحتك و هو هايجاوب علي أسئلتك
نظرت “يارا” له ، إستقبل نظراتها الكارهة بإبتسامة بلهاء مستفزة ، لتزم شفتاها شاعرة بالحنق و تقول :
-أنا عندي سؤال واحد بس . و مش هكرره . حضرته عارفه كويس لو عنده إجابة ياريت يقولها دلوقتي و إلا هو بردو عارف ردي
ميرڤت بغضب : إيه يا بنت ما تتكلمي كويس مالك ؟!
-سبيها يا ميرڤت هانم .. قالها “سفيان” بلهجة فاترة ، و أردف مبتسما :
-سبيها علي راحتها .. أنا جاي أصلا عشان أجاوبك علي السؤال ده يا يارا .. بس ممكن تسيبونا علي إنفراد شوية من فضلكم !
تبادل “سامي” النظرات مع “ميرڤت” و في الأخير قال :
-ماشي . حقكوا بردو .. تعالي يا ميرڤت نقعد في البلكونة شوية لحد ما يخلصوا كلام
قامت “ميرڤت” مع “سامي” و أغلقت باب الصالون و هي تنظر لإبنتها بإبتسامة عريضة لترد “يارا” بتكشيرة غاضبة ..
إمتد الصمت للحظات ، ثم قطعه “سفيان” بصوته العذب :
-ها يا ست الكل .. إتكلمي و قولي كل إللي في نفسك . أنا سمعك !
نظرت له بإستنكار و قالت :
-إنت مصدق نفسك ؟ لأ بجد إيه البجاحة بتاعتك دي
إنت فاكر إن بمجيك هنا بتلوي دراعي مثلا ؟؟!!
سفيان بهدوء تام :
-أنا عمري ما فكرت ألوي دراعك . و قولتهالك قبل كده . أنا بس حبيت أدخل البيوت من أبوابها . مش دي الأصول ؟
يارا بسخرية : و ما شاء الله علي حضرتك بتفهم في الأصول جدا
سفيان : أنا عايزك علي سنة الله و رسوله . و مش عارف إنتي مصرة تحودي عن الطريق ده ليه ؟
يارا بإسلوب هجومي :
-و أنا مش عارفة إنت مش عايز تسيبني في حالي ليه ؟!
سفيان بإبتسامة : كل راجل مسيره يتجوز و يستقر مهما طالت بيه العذوبية . و كل راجل بردو بيفضل يدور علي شريكة حياته المناسبة . و أنا لاقيتك الأنسب ليا يا يارا
يارا بحدة : بس ده ماكنش كلامك . إنت قولتلي إني هكون فترة في حياتك و بعدين غير ده كله .. أنا مش ناسية إنك مجرم و تاجر سلاح
حك “سفيان” ذقنه النامية قائلا :
-إنتي عارفة إن أي إنسان ناجح بيكون له أعداء
قطبت “يارا” و ردت :
-قصدك إيه ؟ عايز تقول إنك برئ ؟
إزاي و إنت بنفسك إللي مأنكرتش ده ؟؟!!
سفيان بتحد : و كمان مأكدتش
يارا بعناد : بس أنا مش متأكدة من كلامك . إيه إللي يجبرني أوافق علي حاجة مش مضمونة ؟
-إني بحبك و عايزك مثلا ! .. قالها “سفيان” بإبتسامته الجذابة ، لترتبك “يارا” و هي ترد :
-إنت بتحبني ؟ و ده حصل إمتي و إزاي إن شاء الله ؟!!
سفيان بخبث : لأ إمتي و إزاي دول مش هقولك عليهم إلا إما تبقي مراتي رسمي
كلماته ساحرة ، تصيب العقل بالدوار ..
هزت “يارا” رأسها و قالت بتوتر :
-إنت بتخدعني .. أنا مش قادرة أصدقك . أنا أصلا رفضاك مش عايزة إتجوزك
سفيان متجاهلا عبارتها الأخيرة :
-أنا مستعد أقدملك أي ضمان
يارا : ضمان إيه ؟ ده جواز حضرتك مش صفقة
سفيان وقد إنتابه الضيق :
-طيب عايزه إيـه ؟؟؟ أنا تعبت يا يارا . إنتي تعبتيني جدا
يارا : حلو . طالما تعبتك ريح نفسك و إبعد عني
-مقدرش .. تمتم “سفيان” بإبتسامة جانبية ، و أكمل :
-إنتي عششتي جوايا . لدرجة إن قلبي مش مقتنع بوجود ستات في الدنيا غيرك .. يا إنتي يا بلاش يا يارا
نظرت له بعدم تصديق و قالت :
-إنت مش ممكن .. إيه كلامك ده ؟ يودي في داهية و الله
ضحك “سفيان” بمرح ، ثم قال :
-طيب قوليلي قرارك بقي . خلصيني من العذاب ده بالله عليكي . و الله هتلاقيني شخص كويس بس إديني فرصة !
إنفرجت شفتاها و هي تحدجه بدهشة كبيرة .. و كأنه الحاوي الذي لا يخلو جرابه من المفاجآت ، و يجيد اللعب علي الحبال أيضا …
غير معقـــول …… !!!!!!!!!!!!
يتبــــع …
الفصل السابع عشر
~¤ إطلاق سراح ! ¤~
كان “سفيان” أمامها …
ينظر لها مبتسما
ينتظر منها أن تأتي إليه
كانت خائفة و كان الإرتجاف يزلزلها بقوة
هز رأسه يشجعها علي الإقتراب
لكنها أبت الذهاب ناحيته
نظرت خلفها ، لتجد نفسها علي حافة هاوية عميقة مظلمة
إزدادت حيرتها .. إنها لا تريده ، تخاف منه حد الموت
بينما نفذ صبره و تلاشت إبتسامته
إزدادت دقات قلبها
تقدم صوبها بإصرار ، فصرخت و إلتفتت قافزة بقاع الهاوية الأسود …
تصرخ “يارا” بقوة و هي تستيقظ من نومها ، كاد صدرها ينفجر من قلة الأكسچين ، اللهاث يمنعها من التنفس بصورة جيدة ، فتتعدل جالسة بسرعة و تبدأ بتعبئة الهواء في رئتيها
تشهق و تزفر بإنتظام … إلي أن هدأت تماما ..
-أعوذ بالله من الشيطان الرچيم ! .. تمتمت “يارا” و هي ترفع كفها المرتعش لتجفف وجهها من العرق
في هذه اللحظة دخلت أمها ، هرولت نحوها و هي تهتف بقلق :
-يـارآاا .. مالك يا حبيبتي بتصرخي ليه ؟ إيـه إللي حصل ؟؟؟
نظرت “يارا” لها و قالت بصوت متحشرج :
-ماتقلقيش يا ماما . شوفت كابوس بس
ميرڤت بحنان : يا حبيبتي . إسم الله عليكي .. معلش إستعيذي بالله و إنتي هتبقي كويسة .. و ربتت علي ظهرها
يارا : بعمل كده دايما . الحمدلله .. هي الساعة كام دلوقتي يا ماما ؟!
ميرڤت : داخلة علي واحدة أهيه . أول مرة تعمليها من يوم ما إشتغلتي و تنامي كل ده !
يارا بإبتسامة منهكة :
-معلش مرة من نفسي . في فطار إنهاردة و لا لأ ؟ .. و أخذت تتمطط متثائبة
ميرڤت : لأ مافيش . مش إحنا معزومين علي الغدا إنهاردة ؟ يعني كمان ساعة ؟ و حضرتك لسا نايمة لحد دلوقتي
يارا بضيق شديد :
-يا ماما أنا قولتلك مش عاوزة أروح إنتي ليه بتحبي تضايقيني !!
ميرڤت بحدة : و بعدين معاكي بقي . إحنا مش إتفقنا علي كل حاجة إمبارح ؟ و الراجل نزل من عندنا واخد كلمة منك و من عمك ؟ مش إنتي قولتيله بلسانك إنك موافقة ؟؟؟
يارا بتردد : ما أنا بصراحة .. بخاف أروح بيته . بخاف منه أساسا أنا مش عارفة إنتوا شايفنه cute إزاي ؟؟!!
ميرڤت بنفاذ صبر :
-بصي أنا زهقت . الكلمة إللي أقولهالك تتسمع منغير رغي كتير . إتفضلي قومي جهزي نفسك السواق بتاعه هيوصل كمان ساعة بالظبط
و تركتها و خرجت ، لتزفر “يارا” بقوة شاعرة بخنقة شديدة …
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في ڤيلا آل”داغر” …
يجلس “سفيان” بالشرفة يحتسي قهوته و هو يطالع جريدة اليوم ، كان مستغرقا .. فلم يشعر بإبنته و هي تتسلل علي أطراف أصابعها نحوه
و فجأة أقحمت “ميرا” وجهها في عنق أبيها من الخلف ، إحتضنته بشدة و هي تغمعم :
-إنت آرف ( عارف ) إني بهبك ( بحبك ) أوووي . و إنك وهشتني ( وحشتني ) أووي أوووي
سفيان و هو يضحك :
-قلبي . Lovey honey .. إنتي وحشتيني أكتر . تعالي هنا
و أفسح لها و أجلسها بجانبه لاففا ذراعه حول كتفيها ..
تكورت “ميرا” تحت إبطه قائلة بصوتها الرقيق :
-دادي آملت ( عملت ) إيه مع يوسف ؟ أنا بكلمه مش بيرد آليا ( عليا ) !!
سفيان بصوت أجش :
-و إنتي بتكلميه ليه منغير إذني ؟ إحنا مش قولنا مش هتعملي حاجة من ورايا ؟؟؟
ميرا بإرتباك : I’m sorry . أنا مش أقصد .. بس كنت آيزة ( عايزة ) أقوله إنك وافقت نبقي سوا أنا و هو !
سفيان بصرامة : و لو . كان لارم تقوليلي الأول بردو .. أنا رجعت أثق فيكي تاني . مش عايز أندم إني كررتها يا ميرا
ميرا بإسراع : أوك أوك I’m so sorry . بليز مش تضايق دادي
سفيان : خلاص . هعديهالك المرة دي
أرادت “ميرا” أن تسأله من جديد .. لكنها كبحت رغيتها الملحة و صمتت متنهدة بإستسلام
ليضحك “سفيان” و يقول :
-معقول بالك مشغول عليه أوي كده ؟ نفسي أعرف إيه إللي عجبك في الولد البايظ ده ؟؟!!
ميرا بحزن :
-I love him , Just love him دادي !
سفيان بإبتسامة ماكرة :
-عموما ماتفكريش كتير . كل إللي إنتي عايزاه هيحصل في أقرب وقت
نظرت له و قالت بتلهف :
-بليييييز دآاادي قولي . إنت آملت ( عملت ) إيه مع يوسف ؟ طيب أنا هاشوفه تاني ؟ هو هايجي هنا ؟؟؟
إبتسم “سفيان” أمام إلحاح إبنته الذي أعاد تفاصيل الساعة الماضية إلي باله …
Flash back …
كانت رائحته البشعة تملأ السرداب ، كانت الأوساخ و فضلات الحشرات متراكمة علي جسده .. وجهه ، ذراعاه ، و صدره
كانت حالته مزرية ، و كان قاب قوس أو أدني من الموت ، فالطعام و الشراب كلاهما لم يعرفا طريقا إلي جوفه منذ ثلاثة ليالٍ ..
بالكاد كان يستطع أخذ أنفاسه
تأكد من حلول أجله و لم يعافر ليظل علي قيد الحياة ، حل اليأس محل المقاومة و توقف عن الصراخ و التوسل و الإحتجاجات ، لن يجدي أي من ذلك نفعا
ترك نفسه ليذوي في هدوء ..
لولا ذلك الباب الذي فتح فجأة ، و ظهر “سفيان” من وراءه
أعمي ضوء النهار بصر “يوسف” و هو يحاول تدقيق النظر في وجه جلاده .. لابد أنه آت ليجهز عليه الآن
علي الرحب و السعة ، هذا سيكون مريح بالنسبة إليه …
إقترب “سفيان” منه بخطوات هادئة ، شاهده “يوسف” من خلال أهدابه المتثاقلة ، كان مجرد ظل
حتي أصبح قريب جدا ، حني “سفيان” رأسه لينظر له
إنتظر ربما يتكلم ، لكن لم يحدث هذا ..
-إنت لسا عايش يالا ؟ .. قالها “سفيان” بإبتسامته الملتوية ، و أردف بتأثر مصطنع :
-تؤ تؤ تؤ . يا عين أمك يابني .. شكلك ميتان علي الأخر . تصدق إنك صعبت عليا . أه و ربنا صعبت عليا . و شكلي هاسيبك تمشي
رمقه “يوسف” بإبتسامة ساخرة ، ليقول “سفيان” بجدية :
-أنا بتكلم جد . قسما بالله هاسيبك تروح . خلاص أنا عاقبتك زي ما أنا عايز .. كفاية عليك كده يا چو
يوسف و قد تلاشت إبتسامته :
-إ إنـ إنت . جـ جاي تهزر . معـ ـايا ؟؟؟!!! .. كانت يتكلم بصعوبة كبيرة
قهقه “سفيان” بمرح و قال :
-أنا أدك يالا عشان أهزر معاك . و الله هخرجك من هنا .. بس مش قبل ما تسمع إللي هقولك عليه . عشان لو خرجت من هنا و مانفذتش كلامي هتبقي نهايتك
يوسف برجاء : قووول كل إللي إنت عايزه . أنا هعملك إللي تطلبه بس مشيني من هنا . أنا بمـوووت
سفيان بإبتسامة : بعد الشر عليك يا جوز بنتي
قطب “يوسف” بعدم فهم ، ليكمل “سفيان” :
-بإعتبار ما سوف يكون يعني .. إنت هتتجوز ميرا . و لا عندك إعتراض ؟!
يوسف : لالالالا ماعنديش . أتجوزها . أتجوزها يا باشا إن شاالله إنهاردة لو تحب
سفيان : طب و أبوك ؟ صحيح ده أبوك قالب عليك الدنيا و ناشر إعلانات في الجرايد أد كده
يوسف : مالكش دعوة بأبويا يا سفيان بيه . أنا هتصرف أمي هتقنعه هي مش بترفضلي طلب و أبويا مش بيرفضلها طلب . بس أبوس أيدك عطشـآاان .. هموت من العطش مش قآاادر
سفيان : عطشان بس ؟ ده إنت حالتك صعبة أووي يابني .. و غضن أنفه مكملا بتقزز :
-و ريحتك طالعة . محتاج تتنقع في المايه و الصابون أد يومين كده .. و ضحك
Back
-دآاادي !
أفاف “سفيان” علي صوت إبنته … نظر لها فوجدها تنتظر رده ، ليقول بحزم :
-خلاص بقي يا ميرا . قولتلك هعملك إللي إنتي عايزاه ما تسأليش كتير و تزهقيني
لوت فمها بتذمر ، ليبتسم أبيها و يلامس وجنتها بأنامله قائلا :
-مابحبش التكشيرة دي . فكيها يا قلب سفيان الداغر .. ده أنا عندي ليكي مفاجأة
نظرت له بوجوم و تساءلت :
-مفاجأة إيه ؟!
سفيان : Guess what !
أنا هتجوز يا ميرا
إستغرقها الأمر دقيقة كاملة حتي فهمت ، لترد :
-إنت هتتجوز ؟ .. تقصد إنك بتهب ( بتحب ) واهدة ( واحدة ) و هتتجوزها ؟؟!!
أومأ “سفيان” و أجابها :
-أيوه . بس مش بحبها أوي يعني .. لازم تعرفي إن مافيش في قلبي غيرك
عبست “ميرا” قائلة :
-طيب لما إنت مش بتهبها ( بتحبها ) هتتجوزها ليه ؟
هز “سفيان” كتفاه و قال :
-عشان عايز إتجوزها . عجبتني فروحت طلبت إيدها من مامتها .. مش زي الأفندي إللي روحتي تحبيه و كان عايز يسرقك
تآففت “ميرا” بضيق و قالت :
-أوك . As you like دادي . إتجوزها
سفيان بجدية : عموما هي جاية دلوقتي مع مامتها . هتتغدا معانا .و هيقضوا اليوم هنا عايزك تروحي تجهزي نفسك كده عشان لما أقدمك ليهم
ميرا بفتور : Okay !
و هنا صدح بوق السيارة التي أرسلها “سفيان” لتحضر “يارا” و والدتها معلنا عن وصلهما ..
سفيان بإبتسامة عريضة :
-أهم وصلوا …….. !!!!!!!!!!!!
يتبــــع …
الفصل الثامن عشر
~¤ وفاة ! ¤~
كان هناك دليل معهما … أحد الحرس رافق “يارا” و أمها لدي وصولهما إلي الڤيلا ، سار في المقدمة حتي تركهما عند باب المنزل الداخلي
دقت “ميرڤت” الجرس ، بينما كانت “يارا” تأخذ أنفاسها بعمق ، لا تعرف أكانت هي من أقحمت نفسها في هذه المخاطرة أم والدتها و عمها
أم هو .. ذاك الشيطــان ، حقا شيطان …
فتح الباب في هذه اللحظة ، ليستقبلهم “سفيان” بنفسه و قد بدا في أبهي صوره
جميلا ، أنيقا ، مزدانا بثراؤه الفاحش ..
-أهلا أهلا أهلا ! .. قالها “سفيان” مرحبا بحرارة ، و أكمل و هو يمد يده ليصافح “ميرڤت” :
-ميرڤت هانم . نورتي بيتي المتواضع
ميرڤت بإبتسامة : منور بيك يا سفيان بيه . شكرا
ينتقل “سفيان” لخطيبته قائلا بإبتسامته الجذابة :
-يارا .. مش محتاج أرحب بيكي في بيتك المستقبلي . لكن عموما أهلا و سهلا
نظرت “يارا” إلي يده الممدودة للمصافحة بتردد ، لكنها قبلتها في الأخير و دعته يطبق عليها بلطف حازم ..
أفلت يدها ببطء و هو يقول و عيناه لا تحيدان عنها :
-كان المفروض أختي وفاء تبقي في إستقبالكم معايا دلوقتي . بس هي في مشوار و إتأخرت زمانها جاية
ميرڤت : براحتها خالص كفاية حضرتك يعني ده إحنا يزيدنا شرف
و هنا زجرتها “يارا” بنظرة غاضبة ، ليبتسم “سفيان” بإتساع قائلا :
-بنتي كمان موجودة هنا . هتنزل حالا .. إتفضلوا جوا !
و أخذهما إلي الصالون الفخم ذي الأثاث العصري الأكثر حداثة علي الإطلاق ، و الذي أمرت “ميرا” بجلبه منذ شهران … منذ وصولها لبيت أبيها
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في سيارة “سامح” …
كان يقود و هو مستغرقا في أفكاره ، عندما شعر بأصابع “وفاء” تتغلغل بين خصيلات شعره
أفاق ناظرا إليها ، ثم نظر للطريق من جديد ..
-و بعدين معاك يا سامح ؟؟ .. قالتها “وفاء” بضيق ممزوج بالحيرة
سامح ببرود : في إيه يا وفاء ؟
وفاء : في إيه إنت ؟ من إمبارح و إنت مش مظبوط و كل ما أبصلك ألاقيك سرحان . نفسي أعرف إيه إللي شاغلك .. قولي يا سامح إيه المشكلة ؟؟؟
سامح بلهجة هادئة :
-مافيش حاجة يا وفاء . عادي السرحان بقي حاجة غريبة يعني ؟ ما كل الناس بتسرح . إنتي مش منطقية خالص يا حبيبتي
وفاء بحدة : كل الناس بتسرح أه . لكن مش بإستمرار كده . قولي إنت مخبي عني إيه يا سامـح ؟ عارف لو طلع إللي في دماغي صح و رحمة أمي ما هتشوف خير أبدا
توتر “سامح” إثر كلامها ، لينظر لها فورا و يقول مغالبا إرتباكه :
-في إيه بس يا وفاء ؟ هو إيه إللي في دماغك ؟!
وفاء : تكون واحدة مثلا هي إللي ملغبطة كيانك كده و بتفكر إزاي تديني سكة . لكن أنا مش هسمحلك يا سامح . ده أنا أقتلك فيها سـامعني ؟؟؟؟؟
يضحك “سامح” ليموه عن الموضوع ، ثم يرد :
-إنتي خيالك بقي واسع أوي يا حبيبتي . و بعدين يعني أهون عليكي يا فيفي ؟!
وفاء بغلظة : لو فكرت تغدر بيا هتهون يا سامح . و هاكلك بسناني حي
سامح : يا جآااامد . لأ ده أنا أخاف علي نفسي منك بقي
وفاء بجدية : لازم تخاف يا حبيبي . إنت بتاعي أنا و لو في يوم بصيت لغيري بس .. هقتلك و مش بهزر
أمسك بيدها و رفعها إلي فمه ليقبلها ، ثم قال :
-إطمني يا روحي . أنا مافيش في حياتي غيرك .. إنتي عارفة أنا بحبك أد إيه وفاء
لم ترد عليه ، فزم شفتاه متماسكا و أردف :
-عموما أنا محضرلك مفاجأة هتبسطك و هترجع ثقتك كلها فيا .. قريب أوي هقولك عليها !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
لأول مرة تغير “ميرا” تسريحة شعرها و تجمعه كله للخلف علي شكل ذيل حصان …
نسقت هذا حسب الفستان القصير الذي إرتدته ، كان بلون عيناها .. رمادي مائلا للزرقة ، و كانت حزاما عريضا باللون الأسود يتوسطه عند منطقة الخصر ، و أخيرا إنتعلت حذاء أبيض مريح للقدمين و علقت حول عنقها قلادة ذهبية صغيرة كان “سفيان” قد أهداها لها عندما كانت طفلة في السادسة من عمرها
أغلقت باب غرفتها و هبطت للأسفل …
إجتذبتها الهمهمات المنبعثة من ناحية الصالون ، فمضت بخطواتها الرشيقة إلي هناك ..
-Good Evening ! قالتها “ميرا” بإبتسامة رقيقة
ليلتفت لها الجميع في نفس الوقت ..
سفيان بصوته القوي :
-تعالي يا ميرا . قربي يا حبيبتي
ذهبت “ميرا” إلي والدها ، ليقوم “سفيان” من مكانه و يلف ذراعه حول خصرها قائلا بتفاخر :
-أحب أقدملكوا . ميرا سفيان الداغر .. بنتي
فتحت “ميرڤت” عينتها دهشة :
-ما شاء الله . دي بنت حضرتك ؟ الله أكبر ده أنا كنت فكراها طفلة !
سفيان بإبتسامة : أنا خلفتها و أنا صغير . بيني و بينها 16 عشان كده تلاقيها طولي و مايبنش إني أبوها
ميرڤت و هي تمد يدها لتصافح الفتاة :
-ربنا يخليها لك دي عروسة زي القمر
سفيان : متشكر ربنا يخليكي .. ثم إلتفت لإبنته مكملا :
-ميرا دي طنط ميرڤت مامة يارا . و دي يارا خطيبتي إللي كلمتك عنها .. مش هتسلمي عليها !
إبتسمت “ميرا” و هي تصافح “يارا” قائلة :
-Nice To Meet You يارا !
يارا و هي ترد لها الإبتسامة :
-أنا كمان يا حبيبتي مبسوطة إني شوفتك
ميرا : إهنا ( إحنا ) هنكون Friends مش كده ؟
يارا بإبتسامة مترددة :
-أه . أكيد !
و هنا جاءت الخادمة معلنة :
-الغدا جاهز يا سفيان بيه
أصرفها “سفيان” بإشارة من يده و قال :
-طيب يلا يا جماعة علي أوضة السفرة . وفاء بتأخيرها ضيعت الغدا الخصوصي ده علي نفسها تبقي تيجي تطلب دليڤري بقي .. و ضحك بمرح
ميرڤت : لأ إزاي بس إحنا ممكن نستناها !
سفيان بصرامة : مافيش الكلام ده يا ميرڤت هانم . عندي هنا الوقت مقدس و طالما جه وقت الأكل يبقي هناكل كلنا إللي يجي بعد كده ممكن ياكل بردو بس هياكل لوحده .. إتفضلوا
و أخذهم إلي حجرة الطعام …
شد لـ”يارا” كرسي علي يمينه ، و لـ”ميرا” أخر علي شماله ، بينما تولت “ميرڤت” أمرها بسرعة قبل أن يلتفت إليها
إبتسم و هو يترأس المائدة الطويلة بإريحية ، أشار بإصبعه السبابة إلي طاقم الخدم الخاص بالمطبخ ، ليتوافدوا تباعا
مجموعة تضع المناديل أمام الضيوف ، و مجموعة تصب المياه و المشروبات بالكؤوس و بعضا منهم يقف للطلب عند الحاجة …
لم يتناول “سفيان” طعامه جيدا بقدر ما حرص علي الإهتمام بضيوفه .. فأحيانا كان يقرب صحن الحساء الساخن من “يارا” و أحيانا يدفع لها بكأس العصير
كان يتصرف معها بغاية اللطف ، و كأنه لم يكن الشخص الذي عرفته من قبل ، أظهر كرما بالغا و رقة غير مفهومة
لوهلة شكت بنفسها ، ربما كانت مخطئة .. لكنها عادت فورا حين تذكرت كلامه و تهديداته السابقة ، آثرت الصمت و من داخلها تبتسم بسخرية …
……………
كان المطر قد بدأ رذاذا خفيفا عندما وصلت “وفاء” إلي المنزل ، كانت تحمل في يديها حقائب طبعت عليها علامات أفخم المتاجر
لفت نظرها ضوء الشرفة الأمامية ، فأدركت وجهتها .. دقيقة و كانت ماثلة أمام شقيقها …
كان يحتسي قهوته و هو يتبادل أطراف الأحاديث مع “ميرڤت” و قد جلست “ميرا” بجواره علي يد الكرسي ..
-مساء الخير ! .. قالتها “وفاء” بنبرتها العذبة
وضع “سفيان” الفنجان بمكانه و هو يهتف :
-وفـاء !
معقولة كل ده تأخير ؟
وفاء بأسف : معلش يا سفيان علي ما خلصت المشاوير إللي قولتلي عليها ده أنا لفيت أد كده و الله
سفيان : طيب تعالي سلمي علي ضيوفنا
أقلبت “وفاء” باسمة ، لتقف كلا من “ميرڤت” و “يارا” لتحيتها ..
وفاء : أهلا و سهلا بيكم . و الله منورين البيت
ميرڤت : منور بأصحابه يا حبيبتي
وفاء و هي تشمل “يارا” بنظرات فضولية :
-إزيك يا عروسة ؟
يارا بإبتسامة : الحمدلله كويسة
وفاء : ما شاء الله زي القمر . و الله صبرت و نولت ياخويا . ربنا يهنيكوا يا رب
سفيان : شكرا يا وفاء .. صحيح أومال فين سامح ؟
وفاء : سامح وصلني و مشي قال تعبان و لازم ينام بدري عشان عنده مرافعة الصبح
أومأ “سفيان” بتفهم ، ثم قال :
-طيب أقعدي خدي نفسك و قوليلنا عملتي إيه في الترتيبات إللي قولتلك عليها
جلس الجميع ، لتبتسم “وفاء” و هي تسحب مجلد من إحدي الحقائب و تقول :
-كل حاجة تحت السيطرة . حجزت كروت الدعوة و إتفقت مع أشهر دار لتصميم ديكورات الأعراس و أخر حاجة جبتلكم جتالوجات للفاستين و البدل أخر موديل . و أحب أبشركم فرحكوا هيبقي حدوته سنين قدام
-فرح مين ؟! .. قالتها “يارا” بعدم فهم
نظر “سفيان” لها و قال :
-فرحنا يا حبيبتي . هو صحيح كمان إسبوعين بس أنا مش عايزك تقلقي كل حاجة هتطلع أحسن ما إحنا عايزين
يارا بجدية : بس أنا مش عايزة فرح
سفيان رافعا أحد حاجبيه :
-مش عايزة فرح ؟!
إزاي يعني ؟ ده إنتي بنت و إللي أعرفه أن ده حلم كل البنات . ده غير إني بعتبر جوازنا ده هو جوازي الحقيقي و لازم كل الناس تعرف بيه و يتحاكوا عليه كمان
يارا بإصرار : مش عايزة فـــرح . مش عايزة
ميرڤت : ليه كده يابنتي ؟ صحيح علي رأي سفيان بيه . ده حلم كل البنات معقول مش عايزة تفرحي زي البنات ؟؟!!
يارا بثبات : أيوه مش عايزة . فرح لأ
كاد “سفيان” أن يرد ، لولا رنين هاتف أخته
إعتذرت “وفاء” منهم و أخرجت هاتفهها ، لترتبك قليلا عندما تري إسم المتصل ..
-ده سامح ! .. قالتها “وفاء” حين رفعت أنظارها لتصطدم بأعين أخيها الحادة
ضغطت زر الإجابة و ردت :
-ألو .. أيوه يا سامح .. خير !
أيوه موجودين الإتنين .. في إيه يا سماح ؟ … بتقول إيـــــه ؟؟؟؟!!!!
-في إيه يا وفاء ؟! .. تساءل “سفيان” بلهجة خشنة
نظرت “وفاء” له ثم لإبنته … وجدت صعوبة في قول هذا
لكنها نطقت : سـ ستيلا . أم ميرا .. ماتت يا سفيان ….. !!!!!!!!!!!
يتبـــــع …
الفصل التاسع عشر
~¤ طرد ! ¤~
وصل “سامح” صباح باكر إلي ڤيلا آل”داغر” …
كان يحمل علي يده لفافة هدايا كبيرة حمراء اللون مربوطة بشريط أزرق ، شعر و كأنه كالأبله و هو يسير بهذا الشئ هكذا … لكنه تجاوز شعور الحرج و تابع المسير حتي الحديقة الخلفية
شاهد “سفيان” من علي بعد و هو يعوم داخل المسبح الكبير طولا و عرضا بلا هوادة ، إبتسم بإلتواء و مضي إليه ..
-صباح الخير يا إبن الداغر ! .. قالها “سامح” بلهجة معابثة و شد كرسي قريب ليجلس
رفع “سفيان” رأسه و هو ينفض قطرات الماء عن عينيه و نظر لصديقه قائلا :
-صباح النور يا متر .. كان اللهاث يغلف صوته
سامح مداعبا : إيه النشاط ده كله يا عريس . بتسخن و لا إيه ؟!
سفيان بسخرية : إنت جاي تستظرف علي الصبح بروح أمك ؟ .. و صعد من المسبح متناولا مآزره من فوق الطاولة
سامح بإبتسامة صفراء :
-مش ملاحظ إنك بتقل أدبك كتير اليومين دول يا صاحبي !
سفيان و هو يجفف شعره بالمنشفة :
-براحتي يا حبيبي . أنا أعمل أي حاجة تعجبني في الوقت إللي يعجبني
و لفتت إنتباهه تلك الهدية المغلفة هناك ..
-إيه البتاعة إللي هناك دي ؟! .. قالها “سفيان” بتساؤل ، و أردف :
-دي بتاعتك ؟ إنت إللي جايبها ؟
حمحم “سامح” بشئ من التوتر ر قال :
-أه دي هدية . جايبها لميرا
سفيان بإستغراب : جايبها لميرا ؟ إشمعنا !
سامح مغالبا إرتباكه :
-أنا قلت فات شهر بحاله و هي حابسة نفسها في أوضتها و زعلانة علي مامتها . حبيت أعمل أي حاجة تخرجها من حالة الحزن دي
أومأ “سفيان” رأسه مرارا و قال :
-طيب و جبتلها إيه بقي ؟؟
سامح : باندا . بيقولوا الباندا صديق البنات و خصوصا المراهقات إللي في سنها .. أنا متأكد إنها هتتبسط بيه
تنهد “سفيان” و ألقي بالمنشفة علي ظهر الكرسي ، فتنفس “سامح” هنا و قد علم أن اللحظات الصعبة مرت
سفيان بلهجة فاترة :
-عموما أنا مش ساكت عليها . قريب هشغلها في حاجات تنسيها أمها بو×××× بالخمرة إللي كانت السبب في موتها
سامح بإهتمام : هتعمل إيه يعني ؟؟!!
نظر “سفيان” له و قال بجدية تامة :
-هجوزها
سامح بصدمة : إيــه ! .. هتجوزها ؟ هتجوزها لمين ؟؟؟
سفيان : للواد إللي بتحبه
سامح و هو يزدرد ريقه بصعوبة :
-إزاي يا سفيان ؟ ده إنت كنت هتقتله
فجأة كده هتجوزه بنتك !!
سفيان : البت بتحبه يا سامح و هو مالي دماغها و في نفس الوقت الواد مش جربوع لأ من عيلة بردو و مستقبله مضمون يبقي إعترض ليه و أمنع سعادة بنتي
سامح : طيب و إنت إتأكدت منين إنه هيتجوزها فعلا ؟!
سفيان بإبتسامة غرور :
-أبوه جالي من إسبوع و طلبها مني . و أنا وافقت
صمت “سامح” قليلا … فهذه أنباء جعلته يكتشف كم هو قادر علي التماسك إلي أبعد الحدود ..
تكلم من جديد :
-و هي عرفت ! .. قالها بإقتضاب
سفيان : لأ لسا . بس هي عارفة إني موافق مبدئيا
أومأ “سامح” قائلا :
-تمام . ربنا يسعدها و يخليها لك يا سفيان .. عن إذنك !
سفيان : إيه ده رايح فين ؟
سامح : ماشي
سفيان بدهشة : ماشي ! إنت جاي في إيه و ماشي في إيه سيادتك ؟!
سامح : أنا كنت معدي قلت إدخل أشوفك . بس لازم أروح المكتب دلوقتي عندي معاد مع عميل مهم
سفيان : طب و مين يدي الهدية لميرا ؟
نظر “سامح” له و قال بإبتسامة :
-إديهالها إنت . و قولها من أنكل سامح
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في منزل “يارا” …
يدق جرس الباب ، لتذهب “ميرڤت” فورا و تفتح
كان شاب يرتدي زي عمل أنيق ، يعتمر قبعة رأس معنونة بعلامة تجارية شهيرة ، وقف حاملا علي صدره صندوقا كبيرا ..
-صباح الخير يافندم .. قالها الشاب بإبتسامته اللطيفة
ميرڤت و هي ترد له الإبتسامة :
-صباح النور . أي خدمة !
الشاب : مش دي شقة الأنسة يارا محمد ؟
ميرڤت : أيوه هي
الشاب : أنا معايا طرد ليها من الأستاذ سفيان الداغر
نظرت “ميرڤت” للصندوق ثم للشاب و قالت :
-طيب ماشي . إتفضل حطه جوا .. و تنحت جانبا سامحة له بالدخول
ولج الشاب و وضع الصندوق أمام الباب من الداخل ، ثم أخرج دفتر صغير من جيبه و نظر لها قائلا :
-ممكن حضرتك تمضي علي الإستلام هنا ! .. و أعطاها قلم
مضت “ميرڤت” بأسمها ، فشكرها الشاب و رحل ..
إنحنت و حملت الصندوق ، كان نوعا ما ثقيل ، لكنها لم تفتحه لتري ما بداخله ، بل أخذته و ذهبت إلي غرفة إبنتها ..
-يـآاارا .. إصحي يا يارآاااا . إصحي يا حبيبتي شوفي خطيبك بعتلك إيه ! .. هكذا راحت “ميرڤت” تتصايح لتوقظ إبنتها
-إيـه يا ماما في إيــه ؟؟!! .. غمغمت “يارا” بضيق و هي تتمطي في السرير
ميرڤت بحبور : قومي يا قلبي إفتحي الطرد ده . أنا هموت و أفتحه بس ده بتاعك سفيان بيه بعتهولك
إستغرقها الأمر بضعة ثوان حتي إتضح إسمه في أذنيها … قامت بسرعة و هي تقول بحشرجة النوم :
-بعت إيه تاني ؟ هو كل يوم يبعت في حاجات !!
ميرڤت بغضب : ما تحترمي نفسك بقي . ده هيبقي جوزك يا بنت
يارا بغيظ : جوزي إيه و هباب إيه بس . ده أنا إتفضحت . مش كفاية سيبت شغلي بسببه . كل إللي كان يعرف بعلاقتي بيه كان يبصلي بصات إتهام و قرف .. أنا مش عارفة طاوعتكم إزاي !!!!
ميرڤت : يا حبيبتي كل دول غيرانين منك . أي حد كلمك أو بصلك بصة مش تمام مستكتر عليكي العز و الترف إللي هتبقي فيه . هو في حد مصدق أصلا إن سفيآاان الداغر بحالة طالب إيد بنتي أنا . ده كل الجيران و القرايب هيموتوا . حتي خالتك إللي كانت عايزاكي لإبنها مش زعلانة عشان هتتجوزي علي أد ما هي زعلانة عشان هتتجوزي الشخص ده بالذات . كانت تتمني يكون عندها بنت و يجلها واحد زي سفيان إللي مش عاجبك ده
ضمت “يارا” حاجباها في عبسة متبرمة و زفرت بحنق ..
ليدق هاتفهها في هذه اللحظة
قذفته بنظرة عنيفة ، بينما إبتسمت “ميرڤت” و قد عرفت من المتصل ، إنسحبت خارجة دون أن تفه بكلمة حتي لا تزيد غضب إبنته …
-ألـو ! .. ردت “يارا” بصوت جليدي
ليأتيها صوت “سفيان” الناعم :
-صباح الفل علي أجمل يارا في الدنيا .. إيه يا عروسة لسا نايمة و لا إيه ؟!
يارا : ممكن أفهم لازمتها إيه المجايب إللي كل يوم ألاقيك باعتهالي دي ؟؟؟
سفيان : يبقي الطرد وصلك . عشان كده مضايقة يعني ؟ ده فستانك يا حبيبتي . معقول يعني لا هيبقي فرح و لا فستان ؟!
يارا بإنفعال : إحنا مش إتفقنا مافيش و لا حاجة من دي ؟ أنا طلبت منك فستان ؟؟!!
سفيان بهدوء : مش لازم تطلبي . و بعدين أنا جبتلك خلاص . هتلبسيه بكره إن شاء الله
إهتزت “يارا” عندما ذكرها بيوم غد و إرتبك بداخلها …
ليكمل “سفيان” و قد حزر سبب صمتها المفاجئ :
-من بكره مكان إقامتك هيتغير .. قالها بخبث ، و تابع بنفس الوتيرة البطيئة :
-من بكره هتبقي حرم سفيان الداغر . هتبقي مراتي .. هتباتي في حضني و …
-بـــس ! .. قاطعته بغضب ، و أكملت :
-ممكن تسكت ؟ إنت ماينفعش تقولي الكلام ده
سفيان و هو يضحك :
-في إيه يا حبيبتي إنتي ناسية إننا هنتجوز بكره ؟ ده أنا مش هقولك كلام و بس . نيتي فيها أكتر من كده
أغمضت عيناها بشدة و قالت بصوت حاد :
-لما يجي بكره إبقي إعمل إللي إنت عاوزه لكن طول ما إحنا لسا علي البر ماتسمعنيش إيحاءاتك دي
-إيحاءاتي ! .. قالها “سفيان” و إنفجر ضاحكا ، ثم إستطرد بعد أن هدأ نسبيا :
-إنتي بجد ماحصلتيش . تعرفي إني مستني بكره ده بفارغ الصبر . أنا متأكد إنه هيبقي يوم لذيذ و مسلي جدا من أوله لأخره
يارا بتهكم : طيب أسيبك تحضر نفسك لبكره . إن شاء الله يكون يوم سعيد عليك . بآاي .. و أغلقت معه ، ثم أكملت بوعيد :
-ده هيكون يوم أسود عليك . أوعدك يا سفيان بيه ! …… !!!!!!!!!
يتبـــع …
الفصل العشرون
~¤ لعبة ! ¤~
إنفتحت عيناها … ظلت لدقائق راقدة في سريرها ترتعد و تشهق محاولة أن تتحرر من هذا الكابوس
نفس الكابوس الذي يراودها في كل مرة ، وحده لا يتغير أبدا
تنهدت “يارا” و هي تدير رأسها نحو ساعة التنبيه ، إنه يوم جديد و ساعة مبكرة .. لكن اليوم ليس كأي يوم مر عليها إطلاقا ، الساعات اللاحقة ستكون أشبه بدقات الناقوس
ناقوس حفلة ليلية ، بل مصيرية مرعبة لم تحسن إعطائها الإسم المناسب بعد ، ربما عندما تختبرها تري الوصف الملائم بسهولة …
قامت “يارا” من الفراش و قد بدأت تشعر ببعض الدوار ، لكنها توازنت و إلتفتت لتذهب إلي المرحاض
ليدق جرس الباب أثناء مرورها بالرواق ..
عبست بإستغراب عندما تأخر رد والدتها ، لكن سرعان ما تذكرت أنها خرجت منذ زمن لتحصل بعض الطلبات لأمسية اليوم
إستمر الدق علي الجرس ، لتتآفف “يارا” بضيق و تهتف :
-أيـووه أيــوه جايـة .. و مضت لتفتح
-إنــت !!!! .. قالتها و هي تتطلع بصدمة إلي “سفيان” الواقف قبالتها مباشرةً
هذا مستحيل ، غير معقول بالمرة … و كأنه خرج من كابوسها و تجسد أمامها ، لو لم تكن تشعر بحرارة خديها و طنين قلبها الصاخب لأجزمت أن الكابوس ما زال مستمرا
ظلت واقفة بلا حراك ، تحملق فيه مشدوهة ، لباسه الأسود و عيناه القاتمة ، فقد غاب العسل منهما لا تعرف أين ذهب ، و شعره الحالك كان كما شاهدته خلال نومها ..
بينما إنفرج ثغره و هو يبتسم تلك الإبتسامة الماكرة
تأملها و هي ترتدي تلك البيچامة المنزلية الفضفاضة ، رغم أنها بدت كالطفلة بداخلها إلا أنها تبقي مثيرة علي أي حال ..
-صباح الخير يا عروسة ! .. تمتم “سفيان” بنعومة :
– شكلك لسا صاحية . أنا كنت خايف أجي ألاقيكي نايمة بس طلع حظي حلو
ما زالت نظراتها ذاهلة ، لم تتوقف عن التحديق فيه …
-مالك ! .. قالها “سفيان” بتساؤل ، و أكمل :
-بتبصيلي كده ليه ؟ شكلك مش مبسوطة إنك شوفتيني
و هنا خرج صوتها أخيرا :
-إنت .. إيه إللي جابك هنا دلوقتي ؟؟!!
سفيان بإبتسامة حب :
-جيت أشوفك . جيت أشوف عروستي فيها حاجة !
نظرت له بعدم تصديق و قالت :
-إنت مش طبيعي و الله . في حد بيعمل عمايلك دي ؟
سفيان ببراءة : و أنا عملت إيه بس ؟ ده أنا بحبك و الله و مش مصدق نفسي إنك خلاص هتبقي مراتي إنهاردة .. ثم قال بحزن :
-و بعدين هتسبيني واقف علي الباب كده كتير ! أنا نفسي أشرب معاكي فنجان قهوة
يارا بإستنكار : قهوة إيه حضرتك ؟ إنت فاكر نفسك فين ؟ و بعدين ماما مش هنا
سفيان بإبتسامة : أيوه عارف إنها مش هنا . أومال أنا جاي ليه ؟!
إرتفع حاجباها بدهشة ، ليكمل و هو يدفعها للخلف بلطف :
-إدخلي إدخلي يا حبيبتي . ماتخافيش .. و إلتفت ليغلق الباب
صاحت “يارا” بإعتراض :
-إنت بتعمل إيــه ؟؟! إمشي إطلع برا . لو سمحت
سفيان و هو يضحك :
-إمشي إطلع برا و لو سمحت ! مش راكبين علي بعض خالـص
……………………………………………………………………….
في ڤيلا آل”داغر” …
كانت “ميرا” في طريقها لغرفة عمتها ، عندما إصطدمت بـ”سامح” عند الدرچ
كان سيغادر ، لكنها لحقته ..
إبتسمت بإتساع و هي تلامس كم سترته :
-سامح ! .. هتفت بسعادة
إلتفت “سامح” لها ، و قال بوجه خال من التعابير :
-أهلا يا ميرا .. قولتي إيه ؟ سامح ؟ أومال فين سامه بتاعتك ؟!
ميرا و هي تضحك :
-لأ أنا خلاص إتعلمت أنطق صح . دادي و چو علموني كويس
-چـو ! .. قالها “سامح” بإبتسامة ساخرة
ميرا : أيووه . چو . يوسف ما إنت عارفه
سامح بإزدراء :
-أيوه طبعا عارفه
ميرا بجدية : دادي خلاص وافق علي علاقتي بيه . يعني هو بقي مننا Now . مش عايزاك تاخد منه موقف يا سامح بليز
سامح بعدم إهتمام :
-و أنا هاخد منه موقف ليه ؟ طالما باباكي موافق و إنتي مبسوطة خلاص . أنا ماليش دخل . أنا إتدخلت قبل كده بس لما كنتي في خطر
ميرا بإبتسامة : إطمن سامح . چو إتغير خالص و دادي قالي قريب أوي We getting together
أومأ “سامح” و قال بإقتضاب :
-Wish you all happiness
ميرا برقة : Thanks سامح .. ثم صاحت بإستذكار :
-أوه نسيت أشكرك علي الهدية . الباندا إللي جبتها ليا .. بجد حبيتها كتيييير
سامح بإبتسامة باهتة :
-أه مبسوط إنها عجبتك يا ميرا . عن إذنك بقي
-سامح ! .. إستوقفته و هي تقطب مستغربة
نظر لها من جديد :
-في حاجة ؟
ميرا : إنت في حاجة ؟ متغير أوي إنهاردة !
سامح : لأ أبدا مش متغير و لا حاجة . أنا كنت جاي أوصل حاجة لعمتك . وصلتها و همشي بقي عشان مستعجل . يلا باي أشوفك بليل في كتب الكتاب .. و هبط الدرچ بخفة
لتقف “ميرا” تتابعه بناظريها حتي تلاشي
مطت شفتاها بعدم فهم ، ثم إستدارت و مضت تجاه غرفة “وفاء” …
……………………………………………………………………….
في منزل “يارا” …
كان يحتسي فنجان القهوة الذي صنعته ببطء و تلذذ و هو يجلس أمامها مراقبا حركاتها و سكناتها
بينما كانت تتململ في جلستها علي غير هدي ، كانت تتحاشي النظر إليه و كانت دائمة الإلتفات لساعة الحائط
لقد مر علي مكوسه هنا نصف ساعة ، ربما تصل والدتها في أي لحظة و هو يتعمد التكلؤ .. حقا مستفز و مثير للأعصاب …
-هي القهوة عجباك أوي كده لدرجة إنك مش عايز تخلصها ! .. هكذا حدثته “يارا” بلهجة تزخر بالحنق الشديد
سفيان ببرود : عجباني أووي يا حبيبتي . كفاية إنها صنع إيدك . تسلم إيدك .. و أخذ يرتشف ببطء مجددا
زفرت “يارا” بغيظ ، ليبتسم “سفيان” بإلتواء ، ثم يقول :
-هو أنا معطلك عن حاجة ؟ ده لسا بدري جدا الساعة 9 و نص حتي لو حبيتي تجهزي نفسك مش هيكون دلوقتي خالص
يارا : مش دلوقتي فعلا بس حضرتك بتتصرف بجنون . ماما ممكن توصل في أي لحظة هقولها إيه لما تشوفك قاعد معايا هنا
سفيان ببساطة : عادي . قوليلها إتصلت بيكي و عزمتيني علي فنجان قهوة
يارا : و الله !
همهم “سفيان” بإستفزاز ، ليحمـَّر وجهها غضبا ..
-طيب خلاص مضايقيش نفسك .. قالها “سفيان” بضحك ، و أكمل بجدية :
-بصراحة أنا كنت جاي عشان أتكلم معاكي شوية
يارا بإمتعاض : و عايز تتكلم في إيه دلوقتي بقي ؟!
سفيان بحليمية : أنا عايز الليلة دي تكون مميزة . مش عايز نقضيها في شد و جذب و حوارات مالهاش نهاية . عشان كده جيت أكلمك دلوقتي . تقدري تقوليلي كل إللي إنتي عايزاه دلوقتي حالا لأني مش هسمحلك تتكلمي نهائي الليلة دي . كفاية كلام أنا تعبت منك جدا و ما صدقت أشوف الراحة بتقرب
صمت قصير … ثم قالت “يارا” :
-إنت عارف إني مش راضية عن جوازنا 100%
سفيان : عارف . بس عايز أعرف في أسباب تانية غير الأسباب إللي أنا عارفها ؟!
يارا : لأ . بس بالنسبة لي مافيش أهم من الأسباب دي . الكل عارف حقيقتك حتي أنا . رغم كده قدرت تأثر عليا
سفيان بإبتسامة : مأثرتش عليكي من فراغ . أكيد حسيتي بحاجة ناحيتي و إلا ماكنتيش وافقتي تتجوزيني .. أنا عمري ما شوفت واحدة تقبل تتجوز واحد مش قبلاه إلا في الأفلام .. و ضحك
يارا بجدية : عندك حق . أنا هتجوزك و أنا قبلاك . بس مش قبلاك كليا و أنا عارفة بردو إن دي مجازفة و مندهشة إزاي لسا مستمرة فيها !
وضع “سفيان” فنجان القهوة علي الطاولة ، و قام متجها صوبها …
رفعت رأسها ناظرة إليه ، ليمسك هو بيدها و يشدها ناحيته
كانت مستسلمة الآن ، بينما واصل النظر في عينيها و إستطرد كلامه :
-بصي أنا مش هحاول أقنعك بيا . هاسيبك تكتشفيني و تقتنعي بنفسك .. بس أنا بأكدلك إنك بعد ما تعاشريني . بعد مدة قصيرة جدا هتعرفيني كويس و مش هتشكي فيا تاني أبدا . أوعدك
رمقته بنظرات قلقة مترددة ، ليبتسم و ينحني معانقا إياها بحب ، ثم يهمس بأذنها :
-بحبك يا يارا .. إنتي الوحيدة إللي دخلتي قلبي يا حبيبتي
بينما كان يقول بداخله : ” أيامك سودة معايا إن شاء الله يا حضرة الصحافية المحترمة . و حياتك لأعرفك بجد مين هو سفيان الداغر
! ”
و من خلف ظهرها إرتسمت علي ثغره طيف إبتسامته الشيطانية ……… !!!!!!!!!
يتبـــــع …
الفصل الحادي والعشرون
~¤ بليونير ! ¤~
مع حلول المساء … خرج من ڤيلا آل”داغر” أخر فوج من العمال القائمين علي تزيين المنزل من أجل العرس و أستقلوا سيارات العمل و رحلوا
بينما وقفت “ميرا” بمنتصف الباحة بجانب أبيها ، كانت أشبه بالملاك الأسود في فستانها القاتم ، و كان “سفيان” يشكل معها إنسجاما ببذلته الكحلية الفاخرة
عدلت له ربطة عنقه الزرقاء ، ليبتسم لها برصانة ثم يثني ساعِده لتعلق عليه يدها ..
-دادي . You’re so hot ! .. قالتها “ميرا” بإبتسامة عريضة
ليبوخها “سفيان” بحيادية :
-عيب يا بنت تقولي علي باباكي Hot . خليكي مؤدبة
ضحكت “ميرا” و ربتت علي خصيلات شعره الناعمة اللامعة و هي تقول :
-أنا بقولك الحقيقة إللي شايفاها دادي . العروسة هتجنن بيك To night .. و غمزت له
سفيان و هو يرمقها بنفاذ صبر :
-إنتي عايزة علقة و الله . إسكتي يا ميرا بليز .. ثم أشاح عنها لجهة المنزل مكملا :
-هي عمتك إتأخرت كده ليه ؟ بتعمل إيه كل ده ؟!
ميرا : أخر مرة شوفتها كانت مخلصة الـMake_Up و هتلبس الـDress
سفيان بتذمر : كل ده ! هنفضل مستيين كتير يعني
-مساء الخير يا جماعة ! .. قالها “سامح” و هو يقترب منهما
إلتفتا الأب و إبنته إليه ، ليقول “سفيان” بضيق :
-إتأخرت ليه إنت كمان ؟ الساعة 7 و نص سعاتك
سامح : معلش الطريق كان زحمة و عموما لسا في نص ساعة مش المعاد الساعة 8 ؟
سفيان بتهكم : إن شاء الله بس لما وفاء هانم تتكرم و تنزل . و لا إنت شايفها ؟
سامح : هي وفاء هانم لسا ماجهزتش ؟
سفيان و هو يزفر بحنق : لسا
سامح : طيب إنتوا هتمشوا إزاي ؟
سفيان : كنت هاخد ميرا في العربية البورش الجديدة
سامح : المكشوفة ؟
سفيان : أيوه
سامح : طيب دي 2 راكب بس سفيان وفاء كانت هتركب فين ؟
سفيان بإنفعال : ما أنا كنت مستني حضرتك ليه ؟ كنت هتاخدها معاك في عربيتك و كنت هترجع بيها هي و ميرا عشان يارا هتبقي معايا
سامح مهدئا : طيب خلاص إهدا . إتفضل إنت و ميرا إسبقونا و أنا هجيب وفاء و هنحصلكوا
تنهد “سفيان” مفكرا ، ثم قال :
-ماشي . بس بسرعة و رحمة أبوك تعالي من سكك فاضية شوية عشان ماتقوليش الطريق كان زحمة
سامح و هو يضحك :
-حاضر يا سفيان . و مبروووك يا عريس ليلتك زي الفل إن شاء الله
إبتسم “سفيان” و هو ينفخ صدره مزهوا ، ثم نظر لإبنته و قال :
-يلا يا Princess !
ضحكت “ميرا” برقة ولوحت لـ”سامح” مودعة ، ثم مشت مع والدها بإتجاه الجراچ
ليعاينها “سامح” بناظريه و داخله يغص بالحقد و الحسرة
الحقد علي من سيفوز بتلك القطعة الخلابة … “ميرا” و الحسرة علي عائق السن الذي حال بينه و بينها ..
رفع يده متلمسا منابت شعره الأشيبة و تمتم :
-عيب علي سنك يا أخي . ده إنت تجيب أدها و أكبر منها كمان .. بس أعمل إيه ! كأنها جنية و لبستني
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في منزل “يارا” …
تنتهي خبيرة التجميل من وضع اللمسات الأخيرة علي العروس ، ثم تلتفت إلي الوالدة و تقول مبتسمة :
-ها يا طنط ميرڤت . إيه رأيك في شغلي ؟!
أقبلت “ميرڤت” علي إبنتها و هي تقرأ آيات من القرآن لتقيها شر الحسد حتي منها هي شخصيا ..
كانت الدموع ملء عيناها و البسمة الحلوة تموج ثغرها ، وضعت يدها علي رأس “يارا” و قالت بصوت مهزوز :
-ما شاء الله .. ما شاء الله . قمر في تمامه يا حبيبتي
زفرت “يارا” و هي تقول بضيق :
-ماما لو سمحتي مش طالبة عياط خالص أنا متوترة لوحدي
ميرڤت بتأثر : غصب عني يابنتي . فرحانة بيكي أوووي
-مبروك يا يارا ! .. قالتها الخالة علي مضض ، لترد “يارا” بعدم إهتمام :
-الله يبارك فيكي يا خالتو
-ماقولتليش يا طنط رأيك إيـه في المكياچ ؟؟؟ .. تساءلت الخبيرة الشابة بإلحاح
ميرڤت بثناء حقيقي :
-روعة يا دودو مافيش بعد كده . Simple جدا و في نفس الوقت محسسني إني شايفة ملكة قدامي . الله أكبر عليكي و عليها
إبتسمت الشابة برضا ، ثم قالت :
-أوك . يلا يا عروستي جه وقت لبس الفستان .. لو سمحتي يا طنط ميرڤت 10 دقايق بس لحد ما ألبسها الفستان
ميرڤت برحابة : أه طبعا يا حبيبتي .. ثم إلتفتت لأختها و أكملت بلطف :
-تعالي معايا يا سعاد نشوف الضيوف إللي وصلوا من البلد
و أخذتها و خرجت …
لتقوم “يارا” مع مرافقتها لإرتداء الفستان الذي جلبه “سفيان” و الذي كان إختيار إبنته
أوقفتها الشابة أمام مرآة الخزانة الطويلة ، نزعت “يارا” مآزرها الأبيض … لتلبسها الأخيرة الفستان من بداية رأسها
كان فضيا ، ضيقا من الأعلي و نزل كالأمواج الصغيرة حول قدميها
أخذت “يارا” تحدق في الرسوم الزخرفية اللامعة علي كميها خاشية رؤية نفسها بالمرآة ، كان لديها هاجس بأنها لو نظرت لنفسها ستجد فتاة أخري غيرها
فهي منذ اللحظة التي قبلت فيها الإرتباط به ، تخلت عن مبادئها و كرامتها .. و ذاتها أيضا ، و لأجل ماذا ؟ إنها حتي هذه اللحظة لا تعرف لماذا فعلت هكذا ، لا تعرف الدافع الحقيقي
فهو لن يكون أمها أو عمها طبعا ، لأنها لو كانت تريد لو حتي قام والدها من قبره و حاول أقناعها ما إقتنعت إلا برأيها
حاولت أن تفتش علي السبب الحقيقي خلال هذا الوقت المتبقي ، لكنها لم تحسن العثور علي مبرر واحد … ليس من مبرر سوي أنها ضعيفة علي عكس ما توقعت و علي عكس رؤية الناس لها و لشخصيتها القوية
أو أنها مثلا …. لا هذا مستحيل !!
-يالهوي علي جمالك يا يارآااا !
أفافت “يارا” علي صوت مرافقتها ، إبتسمت بشحوب و هي تسألها :
-شكلي حلو بجد ؟
الشابة : قمـر قمــرررر .. بجد ما شاء الله عليكي . وشك منور جدا و الفستان هياكل منك حتة و إنتي بطاية في نفسك أصلا
و كيرڤي كده . ده العريس مش هينام خالص إنهاردة .. و غمزت لها
يارا و قد تلاشت إبتسامتها :
-غادة بلاش الكلام ده مابحبوش
غادة و هي تضحك :
-بتكسفي يعني ! خلاص مش هتكلم تاني سكت خالص أهـوو
و هنا سمعت “يارا” صوت الضوضاء في الخارج يزداد ، فتيقنت من حضوره …
غادة بإبتسامة : شكل العريس وصل !
……………………………………………………………………….
كان دخول “سفيان” و إبنته بمثابة إحتفاء رسمي …
رغم قلة عدد الضيوف بالخارج ، إلا أن الهمهمات أخذت تتصاعد حتي ميز “سفيان”بعض العبارات التي جعلته يبتسم بزهو
فواحدة تقول :
-إيه ده ياختي . إيه العريس إللي يعقد ده ؟ النعمة باينة عليه أووي
ترد الثانية : ما هما بيقولوا غني جدا . البت يارا وقعت واقفة صحيح أدي فايدة مهنة الصحافة
ترد ثالثة : و مين إللي متعلقة في دراعه دي ؟ هو متجوز واحدة أولانية و لا إيه ؟!
الأولي : متجوز إيه يا حبيبتي دي عيلة صغيرة . تلاقيها أخته و لا حاجة .. بس مش باين عليه كبير في السن زي ما قالوا
-أهلا أهلا يا سفيان بيه . نورتنا و شرفتنا .. هكذا راحت “ميرڤت” ترحب بخطيب إبنتها حاليا و زوجها لاحقا
سفيان برزانته المعهودة :
-متشكر يا ميرڤت هانم . فعلا بشكرك علي الإستقبال العظيم ده .. و تناول يدها بلباقة ليقبلها مع إحتفاظه بيد إبنته معلقة علي ذراعه الأخر
ميرڤت : مقامك أكبر من كده و الله يا باشا .. و نظرت إلي “ميرا” مكملة :
-أهلا يا ميرا يا حبيبتي . نورتي بيتنا يا جميلة
ميرا بإبتسامتها الرقيقة :
-Thanks أنطي ميرڤت . أومال هي فين يارا ؟
ميرڤت : جوا في أوضتها بتجهز . لو عايزة تدخليلها إدخلي الأوضة في أخر الممر إللي هناك ده . في الوش علطول
نظرت “ميرا” لأبيها بتساؤل ، فأومأ رأسه مانحا إياها الموافقة ..
ميرا بإبتسامة : أوك أنا هاروح أشوفها خلصت و لا لسا .. و مضت إلي الداخل
ليأتي العم “سامي” في هذه اللحظة هاتفا بترحيب شديد :
-أهلا أهلا أهلا و سهلا يا سعات الباشا . منـووور .. و صافحه بحرارة
سفيان مبتسما بوقار :
-متشكر يا أستاذ سامي بنورك و الله
سامي : تعالي يا باشا أما أعرفك علي أهل العروسة . كلهم من ناحية المرحوم أبوها أهل ميرڤت كلهم مسافرين برا إلا أختها سعاد هعرفك عليها بردو
سفيان : يشرفني جدا جدا . يلا بينا
…………………………………………………………………………..
في غرفة “يارا” …
راحت “ميرا” تدور حولها و هي تشملها بنظرات الإعجاب ، ثم تقول بإنبهار كبير :
-Oh my gosh !
إنتي حلووة أوووي يا يارا . بجد You’re so beautiful
أحلي Pride شوفتها في حياتي
يارا بإبتسامة متوترة :
-شكرا يا ميرا . ده من ذوقك يا حبيبتي
ميرا بخبث : دادي قاعد برا . Wait for you . مش هيصدق نفسه لما يشوفك .. و علي فكرة هو كمان طالع حلو زيك .. ثم ضحكت و أردفت :
-إنتي محظوظة جدا يارا .. في سن صغير 25 سنة بس و قدرتي تتجوزي Man like my dad
Hot . Sexy . And Bill_ionaire
دي مامي أدمنت مخصوص عشان طلقها و رجع بلده . كانت بتحبه موووت .. بس هو مش كان بيحبها !
قطبت “يارا” متمعنة في كلمات الإبنة ، بينما لفت إنتباه “ميرا” تحديق “غادة” المستمر
لتسألها بإستغراب : في حاجة يا مس ؟!
غادة بعدم تصديق :
-أصلي بصراحة مش متخيلة إنك بنت الراجل إللي بشوف صوره في الجرايد و التلفزيون . ما شاء الله يعني فرعة
ميرا : what !!
يعني إيه فرعة ؟؟!!
و هنا سمعوا نحنحة من خلف باب الغرفة الموارب ، ثم وضح صوت العم :
-يارا يابنتي ! أمك بعتتني أستعجلك . المأذون وصل
إنتي جاهزة ؟
تسارع وجيب قلبها عندما قال “سامي” هذا ، لكنها ردت مغالبة الإرتباك الذي يجيش بأعماقها :
-أنا جاهزة يا عمي !
دفع “سامي” الباب بخفة ، ثم ولج بشيء من الإستحياء ..
رفع رأسه علي مهل ، أخذ يتأمل إبنة أخيه بنظرات فرحة ، ثم قال :
-ما شاء الله تبارك الله . إيه القمر ده يابنت الغالي ؟ الله يرحمك يا محمد . الله يرحمك يا أخويا
و هنا ذلت “يارا” و تزعزع تماسكها تماما عند ذكر أبيها ..
أغرورقت عيناها بالدموع و هي تقول :
-ليه بس يا عمي بتجيب سيرته ليه دلوقتي ؟ و الله ما هقدر أكمل كده
سامي بإسراع : لالالا خلاص . قلبك أبيض .. ده أنا لسا بقولك المأذون برا .. و مضي صوبها
لتنتبه “يارا” إلي باقة الزهور التي بيده
رفعها “سامي” في متناولها قائلا :
-الورد ده جابهولك سفيان بيه . أمسكيه يلا و إحنا خارجين
إستنشقت “يارا” نفسا عميق و أجبرت نفسها علي الهدوء ، ثم أومأت لعمها و تركته يسحبها من غرفتها للخارج و هو يمسك بمرفقها
بينما تسير “ميرا” و “غادة” خلفها ممسكتان بذيل الفستان الأنيق ……. !!!!!!!!!
يتبـــع …
الفصل الثاني والعشرون
~¤ ترهيب ! ¤~ ( جزء أول )
بدأت الموسيقي ذات الوقع الهادئ تنداح عبر مكبرات الصوت الحديثة عندما خرجت “يارا” من غرفتها و سارت مع عمها بالرواق الطويل …
كانت تسير ببطء و كانت ساقاها ترتجفان ، و لأول مرة تشعر بقيمة النفس الذي يلج لرئتيها ، قلة الأكسچين جعلت رأسها يدور و معدتها تتقلص مسببة لها الألم
و كأنها مقبلة علي أحد إختباراتها الدراسية المنتهية أصلا .. أخذت تحصي دقات قلبها علها تهدأ ، فوجدت نفسها بالقاعة الخارجية قبل أن تبلغ المئة …
لم ترفع عيناها حتي سمعت أصوات الزغاريد تصدح من حولها .. هنا فقط قبض علي نظاراتها ، كان في الواجهة متصدرا
ظهرت أسنانه اللامعة عندما إبتسم إبتسامته الخبيثة المهددة ، لتكتم “يارا” شهقتها و تحاول التركيز علي ثباتها
و لكن أي تركيز في وجوده ، لقد جعلها تنسي كيف تتنفس في هذه اللحظات بالذات .. و بمعجزة أتي أحدهم ليسلم عليها فتحررت من نظراته و تنفست
لكن إزداد الدوار لديها أكثر و أكثر حين أوصلها “سامي” عند الطاولة القائمة بالمنتصف
كان المأذون حاضرا يجلس بوسطهم
“سفيان” علي شماله “سامي” علي يمينه و “يارا” أمامهم ، مطرقة الرأس ، تغض بصرها و تضغط علي باقة الزهور بأصابعها المرتجفة …
كانت أمها تقف بجانبها تضع يدها علي كتفها بينما راحت تستمع للخطبة القصيرة التي تلاها المأذون بذهن مشوش ، ثم للتعاهدات التي راح يتبادلها عمها مع الرجل المتعاقد علي قرانها
آلاف المشاعر كانت تتفاعل بداخلها و تتسرب علي هيئة حبات عرق تلمع كالالئ علي جبينها خلال هذه الدقائق
و سرعان ما حانت اللحظة الحاسمة .. بعد إمضاء “سفيان” علي القسيمة ، يطلب المأذون إمضاء العروس
وضعت “ميرڤت” الدفتر أمام إبنتها و دفعت لها بقلم ، بينما كان صراعا يحتدم بعقلها ، ما زالت الفرصة سانحة .. إذا أرادت أن تترك معاناة الشك و التفكير ، و الأهم ، معاناة العيش مع هذا الشخص الغامض
الذي لا تعرفه البتة ، مجرد إسم يثير الرعب بأي مكان يذكر فيه ، الله وحده يعلم كيف وصل بها الأمر إلي هذه اللحظة ، كيف إنتهي بها المطاف عروسا بلا رأي أو قرار أو إرادة
إنتبهت “يارا” لنحنحة الحشد الصغير من حولها ، فلا إراديا إرتفع بصرها نحوه ، لتراه يبتسم لها بثقة أدهشتها
و لا إراديا أيضا ، أنصاعت لأمر أمها حين همست بأذنها محذرة :
-يــارا .. يلا إمضي . دلوقتي
فأمسكت بالقلم و نقشت إمضتها بآلية شديدة …
و هنا أعلنهما المأذون زوجا زوجة بالعبارة الشهيرة و القديمة قدم العالم : ” بارك الله لكما و بارك عليكما و چمع بينكما في خير ! ”
تعالت الزغاريد و أصبحت أكثر قوة من ذي قبل ، و كان أول المهنئين لـ”يارا” أمها ثم عمها ثم أسرة زوجها الصغيرة ، راحت تتنقل من عناق لأخر علي نفس النحو الآلي ، كأنها مخدرة
و أخيرا … أخيرا شعرت به ، كان يملأ عيناها الآن بظله الطويل و رائحته التي عبأت صدرها ، إقترب منها كثيرا حتي كاد أن يلامس جسمها
لكنه إكتفي بتطويق خصرها بذراعه ، و طبع قبلة مطولة علي جبهتها ، ثم فرك خده الخشن بخدها الناعم و هو يهمس لها :
-مبروك يا عروسة . أخيرا بقيتي بتاعتي ! .. كان صوته يحمل قدر من الوعيد
كذبت “يارا” هذه الملاحظة و تطلعت إليه ..
-الليلة دي مليانة مفاجآت عشانك .. قالها “سفيان” بنبرة مخملية ناعمة ، و تابع بحرارة :
-تحطي رجلك في بيتي بس . هخليكي طايرة .. هنسيكي إسمك ! .. و شدد علي أخر جملة
مما بث الرهبة في نفسها ….
كانت “وفاء” تقف مع “سامح” علي بعد مسافة من التجمع العائلي هناك ، كانت تميل صوبه مواصلة تحليلها الدقيق :
-و شايف العروسة وشها أصفر و لونها مخطوف إزاي ؟ زي ما تكون داخلة غرفة الإعدام !
سامح بصوت خافت :
-لاحظي إنها بنت أول مرة تتجوز . طبيعي تكون متوترة و قلقانة يا وفاء
وفاء و هي ترمقها بنظراتها الثاقبة :
-بس دي حتي مش فرحانة ! .. أنا من ساعة ما شوفتها مالاقتهاش بتضحك مرة واحدة . تفتكر مغصوبة علي الجوازة ؟
سامح بسخرية : و مين إللي هيغصبها و هيغصبها ليه ؟
هو أخوكي قليل ؟ ده لو شاور لأي واحدة هتجيله راكعة لو مش عشانه هيبقي عشان مركزه و نفوذه
-معاك حق و الله ! .. تمتمت بإبتسامة هازئة ، ثم أكملت و هي تتلفت حولها :
-أومال فين ميرا ؟ ماشوفتهاش يا سامح ؟!
سامح بجفاف : لأ ماشوفتهاش . تلاقيها هنا و لا هنا
وفاء بقلق : لأ أنا مش شايفاها حوالينا خالص . بقالها فترة مختفية
سامح و قد إنتابه الضيق :
-إنتي علطول بتقلقي عليها كده ؟ فكك منها شوية هي جت مع أبوها تبقي تحت مسؤوليته مالكيش دعوة إنتي
وفاء : لأ . لأ يا سامح مش هبقي مستريحة كده أنا هارح أقول لسفيان أحسن تكون هربت تاني .. و إندفعت صوب أخيها
-بت عاملة قلق للكل ! .. غمغم “سامح” بغيظ شديد ثم لوي فمه بإمتعاض
……………
في هذا الوقت كانت “يارا” تجاهد للإحتفاظ بما تبقي من تماسكها ..
فقد إستحال الدوار إلي موجات عثيان راحت تتقاذفها ، كانت شبه ملقية بثقلها كله علي “سفيان” و لكنه لم يبد إنزعاجا
بل تمسك بها و الحبور يملأه ، كان يتحدث إلي بعض من أفراد عائلتها … عندما جاءت “وفاء” هامسة قرب أذنه :
-سفيان ميرا مش موجودة !
إعتذر “سفيان” من محدثه و نظر لأخته متمتما :
-ماتقلقيش أنا عارف هي فين
وفاء بإستغراب : عارف هي فين ؟ طيب هي فين ؟؟!!
سفيان : يوسف كلمني إنهاردة و إستأذني تخرج معاه و أنا وافقت
وفاء بدهشة : إنت بتتكلم جد ؟ إزاي تآمن عليها معاه يا سفيان ؟؟؟؟
سفيان بثقة : ماتخافيش مايقدرش يعملها حاجة هو عارف لو حاول يقربلها أنا هعمل فيه إيه حتي لو هي شجعته مش هيرضي . و بعدين أنا قولتله ساعتين بالكتير و يرجعها لحد هنا عشان تروح معاكي انتي و سامح
عقدت “وفاء” حاجبيها بغرابة ، ثم قالت بغير رضا :
-عموما إللي إنت شايفه . إنت أدري ! .. و لفت إنتباهها الإعياء الظاهر بوضوح علي “يارا”
-هي مراتك مالها يا سفيان ؟! .. قالتها “وفاء” بتساؤل
نظر “سفيان” نحو زوجته ، ليجدها ملقية برأسها علي كتفه
إبتسم و هو ينظر لأخته مجيبا :
-مالها ؟ ما هي زي الفل أهيه
وفاء بعدم ثقة :
-شكلها تعبانة شوية !
سفيان بإبتسامة : لا و لا تعبانة و لا حاجة . دي Relaxed شوية بس مش أكتر .. ما الليلة طويلة بقي … و غمز لها
ضحكت “وفاء” بخفة ، و قالت :
-ربنا يهنيكوا يا حبيبي . يلا هاروح أقف مع سامح بدل ما هو واقف لوحده كده
أومأ لها موافقا ، فعادت لمكانها بجواره ثانيةً و علي وجهها إبتسامة راحة ..
سامح : إيه عرفتي هي فين ؟
وفاء : أيوه يا سيدي . مع خطيبها
-خطيبهــا ! .. قالها “سامح” بإستنكار
وفاء بهدوء : أيوه يا حبيبي . مع يوسف .. سفيان قالي إنه إتصل و إستأذنه عشان يخرج مع ميرا
سامح بإستهجان : أخوكي ده بيستعبط صح ؟ طيب لما هو Easy كده سحلنا وراه ليه في إنصاص الليالي عشان نرجعها لما هربت ؟ ما جاش في باله إنه بكده بيسهل للباشا الموضوع كله ؟!
تنهدت “وفاء” و قالت بحيرة :
-و الله أنا قولتله كده . بس هو قالي مش هيقدر يعملها حاجة و كان واثق أوي من كلامه .. ثم هزت كتفيها و أكملت :
-خلاص هو أدري . دي بنته في الأول و في الأخر محدش هيخاف عليها أده
نظر لها بقوة و قد نشبت نيران الغضب بصدره ، لكنه تحملها و أشاح عنها محدقا في صديقه بمنتهي العنف و العداء و الكراهية ….. !!!!!!
يتبــــع …
الفصل الثالث والعشرون
~¤ ليلة ســــوداء ! ¤~
في الطريق … كان الكلام محشورا بفم “سامح”
فوجود “وفاء” معهم وتره ، بالكاد إستطاع أن يركز علي القيادة ، و كلما أراد التحدث أخرس لسانه و أطبق فمه بقوة
حتي سأم و طفح كيله ..
-هو يوسف ده أكبر منك بكام سنة يا ميرا ؟ .. صاح “سامح” متسائلا و هو ينظر إلي “ميرا” الجالسة بالخلف من خلال مرآة السيارة الأمامية
كانت “ميرا” تعبث في هاتفهها بتركيز ، عندما إنتزعها صوت “سامح” … نظرت إليه و ردت بلهجة هادئة :
-يوسف دلوقتي Third Row . أخر سنة في المدرسة و بعدين هايروح الجامعة يعني ممكن تقول أكبر مني بـ3 years
Maximum ( بالكتير )
أومأ “سامح” قائلا بإقتضاب :
-يعني لسا عيل . 19 سنة ! .. ثم نظر إلي “وفاء” مكملا بسخرية :
-إيه الجوازة العيالي دي يا عمتو ؟!
وفاء و هي تضحك :
-و إنت مالك يا سامح مش أبوها موافق ؟ و بعدين هي كمان مبسوطة يبقي إحنا نزعل ليه ؟
سامح بشئ من الإرتباك :
-زعل إيه أنا مش زعلان و لا حاجة . أنا قصدي بس إنهم لسا صغيرين علي الجواز !
ميرا : ماتقلقش يا سامح . دادي قالي مش هنتجوز دلوقتي . لما أدخل الجامعة زي يوسف هنحدد معاد الفرح يعني لسا فاضل شوية
ضغط “سامح” علي شفتيه بنفاذ صبر ، ثم قال بإندفاع منفثا عن عصبيته :
-طيب إيه رأيكوا نكمل السهرة برا ؟ و لا عايزين تروحوا ؟؟
إبتسمت “ميرا” و قد راقت لها الفكرة :
-أنا موافقة . و إنتي يا أنطي ؟
وفاء بتفكير : مش عارفة !
عشان سفيان بس
سامح بتهكم : هو سفيان في إيه و لا في إيه دلوقتي ؟ زمانه مركز مع عروسته و مش داري بحاجة
ضحكت “وفاء” برقة و قالت :
-خلاص ماشي . بس هنروح فين يعني ؟
تنهد “سامح” مفكرا للحظات قصيرة ، ثم قال بفتور :
-أي حتة تطل علي النيل . أنا بقالي فترة نفسي في فنجان قهوة و أنا قاعد قصاده !
……………………………………………………………………….
ما عاد من حولها إلا الهدوء و السكون … حتي أطفأ “سفيان” محرك السيارة
في هذه اللحظة رفعت رأسها الثقيل متطلعة أمامها ، فشاهدت منزله الأبيض العظيم يتألق تحت ستائر من الأنوار الزرقاء الثابتة .. كانت هذه النقاط المشعة تغطي وجهة البيت كلها
نوعا ما شعرت بالتحسن عندما إبتعدت عن ضجيج منزلها ، قل شعورها بالدوار
لكن الأمر لم يدم طويلا ، فصوته وحده يمثل أعتي دوار ..
-نورتي بيتك يا حبيبتي ! .. قالها “سفيان” مغمغما و هو يميل صوبها بتباطؤ
إرتعدت “يارا” بخفة عندما داهمها صوته ..
نظرت له بصمت للحظات ، ثم ردت بإيماءة خرساء ، ليبتسم بإستخفاف من هذا التحفظ الذي شاهده مرتسما علي تعابير وجهها
ترجل “سفيان” أولا و دار حول السيارة برشاقة ، ثم فتح لها الباب و مد يده بحركة لبقة ..
كانت هذه دعوة … ترددت “يارا” قليلا ، لكنها إستسلمت مرة أخري
حاولت فقط منع يدها من الإرتجاف عندما مدتها لتستقر بيده ، أطبق “سفيان” أصابعه علي كفها البارد بإحكام ، ثم شدها بإحتراس حتي وقفت علي قدميها ..
-إنتي محتاجة تتعشي كويس يا حبيبتي ! .. قالها “سفيان” بحنان و هو يسير بها إلي الداخل ، و أكمل :
-شكلك مأكلتيش حاجة أصلا إنهاردة . الكل كان ملاحظ إرهاقك .. و لا يهمك هتبقي عـآااااال … و طبع قبلة خاطفة علي خدها
أجفلت “يارا” لملمس شفتيه الحارتين ، ليزيد رعبها أضعافا عندما حملتها ذراعاه علي نحو مفاجئ
صرخت ، إرتفعت رجلاها عن الأرض لكنه أمسك بها قبل أن تقع و تابع المسير و هو يضحك بقوة قائلا :
-إيـه يا حبيبتي خوفتي كده ليه ؟ لازم يبقي عندك ثقة فيا . معقول كنت هاسيبك تقعي يعني ؟ إستحالة طبعا
يارا بإرتباك : ممكن تنزلني ؟ أنا هعرف أمشي لوحدي
سفيان بإبتسامة مرحة :
-من تقاليد عيلة الداغر لازم العريس يشيل عروسته ليلة دخلتهم . آسف ده طقس عائلي مقدرش أتجاهله
صمتت “يارا” لا حيل لها ، فقط صدرها يخفق باللهاث و التعب و الخوف …
وصلا عند الغرفة المنشودة ، غرفة “سفيان” و التي إحتلت جناحا مستقلا وسع الطابق بأكمله
أنزلها “سفيان” علي عتبة الباب ، ثم مد يده مديرا المقبض
دفع الباب بهدوء ، و قال يحث “يارا” :
-إدخلي يا حياتي . بيتك و مطرحك
و سمعته يضحك بخفوت و لؤم ..
إقشعـَّر بدنها عندما إشتمت الهواء العابق برائحته ، رائحته هنا في كل مكانه ، ممتزجة بنسيم الليل الداخل من النوافذ المواربة
كان ضوء القمر الفضي يتخلل الستائر الشفافة ، ما كانت الغرفة مضيئة بالكامل مثل باقي البيت ، بل كانت هناك إضاءة خافتة تكفي حتي يري كلا منهما الأخر بشكل شبه ضبابي
كانت الغرفة دائرية ، و كان الفراش في الوسط كبير ، كبير جدا تصل له بعد صعود ثلاث درجات من الرخام الصقيل
كان هناك صالون صغير في الجهة الأخري ، و شاشة تلفاز عريضة مثبتة بين مصباحي الحائط ، كانت غرفة الملابس ظاهرة ، حيث إستطاعت “يارا” رؤيتها عبر باب جرار نصف مفتوح
إلتفتت بسرعة عندما سمعت باب الغرفة ينغلق ..
نظر “سفيان” لها بأعين لامعة و قال :
-أهلا . أهلا يا ست الكل .. دلوقتي بس أقدر أهني نفسي فعلا و أتمتع بإنتصاري
نظرت له بعدم فهم ، ليضحك بخفة ثم يهز رأسه مستطردا :
-ماتخديش في بالك . أهم حاجة دلوقتي نرجع اللون لبشرتك . لازم تتعشي قبل أي حاجة أنا ماعنديش إستعداد يغم عليكي في النص .. أنا عايزك واعية و نشيطة جدا . عايز كل ثانية نقضيها الليلة دي تتحفر في عقلك . ماتنسيهاش أبداا
إبتلعت ريقها بصوت مسموع ، فتلوت ذوايتي فمه بإبتسامته الخبيثة …
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في إحدي المطاعم المطلة علي النيل …
جلس كل من “سامح” “وفاء” و “ميرا” علي طولة مربعة ، علي حافة الشرفة الهوائية تماما
كانت “ميرا” مستمتعة بمذاق عصير الفواكه البارد ، و كانت تضع سماعتي الأذن و هي تتصفح هاتفهها بمنتهي الهدوء
بدت منهكمة و مسترخية في آن ، بينما إنتهزت “وفاء” الفرصة و راحت تتحدث إلي “سامح” بشئ من الحرية ..
-سمسم . وحشتني أووي ! .. قالتها “وفاء” مسلطة صوبه نظرات العشق
سامح و هو ينظر لها بغضب :
-إنتي إتجننتي يا وفاء ؟ .. و نظر نحو “ميرا”
نظرت “وفاء” لإبنة أخيها ، ثم إليه و قالت بإبتسامة :
-ماتقلقش هي مش سمعانا
سامح بحدة : و لو . إنتي شكلك إتجننتي فعلا لو كنت أعرف إنك هتقولي كده ماكنتش جبتكوا هنا
وفاء و قد تلاشت إبتسامتها :
-خلاص يا سامح . أنا آسفة مش هقولك حاجة تاني
و إعتدلت في جلستها آخذة مشروبها الغازي ، راحت تتناوله في صمت ، ليزفر “سامح” مغمض العينين
إستغرقه الأمر لحظات حتي عاد لطبيعته .. نظر لها ثم قال بلطف :
-أنا آسف يا وفاء . بس لازم تاخدي بالك أكتر من كده إنتي بقيتي متهورة أوي في الفترة الأخيرة
لا إجابة ..
-وفـاء ! .. هتف “سامح” بدهشة ، و أكمل :
-وفاء أنا بكلمك سمعاني ؟!
نظرت إليه عابسة و ردت :
-خلاص يا سامح . أنا سكت خلاص إسكت إنت كمان عشان كلامك بيضايقني
إسترق “سامح” نظرة جانبية إلي “ميرا” .. وجدها ما زالت علي حالتها الهادئة ، مال قليلا صوب “وفاء” و قال :
-لو كنتي صبرتي شوية كنتي سمعتي مني كلام ينسيكي أي تصرف مني ضايقك
لا إجابة ..
ضحك “سامح” من إسلوبها ، و أردف و هو يجلس مستقيما من جديد :
-عموما أنا كنت ناوي أعملهالك مفاجأة . بس إنتي كالعادة مش بتصبري .. تمام . أنا كنت هاروح أفاتح سفيان في موضوعنا الإسبوع الجاي بس بما إنك زعلانة مني هضطر آجل الخطوة د آا …
-تأجل إيــــه !!! .. صاحت “وفاء” مستثارة بقوة ، و أكملت :
-إنت مجنـوون ؟؟؟ مافيش تأجيل طبعا هترووح تكلمه . هتروح يا سامـح
سامح : شششش يا مجنونة وطي صوتك .. و أشار إلي “ميرا”
لكن فات الآوان ، كانت تنظر لهما ، إنتزعت السماعات من أذنيها و هي تقول بإستغراب :
-في إيه يا أنطي ؟ I Think سمعتك بتزعقي !
نظرت “وفاء” لها و قالت بإبتسامة عريضة :
-لأ يا قلبي مش بزعق . بس أنكل سامح قالي علي مفاجأة مقدرتش أمسك نفسي لما سمعتها
ميرا بإبتسامة : Really !
طيب بليز قوليلي إيه المفاجأة ؟
نظرت “وفاء” إلي “سامح” و سألته :
-أقولها ؟!
كان وجهه خالي من أي تعبير ، قيم الأمر لثوان ثم قال و هو يهز كتفاه :
-براحتك !
عضت “وفاء” علي شفتها و قالت بفصاحة :
-لأ . مش هقولك يا ميرا . و إلا ماتكونش مفاجأة
عبست “ميرا” منزعجة ، لتضحك “وفاء” قائلة بحنان :
-ماتزعليش يا قلبي . أوعدك هتكوني أول واحدة تعرفي
قريب جدا .. و مدت يدها لتربت علي خدها
بينما ينظر “سامح” لها و علي شفتاه بسمة تشفي خفية …
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في ڤيلا آل “داغر” … كان يضع الطعام بفمها
يدسه دسا حتي إنتفخ خداها بطريقة مضحكة ، كانت تقاوم يده و و أحيانا تطبق فمها رافضة قبول المزيد من الأطعمة الشهية
لكنه كان مصرا ، كان يجبرها و هو حقا يقدر علي ذلك ..
-ماتتعبنيش معاكي بقي ! .. قالها “سفيان” بضيق و هو يمد الملعقة الممتلئة صوب فمها
يارا بصرامة : أنا شبعـت خلاص . مش عايزة آكل تاني ..
كان فمها فارغا الآن ، و كانت لمعة الإصرار و التحد واضحة بعيناها
مما جعله يتراجع ، فهذا هو هدفه ..إعادة روحها المتمردة الذي أكلها الإجهاد طوال اليوم
وضع الملعقة علي الطاولة و قال بهدوء :
-أوك . كفاية أكل .. بس هتشربي العصير … كان واثقا
دفع لها بكأس العصير ، فقبلته بسهولة و هي تومئ رأسها ..
أفرغته في جوفها علي دفعات ، إستغرقت ربع ساعة ، لم يمل خلالها ، بل كان ينظر لها بتركيز و علي فمه شبح إبتسامة مبهمة
مع تدفق الدماء بعروقها ، إستطاعت “يارا” أن تشعر مجددا .. عاودتها مشاعر التوجس و الرعب منه ، و كانت الذكري الأولي هي المتصدرة دائما ، ذكري السرداب ذي الرطوبة و الرائحة العفنة
كان علي حق
إن الطعام جعلها في حالة نشطة ، رغم أنه أطعمها حد التخمة ، لكن أصبحت أكثر يقظة الآن
و خاصة بعد أن شربت العصير المليئ بالسعرات الحرارية ..
كانت كل أنسجتها ، كل خلية فيها تنبض بالنشاط ، صفا عقلها ، و أختفي الدوار ، إختفي تماما و صارت قادرة علي التركيز و التأهب له
الأمر أشبه و كأنها كانت تحلم حلم سيئ ، الفارق الآن أنها إستيظقت ، إستيقظت و لكن علي واقع أسوأ … هنا ، في غرفة “سفيان الداغر”
زوجها ..
-ثواني و راجعلك يا حبيبتي ! .. قالها “سفيان” و هو يقوم من مكانه ثم يتجه صوب غرفة الملابس
غاب داخلها لحظات قصيرة ، ليعود حاملا بين يديه علبة كرتونية مسطحة ..
تطلعت “يارا” له ، فرأت نفس الإبتسامة الخبيثة هي لا تتغير أبدا مرتسمة علي ثغره ، و عندما إقترب أكثر تبينت ماهية هذه العلبة
فإتسعت عيناها حين شاهدت العارضة الأروربية لأشهر ماركات الالبسة النسائية !!!
-تعالي يا قلبي .. تمتم “سفيان” و هو يمسك بيدها و يرفعها حتي وقفت علي قدميها ، ثم أكمل مادا هذا الشئ لها :
-خدي يا يارا . عايزك تاخدي العلبة دي و تلبسي الموجود جواها . عندك الـDressing room أهيه
إنعقد حاجبي “يارا” فوق عيناها الواسعتين و هي تقول بصلابة :
-علبة إيه و Dressing room إيه ؟ و بعدين إيه الجرأة دي أنا نفسي أفهم ؟ جايبلي لانچيري ؟؟!!
سفيان بإبتسامة شيطانية :
-أه جايبلك لانچيري . إيه المشكلة ؟ إنتي بقيتي مراتي و من حقي أشوفك في أي وضع أنا عايزه .. كان يشدد علي الأحرف الأخيرة
إرتبكت “يارا” من كلامه لكنها قالت بحدة :
-مش من حقك .. مش من حقك تقصر المسافات بخطوة واحدة كده . أنا لسا مش متعودة عليك . و علي فكرة إنت تنساني خالص الليلة دي أنا أصلا تعبانة
و جاءت لتتجاوزه ، لكنه قبض علي رسغها و أعادها بعنف كما كانت ، و لم يهتز مطلقا ..
-إسمعي الكلام يا حبيبتي ! .. تمتم “سفيان” بحليمية ، و تابع :
-أنا مش مستعجل عليكي . بس إنتي كده هتخليني أختم الليلة بدري و أمشيها بالعكس . و ده مش هيبقي لطيف بالنسبة لك
يارا بإستغراب : تختمها ؟ بالعكس ؟
إنت بتقول إيه ؟!
سفيان بوجوم : إدخلي إلبسي إللي جبتهولك . خليكي حلوة عشان أحاول أبقي حلو معاكي .. و شدها من ذراعها مطيحا بها صوب غرفة الملابس
فاجأها إصطدامها بالجدار ، و الصدمة جعلتها عاجزة عن التنفس .. إرتد جسدها لتسقط علي الأرض متكومة علي نفسها
رأته يقترب منها ، مد يداه لينهضها فصدته ، لكنه أمسكها قسرا و شدها لتقف ..
-يلآااا . لو عايزة تقللي من الأساليب دي .. هكذا أطلق تهديده الصريح
بينما واصلت النظر إليه بصدمة ، و لم تفق إلا و هو يدخلها بنفسه إلي تلك الغرفة .. فك سحاب فستانها بعنف فخدش جلدها و صرخت بألم
سفيان بجدية : لو ماخلصتيش في ظرف 5 داقايق مش هطلب منك تلبسي أي حاجة . و مش هيكون في مقدمات لأي حاجة .. و إنتي إللي هتكوني خسرانة
قال هذا ثم إستدار و بارح الغرفة ..
مرت دقيقة ، دقيقتين و هي واقفة دون حراك ، قلبها فقط هو الذي يرتجف بين أضلاعها .. حتي هدر من الخارج و هو يضرب الباب بقبضته القوية :
-3 Minuets left يا حبيبتي !
إزدردت ريقها بخوف حقيقي و أكملت نزع فستانها ، فكرت و هي ترتدي تلك القطعة السوداء المثيرة أنها ربما أخطأت في شئ ، ربما بالغت في تحقيره
فكرت أنه رجل ، إستفزته بأفعالها فنفذ صبره ..
حاولت صياغة فعلته و تبريرها بشتي الطرق ، لم تريد أن ترعب نفسها أكثر فقررت أن تتنازل و تطيعه قليلا
ربما هدأ و عاد كما كان قبل ساعات ، قبل مجيئهما إلي هدا البيت …
كانت تنتشل الروب الشفاف من العلبة لترتديه فوق كل هذا العري ، لينفتح باب الغرفة علي مصراعيه في هذه اللحظة بالذات
شهقت بفزع و طوت ذراعيها فوق صدرها بحركة دفاعية غريزية ، لكنه إبتسم بمكر و أسرع نحوها
شدها صوبه مطوقا خطرها بذراعه ، ثم قال و هو يمسح بكفاه مناطق جسمها الناتئة :
-زي ما تخيلتك بالظبط .. أيوه كده خليكي مطيعة . و لو إن ده مش هيفيدك بردو بس إنتي مجبرة علي كل حاجة
-إنت قصدك إيه ؟! .. زمجرت “يارا” متسائلة ، ليرد هامسا في أذنها بحرارة :
-أنا محضرلك عرض مذهل . هيبدأ الليلة دي و الله أعلم هينتهي إمتي . بس أنا عارف كويس هينتهي إزاي
قطبت حاجبيها بإستغراب شديد ، لا تدري عما يتكلم !!
و لكن يبدو أن الأمر خطير و أنها إنتهت لا محالة ، هذا واضح من أفعاله ، الحدس يلمع في عيناه ، فسهل عليها قراءته ..
كان هناك سرير صغير بالغرفة ، ألقاها “سفيان” فوقه بإحدي حركاته الهمجية … تسارعت دقات قلبها و هي تراه يجثم عليها كالصقر ، ألقي بثقله كله عليها
تمتم و هو يغرق وجهها بالقبلات :
-من أول مرة شوفتك . قلت إنتي ليا . محدش هيقرب منك غيري .. دخلتي مزاجي أوووي يا يارا . مقدرتش أقاوم
-إنت بتعمل كده ليــــه ؟؟!! .. صرخت “يارا” بأنين مكتوم و كانت الدموع تنهمر من عيناها الآن
توقف “سفيان” هنيهة ، يلتقط أنفاسه ، ثم رقع وجهه مقابل وجهها و قال بإبتسامة ساخرة :
-بعمل كده ليه ؟ إوعي تكوني فكراني حبيتك بجد و الكلام ده لااااا . أبدا . أنا قلبي ملكي . عمري ما سلمته لحد و لا عمري هسلمه . أنا إتجوزتك بس لسببين . أولا إنتي رفضتيني و إتحدتيني . قولتيلي مش هتجوزك و حلفتي إيمانات معظمة . حبيت أشاركك في اللعبة لأخرها و زي ما إنتي شايفة أنا لحد دلوقتي الكسبان .. ثم حني رأسه و مس شفتيها بشفتيه مسا خفيفا و أكمل :
-تاني سبب .. قضية عمي . مش هكدب عليكي و لا هحور لأني لا بخاف منك و لا من مليون زيك . عمي منصور الداغر . حضرة العمدة المحترم . أنا إللي قتلتــه
جحظت عيناها بصدمة عنيفة و سكنت حركتها بعد ذلك ، ليتابع بنفس الهدوء الساخر :
-قتلته هو و ولاده . و أنا فعلا تاجر سلاح . و بقولك تاني أهو أنا لا بخاف منك و لا من غيرك .. و العكس هيكون صحيح . أنا إللي هيعيشك في سواد و زي ما وعدتك هنسيكي إسمك يا حياتي . و دلوقتي حالا هعرفك مين هو سفيان الداغر علي حق . هخليكي تشوفي و تحســـي
ثم مالت ذقنه جانبا حتي أصبح فمه علي فمها …
و هنا صحت “يارا” من صدمتها متشنجة ، مزمجرة ، و حاولت رد هذا القاتل عنها ، ذلك المجرم الحقير الذي تقطر من يديه دماء ملايين الأبرياء
حاولت بكل قواها ، و كانت تصرخ بضراوة كبيرة حتي كادت أحبالها الصوتية تتقطع ، لكن ما من فائدة
فقد أمسك بذراعيها و لوي الواحد تلو الأخر خلف ظهرها ، ضغط شفتيه علي شفتيها ، حركهما بعنف جيئة و ذهابا ، لتهب النار في كل مكان ، لأنه كان في كل مكان
يداه تجريان علي جلدها ، قبلاته المنفرة تغطي كل قطعة منها ….. بدا هذا العذاب بلا نهاية
هنا في غرفة الملابس ، صراخها بلا نهاية أيضا …
……………………………………………………………………….
في هذا الوقت كانت “وفاء” تصعد إلي غرفتها و “ميرا” في أعقابها …
تجمدتا كلا منهما عند سماع أصوات مروعة تأتي من جهة الطابق الخاص بـ”سفيان”
نظرت “ميرا” لعمتها متسائلة بهلع :
-أنطي وفاء .. إيه الصوت ده ؟؟؟!!!
زمت “وفاء” شفتاها و هي تتنهد نافذة الصبر ، ثم قالت :
-مافيش حاجة يا حبيبتي . تلاقي حد مشغل التلڤزيون .. و ربتت علي كتفها مكملة :
-يلا روحي نامي يا قلبي
رفعت “ميرا” حاجباها بدهشة ، لكنها ردت :
-Okay , Good night !
وفاء بإبتسامة : Good night
و مشت “ميرا” بإتجاه غرفتها …
-أنا قلت دي مش جوازة بريئة أبدا .. تمتمت “وفاء” لنفسها
ثم زفرت بضيق و توجهت هي الأخري بإتجاه غرفتها …… !!!!!!!!
يتبــــع …
الفصل الرابع والعشرون
~¤ قصـاص ! ¤~
عندما تركها أخيرا … كانت قد أنفقت طاقتها كلها علي البكاء و العويل و الصراخ ، و كل هذا من غير طائل
بل لم تزيده إلا إصرار و قوة ، حتي أجهز عليها تماما ، عند ذلك شعر بالرضا و نهض منتفخ الصدر كأنه أحرز إنتصارا عظيم …
-مبروك يا عروسة ! .. قالها “سفيان” و هو ينحني ممسدا خده بخدها
إنتفضت “يارا” مشيحة بوجهها عنه ، ليكمل ضاحكا :
-عموما إحنا لسا ماخلصناش . راجعلك تاني . هاروح أخد شاور بس . مش هتأخر عليكي يا حياتي . خمس دقايق بالظبط .. و قبضت أصابعه الغليظة علي فكها السفلي ، لينحني ثانيةً و يقبلها عنوة
ثم مضي إلي الخارج و أصداء ضحكته تتردد في أذنيها ..
شدت “يارا” علي شفتاها المرتجفتين محاولة كبح شعور القهر الذي يغص بها ، و بجهد رفعت جزعها لتنتصب جالسة
زفرت متألمة عندما مدت ذراعيها للإمام ، إلي وضعهما الصحيح قبل أن يلويهما بمنتهي العنف خلف ظهرها
تآوهت عندما وخزها إندفاع الدم المفاجئ العائد إلي ذراعيها ، إستغرق الأمر عشرة دقائق إلي أن عادت تشعر بهما من جديد و سهل عليها تحريكهما …
كانت آلام أخري تشعر بها ، آلام جسدية و نفسية .. لكن ذهنها المشتت و فكرها المجنون ركزا علي شئ واحد الآن
يجب أن تذهب من هنا حالا ، من هنا إلي قسم الشرطة مباشرةً …
قامت “يارا” متحاملة علي نفسها ، فتحت خزانتها الخاصة و إلتقطت أول شئ صادفته ، ثم خرجت بعيدا عن هذه الغرفة اللعينة ، غرفة الملابس التي شهدت ذكريات أبدية مهما فعلت مستحيل أن تنساها
و أثناء مرورها أمام باب المرحاض ، توقف قلبها لحظة عندما سمعت صنبور المياه ينغلق
لم تنتظر و ألقت بالملابس أرضا ، ليس هناك وقت عليها أن تهرب الآن ، حـــالاً ..
إندفعت صوب المشجب المجاور للسرير ، إلتقطت روبها الأبيض المنسوج من الستان و إرتدته بسرعة ، ثم إنطلقت خارجة من الغرفة و هي لا تدري كيف ستخرج من هذا البيت و كيف ستجد وسيلة مواصلات في هذه الساعة !
كان أهم شئ بالنسبة لها أن تغادر منزل هذا المجرم القاتل ، و بعد هذه الليلة أضيف له لقب المغتصب أيضا …
…………
في هذا الوقت ، يخرج “سفيان” من الحمام لاففا منشفته العريضة حول وسطه
كانت في يده منشفة صغيرة أخذ يجفف بها شعره و وجهه و هو يمشي صوب الغرفة التي ترك فيها زوجته بخطوات متمهلة
كان مزاجه ممتاز جدا …
-إتأخرت عليكي يا حبيبتي ؟ .. قالها “سفيان” بتساؤل و هو يلج إلي الغرفة
لم يسمع رد و لا حركة حتي ، فأنزل المنشفة عن وجهه ، ليجد الغرفة خالية ، ساكنة تماما
أطلق سبة غاضبة ، و إستدار عائدا إلي الغرفة .. ألقي نظرة شاملة واحدة علي المكان رغم تأكده أنها ليست هنا ، ثم رمي المنشفة من يده و ركض مسرعا ليلحق به …
……………………………………………………………………….
كانت تجري حافية القدمين في الحديقة الخلفية المظلمة مهتدية بضوء القمر الشحيح …
رغم أنها تعثرت و سقطت أكثر من مرة ، لكنها أصرت علي الهرب و واصلت الركض بأقصي ما إستطاعت من قوة
إلي أن شعرت بإصطدام عنيف من الخلف ، و وجدت نفسها تدور في الهواء حتي إستقرت أمام وجهه الشيطاني ..
شهقت بفزع و إرتعدت فرائصها
إنتابتها حالة عصبية و راحت تلوح بيديها في الهواء و تلكمه علي صدره و كتفيه في نفس الوقت ، بينما أخذ “سفيان” يحاول تهدئتها
و لكن بلا جدوي ، لم يقدر سوي علي الإمساك بمعصميها و حبسهما في يد واحدة ، لتمسك يده الأخري بخصرها محاولا جذبها
إلا أنها أبت بشدة و أخذت تدفعه بقوة محاولة الفكاك منه و الهرب مرارا و تكرارا
لينتهي الأمر بسقوطها أرضا علي ظهرها آخذة إياه معها …
أزاح وزنه عنها و قلبها ، فتلطخ ثوبها و جسدها بطين الحشائش الخشنة التي إفترشت أراضي الحديقة
جثم فوق صدرها مثبتا ذراعيها بساقيه ، كان ماهر حقا و لم يؤلمها ، لكنها زمجرت محاولة الإفلات من تحته ..
-لأ مش معقول ! .. قالها “سفيان” لاهثا جراء المجهود المضن الذي بذله ، و أكمل بإبتسامة معوجة :
-بتجري مني يا حبيبتي ؟ بتهربي ؟ ليه بس ؟ طب ده ينفع بذمتك ؟ .. تجريني وراكي لحد هنا أنا بالفوطة و إنتي بالروب كده ؟ أهل البيت يقولوا علينا إيه طيب ؟؟!!
يارا : أنا عايزة ماما ! .. كان صوتها محملا بالعنف
سفيان و هو يضحك :
-إيـه ! عايزة ماما ؟ دلوقتي ؟ .. طب إزاي !!!
حاولت الإفلات منه مجددا لكن يداه ثبتتا كتفيها علي الأرض ..
-خلاص إهدي يا حبيبتي .. غمغم “سفيان” و هو يحاول كبت ضحكاته بصعوبة ، و تابع :
-هدي أعصابك . هاجبلك ماما حاضر . بس بطلي عصبية الأول .. إتفاقنا ؟!
همهمت بوحشية ، فضحك ثم أمسكها بالقوة و رفعها معه عن الأرض ، تفاجأت من هذه السرعة و شهقت حين رماها علي كتفه
إلتوي جسمها ، صار رأسها و صدرها عند ظهره ، بينما أمسك ذراعه بساقيها علي صدره
مضي عائدا إلي المنزل فورا ، و كانت “يارا” تتأرجح مع خطواته المهرولة .. حتي وصلا إلي غرفته مرة أخري
أغلق الباب بقدمه ، ثم إتجه نحو السرير ، صعد الثلاث درجات المفضية إليه و ألقاها فوقه بلطف أدهشها …
-كده تبدأيها معايا بالغدر يا يارا ؟ .. قالها “سفيان” بلهجة هادئة راسما إبتسامة خفيفة علي ثغره
حدقت “يارا” فيه بكراهية خالصة و قالت بغضب :
-إنت لسا شوفت غدر ؟ ده أنا هفضحك في كل حتة . و رحمة أبويا ما هارتاح إلا لما أشوفك معدوم يا قآااتل يا مجـــررم
ضحك “سفيان” بقوة و قال محدقا فيها بتحد :
-طيب يا يارا . أنا مستعد أروح معاكي دلوقتي حالا قسم الشرطة . لو معاكي دليل واحد .. إنتي معاكي دليل ؟؟؟
بـُهتت “يارا” للحظة ، لكنها عادت و جأرت بعنف :
-أوعدك هتتعاقب قريب . لو مش عن طريق القانون هيبقي عن طريقي . نهايتك علي إيدي في كل الأحوال يا حيوآااان
يا إللي قتلت الأطفال إللي مالهمش ذنب . إخوآااتك يا قذر
و هنا إحتدمت نظراته ليصيح بغضب شديد :
-دول مش إخواتـــي . سـآاامعة ؟ دول ولاد منصـوور الدآاغر . عمي إللي قتل أبويا و موت إخواتي و إتجوز أمي غصب . ده قصاص . ربنا بجلالة قدره قال “وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ” و قال كمان “وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ” .. ثم أكمل مزمجرا :
-أنا مش ندمان علي إللي عملته و لو رجع الزمن مليون مرة في كل مرة هكرر نفس السيناريو
نظرت له بعدم تصديق و قالت :
-بس دول إخوآاااتك . إخواتك من أمـك . و أطفآال .. إزاي عملت فيهم كده ؟؟؟؟؟
-زي ما عمل في إخواتي عملت في ولاده ! .. قالها بزعقة حادة حاسمة
إلتقي حاجباها في عبسة واهنة ، و قالت بسخرية مريرة :
-و ماخطرش في بالك إن إللي إتعمل في أمك كررته معايا ؟ و تجارة السلاح . إللي بسببها بيموت آلاف الأبرياء كل يوم .. إنت شيطان . و مهما قلت منافق و أعمالك كلها نقط سودا . لازم تتحاسب . لازم كلنا ناخد بتارنا منك
إبتسم “سفيان” و قال بإستفزاز :
-تمام . و أنا لسا عند كلمتي . لو وفرتي دليل واحد ضدي أنا بنفسي هاروح معاكي و أسلم نفسي و هعترف كمان .. ثم جلس بجوارها و إجتذبها من كتفيها بعنف مكملا بجدية :
-بس لو طلعتي الكلام ده برا . منغير دليل لأي حد . حسابي مش هيبقي معاكي إنتي .. هيبقي أهلك . أهلك كلهم . من أصغرهم لأكبرهم
وقف شعر جسمها كله عندما سمعت تهديداته ، أسبلت عيناها و هي تزفر بقنوط ، ليبتسم بإلتواء ثم يقول :
-شوفتي الكلام خدنا و نسيت إننا ضيعنا نص الليلة . و كنتي هتهربي مني . بس عايز أقولك علي حاجة مهمة .. إنتي لو روحتي أخر الدنيا . لو إستخبيتي فوق سابع سما أو تحت سابع أرض . بردو هاجيبك . مش هتهربي من سفيان الداغر أبدا . و مش هاسيبك إلا بمزاجي . لما إتأكد إني خت منك كل إللي عندك . ساعتها هاسيبك
رمقته بنظرة بغض ، و قالت بهسيس حانق :
-أنا بكرهـك . بكرهك أكتر من أي حد . أكتر من كره إنسان لأي إنسان علي وجه الأرض
سفيان و هو يضحك :
-بجملة . أنا إللي بيكرهوني أكتر من إللي بيحبوني . يعني مش هتكوني أول واحدة .. ثم طفق يشملها بنظرات إشتهاء و أردف :
-المهم خلينا نكمل . من مكان ما وقفنا .. و أحسنلك تكوني هادية . عشان ما تآذيش نفسك
أغمضت “يارا” عيناها بشدة و رفعت كفيها لتخبئ وجهها منه
سمعته يضحك بمرح حقيقي ، ثم شعرت بذراعيه تطوقانها و تسحبانها لتستلقي ، حتي يستأنف عمله الإجرامي الجديد …….. !!!!!!!!!!!!!!!
يتبـــع …
الفصل الخامس والعشرون
~¤ عراك ! ¤~
عندما إستيقظت في الصباح ، شعرت بعدة أشياء غريبة
أولها ذلك الهواء الذي تتنفسه …
إنه .. ساخن بعض الشئ ، و له رائحة خشنة ، لكنها خشونة لطيفة ، لم تزعجها أبدا ، علي عكس الثقل الذي أحست به يجثم علي وسطها و يضغط علي صدرها
زفرت بضيق و أخذت تقاوم هذا و هي تحاول تذكر شيئا ما ، لعلها نست فعلا !!
و فجأة تدفقت الأحداث الأخيرة كلها في عقلها و أدركت أين هي و لمن تكون هذه الرائحة و ماهية هذا الثقل
فتحت عيناها دفعة واحدة لتصطدم برؤية وجهه مباشرةً
شهقت بخوف و تبينت أنه كان يحتضنها و هو نائم طوال الليل ، تذكرت كيف أجبرها علي ذلك و ثبتها داخل أحضانه بإصرار حتي خارت قواها المتهالكة أصلا و إستسلمت للنوم
رمقته بنظرات كارهة مشمئزة و أخذت تفك ذراعاه من حولها ، كادت تنجح .. لولا يقظته المفاجئة …
-إيه ده إنتي صحيتي يا حبيبتي ؟ .. قالها “سفيان” بلهجة ناعسة محاولا إزاحة جفناه عن بعضهما بشكل كامل
يارا بإقتضاب : لو سمحت إوعي إيديك . عايزة أقوم
سفيان بإستغراب : هتروحي فين بس ؟ هي الساعة كام ؟! .. و راح يتثاءب
تلوت “يارا” بين ذراعيه هي تقول بشئ من العصبية :
-بقولك إوووعـي بقـي . إيه القرف ده !!
سفيان و هو يرفع حاجبه :
-قرف ! يصح كده يا حبيبتي ؟ تقولي علي حضن جوزك قرف ؟ بدل ما تقوليلي صباح الخير يا حبيبي .. و شدها نحو أكثر لاصقا فمه بخدها
يارا بغضب : إنت فعلا مش إنسان و لا راجل كمان . مافيش راجل يقبل علي نفسه واحدة تكون مغصوبة عليه بالشكل ده
برزت ضحكته مكتومة و هو يقبل وجنتها المكتنزة بعمق ، ثم رفع وجهه قبال وجهها و قال بإبتسامته الخبيثة :
-يعني بعد كل إللي حصل بينا إمبارح ده و لسا بتشكي في رجولتي ؟ تحبي نصطبح طيب عشان تتأكدي تاني
توهجت عيناها و زمجرت :
-إنت حيوان و ماتفتكرش إني هاسيبك تنفد بجرايمك . إنت إغتصبتني و دي لوحدها تاخد عليها إعدام لما أروح أبلغ عنك إن شاء الله هيكون ده بلاغي الأول
و هنا إنفجر “سفيان” ضاحكا ، ضحك فعلا ، ضحك بقوة ، ضحك من قلبه كما لم يضحك من قبل حتي أدمعت عيناه ، لتعقد “يارا” حاجباها و تنظر إليه بغيظ شديد
هدأ “سفيان” بصعوبة ، نظم أنفاسه المضطربة و هو يقول بإبتسامة كبيرة :
-يعني هتروحي تبلغي عني ؟ تمام . لكن عايزة تقوليلهم إني إغتصبتك ؟ حلووة دي . منظرك و إنتي بتقوليلهم جوزي إغتصبني .. و ضحك من جديد
-إنت مش جـوووزي ! .. قالتها “يارا” صارخة ، ليهدئها “سفيان” بإسلوب من شأنه أن يستفزها أصلا :
-طيب خلاص يا حبيبتي . ماضيقيش نفسك . كفاية عليكي كده علي الصبح مزاجك إتعكر جامد . يلا قومي خدي شاور علي ما أطلب الفطار .. ثم خطف قبلة سريعة من شفتيها و قام من الفراش بحركته الرشيقة
أشاحت “يارا” عنه فورا و قامت هي الأخري ملتفة بردائها القريب ، دارت حول السرير و مرت من أمامه مسرعة بينما كان يرفع سماعة الهاتف ليطلب خط الخدم
لم يحاول النظر صوبها
لكنه سمع صوت باب الحمام عندما صفعته خلفها بقوة ، في نفس اللحظة ردت الخادمة :
-صباح الخير يا سفيان بيه !
سفيان : صباح النور يا دادة عطيات . لو سمحتي طلعي الفطار بتاعي أنا و مدام يارا علي جناحي و ماتنسيش قهوتي هاخدها في أوضتي إنهاردة
الخادمة : تحت أمر حضرتك . مش محتاجين أي إضافات تانية ؟
سفيان : لأ . بس بسرعة يا داده من فضلك أنا جعان أووي و إبعتيلي حد يوضبلي الأوضة دلوقتي
الخادمة : حالا يافندم !
……………………………………………………………………….
في غرفة “ميرا” … كانت جالسة أمام المرآة ، تصفف خصلات شعرها الذهبية لتجعلها كلها حلزونية الشكل
دق هاتفهها و تسارع إهتزازه فوق منضدة الزينة ، مدت يدها و ألتقطته ، لتملأ الإبتسامة وجهها عندما تري إسم حبيبها مرفق بصورة جميلة له
ردت بصوت مليئ بالشوق :
-چـوو ! حبيبي Good Morning
يوسف : صباح الفل ياست البنات
وحشتيني جداا
ميرا : بيبي إنت وحشتني أكترر . أنا بجهز أهو و كنت هكلمك عشان نخرج
يوسف : نخرج إزاي يا ميرا ؟ مش باباكي قال إمبارح إننا مش هنخرج مع بعض تاني إلا لما أجي أنا و بابا و أطلب إيدك رسمي ؟!
ميرا بضيق شديد :
-يعني إيه أنا عايزة أشوفك . تعالي هنخرج و ماتخافش من دادي
يوسف بنبرة جادة :
-لأ يا ميرا إحنا مش عايزين نعمل مشاكل مع باباكي . خلينا كويسين أحسن لحد ما نبقي في السليم ساعتها هنعمل كل إللي إحنا عايزينه
زفرت “ميرا” بقوة و قالت بتبرم :
-يعني مش هاشوفك !
يوسف : إنتي عايزة تشوفيني يعني ؟ وحشتك أوي كده
ميرا : وحشتني كتيييير . إنت بتوحشني بعد ما أسيبك علطول ببقي عايزاك معايا Forever
سمعته يضحك ، ثم يقول :
-أوك . و أنا مش هرفضلك أي طلب يا أميرتي .. إديني ربع ساعة و هكون عندك
ميرا و قد أشرق وجهها :
-بجد هتيجي !!
يوسف : مش بابا قال إني أقدر أجي أشوفك في البيت عادي ؟ أنا جاي أشوفك و أقعد معاكي شوية . هو مش هيقول حاجة طالما تحت عنيه
ميرا بسعادة : أنا بحبك . I love you
يوسف : و أنا بعشقك . يا تاعبة كل الناس إنتي !
……………………………………………………………………….
تخرج “يارا” من الحمام مرتدية روب الإستحمام الطويل …
شدته حول صدرها بإحكام و هي تسير صوب غرفة الملابس ، كان “سفيان” واقفا بمحاذاة الشرفة ، أولاها إنتباهه فور عودتها
لكنها عمدت تجاهله كما توقع
فإبتسم بمرح و لحق بها .. كانت تخرج لنفسها بعض الألبسة حين حمحم معلنا عن وجوده ، لتنتفض مذعورة و تلتفت له قائلة بحدة :
-عايز إيـه ؟ و إزاي أصلا تدخل عليا كده و أنا بغير هدومي؟؟!!
سفيان ببرود : أولا الباب كان مفتوح . ثانيا إنتي مراتي و عادي جدا لما أدخل عليكي و إنتي بتغيري . ثالثا و ده إللي كنت جاي عشانه أساسا مامتك جت تحت . لسا الدادة مكلماني لو عايزاها تطلع هكلمهم يطلعوها
يارا بغلظة : لأ مش هتطلع . أنا هنزلها
سفيان بنفس البرود :
-براحتك . بس إفطري الأول . عندك الفطار جوا في الأوضة . للأسف أنا سبقتك لأني كنت جعان جدا . هاروح أخد شاور أنا كمان و هبقي أحصلك علي تحت عشان أسلم حماتي . عن إذنك .. و إستدار خارجا
لتستشيط “يارا” غضبا و تندفع صافقة باب الغرفة بعنف ..
-و الله أخرتك علي إيدي ! .. تمتمت لنفسها بإصرار كبير
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
جاء “يوسف” في موعده كما وعد “ميرا” … بقت متعلقة برقبته منذ وصوله ، لم تتركه أبدا و أخذته ليجلسا بالحديقة وحدهما
تكورت في حضنه فوق الأرجوحة ، تماما مثل قطيطة أليفة ، راحت تتمسح فيه و تتشمم رائحته بهيام
بينما كان يجلس مضطربا من أفعالها ، يخشي لو شاهدهم أحد و ستكون كارثة فعلا لو كان والدها
لذلك أبعدها “يوسف” عنه بأقصي ما إستطاع من لطف و قال :
-ميرا . حبيبتي مش قولنا هناخد بالنا من تصرفاتنا ؟ بليز إقعدي عدل
عبست “ميرا” و هي تنظر له قائلة :
-مالك يا چو ؟ خايف من إيه إحنا مش بنعمل حاجة غلط
يوسف : عارف إننا مش بنعمل حاجة غلط . بس لو حد شافنا و إنتي لازقة فيا كده هيفهم غلط
تأففت “ميرا” و هي تقول بضيق :
-أوك أما نشوف أخرتها .. و إعتدلت في جلستها
ليتنهد “يوسف” بإرتياح ، ثم يقول لها مداعبا :
-خلاص بقي . فكي أنا مش قصدي أبعدك عني يا حبيبتي . لو كان عليا أنا عايز أخدك في حضني علطول بس إنتي عارفة الظروف
ضغطت علي شفتاها بنفاذ صبر و طويت ذراعيها فوق صدرها ، ليكمل بحزن :
-خلاص بقي يا قلبي . إنتي أكيد مش مضايقة أكتر مني .. أنا نفسي نبقي براحتنا أكتر منك بس أنا خايف علي علاقاتنا . باباكي خطير جدا يا حبيبتي مش عايزه يحس إني بتحداه أو واقف قصاده
تنهدت “ميرا” و قالت بهدوء :
-خلاص يا چو . خلاص أنا فهمتك
يوسف بإبتسامة : الحمدلله . طيب مش هتشربيني حاجة بقي ؟ و لا إنتي مش بتهتمي بالضيوف و لا إيه ؟!
ضحكت “ميرا” ثم قالت برقة :
-لأ طبعا بهتم . 5 Minutes و هيبقي عندك أحلي iced coffee .. و مالت صوبه مقبلة إياه علي فمه
سرت رعدة خفيفة في عروقه ، لينظر لها مؤنبا عندما إبتعدت عنه ..
ميرا بشقاوة : Hot يا حبيبي .. و فرت من أمامه
إبتسم “يوسف” و هو يهمس لنفسه :
-مجنونـة الفرسة الأمريكاني !
……………………………………………………………………….
كانت “ميرڤت” في ضيافة “وفاء” … عندما نزلت “يارا” مرتدية فستان قصير بلون سماوي مائل للبياض
جمعت شعرها في جديلة أنيقة و وضعت القليل من مساحيق الزينة لتبدو أقل شحوبا بعد الليلة القاسية التي عاشتها ..
-مامـا ! .. هتفت “يارا” و هي تقبل علي والدتها بتلهف
قامت “ميرڤت” فاتحة ذراعيها لتسقبل بينهما إبنتها ، ثم قالت و هي تمسح علي شعرها بحنان :
-روحي . قلبي يا أحلي عروسة .. عاملة إيه يا حبيبتي ؟
يارا مغالبة غصة تضغط علي صوتها :
-كويسة يا ماما . إنتي وحشتيني أووي
ميرڤت و هي تضحك :
-يا بكاشة . ده إنتي يدوب بعدتي عني يوم واحد
-ما دايما العرايس كده يحنوا لأحضان أمهاتهم بسرعة ! .. قالتها “وفاء” مازحة
فإنتبهت “يارا” لوجودها و إبتعدت عن أمها قليلا ..
ميرڤت و هي تربت علي كتف إبنتها :
-و الله ده إللي مفتقداها جدا . مش متعودة تنام بعيد عني
وفاء بإبتسامة : سنة الحياة بقي يا ميرڤت هانم . يلا أسيبكم لوحدكوا بقي . عن إذنكوا
ميرڤت : إتفضلي !
ذهبت “وفاء” لتستأثر “ميرڤت” بإبنتها علي الفور :
-إيه يا روحي طمنيني . عملتي إيه ؟!
يارا و قد علا الضيق وجهها :
-ماما من فضلك أنا مش جاهزة لأي إستجواب
ميرڤت بدهشة : مش لازم إطمن عليكي يابنتي ؟
يارا بنفاذ صبر :
-إطمني يا ماما إطمني
ميرڤت بإلحاح : يعني إنتي كويسة ؟؟!!
زفرت “يارا” بإختناق و قالت :
-كويسة يا ماما الحمدلله .. و من داخلها كانت تحترق
ميرڤت بإبتسامة : الحمدلله يا حبيبتي . ألف مبروك . و عيني عليكي باردة الجواز نور وشك
لوت “يارا” فمها بإبتسامة ساخرة و في عقلها تقول ” هو كده منور يا ماما ! ياريتني ما حطيت مكياچ بقي كان هيبقي منور أكتر ”
و أتي “سفيان” في هذه اللحظة صائحا بترحيب شديد :
-أهلا أهلا . و أنا أقول البيت نور ليه ؟ شرفتينا يا ميرڤت هانم .. و مد يده ليصافحها ثم يقبلها كعادته
ميرڤت بحبور : ده نورك و الله يا باشا . ما شاء الله عليكوا إنتوا الإتنين قلبي رفرف من الفرحة كده لما جيت و شوفتكوا كويسين . إن شاالله تبقوا كويسين علطول يا رب
سفيان بإبتسامة : إحنا بقينا كويسين لما شوفناكي . إتفضلي أقعدي واقفة ليه ؟
و جلسوا ثلاثتهم …
-إنتي بقي هتتغدي معانا إنهاردة .. قالها “سفيان” بجدية
ميرڤت : لأ غدا إيه ؟ ده أنا عندي نظر و إنتوا لسا عرسان ماليش لازمة الفترة دي خالص .. و ضحكت
ضحك “سفيان” هو الأخر و قال :
-لأ إزاي ده إنتي علي راسنا و الله و هتتغدي معانا إنهاردة ده قرار مش هتنازل عنه .. ثم نظر لزوجته مكملا :
-ما تقولي حاجة يا يارا
رمقته بنظرة حادة للحظة ، ثم نظرت لأمها و قالت مبتسمة :
-أقعدي إتغدي معانا يا ماما . عشان خاطري إنتي وحشاني أوي
ميرڤت بلطف : يا حبيبتي مش عايزة أتقل عليكوا
سفيان بعتاب : كده يا ميرڤت هانم ؟ إحنا في بينا الكلام ده ؟ و الله زعلتيني
ميرڤت بإسراع : لأ و الله أنا مقدرش أزعلك . حقك عليا يا باشا
سفيان : يبقي هتتغدي معانا
إبتسمت “ميرڤت” و قالت بإستسلام :
-خلاص هتغدا معاكوا
……………………………………………………………………….
يلج “سامح” بسيارته إلي ڤيلا آل”داغر” عابرا البوابة الضخمة ، كان يخاطب “وفاء” عبر الهاتف ..
سامح بفتور : خلاص يا وفاء أنا وصلت . دقيقة بالظبط .. و هو سفيان عندك ؟ .. طيب أنا رايحله علطول .. خلاص قولتلك هفاتحه إنهاردة .. يلا باي
و أغلق معها …
ركن سيارته بوسط الباحة ، كاد يمضي صوب باب المنزل ، لكن إستوقفه مشهد أثار جنونه بدون مقدمات
كان عبارة عن “يوسف” و “ميرا” .. الفتاة تجلس علي الأرجوحة ملقية برأسها للخلف و يبدو أنها تنازع ألما ما ، بينما “يوسف” جالسا بجوارها يتحسس فخذها بكلتا يداه بشكل بطيئ و حميمي جدا
صعد الدم لرأس “سامح” و لم يشعر بنفسه إلا و هو ينطلق كرصاصة صوبهما لا يلوي علي خير أبدا …
………………
-يوسف خلاص هي مش بتوجعني ! .. قالتها “ميرا” بصوت متألم ، ليرد “يوسف” بضيق ممزوج بالصرامة :
-إسكتي بقي يا ميرا . حد يعمل إللي عملتيه ده ؟ توقعي الـHot chocolate عليكي إنتي طفلة صغيرة يعني ؟! .. و واصل صب المياه الباردة علي فخذها المصابة و هو يدلكها بلطف
ميرا بعبسة واهنة :
-مش كان قصدي هو فلت مني لوحده !
تنهد “يوسف” ثم قال بحنان :
-معلش . بس تبقي تاخدي بالك بعد كده بقـ آ . اا .. و بتر عبارته
لترفع “ميرا” رقبتها و تنظر نحوه بإستغراب ، سرعان ما تحول للصدمة عندما شاهدت “سامح” يمسك بتلابيب “يوسف” و يجتذبه صائحا :
-إنت بتعمل إيــه يا كلـب ؟؟؟ و حياة أمك لأجيب خبرك إنهاردة .. و سدد له أول لكمة علي أنفه
لهث “يوسف” متألما و هو يرتد للخلف ثم يسقط علي ظهره واضعا يده علي أنفه النازف ، كانت عيناه متسعتين بفعل الصدمة و الدهشة ، بينما صرخت “ميرا” بذعر و قفزت واقفة علي قدميها
لكنها لم تنجح في الوصول إلي “يوسف” قبل أن يمسكه “سامح” مجددا و يشده ليقف ثانيةً ثم ينهال عليه بمزيد من اللكمات و هو يقول عبر أسنانه المطبقة :
-أنا هاوريك يا و×× حسابك معايا أنا المرة دي
إزداد صراخ “ميرا” و حاولت الوقوف بينهما ، حاولت درء “سامح” عن حبيبها الذي لم يحاول حتي الدفاع عن نفسه ، ظلت تصرخ و قد طفرت الدموع من عيناها و إنهمرت
و لكن لم يتوقف “سامح” و أسقطه علي الأرض جاثما فوقه ليشوه وجهه الجميل بقبضته الفولاذية الحاقدة
كانت “ميرا” في حالة إنهيار تام ، لولا وصول “سفيان” قبل أن يحطم “سامح” فك المسكين “يوسف” …
أمسك بكتفاه و شده بالقوة و هو يصيح :
-بـــــس يا سـآااامح .. سيبـه . كفـاية
و هنا ركعت “ميرا” بجوار “يوسف” و أخذت تمسد بكفاها علي وجهه و هي تقول بصوتها الباكي :
-OMG !
يوسـف . حبيبي .. يوسف إنت كويس . رد عليا بلييييز
لكن الدوي القارع في رأسه أعجزه عن الرد عليها ، ليزداد نحيبها حدة ، ثم ترفع وجهها نحو “سامح” و تصرخ بغضب شديد :
-سآاااامح إنت حيوآااان . متخلف
I Hate You !!
-إنت إتجننت يا سامـح ؟ إللي إنت عملته ده ؟! .. قالها “سفيان” بصياح غاضب ، ليرد “سامح” بإنفعال و هو يلهث بعنف :
-إنت إللي نايم علي ودانك يا باشا . قولتلك لو سبت للواد ده الحبل علي الغارب هيلف علي بنتك من وراك ماصدقتنيش . إسألها كان بيعملها إيه دلوقتي .. و أشار إلي “ميرا”
قطب “سفيان” حاجباه بشدة ، ثم نظر لإبنته مطالبا إياها بتفسير لكلام “سامح” .. و لكنها تجاهلت كل شيء الآن و وجهت إهتمامها كله إلي ذلك الشاب المظلوم
هذه المرة حقا مظلوم …. !!!!!!!!!!
يتبـــع …
الفصل السادس والعشرون
~¤ تمرد ! ¤~
كان “سفيان” يملأ غرفة مكتبه صياحا ، عندما ولجت الخادمة و وضعت فنجانين من الشاي ثم خرجت مسرعة و هي لا تجرؤ أبدا علي رفع ناظريها لملاحظة أي شيء
كان جسمها ينتفض و تنفست الصعداء فور أن أغلقت الباب خلفها ، لتخف الضوضاء نسبيا .. و لكن بالداخل !!!
-إنت لأول مرة بتتصرف منغير ما ترجعلي . حتي لو كان الواد عملها حاجة كنت المفروض تيجي و تقولي أنا الأول مش تتصرف بهمجية من دماغك
هكذا جأر “سفيان” بصوت يصم الآذان و هو يخاطب صديقه “سامح” الجالس أمامه بوجه عابس مكفهر ..
-و أنا لأول مرة أشوفك حاطط إيدك في الماية الباردة يا صاحبي .. قالها “سامح” بسخرية ، و تابع بإنفعال :
-إنت سايب الواد براحته . سايبله السايب في السايب علي الأخر و عامل فيها بتفهم أووي
سفيان بغضب : إنت إللي إيدك سابقة عقلك لو كنت صبرت شوية كنت فهمت إللي حصل . كنت فهمت إللي عمله لو كنت سألت ميرا زي ما أنا عملت
سامح بعصبية : و أنا كنت لسا هسألها ؟ و أنا شايفه بيحسس عليها و مش همه ! إنت نفسك لو كنت شوفت المنظر ده كنت هتولع فيه
صمت “سفيان” للحظات يطالعه بنظرات مبهمة ، ثم قال :
-مش عارف هتصرف معاك إزاي . لو إللي في دماغي طلع صح .. بجد محتار !
تلاشي إنفعال “سامح” ليقول بعدم فهم :
-قصدك إيه يعني ؟!
-أنا طول الوقت بحاول أكدب إحساسي ! .. قالها “سفيان” و هو يميل صوبه و قد غدت عيناه أكثر قتامة ، و أكمل :
-مش متخيل أصلا إنك ممكن تحط عيلة صغيرة زي دي في دماغك . و دي كمان مش أي عيلة .. دي بنتــــي يا ســــامـح
نظر له بصدمة و إزدرد لعابه و هو يرد بحدة مغالبا توتره :
-إيه إللي إنت بتقوله ده ؟ أنا هبص لبنتك ؟ دي زي بنتي بالظبط . ده أنا أكبر منك إنت إتجننت يا سفيان !!!
سفيان بهدوء خطير :
-إنت عارف إني ماعنديش عزيز يا صاحبي . و حتي لو كنت الأخ و الصديق . لو كنت دراعي اليمين و فكر يخوني .. هقطعه
إحتقنت نظرات “سامح” و هو ينظر له بقوة ..
زم شفتاه بغضب و قام من مكانه بعنف و هو يقول بغلظة :
-أنا مش هرد عليك و لا هخوض أكتر من كده في الجدال المقرف ده . بس هقولك حاجة واحدة قبل ما أمشي من هنا و ماتشوفش وشي تاني .. أنا من يوم ما عرفتك و دخلت بيتك و أنا كنت أمين علي عرضك و أسرارك . و بعد العمر ده لما تيجي تتهمني التهمة دي يبقي أنا إللي كنت فاهم العلاقة بينا غلط . إحنا دلوقتي بنتعامل كمحامي و عميل عنده . بس أنا بقي هفسخ عقدي معاك و إبقي شوفلك محامي غيري يا سفيان بيه . الخاين الو×× إللي هو أنا مش هعتب باب بيتك ده تاني . مش هتشوفني صدفة حتي لا إنت و لا أي حد يخصك و ربنا يباركلك في الصهر المستقبلي إن شاالله يطلع أد الثقة و يصون شرفك .. عن إذنك !
و شد سترته الملقاة علي ظاهر الكرسي و ذهب صافقا الباب ورائه بعنف …
لم تتبدل حالة “سفيان” بعد رحيله ، ظل علي صمته و هدوئه الغامض ، بضع دقائق ، كان يفكر
إلي أن جاءت “وفاء” ..
-إنت عملت إيه لسامح يا سفيان ؟ .. تساءلت بحدة واضحة ، ليلتفت لها قائلا :
-هو خرج يشتكيلك ؟ .. كانت نبرته ساخرة
وفاء بجمود : لأ مخرجش يشتكيلي . كان واخد في وشه و ماقاليش إلا كلمة واحدة بس .. مش هتشوفوا وشي تاني
عملتـلــه إيــه يـا ســـفيان ؟؟؟؟؟
سفيان ببرود : مش شغلك يا وفاء . أنا محدش يلغيني و يتصرف من دماغه و في بيتي كمان . دي أقل حاجة عملتها معاه و من فضلك مش عايز كلام تاني في الموضوع ده
وفاء بإستنكار : يعني إيه إللي بتقوله ده ؟ كل ده عشان إتخانق مع يوسف ؟ ده جزاؤه يعني إنه كان فاكره بيضايقها ؟ .. و أكملت بغضب :
-ثم إن ده كله مايخصنيش فعلا ؟ و إنت مش من حقك تتحكم في مصيري و ترفض جوازنا عشان غلط في خطيب بنتك . لو كده إطلع منها يا سفيان و أنا و هو هنتجوز بعيد عنك
حملق فيها بدهشة و قال :
-إنتي بتقولي إيـه ؟؟!!
وفاء بصرامة : إللي سمعته . أنا و سامح هنتجوز
أنا مابقتش صغيرة و محدش واصي عليا و كفاية إني عايزاه و هو عايزني أي حاجة تانية ماتهمنيش
سفيان بنفس الدهشة :
-سامح إتفق معاكي علي الجواز ؟!
وفاء بإستهجان : نعم ! أومال إنت مشيته زعلان ليه ؟ مش رفضته عشان كده مشي و هو مش شايف قصاده ؟ .. و أردفت بغيظ :
-بس أنا غلطانة . أنا واحدة ست كبيرة و قراراتي المفروض أخدها لوحدي . بس حبيت أكبرك يا أخويا رغم إنك أصغر مني
رفع “سفيان” حاجبه و قال :
-هو إيه حكاية السن معاكوا إنهاردة عايز أفهم ؟ واحد يقولي أنا أكبر منك و التانية تقولي أصغر مني !
-لا أصغر و لا أكبر .. قالتها “وفاء” بلهجة قاطعة ، و تابعت بثقة :
-أنا و سامح هنتجوز يا سفيان . هو جالك إنهاردة عشان يطلب إيدي و إنت رفضته .. بس بردو هنتجوز سواء رضيت أو لأ . أنا بحبه . سامح هو الراجل إللي عشت طول عمري بحلم بيه و مش هسمح لمخلوق يفرق بيني و بينه . أتمني تكون فهمتني
و قطعت إتصالهما البصري و إستدارت مغادرة …
ليتنهد “سفيان” متمتما :
-غلبان و الله يابن الداغر . الكل جاي عليك ! .. و ضحك
……………………………………………………………………….
علي مائدة الغداء …
جلست “يارا” بجوار أمها راسمة تلك الإبتسامة الزائفة علي ثغرها ، كانت تضايفها و تهتم بها حتي شعرت بالنفور من نفسها .. إنها تلعب دورا بغيض ، لكنها في نفس الوقت مجبرة
لو حيدت عنه من يدري أنها تفعل الصواب ؟ لقد هددها و إنتهي الأمر ، طالما لا تملك دليل إدانته فهي غير مسموح لها بإفشاء أي سر صارحها به
و إلا ستكون حياة أمها و عائلته كلها في خطر ، هذا ما قاله .. و بحدسها إستطاعت تبين أنه يقصد و يعني كل كلمة قالها ، نعم يستطيع أن يفعل أي شئ
من سيمنعه لو أراد ؟؟؟؟ هي !!
-أنا آسف جدا جدا ! .. قالها “سفيان” هو يلج إلي غرفة الطعام بخطوات واسعة
إلتفتت “ميرڤت” له و قالت مبتسمة :
-حمدلله علي السلامة يا باشا . خير إن شاء الله
سفيان و هو يجلس علي مقعده الرئيسي :
-خير يا ميرڤت هانم . كان في مشكلة برا عند الآمن . حلتها خلاص . المهم أنا بعتذر بجد إني إتأخرت عليكوا أكيد الأكل برد
ميرڤت بلطف : لأ خالص ده لسا واصل و إنت جيت في وقتك
سفيان بإبتسامة : طيب الحمدلله . يلا بقي بسم الله
و من فضلك إعتبري البيت بيتك أنا أكيد مش هعزم عليكي
-ماتقلقش أنا هعرف أهتم يكل حاجة ! .. كان هذا صوت “يارا”
نظر “سفيان” نحوها مخفيا دهشته بقرارة نفسه ، أومأ رأسه قائلا بهدوء :
-أوك يا حبيبتي . و أنا واثق فيكي جدا
نظرت له و هي تغتصب إبتسامة ، ثم قامت مادة جسدها عبر الطاولة و بدأت في توزيع الأصناف علي طبقه و طبق والدتها
كان أمر مدهش ، لكنه كان يعلم كل شئ ، بل و شاركها في مجريات المسرحية خلال الساعات اللاحقة …
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
كان “يوسف” ممدا ، يستريح في الجناح المخصص للضيوف الذي يطل علي الحديقة الخلفية …
كانت “ميرا” بجانبه ، تتأمل وجهه المضمد بقطع الشاش و القطن و دموع الحسرة ملء عيناها ، أطلقت زفرة نائحة و هي تخفض رأسها و تسند جبهتها علي صدره
فتح عيناه في هذه اللحظة ، رفع يده و ربت علي كتفها و هو يقول بصوت ضعيف :
-ميرا . أنا كويس يا حبيبتي .. بليز ماتعيطيش
ميرا بصوت كالأنين :
-سامح ده متوحش . مش إنسان .. إزلي يعمل فيك كده !!
ضحك “يوسف” بعناء و قال :
-ده كده كان بيطبطب عليا . بالمقارنة بسفيان بيه . إنتي ماشوفتيش أبوكي عمل فيا إيه يوم ختك الديسكو .. بصراحة أنا إنتفخت من العيلة دي حاسس إني عمري قصير معاكوا
ميرا و هي تحتضنه بقوة :
-محدش يقدر يعملك حاجة تاني . Trust me ماتخفش حبيبي
يوسف : أنا مش خايف يا حبيبتي . و ماتقلقيش أنا كويس .. أهم حاجة إن باباكي فهم الحقيقة
نظرت له و قالت و هي تمسح دموعها في كم كنزتها :
-أيوه عندك حق . لو مش كنت وريته مكان الحرق مش كان هيصدق .. و أردفت بحنق :
-بس سامح ده أنا مش هسكتله . لازم أخلي دادي يطرده
يوسف بإسراع : لأ يا حبيبتي الله يخليكي . ماتتكلميش في إللي حصل تاني إحنا ما صدقنا باباكي جه في صفنا مرة مش عايزين نخسره
ميرا بتبرم : يعني أسيبه كده بعد إللي عمله فيك !!
يوسف : معلش . باباكي بردو ماسكتش . إنتي ماشوفتيش زعقله جامد إزاي
نظرت له بعدم رضا ، لكنها قالت :
-أوك . عشانك إنت I’ll just بعيد عنه . مش هكلمه خالص
يوسف بإبتسامة : ماشي ياستي . ممكن بقي تمدي إيدك في جيب البنطلون و تطلعيلي موبايلي عشان أكلم السواق يجي ياخدني ؟ مش قادر أسوق و أنا في الحالة دي
ميرا بجدية : خليك هنا إنهاردة . نام هنا دادي مش هيقول حاجة
يوسف و هو يضحك :
-لأ ونبي . عايز أروح من بيت الرعب ده
لو قعدت شوية كمان هموت
ميرا بتلهف : بعد الشر عنك حبيبي
يوسف بإبتسامة حب :
-إنتي إللي حبيبتي و الله . يا مزتي
ميرا و هي ترد له الإبتسامة :
-لأ يا بيبي أنا بحبك أكتر من أي حد
يوسف بتساؤل : أكتر من بابا ؟!
ميرا بثقة : أكتر من بابا Yeah .. و أكملت و هي تشبك أصابعها في أصابعه :
-You’re My all now …… !!!!!!!!!
يتبــــع ….
الفصل السابع والعشرون
~¤ مقاومة ! ¤~
دقت الساعة الحادية عشر مساءً …
عندما وضعت “ميرڤت” فنجان قهوتها علي الطاولة و نظرت نحو إبنتها و زوجها قائلة :
-يـاااه . أوام 11 ! ده يدوب أمشي بقي . ده معاد نومي عدا أصلا .. و ضحكت
سفيان و هو يطفئ سيجاره بمنفضة قريبة :
-تمشي إيه يا ميرڤت هانم ؟ إنتي بايتة معانا إنهاردة إستحالة أسيبك تمشي
ميرڤت : يا خبر أبيض بيات مرة واحدة ؟ لأ يا باشا أعذرني مش هقدر . أنا مش برتاح غير في بيتي بصراحة
سفيان بعتاب : يعني هو ده مش بيتك بردو ؟!
ميرڤت بلطف : بيتي طبعا بس آ ..
-مابسش ! .. قاطعها بصرامة ، و أردف بجدية :
-هتباتي الليلة دي هنا . في جناح مخصوص للضيوف و هتبقي علي راحتك خالص كأنك في شقتك بالظبط
و الصبح بعد الفطار لو حبيتي تمشي هخلي السواق يوصلك مافيش مشاكل
نظرت “ميرڤت” بإتجاه إبنتها ، لتكتفي “يارا” برفع كتفاها و النظر للجهة الأخري تاركة لأمها حرية القرار ..
تنهدت الأم و قالت بإستسلام :
-خلاص يا سفيان باشا . إللي تشوفه !
و ظهرت “ميرا” في هذه اللحظة …
-ميرا ! تعالي يا حبيبتي .. صاح “سفيان” و هو يشير لإبنته بالقدوم إليه
أقبلت “ميرا” علي والدها مبتسمة ، مد يداه و إجتذبها لتجلس فوق قدمه ، أخذ يمسح علي شعرها الطويل بحنان ثم قال :
-يوسف روح و لا لسا ؟
ميرا بصوتها الرقيق :
-أه روح دادي . السواق بتاعه جه و أخده .. و أكملت بعبوس :
-بس إنت لازم تعاقب سامح
-ميـرا ! .. تمتم “سفيان” و هو يزجرها بتحذير ، و أردف :
-نتكلم بعدين يا حبيبتي . المهم دلوقتي عايزك تاخدي ميرڤت هانم علي الجناح إللي كان فيه يوسف . لو في أي كركبه خلي الخدم يشوفوه فورا أنا هعتمد عليكي في المهمة دي
ميرا بإبتسامة : أوك . Don’t worry .. و حنت رأسها لتطبع قبلة علي خده
كانت “يارا” تجلس و تشاهد كل هذا بتعجب شديد ، علاقة الأب بإبنته تبدو طبيعية و مستتبة جدا .. و الفتاة كالملاك ، بنظراتها البريئة و حركاتها العفوية و وجهها البيضوي الطفولي
حقا ياللعجب ، شيطان ينجب ملاكا !!
-أنطي ميرڤت Please Follow me .. قالتها “ميرا” و هي تقف علي قدميها و تسير عدة خطوات للأمام
قامت “ميرڤت” من مكانها ، لتقوم “يارا” أيضا .. مضت صوب أمها و لمست كتفها قائلة :
-تصبحي علي خير يا ماما ! .. كانت تجاهد لرسم تلك الإبتسامة البسيطة علي ثغرها
ميرڤت و هي ترد لها الإبتسامة :
-و إنتي من أهل الخير يا حبيبتي .. ثم نظرت نحو “سفيان” :
-تصبح علي خير يا باشا
سفيان بلباقته المعهودة :
-و إنتي من أهله يا هانم . أشوفك الصبح إن شاء الله
و بعد ذهاب الأم … لا تنتظر “يارا” لحظة إضافية ، تنطلق كالسهم بإتجاه الدرج ، يكفيها قضاء اليوم كله تمتهن التمثيل و تتعامل مع ذلك الوغد كما لو أن لا شئ حدث
صعدت إلي غرفة النوم مسرعة ، ليقوم “سفيان” و يلحق يها متمهلا .. و كأنه لا يعيش الحالة العصبية التي تخوضها زوجته
إن أعصابه فولاذية ، الثقة تغمره بالطبع …
وصل إلي الغرفة ، ليجدها قد إتخذت من الآريكة الصغبرة المسطحة مهجعا لها
إبتسم بإلتواء و مشي ناحيتها ..
-إنتي بتعملي إيه هنا يا حبيبتي ؟! .. قالها “سفيان” بتساؤل ، لتشد “يارا” الغطاء حتي ذقنها و هي ترد بحدة :
-أنا من إنهاردة هنام هنا علي الكنبة دي . مش عايزة أي إحتكاك يحصل بيني و بينك و طول ما إحنا لوحدنا ماتتكلمش معايا أحسنلك
سفيان و هو ينحني صوبها هامسا :
-أيوه يا حبيبتي بس الكنبة دي صغيرة و ناشفة أوي عليكي .. و حاصرها بين يديه
يارا مغالبة توترها :
-بقولك إبعد عني . أنا علي أخري و الله و مش طايقة حاجة . هــنفجــر !
-بعد الشر عليكي يا حياتي .. غمغم بنعومة ، ثم غافلها و حملها بسهولة ، خلال ثانية واحدة كانت مرفوعة بالهواء
لتستقر بالقرب من صدره …
-إنت بتعمــل إيــــــه ؟؟؟ .. صرخت “يارا” بإحتجاج و هي ترفس الهواء بقدميها و تلكمه بقبضتيها علي كتفاه و صدره
سفيان ببرود : أنا مقدرش أنام بعيد عنك يا قلبي . معقول عايزة تسبيني في السرير لوحدي و إحنا لسا في شهر العسل !
يارا بغضب : بقولك إيـه . إنت تنسي إنك ممكن تجبرني تاني علي حاجة أنا مش عايزاها . المرة دي مش هسكتلك فـآااهم ؟؟!!
سفيان بسخرية : أي حاجة هتعمليها هتأذيكي إنتي . و كمان ماتنسيش إن مامتك هنا يعني لو صوتك طلع زي إمبارح كده هيوصلها و هتعرف كل حاجة . ما إنتي ما شاء الله فضحتينا إمبارح و مش مستبعد إن صوتك وصل برا للآمن إللي علي البوابات
عضت علي شفتها السفلي بقوة شاعرة بالخزي و المرارة ، بينما وضعها فوق الفراش الوثير مكملا :
-عليكي حنجرة ذهبية الله أكبر يعني . بس بليز خليكي هادية الليلة . أصل كده كده أنا مش هاسيبك فبلاش تتعبي نفسك منغير فايدة .. و راح يمسد عنقها بأصابعه الغليظة
أخذت “يارا” تقاوم يداه و هي تقول بإشمئزاز :
-إنت لو عندك ذرة كرامة كنت حسيت علي دمك و بعدت عني . إنت إيــــه ؟؟؟ جبلة مابتحسش !!
أومأ “سفيان” قائلا بإبتسامة مستفزة :
-أيووه بالظبط كده . أنا جبلة و مابحسش .. إرتحتي ؟
يارا بهسيس مستعر :
-لأ . مش هرتاح إلا لما أشوفك مذلول قدامي .. لما أشوف أخرتك السودة أوعدك إني هرتاح
سفيان و هو يضحك :
-أوك . و أنا مش حرمك من الفرصة دي و قولتلك لو لاقيتي دليل واحد ضدي هاسيبك تروحي تبلغي عني في أكتر من كده ؟ .. و أكمل بحرارة :
-المهم دلوقتي خلينا نشوف البلاغ المتقدم في قلبي ده . دي إستغاثة . نداء عاجل غير قبل للتأجيل
ما كان لديه أي تردد كالمرة السابقة ، إلتفت ذراعاه حولها و شدتاها إلي ظلمة صدره ، ضغط بشفتيه علي وجنتها ، ثم علي فمها
لتحس بأنفاس الساخنة تبعثر خصيلات شعرها عندما تكلم من جديد :
-إنتي عارفة إنك أحلي ست دخلت حياتي من سنين ؟ بعد أم ميرا أيام كانت لسا زي الزهرة إللي بتفتح . بس إنتي أحلي بكتيييير بردو . كفاية إنك مليا حضني و طرية زي المارشيمللو كده
كانت “يارا” حابسة أنفاسها ، كانت تحاول دفن مشاعرها الآن .. لعلها تنجح هذه المرة في عدم تسجيل اللحظات القاسية التي تمضيها معه
فهي تريد محوه تماما فور خروجها من هنا ، صوته ، وجهه ، رائحته .. كل شيء
و مرة أخري أطبقت جفنيها بقوة
حتي لا تراه ، لكنها كانت تشعر به ، و كان حاضرا واقعيا رغما عنها …
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
مرت الأيام ، لم يطرأ علي أحد أي تغيير … سوي الكراهية التي أخذت تتزايد عن “يارا” تجاه زوجها
و الشقاق الذي أصاب علاقة “وفاء” بـ”ميرا” …
لم تعثر “يارا” علي الدليل الإدانة بعد ، و لم تنسي “وفاء” أن “ميرا” و خطيبها هم من تسببا في فراق “سامح” عنها
لم يكترث أحد لمعاناتها و حزنها ، و قد أتي الفتي بوالده و تم تحديد يوم الخطبة .. ستعقد خطبة “ميرا” عل حبيبها الذي لم تلبث معه سوي عدة أشهر قليلة
بينما إفترقت “وفاء” عن رجل عمرها الذي قضت معه سنوات حب و عشق بلا حدود ، هكذا بمنتهي السهولة إنتهي كل شيء !!
………
في الصباح ، كان النشاط يغمر “ميرا” ..
أول لعلها طاقة الحب التي دفعتها للإستيقاظ باكرا حتي تذهب و تستلم فستان خطبتها ، فستان خطبتها الذي صمم علي يد أشهر مصممي الأزياء بالبلد كلها
كانت في طريقها إلي الشرفة حيث يجلس والدها كعادته في كل صباح هناك ، إستوقفها صياح عمتها الحاد و جمدت مصدومة ..
وفاء : يعني إنت رايق و بتخطب لبنتك و في ستين داهية أنا ؟؟؟ بنتك إللي إتسببت في خسارة أعز أصحابك و بوظت حياتي من يوم ما جت . لحستلك عقلك يا سفيـــآاان
-وفــــــــاء ! .. هدر “سفيان” بصوت غاضب ، و تابع مزمجرا :
-إكتمي خـآاالص . إنتي نسيتي نفسك و لا إيــه ؟ بتعلي صوتك عليا ؟ إحمدي ربنا إنك أختي مش حد غريب و إلا كنت دفنتك مطرحك .. و بعدين قولتلك 100 مرة أنا محدش يقولي أعمل إيه و ماعملش إيه . سامح أقطع علاقتي بيه و أرجعها أنا حر . بمزآااجي و إنتي لو فارقة معاه أصلا أو أنا كان جه و حاول يصلح الموقف
وفاء منفعلة : إنت بتهـــرج ؟ يجي إزاي بعد ما طردته ؟ ده إنت حتي ما سألتش فيه و هو مابيردش علي أي تليفونات . إنت السبب أنا مش مسمحاك لا إنت و لا بنتك
و إرتعدت “ميرا” عندما خرجت “وفاء” فجأة و إصطدمت نظراتهما …
حدجتها “وفاء” بنظرات فتاكة ، صدر صوت مرعب من حنجرتها ، فإنكمشت “ميرا” خائفة و أخفضت بصرها بسرعة
ذهبت “وفاء” من أمامها ، لترفع وجهها الذي إستحالت تعابيره المنفرجة لخطوط حزينة كئيبة ..
نظرت بإتجاه الشرفة و مشت صوبها بخطوات متثاقلة
شاهدت أبيها جالسا بالداخل ، لم يقل مزاجه عنها في شيء ، فقط مع إختلاف المشاعر و قناع العبوس الذي طبع علي وجهه …
-دادي ! .. قالتها بصوت شبه هامس
تطلع “سفيان” إليها و قال :
-حبيبتي . صباح الخير يا ميرا .. تعالي
مضت صوبه و هي تقول :
-إنت كنت بتزعق في أتطي وفاء ليه ؟!
شد “سفيان” علي شفتاه و قال بلهجة متحفظة :
-ماكنتش بزعق . كنا بنتناقش في حاجة و عمتك صوتها عالي أصلا .. ماتشغليش بالك
صمت قصير … ثم قالت بتردد :
-أنا السبب صح ؟ سامح و أنطي وفاء كانوا هيتجوزوا و أنا إللي عملت المشاكل دي !!
نظر “سفيان” لها و قال بجدية :
-مش إنتي السبب طبعا . ماتحطيش الكلام ده في دماغك موضوع سامح و عمتك يخصهم و يخصني إنتي برا القصة خالص
ميرا بحزن : طيب أنا ماكنتش أقصد . بليز دادي أعمل حاجة و صالحهم آ ا ..
-قولتلك إنتي برا الموضوع ! .. قاطعها بصرامة ، و أكمل :
-مالكيش دعوة بأي حاجة بتدور هنا و خليكي في نفسك . المشاكل دي أنا إللي بحلها .. أو مابحلهاش علي حسب ما أنا شايف
نظرت له بغير رضا …
لكن واتتها الفكرة بلحظة ، لم يتبقي علي الخطبة سوي يوم واحد … و هذا كاف جدا ، إذا كانت هي من أفسد كل شيء ، فهي أيضا من سيصلح كل شيء ، ستتنازل هذه المرة لأجل عمتها
“سامح” سيعود ، و هي التي ستأتي به …
-أوك دادي ! .. قالتها “ميرا” بإبتسامة بريئة ، و أردفت :
-أعمل إللي تشوفه صح …….. !!!!!!!!!!!
يتبــــــع …
الفصل الثامن والعشرون
~¤ زيارة ! ¤~
في الواحدة ظهرا ، وسط الهدوء المطبق و الفراغ و السكون السائد …
يدق جرس المدرسة فجأة معلنا عن إنتهاء اليوم الدراسي ، لينفجر صياح الطلاب و تبدأ الأروقة و المخارج بالإزدحام
فيكون الظهور الإستثنائي لتلك المجموعة الفاترة ، من بينهم يسهل تمييز “يوسف” و “ميرا .. سارا جنبا إلي جنب متشابكي الإيدي ، هي تميل برأسها علي كتفه و هو يلتفت من حين لأخر ليتنشق عبق شعرها الجميل
ودعوا أصدقائهم أمام بوابة المدرسة ، لتقف “ميرا” أمام السيارة المخصوصة التي تقلها كل يوم إلي هنا ثم تعيدها مجددا إلي منزلها
ما زالت تمسك بيد “يوسف” ..
إبتسم الأخير لها و قال بصوته الهادئ :
-إيه يا قلبي ! هتروحي علطول ؟
ميرا بإبتسامتها الرقيقة :
-Yeah . هاروح فين يعني ؟ علي البيت علطول
-طيب إبقي طمنيني لما توصلي .. تمتم “يوسف” و هو يرفع أنامله ليزيح خصلة تهدلت فوق عينها
ميرا : أوك . بس ماتنساش معادك بعد ساعة عند الـFashion House بدلتك خلاص جاهزة
يوسف بحماسة : مش ناسي طبعا إنتي بتهزري ؟ ده بكره هيبقي أحلي يوم في عمري . و إنتي هتكوني أجمل Princess في الكـوون .. و حني رأسه ليقبل يدها
ميرا و هي تضحك :
-و دادي لو شافك ماسك إيدي كده بكره هتاخد بوكس في وشك و الحفلة هتبوظ
يوسف بثقة : لأ يا حبيبتي ده كان زمان الوضع دلوقتي مختلف . ده أنا بكره هعمل أكتر من كده و هتشوفي محدش هيقدر يتكلم إزاي
ضحكت “ميرا” ثانيةً و رمت بذراعيها حول عنقه لتحتضنه ، ثم تباعدا بعد ثوان ..
-بـاي حبيبي ! .. قالتها ” ميرا” مودعة
ليفتح “يوسف” لها باب السيارة الخلفي ، ثم يرتد للوراء و يقف ملوحا لها عندما هدر محرك السيارة و إنطلقت تدريجيا …
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في ڤيلا آل”داغر” …
حالة من الملل و الضيق الشديد تغمر “يارا” .. منذ الصباح و هي تجلس هنا بهذه الغرفة التي تمثل سجنا لها
يومها كسائر أيامها الفائتة ، لا جديد ، إنها هنا له فقط كما أخبرها لا تفعل أي شيء بإرادتها ، و كلما رغبها تكون تحت طلبه شاءت أم أبت
بدأت تعتاد الأمر خاصة عندما إكتشفت إنه يجد في مقاومتها له بعض المتعة و اللذة ، تماما كالقطة عندما تناور فأرا لكنها بالأخير تنقض عليه حاسمة الموقف و تأكله
علاقتها به لا تختلف كثيرا عن هذا ، و لعلها تأمل في العثور علي أي دليل ضده لتكسر قيوده و تطلق سراح نفسها بنفسها …
لفت نظرها و هي تجلس فوق الأرجوحة البيضوية المعلقة بالشرفة ، تلك الكومة من المجلدات الملونة علي سطح منضدة ضخمة بأخر الغرفة
عقدت حاجبيها بإهتمام و قامت من مكانها متوجهة صوب تلك المجلدات ..
إستطاعت أن تتبين من شكلهم إنهم عبارة عن ألبومات صور ، حملتهم بدون تردد و مضت نحو السرير ، جلست متربعة و تناولت أول مجلد و فتحته … لتري في أول صفحاته صورة قديمة بالأبيض و الأسود جمعت بين رجل و إمرأة في لقطة حميمية مبهجة
لم تكن بحاجة للتخمين إنهما والدي زوجها ، حيث التشابه الكبير الذي ورثه عن كلا منهما تستطيع أن تراه بأجزائه المنصفلة في هذين الوجهين
الآن و قد عرفت سر وسامته ، الأم جميلة و الأب حاد القسمات ..
إستغرقت في تأمل الصورة لشدة ما كان فيها من مشاعر نبيلة واضحة وضوح الشمس ، لدرجة أنها لم تنتبه إلي حضوره إلا حين سحب المجلد من بين يديها فجأة
أجفلت لهذا التصرف و تطلعت إليه بإرتباك ..
-واضح إن الصور عجباكي أوي ! .. قالها “سفيان” مبتسما بخبث
إزدردت “يارا”ريقها و ردت بشجاعة :
-أنا لاقيت نفسي زهقانة و بالصدفة شوفت دول
أومأ “سفيان” متظاهرا باللطف و قال :
-طبعا . أنا ماعنديش مانع إنك تتعرفي علي صور العيلة .. بس I prefer إنك تشوفي ده الأول
و أشار للمجلد الزهري المحشور بين أقرانه
رمقته بإستخاف و أشاحت بوجهها للجهة الأخري بدون تعليق ، ليبتسم بمرح ثم يجلس قبالتها علي طرف الفراش ..
-حياتي كلها في الصور دي .. تمتم “سفيان” و هو يسحب المجلد و يفتحه
لكنه لم ينجح في إستمالت “يارا” ، فأردف مبتسما :
-تحويشة عمري . و تعبي و مجهودي و أحلامي .. و نقطة ضعفي الوحيدة !
و هنا إتجهت أنظار “يارا” صوبه ، نظر لها و ضحك قائلا :
-أكيد مستغربة صح ! بس لأ عادي . ماتستغربيش .. و إفهمي دايما إن أي بني آدم مهما كان قوي لازم يكون عنده نقطة ضعف . سلطة مثلا . نفوذ فلوس
ظلت “يارا” منصتة له بوجه جامد خال من التعابير ، ليستطرد و هو يقلب المجلد نحوها :
-بس دي بقي نقطة ضعفي أنا . ميـرا
عاينت “يارا” الصورة الأولي له مع إبنته ، كانت مجرد طفلة حديثة الولادة و كان يحملها بين يديه و علي وجهه أجمل إبتسامة في العالم ، إبتسامة ملائكية لا تناسب إطلاقا وجهه الشيطاني الذي تراه الآن ..
-أنا ماكنتش مخطط أبدا إني أخلف و خصوصا لما كنت في السن ده !
و سلمها مجمع الصور بسهولة حين إمتدت يداها طوعا لتأخذه و تقلب في الصور لتتمعنها أكثر ، ليكمل هو :
-بس لما جت ميرا حسيت بشعور جديد . جديد عليا جدا . حسيت إن أنا إللي إتولدت مش هي .. لما شيلتها بإيدي لأول مرة . لما علمتها تنطق كلمة بابا . لما بضمها لما بسمع صوتها لما ببص في وشها . بحس إني بتولد في كل يوم بيمر من عمرها هي .. جايز حياتي أنا مش الحياة إللي كنت بتمناها لنفسي . بس أنا دلوقتي بعمل المستحيل عشان أخليها أسعد بنت في الدنيا . عشان هي نفسي . من صلبي . وريثتي في كل حاجة . هي أي نعم طايشة شوية . بس أنا بعرف أتعامل معاها كويس و في الأخر هتمشي زي ما أنا مخطط لها
و نظرت له “يارا” في هذه اللحظة …
-إنت مغرور أوي يا سفيان بيه ! .. قالتها “يارا” و هي ترمقه بنظرات تهكمية
-فاكر إن كل خيوط اللعبة في إيدك . و إن كل إللي إنت عايزه هيحصل
سفيان بثقة : ما دي حقيقة يا يارا . أنا مافيش حاجة تقف قصادي . ماينفعش .. أنا سفيان الداغر
يارا بسخرية : طيب ياريت تخلي بالك من بنتك بقي . مش بتقول إنها نقطة ضعفك ؟
سفيان بجدية : محدش يقدر يقرب من بنتي . إستحالة أي شيء في العالم يئذيها و أنا موجود . دي حتي و هي في أخر العالم كانت تحت عنيا و في حمايتي ليل نهار . هتيجي و هي هنا في حضني تتأذي !
يارا بإبتسامة خفيفة :
-مافيش حاجة تعصي علي ربنا . و داين .. تدان
……………………………………………………………………….
كان منهمكا في العمل علي حاسوبه الخاص ، عندما دق هاتف مكتبه و إنتشله من تركيزه علي تلك الرسالة الإلكترونية التي لم تنتهي بعد ..
-ألو ! .. رد “سامح” بلهجة فاترة ، ليأتيه صوت سكرتيرته :
-سامح بيه في واحدة هنا عايزة تقابل حضرتك
سامح و هو يفرك عينه بإصبعه :
-واحدة مين يعني يا سهيلة ؟ إسمها إيه ؟
سهيلة : هي بنت صغيرة كده و بتقول إسمها ميرا الداغر . يمكن تكون من عيلة سفيان بيه العميل بتاعنا !
جمد “سامح” تماما عندما ذكرت السكرتيرة إسمها ، كل شيء فيه توقف لثانية حتي قلبه ..
-ألو يافندم حضرتك سامعني ؟!
أجفل “سامح” و هو يرد بشيء من الإرتباك :
-آ أه سامعك يا سهيلة
سهيلة : طيب أدخلها و لا و لأ ؟
سامح : دخليها طبعا . دخليها دلوقتي
و أقفل الخط و هو يعدل ياقتي قميصه و يمرر يداه ماسحا علي خصلات شعره بسرعة ..
إنفتح باب الكتب في اللحظة التالية ، لتظهر “ميرا” من خلفه ، تقابلت نظراتهما للحظة ثم ولجت “ميرا” و إستدارت لتغلق الباب
إلتفتت نحوه ثانيةً و وقفت بلا حراك ، فقط تنظر له بصمت و علي وجهها تعبير مبهم وتره .. لكنه تماسك ، فرؤيتها وحدها كفيلة أن تنسيه كل شيء بالعالم و ليس فقط مخاوفه …
-أهلا يا ميرا ! .. قالها “سامح” و هو يقوم من مكانه مستعدا لإستقبالها
-إتفضلي واقفة ليه ؟ تعالي إقعدي . نورتي مكتبي
و هنا بزغت إبتسامتها الرقيقة فجأة ، لكنها بقت متحفظة بعض الشئ .. مشت “ميرا” ناحية المكتب و هي تقول بصوتها الناعم الذي يذيب مشاعره :
-أنا مش عارفة جتلك إزاي يا سامح ! بعد إللي عملته في يوسف كنت المفروض أقطع علاقتي بيك Forever . بس Actually مقدرتش .. لأني بحبك يا سامح زي دادي بالظبط و مش ممكن أزعل منك
لوي ثغره بإبتسامة ساخرة و أومأ قائلا :
-Thank you يا حبيبتي
و عموما أنا ماعملتش فيه كده إلا لما شوفته بيتجاوز حدوده معاكي . إنتي كان ليكي رأي تاني خلاص . أنا ماليش دخل .. إتفضلي إقعدي ! … و أشار لأحد المقعدين المقابلين له
جلست “ميرا” في مقعد و رمت حقيبتها المدرسية فوق المقعد الأخر ، ليسألها “سامح” :
-إنتي جاية من المدرسة علي هنا ؟
ميرا : Yup
سامح بإهتمام : باباكي عارف إنك جايالي ؟؟
ميرا و هي تهز رأسها سلبا :
-No , أنا جتلك من وراه
سامح بإستغراب ساخر :
-و جيتي من وراه ليه ؟ المفروض إنك مش طايقاني !
تنهدت “ميرا” تنهيدة مطولة ثم نظرت له و قالت :
-سامح أنا عرفت إنك كنت جاي عشان تطلب أنطي وفاء للجواز . بصراحة أنا حاسة بالذنب .. لو ماكنتش إتخانقت مع يوسف في اليوم ده ماكنش حصل كده بينك و بين دادي و أنطي وفاء هي إللي زعلانة أكتر واحدة . و أنا السبب
و هنا أدرك “سامح” مقصدها ، أدرك غرضها من الزيارة فتنهد و هو يرجع جسمه للخلف مسندا ظهره إلي لوحة الكرسي المبطنة
ركز أنظاره عليها و بقي وجهه صلبا لا إنكماش و لا إرتخاء ، أساخ السمع لها فقط و هو يهز قدمه غير المرئية بعصبية مفرطة …
-بليز يا سامح . أنا خطوبتي بكره .. مش عايزة أفرح و أنطي تكون زعلانة . بليييز تعالي معايا دلوقتي و صالحها دادي كمان مستنيك بس إنت إللي مش عايز تيجي … هكذا راحت “ميرا” تتوسل إليه حتي يذهب معها
لكنه كان يفكر في شيء أخر ، عندما قالت أن الخطبة غدا … هو كان يعرف ذلك سلفا ، لكن تلفظها به الآن أوحي إليه بفكرة جهنمية
فكرة لا يمكن أن تخطر علي بال أبيها نفسه ، فقط لو وافق علي طلبها و ذهب معها إلي البيت ، لن تحوم حوله أي شبهة .. خاصة بعد إثبات حسن نواياه أمام الجميع و بطريقة مقنعة ، “وفاء” تناسب “سامح”
هذا الأكثر واقعية ، و لن ينكره أحد بعد اليوم ، حتي “سفيان” …
-خلاص يا ميرا .. قالها “سامح” مبتسما بوداعة
-أنا هاجي معاكي و هصالح عمتك . و مبروك مقدما يا حبيبتي ! ………. !!!!!!!
يتبـــع …
الفصل التاسع والعشرون
~¤ چوكر ! ¤~
أخرجت “وفاء” حقيبة ملابسها الضخمة أمام باب غرفتها ، عادت إلي الداخل ثانيةً لتحضر حقيبة كتفها المتوسطة ثم خرجت و أغلقت الباب بحركة عصبية
أمسكت بمقبض الحقيبة و علقت الأخري علي كتفها ، ثم مشت بإتجاه الدرچ و هي تجر العجلات الصغيرة علي الأرض الرخامية العارية …
-وفــاء !
جمدها هذا الصوت ، و لم تكن بحاجة للتفكير ، فهو صوته بالطبع .. من عساه أن يكون غيره ؟ ليس له مثيل في إي شيء
تركت “وفاء” الحقيبة من يدها و أنزلت الأخري من علي كتفها ، ثم إستدارت لتواجه أخيها بوجه متصلب بارد ..
-نعم يا سفيان ؟
سفيان بلهجته الهادئة :
-إيه يا وفاء . رايحة فين بالشنط دي يا حبيبتي ؟!
وفاء بنبرة قوية :
-ماشية من هنا يا سفيان
سفيان بنفس الهدوء :
-مش فاهم ! ماشية من هنا إزاي يعني ؟
وفاء و قد إنتابها الغضب من جديد :
-زي النآااس . أنا مش هقعد في البيت ده دقيقة واحدة . سيباه ليك و لبنتك أنا ماعدليش مكان بينكوا . بعد سنين السكات و الخضوع و الطاعة العميا آن الأوان أبعد و أشوف حياتي بعيد عن الكل بقي . كفــاية كـده
إبتسم “سفيان” و هو يتأمل ثورة أخته المحتدمة ، كان يتوقع هذا ، لكنها في الحقيقة تأخرت كثيرا حتي كاد ينسي أنها إمرأة و لها متطلباتها الطبيعية ، و ها هي الآن و قد شارفت علي إتمام عقدها الخامس
بإمكانه أن يمنحها عذرا …
-كل ده عشان سامح يا وفاء ؟ .. قالها “سفيان” بتساؤل و هو يضع يداه في جيبيه بحركة مسترخية
لكنه لم يتلق ردا من أخته ، صمتت فقط و هي تحدجه بنظرات عنيفة ، فتنهد و أردف :
-طيب أنا هسألك سؤال واحد . السؤال ده إللي يهمني في الموضوع كله لأسباب تخص وجهة نظري .. إنتي حبيتي سامح ؟ و لا عايزه تتجوزيه عشان هو إللي قدامك ؟ و لا عشان إكتشفتي إنك محتاجة لراجل في حياتك ؟
وفاء بتحد سافر : أنا و سامح بنحب بعض و مش من قريب يا سفيان . محدش فينا عايز حاجة من التاني إحنا الإتنين عايزين بعض و بس
سفيان و هو يومئ برأسه :
-إممم . يعني أفهم من كده إني كنت مغفل ؟!
وفاء ببرود : سميها زي ما تسميها . أنا ماعادش يفرق معايا لا زعلك و لا خاطرك . زي بالظبط ما عملت معايا و مافرقتش معاك حياتي . حياة أختك الوحيدة إللي ضيعت عمرها كله عليك و علي بنتك .. و لفظت أخر عبارة بسخرية مريرة
سفيان و قد إحتدت نبرة صوته :
-إنتي بتعايريني يا وفاء ؟ عموما ماتنسيش أنا كمان عملت عشانك إيه . و كام مرة قدملك عرسان و رفضتيهم رغم إن ماكنش عندي أي إعتراض و ساعتها كنتي أصغر من كده مش في السن ده و جاية تقوليلي دلوقتي آن الأوان أبعد و أشوف حياتي ده علي أساس إني كنت مستعبدك ؟؟؟؟
فتحت “وفاء” فمها و كادت أن ترد ، ليقاطعها صوت “ميرا” المتقارب :
-Surprise Surprise Surprise !
كانت تهدل بسعادة ، إلتفت إليها كلا من “وفاء” و “سفيان” .. ليتفاجأ كلاهما بمجيئ “سامح” معها ، كان يمشي خلفها و هي تجره من يده بحماسة كبيرة ، بينما إرتسمت علي ثغره إبتسامة فاترة ..
-إنطي وفاء شوفتي جبتلك معايا إيه ؟!
نظرت “وفاء” لإبنة شقيقها ، ثم إلي “سامح” و قالت بدهشة :
-سامح ! إنت جيت ؟ ده أنا لميت حاجتي كلها و كنت جايالك عشان نتجوز زي ما إتفقنا . إيه إللي جابك هنا !
أجابت “ميرا” نيابة عنه :
-أنا روحت و جبته يا أنطي . قلت أنا و إنتي نتخطب في نفس اليوم و عرضت الفكرة علي سامح و هو ماعندوش مشكلة
رمقتهم “وفاء” بعدم تصديق ، ليبتسم “سامح” مؤكدا علي كلام “ميرا” ثم ينظر نحو “سفيان” قائلا :
-أنا قلت ماينفعش أسيب صاحبي يقف بطوله في يوم زي ده . يوم خطوبة بنته الوحيدة لازم أكون واقف جمبه
لم يتظاهر “سفيان” بالتغاضي عما حدث ، لكنه قال بنبرة محايدة :
-و أنا كنت واثق إنك هتيجي . عشان كده ماكنتش قلقان
أهلا بيك يا سامح
سامح بإبتسامة ودية :
-متشكر يا سفيان . بس بصراحة أنا جيت بسبب وفاء أكتر . أنا كنت جاي المرة إللي فاتت عشان أطلب إيدها منك بس مالحقتش . إنهاردة أنا جاي أطلب إيدها تاني و يا ريت توافق .. أنا لو لفيت العالم كله مش هلاقي ست زي وفاء تنفع تكون مراتي بعد العمر ده كله
ران صمت طويل نوعا ما … كان “سفيان” يحلل المواقف كعادته ، لم يخامره الشك في رغبة أخته بصديقه و حبها الواضح في عينيها له
كذلك نظرات “سامح” و نبراته و طريقة كلامه و تعابيره ، و فوق كل هذا التنازل الذي قدمه بحضوره إلي هنا بعد أن تم طرده تقريبا .. تلك أشياء دفعت “سفيان” لتصديقه و منحه الثقة مرة أخري ، فليس من المقنع أن تنعدم الثقة الآن بعد مرور سنوات ليست بقليلة بينهم
و بمنتهي السهولة تكلم “سفيان” بلطف زائد :
-لازم تعرف إني مش هلاقي لأختي راجل أحسن منك . أنا عارفك أكتر من نفسك يا سامح إنت عشرة عمري و أخويا مش بس صاحبي . ألف مبروك
إزدادت إبتسامة “سامح” إتساعا ، فمضي صوبه و عانقه بأخوه رابتا علي كتفه و هو يقول :
-الله يبارك فيك يا سفيان . ياخويا ! .. و تباعدا
لينظر “سفيان” نحو أخته قائلا بإبتسامة معاتبة :
-مبروك يا وفاء
أطرقت “وفاء” رأسها و هي تعض علي شفتها السفلي بقوة شاعرة بالخجل ، لكنها ردت بلهجة مهذبة :
-الله يبارك فيك يا سفيان . شكرا
-أيووه كده بقـــي ! .. صاحت “ميرا” بمرح شديد ، و تابعت :
-So the concert begins ( هكذا يبدأ الإحتفال )
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
و آتي الغد الموعود …
ليكتظ منز آل”داغر” بالعاملين أثناء النهار ، تم كل شيء علي أكمل وجه ، جهزت الحديقة علي أيدي أمهر المصممين و أقيمت المآدبة قبل بدء الحفل بساعة ، بينما كانت “يارا” في الأعلي قابعة بالغرفة غير راضية علي حضور هذه المناسبة
و لكن أمام إصرار “سفيان” تهاوي رفضها تماما …
كان يقف خلفها مباشرةً أمام مرآة الزينة المضاءة ، رفع لها سحاب فستانها الأسود الأنيق ، ثم تناول المشط و أخذ يتعامل مع شعرها
كانت كالدمية بين يديه ، لا حول لها و لا قوة .. تابعت أفعاله بفم مطبق و أعصاب باردة ، فقد إعتادت مزاجه و نوباته الشيطانية
إلي أن إنتهي أخيرا
أدارها صوبه و راح يتفرس في وجهها ، أثاره طلاء شفاهها الدموي بنوع من الإهتزاز الداخلي الخفيف ، فأمسك بمنديل و راح يضغط به علي فمها حتي خف اللون قليلا و إستحال إلي برتقاليا كقرص الشمس ساعة الغروب ..
-كده قمر . أحلي بكتير يا حبيبتي
يارا بإبتسامة تهكمية :
-شكرا !
سفيان و هو يلفها لتواجه المرآة :
-بصي علي نفسك كده .. رغم إني ملبسك فستان متغطي . بس أعمل إيه بردو بطاية في نفسك
يارا بإستنكار : بطاية ! يا سفيان بيه ؟
نظر “سفيان” لها عبر المرآة و قال ضاحكا :
-إنتي مستغربة من مصطلحاتي ؟ علي فكرة أنا مش بيه 100% أنا متربي في الصعيد يا حبيبتي و دايما بحن لأصلي
أومأت “يارا” قائلة بإستخفاف :
-طبعا . و حضرتك إبن أصول أوي مافيش كلام
إبتسم “سفيان” غير مباليا بإيحاءاتها ، و راح يعدل ياقة قمصيه الداكن ثم يضبط وضعية ربطة عنقه ..
ليدق باب الغرفة في هذه اللحظة ، فصاح “سفيان” :
-إدخـل !
فتح الباب و ظهرت الخادمة صاحبة الوجه البشوش :
-سفيان بيه . الأستاذ يوسف و أهله وصلوا تحت
نظر “سفيان” بإتجاهها و قال :
-طيب فينه سامح بيه ؟ مارحش يستقبلهم ؟!
الخادمة : راح يافندم . بس أنا قلت أطلع أبلغ حضرتك
سفيان بإبتسامة : أوك يا دادة عطيات متشكر . من فضلك بقي روحي إستعجليلي وفاء هانم و ميرا شوفيهم خلصوا و لا لسا
الخادمة : حاضر يا بيه .. و إنسحبت بهدوء
كانت “يارا” قد إنتهت من تسوية تسريحة شعرها المرتفعة التي صنعها “سفيان” بنفسه ، أعجبتها فلم تشأ تغييرها ، تركت المشط و كادت تمضي صوب غرفة الملابس لتأتي بحذائها
لولا صوته الذي إستوقفها :
-يارا إستني !
إلتفتت نحوه متسائلة :
-نعم ؟
فتح “سفيان” أحد أدراج منضدة الزينة و أخرج علبة مستطيلة صغيرة مغلفة بالحرير الأزرق ، ثم أمسك بيد زوجته مجتذبا إياها و قال :
-تعالي عايز أوريكي حاجة . بصي كده و قوليلي رأيك ! .. و فتح العلبة
ليتناثر ضوء فضي مبهر للأبصار ، حتي تبينت “يارا” أنها مجرد قطع ماسية دقيقة تراصت علي هيكل سوار في غاية البساطة و الجمال …
-دي هديتي لميرا .. تمتم “سفيان” محبورا
-إيه رأيك ! حلو ؟
إبتسمت “يارا” بإلتواء و تطلعت إليه قائلة :
-حلو أوي . ربنا يخليهالك و مايوركش فيها حاجة وحشة أبدا
سفيان : أمين . بس ليه بتقولي كده ؟ لعلمك بنتي من يوم ما إتولدت و أنا معيشها ملكة عمر ما في حاجة وحشة حصلتلها
يارا و هي تضحك :
-مغرور بردو . بس ربنا مش بيسيب
سفيان مبتسما بثقة :
-و نعم بالله . بس بردو دي بنت سفيان الداغر .. يعني حماية محدش يقدر يقرب منها
-سفيان بيــــه !! .. كان هذا صياح الخادمة التي دفعت باب الغرفة دون سابق إنذار و قد جلل الرعب وجهها تماما
إرتعدت “يارا” علي صوتها و إلتفت “سفيان” لها صائحا :
-إيه ده في إيه ؟ إنتي إزاي تدخلي كده منغير إذن و بالطريقة دي !!!
الخادمة بشحوب تام :
-يا بيه إلحقنا في مصيبة
سفيان و قد إتسعت حدقتاه بفعل الصدمة :
-مصيبة إيـه إتكلمــي ؟؟؟؟؟؟
إزدردت الأخيرة لعابها بصعوبة ثم قالت :
-المدام إللي كانت بتحضر الأنسة ميرا مغم عليها في الأوضة و الشباك مكسور .. إحنا مش لاقيين الأنسة ميرا في البيت كله يا سفيان بيـه …….. !!!!!!!!!!!
يتبـــع …
الفصل الثلاثون
~¤ حراسة ! ¤~
أصابه كلام الخادمة بالرعب و الذعر لأول مرة بحياته كلها ، فلم يدر بحاله إلا و هو ينطلق فورا بإتجاه غرفة إبنته ، عسي أن يكون هناك لغطا
كان يمني نفسه بهذا مقتنعا أن داره آمن و أنه من المستحيل أن تتعرض إبنته للآذي و هي في كنفه المنيع ، وصل إلي هناك لاهثا ، ليجد إدعاء خادمته تفصيليا حقيقة أمام عيناه
بلور النافذة مكسور ، و فتاة مركز التجميل التي حضرت لأجل إبنته ملقاة علي أرض الغرفة فاقدة وعيها و قد تدفق سيل صغير من الدماء فوق جبهتها …
-فـــــين البـت ؟؟؟؟ نهاركم إسـووود كلكــوا لـو مالاقتهـاش دلوقتــي .. هكذا جأر “سفيان” في حاشيته الذين إجتمعوا أمامه كلهم خارج غرفة “ميرا”
كانت “يارا” هنا الآن ، تقف بجوارها “وفاء” التي علمت بالخبر الذي إنتشر سريعا كالنار بالهشيم بين آل المنزل ، فإذا بها لا تبدي أي ردة فعل سوي الصمت و التحديق الصادم بشقيقها ..
-إهدا يا سفيان هنلاقيها إن شاء الله ! .. قالها “سامح” مقطبا بتجهم ، ليلتفت “سفيان” له و يرد بإنفعال شديد :
-إيه نلاقيها دي ؟ يعني نلاقيهـــا يا ســامح ؟ إحنا هنا في الشـارع و لا في إتوبيس ؟ أنا عايـز أعرف بنتـي فيـــن ؟ رآآاااااحت فـــــين ؟ و إزآااي شباك أوضتها يتكســر و الكلآاااب إللي بيحرسوا البيت دول كانـوا فــــين
و إلتفت نحو أفراد الحرس عازما الإنقضاض عليهم ، لولا تدخل “سامح” و إمساكه به بسرعة و هو يقول بحزم :
-قولتلك إهدا شوية يا سفيان . دلوقتي البنت إللي كانت معاها تفوق و تقولنا إيه إللي حصل بالظبط . إهـدا بقـــي
-فاقت يا سامح بيـه .. صاح أحد الحرس من داخل الغرفة
ليهرع الجميع إلي حيث الفتاة الملتاعة ، كانت تجلس فوق الكرسي و أسنانها تصطق من الفزع ، مضي “سفيان” نحوها و هو يهتف بغضب أعمي بصيرته :
-بنتــي فــين ؟ إنطقـي أحسنلك . قوليلي بنتي راحــت فيــن ؟؟؟؟ .. و كان يمسك بذراعيها و يهزها بعنف أزاد رعبها و أسال الدموع من عيناها
يتدخل “سامح” للمرة الثانية ممسكا بيداه و هو يقول بعصبية :
-إنت فاقد أعصابك كده ليه ؟ إنت فاكر إن كده الموضوع هيخلص و هتلاقي بنتك بسرعة ؟ إهدا شوية .. ثم إلتفت إلي الفتاة و قال بصوت هادئ :
-إحنا آسفين يا Mademoiselle . سفيان بيه منفعل شوية بس أرجو تقدري الوضع إللي إحنا فيه
-إنت لسا هتمهدلهـا !! .. هدر “سفيان” بعنف
-إخلـــص أو سيبني إتصرف معاها أنا
شد “سامح” علي أسنانه بنفاذ صبر ، لكنه تابع مع الفتاة بنفس الهدوء :
-من فضلك ممكن تقوليلنا الأنسة ميرا إللي كنتي معاها راحت فين ؟ قوليلنا إيه إللي حصل بالظبط . و مين إللي عمل فيكي كده ؟! .. و لمس بإصبعه خط الجرح الدقيق أسفل منابت شعرها
إزدردت الفتاة لعابها بتوتر و هي تمرر أعينها علي الموجودين بخوف واضح ، خاصةً وجه “سفيان” المحمر بخطورة ، كان يقف متململا و تخيلت أنه سوف يهجم عليها من جديد فإندفع الكلام من فهما :
-أنا ماعرفش . كل حاجة حصلت بسرعة
سفيان مزمجرا : إيه هو إللي حصل ؟؟
نظرت إليه الفتاة و قالت بنبرة مهزوزة :
-الأنسة ميرا لبست الفستان و كنت بجهزلها الجزمة . فجأة لاقينا الشباك بيتكسر و بيدخل منه إتنين ملثمين .. واحد منهم كان معاه مسدس . الأنسة ميرا جت عشان تصرخ الأولاني مسكها و كمم بؤها بمنديل فأغم عليها علطول . و جيت أنا عشان أصرخ لاقيت إللي بيضربني بكعب المسدس علي راسي .. و بس مش فاكرة حاجة تاني
كان “سفيان” يستمع إليها بتركيز شديد ، إنفعالات وجهه تعبر عما يجيش بداخله من مشاعر مدمره .. حتي إنتهت
نظر لها بقوة و هو يقول مستنكرا :
-يعني إيه ؟ عايزة تقوليلي إن بنتي إتخطفت ؟؟!!
الفتاة و هي تهز رأسها للجهتين :
-ماعرفش يافندم
-أومـال مـــين إللي يـعرف ؟؟؟؟ .. جأر “سفيان” بغضب شديد
إنهمرت دموعا أخري من عيني الفتاة ، بينما وقف “سامح” بوجه صديقه ليحول بينه و بين تلك المسكينة :
-سفيان . خلاص إهدا
سفيان : إهدا إيـه ؟ و أهدا إزاي ؟ أنا عايز أعرف إزاي ده حصل عايز أعرف مين إللي ممكن يتجرأ و يدخل بيتي و يخطف بنتي يا سـامح . مــين ؟؟؟؟
سامح و هو يميل مغمغما بأذنه :
-إحنا خصومنا كتير . أكيد هنعرف مين بس إهدا و ماتخافش علي بنتك . إللي عمل كده أكيد عايز منك حاجة و هيتصل بيك و مهما عملنا دلوقتي مش هنقدر نوصل لحاجة لإن واضح أن كل حاجة مدروسة كويس . بس إحنا مش هنسكت طبعا و في نفس الوقت محتاجين نفكر بحكمة . أرجوك بقي هدي نفسك مش عايزين نعمل شوشرة في ناس تحت
-سفيان بيه الأستاذ يوسف عايز يشوف حضرتك . و بيسأل في حاجة حصلت لميرا هانم ؟ .. كان هذا صوت الخادمة
رد “سفيان” بخشونة دون الإلتفات إليها :
-قوليله يمشي . قولي لكل الناس يمشوا الخطوبة إتلغت
الخادمة بإرتباك : آا آ أقوله يمشي ! .. و وقفت حائرة
-إستني إنتي يا دادة عطيات .. قالها “سامح” ملوحا بيده :
-أنا هنزل أعتذر للناس بنفسي .. ثم إلتفت إلي الحرس و الخدم مكملا بصرامة :
-و لو سمحتوا كلكوا مش عايز كلام في الموضوع ده نهائي . أي حاجة حصلت هنا لو شميت إنها إتنقلت يمين و لا شمال .. إنتوا عارفين أنا ممكن أعمل إيه
الجميع : مفهوم يا سامح بيه
سامح : يلا إتفضلوا كل واحد علي شغله
إنصرف الجميع و نفدت فتاة مركز التجميل بجلدها و هي لا تصدق أنه كتب لها عمرا جديد و خرجت أخيرا من هذا البيت المخيف …
كانت الغرفة فارغة الآن علي كل من “سفيان” و “وفاء” و “يارا”
إستدار فجأة و كأنه قد بوغت بأمر ما ..
رأته “يارا” ينظر إليها بطريقة جعلتها تجفل بداخلها ، إبتلعت ريقها بصعوبة ، ليقطع المسافة بينهما بخطوتين ثم يقبض علي رسغها مجتذبا إياها خلفه ، ما كانت “يارا” تركز علي أي شيء في هذه اللحظات بقدر ما ركزت علي تفادي السقوط و هو يجرها بهذا الشكل إلي أن فتح باب غرفتهما و دفعها بعنف للداخل
سقطت “يارا” بقوة فوق الأرض ، تأوهت بألم و شعرت فجأة بيداه ترفعانها بطريقة مؤلمة لذراعيها ، لفها بعنف لتواجهه فجحظت عيناها بخوف كبير عندما إلتحمت نظراتهما ..
-كنتي بتقوليلي إيه بقي قبل ما نخرج من هنا ؟! .. تساءل “سفيان” بنبرة خافتة تنذر بحلول غضبه الوشيك
يارا و هي تحاول أن تتحلي بالشجاعة :
-مش فاهمة قصدك إيه !!
سفيان و هو يرمقها بنظراته السوداء :
-و عزة جلال الله .. لو عرفت إن ليكي يد في إللي حصل . مش هقولك لو طلعتي ورا إللي حصل . من قريب أو بعيد . هاكلك بسناني حية . لو بنتي جرالها حاجة همحيكي من الوجود لدرجة أن مش هيفضل منك حاجة كإنك ماجتيش للدنيا دي أصلا و مش بس إنتي . أهلــك كلهـم
وقف شعر جسمها كله و هي تستمع إلي وعيده ، لهثت و هي تقول له بجدية ممزوجة بتوترها :
-و الله أنا ما أعرف حاجة عن بنتك . إيه إللي إنت بتقوله ده ؟ ما أنا معاك هنا ليل نهار شوفتني خرجت أو قابلت جنس مخلوق ؟؟
سفيان بصرامة بثت فيها المزيد من الرعب :
-لو طلع النهار و مالاقتش بنتي . هتشوفي مني إللي مايخطرش علي بال إبن حرام يعمله في واحدة زيك .. شكل ده أخر الخط بينا يا يارا !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
عندما إستعادت وعيها ، كان يراودها إحساس غير مريح ، لا تعرف ماهيته ، لعلها مشوشة قليلا و هي تحاول الخروج التام من غفوتها !
لكنها و بدون مغالاة لم تستطع حتي تذكر إسمها .. بالكاد إلتقطته من بين غياهب ذاكرتها المظلمة ، سرعان ما أضاءت شيئا فشئ ، فعرفت من هي و أين كانت و ما أخر موقف عايشته ..
لتنفتح عيناها علي وسعهما دفعة واحدة ، لكن هيهات ، لم ينفتحا ، لم يستجيبا لها جفناها .. كان هناك ثقل يجثم فوقهما
إنفعلت و رفعت ذراعها لتستكشف هذا الشئ ، لكن ثمة ما يحاوط معصميها الإثنتين بإحكام و يشد كلا منهما عكس الأخر ، كذلك حدث مع رجليها حين حاولت جذبهما بقوة لكنها لم تتحرك قيد أنملة …
-ماتحاوليش !
جمدها هذا الصوت ، كان غريب تماما علي أذنيها ، فصاحت :
-إنت مين ؟ و أنا فين ؟ إيه إللي بيحصلي ده !!
الصوت : إهدي يا أنسة ميرا . مش إسمك ميرا بردو ؟ عموما إسمعيني كويس . أنا واخد أوامر بحجزك هنا و مسموحلي أقوم معاكي بـ3 حاجات بس . أولهم إني أطمنك و أقولك متخافيش إنتي هنا في آمان و محدش هيتعرضلك لحد ما صاحب المكان يجي
ميرا و هي تحاول التحرك من مكانها بلا جدوي :
-صاحب مكان مين ؟ إنت ماتعرفش أنا بنت مين ؟ أستني لما دادي هو إللي يجي و إنت هـ آا ..
-قولتلك إسمعيني و ماتقاطعنيش .. قاطعها الصوت بصرامة ، و تابع :
-نصيحة بلاش تعملي أي مجهود لأنه هيكون منغير فايدة . إنتي متكتفة في سرير و بجنزير متين أوي . أنا هنا عشان أحرسك و زي ما قولتلك مسمحولي إتصرف معاكي بتهذيب و أقدملك أكل و شرب أما لو حبيتي تروحي الحمام ساعتها هضطر أفكك بس لو حاولتي تشيلي الرباط إللي علي عنيكي إنتي إللي هتندمي و مسموحلي بردو أتعامل معاكي في الحالة دي
ميرا و قد سيطر عليها الغضب كليا :
-أنا عايزة دآاادي . إنتوا مـــين و عايزين مني إيــه ؟ أنا لازم أمشي من هنا حالا . فك إيديا . Let me go يا حيوان إنت
الصوت ببرود : أنسة ميرا أنا قاعد جمبك لو حبيتي تاكلي أو تشربي قولي . أنا تحت أمرك
ميرا بصراخ حاد :
-أنا عايزة دآااادي إنت مش بتفهم . I swear إنت إللي هتندم . و أنا إللي هقتلك بإيديا إللي إنت رابطهم دول يا حيــوآااان
و إستمرت في إطلاق السباب عليه ، لكنه ظل صامتا غير عابئا بما تقوله كله ، فهذا أمر من بين الأوامر التي تلقاها ، ألا يحاول إعتراضها بأي طريقة و أن يتركها تفعل ما تشاء ما دامت مكبلة لا حول لها و لا قوة
لم تيأس “ميرا” بعد أن أرهقها الإنفعال ، صحيح أدركت عدم جدوته ، لكنها تكلمت من جديد ، بصوتها الناعم الذي إكتسب شيئا من الحدة و القوة الآن
قالت بثقة و إيمان شديد يغمرها :
-دادي جاي . دادي هيلاقيني …….. !!!!!!!!!!!!
يتبــــع ….
الفصل الحادي والثلاثون
~¤ قلب ! ¤~
مر يوم ، يومان لبثت “ميرا” خلالهم خارج بيت أبيها …
مع إستمرار البحث و رفع بلاغ للمسؤولين الكبار بالدولة بعد أن يأس “سفيان” و شك لأول مرة في قدرته علي إيجاد إبنته المفقودة
لم يجد لها أثرا ، بحث في كل مكان ، فعل كل المحاولات و أخرهم أنه طلب مساعدة الأجهزة الأمنية الكبري و الذين كانوا من دواعي سرورهم أن يلبوا له طلبا بإعتباره أهم رجل بالبلد منذ وقت طويل و إرضائه فرض عين لا يمكن تجاهله أبدا
و لكن من دون فائدة أيضا .. ذهبت كل المحاولات سدي و لم يعثر على إبنته حتي الآن ، بينما إنتظر علي زوجته لبعض الوقت ، لكن بالنهاية بقت هي أمامه المشتبه به رقم واحد
علي الرغم من معرفته أنه إحتمال ضعيف لأنها لم تغب عن ناظريه إطلاقا منذ وطأت قدماها هذا البيت ، لكنه لم يجد سواها في متناوله لينرل عليها غضبه و يحرر نيرانه المستعرة من غمدها …
-إنت هتفضل حابسها كده لحد إمتي ؟ إنت عارف كويس إنها مالهاش ذنب حرام عليك يا سفيان إنت سايبها من أول إمبارح منغير أكل و لا شرب !
هكذا خاطبت “وفاء” شقيقها بلهجة مستاءة و هي تقف خلفه بالشرفة السفلية ، ليلتفت لها “سفيان” صائحا بكل ما فيه من عنف :
-إنتي مالكيش دعوة يا وفـاء . قولتلك قبل كده إبعدي عن طريقي خالص اليومين دول . مالكيش دعوة بتصرفاتي لحد ما أرجع بنتي و من هنا لوقتها مش عايز أشوفك قدامـي و لا أسمع صوتك حتي إذا كنتي خايفة علي حياتك
كان وجهه أسود من الغضب و عيناه حمراوتان ، و كان شعره مشعث جاف يسير في كل إتجاه ، و قد نبتت لحيته معطية إياه الشكل الشيطاني المكتمل
نظرت “وفاء” له و قالت و هي تعقد حاجباها مستنكرة أفعاله :
-إنت بقيت خارج عن السيطرة يا سفيان . إللي حصل لغي عقلك خالص و دي كارثة . أنا مش هكتر معاك بس هنصحك
إهدا شوية عشان تقدر تفكر .. بدل ما تلاقي وحش الغضب إللي بتصارعه ده قضي عليك و إنت مش واخد بالك
و إستدار خارجة
جاء “سامح” بعد برهة ليجد صديقه منهارا فوق آريكة صغيرة ، يضع وجهه بين كفيه و يتنفس بصوت مسموع …
-سفيـان ! .. هتف “سامح” و هو ينقر علي كتف صديقه
-و بعدين معاك فوق شوية و إمسك نفسك إحنا مش ساكتين
تطلع “سفيان” إليه و قال بصوت لا حياة فيه :
-وصلت لإيه ؟
لوي “سامح” فمه و أجابه مغالبا ضيقه :
-أنا روحت لكل الناس إللي بنتعامل معاهم . الأعداء قبل الأصدقاء . ميرا مش عند أي حد منهم زي ما فكرنا .أنا إتأكدت بنفسي يا سفيان ده غير إن كل حد روحتله ردد إجابة واحدة مافيش غيرها .. لو عاملين حاجة مش هنخاف و نخبي هنواجه . و بصراحة أنا شايف إن كلامهم مظبوط . الناس دول ماعندهمش حد يخافوا منه زينا بالظبط و بعدين إحنا مش عاملين معاهم مشاكل عشان حد فيهم يتصرف بالطريقة دي
-يعنـي إيـــه ؟؟؟ .. صاح “سفيان” بضراوة
-يعني بنتي راحت فــين ؟ الأرض إتشقت و بلعتهــا ؟ لو إتخطفت مـــين إللي خطفهـا ؟ و ماتكلمش لحد دلوقتي لــيه ؟؟؟؟؟ .. كان جسده يتشنج قياما و قعودا بعصبية علي غير هدي
أمسك “سامح” بكتفيه و قال مهدئا :
-يا سفيان قولتلك إحنا مش ساكتين بنعمل إللي علينا و زيادة و لولا إنت مش حاطط كاميرات علي بوابة البيت الورانية كان زمنا عرفنا مين إللي دخلوا و خرجوا بيها إزاي . و للآسف الآمن إللي كانوا هناك ساعتها كلهم إتجمعوا علي البوابة الرئيسية . لازم نصبر شوية إحنا مانعرفش مين إللي ورا كل ده
سفيان مزمجرا : أنا عارف . هـي مافيش غيرها
سامح بإستغراب : هي مين دي يا سفيان ؟!
لم يجيبه ، قام من مكانه بعنف و إتجه صوب مكتبه ، فتح أحد الأدراج و سحب مسدسه الثقيل مشهرا إياه بالهواء ، لتتسع أعين “سامح” و هو يقول بصدمة :
-إيه المسدس ده رايح بيه علي فين ؟
لم يجيبه للمرة الثانية و مضي إلي الخارج بوجه متآجج لا ينتوي خير أبدا …
-إنت رايـح فين يابني آدم إنت ؟ إستني أنا بكلمك
كان “سامح” يركض خلفه محاولا تثنيته عن عزمه ، لكن جاء صوت “سفيان” قاطعا كحد السكين :
-لو جيت ورايا هفرغ خزنة السلاح كلها فيك إنت . إبعــد عني الساعة دي يا سـامح !
……………………………………………………………………….
لم تكن “يارا” تتمتي أبدا أن تزور هذا المكان الموحش مرة أخرى ، فهي قد أطلقت علي المنزل كله “بيت الرعب” بسببه ، لم تشأ تجربة المغامرة المميتة من جديد
ظلام ، عفونة ، مزيدا من الظلام ، خوف لا ينتهي و ترقب يمثل موتا في كل لحظة تمر …
كانت جالسة فوق البلاط البارد القذر ، تعاني آلم الرأس الناجم عن قلة الغذاء و المياه في جسمها ، و فجأة تسمع صدمة عنيفة بباب السرداب
ترفع “يارا” وجهها و تضيق عيناها بسبب مباغتة الضوء الشديد ، شيئا فشئ تبينت الزائر ، فإنكمشت علي نفسها خائفة خاصة عندما شاهدت ذلك المسدس بيده ..
-شوفتي طلعت شهم إزاي و سيبتك حية لحد دلوقتي ! .. قالها “سفيان” بنبرة هادئة و هو يخطو نحوها ببطء
-عشان تعرفي إني راجل طيب . صحيح منعت عنك الأكل و الشرب . بس أوعدك لو إتكلمتي و قولتيلي بنتي فين أنا هسامحك و هاسيبك تمشي من هنا فورا . ده لو إنتي عايزة يعني .. ثم أردف بتحذير شرس :
-لكن لو إستمريتي في الكدب و لاوعتيني قسما بالله هخلص عليكي هنا و هدفنك مكانك
إزدردت “يارا” ريقها الجاف بصعوبة و ردت بصوت ضعيف جاهدت ليبدو قويا :
-أنا ماعرفش حاجة عن بنتك . و قسم علي قسمك لو كنت أنا السبب في إللي حصل كنت هقولك و مش هخبي لأني مابخافش منك أصلا
-همممم ! .. همهم “سفيان” و هو يكز علي أسنانه بقوة ، و قال :
-يعني مصرة . تمام .. يبقي إنتي إللي إختارتي !
و سمعت “يارا” صوت الطلقة المدوي قبل أن تشعر بها ، فكانت صرختها تصم الآذان عندما إستقرت الرصاصة الملتهبة بمنتصف ساقها اليمني بقوة …
و فورا تدفق الدم حارا و تلاه نحيبها المرير ، لينحني “سفيان” صوبها و يقبض بكفه الغليظ علي شعرها صائحا بوحشية :
-التانيـة هتبقـي في دمــاغك .. لو ماتكلمتيش حـالا و قولتيلي بنتــي فيـــن ؟؟؟؟ أنا مش لاقيهـا . فاهمة يعني إيه ؟ يومين بحالهم . أنـــا مــش لاقـــــيهآاا
إنفجرت “يارا” بصراخ حاد :
-قولتلـــك ماعــــرفش . أنا ماليــش علاقـة بإختفاء بنتــك عايـز تصدق صدق مش عايـز إقتلنـــي .. خلصنــي بقي و ريحنــــي أنا خلآااااص تعـــبت
سفيان بغضب شديد :
-لأ . أنا مش هقتلك .. أنا هخليكي عايشة تتمني الموت . و بردو هرجع بنتي بيكي من غيرك هرجع مـيرا . و لما ترجع ممكن أخليها هي إللي تحققلك أمنيتك و تقتلك بإيديهــا
-سفيـــان . يا مجنـون ! .. صاح “سامح” مصدوما و هو يهرول صوب صديقه
إنتزعه بجهد بعيدا عن “يارا” و أخذ السلاح من يده ، لتصل “وفاء” في هذه اللحظة ، فتصرخ و هي تنظر نحو “يارا” المصابة بعدم تصديق …
-إطلبي دكتور بسرعة يا وفـاء .. هتف “سامح” بإنفعال و مازال يحاول السيطرة علي “سفيان” الذي يكافح للتحرر
لم يحسن أن يري صدقها في دموعها و الوهن الذي أخذ يغمرها في هذه اللحظات ، وحده الغضب ملأ حواسه و روح الإنتقام لها الحكم التام علي قرارته
من يلومه ؟ فتلك المفقودة إبنته ، و طالما عبر عن حبه لها بسبل شتي ، إنها العزيزة الوحيدة علي قلبه الغير موجود أصلا …
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
إنتقلوا جميعا إلي البيت الآن ، فجلس “سفيان” وحده في صالون صغير بالطابق العلوي ..
إنتظر خروج الطبيب من عند زوجته بدم بارد ، و كأنه لم يرميها بالرصاص منذ قليل أو كاد يقتلها ، أشعل سيجارا و هو يضع ساق فوق ساق ، راح يدخنه ببطء متأملا في قليلا من الإسترخاء
و هنا ولج “سامح” إليه و علي وجهه تعبير حانق عابس
نفث “سفيان” دخان السيجار بتمهل ، ثم نظر إليه قائلا :
-إن شالله خير يا سامح . الدكتور خلص ؟
سامح بجمود : خلص يا سفيان
سفيان و هو ينفض غبار السيجار بسبابته :
-طيب قول للخدم يرجعوا الهانم البدروم تاني . خلاص الدكتور كشف عليها و بقت كويسة
سامح بحدة : لأ طبعا يارا مش هترجع المكان القذر ده تاني . إنت شكلك إتجننت علي الأخر أصلا و مش عارف إنت بتقول إيه . ثم إن هي مش كويسة يا بيه . الدكتور معلق لها محاليل و مشدد علي راحتها
سفيان بإستنكار : راحتها ؟ دي بتحلم . طول ما بنتي غايبة عني مش هتشوف ساعة راحة . و حياة بنتي لأوريها العذاب ألوان
صمت “سامح” و هو يحدق فيه شزرا ، ثم قال بجدية تامة :
-سفيان .. الدكتور بيقول إن مراتك حامل …… !!!!!!!
يتبــــع ….
الفصل الثاني والثلاثون
~¤ أسيرة ¤~
للحظة برق في عيناه وميض الصدمة ، لكنه إستعاد هدوئه فورا و تطلع إلي صديقه قائلا بسخرية :
-و يا تري بعد كل إللي حصلها لسا حامل ؟ ده يبقي حظها حلو أوي علي كده
صعدت الدماء إلي وجه “سامح” و هو يرد عليه بغضب :
-إنت إيه يا أخي ؟ خلاص مابقاش عندك إحساس للدرجة دي ؟ يابني آدم بقولك مراتك حـــــامل . حتي لو إنت مش طايقها و عايز تولع فيها المفروض إبنك إللي في بطنها يمنعك عن كل ده علي الأقل ترحمها عشانه
سفيان بغلظة : مافيش رحمة عندي . و إذا كان علي حملها مايهمنيش و مايهزش مني شعرة . أنا عندي بنت واحدة بس هي إللي هتورثني و كل إللي أملكه في يوم من الأيام هيكون ملكها لوحدها فاهمني ؟
هز “سامح” رأسه مستنكرا موقفه و قال :
-إنت إفتريت علي البنت دي جامد أوي يا سفيان . و بحذرك لو إستمريت في تعذيبها بأساليبك دي . إنت إللي هتخسر في النهاية مش هي .. عن إذنك
و رحل …
ليصيب “سفيان” طاولة صغيرة أمامه بركلة فوجائية ، فتطير بالهواء مع محتواياتها ثم تستقر فوق الأرض حطاما ..
-حامل ! .. تمتم “سفيان” لنفسه و هو يرفع كفاه ضاغطا بهما علي جانبي رأسه
-خلاص كده قفلت عليا من كل ناحية
……………………………………………………………………….
في منزل “يارا” … تفيق “ميرڤت” من بداية النهار كعادتها ، فتجد أختها و قد فاجأتها بزيارة صباحية دون سابق إنذار
لم تحتاج لتحضير الطعام لتفطرا سويا ، حيث جاءتها “سعاد” بوجبة فطور طازجة تكفيهما معا ، فجلستا بالمطبخ علي الطاولة الصغيرة و بدأتا في تناول الفطور ..
-هي صحيح بنتك لسا ماحبلتش يا ميرڤت ؟ .. قالتها “سعاد” بفضول و هي تحشر بفمها المزيد من لقيمات الخبز
ميرڤت بتنهيدة : و الله ياختي ما أعرف عنها حاجة . بقالي يومين ماسمعتش صوتها حتي
سعاد بإستغراب : يومين بحالهم ؟ ليه كده ؟
ميرڤت : من ساعة خطوبة بنت جوزها في حاجة مريبة كده
عبست “سعاد” بحيرة و قالت :
-حاجة مريبة ؟ إزاي يعني ؟ .. و أكملت بتجهم :
-و بعدين صحيح فكرتيني . إنتي بتستقطعيني إنتي و بنتك يا ميرڤت ؟ مش المفروض كنت أتعزم علي الخطوبة دي و لا أنا خلاص مابقتش أشرف !
زفرت “ميرڤت” بضيق و قالت :
-يا سعاد عيب الكلام ده . و إحنا هنستقطعك ليه لا سمح الله ؟ ما إنتي علطول بتبقي معانا في كل حاجة . و بعدين كويس إنك ماجتيش أصلا الخطوبة إتفشكلت
سعاد بدهشة : إتفشكلت إزاي !!
ميرڤت و هي تصب لنفسها فنجان شاي :
-مافيش . لما وصلت كانت الحفلة لسا مابدأتش . قعدت مع الضيوف لحد ما تظهر يارا أو جوزها أو حتي أي حد من أهل البيت . بس إتأخروا كلهم ساعة في التانية لحد ما دخلنا علي الساعة 10 بعدها حسيت بقلق و حركة غريبة في البيت كله . و فجأة لاقيت الأستاذ سامح إللي المفروض كان هيخطب وفاء هانم هو كمان طلع لنا و إعتذر بالنيابة عن سفيان بيه . قال إن ميرا تعبت فجأة و مش هتقدر تحضر الحفلة و بس الناس كلهم مشيوا و أنا كمان قمت مشيت و من ساعتها ماعرفش لا عنهم و لا عن بنتي
سعاد بتعجب : الله ! طيب و ماتصلتيش بيها ليه ؟
ميرڤت : ما أنا قولتلك بقالي يومين بتصل بيها مابتردش عليا و في الأخر موبايلها إتقفل
سعاد : يــاه .. لأ ده كده في مشكلة أكيد . مش حكاية تعب بس
ميرڤت بتوتر : ما أنا بقول كده و الله . مش هاممني مشاكلهم أنا بس عايزة أطمن علي بنتي
سعاد ببساطة : خلاص يا حبيبتي روحي شوفيها إيه إللي مانعك ؟
ميرڤت بجدية : هاروح . هاروح أشوفها بالليل إن شاء الله
سعاد : إن شاء الله .. ثم صاحت بإستذكار :
-أه صحيح أنا ماقولتلكيش . مش أحمد إبني قرا فتحته ؟
ميرڤت و قد إنفرجت أساريرها :
-إيه ده بجد ؟ ألف مبروك ياختي و الله فرحتله . قراها علي مين بقي ؟
سعاد بإبتسامة متفاخرة :
-علي بت زميلته في الشغل . زي القمر يا ميرڤت شكلها نضيف كده تحل من علي حبل المشنقة و إيـــه ماقولكيش رقيقة أوووي و زي النسمة
ميرڤت بإبتسامة : يا رب يتمم لهم علي خير يا حبيبتي
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
كانت “وفاء” في طريقها إلي غرفة زوجة أخيها ، بعد أن أوصلت الطبيب للأسفل ، إصطدمت بـ”سامح” في طريق العودة ..
-إيه ده رايح فين يا سامح ؟
أمسك “سامح” يدها و إنحني ليقبلها ثم قال :
-معلش يا وفاء مضطر أمشي دلوقتي . هاروح أطل علي المكتب بقالي يومين سايبه مش عارف إيه الجديد . مش هتأخر عليكوا ساعتين بالكتير و راجع
تنهدت “وفاء” و قالت :
-أوك يا حبيبي . بس بليز حاول ترجع في أسرع وقت أنا مش طايقة أتعامل مع سفيان و لو شوفته مش ضامنة أعصابي بصراحة
سامح و قد إمتقع وجهه :
-هتقتليه يعني ؟ سيبك منه . خليكي جمب مراته بس و لو حصل حاجة لو المجنون ده حاول يعملها حاجة تاني كلميني علطول
وفاء و هي تطرف بتوتر :
-ربنا يستر بقي
سامح : إن شاء الله يا حبيبتي . يلا باي
وفاء : باي يا قلبي
و ذهب “سامح” من البيت مستقلا سيارته …
سلك عدة طرق ليس لهم علاقة ببعض ، توجه شمالا و جنوبا ، يمينا و يسارا حتي قطع شكوكه ، ليأخذ بعد ذلك مساره المنشود
ثلث ساعة و كان أمام هذا المنزل ذي الطابق الأرضي
المنطقة نائية من حوله و لا يمكن لأحد أن يكتشفها ، إلا بعد مرور سنوات لا يعلمها إلا الله ، فتلك أراضي خاضعة لخطة ترميم عمرانية ، و حين تقرر السلطات التنفيذية البدء مؤكد سيكون أول من يعلم ..
ركن “سامح” سيارته بالجراچ الصغير ، ترجل مغلقا إياها ثم وضع المفاتيح بجيب سترته ، مشي ناحية باب المنزل ليقابل إثنان من أفراد الحراسة اللذين يعملان لديه ، ألقي عليهما السلام بنبرته الحازمة ففتحا له الباب بإنحاءة إحترام ..
دخل “سامح” متوجها نحو مكان معين ، وصل عند غرفة صغيرة بدت عليها النظافة و التنسيق و الذوق الرفيع مقارنة ببقية أثاث المنزل البالي
كانت أنظارة مركزة عليها ، أسيرته الجميلة ، عندما إلتقطها لم يحيد عنها أبدا ، فهو أيضا إفتقدها كثيرا ، ربما أكثر من أبيها نفسه ..
-أهلا يا باشـا . حمدلله علي السلامة يا سامح بيه ! .. قالها الحارس الذي قفز من فوق الآريكة فور دخول سيده
و هنا فقط إنتبه “سامح” إلي تلك الأغلال الحديدية التي تقيد حبيبته الصغيرة من أطرافها الأربعة ، و هذه الغمامة الملتفة حول عيناها
حول نظراته المتقدة نحو الحارس و هو يقول بخشونة :
-إيه ده يابو سليم ؟ إنت إتجننت ؟ إزاي تربطها بالطريقة دي ؟ أنا قولتلك عاملها كده ؟؟؟؟
أبو سليم بإرتباك :
-يا سامح بيه حضرتك قولتلي غمي عنيها و ماتخليهاش تشوف حد مننا نهائي كنت هعمل كده إزاي بس و هي سايبة . كان لازم أكتفها سيادتك
سامح بغضب : طيب إتفضل بـرا . و حسابنا بعدين
خرج الأخير مسرعا و هو لا يجرؤ أبدا علي رفع نظره نحو “سامح” …
إنتظر “سامح” حتي أغلق الباب ، زفر بقوة مغمض العينين ثم أزاح جفناه ببطء لتستقر نظراته عليها من جديد
تلقائيا إبتسم إبتسامة حب ، مضي صوبها بتمهل ، جلس مقابلها علي طرف السرير ، كانت نائمة ، مستغرقة بعمق شديد .. مد يده خلف رأسها و حل العقدة المحكمة ، لتسقط الغمامة فورا فتظهر عيناها الغائرتان ، تلاشت إبتسامته و هو يري الهالات الزقاء تحيط بهما
رفع كفه و إحتضن وجهها بلطف جم ، حني رأسه مقبلا خدها ، ثم همس بجوار أذنها بصوت ناعم خفيض :
-إصحي . إصحي يا حبيبتي .. أنا جيت . أنا أسف جدا علي اليومين إللي سيبتك فيهم هنا لوحدك . و إنتي كده . بس خلاص أنا جتلك . فتحي بقي . إصحي يا ميرا
قطبت “ميرا” في نومها ، بدأت تتململ و هي تزفر بضيق …
-دآاادي ! .. تمتمت “ميرا” بصوت مبحوح ، ليشجعها “سامح” علي الإستيقاظ أكثر :
-إصحي يا حبيبتي . ماتخافيش أنا جمبك محدش هيعملك أي حاجة إطمني
جمدت “ميرا” للحظة ، ثم فتحت عيناها علي وسعهما ..
-ســــامح ! .. هتفت “ميرا” و هي تحملق في وجهه الباسم بعدم تصديق ……… !!!!!!!!!
يتبع….
الفصل الثالث والثلاثون
~¤ ملك يمين ! ¤~
ظلت “ميرا” ترمقه بذهول قرابة دقيقة كاملة ، كان وجوده الآن هو أخر ما تخليت حدوثه ، ليس تماما و لكنها دائما تراه ملاصقا لأبيها
إذن أين أبيها !!!!
-سـامح ! .. كررتها “ميرا” بصوت متحشرج و قد تحفزت أكثر في مهجعها
-فين دادي ؟؟ عرفتوا مكاني إزاي ؟؟؟؟
سامح و هو يثبتها مكانها :
-إهدي . إهدي يا حبيبتي و إستني لما أفكك علي مهلك .. كانت نبرته لطيفة جدا
إبتسمت “ميرا” و هي تقول بعدم تصديق :
-أنا مش مصدقة إنكوا جيتوا بسرعة كده . بس أنا كنت متأكدة إن دادي هيلاقيني . أومال هو فين ؟ فين دادي يا سامح ؟؟!!
كان “سامح” يحل وثاق يديها الآن بعد أن حرر ساقيها ، تلاشت إبتسامته مع إستمرارها في ذكر والدها بإلحاح و إعتراه التوتر و هو يحاول تأخير لحظة المواجهة قدر الإمكان ، و لكن إلي أي مدي ؟ ستعرف حالا سواء منه أو من تلقاء نفسها ، الأمر واضح ما إذا حاول التهرب منها أو ما شابه ، و علي كل لقد فات الأوان ، بعد أن كشف نفسه لها لا يمكنه الإنكار أو التدليس أكثر من ذلك …
-ميرا خدي نفسك شوية يا حبيبتي . أنا هقولك كل حاجة بس إهدي عشان نعرف نتكلم
هكذا حاول “سامح” كسب بعض الوقت بينما يحاول ترتيب أفكاره ليجعل وقع الصدمة عليها أخف و لو قليلا ..
نظرت له بإستغراب و هي تدلك معصميها :
-نتكلم في إيه يا سامح ؟ بقولك فين دادي ؟ هو ماجاش معاك ؟
إزدرد “سامح” ريقه و حدق في عيناها مباشرةً ثم قال بثبات :
-ميرا . سفيان ماجاش معايا . و مش جاي
عقدت حاجباها و هي تقول بدهشة :
-مش جاي ؟ ليه ؟!
سامح بجدية : ميرا إنتي لسا مافهمتيش ؟ إنتي هنا معايا أنا . معايا و بس . مافيش حد في العالم يعرف مكانك غيري . لا سفيان و لا أي مخلوق . أنا إللي جبتك هنا عشان تبقي جمبي علطول
كان يتحدث و كانت عيناها تتسعان مع كل كلمة ، مع كل حرف ، لولا تلك الجدية المسطورة علي صفحة وجهه لقالت أنه يقصد شئ أخر أو أنه يمازحها كعادته و يلعب بأعصابها
لكنه بدا صادق إلي أبعد الحدود ..
-أنا . مش فاهمة .. يا سامح ! … تمتمت “ميرا” بشحوب و قد جف حلقها تماما
سامح و هو يمسك بكتفيها و يقترب منها أكثر :
-لازم تفهمي . إنتي أساسا فاهمة بس مش عايزة تصدقي
ميرا بنفاذ صبر :
-أفهم إيـه و أصدق إيـه !!!
-إنـي بحبــك ! .. صاح “سامح” بها و قد تملكه الغضب فجأة
ميرا بصدمة : بتحبني ! أنا ؟ .. إزاي ؟؟!!
سامح بسخرية : زي الناس . بحبك رغم إني عارف حقيقة مشاعرك . عارف إنك مش شايفاني أصلا غير عقبة في طريقك إنتي و خطيبك الفرفور ده . عارف كمان إنها قصة فاشلة و مش منطقية و إني ممكن أطلع مريض في النهاية لكن مع ذلك مكمل .. و أردف بتصميم :
-عمري ما هبطل أحبك يا ميرا . إنتي خلاص بقيتي بتاعتي . مصيري بقي مصيرك . لو عيشنا هنعيش سوا لو متنا بردو سوا
ميرا و هي تهز رأسها للجانبين :
-لأ . This is incredible . أنا مش مصدقاك .. إنت أكيد بتضحك عليا زي كل مرة . بليز قولي إنك بتهزر
سامح و هو يكز علي أسنانه بحنق :
-مابهزرش . إنتي بقيتي ملكي خلاص فاهمة ؟ محدش هياخدك مني . فين ما أروح هتبقي معايا و قريب أوي هاخدك و نختفي عن كل إللي نعرفهم
صعقت “ميرا” من كلماته و تأكدت أنه لا يمزح إطلاقا و أن كل ما تعيشه الآن حقيقة مئة بالمئة ، أخذت تدفعه بقبضتيها و هي تصرخ :
-أنا مش هاروح معاك في أي مكان . رجعني لدآاادي. . رجعني يا سامح دادي لو عرف مش هايسيبك عايش . رجعني و أنا مستعدة أسامحك و مش هقوله إنك عملت كده I Promise
سامح بضحكة تهكمية :
-أرجعك ! إنتي عارفة أنا عملت إيه عشان أقدر أجيبك هنا ؟ إستحالة يا قمر . بعد ما بقيتي في إيدي مش هتضيعي
ميرا و قد خذلتها دموعها لأول مرة منذ جاءت إلي هذا المكان :
-إنت ليه بتعمل كده ؟ بليز يا سامح أنا عايزة أروح لدادي . سيبني أمشي بليز I peg you . أنا مش هينفع أبعد عنه بلييز ماتعملش معانا كده . و أنا مستعدة أعملك كل إللي إنت عايزه و مش هنطق بكلمة واحدة دادي مش هيعرف أي حاجة عن إللي حصل ده
ظهرت في عينه لمعة الإنتصار للحظة و شعر أن هدفه دنا أخيرا و بدون جهد كبير كما توقع ، فقال بصوت هادئ :
-بجد يا ميرا ؟ يعني لو طلبت منك أي حاجة هتعمليها و مش هترفضيلي طلب ؟!
أومأت رأسها بلهفة :
-أي حاجة . بس ترجعني لدادي بليييييييز
تنهد “سامح” و قال متظاهرا بالتنازل :
-أوك . أنا هثق فيكي و هنعمل Deal . بس عشان أضمن إنك ماتتكلميش خالص هاخد منك حاجة الأول
ميرا بدون تفكير :
-عايز إيه خد إللي إنت عايزه بس رجعني لدادي إنهاردة
نظر “سامح” لها و قال بترو :
-هرجعك إنهاردة . بس نتفق
ميرا : قول يا سامح هعملك كل إنت عايزه
سامح و هو يداعب خصلات شعرها بأصابعه :
-أولا تنسي حاجة إسمها يوسف . عايزك تكرهيه علي أد ما تقدري من دلوقتي حالا . عشان لما تروحي لبابا هتقوليله علي حاجة مهمة جدا
أغمضت “ميرا” عيناها شاعرة بإنقباضة قلبها الأليمة ، و قالت بصوت مبحوح :
-عايزني أقوله إيه ؟
سامح : هتقوليله إن يوسف هو إللي خطفك
فتحت “ميرا” عيناها دفعة واحدة و هي تقول بإستنكار :
-بس يوسف ماعملش كده !
سامح بحدة : لأ عمل . أنا قلت كده يبقي هو كده .. و لا إيه رأيك ؟
رمقته بنظرات غاضبة ، لكنها لم تجد مناص من الخضوع لرغبته ، فأومأت موافقة
إبتسم “سامح” و هو يكمل :
-ماتقلقيش أنا هقولك تقوليله إيه بالظبط
ميرا بتردد : بس هو كده ممكن يقتله . ممكن يعمل فيه أي حاجة
سامح بضيق شديد :
-لأ مش هيقتله ماتخافيش . أنا مش هخليه يعمل كده بس لو سمعتي كلامي و إلا و حياتك عندي أنا إللي هقتله بإيدي
ميرا : أوك أنا هعمل كل إللي إنت عايزه
لف “سامح” ذراعيه حولها و شدها صوبه قائلا بخفوت :
-كده تعجبيني . و دلوقتي نروح لـ Deal number 2
ميرا و هي تطرف بإرتباك :
-عايز إيـه ؟!
سامح و هو يلتهمها بنظراته :
-عايـزك . عايـزك إنتي يا مـيرا . و أظن دي حاجة بسيطة كنتي مستعدة تعمليها مع حبيب القلب لما هربتي معاه قبل كده
ميرا و قد فهمت ما يرمي إليه :
-أيوه بس إنت فاهم غلط . يوسف خدرني عشان هو كان عارف إني مش موافقة
سامح بغضب : ده شرطي عشان أرجعك . و دلوقتي حالا لازم يحصل و إلا مش هترجعي لباباكي أبدا و هتفضلي هنا
ميرا بإسراع : لا لأ خلاص . أنا هعمل إللي إنت عايزه
إبتسم من جديد و هو يقول مركزا ناظريه علي شفتها الحمراء المكتنزة :
-ماتتصوريش إستنيت اللحظة دي من أد إيه ! من يوم ما شوفتك في أمريكا في بيتك مامتك . ماتخافيش يا ميرا أنا بحبك . بحبك بجد و عمري ما هفكر آذيكي
نظرت إليه غير واثقة ، لكن لا مفر إذا أرادت العودة ..
إختفت إبتسامته و هو يتأمل جمالها و حسنها الآخاذ ، إستدارة وجهها ، لون عيناها ، شعرها الحريري و الأهم .. تلك المسحة البريئة ، رغم طبيعتها و نشأتها الجريئة
كان هناك قدر من البراءة التي سينتزعها منها حالا ، لكنها ستبقي حبيبته الصغيرة ، حب لا يخضع لأي منطق إلا أنه متمسك بها بشكل مستميت
لقد خطط لكل هذا ، كان يعلم سلفا نتيجة هذه المواجهة ، كان يعلم إنه سيعيدها لأبيها اليوم ، كان يعلم أنه سيحصل عليها اليوم ، كان يعلم كل شيء و قد تم ما أراده بأفضل مما توقع
خطة ذكية مدروسة ، حتي “سفيان” بشخصه لا يستطيع الشك بها ..
و في لحظة تبخرت الخطة و “سفيان” و كل شيء من عقل “سامح” و بقي مركزا معها هي فقط
كانت لا تزال في فستان خطبتها المثير ، كانت رائحة طيبها لا تزال عالقة بمسمات جسمها النضرة ، لم يضيع وقت ، لم يكن هناك وقت أصلا في هذا العالم الذي جمعه بها ، لا وقت ، لا عقل ، لا منطق
لا أحد يمنعه عنها ، بدأ من حيث وقف “يوسف” .. أخذ كل ما أراد و تمني ، و في كل مرة تكبر نشوته و هو يتنقل من مرحلة لأخري
بينما راح إرتجافها يزاداد و هي تدفن وجهها بين رقبته و كتفه كي تكتم صوت بكائها ……. !!!!!!!!!!
يتبـــــع …
الفصل الرابع والثلاثون
~¤ عودة ! ¤~
كان “سامح” يبحث عن ساعة يده بين أغطية الفراش التي تعمه الفوضي ، وجدها بسهولة فسحبها و شرع في إرتدائها ، في نفس اللحظة تخرج “ميرا” من المرحاض الملحق بالغرفة و هي تلف نفسها في منشفة كبيرة
إلتفت “سامح” لها ، كان عاري الجزع فإنكشفت بنيته المتماسكة المتناسقة رغم سنوات عمره الخريفية ، إبتسم و هو ينظر إلي جمالها الغير معقول ، كانت إحدي أمنياته أن يراها لحظة الفروغ من الإغتسال ، و المياه تقطر من شعرها و تنساب ببطء علي حواف عنقها مرورا بصدرها ، نعم ، هكذا تماما
كانت مذهلة ، فتية مثيرة كما رسمها بخياله …
مشي “سامح” ناحيتها و هو يقول بصوت ناعم :
-نعيما يا عمري . إيه بس الجمال ده كله ؟!
ردت “ميرا” مطرقة الرأس :
-شكرا .. كانت لهجتها مقتضبة
-ممكن بقي تجبلي حاجة ألبسها ؟ مش هينفع ألبس الفستان ده تاني
و أشارت نحو قماش ثوبها الممزق علي الأرض بجوار السرير ..
سامح بجدية : يا حبيبتي عندك الدولاب فيه هدوم . كنت جايبلك كام حاجة كده عشان تغيري فيهم طول اليومين إللي فاتوا .. و أكمل بغضب :
-بس واضح إن كان في سوء معاملة من جهة الحيوانات إللي جبتهم يحرسوكي . ماتزعليش و حقك عليا أنا . هتشوفي بنفسك هعملك فيهم إيه
إبتسمت “ميرا” بإستهزاء و قالت :
-Never mind , هما كانوا بينفذوا الأوامر . و أنا بصراحة تعبتهم أوي كانوا لازم يتصرفوا كده
سامح بحدة : و لو . أنا ماجبتكيش هنا عشان أبهدلك و قبل ما تيجي كنت موفرلك كل حاجة ممكن تحتاجيها هما إللي همج و أنا هعرف شغلي معاهم
أومأت “ميرا” دون أن تفه بكلمة ، ثم مضت صوب الخزانة الصغيرة و فتحتها مستعرضة المحتويات القليلة بداخلها ..
كان “سامح” واقفا يراقبها و هو يطوي ذراعيه علي صدره ، كان يتابع سكناتها و حركاتها بإهتمام شديد و إبتسامة عفوية تزين ثغره
بينما إستقرت هي علي لباس رياضي مؤلف من أربعة قطع
حملته علي ذراعها و إستدارت لتجد “سامح” كما هو …
-ممكن تخرج شوية لحد ما ألبس ! .. قالتها “ميرا” و هي تتحاشي النظر في عيناه
رفع “سامح” حاجبه متسائلا بإبتسامة :
-معقول لسا مكسوفة مني ؟! .. و تقدم نحوها خطوة
لتوقفه “ميرا” بنفاذ صبر :
-بليز يا سامـح أنا مش في Mood حلو خالص . لو سمحت كفاية كلام كفاية أي حاجة و أخرج لحد ما ألبس الهدوم دي
سامح و قد تلاشت إبتسامته :
-طيب خلاص هخرج . ماضيقيش نفسك بس .. و إلتفت ملتقطا قميصه من فوق الفراش
إرتداه أثناء مروره من جانبها و قد إتخذ وجهه تعبير متصلب ، لم تعيره إهتمامها أبدا ، حتي سمعت صوت إغلاق الباب .. أطلقت زفرة مخنوقة و ألقت بالملابس فوق الكرسي الوحيد بالغرفة
و فجأة إنهمرت دموعها ، من غير بكاء ، دموع فقط ما هي إلا عذاء عما فقدته اليوم ، شيء ثمين جدا لم تكن تعي أهميته عندما كافح أبيها لأكثر من مرة بإستماتة ليحافظ لها عليه
لقد أضاعته ، الآن فقط أدركت معني خسارته .. هي ستعود لحياتها كما أرادت ، لكنه لن يعود معها ، سترجع بدونه ، سترجع ناقصة بعد أن دفعته ثمنا للعودة
لكن الشيء المؤكد إنها لن تكون مجرد عودة …
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في ڤيلا آل”داغر” …
“سفيان” يقف أمام غرفته ، كان في صراع بين رغبته في الدخول إليها كي يطمئن علي حالتها ، و بين رغبته في إقتحام الغرفة ليهدمها فوق رأسها
لقد بوغت حقا عندما علم بخبر حملها ، لا يعرف هل أسعده هذا أم لا لكنه يعرف أنه لن يفرط بقطعة منه مهما حدث ، و الأمر سيان مع إبنته المفقودة ، لن يهدأ أبدا حتي يجدها
و في نفس الوقت يشعر بأنه عاجز ، لأول مرة بحياته هو عاجز و ليس في يده شيئا ، لو دخل إليها و رآها سيتذكر وعيدها المتكرر لإبنته الذي تلاه إختطافها مباشرةً و عند ذلك لن يتمكن من السيطرة علي غضبه و ربما لحق بطشه بالجنين فيخسره هو أيضا
إذن ماذا يفعل !!!
-سفـيان ! .. تمتمت “وفاء” حين فتحت باب الغرفة فجأة لتجد أخيها بوجهها
-إنت واقف هنا بتعمل إيه ؟
قذفته بنظرة غاضبة و هي تخرج بسرعة و تغلق الباب علي زوجته المسكينة ، تصدت له قائلة بحدة :
-إسمع يا سفيان أنا مش هسمحلك تأذي البنت دي تاني فاهم ؟ إبعد عنها أحسنلك عشان لو إتغابيت عليها تاني أنا إللي هقف لك
سفيان و هو يلوي فمه بسخرية :
-ماتخافيش عليها أوي كده . يا أم قلب رهيف .. من إمتي يا وفاء ؟
وفاء : سفـيان . يارا خدت منك بما فيه الكفاية مش هتستحمل . لو مش هماك يبقي إللي في بطنها له عليك حق علي الأقل تسيبها في حالها عشانه
سفيان بإستخفاف : صحتها مش واقعة أوي كده . ماتقلقيش عليها عفية و الله يا وفاء .. و أزاحها من طريقه مكملا بصرامة :
-أنا داخل أتكلم معاها شوية . مش عايز إزعاج و ماتفكريش ترجعي دلوقتي خالص إلا لما أخرج أنا
و قبل أن تستطع الرد عليه ، كان قد فتح الباب و أغلقه بقوة بوجهها …
-ربنا يستر ! .. تمتمت “وفاء” لنفسها و قد أخذ التوتر منها كل مأخذ
……………………………………………………………………….
إستقلت “ميرا” سيارة الأجرة الواقفة أمام منزل “سامح” السري …
لينحني الأخير مطلا عليها عبر النافذة ، ثم يقول :
-زي ما إتفقنا يا حبيبتي . أول ما توصلي جري علي البيت علطول و إوعي تنسي كلمة من الكلام إللي قولتهولك
ميرا و هي تومئ برأسها :
-Don’t worry , أنا حافظة كويس
سامح بتحذير : مش محتاج أنبه عليكي . لو سفيان عرف أي حاجة عن إللي حصل بينا مش هيآذيني لوحدي . أظن إنتي مجربة
نظرت “ميرا” له و قالت بإبتسامة تهكمية :
-إنت عندك شك إني ممكن أخونك يا سامح ؟ بعد كل إللي حصل يا بيبي . أنا خلاص بقيت بتاعتك
سامح بإبتسامة خبيثة :
-أنا كنت بنبه عليكي بس . إنما أنا متأكد إنك مش هتعملي كده . لإنك ذكية و لأن سفيان مش هيصدق إن إللي حصل كان غصب عنك خصوصا لو شاف ده .. و رفع هاتفهه في مستوي ناظريها
لتري “ميرا” نفسها في عدة لقطات حميمية و هي بين ذراعي “سامح” و الشيطان قد عمد علي إختيار أوضاع بدت فيها و كأنها غير مقهورة علي ذلك إطلاقا
مستحيل .. كيف و متي إستطاع أن يفعل كل هذا !!!!
-إنت مجنـووون ! ..صاحت “ميرا” و هي تنظر له بغضب شديد
-إزاي تصورني كده ؟؟؟؟؟
سامح مهدئا : بالراحة بس يا حبيبتي . الصور عندي في Folder خاص محدش هيشوفها طبعا . غيري
ميرا بغلظة : و ليه تعمل كده ؟ قولتلي إنك هتعمل كده ؟؟!!
سامح : يا حبيبتي ده مجرد إحتياط . ماتخافيش أنا عمري ما هعمل حاجة تضرك كل إللي بعمله ده عشان نفضل أنا و إنتي سوا علطول .. و إعتدل في وقفته منهيا الحوار
لكنها مدت رأسها مصوبة نحوه نظراتها الملتهبة …
-يلا مع السلامة .. قالها مبتسما ، و أردف بغمزة :
-See you soon sweetie !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
كانت “يارا” علي شفا النعاس بعد أن تركتها “وفاء” لتستريح عقب إنتهاء المحاليل التي علقها لها الطبيب قبل رحيله ..
إرتعدت حين سمعت باب الغرفة يفتح ثم يصفق بقوة ، أدارت رأسها لتفزع عندما رأته مقبلا نحوها بخطوات متمهلة
إزدردت ريقها بصعوبة و هي تنظر إليه بعينيها الواسعتين ، هدأت نفسها تماما و قد حرصت علي إخفاء خوفها إزاءه ، فإذا كان ينوي شرا بها لن تحاول منعه أو إستجدائه ألا يفعل خاصة بعد أن إكتشفت أمر حملها منه
لا تدري كيف حدث هذا رغم أنها واظبت علي حبوب منع الحمل طوال الفترة الماضية ، منذ اليوم الأول و هي تعاقرها بإنتظام و لكن من غير فائدة ، إنها سخرية القدر علي الأرجح
لم تحسن تجنب الأمر لكن يمكنه هو أن يخدمها في التخلص من ذاك الجنين ذي النسل الشيطاني ، لو قتلها الآن ستنتهي المسألة ، سينتهي الأمر برمته و تفارقه إلي الأبد
ليته بفعلها سريعا لكي ترتاح ، بعد كل تلك المعاناة …
-حمدلله علي سلامتك ! .. قالها “سفيان” بصوته العميق و ملامحه تغلفها تلك المسحة الساخرة
نظرت له بقوة و ردت بشجاعة :
-لو جاي عشان تخلص عليا يبقي منغير مقدمات لو سمحت . و أنا من جهتي مش همنعك و لا هترجاك تسيبني . أنا دلوقتي بتمناها فعلا بعد ما عرفت إللي حصل
سفيان متظاهرا بالدهشة :
-إنتي بتقولي إيه يا يارا ؟ معقول بردو أنا أقتلك ؟ ده إنتي مراتي يا حبيبتي . إستحالة أعمل فيكي كده .. و أردف بخبث :
-و بعدين إنتي قصدك بعد ما عرفتي إيه بالظبط ؟ إنك حامل يعني ؟ لازم تعرفي إني مش ممكن آذيكي خصوصا و إنتي جواكي حتة مني . ممكن بعد كده
يارا و هي ترمقه بنظرات محتقنة :
-أنا مش هخلف منك . سامع ؟
مافيش أي حاجة هتربطني ببك سواء كنت عايشة أو ميتة يا مجرم يا حقير . إنت فاكر ربنا هايسيبك ؟ عقابك إبتدا أصلا من يوم خطف بنتك و لسا ياما هتشـ آااااااه ..
-إخرسي ! .. قاطعها “سفيان” صائحا و هو يقبض علي فكها بأصابعه القاسية ، و أكمل مزمجرا :
-أنا ماسك نفسي عنك بمعجزة . إوعي تكوني فكراني شيلتك من دماغي . أنا لسا عند وعدي طول ما بنتي بعيدة عني مش هتشوفي الراحة أبدا . بس مش دلوقتي عشان سفيان الداغر مش بيفرط في إللي منه . و إللي في بطنك ده يخصني و أنا عايزه
يارا بتحد سافر :
-و أنا بقي إللي بوعدك . مش هتشوفه . لو حكمت أموت نفسي عشان أحرمك منه زي ما إتحرمت من بنتك قبله هعملها
هذه المرة بالغت في إستثارة أعصابه ، كانت دمائه تغلي في عروقه و هو يرمقها بنظرات فتاكة و قد تشنجت عضلاته بقوة
كاد يطلق نفسه عليها و هو يجأر بوحشية :
-أنا هعرف إزاي أخرسك كويس يا ××××× يا بنت الـ آ ..
-سفـيان بـيه ! .. كان هذا صياح الخادمة التي إقتحمت الغرفة فجأة
إلتفت نحوها بوجهه المحتقن ، فلم تعطه أي فرصة للرد و باغتته :
-رجعت . مـــيرا رجعت …… !!!!!!!!!
يتبــــع …
الفصل الخامس والثلاثون
~¤ يقين ! ¤~
لم يصدق أذنيه عندما أبلغته الخادمة بذلك الخبر الصاعق ، خال أنه يتوهم و إنها قالت شيئا أخر فإختلط عليه الأمر لكثرة تفكيره المستمر بإبنته
لكن أساريرها المنفرجة عن أخرها جعلته يترك “يارا” فورا و يمضي صوبها كالسهم و هو يهتف :
-بتقولي إيـه داده عطيات ؟ قولتـي إيــه ؟؟؟؟
عطيات و هي ترمقه بإبتسامة مقدرة ردة فعله :
-بقول لحضرتك الهانم الصغيرة رجعت . بنت حضرتك الأنسة ميرا رجعت يا سفيان بيه ألف حمدلله علي سلامتها
إتسعت عيناه و هو يسألها بتلهف :
-فــين ؟ هـي فـــين ؟؟؟
عطيات و هي تشير للخارج :
-تحت مع وفاء هـانـ آ .. و بترت جملتها فجأة عندما تجاوزها مارا كالبرق حيث إبنته
…………
في الأسفل وقفت “وفاء” بمنتصف المدخل ، تضم “ميرا” بقوة و هي تهدل بعدم تصديق :
-يا حبيبة قلبي . يا روح عمتك .. وحشتيني يا غالية ألف حمد و شكر ليك يا رب . حمدلله علي سلامتك يا قلبي أنا مش مصدقة نفسي
-مــــــيرا ! .. كان هذا صوت “سفيان”
بالطبع هو ، تطلعت “ميرا” نحو المصدر ، فرأته يهبط الدرج بهرولة عجيبة ، كأنه يطير لا يلمس الدرجت بقدميه ، طوي المسافات بينهما في ثانيتين ، حتي لم تحسن النطق بحرف ، لتجد نفسها تُجتذب بعنف ثم تستقر بين أحضان أبيها
أطبقت ذراعاه عليها بشدة حتي شعرت بالعجز عن التنفس ، بينما أطلق “سفيان” تنهيدة حارة مطولة ، كان كمن يكافح ليرتقي جبلا ثم أخيرا وصل للقمة
الآن فقط إستطاع أن يتنفس و هو يشعر بالراحة تغمره ، عادت “ميرا” إلي كنفه ، رائحتها تتغلل بأعماقه في هذه اللحظة بالذات
لا ريب أنها تمثل حياته كما صرح ، لا ريب …
-دآ . دادي .. بليز . مش عارفة أخد نفسي .. هكذا خرج صوت “ميرا” مختنقا و هي تتململ باحثة عن منفذ لتعبئة الهواء برئتيها
هنا أفاق “سفيان” من حالة الإستقرار اللاوعي التي إكتسبها بإستعادة جوهرته الثمينة ، إنفتحت عيناه دفعة واحدة ، فك ذراعيه من حولها و إرتد للخلف قليلا ، فشهقت كأنها خرجت من الماء
كان ممسكا برسغيها الآن ، طالعها بنظرات حملت آلاف المعاني .. الصدمة ، عدم التصديق ، الخوف ، الفقدان ، الألم ، الغضب ، مزيدا من الغضب
عضت “ميرا” علي شفتها ، أنبأها تعبير وجه أبيها بحلول أشياء مرعبة ، تركزت نظراتها القلقة علي عيناه الحادتين و بقت في الإنتظار …
-كنتي فين ؟ .. تساءل “سفيان” بصوت أجش
-جاية منين ؟ و إزاي مشيتي ؟ كنتي مع مين ؟ .. إنـــطقي
أجفلت “ميرا” و هي ترد بلهجة مهزوزة :
-دادي أنا كنت مخطوفة . إنت أكيد عارف . مش كده و لا إيه ؟!
سفيان و يهزها منفعلا :
-مين إللي كان خاطفك ؟ و إزاي رجعتي دلوقتي ؟ و إيه الهدوم إللي عليكي دي فين هدومك ؟ .. و تأمل لباسها الرياضي الأنيق بنظرات جزعة
تلعثمت “ميرا” و هي تقول بإرتباك :
-أنا هقولك علي كل حاجة . بس بليز Calm down
تدخلت “وفاء” في هذه اللحظة :
-سفيان . سفيان ممكن نأجل الكلام لبعدين ! البنت أكيد محتاجة ترتاح
-إسكتي يا وفـاء .. صاح “سفيان” دون أن يحيد عن إبنته ، و أكمل :
-مافيش راحة و لا أي حاجة قبل ما أعرف كل إللي حصل . لازم أسمع منها دلوقتي حالا . لازم تقولي مين و لو طلع شكي في محله و حرمي المصون كان لها يد في خطف بنتي هيبقي في كلام تاني
وفاء بعصبية : يا أخي إنت عايز تعمل كوارث و خلاص ؟ قولتلك إستحالة يارا تعمل كده
نظر “سفيان” لأخته و قال بخشونة :
-يارا مش ملاك زي ما إنتي فاكرة . و إكتمي خالص بقي مش عايز أسمع صوتك أنا هنا إللي بتحكم
و إنتقل لإبنته من جديد ..
سفيان و هو يكز علي أسنانه بنفاذ صبر :
-إتكلـمي يا مـيرا . مين إللي عملـها ؟؟؟؟
عضت علي شفتها بقوة و قد غاص قلبها ، تعرقت راحتيها و جف حلقها و هي تعتصر عقلها لتستولد كذبة متقنة تتفادي بها الوقوع بحبيبها ، أمام نظرات أبيها المدمرة تشيح بوجهها يمنة و يسرة مجاهدة حيرتها
من تقول ؟ .. من بإمكانها الوشاية به ؟ من ؟ .. لا تعرف ، لكنها تستطيع إتهام الجميع زورا ، إلا هو …
لم تجد “ميرا” سوي إسمها الذي ذكره هو و عمتها قبل قليل ، أدلت به من دون تفكير ، من دون تمييز حتي و قد أغلق عقلها كل أبوابه …
-يـارا ! .. هتفت “ميرا” و كأنها قبضت علي الهدف العاص ، و لكن الغريب إنها فمهت و ندمت في الحال
عندما لمحت ألق الصدمة في عيني والدها ، للحظة واحدة ثم بزغت تلك النظرة المظلمة الخطيرة …
إبتسم “سفيان” بإنتصار و قال بنبرة هادئة :
-سمعتي يا وفاء ؟!
حدقت “وفاء” بإبنة أخيها بصدمة و قالت :
-مــيرا ! إنتي بتقولي إيه ؟ إنتي متأكدة ؟ عرفتي منين إنها يارا ؟؟ يارا ماخرجتش من البيت من ساعة ما إتجوزت أبوكي !!!!
إبتلعت “ميرا” ريقها و هزت رأسها مجيبة :
-أنا مش شوفتها . بس سمعت الـ guards إللي كانوا بيحرسوني بيكلموها في الموبايل
وفاء : كلموها أول ما خطفوكي و لا إمتي ؟!
ميرا بشحوب : أيوه أول ما خطفوني من أوضتي
وفاء بحذاقة : إزاي و الـMake_Up artist إللي كانت معاكي قالت إنهم خدروكي عشان يعرفوا يهربوا بيكي ؟ سمعتي المكالمة إزاي ؟؟!!
يا له من مأزق ! كيف السبيل للهرب من تلك المعضلة ؟؟؟
-يا أنطي أنا ماكنتش شايفة . بس كنت سامعة و حاسة ! .. هكذا وجدت “ميرا” نفسها تكذب بمنتهي اليسر
و يبدو أنها كذبة عبقرية ، فقد إرتخت خطوط وجه العمة و إزدادت إبتسامة أبيها إتساعا ، رأته سيهم بطرح المزيد من الأسئلة فسبقته :
-دادي . I am so tired . و جعانة أووي . بليز نتكلم بعدين
لاحظ “سفيان” هزلها و ضعفها قبل أن تقول ، لكنه قال بإصرار :
-حبيبتي هتاكلي و ترتاحي و هتعملي كل إللي إنتي عايزاه . بس الأول لازم تحكيلي علي كـــل إللي حصل . بالتفصيل
زفرت “ميرا” و هي تهز رأسها بيأس ، نظرت إليه و قالت بفتور :
-أوك . بس ممكن تخلي حد يحاسب سواق التاكسي إللي واقف برا ؟ هو إللي وصلني لحد هنا
سفيان بتحفز : جيتي في تاكسي . كويس . أنا هطلعله بنفسي .. ثم إلتفت إلي “وفاء” مكملا :
-وفاء خلي الخدم يحضروا الأكل لميرا و خلي بالك منها لحد ما أرجع !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
كانت دموعها تسيل في صمت … عندما فرغت الخادمة من التغيير لها علي الجرح
كانت الأخيرة تبتسم و هي تمسد علي قدمها المضمدة برفق قائلة :
-خلاص يا ست الهوانم . خلصنا أهو !
و تطلعت إليها ، تلاشت إبتسامتها فورا حين رأت عيناها الدامعتين ، ففغرت فاهها و هي تقول بصدمة :
-إيه يا هانم . أنا عملت حاجة غلط و لا إيه ؟ أنا نفذت تعليمات الدكتور بالحرف و الله ده غير إني إشتغلت ممرضة قبل كده في المستوصف إللي علي إمة شارعنا . و الله غيرت علي الجرح صح
إنتبهت “يارا” إليها ، كفكفت دموعها و هي تقول بصوت مبحوح :
-إنتي تمام يا دادة عطيات . أنا مش بعيط بسبب الجرح .. في جرح تاني أكبر منه بكتير . هو إللي بيألمني
عطيات بحزن : سلامة قلبك يا يارا هانم قوليلي إيه إللي تاعبك و أنا أداويكي بعنيا ده إنتي مافيش أطيب منك ربنا يقومك لينا بالسلامة يارب
يارا مبتسمة بتعب :
-ربنا يخليكي يا دادة . بس ماتشغليش بالك بيا أنا هبقي كويسة . روحي شوفي أهل البيت هما أكيد محتاجينك دلوقتي أكتر مني
عطيات : مافيش أهم منك هنا بالنسبة لي يا ست الهوانم . بصراحة أنا هتجنن . إزاي واحدة زيك توافق علي الجواز من سفيان بيه ؟! مش داخلة دماغي !!
يارا بمرارة : نصيبي يا دادة ..ثم قالت بإستغراب :
-بس ليه بتقولي عليه كده ؟ المفروض إنه ولي نعمتك و ولائك له !
عطيات بجدية : هو ولي نعمتي و ولائي له أه . أنا هنا بشتغل في البيت ده بقالي 15 سنة و سفيان بيه و أخته وفاء هانم بيعتبروني واحدة من البيت . لكن بصراحة مابتعجبنيش طريقتهم في الحياة .. أنا شوفت كتير في البيت ده حاجات ماترضيش ربنا . بس إللي سكتني إني ماشوفتش منهم حاجة وحشة ليا . إتعودت عليهم و إتعودوا عليا و ماشية علي القانون إللي حطه سفيان بيه لكل الشغالين هنا
يارا : قانون إيه ده يا دادة عطيات ؟!
عطيات : لا أسمع لا أري لا أتكلم . كل واحد هنا عارف حدوده كويس و محدش يقدر يعمل أكتر من المسموح .. و أكملت بحزن أكبر :
-بس أديني عديت الحدود لأول مرة إنهاردة و قعدت أتكلم معاكي . أصلك بصراحة صعبانة عليا و مش عارفة أعملك إيه ! سفيان بيه مش سهل و طالما قسي عليكي مش هيرجع أبدا . بجد أنا خايفة عليكي يا ست يارا
إبتسمت “يارا” معبرة عن سرورها بهذه المحبة و قالت :
-أنا متشكرة جدا علي مشاعرك الغالية دي يا دادة عطيات . و بوعدك محدش أبدا هيعرف أي حاجة عن إللي قولتيه دلوقتي . ماتقلقيش
عطيات : أنا مش قلقانة علي نفسي و الله . كده كده الناس عارفين حقيقة الباشا بس محدش يجرؤ يقرب منه . أنا بس خايفة عليكي إنتي
يارا بيقين : ماتخافيش يا دادة . قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا
……………………………………………………………………….
في الشرفة السفلية المطلة علي حديقة الڤيلا ، جلست “ميرا” أمام أبيها و عمتها ، كان فمها ممتلئا بالطعام ، و كم كان من العسير علي “سفيان” الكف عن التساؤلات في هذه اللحظات
لكنه آثر الصمت عندما رآها تلتهم الطعام بتلك الشراهة ، حاول أن يشغل نفسه بالتفكير في الخطوات المقبلة ، ليقاطعه صوت “وفاء” في اللحظة التالية :
-و سواق التاكسي قالك إيه يا سفيان ؟
نظر “سفيان” لها و أجاب :
-ماطلعتش منه بحاجة مفيدة . قالي إنه لاقها علي أول طريق المنصورية . وصفلي المكان و عرفت إنه شبه مهجور . مكان خاضع لخطط تعمير و ماظنش إن ممكن تكون في حاجة هناك تخص يارا
وفاء : يعني هي بريئة كده صح ؟
سفيان بإستهجان : لأ طبعا . بريئة إيه ؟ إنتي ماسمعتيش ميرا قالت إيه ؟!
وفاء بنفاد صبر :
-أومال إنت قصدك إيه ؟
سفيان : و لا حاجة . هي أكيد وزت عليها . أنا واثق إنتي بس إللي مستهونة بيها ماتعرفيش إنها كانت بتنكش ورايا قبل ما أجوزها و لا حتي تعرفي إنها كانت بتحضر لسبق صحفي بقضية عمك . حضرة العمدة منصور الداغر
حملقت فيه “وفاء” بصدمة ، ليبتسم لها هازئا و هو يؤكد علي كلامه بإيماءة قصيرة ..
كانت “ميرا” تراقبهم جيدا ، رغم أنها لا تعرف عما يتكلما ، لكنها شعرت بقليل من الأمان و إطمئنت علي مجريات خطتها ، يبدو أن والدها لديه أفكار لا تحصي و تلك الكذبة التي كذبتها كانت مجرد ذريعة لأفكاره ساعدته كثيرا علي إتخاذ القرارات
و لكن هل أصابت ؟ في الواقع لا يهم ، فقد مات قلبها اليوم و أضحت مثل والدها تماما …
أحس “سفيان” بتوقف حركة إبنته عن الطعام ، أدار وجهه ناحيتها فوجدها كفت عن الأكل بالفعل ..
-هنيا يا حبيبتي . Better دلوقتي يا ميرا ؟
إزدردت “ميرا” ما تبقي بفمها من طعام و ردت علي أبيها :
-yes دادي . أنا بقيت كويسة أوي دلوقتي
سفيان بحماسة و قد مد جمسه للأمام :
-طيب حلو . قوليلي الأول بقي .. إنتي كويسة و محدش إتعرضلك خالص ؟؟
ميرا : I’m Completely great . ماتقلقش
سفيان : الحمدلله . طيب إحكيلي كانوا بيعاملوكي إزاي ؟ و كانوا كام بالظبط ؟ و لو تعرفي أسمائهم قوليهالي !
ميرا و هي تمثل الدور بإتقان شديد :
-هما كانوا كتير دادي . بس كان في واحد دايما معايا بيحرسني . ماعرفش أسمائهم محدش كان بيتكلم قدامي خالص
زم “سفيان” شفتاه بتبرم ، زفر بحرارة ثم عاود النظر لها :
-طيب كانوا بيعاملوكي إزاي ؟
ميرا و هي تقول الصدق هذه المرة :
-هما كانوا مكتفين إيديا و رجليا علطول و كمان عنيا كانوا حاطين عليها ماسك أسود و ماكنش مسموح ليا غير بـ3 حاجات بس . الأكل و الشرب و الحمام
سفيان بإهتمام : غيرتي هدومك إزاي ؟ و إزاي هربتي منهم ؟؟؟؟
إبتسمت “ميرا” ساخرة في داخلها ، و بدأت تردد ما لقنها إياه “سامح” :
-أنا . طلبت منهم هدوم . الدنيا كانت برد عليا أووي و هما جابولي كل إللي طلبته بصراحة . و هربت منهم إزاي ! كان في شباك في الحمام إللي كنت بدخله . صحيح كان مقفول بالحديد بس مش عارفة إيه إللي خلاني أجرب أزقه وقع . ساعتها مش كنت مصدقة . نطيت منه علطول و إتسحبت لحد ما لاقيت سلم في ضهر السور . طلعت عليه و نطيت علي الطريق إللي برا . فضلت أجري بسرعة بسرعة لحد ما وقفت تاكسي و جيت علي هنا
سفيان : طيب ماتقدريش توصفيلي المكان إللي كنتي فيه ؟ يعني لو ختك و روحنا المنطقة دي . تعرفي توديني المكان ده ؟؟!!
ميرا متظاهرة بالآسف :
-لأ . أنا مشيت كتير علي رجلي و المكان كان صحرا أوي . مافيش علامات مميزة . Sorry دادي
سفيان و هي يرسم علي شفتاه شبح إبتسامة :
-و لا يهمك يا حبيبتي . أنا كل إللي يهمني إنك رجعتيلي بالسلامة . إنتي ماتعرفيش أنا كنت عامل إزاي في غيابك .. كنت هتجنن
ميرا بإبتسامة رقيقة :
-إنت إللي وحشتني جدا و كنت خايفة ماشوفكش تاني !
قرب “سفيان” مقعده من مقعدها و أخذها بين ذراعيه مغمغما :
-أنا آسف لأني مقدرتش أحميكي المرة دي . آسف جدا .. بس أوعدك إني هاخدلك حقك تالت متلت . أنا ماعنديش أغلي منك . للمرة المليون أنا عايش بسببك يا ميرا
ضغطت “ميرا” خدها علي صدره و هي تقول :
-و أنا Nothing منغيرك . ربنا يخليك ليا .. و رفعت رأسها مقبلة أسفل فكه
-يا خبر ده إحنا نسينا نكلم سامح !
إرتعدت “ميرا” عندما ذكر والدها إسمه ، تخشبت بأحضانه بينما ردت عمتها :
-زمانه علي وصول . أنا لاقيتك ناسيه فكلمته أنا من شوية صغيرين
سفيان : و قالك إيه ؟
وفاء : مش مصدق نفسه طبعا . قولتله طيب تعالي و شوف بنفسك
ضحك “سفيان” بخفة ، ليزداد إضطراب “ميرا” فإن أخر شئ تريده اليوم هو أن تري ذلك البغيض ، كيف ستقابله مرة أخرى ؟ كيف ستتصرف أمام والدها و عمتها ؟؟؟
-سفيان بيه ! .. كان هذا صوت الخادم
تطلع الأب و الإبنة نحوه في الوقت ذاته ، و قال “سفيان” :
-في حاجة يا كرم ؟
كرم : الست ميرڤت والدة يارا هانم وصلت حضرتك ……. !!!!!!!!!!!
يتبـــع …
الفصل السادس والثلاثون
~¤ مؤامرة ! ¤~
وسط الهدوء التام الذي غاصت فيه الغرفة ، كاد النعاس أن يغلبها ، لولا دخوله المفاجئ كالمعتاد …
إرتعدت حين دفع الباب بقوة و نظرت نحو الزائر المجهول بعينين متسعتين ، كلما إنفتح هذا الباب تعتبر الأمر منذ البداية نذير شؤوم حتي لو لم يكن هو ، لكنه كان هو مرة أخري
لم يدهشها عودة قناع البرود الساخر إلي وجهه ، بل بقت هادئة تماما و هي تحرص علي عدم إظهار أي خوف منه ، بينما كان يقترب منها بخطوات ثابتة ، عيناه في عيناها تحدقان بهما بقوة .. جلس مقابلها علي طرف الفراش و قد أسند يداه محاصرا إياها بينهما …
-إديني سبب واحد يخليني أسيبك عايشة و بتتنفسي لحد دلوقتي ؟! .. قالها “سفيان” بصوت خافت و إبتسامة غريبة تنبلج علي وجهه
نظرت “يارا” إليه غير متأثرة إطلاقا بعبارة التهديد هذه و قالت :
-مافيش أسباب . تقدر تخلص عليا دلوقتي حالا .. ساعتها ممكن جدا ترتاح
سفيان بخبث : و إنتي ترتاحي ؟ لأ يا حبيبتي . أنا لايمكن أنولك الراحة أبدا . أبدا .. و إنقبضت تعابير وجهه المنفرجة بلحظة ، ليكمل بغضب :
-عرفتي تخدعيني كويس المرة دي . عرفتي تمسكيني من إيدي إللي بتوجعني صح يا يارا . كنتي عايزة تحرميني من بنتي ؟ أديها رجعت لحضني غصب عنك . طلعت بنت أبوها فعلا و عرفت تهرب من الـ×××××× إللي جبتيهم يخطفوها
ماتقلقيش . أوعدك في أقرب وقت هعرفعم و هاجيبهم هنا و هخلص عليهم قدامك واحد واحد
يارا مبتسمة بإستخفاف :
-إنت لسا متخيل إني دبرت لحكاية خطف بنتك ؟ إنت حر . بس أرجع و أقولك تاني . أنا لو فضلت حية مش هتسلم من أذايا . إخلص مني أحسن لك قبل ما يكون أحسن لي
ضحك “سفيان” بمرح و قال :
-إنتي مستعجلة أوي علي الفراق . بس أحب أطمنك أنه قرب جدا . بمجرد ما تولدي أوعدك إني هاريحك علي الأخر
حدجته بنظرات كارهة و قالت بنبرة تشتعل حقدا :
-أنا واثقة إنك هتندم قريب أوي . هتندم لدرجة هتتمني لو إنك ماجتش علي الدنيا دي أصلا عشان ماتشوفش حق كل الناس إللي إفتريت عليهم و هو بيخلص منك كله مرة واحدة
سفيان بسخرية : و ماله . مايضرش . أنا طول عمري حمال قسية .. و ضرب جبينه بكفه صائحا :
-يآاااه . شوفتي كنتي هتنسيني إزاي ! أنا أصلا كنت جاي عشان أقولك مامتك جت تحت
يارا بلهفة : ماما ! ماما جت ؟؟
سفيان بإبتسامته الشيطانية :
-أيوه جت . وفاء راحت تستقبلها و بتأخرها شوية لحد ما أنزلهم . طبعا مش محتاج أنبه عليكي مافيش داعي مامتك تعرف حاجة عن الطلقة إللي ختيها في رجلك عشان لو حصل و حياة بنتي يا يارا . همسحهالك من علي وش الأرض .. إتفقنا يا روحي ؟
إرتسم علي وجهها تعبير متألم و هي تقول بلهجة مريرة :
-ماتخافش . إنت مش محتاج تهددني المرة دي . أنا مش ممكن أخليها تحس بالحسرة علي بنتها بدري كده . خليها عايشة في وهم إني مبسوطة و متهنية في بيت جوزي
-كده إنتي شاطرة .. تمتم “سفيان” و هو يحني رأسه ليغتصب قبلة من خدها
-يلا أنا نازل و هبعتلك ماما . إوعي تروحي في النوم بقي أحسن عنيكي نايمانين خالص .. و ضحك و هو يلتفت مغادرا
حدقت “يارا” في إثره مغمغمة :
-شـيطان !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
كانت “وفاء” شديدة البراعة في إخفاء توترها عن والدة زوجة أخيها البشوشة ، إنتهجت معها إسلوبا لطيف في الحوار
بينما كانت “ميرڤت” نصف مشغولة بالنظر إلي “ميرا” التي تفاجأت بعودتها كثيرا ، حضر “سامح” منذ قليل و وقف بين “وفاء” و “ميرا” مطوقا خصر الفتاة و متظاهرا بالفرحة لرجوعها …
-بس ألف حمدلله علي سلامة بنتكم الغالية و الله بالي كان مشغول عليها جدا ألف مليون سلامة !
هكذا قدمت “ميرڤت” مجاملتها بطريقة حميمية ، لترد “وفاء” بإبتسامتها العذبة :
-إحنا متشكرين أوي يا ميرڤت هانم . إنتي بقيتي واحدة من العيلة خلاص و ميرا زي يارا بالظبط عشان كده حسيتي بالقلق عليها
ميرڤت : طبعا يا وفاء هانم . و الله ربنا يعلم محبتكم في قلبي شكلها إيه
و هنا ظهر “سفيان” أعلي الدرچ و هو يهتف بحفاوة :
-أهلا أهلا أهلا . ميرڤت هانم عندنا ؟ يا 100 خطوة عزيزة .. و مضي إليها بإبتسامة واسعة
ميرڤت و هي ترد له الإبتسامة :
-هلا بيك إنت يا سفيان بيه . و الله وحشتني
يصل “سفيان” عندها و يتناول يدها ليقبلها بإحترام كعادته ، ثم ينظر لها قائلا بعتاب :
-أنا لو كنت وحشتك فعلا يا حماتي كنتي جيتي تسألي عليا أنا و بنتي . و لا إنتي ماكنتيش تعرفي ؟
ميرڤت بتعاطف : لأ كنت عارفة بس ماحبتش أجي أتقل عليك . أكيد كنت في حالة وحشة
زم “سفيان” شفتاه معترفا :
-في الحقيقة أنا كنت في حالة وحشة فعلا . بس مجيك ماكنش هيضايقني إطلاقا بالعكس كنتي هتخففي عني شوية .. كذب في نصف العبارة الثاني
ميرڤت بلطف : عموما حمدلله علي سلامتها و ربنا مايوريك حاجة وحشة فيها أبدا
سفيان بإبتسامة : متشكر . متشكر يا ميرڤت هانم
ميرڤت : العفو يا باشا .. ثم قالت و قد إتسمت نبرتها بالجدية الآن :
-أومال هي فين يارا صحيح ؟ من أول ما جيت ماشوفتش ضلها خالص !
تماسك “سفيان” أمام تساؤلها و رد ببرودة أعصاب إعتيادية لديه :
-يارا فوق في أوضتنا مريحة شوية . أصل لسا الدكتور ماشي من عندها من كام ساعة كده
شهقت “ميرڤت” بصدمة و قالت بهلع :
-دكتور ! لـيه ؟ بنتي فيها إيه يا سفيان بيه ؟؟
سفيان بإبتسامة مطمئنة :
-إهدي يا هانم ماتقلقيش . يارا زي الفل .. الدكتور قال إنها حامل بس و لازم تستريح في السرير طول الفترة الجاية علي أد ما تقدر
-حامل ! يـارا حـامل ؟! .. هدلت “ميرڤت” بفرحة عارمة ، و تابعت :
-يعني أنا هبقي جدة ؟ يآاااااه ألف حمد و شكر ليك يا رب . طيب عن إذنكوا أطلع أطمن عليها
سفيان : أه طبعا إتفضلي . و صليها من فضلك يا وفاء
وفاء و هي تومئ مبتسمة :
-أكيد . إتفضلي معايا يا ميرڤت هانم ! .. و أخذتها و صعدت لجناح شقيقها و زوجته
تنهد “سفيان” بعمق متخلصا من إبتسامة الرياء التي إصطنعها لأجل تلك السيدة ، نفض رأسه و حول ناظريه نحو صديقه ، رآه و هو يلاطف “ميرا” و يربت علي شعرها بحنان بينما تبتسم الأخيرة برقة متجاوبة مع دفقات عطفه الأبوية ، علي حسب رؤية “سفيان” …
-أخيرا جيت يا سامح ! .. قالها “سفيان” رافعا أحد حاجبيه
نظر “سامح” إليه و رد مظهرا دهشة متقنة :
-سفيان . أنا مش مصدق ! بجد لحد دلوقتي مش مصدق . رجعت البنت إزاي ؟؟!!
سفيان : إنت مستهون بالدواغرة . دي بنت سفيان الداغر يا سامح . تعالي يا قلب أبوكي .. و مد يده ساحبا إياه من صديقه
لف ذراعاه حولها و إحتضنها بقوة قائلا :
-بنتي رجعتلي لوحدها يا سامح . بس إحنا مش هنسيب حقها مش كده ؟
سامح بتأكيد : طبعا . أسمع بس التفاصيل و هشوف شغلي فورا
سفيان بجدية : هنقعد دلوقتي و نتكلم . كل حاجة هتمشي زي ما لازم تمشي
أومأ “سامح” آخذا نفسا عميق و قد شعر بإقتراب العقاب المناسب الذي حدده للحبيب الولهان ، رقص قلبه فرحا عندما لمس الوعيد في صوت “سفيان” مع إزدياد مشاعر الغيرة حين إلتقت عيناه بعيني “ميرا” و شاهد فيهما حزن يفوق الوصف ، فأزداد إصراره أيضا علي القضاء علي ذلك الفتي نهائيا كي يستولي عليها وحده ، لعله حينها ينجح في أن يجعلها تحبه و لو قليلا ..
-مــــــــــــــــيرا !
جمد “سامح” و شخصت نظراته عندما وصل إلي أذنه هذا الصوت ، كان بحاجة للإلتفات حتي يتأكد من شكوكه
لكنه لم يلحق ، حيث شاهد “ميرا” و هي تتخلص من ذراعي أبيها في لحظة لتنطلق صوب صاحب الصوت الهادر و هي تصيح :
-يـــــــوســف !!
إستدار “سامح” ليري بنفسه ، ربما كان يتوهم ..
لكنه إصطدم برؤية غريمه المراهق حقا ، رآه و هو يتلقي “ميرا” بين ذراعيه و يرفعها عن الأرض معتصرا إياها بأحضانه ، كأنه سيحفرها بداخله
حول نظراته إلي “سفيان” متأملا في ردة فعله المتهورة إزاء خطيب إبنته الذي من المفترض أنه قام بإختطافها كما روت له “ميرا” .. لكن علي العكس تماما
كان “سفيان” مبتسما ملء وجهه الأمر الذي بث الريبة و التوجس في نفس “سامح” ، إزدرد ريقه بتوتر ملحوظ و عاد يطالع المشهد الغرامي من جديد ، ليتحول قلقه إلي نيران متآججة سببها الغيرة التي هي وحشا يفتك بضحاياه بلا أي رحمة …
-آاااااه يا حبيبتي . أخيرا ؟ أخيرا رجعتيلي يا ميرا ! .. قالها “يوسف” و هو يدفس وجهه في تجويف عنق “ميرا” متنشقا رائحتها قدر ما إستطاع
كانت “ميرا” تشهق من شدة بكائها ، شددت ذراعيها حول عنقه و هي تقول بصعوبة :
-چـوو . حبيبي .. وحشتيني أوووي . وحشتني حبيبي
يوسف و هو يوزع قبلاته حول شعرها و جبينها و وجهها كله و قد نسي وجود والدها تماما :
-أنا كنت هتجنن .. ماكنتش عارف أعيش منغيرك يا حبيبتي .. وحشتيني أوي . أوي . أوووي
و هنا إلتقطت أذنه صوت حمحمة غاضبة ، فتح عيناه في هذه اللحظة ليري “سامح” و هو يرمقه بنظرات محتقنة
إبتسم بعفوية و أنزل “ميرا” علي قدميها ، لكنه لم يفك عناقهما ، مشي بها صوب أبيها و هو يقول بصوت مرهق :
-مساء الخير يا عمي ! أنا آسف إني جيت منغير ما أستأذن بس ملحقتش أفكر في أي حاجة لما عرفت إن ميرا رجعت
سفيان بنظراته الثاقبة :
-عرفت منين يا يوسف ؟
يوسف و هو يتلفت باحثا بعيناه :
-من طنط وفاء . هي إتصلت بيا من ربع ساعة و قالتلي .. ثم قال بصوت متصلب :
-بس أنا عايز أعرف مين إللي عملها . لو سمحت !
سفيان بنبرة مستخفة :
-ليه يا يوسف ؟ فاكر إنك ممكن تعمل أكتر من إللي بعمله ؟!
يوسف : أنا ماقصدش كده يا عمي . حضرتك أدها و أدود أنا ماجيش جمبك حاجة طبعا . بس ميرا خطيبتي و شوية و هتبقي مراتي . يعني إللي يدوس علي طرفها كأنه داس علي شرفي بالظبط و أنا مش ممكن أقبل بكده أو أسيب حقها . لازم أخده بنفسي
أومأ “سفيان” رأسه و قد أعجبه موقف الفتي ، لأول مرة يشعر بالإعجاب إزاءه ..
-إطمن ! .. قالها “سفيان” بهدوء :
-كرامتك و كرامة بنتي محفوظة . و إن كان علي رد الإعتبار عايزك تتأكد إني مش بسكت عليه أبدا . و مسيرك تشوف بعنيك .. و نظر إلي “سامح” مكملا :
-مش كده يا سامح ؟
نظر “سامح” له و أجاب مغالبا إنفعالاته :
-كده . طبعا يا سفيان ………. !!!!!!!!!!!!!
يتبـــــع …
الفصل السابع والثلاثون
~¤ غيرة ! ¤~
لم تفارق “وفاء” الأم و إبنتها طرفة عين ، عندما إستشفت من لهجة أخيها و نظرته ضرورة البقاء معهما ، ظلت مرافقة لهما دون أن تبدي كلل أو ملل و قد حرصت علي المشاركة اللطيفة سواء بالكلمة أو الإبتسامة
بينما فطنت “يارا” بسهولة لما يدور ، فلم يسعها إلا رسم تعبير ساخر خفي علي وجهها وحدها “وفاء” من تستطيع فهمه و رؤيته بمنتهي الوضوح …
-أنا مهما أقول مش هقدر أوصفلك فرحتي يا حبيبة قلب ماما ! .. قالتها “ميرڤت” و هي تمسح علي شعر إبنتها بحنان
يارا بإبتسامة متكلفة :
-ربنا يخليكي ليا يا ماما . و أفرحك أكتر
ميرڤت : أه بس أنا مش عايزاكي تسمعي كل كلام الدكاترة كده . إنتي تستريحي أه بس الدكتور إللي يقولك ماتتحركيش خالص ده ماتسمعيش كلامه . دي الحركة بركة يابنتي . شيلي يلا الغطا ده و فوقي كده .. و أمسكت باللحاف و كادت أن ترفعه
-يا ميرڤت هانم ! .. صاحت “وفاء” و هي تقبض علي يد الأم بحزم و قد لحقتها قبل أن تكشف عن الساق المصابة ، و أردفت بلطف :
-يارا في الشهور الأولي و مش حمل نزلة برد حتي . لازم نسمع كلام الدكتور لحد ما تبقي في الأمان هي و البيبي
نظرت “ميرڤت” لها و قالت :
-أيوه يا وفاء هانم بس أنا لما كنت حامل فيها ماكنتش بقعد خالص . كنت عاملة زي الموتور إللي مش بيقف أبدا لحد يوم ولادتها و الله
وفاء بمزاح : إنتي هتقارني بنات اليومين دول بيكوا إنتوا يا بتوع زمان ؟ ده إنتوا إللي فيكوا العافية كلها تيجي إيه يارا جمبك بس
ميرڤت و هي تضحك :
-علي رأيك و الله البنت دي طول عمرها مسمومة تسيب أكلي أنا و تروح تاكل برا لحد ما بقت منفوخة من برا و من جوا ماتلاقيش فيها حاجة خالص
يارا بإبتسامة تهكمية :
-ماشي يا ماما . عايريني كمان قدام الناس
نظرت “وفاء” لها و قالت بعتاب :
-هو أنا بردو ناس يا مرات أخويا ؟!
رمقتها “يارا” بصمت هازئ و لم ترد ، لتبادر “ميرڤت” بتلعثم و هي توزع نظراتها علي الإثنتين :
-ده إنتي الكل في الكل يا وفاء هانم . يارا بتهزر .. مش كده يا يارا ؟
أومأت “يارا” بنفس التعبير الهازئ ثم أشاحت بوجهها للجهة الأخري …
عبست “ميرڤت” بإستغراب من هذا الجفاء الذي لمسته فجأة بين إبنتها و أخت زوجها ، أحست “وفاء” بما يدور بعقل الأم فقالت مسرعة لتمنعها عن الإسترسال في التفكير :
-إنتي بقي هتتعشي معانا يا ميرڤت هانم . إحنا الليلة دي عاملين أحلي عشا بمناسبة رجوع ميرا بالسلامة
ميرڤت : معلش يا وفاء هانم مش هقدر أصلي مواعدة أختي سعاد أبيت عندها إنهاردة و هي هتكون مستنياني علي العشا . مرة تانية إن شاء الله
وفاء بإبتسامة : ماشي هنسامحك المرة دي . بس أعملي حسابك في يوم تقضيه معانا من الأول للأخر !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
كان “سامح” يجالس “سفيان” بالصالون ، أمامهم بالشرفة المقابلة جلست “ميرا” و خطيبها “يوسف” فوق الأرجوحة المستطيلة
كانت العصبية تستبد به ، و قد بلغ غضبه أقصي الحدود ، لكنه لم يجرؤ علي إظهار أي من المشاعر التي تختلج بداخله ، فقط ظل يهز قدمه اليمني بوساطة محاولا كبح نفسه و الظهور بمظهر الهادئ و هو يري العاشقان متداخلان في بعضهما البعض بصورة حميمية للغاية
و ما أثار غيظه أكثر ملاحظة “سفيان” لهما دون إبداء أي إعتراض ، بل أنه كان يلقي عليهم نظرة من حين لأخر و هو يبتسم بمنهتي البساطة …
-مش عارف أتصرف معاها إزاي و هي حامل كده ! .. قالها “سفيان” بحيرة و قد طار سرب من الدخان عبر فمه و فتحتي أنفه
نظر “سامح” إليه و رد بلهجة مقتضبة :
-مش المفروض تعمل معاها أي حاجة . لا و هي حامل و لا حتي بعد ما تولد .. دي بقت أم لإبنك أو بنتك مش هينفع
سفيان و هو يطفئ سيجاره بالمنفضة بحركات عصبية :
-يعني عايزني أسيب حق بنتي ؟ أنا ماتعودتش أسيب حقي أبدا ما بالك بــنتي !!
سامح بتنهيدة : معلش . إتنازل المرة دي
سفيان بغضب : لأ طبعا . أنا هصبر عليها بس لحد ما تولد . و بعدين هاوريك هعمل فيها إيه
سامح بنفاذ صبر :
-هتعمل إيـه يعني ؟ هتقتلها ؟!
لوي “سفيان” فمه بإبتسامة ساخرة و أجابه :
-لأ مش هقتلها . إنما هخليها تتمني إني أقتلها . هاوريها التناكة و اللامبالاة إللي علي وشها ليل و نهار دي . هطلعهم علي جتتها بس الصبر
سامح و هو يلوح بيده بعدم إكتراث :
-أعمل إللي إنت عايزه . أنت حر .. بس أهم حاجة عندي تركز معايا اليومين دول . صفقة السلاح الجاية دي من أكبر الصفقات إللي عملناها في حياتنا . لازم تديني جزء من تركيزك لو سمحت يعني
سفيان بجدية : أنا مش ناسي . بكره الصبح تعالي و نتكلم براحتنا و بالمرة توصل ميرا المدرسة
سامح بإهتمام : إنت ناوي تسيبها تروح المدرسة و تخرج من البيت عادي ؟؟
سفيان بتعبير إستخفافي : أه عادي . هضيع مستقبلها يعني ؟
سامح : مش قصدي . أنا بتكلم عن الخطر إللي ممكن تتعرضله !
إبتسم “سفيان” و قال بهدوء :
-عيب عليك يا سامح . إنت شايف صاحبك غبي ؟ أنا بتعلم الدرس من أول مرة
سامح بنظرة شك :
-يعني هتعمل إيه مش فاهم ؟!
سفيان و هو يهز رأسه :
-ماتشغلش بالك . أنا أدري بمصلحة بنتي .. المهم تيجي بكره بدري و خلاص
زم “سامح” شفتاه و قال بإذعان :
-أوك
و هنا لمح “سفيان” من بعد والدة زوجته و هي تهبط الدرچ ، فقال و هو يقوم من مكانه :
-خليك قاعد . أنا هاروح أسلم علي حماتي العزيزة و راجعلك تاني !
……………………………………………………………………….
عند “يوسف” و “ميرا” …
توسدت صدره قريرة العين ، و شبكت أصابعها في أصابعه و هي ترنو إليه تارة و إلي “سامح” تارة ، كانت تعلم جيدا مبلغ غيرته و غضبه
لكنها لم تهتم ، بل أرادت أن تحرق قلبه أكثر ، عندما رأت أبيها و هو يقوم من مكانه و يبتعد بحيث لا يستطيع رؤيتهما ، رفعت يدها و وضعتها علي مؤخرة رأس “يوسف” ثم إجتذبته صوبها لتقبله بحرارة و عيناها تحدقان بعيني “سامح” الحمراوتان بشئ من الندية و التحد
من جهة أخري تململ “يوسف” قلقا من أن يثير هذا حفيظة والدها ، فأبعدها عنه بعد برهة و هو يرسل ناظريه ليتفقد تعابير وجه “سفيان” .. لكنه لم يجده …
زفر “يوسف” براحة و نظر إلي “ميرا” قائلا :
-حبيبتي مش قولنا قبل كده ناخد بالنا قدام بابا ؟! .. و رمقها بنظرة مؤنبة
حدجته “ميرا” بنظرات والهة و قالت بهمس :
-إنت وحشتني جدا .. وحشتني لدرجة إني عايزة أفضل كده في حضنك مابعدش عنك خالص . بحبك يوسف
يوسف بحب : أنا كمان بعشقك و رحمة أمي . بس مش عايز نعمل مشاكل
ميرا بتبرم : إنت ماكنتش كده قبل ما تخطبني
يوسف بلطف : عشان ساعتها ماكنتش حبيتك الحب ده .. و راح يداعب شعرها بأصابعه وأكمل :
-عارفة يا ميرا ! اليومين إللي غيبتي فيهم دول عدوا عليا كأنهم ألفين سنة .. باباكي كان مانعني أتكلم أو أجي أسأل هو لاقاكي و لا لسا . كنت عامل زي المجانين و أنا مش عارف فين أراضيكي و مين إللي ممكن يعمل كده فيكي . ماكتشفتش أنا أد إيه بحبك إلا لما بعدتي عني . مش عارف حبيتك أمتي و لا إزاي و لا ليه . بس كل إللي أعرفه دلوقتي إنك بقيتي حتة مني مش مسموح لحد يبعدك عني و لا حتي إنتي
-أنا عمري ما هبعد عنك . أنا بحبك ! .. قالتها “ميرا” بصوت خافت للغاية ، ثم دفنت رأسها بصدره كالنعامة
يوسف و هو يربت علي شعرها :
-و أنا بموت فيكي يا عمري . و محدش هياخد حقك غيري . بس لما أقعد مع باباكي و أتكلم معاه . لازم يحكيلي و لازم أقنعه !
……………………………………………………………………….
في هذه الأثناء كان “سامح” يغلي من الغضب و الغيرة ، كان عليه أن يغادر الآن لئلا يفتضح أمره …
بذل جهد خرافي حتي عاد “سفيان” فقام بتمهل و هو يقول ناظرا بساعة يده :
-طيب يا سفيان . يدوب أنا كمان أروح الوقت إتأخر
سفيا عاقدا حاجبيه :
-خليك شوية . إتعشا معانا علي الأقل !
سامح بإبتسامة : معلش عشان أصحا بدري و أجيلك زي ما طلبت و بعدين إنت عارف . أنا بحب أنام خفيف
سفيان بإستسلام : أوك براحتك
ربت “سامح” علي كتفه و قال :
-يلا سلام . أشوفك بكره
سفيان : مع السلامة يا سامح
و رحل “سامح” …
لتأتي “وفاء” بعد قليل و تجد أخيها جالسا بالصالون بمفرده ، يحتسي فنجان قهوته البارد بلا مزاج ..
-الله ! أومال فين سامح يا سفيان ؟ .. قالتها “وفاء” بتساؤل و هي تقف علي مقربة من أخيها
تطلع “سفيان” إليها و قال :
-سامح روح . لسا ماشي من شوية
وفاء بدهشة : مشي بسرعة كده ليه ؟ طيب كان إتعشا معانا
سفيان ببرود : قولتله كده . مارضيش .. عموما هايجي الصبح يفطر معانا
وفاء و هي تهز كتفاها حائرة :
-طيب !
سفيان بنبرة ذات مغزي :
-يارا قعدت مع أمها ؟
وفاء و قد فهمت مقصده :
-أيوه . ماتقلقش كله تمام
أومأ “سفيان” مرة واحدة ، ثم قال :
-العشا جاهز ؟ أنا جوعت أوي
وفاء : جاهز يا حبيبي و علي السفرة
سفيان : طيب أنا هسبق . إدخلي نادي ميرا و يوسف
وفاء بإبتسامة : حاضر !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في الصباح التالي … تستيقظ سيدة المنزل “وفـاء” باكرا كعادتها ، تتجهز لبدء يوم جديد ، ثم تخرج من غرفتها متجهة أولا نحو غرفة “ميرا”
بعد أن أبلغها “سفيان” بنيته حول إرسال إبنته إلي المدرسة و إعادة إستكمال روتين حياتها الطبيعي و كأن شيئا لم يكن ، لم تجادله ، فهو يعرف جيدا الصالح لأجل إبنته و هي لا تشك في تفكير أخيها
فتحت “وفاء” باب الغرفة و ولجت بهدوء ، إتجهت صوب النافذة الزجاجية و أزاحت الستائر عن بعضهما ليملأ الضوء المكان
إستدارت مبتسمة و كادت ترفع صوتها لتوقظ “ميرا” ، لكنها جمدت فجأة و قد تلاشت إبتسامتها ، حيث رأت ……. !!!!!!!!
يتبـــع …
الفصل الثامن والثلاثون
~¤ الكابوس ! ¤~
شاهدت “وفاء” أخيها نائما علي الفراش بجوار إبنته ، كانت “ميرا” متوسدة أحضانه الدافئة بوداعة و كان يضمها بدوره مطوقا وسطها بكلتا ذراعاه ، رفعت “وفاء” حاجبيها بدهشة و فورا إتجهت صوبه
أخذت تهزه بيدها و هي تهتف :
-سفيان . ســفيان . ســـــفيان !
-إيـه إيــــه في إيـه يا وفـاء ؟! .. غمغم “سفيان” بضيق و هو يحاول فتح جفناه المتثاقلان
وفاء بحدة : قوم يا باشا . إنت نايم هنا مع ميرا و سايب مراتك الحامل التعبانة لوحدها ؟؟!!
تمطأ “سفيان” دون أن يفك عناقه بإبنته و قال بسخرية :
-العفاريت هتاكلها يعني ؟ و بعدين بنتي وحشتني و كنت عايز أخدها في حضني طول الليل أجرمت كده أنا !!
شهقت “وفاء” قائلة بإستنكار :
-طول الليل ! إنت عايز تفهمني إنك نايم هنا طول الليل و سايب مراتك ؟ تصدق إنك ماعندش قلب
سفيان و هو يضحك بتهكم :
-و هي دي حاجة جديدة أول مرة تعرفيها يا وفاء ؟
-دآادي ! .. قالتها “ميرا” بصوت متحشرج و هي ترفع رأسها محدقة فيه و في عمتها بإستغراب
نظر “سفيان” لها و قال مبتسما :
-صباح الفل يا ست الكل . صباح الورد علي عيونك يا أجمل ميرا في العالم .. و حني رأسه مقبلا خدها
ميرا بتساؤل : هو في حاجة و لا إيه ؟
سفيان بلطف : لأ خالص مافيش . عمتك بس جت تصحينا عشان مدرستك . يلا يا حبيبتي قومي جهزي نفسك كده و حصليني علي تحت عشان نفطر سوا قبل ما تمشي
ميرا بإبتسامتها الرقيقة :
-أوك
ربت “سفيان” علي شعرها ، ثم قام من نومته و خرج من الغرفة آخذا أخته في يده …
-يا أخي إوعي كده سيبني ! .. قالتها “وفاء” بشئ من العصبية ، ليلتفت لها “سفيان” قائلا بحدة :
-جري إيه يا وفاء . ما تظبطي لسانك معايا عايزة إيه ؟
وفاء بنفاء صبر :
-مش عايزة منك حاجة . إنت براحتك إعمل إللي إنت شايفه صح و لا غلط مش هتفرق .. و إستدارت مغادرة و هي تستطرد مع نفسها :
-عليه العوض فيك أصلا ده إنت بقيت لا تطاق بجد . حاجة أستغفر الله العظيم
حدق “سفيان” في إثرها مرددا بدهشة :
-إيه ده . إتجننت دي و لا إيـه ؟!
ثم هز كتفاه بلا إكتراث و ذهب بإتجاه جناحه …
……………………………………………………………………….
تحرك ظل الشيطان مقتربا نحوها ، شق الضباب الرمادي بجسمه العملاق ، عباءته السوداء تتهادي مع حركاته الثابتة ، بينما كانت تجلس في زاوية مظلمة آملة ألا يراها ، أن يغير وجهته بأي لحظة ، كانت أسنانها تصطق من الخوف ، و كانت تضم ساقيها إلي صدرها و هي ترجف بإستمرار تحت وطأة الليل الحالك الذي يشوبه ضوء شحيح جدا مجهول المصدر … رغم ذلك الشال الذي يغطي رأسه و ينسدل علي وجهه ، لكنها إستطاعت تبين وجهه بسهولة ، عندما كشرت شفاهه عن أسنانه الحادة المدببة ، كان يبتسم تلك الإبتسامة الخبيثة ، و مع كل خطوة يزداد خفقان قلبها عنفا ، توقف سيره البطيئ بلا إنذار ، أصبح علي مقربة منها ، سكن للحظات ، ثم رفع يداه فجأة و أزاح الشال عن رأسه للوراء ، لتري هي وجهه كاملا ، بشعره المشعث و أعينه الحمراء ، تشتعل رغبة .. شهوة للفتك بها ، سمعت صوت كهسيس لخروج خناجر حادة من أغمادها ، نظرت فرأت أنها مخالبه ، أظهرها و رفع كفاه عاليا أمام ناظريها ،ثم جثم في وضع إستعدادي للوثب ، كانت تريد الفرار في هذه اللحظة حتي لو فشلت ، يكفي أن تضع حدا لتلك المعاناة المتمثلة في بضعة ثوان تنتظر خلالهم ميتتها البشعة علي يديه
لكن صوته جمدها فجأة : ” ماتفكريش . مش هتقدري تهربي مني ! ” كانت نبرته هامسة علي نحو معابث لكنه مرعب
تطلعت إليه و الهواء يخرج مضطربا من فمها ، ركزت علي عيناه دون أن تبدي أي إنفعال ، كأنها تريد أن توصل له عدم صحة إدعائه و أنها مستسلمة لقدرها في كل الأحوال ..
إلا أنه فهمها جيدا بفضل نظراته النفاذة ، إستشعر مدي خوفها الذي جاهدت لإخفائه في هذه اللحظات ، فأستطردت بحسم لاهي :
-دلوقتي حالا كل إللي بينا هينتهي . إنتي نفسك .. مش هيبقالك وجود !
و إتسعت إبتسامته المخيفة مظهرة أنيابه أكثر و أكثر ، ثم شاهدته و هو يقفز منقضا عليها …..
شهقت “يارا” بفزع و هي تستيقظ فجأة كأن صدمة أصابتها لتخرجها من ذلك الكابوس ، لم تكاد تأخذ أنفاسها عندما أتاها صوته القريب ..
-ده إيه الخضة دي كلها ! .. قالها “سفيان” بغرابة ، لتلتفت إليه فورا و علي وجهها نفس التعبير المذعور الذي كانت به في كابوسها
-إ إنت . بتعمل إيه هنا ؟ .. خرج صوتها خشنا مهزوزا و بقت ترمقه بنظرات حادة
إبتسم “سفيان” بسخرية و قال :
-شكلك نسيتي إن ده جناحي و ده كله بيتي . عموما أنا جيت أستحمي و أغير هدومي . لو حابة تدخلي الحمام قومي أنا خلا خلصت .. و ألقي بالمنشفة فوق الفراش
و هنا لاحظت “يارا” روب الإستحمام الذي إرتداه و خصلات شعره الرطبة ، ناءت بوجهها عنه بسرعة ، بينما مضي صوب غرفة الملابس غير عابئا بها .. خرج بعد دقائق و هو يرتدي لباس منزلي أنيق ، و بعكس عادته في إنتقاء الملابس الداكنة ، كانت كل قطعة علي جسمه بيضاء ، الأمر الذي عزز إسمرار بشرته و أظهر مدي قتامة شعره و عيناه
و قف أمام المرآة ، إلتقط ساعته الثمينة ، رفع كم كنرته و قام بإرتدائها ، و قبل أن يمضي خارجا حانت منه إلتفاتة نحوها و قال :
-هبعتلك الفطار مع داده عطيات . إلا إذا كنتي حابة تفطري معانا تحت . أنا عندي إستعداد أتبرع و أشيلك لغاية أوضة السفرة .. ها إيه رأيك ؟
ردت “يارا” عليه بلهجة تفيض بغضا :
-لأ شكرا . أنا ممكن أطيق أي حاجة في الدنيا و أنا في حالتي دي إلا إنك تلمسني أو تقرب مني بس
سفيان و هو يرفع حاجبه :
-يعني إنتي متخيلة بالكلمتين دول أنا ممكن أريحك و أعمل إللي إنتي عايزاه ؟ حظك بس إني صاحي مزاجي رايق و ماليش نفس ألعب معاكي دلوقتي . ممكن أفوت عليكي كمان شوية كده أكون فوقتلك
شعرت “يارا” بالغضب و إحمر وجهها بشدة ، ليكمل و صوت خطواته المبتعدة يصل لها :
-ماتفتكريش عشان حامل و متصابة مش هاجي جمبك . لأ أنا سايبك بكيفي . و لما أعوزك هاجيلك بكيفي بردو .. ثم سمعت صوت إغلاق الباب
نظرت لتجده قد غادر أخيرا ، زفرت بإختناق و غمغمت بحقد شديد :
-إمتي ربنا يخلصني منك ؟ إمتي ؟؟!!
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
صبت “وفاء” فنجانا من الشاي ، ثم حملته و قدمته لخطيبها بإبتسامة رقيقة :
-إتفضل يا حبيبي !
طوي “سامح” الجريدة و ألقاها فوق المائدة ، نظر لها و قال و هو يرد الإبتسامة :
-تسلم إيدك يا حبيبتي . أومال فين سفيان و ميرا ؟
وفاء و هي تشد كرسي بجواره لتجلس :
-سفيان راح أوضته يغير هدومه و ميرا بتجهز عشان المدرسة
سامح بإستغراب : سفيان راح أوضته ؟ هو كان فين يعني طول الليل ؟ .. و نظر في ساعة يده مكملا :
-دي الساعة 7 و نص ! كان فين كده ؟!
وفاء مبتسمة بسخرية :
-تخيل كده كان فين طول الليل و سايب مراته التعبانة ! كان نايم مع ميرا يا سيدي
سامح بدهشة : كان نايم مع ميرا ؟ في أوضتها يعني ؟
وفاء : أيوه كان نايم في أوضتها .. و قلدت صوت أخيها :
-قال إيه بنتي وحشتني و كنت عايز أخدها في حضني طول الليل !
-قاعدة تحفلي عليا يا وفاء ؟ .. كان هذا صوت “سفيان” بالطبع
أدارت “وفاء عيناها معبرة عن ضيقها و هي تقول :
-ما إنت بقيت مستفز بصراحة
جلس “سفيان” علي رأس المائدة كالعادة و قال :
-و إنتي بقيتي رغاية أوي . أي حاجة تحصل تروحي تنقليها لسامح . عشان ما بقي خطيبك يعني !
سامح لائما : و قبل ما أكون خطيبها . إنت من إمتي بتعتبرني غريب ؟
نظرت له “وفاء” و قالت بلطف :
-يا حبيبي سفيان مايقصدش . الموضوع و ما فيه إنه مش عايز يظهر حنين قدامنا . و إنت عارف أد إيه هو بيحاول يداري النقطة دي من ساعة ما شرفت البنبوناية بتاعتنا
أومأ “سامح” و هو يقول مبتسما بخفة :
-البنبوناية دي أحسن حاجة عملها سفيان في حياته . صحيح هي فين ؟ معاد المدرسة قرب و لا إنت غيرت رأيك يا سفيان ؟!
سفيان بجدية : لأ ماغيرتش . هي زمانها نازلة ماتقلقش
نظرت “وفاء” لأخيها و قالت بعبوس :
-أنا مش عارفة إنت مصمم ليه توديها اليومين دول ؟ إستني شوية طيب لما البنت تهدا كده و تحاول تنسي إللي مرت بيه
سفيان بحزم : أنا عارف فين مصلحة بنتي . محدش هيخاف عليها أدي
وفاء بنفاذ صبر :
-طيب فهمني علي الأقل ما أنا بردو تهمني مصلحتها و بخاف عليها زيك بالظبط
لوي “سفيان” شفتيه و رد علي مضض :
-البنت لما تخرج و ترجع لحياتها الطبيعية ده هيساعدها علي تخطي الأزمة اللي إتعرضت لها إنما لو حبستها حالتها هتسوء أكتر
وفاء بإستنكار : يسلام . طب و إفرض حصلها إللي حصل تاني ؟؟
سفيان بثقة : مش هيحصل . إطمني
وفاء : لا إنت آ ..
-قلت خلاص يا وفاء ! .. قاطعها “سفيان” بصرامة :
-لأخر مرة دي بنتي و أنا حر فيها
و هنا جاءت “ميرا” …
-Good morning everyone !
كانت إبتسامتة مشرقة حلوة …
رد عليها الجميع : صباح النور
أمسك “سفيان” بيدها و قربها إليه قائلا :
-إيه يا حبيبتي إتأخرتي كده ليه ؟
ميرا برقة : كنت باخد شاور و بحضر نفسي دادي . عموما مش إتأخرت أوي
سفيان بإبتسامة : طيب أقعدي إفطري يلا عشان سامح يلحق يوصلك و يرجعلي تاني
نظرت “ميرا” بإتجاه “سامح” و قالت بعفوية :
-Cool , أنا بحب سامح يوصلني . بيسوق بسرعة مش زي حسن السواق
ضحك الجميع ، ليقول “سامح” مداعبا :
-طب إيه رأيك همشي إنهاردة تاتا تاتا . إحنا عندنا أهم من سلامتك يا قمر ؟! .. و في داخله خلف كل هذا المرح براكين غضب ينتظر فقط أن ينفرد بها
حتي لو بالسيارة علي الطريق ، ليصب عليها شيئا من الجحيم المستعر الذي أضرمته فيه بنفسها …….. !!!!!!!
يتبــــع ….
الفصل التاسع والثلاثون
~¤ مقايضة ! ¤~
خرجت “ميرا” بصحبة “سامح” فور إنتهائها من الفطور ، أخذها و أستقلا سيارته ثم إنطلق بها خارج الڤيلا
إلتزم كلاهما الصمت ، إلي أن أصبحا وسط المدينة بضجيجها الذي لا ينقطع ، أوقف “سامح” السيارة علي جانب الطريق و إلتفت لها بوجهه المكفهر …
-إنتي ماعندكيش فكرة أنا ندمان أدي إيه عشان وثقت فيكي ! .. قالها “سامح” بلهجة خشنة تزخر بالحنق الشديد
نظرت له “ميرا” و ردت ببراءة :
-ليه بتقول كده يا سامح ؟ أنا عملت حاجة غلط يا بيبي ؟!
و هنا إنفجر بها :
-إنتي هتمثلي عليا ؟ ده أنا بضرب نفسي 100 جزمة إني مشيت وراكي بس ماتفتكريش هاسيبك أو هعديلك إللي عملتيه . و لا إنتي ناسية أنا معايا إيه ؟؟!!
ميرا بحدة : إنتي بتهددني يا سامح ؟ هتعمل إيه يعني ؟!
قست ملامحه و هو يقول بغلظة :
-الصور إللي معايا . فاكراها ؟ أكيد مالحقتيش تنسيها . عندي إستعداد أوريهم لسفيان . مستعد أخليه يشوفك لما كنتي في حضني و مسلمة نفسك علي الأخر حتي لو هيقتلني بعدها . أكيد مش هموت لوحدي و إنتي هتبقي معايا
إحمر وجهها غضبا و قالت :
-إنت عايز تفضحني ؟ هو ده إسلوبك يعني ؟ أوك إعمل إللي إنت عايزه , I don’t care anymore !
و علقت حقيبتها علي كتفها ثم إستدارت لتفتح باب السيارة و تذهب ..
-إستني هنا رايحة فـين ؟ .. صاح “سامح” و هو يقبض علي يدها و يجتذبها قبل أن تنجح في الوصول لمقبض الباب
ميرا بإنفعال : إوعــي سيبني . Let me go بقولك أنا بكرهك يا سامح بـكرهــك
سامح و هو يحاول أن يسيطر عليها :
-طيب إهدي . إهــدي و وطي صوتك في ناس حوالينا !
تطلعت “ميرا” حولها ، فوجدت المارة يرمقونهم بنظرات مستنكرة فعلا ، خمدت حركتها و هي تقول من بين أسنانها :
-شيل إيدك من عليا
سامح بتحذير حاد :
-هشيل إيدي . بس لو فتحتي باب العربية و جريتي مني صدقيني هتندمي يا ميرا . سمعاني ؟! .. ثم رفع يده متأهبا لأي تصرف طائش
لكنها بقيت علي وضعها ، جالسة في سكون و مشيحة بوجهها بعيدا عنه ..
تنهد “سامح” بصبر نافذ ، ثم إدار وجهه نحو الطريق و شغل المحرك و إنطلق مرة أخري ، لتنتبه “ميرا” بعد قليل لإنحرافه عن سبيل المدرسة الذي حفظته عن ظهر قلب ، إلتفتت إليه و قبل أن تفتح فمها لتستوضحه كان قد نزل بالسيارة إلي ممر مظلم
نظرت “ميرا” حولهما لتري ما هذا المكان الموحش ، لكنه لم يكن سوي جراچ تابع لأحدي العقارات الحديثة …
-إيه ده إنت دخلت هنا ليه ؟ .. قالتها “ميرا” بتساؤل و هي توجه نظراتها المرتعبة نحوه
لم يرد “سامح” و ركز في البحث عن مكان يركن به المدة المؤقتة التي يريدها ، بينما ذعرت “ميرا” من سكوته و خشيت أن يكرر ما فعله بها بالسابق هنا في هذا المكان ، فصاحت بغضب :
-أنا بكلمك علي فكرة . عارف لو قربت مني تاني أنا هصرخ . هصرخ جامد و هلم الناس !
كانت علي أهبة الإستعداد عندما أوقف السيارة أخيرا ، لكنه أحبط محاولاتها كلها قبل أن تبدأ ، حيث ضغط علي زر واحد فأغلق جميع أبواب السيارة بالقفل مما أثار رعبها أكثر و جعل أنفاسها تتلاحق كظبي مذعور و هي تنظر إليه منتظرة هجومه المفاجئ عليها بأي لحظة ..
إلا أنه لم يفعل ، لم يوجه إليها أي رد مادي ، بل إستدار لها بكل هدوء و قال :
-إهدي يا حبيبتي . مبدئيا أنا مش مجنون عشان أفكر أعمل معاكي أي حاجة هنا في الخلا ده . أولا ممكن أي حد يشوفنا ثانيا فاضل ربع ساعة علي معاد مدرستك و لازم أوديكي قبل ما الباب يقفل
تنفست “ميرا” الصعداء حين أكد لها حسن نواياه ، لكنها قالت بصلابة :
-أومال إنت جبتني هنا ليه ؟ عايز إيه يا سامح ؟؟
سامح بنفس الهدوء :
-عايز أعرف إيه إللي حصلك ؟ ليه عملتي عكس إللي إتفقنا عليه ؟ .. إحنا مش كنا متفقين إن مافيش حاجة إسمها يوسف تاني في حياتك ؟ … و هدر بعنف :
-مـا تـــردي ؟؟؟!!!
أجفلت “ميرا” و هي تجيبه بتلعثم :
-I had no choice ( ماكنش قدامي إختيار )
إنت أجبرتني علي الموافقة و أنا كنت خايفة دادي يعمل فيه حاجة
-يعني لسا بتحبيه ؟ .. قالها “سامح” بهسيس غاضب و هو يمد يداه و يجذبها من كتفيها صوبه
ردت “ميرا” بتوتر :
-ده مش زرار يا سامح أدوس عليه فأبطل أحبه !
تملكته الغيرة عن أخره و هو يغمغم بغيظ :
-قوليلي فيه إيه زيادة عن أي حد ؟ إشمعنا ده إللي ماسكة فيه من يوم ما رجعتي ؟ معقول يعني مش قادرة تحبيني و لو شوية ؟ إنتي ماتعرفيش أنا بحبك أد إيـه يا ميرا . ماتعرفيش أبدا
حاولت أن تستغل مشاعره المنفعلة في هذه اللحظة ، فقالت تستميله بلطف :
-give me some time . أنا إنسانة يا سامح لازم تحترم ده و تراعي أني لسا بنت صغيرة . أنا مش كبيرة زيك !
نجحت “ميرا” في تخفيف حدته معها ، لمع الإنتصار بعينها و إبتسمت برقة حين أرخي قبضتاه عن كتفاها ، بينما أغمض عيناه بشدة و هو يطلق زفيرا مختنقا من صدره ثم يقول بضيق شديد :
-أنا عارف إن حبي ليكي ده أكبر غلطة إرتكبتها في حياتي . في حقك و في حق نفسي . بس أعمل إيه ؟ إللي حصل .. مقدرتش أشيلك من راسي .. و غرز نظراته فيها مكملا بعاطفة ملتهبة :
-لما ببصلك بنسي كل حاجة . بنسي نفسي و سني و أبوكي . صديق عمري . مش عارف فيكي إيه بيشدني كده ! إنتي مجرد بت حتي ماعدتيش سن المراهقة .. تفتكري أنا عندي مشكلة ؟!
مطت “ميرا” شفتاها للأسفل و هي لا تدري بماذا تجيبه ، ليضيف هو منكسا رأسه بيأس :
-أنا مش عارف نهاية قصتنا هتبقي إيه . مش عارف إذا كنت هقدر أبعد عنك في يوم و لا لأ . بس كل إللي أعرفه دلوقتي إني مريض بيكي . مش بطيق حد غيري بقرب منك بحس إني هتجنن . و مش عارف بقدر أسيطر علي نفسي . أنا بغير عليكي من سفيان شخصيا ..
بدا “سامح” و هو يتحدث علي هذا النحو كأنه يقدم كل تلك الإعترافات لنفسه ، بينما كان يجب أن تستغل “ميرا” الموقف لصالحها ، فمدت يدها إليه بدون تردد و أخذت رأسه في صدرها و هي تتمتم :
-calm down سامح . بليز ماتقلقش من ناحيتي خالص . أنا خلاص بقيت بتاعتك من بعد إللي حصل بينا . إلا لو …
جمد “سامح” للحظة بعد كلمتها الأخيرة ، إبتعد عنها و قال محدقا بها بقوة :
-إلا لو ! إلا لو إيـه ؟؟!!
ميرا بإبتسامتها الرقيقة :
-إلا لو إستمريت مع أنطي وفاء . ساعتها مش هقدر أكون معاك عادي
عقد ” سامح” حاجباه و سألها :
-يعني إيه . عايزاني أعمل إيه مش فاهم !!
ميرا بدلال : مش إنت بتقول إنك بتحبني ؟
سامح بصوت كالأنين :
-أنا مابقتش متخيل حياتي منغيرك . أنا بعشقك يا ميرا مش بحبك
إتسعت إبتسامتها ، فطوقت عنقه بذراعيها و مالت صوب أذنه هامسة :
-خلاص لو بتحبني بجد . إطلبني من دادي .. لو عملت كده I promise هطرد يوسف من حياتي كلها و هتبقي إنت بس
إرتد “سامح” عنها قائلا بإستنكار :
-أطلبك من دادي إزاي ؟ و وفاء ! أعمل فيها إيـه ؟!
رمقته بنظرة خبيثة إكتسبتها من والدها و ردت :
-إتصرف يا حبيبي . ده الـDeal . تسيب أنطي وفاء أسيب يوسف ماعملتش كده يبقي تنساني خالص بقي و تنسي كل إللي حصل بينا !
بقي يرمقها بنظرات ذاهلة و هو لا يعي كيف يصدق كلماتها ، كيف له أن يترك “وفاء” ؟؟؟ لا ريب أنها ستقتله إن فكر مجرد التفكير …
-ميرا ! إللي بتطلبيه مني ده صعب جدا .. هكذا رد “سامح” الرد البديهي علي رغبة “ميرا” الجنونية
لتنظر له الأخيرة قائلة بتحد :
-يا أنا يا وفاء يا سامح . إختار . و مش هيكون مجرد إختيار بس . ده هيبقي إرتباط و قدام الناس كلها .. ثم نظرت أمامها و أردفت منهية الحوار :
-يلا بينا بقي . معاد المدرسة هيفوتني ! ……. !!!!!!!!
يتبــــع …
الفصل الأربعون
~¤ صراحة ! ¤~
أخيرا يجد “سفيان” وقتا للأطمنان علي حالة زوجته الصحية … بعد إنهاء جلسة العمل مع “سامح” يهاتف الطبيب المشرف علي حالتها ، فيصل خلال وقت قصير
أجري الكشف عليها و أطمئن علي حالة الجنين ، ثم إهتم بفحص ساقها المصابة ، نظف الجرح الذي بدأ يندمل فعلا و عقمه جيدا ، ثم أعاد تضميده بالقطن و الشاش
إنتهي الطبيب من عمله الدقيق و كان “سفيان” يقف خلفه مباشرةً ، لكنه الآن عمد علي توجيه حديثه لـ”يارا” أولا فقال مبتسما :
-ما شاء الله يا مدام . حضرتك إتحسنتي كتير عن أخر مرة . شكل سفيان بيه واخد باله منك أوي
إبتسمت “يارا” بسخرية و نظرت للجهة الأخري قائلة :
-أوي . واخد باله أوي يا دكتور !
حمحم الطبيب بشئ من الإرتباك عندما لمس الحقيقة المرة بنبرة صوتها ، إلتزم الصمت و هو يكتب لها في الروشتة علي أدوية جديدة ، إقتطع الورقة و سلمها إلي “سفيان” قائلا :
-إتفضل يا باشا . دي أدوية و ڤيتامنيات قدام كل حاجة أنا كاتب المواعيد و الكمية بس ياريت المدام تتغذي شوية عشان تقدر تستحمل الجرعات
أخذ “سفيان” الروشتة منه و هو يقول بتهكم ممزوج بالصلابة :
-قولها هي الكلام ده يا دكتور واصف . هي إللي عنيدة و مش بتهتم بنفسها
الطبيب : لأ إن شاء الله كله هيبقي تمام .. و جمع حاجياته و قبل أن يرحل ، أخذ “سفيان” بعيدا و راح يلقي عليه الوصايا العشر :
-سفيان بيه ! ممنوع تضايق ممنوع تعمل أي مجهود من أي نوع ممنوع تتعرض لأي ضغط أو لأي عـنف من فضلك !
شدد علي كلمة ( عنف ) ليبتسم “سفيان” قائلا بإسخفاف :
-هي دي حمل عنف بردو يا دكتور ؟ ماتقلقش أنا قاعد بلصم فيها أهو و رينا معانا . شرفتنا .. و ربت علي كتفه ، ثم واكبه للأسفل عند باب المنزل و عاد إليها ثانيةً
كانت ممسكة بوسادتها ، تبحث عن أفضل وضعية للنوم حين شعرت بكفاه يقبضان علي كتفيها و يرفعانها قليلا ثم رأته يأخذ منها الوسادة و يضعها خلف ظهرها ليتركها تستقر علي هذا الوضع و تتمدد بأريحية كما أرادت
أزعجها كثيرا أن يقوم بمساعدتها ، لكنها لم تشأ إثارة أي مواضيع معه فآثرت الصمت و أغمصت عيناها لتنام متظاهرة بأنه غير موجود تماما …
-إنتي سخنة و لا إيه يا حبيبتي ؟! .. تساءل “سفيان” بصوت هادئ ، لتفتح “يارا” أجفانها و تنظر له بإستفهام حاد
سفيان موضحا بمرح :
-أصلك مانطقتيش معايا بكلمة من ساعة ما جتلك . و لا حتي دعيتي عليا !!
يارا بغلظة : أنا مش محتاجة أدعي عليك . ربنا مابيضحكش عليه علي فكرة
رفع “سفيان” حاجبه و قال :
-و مين قالك إني بضحك علي ربنا ؟ شوفتيني عملت حاجة في الخفا ؟
يارا و هي ترمقه بإزدراء :
-كل واحد عارف هو عمل إيه . ممكن تسيبني دلوقتي بقي ؟ أنا تعبانة و عايزة أنام
سفيان بإبتسامة مستفزة :
-هاسيبك بس لما أقول الكلمتين إللي عندي الأول
يارا بنفاذ صبر :
-إتفضل سمعني . و ياريت بإختصار لو سمحت
تنهد “سفيان” ببرود ، لكن سرعان ما إحتدت ملامحه و تحفزت و هو يستطرد بجدية تامة :
-الكلام إللي هتسمعيه متي ده لازم تفتكريه كويس و تنفذيه بالحرف و ده علي فكرة هيكون لمصلحتك أولا . و بعدين لمصلحة إبننا أو بنتنا
قطبت “يارا” و هي تسأله مستنكرة :
-إنت جبت مصلحتي في الأول و بتساومني قبل ما تقول إنت عايز مني إيه ؟ فاكرني كارهة إللي في بطني لمجرد إنه منك ؟ لأ إنت غلطان يا سفيان بيه . مهما كان إللي جوايا ده حتة مني أنا . إنت يادوب محسوب عليه أب لكن ده بتاعي أنا . فاهم ؟ هيعيش معايا و أنا إللي هاربيه . هاربيه في جو نضيف بعيد عن شرورك و أفكارك السودة
حك “سفيان” ذقنه النامية و هو يقول محتفظا بهدوئه :
-طيب خليني أكمل كلامي بس و بعدين إبقي قولي كل إللي في نفسك
رمقته بنظرات محتقنة و قالت علي مضض :
-إتفضل !
……………………………………………………………………….
خرجت “ميرا” من المدرسة برفقة “يوسف” كالعادة ، كان يحاوط كتفهت و هما يبلغا معا بوابة المدرسة الرئيسية
رأت “ميرا” السائق “حسن” بإنتظارها أمام السيارة ، عبست و هي تهمس لمرافقها :
-يوسف Wait لو سمحت !
يوسف و هو ينظر لها بإهتمام :
-في حاجة يا حبيبتي ؟
ميرا : ثانية واحدة بس .. و أخرجت هاتفهها لتطلب أحدهم
طالعها “يوسف” بتركيز ، بينما وضعت الهاتف علي أذنها و بقت في إنتظار الرد …
-ألو ! . دادي . أنا كويسة ماتقلقش . بس كنت عايزة أطلب منك حاجة و بليز توافق . كنت عايزة أخرج مع يوسف . آه دلوقتي . هنتغدا سوا و بعدين هو هيرجعني . بليييييز . بجد شكرا . دادي أنا بحبك أوووي . أووك . ثانية .. و ركضت نحو السائق :
-حسن خد كلم دادي !
نظر لها الأخير مرتابا ، لكنه تناول منها الهاتف بالنهاية و رد :
-مساء الخير يا باشا . أيوه . حاضر . حاضر يا باشا إللي تشوفه . مع ألف سلامة .. و أنهي المكالمة ثم أعاد الهاتف إلي “ميرا” قائلا :
-إتفضلي يا هانم . الباشا بيقولك لما تخلصي مشوارك إطلبيني هاجي أوصلك
ميرا : لأ Tanks يا حسن يوسف هيوصلني . يلا إنت إمشي دلوقتي
حسن بإذعان : حاضر يا هانم . عموما لو إحتاجتيني كلميني هكون قدامك في دقايق .. و رحل
لتعود “ميرا” إلي “يوسف” و هي تهتف بإبتسامة مشرقة :
-Guess What يا حبيبي ! هنتغدا سوا برا
يوسف و هو يرد لها الإبتسامة :
-يابنت الأيه . أقنعتي سفيان بيه إزاي ؟؟!!
ميرا بغمزة : دادي مش بيرفضلي طلب . يلا بينا بقي أنا جعانة أووي
شبك “يوسف” أصابعها بأصابعه و قال بحب :
-يلا يا قلبي
و إستقلا سيارته ، ليتوجه “يوسف” نحو أحد المطاعم الفاخرة و العملية بنفس الوقت ، دخلا و أختار “يوسف” طاولة في موقع إستراتيچي جدا ، حيث حرص أن تكون بعيدا عن الأنظار و قريبة من الواجهة المفتوحة و طريق الحمام معا …
-إتفضلي يا برنسيس ! .. قالها “يوسف” و هو يشد لها كرسي
جلست “ميرا” و هي تقول مبتسمة :
-إنت ذوقك حلو أوي في المطاعم علي فكرة
يوسف و هو يجلس مقابلها :
-بجد عجبك المطعم ؟
ميرا : حلو أوي . بس أهم حاجة يكون أكلهم حلو
يوسف بثقة : لأ ماتقلقيش . أكلهم فظيع أديكي هتجربي .. و صفق بيده مناديا علي النادل
و في ثوان إمتثل أمامه شاب في أواسط العشرينيات :
-أؤمر يافندم !
نظر “يوسف” إلي “ميرا” و قال عندما وجدها لم تنظر بقائمة المأكولات :
-ميرا تحبي تختاري لنفسك و لا أختارلك أنا ؟ براحتك بس عموما عندهم هنا شوربة مخصوصة برا المنيو هايلة لازم تاخديها
ميرا برقة : أنا هاكل زيك . إختارلي إللي هتاكل منه
إبتسم “يوسف” و تناول المجلد الأنيق ، أخذ يملي الطلبات علي النادل بإنهماك شديد ، بينما كانت “ميرا” في واد أخر الآن ، كانت تنظر إليه و هي تقلب الأفكار برأسها
شعرت بالحيرة و التخبط من الفكرة التي واتتها منذ البارحة و إنتابها القلق قليلا ، فهل تخبره بما حدث ؟ بالطبع لا ، لا يمكن أن تفعل و لكن يمكنها أن توصل إليه المعلومة بطريقة غير مباشرة
المشكلة ليست هنا ، ما يرعبها هو فرضية عدم تصديق “يوسف” لكلامها ، أو مثلا إحتمال أن يتركها ، أن ينبذها ، أن يحتقرها
نفضت “ميرا” تلك الأفكار عن رأسها و عادت تركز عليه ..
إنتهي”يوسف” مع النادل و صوب إهتمامه عليها من جديد :
-إيه يا حبيبتي . إنتي كويسة ؟
إبتسمت “ميرا” و قالت بشيء من التوتر :
-I’m fine , سرحت شوية بس
يوسف بنصف عين :
-سرحتي و أنا معاكي ؟ و مين ده يا هانم إللي سرحتي فيه إنطقي ؟؟
ميرا و هي تضحك :
-Don’t worry يا حبيبي , أنا دلوقتي مافيش حد في حياتي غيرك . Just you
و أكملت بتردد : ماحبتش حد الحب ده كله . كلهم كانوا و لا حاجة
عبس يوسف و هو يقول بإهتمام :
-كلهم مين ؟ إنتي قولتيلي إنك حبيتي مرة واحدة . حتي بالأمارة كان صاحبك في المدرسة و إسمه كريس و علاقتكوا كانت سطحية . و لا إيه !
تمالكت “ميرا” نفسها و هي تجيبه من وسط كل هذا الإرتباك :
-كنت بحب كريس فعلا . بس علاقتنا ماكانتش سطحية أوي يعني
عقد “يوسف” حاجبيه و هو يقول بإستفهام :
-لأ مش فاهم وضحي أكتر . يعني ايه ماكانتش سطحية أوي ؟!
أسبلت عيناها و هي ترد عليه :
-يعني إنت عارف الحياة في أميركا شكلها عامل إزاي . و أنا إتولدت و كبرت هناك .. إسترقت إليه النظر ، فوجدته يحدق بها بوجه مكفهر و قد إختفي مرحه كله في هذه اللحظات
ميرا : إنت بتبصلي كده ليه يا چو ؟
يوسف بصلابة : مستنيكي تفهميني . إنتي كنتي بتقولي إن شكل الحياة في أميركا مختلف ؟ أوك أنا فاهم . إنتي بقي إتصرفتي إزاي هناك ؟؟!!
حاولت أن تتحلي بالشجاعة و هي تقول :
-إتصرفت زيهم . زي كل إللي كانوا حواليا .. كريس قدام الناس كان حبيبي و …
-و إيــه ؟! .. قاطعها “يوسف” بقوة :
-بينك و بينه كان حبيبك بس و لا حصل حاجة تاني ؟؟؟؟
ميرا : هو لو حصل يعني هتفرق معاك ؟
يوسف بجدية ممزوجة بالصرامة :
-طبعا . قوليلي حصل إيه يا ميرا ؟ و من فضلك ماتكدبيش عليا
قالت متظاهرة بالحيرة :
-أقولك إيه بس ؟ أنا و هو كنا مع بعض زي أي Couple في الدنيا
يوسف بإلحاح : كنتوا بتحبوا بعض بـس ؟؟!! .. و إستطرد بوضوح :
-يعني ماقربش منك زي ما حاولت أنا أعمل قبل كده ؟؟؟؟
إبتلعت “ميرا” ريقها بصعوبة و قالت :
-حصل . مرة واحدة بس
إتسعت حدقتاه و هو يسألها بحدة :
-بس إنتي قولتيلي قبل كده إنك Virgin !!
ذعرت “ميرا” من صراحته المطلقة ، لكنها ردت :
-كنت بحاول أعرف إنت بتفكر إزاي
يوسف : نعم ! يعني إيه ؟!
ميرا بإرتباك واضح :
-كنت عايزة أعرف تفكيرك زي دادي يعني و لا عادي زي الناس إللي في أميركا
سكت “يوسف” و بقت ملامحه جامدة ، إنتهي الحوار عند ذلك و لم يزد كلاهما حرفا ، لم تجرؤ “ميرا” علي إضافة أي شئ أساسا … أتي النادل في هذه اللحظة و هو يجر أمامه عربة الطعام
وضع الأطباق أمامهما ثم إنصرف ، تصرف “يوسف” بطبيعية شديدة حين إلتقط شوكته و بدون أن ينظر نحو “ميرا” قال بمنتهي الهدوء :
-كلي . كلي بسرعة عشان ألحق أروحك بدري ……. !!!!!
يتبـــع …
الفصل الحادي والأربعون
~¤ خذلان ! ¤~
قام “يوسف” بتوصيل “ميرا” بعد أن فرغا من تناول وجبة الغداء ، لم ينبس معها ببنت شفة طيلة الطريق و قد إتخذ وجهه قناع الجمود ، بينما كانت “ميرا” في حالة من السكون التام
كانت هادئة علي غير المتوقع ، لعلها كانت تدرك ردة فعله مسبقا و هذا ما جعلها تستقبل جفاؤه ببساطة ، كأنه شيء عادي بعد الكلام الذي ألقته علي مسامعه .. فهل كانت تتوقع حاله أفضل من والدها ؟ لقد أثبت لها “يوسف” أن الرجال الشرقيون جميعهم علي نفس الشاكلة ، ما من أحد منهم يقبل سلعة فرز ثاني ، يجب أن يكون لهم اليد الأولي دائما بصرف النظر عن بقية الحيثيات …
أوقف “يوسف” سيارته بمنتصف باحة الڤيلا ، و لأول مرة لم ينزل ليفتح لها الباب ، إنما قال بدون أن ينظر نحوها :
-إتفضلي إنزلي
و هنا تخلت “ميرا” عن صمتها هي الأخري ، فنظرت له و قالت بلهجة طبيعية جدا :
-مش هتنزل معايا شوية ؟
يوسف عابسا : لأ معلش مش هقدر المرة دي . لازم أروح دلوقتي بابا إتصل بيا كتير
أومأت “ميرا” قائلة :
-أوك as you like
باي .. و ترجلت و قد عمدت لأول مرة بدورها علي عدم تقبيله أو إحتضانه علي سبيل الوداع
مشي “يوسف” فورا و لم تنظر “ميرا” خلفها أبدا ، بل أكملت سيرها الهادئ حتي بلغت المدخل ، دقت جرس الباب ، فتحت لها “عطيات” مستقبلة إياها ببشاشتها المعهودة ، بادلتها “ميرا” بفتور ثم إتخذت طريق السلم
و ما كادت تضع قدمها علي أول درجة حتي إستوقفها صوت أبيها المباغت …
-مـيرا !
إلتفتت “ميرا” نحوه :
-دادي ! .. في حاجة ؟
طالعها “سفيان” بنظرات غامضة و قال :
-أومال فين يوسف ؟ مش كنتي معاه مادخلش معاكي ليه ؟
هزت “ميرا” رأسها و هي تقول بعدم إكتراث :
-قولتله بس قالي باباه عاوزه !
برقت عيناها الآن و قد فاجأتها موجة آسي غير طبيعية ..
-إنتي كويسة يا ميرا ؟ .. تساءل “سفيان” بهدوء غريب
نظرت له و هي تضغط علي شفتيها بقوة مجاهدة دموعا تهدد بالهطول بأي لحظة …
-دادي ! .. تمتمت بصوت مختنق
نظر لها بترقب و هو ما زال محتفظا بهدوئه ، أو بروده ..
و هنا خذلتها دموعها فجأة ، فوجدت نفسها تنطلق كالسهم بإتجاه أبيها ، إصطدمت رأسها بصدره و لفت ذراعيها حول خصره العريض و هي تنشج بمرارة حارقة :
-أنا مش عايزة يوسف . أنا مش عايزة أكمل معاه . بلييييز كلمه و قوله ميرا مش عايزة تشوفك تاني خلاص . قوله مايكلمنيش أبدا . بليييز دادي خليه يبعد عني
لم يتغير “سفيان” قيد شعرة ، بقي ساكنا كما هو و إنتظرها حتي هدأت تماما و خبا نحيبها ، بينما خشت “ميرا” أن تتحرك أو أن تتقابل نظراتها مع والدها فظلت علي وضعها و دموعها تسيل علي خديها في صمت وجل …
-تعالي يا ميرا . تعالي عايز أتكلم معاكي شوية .. قالها “سفيان” و هو يبتعد عنها متجها صوب غرفة مكتبه
وقفت مكانها للحظات و هي تشعر بالتوتر ، لا تعرف علي ماذا يلوي .. بعد أن أبدي ردة فعل متساهلة إزاء كلامها ، إزدردت لعابها و مضت في إثره بخطوات آلية …
كان يجلس علي الآريكة الجلدية و أمامه علي الطاولة بضعة أوراق و ملفات ، كان ممسكا بورقة معينة و تبينت أنه يراجعها بناظريه
-تعالي و إقفلي الباب وراكي ! .. دمدم “سفيان” بدون أن ينظر إليها
إنصاعت “ميرا” له و أقفلت الباب ، ثم توجهت نحوه عابسة بغرابة ، تطلع “سفيان” إليها بعد برهة و قال بأمر :
-أقعدي
جلست “ميرا” قائلة بصوت متحشرج :
-دادي إنت مش عايز تسألني إيه إللي حصل ؟!
سفيان و قد تعمد تجاهل سؤالها :
-أنا عايزك تسمعي الكلام إللي هقوله دلوقتي و تركزي كويس عشان هتنفذيه بالحرف . فهماني ؟
أومأت “ميرا” رأسها و هي تحدق في عينيه بتركيز ، ليكمل و هو يشعل لنفسه سيجارا :
-أول حاجة إقلعيلي الدبلة إللي في إيدك دي .. و أشار بذقنه نحو خاتم الماس الذي يزين إصبعها
أجفلت “ميرا” قائلة و هي تتلمس الخاتم بعفوية :
-أقلعه ! ليه ؟
سفيان بحدة : إنتي مش لسا قايلة مش عايزة خطيبك ؟
ميرا بإرتباك : أيوه قلت . بس .. إنت مش هتسألني ليه الأول ؟
نفث “سفيان” دخان السيجار و قال بصرامة :
-أنا مش محتاج أسأل . كل حاجة بتوضح قدامي لوحدها .. يلا إقلعي الدبلة دي من إيدك و تبقي تنزليلي الشبكة لما تطلعي
آثار ريبتها بكلماته المبهمة ، لكنها غضت الطرف عن هذا مقنعة نفسها بترهات أخري ، إعترتها رجفة خفيفة و هي تخفض رأسها لتنزع الخاتم بهدوء ، أمسكته بين إصبعيها و ناولته لأبيها دون أن تنظر إليه ..
أخذ “سفيان” الخاتم و وضعه جانبا فوق الطاولة ، ثم دفع لإبنته بورقة و هو يقول بصوت قوي :
-عايزك توقعيلي علي الورقة دي بقي !
نظرت إليه أولا ثم للورقة التي دفعها لها و قالت :
-إيه الورقة دي ؟
سفيان بجدية : ده عقد جوازك . مش عايز مخلوق يعرف عنه حاجة . نهائي حتي عمتك وفاء لحد ما يجي الوقت المناسب
فغرت “ميرا” فاهها و هي تقول بذهول :
-عـ عقد جوازي ! إزاي ؟ و من مين ؟
تنفس “سفيان” بعمق و نظر أمامه بشرود ، ثم بدأ يقص لها …
Flash back …
بعد أن ترك زوجته لتفكر بحرية في العرض الذي قدمه لها ، تلقي إتصالا مهم كان ينتظره منذ الصبيحة
أخذ هاتفهه و توجه نحو أحد الغرف البعيدة ، أغلق الباب جيدا ثم رد بلهجة ودية هادئة :
-باشا . مساء الفل .. إتأخرت عليا و الله . لأ و أنا ماستغناش . حضرتك قريب ؟ علي الباب ؟ . لأ أنا نازلك حالا .. و أغلق الخط منطلقا للأسفل
أعطي أوامره لجميع للخدم ، فتهيأوا فورا لإستقبال الضيف المنتظر ، لحظات و ظهر ذلك الرجل المهيب عند المدخل ، سار بين حرسه بوقار فأمرهم بالإنتظار في الخارج و ولج هو ماضيا صوب “سفيان” بخطوات واسعة ثابتة …
-أهلا أهلا يا مـعالي الـباشا . خطوة عزيزة و الله . البيت نـوور ! .. هكذا راح “سفيان” يرحب بضيفه بإفراط كبير
الضيف بإبتسامة واسعة :
-منور بيك يا سفيان بيه
سفيان و هو يصافحه بحرارة :
-عز الدين باشا بنفسه إتكرم و شرفني في بيتي . زيارة غالية أووي يا معالي الوزير
عز الدين مازحا : يا راجل مش أوي كده . ده أنا إللي أتمني زيارة منك الصراحة هو في زيك في البلد
سفيان بإبتسامة مغترة :
-ده بس من ذوقك يا باشا . إتفضل حضرتك .. و بسط ساعده مشيرا نحو غرفة المكتب
تقدمه “عز الدين” متبخترا في مشيته ، فتح “سفيان” باب المكتب و دعاه للدخول ثم دخل بعده و أغلق الباب عليهما …
-خير يا سفيان ! يا تري إيه الموضع الضروري إللي كنت عاوزني فيه ؟ .. قالها “عز الدين” بتساؤل عندما إستقر في كرسي مقابل مضيفه
إبتسم “سفيان” و أجاب و هو يضع ساق فوق ساق :
-كل خير معاليك . طبعا إنت تسمع عن المثل إللي بيقول أخطب لبنتك و ماتخطبش لإبنك
عبس “عز الدين” قائلا :
-طبعا . أسمع عنه !
سفيان : طيب أنا هاجيلك سكة و دوغري عشان ما أطولش عليك
عز الدين : يا ريت إنت عارفني مابحبش الألغاز .. و ضحك
سفيان بإبتسامة متكلفة :
-لأ أطمن مافيش ألغاز و لا حاجة
و في هذه اللحظة طرق الباب ، لتدخل الخادمة حاملة فنجانين من القهوة ، أمرها “سفيان” بالتقديم للضيف أولا ثم له ، إنصرفت سريعا ، بينما هم “عز الدين” بإرتشاف القليل حين باغته “سفيان” :
-عز الدين باشا . أنا بعد تفكير طويل مالاقتش أنسب من حضرتك أتباهي بشرف نسبه . و سبب طلبي ليك إنهاردة هو رغبتي في جواز بنتي من إبنك
و هنا توقف “عز الدين” عن شرب القهوة و قد جحظت عيناه و هو يسعل بحدة ، إنتظر “سفيان” بهدوئه المعتاد حتي عاد الأخير كما السابق ، لكنه لم يكن هكذا تماما
حدق “عز الدين” فيه و هو يقول بعدم تصديق :
-معلش يا سفيان عيد إللي قولته تاني !
تنهد “سفيان” و كرر بفتور :
-قلت عايز إبنك لبنتي يا باشا . أنا سألت و عرفت أنه مش مرتبط و كمان في أخر سنة في الجامعة يعني ممكن الجواز يتم في أي وقت عادي . ها . موافق ؟
عز الدين بشئ من الإرتباك :
-يا راجل و مين في مصر يرفض نسبك هو أنا أطول ؟ بس مش بنتك مخطوبة ؟ ده إنت كنت عازمني علي خطوبتها من فترة !
سفيان بلهجة جامدة :
-سابت خطيبها . و دلوقتي أنا بعرض عليك .. موافـق تاخدها لإبنك ؟
عز الدين بجدية : موافق طبعا .. و تابع مضيقا عيناه :
-بس أحب أفهم . في حاجة من ورا رغبتك دي ؟!
مط “سفيان” شفتاه و قال :
-بصراحة في . بس ماتشغلش بالك دي أمور تخصني لوحدي و بنتي برا المواضيع كلها . كل إللي أنا عايزه بس إنها تبقي في قفا راجل لأني مش ضامن إيه إللي ممكن يحصل الفترة الجاية و إنت عارف إنها مالهاش غيري لا عم و لا خال يعني في لحظة ممكن تبقي بطولها و هي لسا حتة بت ماكملتش 18 سنة
عز الدين بريية : يا سفيان لو في حاجة . لو عندك مشكلة قولي .. ممكن أساعدك !
سفيان بإبتسامة : ماتقلقش عليا يا باشا . أنا بعرف أسلك نفسي كويس . بس بردو بنتي عندي في المقام الأول و أحب أكون مطمن عليها .. و أكمل بخبث ملوحا له بالإغراءات :
-أومال . دي وريثتي الوحيدة و أنا كاتبلها كل ما أملك علي حياة عيني .. ماعنديش أغلي من ميرا معاليك دي حياتي كلها
إتسعت حدقتا الأخير عندما ذكر “سفيان” أملاكه و أصوله ، إزدرد لعابه و هو يتخيل كل هذه الأشياء تنضم و تقترن بإسم عائلته ، فهو مهما بلغ من مناصب هامة بالدولة سيؤول مصيره بالنهاية إلي موظف حكومي متقاعد ، إنما ثروة “سفيان الداغر” في يد إبنته ، و لا ضير أن يحصل عليها بإنتقالها ليد إبنه …
-إطمن يا سفيان .. قالها “عز الدين” بثقة و لمعة جشع تشع في عيناه
-بنتك في عنيا من غير أي حاجة و الله
سفيان بإبتسامة باهتة :
-ده العشم !
Back …
ميرا بصدمة : بس إزاي هتجوز واحد عمري ما شوفته ؟ و ليه إنت عملت كل ده ؟؟؟؟
نظر “سفيان” لها محتفظا بغموضه ، فهو لم يحكي لها الأمور تفصيليا ، قال بحزم :
-الولد شاب و وسيم إطمني . و فوق كل ده متعلم كويس و أبوه راجل مهم في البلد يعني مش هرميكي في أي حتة و السلام
هزت رأسها و هي تقول بحيرة :
-طيب فهمني بليز . ليه ؟
سفيان ببرود : منغير ليه . إنتي تسمعي كلامي من سكات أنا مش هضرك . و عموما أنا إشترط عليه حاجات كتير من ضمنهم إن إبنه يسيبك براحتك لحد ما تاخدي عليه و هما حاطين في إعتبارهم إنك لسا صغيرة . إطمني أنا مرتبلك كل حاجة
تنهدت “ميرا” بيأس و قالت :
-طيب عقد الجواز ده مظبوط و لا إيه ؟
سفيان : طبعا مظبوط . ده علي إيد مأذون و إتنين شهود كمان . مش فاضل غير إمضتك .. ثم ناولها قلم و قال آمرا :
-وقعي يلا
نظرت له بتردد ، لكنها أخذت القلم بالنهاية و خطت إمضتها علي الورقة بتمهل ..
-تمام ! .. تمتم “سفيان” و هو يسحب الورقة من تحت يدها
جمع بضعة أوراق أخري في ملف و أعطاه لأبنته مستطردا :
-الورق ده نسخ لأصول أنا حطتهم في خزنة البنك . تخليه معاكي هو و قسيمة جوازك . و في الوقت المناسب تطلعيه
إبتلعت ريقها بصعوبة و قالت بتوجس :
-إنت بتعمل كل ده ليه ؟ علي فكرة إنت بترعبني !
سفيان بتحذير قوي :
-إوعي . إوعي تتهزي أو تخافي من أي حاجة مهما حصل . إنتي صغيرة أه بس إنتي بنتي . فاهمة يعني إيه يا ميرا ؟!
نظرت له بتردد و قد فهمت تلميحاته ، كانت تفهمه منذ البداية ، لكنها كانت تكذب نفسها ، إنما أصبحت متأكدة الآن ، لولا أن هناك جزء مبهم في الأمر ، لم يوضح لها أغلب الأشياء ، أو بالأحري لم يمنحها ردا شافيا علي تساؤلاتها ، فهل يعلم شيئا أم ماذا ؟؟؟؟؟
-بس أنا مش فاهمة حاجة ! .. تمتمت “ميرا” و هي ترمقه بآسي
-إنت مش عايز تقولي إيه سبب كل ده !!!
إبتسم “سفيان” و رد بخبث غامض :
-ماتقلقيش . بكره هتفهمي كل حاجة و هتشوفي بعنيكي كمان .. المهم تكوني مستعدة .. و أضاف متنهدا :
-لما تطلعي أوضتك هتلاقي Message من عمرو آ ا ..
-مين عمرو !! .. قاطعته “ميرا” بإستفهام ، ليجيبها “سفيان” مبتسما :
-ده جوزك يا حبيبتي . كلميه و إتعرفي عليه براحتك و قريب أوي هتتقابلوا Face to Face ( وجها لوجه ) .. عايزك تكوني لطيفة معاه يا ميرا سمعاني ؟!
رمقته بنظرات ذاهلة ، لكنها أومأت موافقة ، فأضاف بإستحسان :
-براڤو عليكي . أيوه كده إسمعي كلامي و إنتي هتبقي كويسة . هتبقي كويسة أوي ……… !!!!!!!!!
يتبــــع …
الفصل الثاني والأربعون
~¤ خبث ! ¤~
يوم العطلة ، في منزل “سامح” …
طرقات مستمرة علي باب الشقة و دقات جرس ملحة ، يقوم “سامح” من فراشه الدافئ بتأفف و يتجه للخارج مغمضا عيناه بنعاس
-مــــين ! .. صاح “سامح” بصوته الخشن ، ليرد الصوت الأنثوي الذي يعرفه جيدا :
-إفتـح يا رووحـي
بالطبع ، لم تكن سوي “وفاء” ..
غمغم “سامح” بضيق شديد و أطلق سبة خافتة ، لكنه سرعان ما هدأ و فتح لها مبتسما :
-وفاء . حبيبة قلبي ! .. كانت ثمة حشرجة خفيفة بصوته
إبتسمت “وفاء” و هي تدفعه بيداها للداخل و تقفل الباب بقدمها ، طوقت عنقه قائلة بدلال :
-وحشتني أوووي يا سمسم . تصدق لولا إنك حبيبي و أنا عارفة إن سفيان ضاغطك في الشغل أنا ماكنتش جيتلك و لا كلمتك أبداا
سامح و هو يلف ذراعاه حول خصرها :
-يا حبيبي أنا مقدرش علي زعلك . طيب وحياتك عندي كنت سهران بفكر فيكي طول الليل . إنتي مش شايفة الساعة كام ؟
و أشار لها نحو ساعة الحائط التي تشير للثالثة عصرا ..
وفاء : يسلام ! بقي كنت سهران بتفكر فيا ؟ طيب هصدقك . بس ماتصلتش بيا ليه مدام مشتاقلي ؟!
سامح بإبتسامة خبيثة :
-عشان كنت متأكد إني لما إصحي هبص ألاقيكي قدامي . و إديكي جيتي أهو . وحشتيني يا قلبي .. و ضمها مقبلا عنقها بشغف
وفاء و هي تضحك :
-طيب خلاص سجدتني و صدقتك . إوعي بقي أما أعملك فطار . و لا فطار إيه ده هيبقي غدا
إبتعد عنها قليلا و قال بخفوت :
-أوك . حضريلنا أي حاجة لحد ما أخد شاور و أرجعلك
وفاء بحب : ماتتأخرش عليا يا حبيبي
سامح بغمزة : جايلك علطول يا قلب حبيبك . أنا أستغني ! .. و عاد لغرفته متثائبا
بينما توجهت “وفاء” نحو المطبخ ذي التصميم الأمريكي العملي …
أعدت طاولة الطعام الصغيرة و قامت بتحضير كوبان من القهوة ، ثم جلست في إنتظاره .. حضر “سامح” بعد لحظات و هو يضع منشفة صغيرة حول رقبته ، أمسك بطرفيها و راح يفرك خصيلات شعره مجففا إياها و هو يقول :
-ريحة القهوة بتاعتك عملتلي دماغ من و أنا جوا يا فيفي
وفاء بإبتسامة : تشربها بالهنا يا روحي . إتفضل .. و ناولته الكوب الساخن
سامح و هو يجلس مقابلها ملتقطا ساندويشا من الطبق :
-قولتي لسفيان إنك جاية يا وفاء ؟
نظرت له و قالت بإستنكار :
-و أنا أفوله بتاع إيه ؟ إنت ناسي إنك بقيت خطيبي دلوقتي ؟ مالوش عندي حاجة
سامح مؤنبا : لأ يا حبيبتي لازم نعمله حساب بردو ماتنسيش إنه أخوكي و المفروض صاحبي
وفاء : المفروض ؟!
طب ما إنت صاحبه فعلا
سامح مبتسما بتهكم :
-6 سنين مغفله و عامل علاقة مع أخته و بعد كل ده صاحبه !!
وفاء بسأم حاد :
-إنت جاي تحاسبنا علي حبنا دلوقتي ؟ بعد ما إرتبطنا رسمي يا سامح ؟؟!!
سامح بلطف : إيه يا حبيبتي إنتي قفشتي كده ليه أنا ماقصدش . أنا قصدي بس نراعي مشاعره علي الأقل و نفهمه إننا بنحترمه لأني واثق إنه ذكي جدا و صعب حد يضحك عليه
وفاء بسخرية : لأ إطمن هو أكيد مش مركز مع أي حد اليومين دول . ما عدا بنته . هتلاقيه مشغول بيها الفترة دي لشوشته
عقد “سامح” حاجبيه متسائلا بإهتمام :
-ليه إيه إللي حصل تاني ؟؟
تنهدت “وفاء”و قالت :
-أبدا يا سيدي . إمبارح قبل ما أنام بصيت لاقيت سفيان داخل عليا و قال إيه ميرا سابت يوسف و ماتفتحيش معاها الموضوع يا وفاء
-إيـه ؟؟!! .. قالها “سامح” بصدمة ، و أردف :
-سابته إزاي و ليه ؟ إحكيلي يا وفـاء !!
وفاء بإستخفاف : بالراحة ملهوف علي إيه ؟ هقولك أهو .. إسمع يا سيدي !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في ڤيلا آل”داغر” …
كان “سفيان” في جناحه ، يجلس أمام “يارا” و يطعمها بيده و هي تستجيب له بمنتهي الهدوء و السكينة
يدق الباب في هذه اللحظة ، ليصيح “سفيان” بثبات :
-إدخــل !
ولجت “عطيات” مبتسمة و قد سرت و ذهلت في آن لرؤية سيدها يعامل زوجته بهذا اللطف المفاجئ ، بعد أن قاست معه ألوان العذاب ، لا ريب أن يعوضها طبعا ، تلك الفتاة الملائكية .. كيف جمعها به القدر ؟؟؟؟
-في حاجة يا داده عطيات ! .. قطع “سفيان” تأملها بسؤاله
عطيات بتلعثم : سـ سلامتك يا باشا . كتت جاية أقولك بس في ضيف تحت
سفيان و هو ما زال مركزا علي زوجته :
-ضيف مين ؟ إسمه إيه !
عطيات و هي تضرب رأسها بتفكير :
-إسمه . إسمه عمرو . أيوه يا باشا عمرو عز الدين غالي
جمد “سفيان” للحظة ، وضع الصحن جانبا و قام من مكانه ، نظر للخادمة و قال بصوته القوي :
-وفاء هانم فين ؟
عطيات : خرجت يا باشا بقالها ساعة كده
سفيان : و ميرا ؟
عطيات : الأنسة ميرا في أوضتها من الصبح دي حتي طلبت الفطار في الأوضة
أومأ “سفيان” ثم إلتفت إلي “يارا” ، إبتسم فجأة و إنحني صوبها هامسا و هو يمسح علي شعرها :
-أنا هنزل أشوف الضيف و راجعلك تاني . مش هتأخر عليكي
يارا بإبتسامة رقيقة :
-خد راحتك يا حبيبي . أنا هستناك !
طبع “سفيان” قبلة خاطفة علي فمها ، ثم إستدار نحو الخادمة ليجدها واقفة كالصنم و قد جللت الصدمة وجهها بالكامل …
-داده عطيــات !
أفاقت “عطيات” فورا علي صوته الحاد و قالت بتوتر :
-آ أفندم يا سفيان باشا ؟
سفيان بحزم : إنزلي شوفي الضيف يشرب إيه . أنا رايح لميرا و بعدين هحصلك
عطيات بإذعان : حاضر حاضر . عن إذنك .. و خرجت مسرعة و هي تتمتم لنفسها بعدم تصديق :
-سبحان الله . سبحان مغير الحال . سبحانك يارب قادر علي كل شئ !
……………………………………………………………………….
-هي قالت كده بس ؟! .. قالها “سامح” بتساؤل
وفاء بإبتسامة ملتوية :
-آه يا حبيبي . دلوعة أبوها جت و قالتله مش عايزاه يا دادي و إنت عارف دادي مش بيرفضلها طلب
سامح بتعجب : أنا مش مصدق ! إزاي سابته فجأة و بدون أسباب !!!!
وفاء بضيق : ما براحتها يا سامح . البت دي بقت غريبة أصلا و بقي دمها تقيل علي قلبي . أخويا مدلعها زيادة عن اللازم دلع مرئ بجد .. و تناولت قهوتها مطلقة زفرة حانقة
بينما أشاح “سامح” عنها متمعنا بالأمر .. كان الإستغراب يملؤه ، هناك جزء بعقله غير قاد علي الإستيعاب ، هناك حلقة مفقودة ، شئ ينغص عليه فرحته بهذا الخبر … ما بالك يا “سامح” أليس هذا ما أردته ؟ ألم تطلب منها ذلك بنفسك ؟ و ها هي قد فعلت ما تمنيته .. و لكن ماذا يعني هذا !
هل هذا تصريحا علي حبها له ؟ أيعقل أن تكون قد أحبته كما أحبها ؟ أن تكون قد تخلت عن مرادها بشأن علاقته بـ”وفاء” ؟ هل إرتضت أخيرا أن تكون هناك إمرأة في حياته تشاركها إياه ؟ ماذا يفعل الآن ؟ .. كيف ينفرد بها ليتأكد بنفسه من كل تلك التساؤلات ؟؟؟ كيف ؟؟؟؟؟؟؟
-سرحت في إيه يا حبيبي ؟! .. قالتها “وفاء” و هي تلكزه علي مرفقه
إنتبه “سامح” لها و قال :
-إيه يا حبيبتي كنتي بتقولي حاجة ؟
وفاء بخبث : كنت بقولك سفيان ضرب الجولة التالتة . إنت لسا ماتعرفش ؟
سامح بإستغراب : جولة تالتة إيه ؟ أنا مش فاهم حاجة !
وفاء بحماسة : أفهمك يا قلبي . أخويا إبن الأبلسة عرف يوقع مراته و يخليها تحت طوعه . تصور بعد ما ضربها بالنار ! القادر عرف يسيطر عليها بجد
قطب “سامح” قاىلا بفضول :
-لأ ده إنتي تحكيلي الموضوع ده كمان
وفاء : أحكيلك . أحكيلك أوي .. ده أنا مش مصدقة ودني لحد دلوقتي لما دخلت أشوفها الصبح سمعتها بتقوله يا حبيبي و كانت نايمة في حضنه زي البيبهات تمــام
سامح بذهول : إنتي بتهزري ؟ عملها إيه يعني لكل ده ؟؟!
وفاء و هي تمط شفتاها للأسفل :
-علمي علمك يا سمسم !
……………………………………………………………………….
كانت “ميرا” مستلقية علي فراشها ، تضع سماعات رأسها و تستمع مغمضة العينين إلي موسيقي “روك” صاخبة ، رفعت مستوي الصوت حتي آلمتها أذنها
كانت تركز حواسها كلها علي الألحان العشوائية ، منجذبة حولها بشدة و قد إنسلت هاربة عن العالم الخارجي لبعض الوقت .. لم يدوم ذلك طويلا ، حيث شعرت بأحدهم ينتزع السماعات المعلقة بأذنيها بحركات صارمة
فتحت عيناها دفعة واحدة و تطلعت إلي الفاعل …
-دادي ! .. تمتمت “ميرا” و هي ترتفع بجزعها علي السرير
سفيان بصوت أجش :
-قومي ألبسي بسرعة و حطي أي حاجة علي وشك و سرحي شعرك ده
رمقته “ميرا” بنظرات مدهوشة و قالت :
-ألبس عشان إيه دادي ؟ في إيه ؟؟!!
سفيان بصرامة : عمرو جه تحت . جوزك تحت يا ميرا …… !!!!!!!!
يتبــــع …
الفصل الثالث والأربعون
~¤ خبائث ! ¤~
أحضرت “عطيات” المشروب المخصوص للضيف ، وضعته فوق الصينية الفضية الأنيقة و سارت متجهة إلي الصالون …
كان هناك شاب في مقتبل عمره ، أسمر البشرة ، صاحب بنية قوية و طول مناسب ، يرتدي أفخم الثياب العصرية المؤلفة من الچينز الغامق و قميص كحلي مفتوح الصدر ضيق يبرز عضلات كتفه و ذراعاه بشكل ملفت ، و تلك الساعة الثمينة بضخامتها تزين معصمه الأيسر و حذاؤه الكلاسيكي الأسود لامع بلا أربطة
قدمت له “عطيات” المشروب ، تناوله الأخير شاكرا إياها بإيماءة قصيرة ، إنصرفت “عطيات” ليأتي “سفيان” في إثرها مباشرةً …
ولج إلي ضيفه راسما علي وجهه تعابير صارمة و لطيفة في آن ، مشي ناحيته هاتفا بصوته القوي :
-أهلا . أهلا بجوز بنتي .. منور يا عمرو !
يقوم “عمرو” فور رؤية والد زوجته التي لم يرها حتي الآن ، أنحني أمامه إجلالا و إحتراما و مد يده للمصافحه قائلا بنبرة مهذبة :
-سفيان باشا . متشكر أوي . إزي حضرتك ؟
سفيان و هو يطبق علي كفه بحزم واثق :
-أنا زي الفل الحمدلله . قولي إنت إيه أخبارك و معالي الوزير إزيه ؟
عمرو بإبتسامة : كلنا بخير الحمدلله . و بابا باعتلك معايا سلام مخصوص أوي و بيقولك إمتي هتشرفونا بقي ؟!
برزت نيته سريعا ، إبتسم “سفيان” بإلتواء مستقبلا نظرات “عمرو” الفضولية المرتقبة و قال :
-الموضوع لسا مافتش عليه كام يوم . و شكلك مستعجل أوي يا عمرو
أطرق “عمرو” قائلا بحرج :
-لأ يا باشا مش بالظبط و الله . أنا بس كنت حابب أتعرف علي ميرا . أنا لحد اللحظة دي ماعرفش شكلها حتي .. ثم نظر له بتردد و أكمل :
-لو هضايق حضرتك خلاص . هستأذن و كأني ماجتش
سفيان مبتسما بإستخفاف :
-تستأذن إيه بقي ! ما إنت جيت خلاص .. إتفضل أقعد يا عمرو ميرا زمانها نازلة
شد “عمرو” علي شفتيه منكسا رأسه ، تنحنح و هو يجلس مرة أخري و قد إجتنب التطلع إلي “سفيان” قدر إمكانه ، بينما جلس “سفيان” مقابله واضعا ساق فوق ساق ، أشعل غليونه الأنيق و هو يحثه بلطف :
-إشرب يا عمرو .. و أشار بذقنه نحو الكأس المعبأ بالشراب
إستجاب “عمرو” له ، ليقول “سفيان” بعد إرتشافه الرشفة الأولي :
-سمعت إنك في أخر سنة في الجامعة !
نظر “عمرو” له و رد بإبتسامة بسيطة :
-فعلا يا باشا أنا في AUC و إن شاء الله هتخرج السنة دي
سفيان بصوت هادئ :
-و يا تري هتتخصص في إيه بعد التخرج ؟
عمرو بجدية : أنا بدرس إدارة أعمال . و حاليا بضارب في البورصة علي أدي يعني بس ناوي أفتح شركة صغيرة بعد التخرج
سفيان بإعجاب : براڤو . أنا بحب أوي الشباب العصامي إللي بيبني نفسه بنفسه زيك . براڤو يا عمرو إنت مستقبلك مبشر
عمرو و هو يضع يده فوق صدره :
-دي شهادة أعتز بيها يا باشا . متشكر .. ثم سأله بإهتمام :
-بالمناسبة يا تري ميرا ناوية تدخل إيه بعد ما تخلص مدرسة ؟
نفث “سفيان” الدخان عاليا و أجابه متمهلا :
-ميرا مش هتدخل حاجة . أنا بجهزها عشان تمسك شغلي كله . مش هتحتاج إلا تدريب و خبرة . و أنا مخطط لكل ده
عمرو بدهشة : بس لازم يكون معاها مؤهل بردو . و بعدين دي لسا صغيرة . معقول هتقدر تمسك شغل حضرتك ؟!
سفيان بثقة : هتقدر . دي بنت سفيان الداغر يا عمرو . بكره تشوف بعنيك
و هنا سمعا الإثنان صوت لخطوات تقترب من الصالون ، وجها نظراتهم صوب المصدر ، في نفس اللحظة ظهرت “ميرا” و هي تسير متمايلة برشاقة ، كانت تتجه إليهم لكنها ظلت مسبلة عيناها و قد طبع الغموض كل تصرفاتها
لم تتطلع لأي منهم ، في حين كان “عمرو” يقيسها من أعلي لأسفل ، شملها بنظرات متفحصة و هو يحاول السيطرة علي هدوئه .. فقد تخطت جميع توقعاته ، تخيل أنها مجرد فتاة صغيرة علي مشارف السابعة عشر ، لكنه تفاجأ بها تماما ، صحيح أن شكلها يبدو فتيا مائلا إلي الطفولية ، إلا إنها مفعمة بالأنوثة ، تكوين جسمها المبرعم يثير الغرائز و يلهب الخيال
لم يعد “عمرو” جالسا علي بعضه ، أصابه التململ ، بينما تصل “ميرا” في هذا الوقت أمام والدها ، كانت لا تزال متحاشية النظر إلي الشاب الذي يدعي زوجها
رفعت ناظريها لملاقاة عيني أبيها الحادتين ، و خرج صوتها ناعما كمعزوفة هادئة :
-دادي !
إبتسم “سفيان” و هو يقوم من مكانه :
-و أدي الـPrincess بتاعتي وصلت . أهي دي ميرا يا عمرو .. و طوق خصرها بذراعه ناظرا إليه
إرتبك “عمرو” قليلا و قام بدوره و هو يقول بصوت أجش :
-هاي يا ميرا . أنا عمرو ! .. و إقترب مادا يده لها بالمصافحة
و هنا لم تجد “ميرا” مفرا من المواجهة ، رفعت يدها و أزاحت خصلة متهدلة علي عينها ، ثم وجهت بصرها إليه ..
لوهلة إتسع بؤبؤيها الزرقاوين بصدمة ، فلم تتوقع أن يختار لها والدها شخصا كهذا .. حقا صدق حين قال أنه شابا وسيما ، لكنها لا تعرف لماذا هي لا تشعر بالراحة التامة إزائه …
-هاي عمرو ! .. قالتها “ميرا” بنبرة خافتة و هي تودع كفها الصغير في راحته الكبيرة الغليظة
إقشعرت قليلا من لمسته و إطباقته الحازمة علي يدها ، أفلتها “عمرو” تدريجيا و هو يقول مزدردا لعابه بتوتر :
-you’re charming girl ! ( إنتي ساحرة )
إحمـَّر وجهها خجلا و هي ترد :
-Thanks , you’re so kind !
و ران الصمت للحظات و هو لا ينفك عن التفرس بها ، ليقول “سفيان” مظهرا بعض اللطف :
-أوك يا شباب . أنا مضطر أسيبكوا دلوقتي . معاد الدوا بتاع يارا مراتي قرب و لازم أديهولها بنفسي . عن إذنكوا !
عمرو / ميرا : إتفضل
ذهب “سفيان” ، لينفردا الزوجين الغريبين أخيرا ..
-مش عايزة تقعدي ؟ .. قالها “عمرو” بتساؤل عندما لم يري تغيرا علي حالة “ميرا”
تطلعت إليه قائلة بتوتر طفيف :
-لأ هقعد . Sure ! .. و تراجعت لتجلس في مكان أبيها
قبض “عمرو” علي رسغها فجأة و هو يقول :
-لأ تعالي أقعدي جمبي . عشان نعرف نتكلم
أومأت “ميرا” موافقة ، فتركها مبتسما و تنحي قليلا لتمر من أمامه ، جلست علي طرف الآريكة في وضعية شبه متخشبة ، لحق بها “عمرو” و جلس علي مقربة شديدة منها …
-هو إنتي متجنباني أوي كده ليه ! .. قالها “عمرو” بصوت هامس ، لتنظر له “ميرا” مستوضحة :
-إيه ؟!
عمرو بإبتسامته الجذابة :
-إنتي عارفة إنك مراتي ؟
إبتلعت ريقها بصعوبة و قالت :
-yeah !
عمرو بنعومة : طيب أومال إيه بقي ؟ ليه واخدة جمب كده و من أولها حاسس إنك بتصديني ! ده أنا جاي إنهاردة مخصوص عشان أشوفك و أتعرف عليكي . ما إحنا قريب هنعيش سوا تحت سقف واحد أول ما سفيان باشا يأذن بس هاخدك من هنا علي بيتي علطول
عبست “ميرا” قائلة بتبرم حاد :
-مين قالك إني هاسيب بيت دادي ؟ noway طبعا . دادي ماقليش كده و لو كان قال أنا ماكنتش هوافق عليك
تلاشت إبتسامته التحببية في هذه اللحظة كما لو أنها نور و أنطفأ ، أجفلت “ميرا” بشئ من القلق ، ليمد الأخير يده ممسكا بفكها ، إعتصره قليلا و هو يقول بنبرة محتدة :
-لأ إسمعيني كويس يا ميرا . إنتي يمكن ماتعرفنيش . بس أحب أفهمك حاجة في البداية كده .. إللي فات من عمرك كله كوم . و إللي جاي معايا كوم تاني . إنتي بقيتي مراتي . حطي ده في دماغك . و مراتي لازم تسمع كلامي في كل حاجة و ماتردليش كلمة . بنت سفيان الداغر علي عيني و راسي . هعاملك أحسن معاملة و هتعيشي معايا معززة مكرمة . لكن لو حسيت في يوم بس إنك ممكن تحاولي تستغلي باباكي و تتخطيني في نقطة تخصنا . صدقيني مش هيهمني ساعتها لا إنتي و لا باباكي و علي فكرة أنا ممكن أقوله الكلام ده قدامك لو تحبي عشان نبقي علي نور من أولها كده
كانت من داخلها ترتجف ، لكن صوت والدها الذي راح يتردد في أذنيها جعلها تبدو كالجبل أمامه ، شامخة لا تهتز ” إوعي تتهزي أو تخافي مهما حصل . إنتي صغيرة أه بس إنتي بنتي . فاهمة يعني إيه يا ميرا ! ” …
-و أنا عشان مراتك متخيل إنك هتمسح شخصيتي ؟ .. قالتها “ميرا” بغلظة و هي تنتزع أصابعه القابضة علي فكها ، و تابعت :
-أنا عشت في الـEstates ( الولايات المتحدة ) طول عمري و إتعلمت إزاي أبقي حرة . و ماتنساش أني مواطنة أمريكية أصلا
عمرو بصرامة : أنا عارف عنك كل حاجة . و عارف إن معاكي جنسية أميركا . بس أنا كمان خريج جامعة أمريكية و سافرت كتير لفيت أوروبا كلها مش بس الـEstates . لكن هفضل عمرو عز الدين غالي . راجل مصري و شرقي و من منظوري الحرية إللي بتتكلمي عنها دي ليها حدود
رمقته “ميرا” بنظرات محتقنة و قالت :
– و إنت شايفني إيه قدامك يعني ؟ إنت مش عارف أنا بنت مين و لا إيه ؟؟!!
عمرو : عارف . عشان كده وافقت أتجوزك منغير ما أشوفك و لا أعرفك .. باباكي سمعته كويسة و أكيد إنتي تربيته يعني زيه
إبتسمت “ميرا” بإلتواء و قالت بنبرة ذات مغزي :
-أنا لحد الوقت إللي فات كنت نفسي و بس . لكن إطمن .. دم سفيان الداغر بيجري في عروقي . أنا مش زيه يا عمرو . أنا الـCopy بتاعته . و أكيد هتشوف بنفسك !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
كان الجناح هادئ .. عندما ولج “سفيان” راسما علي ثغره إبتسامته الخبيثة ، لم يري زوجته في الفراش ، فسار مفتشا عنها حتي وجدها مستلقية علي الكرسي الهزاز أمام باب الشرفة المفتوح علي مصراعيه
إزدادت إبتسامته إتساعا و إستدار متجها نحو الكومود المحاذي لها عند السرير ، كانت أدويتها هناك ، أخذ دواء معين ثم ذهب إليها …
صحيح أنها كانت غافية ، لكنها أصبحت تعرفه جيدا و قد حفظت كل تحركاته مهما كانت خفيفة ، كانت تشعر به منذ البداية ، إلي أن إقترب منها و أصبح بإمكانه سماع نبرتها الخفيضة
قالت بسخرية و عيناها مغمضتين :
-إيه رأيك ! يا تري مثلت كويس ؟
إنحني “سفيان” جالسا بجوارها في وضع القرفصاء ، أمسك بظاهر الكرسي و باشر في هزه و هو يقول بإسلوبه الماكر :
-كنتي هايلة . خصوصا في كلمة يا حبيبي .. يآاااه . ده أنا قشعرت و كنت هصدقك
فتحت “يارا” عيناها في هذه اللحظة ، أدارت رأسها نحوه و نظرت له بقوة قائلة :
-هتنفذ وعدك ليا إمتي ؟
سفيان بدهشة مصطنعة :
-هو إحنا لسا خلصنا يا حبيبتي ؟ أنا مش قولتلك دي كلمة شرف ؟ ماتقلقيش أول ما يحصل إللي أنا عايزه هنفذلك كل إللي إتفقنا عليه
يارا و قد إمتقع وجهها آلما :
-أنا مش طايقة أقعد علي ذمتك دقيقة واحدة . خلصني بقـي
إبتسم “سفيان” قائلا بسخرية :
-إطمني . قريب أوي هتخلصي .. ثم أدار الكرسي صوبه و أردف و هو يلوح لها بزجاجة الدواء :
-و دلوقتي يلا عشان معاد الدوا . هتاخديه من إيدي إنهاردة !
……………………………………………………………………….
إنفتحت بوابة الڤيلا إلكترونيا بعد أن أطلق “سامح” زمورا من سيارته …
كانت “وفاء” تجلس بجواره مسترخية ، سعيدة بعلاقتهم التي إستحالت من الظلمات إلي النور ، نظرت له بحب و مدت يدها لتمسك بيده الحرة
نظر “سامح” لها و قال بإبتسامة :
-مبسوطة يا حبيبتي ؟
وفاء بسعادة : محدش أدي يا سامح . أنا طايرة .. أخيرا أقدر أقولهالك و أقولها قدام أي حد
سامح : هي إيه دي يا فوفينا ؟
وفاء بهيام : بــحبـك . بـحبـك يا سامح
ضحك “سامح” و رفع يدها إلي فمه ليقبلها …
دقيقة بالضبط ، و كان “سامح” يصطف سيارته وسط باحة الڤيلا .. ترجلت “وفاء” أولا ، و إنتظرته حتي أقفل السيارة و لحقها ، سارا معا بإتجاه باب المنزل ، دقت “وفاء” الجرس ، لتفتح الخادمة بعد لحظات ، ألقت عليهم التحية لتعاجلها “وفاء” :
-سفيان بيه فين ؟
الخادمة : البيه فوق مع الست يارا . تؤمري بحاجة يا هانم !
وفاء : أه يا ريت تعملوا حساب سامح بيه الليلة معانا علي العشا
الخادمة : حاجة تانية ؟
كادت “وفاء” ترد ، ليقاطعها “سامح” مستغربا :
-مين ده إللي قاعد هناك مع ميرا ؟!
نظرت “وفاء” له لتجده يصوب عيناه جهة الصالون ، نظرت حيث ينظر و هي تسأل الخادمة :
-إحنا عندنا ضيوف و لا إيه شربات ؟
الخادمة : أيوه يا هانم ده ضيف سفيان بيه سابه مع الأنسة ميرا لما طلع للست يارا
إزدادت حيرة “سامح” فقال و هو يترك يد “وفاء” بحركة لبقة :
-وفاء عن إذنك . هاروح أشوف مين ده !
وفاء بهدوء : أوك يا حبيبي . و أنا هطلع أغير هدومي و رجعالك
أومأ “سامح” مرة واحدة ، ثم إتجه إلي الصالون و عيناه ما زالتا معلقتان علي الضيف غير المألوف له …
كانت “ميرا” تجلس في الواجهة ، فور أن رأته تحفزت و إستطاع مشاهدة ذلك بنفسه ، بالإضافة إلي ذاك البريق المتأهب الغامض الذي لمحه بعينيها
تغضن جبينه بعبسة متململة ، إنتبه “عمرو” لإقباله عليهم فوقف مستعدا له …
-هاي سامح ! .. قالتها “ميرا” بصوتها الرقيق
سامح رافعا حاجبه :
-هاي ! .. و نظر إلي “عمرو” ثم لها بإستفهام
قامت “ميرا” و إقتربت من الرجلين قائلة بإبتسامة ملائكية :
-عمرو . أقدملك سامح .. صاحب دادي و خطيب أنطي وفاء
عمرو بإبتسامة ودية :
-أهلا يافندم . تشرفنا .. و مد يده للمصافحة
سامح و هو يصافحه ببرود :
-أهلا .. و من جديد نظر نحو “ميرا” بإستفهام
كانت مستمتعة بشكله ، و متلهفة لرؤية الصدمة في عيناه ، لا تعرف أكان ما تنتوي عليه خطأ أم صواب ؟ هل ستخرب مخططات والدها التي لا تعرف عنها شيئا ؟ .. لا تعرف نتيجة ما إهتدي إلي تفكيرها الشيطاني
فقط أصاخت السمع في تلك اللحظات إلي صوت فكرتها الملحة ، أرادت تلبية نداءات الخبث و الخبائث التي هي منهم الآن و من قبلها أبيها …
إبتسمت إبتسامة كبيرة و هي تعلن بشماتة ساحقة :
-سامح أقدملك عمرو عز الدين غالي … جـ …….. !!!!!!!!!!!
يتبـــــع ….
الفصل الرابع والأربعون
~¤ إعداد ! ¤~
-سـامح هنا ! و الله جيت في وقتك إبن حلال طول عمرك يا راجل
هكذا جاء صوت “سفيان” القوي مقاطعا عبارة إبنته قبل أن تكتمل و ينكشف كل شئ
إستدارت الرؤوس نحوه و تعلقت أعين “ميرا” بعيناه الغاضبتين ، كان يرمقها بنظرات حادة وحدها فقط التي تستطيع الشعور بها ..
كزت علي أسنانها و أشاحت بوجهها عنه ، ليلتفت “سامح” ماضيا إليه و هو يقول :
-أصل وفاء كانت معايا قلت أما أروحها و أدخل أسلم عليكوا بالمرة .. أزيك يا سفيان ؟
سفيان و هو يصافحه مبتسما :
-تمام يا سامح . كله تمام .. يا تري إتعرفت علي عمرو !
نظر “سامح” نحو “ميرا” و هو يرد :
-ميرا كانت لسا بتعرفني عليه !
ربت “سفيان” علي كتف “عمرو” و هو يقدمه لصديقه :
-طيب يا سيدي أسمحلي أنا أعرفك عليه .. عمرو غالي . إبن معالي الوزير عز الدين غالي طبعا عارفه
سامح و قد إتسعت حدقتاه بشئ من الدهشة :
-أيوه طبعا . و مين في البلد مايعرفش معاليه !
سفيان بإبتسامة : صحيح . طيب أنا هاخد عمرو شوية في مكتبي و هرجعلك تاني أوعي تمشي ها
سامح و هو يعبس بعدم فهم :
-أوك !
سفيان : ماتقلقش مش هتأخر عليك .. و نظر إلي إبنته مكملا بنبرة لطيفة :
-خلي بالك من سامح يا ميرا لحد ما أرجع . ماتسبيهوش إلا لو نزلت عمتك أوكي يا بيبي ؟
تنهدت “ميرا” مغالبة توترها و ردت و هي تغتصب الإبتسامة :
-أوكي دادي !
و ذهب كلا “سفيان” و “عمرو” ، لتجد “ميرا” نفسها وحيدة مرة أخري مع “سامح” …
-إزيك ؟! .. قالها “سامح” بلهجة هادئة و هو ما زال ثابتا بمكانه
تطلعت “ميرا” إليه و قالت بصوتها الرقيق :
-Fine , أنا كويسة أوي
سامح : يعني مش بتتصلي بيا و لا بتحاولي تتواصلي معايا بأي طريقة يا ميرا ! .. ثم تلفت حوله و نظر لها ثانيةً و هو يستطرد بصوت خفيض :
-إنتي عارفة أنا أد إيه هتجنن عليكي ؟ إحنا وضعنا مابقاش زي الأول و أنا مش هقدر أبعد عنك أكتر من كده
ميرا و هي تزجره بغضب :
-سامح إنت مجنون . إزاي تتكلم كده إنت فاكر إننا هنا لوحدنا ؟؟؟؟
سامح بضيق : طيب ما أنا مش عارف أتكلم معاكي خالص . مش عارف أشوفك و بخاف أتصل بيكي في أي وقت حد يكون جمبك . قوليلي أتصرف إزاي ؟!
ميرا بجمود : تتصرف بعقل لحد ما تنفذ إللي إتفقنا عليه
زم “سامح” شفتاه و قد أدرك ما ترمي إليه ، تنفس بعمق ثم قال بجدية :
-الموضوع مش بالبساطة دي يا ميرا . عشان أخلع من وفاء محتاج شوية وقت . مش عارف أد إيه بس إللي أعرفه إن الحكاية محتاجة ترتيب و ترتيب علي كبير كمان
ميرا بإبتسامة مستفزة :
-It’s not my business , دي مشكلتك إنت حبيبي حلها لوحدك و لما يحصل هتلاقيني مستنياك
سامح بحدة :
-يعني إيه ؟ بتلغي إتفاقنا ؟ ده جزائي إني سمعت كلامك و إحترمت عقلك ؟ لو كنت إحتفظت بيكي في المكان إللي خطفتك فيه كان يبقي أحسن بقي . أنا غلطان يا ميرا . فعلا غلطان
زفرت “ميرا” بضجر ، تقدمت منه خطوتين و هي تستخدم سحر عيناها الجميلتان في التأثير عليه و قالت :
-سامح . بليز ماتفهمنيش غلط .. أنا مش قصدي . كل الموضوع بس إني بغير عليك . إزاي أشوفك مع أنطي وفاء كل شوية و أعمل مش واخدة بالي و بعدين أتعامل معاك عادي ؟ حبيبي لازم تبقي بتاعي لوحدي زي ما إنت عايزني ليك لوحدك . أظن ده fair اوي
عبس “سامح” و هو يرد بإنزعاج :
-و أنا ماقولتش إني ميت علي وفاء و لا إني بحبها . إنتي عارفة كويس إني بحبك إنتي و شوفتي بنفسك أنا عملت إيه عشان تبقي ملكي . أنا عرضت نفسي للخطر و عملت المستحيل عشان أوصلك يا ميرا .. علي الأقل حسسيني إن دي حاجة كبيرة بالنسبة لك . و إنك تقدري تبصيلي من منظور تاني . تشوفيني سامح إللي بيحبك . مش أنكل سامح صاحب دادي !
شهق “سامح” فجأة عندما عاجلته “ميرا” بقبلة خاطفة علي فمه و عادت كما كانت بسرعة ، إبتسمت له بخبث قائلة :
-I love you darling , ماتقلقش خالص من الناحية دي .. إنت حبيبي يا سامح
رفع “سامح” كفه و تحسس بأنامله مكان قبلتها ، إبتسم بدوره و قال بحب :
-مافيش حد في الدنيا بيحبك أدي يا ميرا .. و لا حتي سفيان !
و هنا سمعا صوت “وفاء” في الخارج و هي تناقش أحد أفراد الخدم بشأن العشاء ، تباعدا عن بعضهما بالقدر المناسب و إستعاد “سامح” هدوئه فورا
تدخل “وفاء” في هذه اللحظة و علي وجهها إبتسامة كبيرة مشرقة ، نظر “سامح” إليها و بدأ يمتدح لباسها المؤلف من فستان منزلي مبتذل لا يليق إطلاقا بإمرأة في عمرها …
-إيه الجمال ده كله يا فوفينا ؟ مش معقول بتحلوي كل خمس دقايق كده !
ضحكت “وفاء” و مضت ناحيته قائلة :
-يا حبيبي عيونك الحلوين . إتأخرت عليك ؟
سامح : ممم شوية
وفاء بنعومة : معلش أديني جتلك أهو
سامح و هو يشير إلي “ميرا” :
-و لا يهمك ما سفيان ساب ميرا معايا لحد ما يجي واحد فيكوا . ماقعدتش لوحدي يعني
نظرت “وفاء” لإبنة أخيها و قالت :
-هاي يا ميرا يا حبيبتي . عاملة إيه بقالي كتير ماشوفتكيش I miss you
ميرا بلطف : I miss you too أنطي
أنا كويسة بس كنت بذاكر اليومين دول عشان عندي Exams الإسبوع ده
وفاء : good luck يا قلبي إن شاء الله هتحلي كويس و هتقفلي كمان
ميرا بإبتسامة : إن شاء الله !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في مكتب “سفيان” …
“عمرو” لا يزال تحت وطأة الدهشة ، ظلت نظراته متصلة بنظرات “سفيان” القوية لبرهة من الزمن ، إلي أن نطق أخيرا فقال بإرتياب :
-أنا مش فاهم حضرتك تقصد إيه ! أرجوك حاول تفهمني أي حاجة بس لأني فعلا مش فاهم
سفيان بصرامة : مش مهم تفهم كل حاجة . المهم تبقي مستوعب كلامي . عشان لما يجي اليوم إللي تفهم فيه تفتكر إللي قولته دلوقتي
عمرو بحيرة شديدة :
-قلت إيه بس يا باشا أنا مافهمتش من كلامك حاجة خالص !!
تنهد “سفيان” بنفاذ صبر و نظر له قائلا بلهجة خشنة :
-مــيرا
عمرو بإستفهام : مالها ميرا بقي ؟؟!!
سفيان بنظرات حادة :
-خلاص بقت مراتك . و أنا لسا متفق معاك علي اليوم إللي هنعلن فيه ده . بس عايزك تفتكر دايما إنها بنتي .. بنت سفيان الداغر . يعني ماتفكرش تيجي عليها في يوم عشان أنا معلمها ترد الفعل بأعنف منه
عمرو بإستنكار : فعل إيه يا باشا إحنا داخلين حرب ؟ ده جواز و زي ما قلت ميرا بقت مراتي يعني أنا بقيت مسؤول عنها و هي لازم تطاوعني في كل حاجة دي حاجات تبع الأصول و حضرتك أكيد عارف
سفيان ببرود : خليك متأكد إن بنتي مش هتخالف الأصول في يوم من الأيام . أنا واثق فيها رغم دماغها الأمريكاني و تفكيرها المتمرد . لكن لو حبيتك بجد هتحطك قدامها دايما و هتمشي برأيك .. بس ماتفتكرش إنها هتبقي هبلة يعني . أكيد إنت فاهمني !
لوي “عمرو” فمه قائلا و هو يحافظ علي صبره بشتي الطرق :
-طيب حضرتك فهمني إنت ليه بتقولي الكلام ده ؟ و عايز توصل لإيه بالظبط ؟ أنت مش مطمن علي بنتك معايا يعني !
أطلت أبتسامة معابثة عند زوايتي فمه و هو يجيبه بهدوء :
-أنا مطمن علي بنتي دايما فين ما تكون . لكن أنا بنصحك بس . و أخر نصيحة .. حياة بنتي قبلك كانت حاجة و معاك هتبقي حاجة تانية خالص
عمرو : يعني إيه ؟
سفيان بجدية : يعني من حقك تحاسبها بعد إرتباطك بيها . لكن قبل كده لأ .. خليك فاكر الكلمتين دول كويس . كل الكلام إللي سمعته مني مهم . لكن الكلمتين دول أهم . خليهم علي بالك دايما . فاهم ؟
عمرو بعدم إرتياح :
-فاهم . فاهم يا باشا
……………………………………………………………………….
كانت “وفاء” تجلس بجوار “سامح” في غرفة المعيشة ، تضحك بدلال و هي تقاسمه قطعة حلوي و تناوره و تشاكسه بينما يجاريها هو مستمتعا باللعبة …
إنتبه كلاهما علي صوت “سفيان” عندما خرج من مكتبه برفقة الضيف ، شاهداه و هو يوصله حتي باب المنزل بنفسه ، إستدار الأخير متجها صوبهم ، إبتسم لهم بحليمية و هو يهتف :
-معلش الضيف أخدني منكوا شوية . بس إنتوا عارفين أبوه راجل مهم جدا
سامح بإهتمام : كان جاي ليه إبن الوزير يا سفيان ؟
سفيان بصوته الهادئ :
-كان في شغل متعطل في الجمارك و شوية مشاكل كده فقلت أما أميل علي معالي الوزير يخلصلي هو الحاجات المعقدة دي . الراجل علاقتي كويسة جدا بيه و لولا مشغولياته كان جالي بنفسه بس هو بعت إبنه
أومأ “سامح” بتفهم و قال :
-طيب كويس و الله . رغم أنك لو كنت قولتلي الحاجات دي يمكن كنت خلصتهالك بسرعة . بس مش مشكلة خلي الدولة تردلنا جزء من الجمايل .. و ضحك
إبتسم “سفيان” ردا علي دعابته ، ثم نظر إلي أخته متسائلا :
-أومال فين ميرا يا وفاء ؟
وفاء : فوق يا حبيبي في أوضتها . لسا طالعة من شوية
سفيان : طيب أنا هطلع أبص علي يارا و نازل تاني . معاد الدوا بتاعها قرب
سامح / وفاء : إتفضل !
……………………………………………………………………….
في غرفة “ميرا” … تهالكت فوق سريرها و الشحوب يعتريها بالكامل و يبيض وجهها
أرتعشت يدها الممسكة بالهاتف و إتسعت عيناها المحدقتان برقمه الذي عاود الإتصال للمرة الثالثة حتي الآن ..
كان الصراع كالأمواج تتقاذفها ، لا تعرف هل ترد عليه أم لا ؟ .. فقد إنتهي كل شئ بينهما و هو الذي إختار ، فماذا يريد الآن ؟؟؟
إرتعدت “ميرا” بعنف حين دق باب غرفتها ، أخفت الهاتف بسرعة تحت الوسادة و هي تصيح بصوت مهزوز :
-مــين ؟!
-أنا يا ميرا .. كان صوت والدها
إبتلعت ريقها بصعوبة و قالت :
-Come over دادي !
ولج “سفيان” إليها مبتسما ، أقفل الباب خلفه و مشي ناحيتها قائلا :
-إيه يا حبيبتي . طلعتي يعني مش قاعدة مع سامح و عمتك ليه ؟
ميرا بإرتباك : حسيت بشوية صداع . قلت أطلع أستريح في أوضتي
سفيان و هو يجلس بجوارها :
-لأ سلامتك يا حبيبتي ! .. و مد يده متحسسا جبينها
-مافيش حرارة . هتبقي كويسة بعد الأكل
و هنا صدح رنين هاتفهها مكتوما من تحت الوسادة …
إزداد إرتباك “ميرا” أكثر و أكثر ، بينما تسلل الشك فورا إلي “سفيان” خاصة عندما رآها تتخشب في جلستها و لم تعير الرنين أي إهتمام ، أو بالأحري تتعمد تجاهله ..
-موبايلك ده إللي بيرن يا ميرا ؟
إرتعش بدنها و هي تتطلع إليه ، ردت بتلعثم :
-آ آه . موبايلي
سفيان : هو فين ؟
دست “ميرا” يدها و سحبته من تحت الوسادة ، أبعدته عن ناظري أبيها ، ليسألها بإلحاح :
-مش هتردي ؟!
و عندما لم يجد منها ردا أخذ الهاتف من يدها و ألقي نظرة مستكشفة علي هوية المتصل …
-يوسـف ! .. ردد “سفيان” بلهجة هازئة
أطرقت “ميرا” رأسها هاربة من نظراته ، بينما أغلق “سفيان” الهاتف تماما ثم أمسك بذراع إبنته بلطف و قال آمرا :
-بصيلي يا ميرا
عضت “ميرا” علي شفتها بقوة ، لكنها أطاعته بالأخير و نظرت إليه بعينان ملؤهما الدموع …
-إنتي لسا بتحبيه ؟ .. سألها بلهجة مقتضبة
ضغطت “ميرا” علي شفتاها و سالت دموعها مجيبة سؤال والدها …
إنفعل “سفيان” قائلا :
-كده ماينفعش . أنا أديتك أعذار بما فيه الكفاية . إنتي عايزة مني إيه يا ميرا ؟ ردي عايزة إيـه ؟ أنتي كده مش مريحاني . كده بتهدي كل إللي بنيته و بحاول أبنيه عشانك . حرام عليكي يابنتي حـسي بيا شوية و حاولي تفهمي و تتعلمي مني . مش هتكسبي حاجة من ورا سذاجتك دي غير الآذي . لازم تبقي زيي سامعة ؟ لازم
-أنا بحاول . صدقني ! .. قالتها “ميرا” بنبرة مختنقة ، و تابعت بنشيج متقطع :
-أنا عارفة إني علاقتي بيه إنتهت . إطمن . عمري ما هكلمه و لا هشوفه تاني .. I promise
تنهد “سفيان” بسأم و قال محاولا تهدئة أعصابه :
-ميرا إنتي بقيتي متجوزة دلوقتي . فاهمة يعني إيه متجورة ؟ لازم تنسي كل حاجة إتعلمتيها في أمريكا و تفتكري بس إللي علمتهولك طول الفترة إللي فاتت . أنا مش عايز أسيبك و إنتي بالهشاشة و السذاجة دي
في هذه اللحظة توقفت “ميرا” عن الإنتحاب ، نظرت إليه متسائلة :
-تسيبني ؟ قصدك إيه ؟ .. إنت . إنت هتروح فين و هتسيبني ؟؟!!
سفيان بهدوء : لسا مش عارف . بس في كل الأحوال أنا عايز آمنك . عايزك قوية مافيش حاجة أبدا تقدر عليكي .. ميرا مافيش وقت . كلها أيام معدودة ماتخذلنيش أرجوكي
فغرت “ميرا” فاهها و هي تقول :
-يعني إيه ؟!
سفيان بصرامة : يعني يوم الخميس الجاي هتتنقلي بيت جوزك و هتنفذي كل إللي إتفقنا عليه
ميرا و قد إتسعت عيناها وجلا :
-و إنت !!
إبتسم “سفيان” و أجابها و هو يمسح دموعها بإبهامه :
-أنا هفضل معاكي دايما . أوعدك …………. !!!!!!!!!!!!!!!!!!
يتبـــــع …..
الفصل الخامس والأربعون
~¤ حرية ! ¤~
حل اليوم الموعود … اليوم الذي إختاره “سفيان” و رتب له في الخفاء بمنتهي الهدوء و برودة الأعصاب
كانت حالته الغامضة العجيبة طاغية عليه و هو يقف الآن أمام خزانته ، كان يطلق صفيرا خافتا و هو يمد يده ليأخذ بذلته الفخمة الداكنة ، إرتداها أمام المرآة بتمهل شديد ، و لأول مرة يصفف شعره و يضفي عليه لمعان واضح
إنتعل جزمته السوداء ، إزدان بساعة ذهبية فوق كم قميصه الناصع ، و في اليد الأخري إتخذ سوارا ثمينا كان قد أرسل لتصميمه و صنعه خصيصا له ، إختار عطر نفاذ لطالما إدخره للمناسبات الخاصة كمناسبة الليلة التي خطط لها بتمحيص و عناية فائقة ، لقد حرص “سفيان”علي جعل كل شئ مختلف و خاص جدا لأجل هذه الليلة ، حتي هو ، قرر أن يكون إستثنائيا بشكل غير مألوف
إبتسم “سفيان” و هو ينظر لإنعاكسه بالمرآة ، لم تكن إبتسامته عفوية بقدر ما كانت إبتسامة ساخرة ، كان ألق غريب يلمع بعيناه وحده هو من يستطيع التعبير عنه و لكنه لم يفعل و لن يفعل الآن ، لم يتبق الكثير … فقط بضعة ساعات و ينتهي كل شئ ، ربما كل شئ هذا متعلق بالظروف !
يخرج “سفيان” من غرفة الملابس ، كانت “يارا” تجلس هناك في الزاوية وسط الآريكة في إنتظاره ، إتجه نحوها بخطواته الثابتة و هو يهتف :
-أنا شايفك لسا مش مصدقة ! .. كانت السخرية ملحوظة في صوته
تطلعت “يارا” إليه ، إزدردت ريقها بتوتر و قالت بنبرة مهزوزة :
-إنت . إنت ناوي علي إيه ؟
يجلس “سفيان” بجوارها ضاحكا بمرح ، مسح علي شعرها الناعم بكفه و قال و هو يرمقها بنظرات ساحرة :
-إنتي لسا قلقانة مني ؟ إحنا مش إتفقنا لو سمعتي كلامي هعملك كل إللي إنتي عايزاه ؟!
أومأت “يارا” قائلة :
-حصل . قولتلي لو مثلت إني فجأة حبيتك و إني قبلت أعيش معاك و أتعامل معاك عادي قدام أهل بيتك لمدة إسبوع واحد بس هتديني حريتي و هتسيبني أمشي .. و تابعت بقلق :
-بس أنا مش مطمنة . حاسة أنك بدبرلي حاجة !
يضحك “سفيان” من جديد و لكن بقوة أكبر ثم يقول :
-ده إنتي فقدتي الثقة فيا خالص بقي . بس بذمتك يعني يا حبيبتي هكون لابس و متشيك و ملبسك إنتي كمان كده .. و أشار لفستانها الشبابي الأنيق ، و إستطرد :
-عشان أخدك في الصحرا و أتوايكي هناك مثلا ؟ إطمني يا قلبي أنا هاوصلك لبيت مامتك و همشي علطول و أوعدك مش هتشوفي وشي الجميل ده تاني . غير في أحلامك .. و ضحك مرة أخري
عقدت حاجبيها متسائلة بإرتياب :
-طيب و ورقت طلاقي ؟
سفيان بجدية : يارا ماتقلقيش . كل حاجة هتمشي تمام و أنا عند وعدي دايما
يارا بحدة : بس عشان تكون فاهم أنا مش هتنازل عن إبني . إوعي تكون فاكر آني ممكن أتنازلك عنه نظير أي حاجة سامعني ؟
سفيان بإبتسامة خبيثة :
-إطمني بردو .. إنتي مش هتتنازلي عنه خالص . ده ليكي
يارا بعدم تصديق :
-مش قلت قبل كده إنك عاوزه !
سفيان بلؤم : غيرت رأيي . أنا مستكفي أوي بميرا . إنتي طبعا عارفة مكانتها في قلبي .. ثم تنهد و قام من مكانه
-يلا يا حبيبتي . أنا لسا ورايا مشوار تاني
نظرت له بعدم إرتياح ، لكنها أذعنت لكلمته في الأخير .. أودعت يدها الصغيرة في كفه الممدود و تركته يجتذبها إليه حتي أوقفها علي قدميها ، علق يدها علي ذراعه و وضع في الأخري عصاها المعدنية لتوازن خطواتها دون أن يضطر هو لمتابعتها و كأنها طفلة في عمر التسنين
بعد أن أجلس زوجته بالسيارة و أحكم ربط حزام الأمان حولها ، أغلق عليها الباب و إسستأذن منها لدقيقة .. سار مبتعدا عنها عدة خطوات و أستل هاتفهه من جيب سترته الداخلي ، جلب رقم معين و أجري إتصالا به
ليأتيه الرد بعد لحظات :
-أيوه يا سفيان !
سفيان بنبرة هادئة :
-خلصتي يا وفاء ؟
وفاء : لسا يا سفيان بعمل الميك آب دلوقتي و بعدين هلبس الفستان
سفيان بفتور : قدامك أد إيه يعني ؟
سمعها تسأل أحد مرافقيها ثم تجيبه :
-يعني نص ساعة كده .. مش هتقولي بردو علي السهرة المسائية دي هي إيه بالظبط و فين ؟؟!!
أطلت إبتسامته اللئيمة من زوايتي فمه و هو يرد عليها بهدوء :
-ماتستعجليش . قولتلك دي مفاجأة
وفاء : أووك يا سيدي مفاجأة مفاجأة . المهم تكون مفاجأة حلوة في الأخر بس
سفيان : لأ ماتقلقيش . أنا واثق أنها هتعجبك أوووي .. ثم إلتفت ناظرا بإتجاه زوجته التي كانت ترقبه بنظرات فضولية
إبتسم لها بمرونة بينما يستطرد مع أخته :
-سامح هيعدي عليكي طبعا !
وفاء : أكيد أنا لسا مكلماه و زمانه علي وصول
سفيان : طيب أنا مش هتأخر عليكوا . مسافة السكة .. أوك باي
و أقفل الخط … تنهد و هو يعيد الهاتف إلي جيبه ثانيةً ، ثم توجه صوب سيارته .. إستقل خلف المقود مدمدما بعذوبة :
-حاسس إن صدري هينفجر من كمية الإثارة إللي جوايا
عبست “يارا” و هي ترمقه بعدم فهم ، شعر “سفيان” بنظراتها الحائرة فأدار وجهه نحوها و أردف مبتسما :
-الدايرة هتكمل أخيرا . كل حاجة هتنتهي إنهاردة .. أو يمكن هتبدأ !
الكلمات ضاعفت من ريبتها و توجسها إزاء نواياه ، ظلت عيناها ترمقانه بإتساع فقط في إنتظار أن يتكرم و يشرح لها أي شئ أو حتي يقوم بالتلميح .. لكنه كالعادة خيب ظنها و أشاح عنها مشغلا محرك السيارة ثم مديرا عجلة القيادة و فجأة ينطلق مخلفا ورائه منزله الفارغ الساكن تماما الآن ….
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
إبتسمت عاملة الإستقبال الشابة و هي تحاور “سامح” بلباقة تغلفها الرقة :
-يافندم إحنا عندنا كل الـOptions و الكماليات لكن ده سنتر للسيدات فقط . مافيش أي تواجد هنا للرجال غير الآمن إللي حضرتك شايفهم برا دول .. و أشارت له نحو أفراد الحراسة بالخارج
سامح بإبتسامته اللعوب :
-يعني لو حبيت أجي في مساچ أو تكييس ماينفعش ؟ لعلمك أنا زبون أعجب أووي
العاملة و هي تضحك :
-إنت علي راسنا و الله يافندم . بس دي قوانين السنتر سيدات فقط
يمد “سامح” أصبعه ماسسا أرنبة أنفها بخفة و هو يقول مداعبا :
-يعني ماينفعش تعملولي إستثناء أو تـ آ ا …
-أنا شايفاك أنسجمت مع المكان بسرعة ! .. هكذا جاء صوت “وفاء” مقاطعا بحدة من خلفه
بلل “سامح” شفته السفلي بلسانه و هو يفكر في مخرج من هذا المأزق ، و لعله عثر عليه سريعا .. إستدار لها من فوره ليصطدم بمظهرها الصارخ بالأنوثة و الإغراء … فحقا كانت “وفاء” جميلة جدا الليلة ، لأول مرة يراها شديدة الحسن بردائها الأحمر المغر ، عارية الكتفين كانت و مفاتنها بارزة بوضوح كبير من خلال هذا الضيق الذي أصاب القماش الحريري بالكامل ، و تسريحة شعرها المرفوعة بينت بهاء عنقها الطويل و إستدارة وجهها الذي لا يزال محتفظا بنضارته رغم بلوغها خريف العمر و قليل
كانت زينتها لأول مرة هادئة ، كلها هادئة عدا العينين المجللتين حوافهم بالسواد ، و طلاء الشفاه الناري الذي بدا كالجمرة تبث إشعاع يثير الجنون من قبس لهيبها ……
-أوف ! … قالها “سامح” و هو يطالع “وفاء” بنظرات مذهولة و قد عجز لسانه عن تكوين جملة مفيدة في هذه اللحظة
لم تكن في حالة تجعلها تشعر بالسعادة بإطرائه الواضح ، كانت تنقل نظراتها المتقدة بينه و بين تلك الفتاة العشرينية التي بدت علي قدر من الجمال ، بقت في إنتظار إجابته و هي تهز قدمها دلالة علي نفاذ صبرها ، بينما أخذ “سامح” في الإقتراب منها و هو يتمتم بإعجاب شديد :
-وفـاء . إيه إللي إنتي عاملاه في نفسك ده ؟ .. إنطقي قبل ما أعمل فعل فاضح هنا
و هنا لم تستطع المضي في إسلوبها الصارم ، إفلتت منها إبتسامة مقتضبة و فورا أخفضت رأسها لتواريها عنه ، أحكمت السيطرة علي نفسها من جديد فنظرت له قائلة بغلظة :
-أنا إتصلت بيك عشان تيجي تاخدني و لا عشان أنزل و ألاقيك مظبط مع الـreceptionist و بتعاكسها !!
-أعاكس مين بس ركزي معايا هنا ! .. و قبض علي خصرها مجتذبا إياها لتصطدم بصدره
شهقت “وفاء” من الصدمة و قالت بحزم :
-سامح . شيل إيدك و أبعد عني إحنا مش لوحدنا
سامح و هو يلتهمها بنظراته حرفيا :
-إنتي تجنني إنهاردة يا وفاء . تجنني لدرجة إني مش شايف حواليا غيرك !
إبتسمت “وفاء” قائلة علي إستحياء :
-عشان تعرف قيمتي بس . الظروف مش مخلياني متفرغة ليك براحتي بس مش معني كده إني ماعجبش يا سامح
سامح بتيه : إنتي الليلة دي تعجبي الباشا و محدش هيقدر قيمتك غيري يا فيفي
حانت منها إلتفاتة نحو عاملة الإستقبال ، وجهت لها نظرة إستكبار غير مبالية أرضت غرورها بما يكفي ، ثم عادت إليه مجددا ، دفعته في صدره برفق و هي تقول بجدية :
-طيب يلا نستني سفيان برا . هو ممكن يوصل في أي وقت
سامح بدهشة : هنستي في الشارع يا حبيبتي ما إحنا قاعدين هنا
وفاء بصرامة : هنتسناه في عربيتك . يلا !
……………………………………………………………………….
كانت “ميرڤت” جالسة في حجرة المعيشة أمام التلفاز ، تتابع إحدي حلقات المسلسل التركي عندما سمعت جرس الباب يدق
وضعت حجابها علي رأسها و قامت لتفتح .. عادة قبل أن تفتح باب بيتها لأي طارق تتساءل من ، لكن هذه المرة تغافلت عن تلك العادة و رسمت البسمة علي وجهها ثم برمت مقبض الباب …
-يـــارا ! .. صاحت “ميرڤت” مشدوهة و هي تحملق في إبنتها الواقفة أمامها بعدم تصديق
-إنتي جيتي هنا إزاي ! و فين جوزك ؟ .. و فجأة جحظت عيناها بصدمة عندما لمحت ساقها المربوطة و تلك العصا التي تستند إليها
ميرڤت بذعر : أيه ده مالها رجلك ؟ و ليه ماشية بعكاز يابنتي ؟ . ررردي عليا !!!
تجاهلت “يارا” تساؤلات أمها كلها ، إنتظرت أن أنتهت ثم مرت من جانبها إلي الداخل بمنتهي الهدوء
تصرفها إستفز أمها للغاية فلحقت بها و هي تهدر :
-إنتي يا بـنت . أنا بكلمك أقفي ردي علـــيا !
في هذه اللحظة إستدارت “يارا” لها كالعاصفة و إنفجرت بغضب شديد :
-سبيني في حالي يا أمي . لو سمحتي إسكتي و ماتتكلميش معايا نهائي أنا مش قادرة أتكلم أو حتي أسمع أي حاجة . أرحموني بقي و سيبوني في حالي شوية عايزين مني إيه تاني ؟ مطلوب مني أعمل إيه تاني عشان ترضوا كلكوا و تبقوا مبسوطين ؟ أنا خلاص خلصت ماعادش فيا نفس لو كملتوا عليا مش هلحق أعيش لأبني . أبني الحاجة الوحيدة إللي فضلالي بعد ما الكل إتخلي عني و بص لمصلحته بس . أنا كنت فاكرة نفسي بت قوية تسد في أي حاجة و تفوت في الحديد . بس بسبيكوا إكتشفت أد إيه أنا تافهة قصاد المواجهات االحقيقية و إني مهما قاوحت و إتحديت هيجي إللي يكسر مناخيري و يجبني الأرض و محدش هيسأل عليا
ثم ضربت علي ساقها المصابة بقوة غير مكترثة بوخزات الألم و أكملت بشراسة :
-عايزة تعرفي رجلي مالها ؟ ليه ماشية بعكاز ؟ .. أنا هقولك . سفيان باشا إللي غصبتوني كلكوا علي الجواز منه مش بس كان عنده إستعداد يضربني بالنار أو يعذبني أو حتي يقتلني . لأ ده كمان هددني بحياة عيلتي كلها لو حاولت أعصاه أو أفشي أسراره في يوم . أسراره إللي هو بنفسه قالهالي كلها في أول يوم ليا معاه تحت سقف بيته . إستعبدني ذلني و أهني و عذبني . كل ده مش مهم دلوقتي لو فعلا هيخرج من حياتي للأبد . أنا مشيت و سبتله كل حاجة مش هحاول أقف قصاده تاني أو أقرب منه حتي و لا إنتوا كمان ليكوا حاجة عندي بعد إنهاردة . سـيبــوني في حالــي و بــس . عشان لو حد حاول يدخل في حياتي بعد كده قسما بالله هسيبلكوا البلد كلها و محدش فيكوا هيعرف طريقي
إنتهت “يارا” محدقة في أمها بقوة و صدرها يعلو و يهبط من شدة الإنفعال .. بينما كانت تعابير “ميرڤت” في هذه اللحظات تتراوح بين الشتات و الذهول ، ثم الإدراك التام فالصدمة أخيرا
إبتسمت “يارا” بسخرية مريرة لرؤية ذلك المشهد الذي تراه علي والدتها الآن ، فالطالما تخيلتها هكذا تماما حين يأتي اليوم و تخبرها ما كابدته في زيجتها البائسة علي نحو لعين ، صدمة ثم شعور بالذنب و بعدها تنشب الرغبة الإنتقامية
لكن قبل أن تفه الأم بحرف كانت “يارا” معاجلة إياها بصرامة تهكمية :
-أنصحك لوجه الله إوعي تقربي منه . مهما كنتي واثقة من نفسك مهما جبتيله إللي تفتكري ممكن يقدر عليه . هترجعي خسرانة . علي الأقل خالص خسرانة .. هو هيبعتلي ورقة طلاقي . و أنا مش عايزه منه أكتر من كده !
و ألقت عليها نظرة ساخرة أخيرة ، ثم إلتفتت متجهة إلي غرفتها و هي تتعكز علي العصي ، علي الجماد الذي بدا في الظاهر مخلصا أكثر ممن يملكون قلوب لينة من لحم و دم ، و المفترض أقرب الناس إليها …..
……………………………………………………………………….
في سيارة “سفيان” …
كان “سامح” يجلس بجواره الآن متخذا مكان “يارا” التي بارحته منذ وقت قصير ، بينما تجلس “وفاء” بالمقعد الخلفي محيطة كتفيها بشالها ذي الفراء الثمين الفاخر
قيادة “سفيان” هادئة علي غير المعتاد ، و كذلك “سامح” عصبي المزاج عكس طبيعته في الغالب .. لم يطيق صبرا للبرود الذي إنتهجه صديقه فخرج صوته نزقا متململا :
-أنا مش عارف أنت مالك إنهاردة ! سفيان شوية كمان و هتخرجني عن شعوري
قطع “سفيان” صفيره الرتيب و إلتفت إلي صديقه متسائلا بغرابة :
-إيه يا سامح ! حد كلمك ؟
سامح بغضب : إنت بتستعبطني يا سفيان ؟ هو إيه إللي حد كلمك ! هتعصبني زيادة ببرودك ده
ضحك “سفيان” بمرح و هو يقول :
-طيب أفهم إنت متنرفز ليه ؟ أنا عملتلك حاجة ؟!
سامح بجمود : إحنا رايحين فين يا سفيان ؟
إبتسم “سفيان” بغموض و قال :
-رايحين حفلة . حفلة مهمة أوي لازم تحضروها معايا أنت و وفاء
ضيق “سامح” عيناه و هو يسأله بتشكك :
-طيب ليه أصريت نيجي معاك في عربيتك ؟ كان ممكن تمليني العنوان و أحصلك أنا و وفاء
سفيان بإسترخاء مستفز :
-و ليه نمشي متفرقين طالما ينفع نكون سوا !
نظر “سامح” إليه بعدم إقتناع ، لتخرج “وفاء” عن صمتها هي الأخري متسائلة بحيرة :
-طيب فين ميرا يا سفيان ؟ ماجبتهاش معانا ليه مدام بتقول حفلة ! إنت عارف إننا بنستغل أقل فرصة عشان نعرفها علي كل الناس إللي يعرفونا
رمقها “سفيان” عبر المرآة الأمامية قائلا :
-ميرا مش فاضية اليومين دول يا وفاء . مش قالتلك من كام يوم عندها إمتحانات ؟
وفاء : أه صحيح . ربنا معاها
-طيب حفلة مين دي يا سفيان ؟ .. تساءل “سامح” بتمحيص دقيق
إبتسم “سفيان” و هو يجيبه بصدق هذه المرة :
-حفلتي . حفلتي أنا يا سامح ……… !!!!!!!!!!!!!!
إستنوا البارت الأخير 😂 و ربنا يستر 💔
يتبــــع ….
الفصل السادس والأربعون
_ ميراث الدم ! _ ” جزء أول ”
كانت “ميرا” بمعزل عن الجميع ، تعلم أنها فترة مؤقتة لكنها أتاحت لها فرصة للإسترخاء …
تنفست بعمق و هي تتأمل جناح الفندق الفخم الذي حجزه زوجها المزعوم ليقضيا فيه ليلة العرس ، ثم يسافرا صباحا في طائرة خاصة ستطوف بهما فوق عدة مدن سياحية
تتآوه “ميرا” في هذه اللحظة عندما وخزها سحاب الفستان أثناء محاولة الوصيفة إغلاقه ، إستدارت إليها صائحة بتوبيخ :
-watch out يا غبية , في حد يتصرف بالهمجية دي ؟
أجفلت الفتاة العشرينية و هي تقول بإرتباك :
-آ أنا آسفة يا مس ميرا . كنت بقفلك السوستة غصب عني كانت معلقة
زفرت “ميرا” بحنق شديد و إلتفتت إلي المساعدة الأخري متسائلة بفظاظة :
-خلصتي إنتي كمان و لا لسا ؟
ردت الأخيرة و هي تضبط من وضع تاج الماس فوق رأس العروس النبيل :
-خلصنا خلاص . Congratulations يا عروسة ما شاء الله زي القمر .. ثم صاحت في زميلتها الثالثة :
-هاتيلي الـSetting يا نانسي !
و هنا دق باب الغرفة ، تطلعت “ميرا” أمامها و هي تهتف بعبوس :
-حد يروح يفتح !
تطوعت إحداهن بفتح الباب ، بينما إنهمكت “ميرا” في إختيار القرط المناسب للعقد الذي أهداها إياه “عمرو” … لكن إلتقطت أذنها نبرة رجولية خشنة ، إلتفتت مسرعة لتقع عيناها علي والدها
تسمرت مكانها و هي تحدق فيه بنظرات زجاجية ، ها هو قد آتي ليحضر عرسها متأنقا بأفخم الثياب حيث بدا كنجوم السينما تماما بإطلالته المهيبة الساحرة .. إبتسم “سفيان” لها و هو يتأمل جمالها في زي العروس اللامع
كانت ساقيها مكشوفتان و زيل الفستان منتشرا حولها مضفيا عليها لمسات من الدلال ، تسريحة شعرها اللولبية جعلتها تبدو أكثر من فتاة يافعة ، زينتها البسيطة مزجت بين الرقة و الأنوثة لتوحي لمن يراها بأنها ليست فتاة لم تكمل عقدها الثاني بعد …
مشي “سفيان” ناحيتها و هو يهتف دون يحيد بنظره عنها :
-من فضلكوا سيبونا لوحدنا شوية . الكل يخرج برا !
أطاع الجميع أمره ، خرج طاقم التجميل تباعا و أقفلوا الباب ورائهم ، بينما توقف علي مقربة شديدة منها .. حلقت نظراته المتيمة علي وجهها الجميل و هو يقول بصوت هادئ مسالم جدا :
-ميرا سفيان الداغر .. The Bride of the year . أجمل عروسة شوفتها في حياتي . إيه الحلاوة دي يا بنت ؟
كانت الدموع تترقرق بعينها الآن ، ليرفع “سفيان” يده مشيرا لها بتحذير :
-لأ . مش عايز عياط خالص إنهاردة . لازم تعرفي إني عملت كل ده و لسا هعمل تاني عشان تكوني مبسوطة و عايشة في آمان .. لحد أمتي هفضل أقنعك إنك أغلي حاجة في حياتي يا ميرا ؟
-I know !
قالتها بصوت مختنق و إرتمت بين أحضانه باكية من غير دموع …
ربت “سفيان” علي ظهرها العاري و هو يقول بلطف :
-أنا عايزك تبتسمي دايما يا ميرا . عايز الإبتسامة ماتفارقش وشك حتي لو كنتي مش سعيدة . الإبتسامة قوة في حد ذاتها و كفيلة تزعزع موقف خصمك مهما كانت درجة ثقته بنفسه .. و إنتي قوية . أنا عارف إنك قوية و مش هتخذلي توقعاتي أبدا . هتحافظي علي إسمي و إسمك مهما كان التمن
ميرا بنبرة متحشرجة :
-ماتسبنيش . بليز دادي .. ماتسبنيش !
أبعدها “سفيان” و قال و هو يرمقها بنظرات واثقة :
-أنا مش هاسيبك . قولتلك هتلاقيني دايما جمبك .. معقول بعد كل ده أسيبك يا ميرا ؟ أبدا …. ثم أدارها لتقف علي يمينه ، و أردف طاويا لها ذراعه :
-يلا يا حبيبتي . الناس كلهم تحت مستنين العروسة !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
كالعادة في حفلات الزفاف التي يقيمونها الأثرياء ، لا تجدها سوي بمنازلهم الضخمة أو بالصالات المبتذلة التابعة لأحد الفنادق رفيعة المستوي …
كانت “وفاء” تقف بجانب “سامح” في ركن قصيا ، تتأمل الضيوف النبلاء هنا و هناك ، لا تعرف أين ذهب أخيها و تركهما دون إيضاح أي شئ
فهو حتي لم ينبس معهما بكلمة منذ وصولهم ، بل تركهم و مضي بعيدا واعدا بعودته خلال برهة قصيرة …
-بس لو أعرف ده فرح مين علي الأقل !! .. قالتها “وفاء” بغرابة شديدة و هي تميل صوب “سامح”
لوي “سامح” فمه و رد بإمتعاض :
-أخوكي أحواله غريبة اليومين دول . محدش عارف بيفكر في إيه و أنا مش مطمنله
عبست “وفاء” متسائلة :
-هيكون ماله يعني ! ما هو كده علطول
نظر “سامح” لها بعدم ثقة و قال :
-مش مطمن يا وفاء .. محدش فاهم سفيان أدي
مطت شفتيها قائلة بلا إكتراث :
-هتلاقيه بيفكر في أحوال بنته كالعادة . ماتخدش في بالك .. و أكملت بعينان لامعتان :
-بس شوف يا سامح الفرح حلو إزاي ؟ نفسي يبقي فرحنا كده يا حبيبي أد إيه بحلم باليوم ده !
إبتسم “سامح” و هو يقول بنعومة خبيثة :
-يا حبيبة قلبي ده أنا هعملك أحلي فرح أتعمل في مصر كلها . هعملك ليلة خيآاال و هتشوفي إنتي مقامك أكبر من كل ده يا فوفينا
وفاء بإبتسامة حب :
-ربنا يخليك ليا و مايحرمنيش منك أبدا يا رووحي .. و تعلقت بذراعه بطفولية كبيرة
-وفـاء هانـم منوووورة ! .. كان الصوت غريبا
إلتفتت “وفاء” لتري إمرأة توازيها في العمر تقريبا و أيضا لا تقل عنها هيبة و ثراء ، بل تميزت بوجه جميل ناعم الملامح تناسب مع زينتها الرائعة و فستانها الثمين …
إبتسمت “وفاء” و هي تعبس بإستغراب و قالت :
-متشكرة ! بس حضرتك مين ؟ أنا أعرفك ؟
تضحك السيدة برقة متناهية و تنظر لها قائلة بسماحة :
-معلش الظروف ماخلتناش نتعرف علي بعض كويس بس إن شاء الله من هنا و رايح إحنا حبايب و هنروح و نيجي علي بعض كل شوية
وفاء و قد تلاشت إبتسامتها :
-نروح و نيجي علي بعض ؟ مين حضرتك ؟؟!!
السيدة بنفس الإبتسامة الودية :
-أنا مدلين الطوبجي . مرات الوزير عز الدين غالي و أبقي أم عمرو جوز ميرا الداغر بنت أخوكي سفيان بيه
-عمرو جوز مين ؟؟؟؟
لم يصدر هذا السؤال عن “وفاء” التي تسمرت من الصدمة تلقائيا ، إنما إندفع بقوة من فاه “سامح” الذي جحظت عيناه من شدة الذهول و الإستنكار ..
أجفلت السيدة الجذابة و هي تعيد بشئ من القلق :
-عمرو غالي إبني يبقي جوز ميرا بنت سفيان بيه . مالكوا بس يا جماعة إنتوا واقفين في فرحهم ! هو كل ده سفيان بيه ماكشفش الخبر معقول !!
و هنا صدحت موجات الموسيقي الصاخبة ، أنغام معينة تشير إلي الإستعداد لملاقاة العروس الوشيكة …
إستدار “سامح” من فوره و عيناه تتآججان بشراسة مدمرة ، كان مركزا نظراته علي بوابة الصالة المغلقة .. إنتظر لثوان حسبها دهرا ، و عندما إنفتحت البوابة إلتقتطهم عينيه
صديقه … و إبنته … “سفيان” يقف شامخا كعادته ، منتفخ الصدر و في يده “ميرا” التي بدت هادئة و باردة الأعصاب هي الأخري … و الجحيم ! لقد أصابت تلك السيدة ، “ميرا” تزوجت يا “سامح” !!!!
تداخلت الأفكار بعقله و تشتت إلي أقصي درجة ، السؤال الذي ميزه من بين كل هذه الجلبة هو .. لماذا ؟؟؟ .. لماذا فعل “سفيان” ذلك ؟ لماذا قام بتزويج إبنته خفية ؟؟؟ لماذا ؟؟؟؟؟
-إنت لسا مش فاهم يا سامح ! غبي .. لم يقلها “سامح” بنفسه ، لم يسمعها بعقله حتي ، إنما قرأها في نظرات “سفيان” التي تصوبت كلها نحوه في هذه اللحظات
و كأنه سمع نداءً فإلتفت لتلبيته …
كان الإستهزاء به واضحا جليا في إبتسامته ، حيد عنه بهدوء موزعا المزيد من الإبتسامات علي الحضور
تحرك أخيرا ساحبا إبنته علي وتيرة الموسيقي الهادئة ، كان يتوجه بها نحو عريسها المتألق بدوره في حلته السوداء ، كان يقف هناك بمنتصف الصالة تحت أضواء الثريات المبهرة … يكاد يأكل “ميرا” بنظراته … بدا لا يطيق صبرا لتنتقل يدها الطرية من يد أبيها إلي يده ، كان له ذلك .. حين وصل “سفيان” عنده .. قبل رأس إبنته ، ثم أمسك بيدها و وضعها بيد “عمرو” متمتما له بحفنة من النصائح التقليدية التي يلقيها الأباء علي أزواج بناتهن في يوم كهذا …
وقف “سفيان” بمكانه قليلا ، يتابع “عمرو” و هو يرحب بعروسه الجميلة و يلاطفها أمام الجميع محتضنا إياها و مقبلا خديها بحميمية كبيرة ، ثم يأخذها ليفتتحا الحفل بالرقصة الأولي …. علي الجانب الأخر ، وحدها نيران الغيرة كانت مسيطرة علي وجدان “سامح” تنهش قلبه بلا رحمة فألغت بصيرته و عقله تماما و هو يتابعهم بأنفاس مهتاجة أشد حمية من اللهب … حتي أنه لم ينتبه فورا لتحرك “سفيان” بإتجاههم .. تحولت نظراته إليه حين كان علي بعد خطوات
نظرات التحدي من “سامح” تقابلها نظرات “سفيان” الفاترة .. علي الأرجح لقد إنكشف كل شئ ، و لكن ماذا سيحصل بعد ؟ ماذا يا “سفيان” ؟؟؟؟؟
-أنا مش مصدقة إللي إنت عملته !! .. غمغمت “وفاء” بغضب شديد
-إنت إزاي تعمل كده ؟؟؟ . إزاي تجوز بنتك من ورانا و نيجي زي الغرب . ده الغرب طلعوا أحسن مننا علي الأقل كانوا عارفين قيل ما يجوا !!!!!
ظل “سفيان” علي هدوئه المستفز و هو يجيبها بتمهل :
-حبيت أعملهالكوا مفاجأة . بقالي كتير مالعبتش معاكوا يا وفاء .. و لا إيه يا سامح ؟ .. و غرس ناظريه في عيناه الملبدتان بسحب الغضب
وفاء بإنفعال : إنت أكيد مش في وعيك أو إتجننت يا سفيان ؟ إيه إللي يخليك تعمل كده و تداري علينا خبر زي ده ؟؟؟؟ مالكش أي عذر عيب علي مركزك و سنك حتي يا أخي
إبتسم “سفيان” قائلا ببرود :
-عندك حق . أنا فعلا كنت غلطان في حاجات كتير أوي .. بس الليلة دي هصلح كل غلطاتي . و جواز ميرا أول غلطة إتصلحت الحمدلله … و صوب إلي صديقه نظرة ذات مغزي
كز “سامح” علي أسنانه و هو يبادله النظرات ، لتقول “وفاء” و عيناها تتسعان بدهشة متزايدة :
-أنا مش قادرة أصدق إللي إنت بتقوله ! سامح .. إتكلم . قول أي حاجة إنت ساكت ليه ؟؟؟
و هنا إنفجر “سفيان” ضاحكا بقدر جذب إليه أنظار البعض ، إرتبك “سامح” قليلا و إهتز تماسكه و هو ينظر حوله بتوتر ، بينما رد “سفيان” من بين ضحكاته الهستيرية :
-سامح مش هيتكلم يا فوفي . أنا .. أنا إللي هتكلم بس إتكي علي الصبر . ماتستعجليش .. و لا إيه يا سامح ؟!
لم يجيبه أيضا ، فإزداد ضحكه الغير مبرر أكثر و أصبح خارج عن سيطرته الآن …..
……………………………..
مضي الوقت تقريبا ، و قد أدي “سفيان” دوره علي أكمل وجه ، كان حاضرا حول إبنته ، حاضرا بشدة ، راقصها عدة مرات و قد أشاع بهجة غير معقولة حتي كادت “ميرا” تنسي جميع مشكلاتها فعليا ، شيئا فشئ وجدت نفسها تندمج معه و مع زوجها دون أن تشعر
لم تلقي بالا بـ”سامح” أو عمتها الجالسين هناك بعيدا عن الأنظار و هو ما حرص عليه أبيها … جعلها تنسي كل شئ و تستمتع بليلتها الرائعة فقط ….
أما “سامح” فكان يجلس في هدوء تام ، لم يكن خائفا ، رغم أنه يدرك تماما أن لا مناص من “سفيان” ، ليس بعد الآن ، كان قد لمح قائد حرسه المفضل و الذي لا يخرج من عرينه إلا لأجل المهمات الثقيلة ، يدعي “دياب الحديدي” واقفا أمام بوابة الصالة و معه ثلاثة أخرين ، صحيح أن “سامح” لا يعرف تماما نوايا صديقه ، لكنه يعرف أنه لا يلوي علي خير أبدا ، و يعرف أيضا أن الليلة من الممكن جدا .. أن تكون الأخيرة في حياته !
إنتهي الفرح أخيرا …
و إبتدأ سيل من الوداع تفاوت بين الجميع ممتزجا بالأدمع المعهودة في نهاية كل زفاف ، إحتضنت “مدلين” إبنها و هي تدمع فرحا به ، بينما إحتضن “سفيان” إبنته ، كان هادئا و هي التي كانت تبكي وحدها ، ليس مجرد بكاء بل هطلت دموعها مدرارا حتي كادت تفسد زينتها المتقنة
مسح “سفيان” دموعها بظاهر كفه و هو يتمتم بلطف :
-بس بقي يا حبيبتي . لازمتها إيه الدموع ؟ ده كلها كام ساعة و تسافري الـHoney moon . هتتفسحي و هتتبسطي و أنا و لا هاجي علي بالك .. خلاص بقي عشان خاطري
تتوقف “ميرا” عن البكاء بصعوبة ، تنظر إليه من خلال عيناها المبللتين بالعبرات ، ثم تقول بنبرة مبحوحة :
-هتوحشني أوي !
سفيان و هو يداعب ذقنها بأنامله :
-lovey honey , إنتي هتوحشيني أكتر . خلي بالك من نفسك !
ثم إلتفت إلي “عمرو” مكملا :
-عمرو ! مش هوصيك علي ميرا
إقترب “عمرو” من زوجته الفاتنة ، أحاط خصرها بذراعه و قربها إليه و هو يرد مبتسما :
-ماتقلقش يا باشا . ميرا في عنيا إطمن
أومأ “سفيان” و هو يرد له الإبتسامة ، جري وداع أخير بالنظرات فتمنت “ميرا” ألا يتواري عنها أبدا ، لكن إلحاح زوجها بوجوب المغادرة إلي جناحهما الآن غلب أرادتها …
ذهبت معه و هي تلوح للجميع بيدها ، بقي “سفيان” حتي إختفت تماما عن ناظريه .. إستأذن صهره المهم “عز الدين غالي” مشيرا لتأخر الوقت و واعدا بلقاء قريب ، إستدار ليري أخته و صديقه يقفان حيث تركهما قبل قليل ، أعين حراسته لم تغب عنهما بالطبع
رسم الإبتسامة الوديعة علي ثغره و إتجه صوبهما ، لا تزال “وفاء” ممتعضة ، حانقة عليه و علي تصرفاته فعاجلته بنفاذ صبر :
-أدينا حضرنا فرح بنتك زي الأغراب يا سفيان . عملنا الأصول للأخر عايزين نروح بقي
أومأ “سفيان” قائلا :
-حاضر يا وفاء . هعملك إللي إنتي عايزاه .. بس في مشوار هنعمله قبل ما نروح مش هياخد كتير
عقدت “وفاء” حاجبيها مستنكرة :
-مشوار ! مشوار إيه ده كمان ؟؟!!
نظر “سفيان” إلي “سامح” و هو يرد بهدوء محتفظا بإبتسامته كما هي :
-إنتوا الإتنين واخدين علي خاطركوا مني . مش هسيبكوا تناموا الليلة دي .. إلا لما نصفي كل حاجة بينا ………. !!!!!!!!
يتبــع ……
الفصل السابع والأربعون والأخير
_ ميراث الدم ! _ “جزء ثاني”
خيمت البرودة حولها فجأة … لحظة إنفصالهما عن بعض أخيرا .. و لكن جيد … فقد إتخذت أعصابها شيئا من تلك البرودة حين ناءت عنه بمنتهي الهدوء و سحبت الملاءة لتغطي جسمها .. كانت مسترخية كثيرا و لم يزعجها ذلك الخواء الذي أخلفه زوجها
بينما لم يكن “عمرو” مثلها إطلاقا …. حيث لم يطيق المكوث بجوارها أكثر من ذلك ، فقام مسرعا و هو يرتدي سروال بيچامته و إتجه إلي الحمام
صفق الباب بعنف ، فإبتسمت بسخرية و قامت بدورها متجهة نحو كومة ملابسها الملقاة علي الأرض ، إلتقطت روبها الخفيف و إرتدته بتمهل ، ثم مشت نحو الشرفة المطلة علي أحياء المدينة الكبري … جلست فوق أحد الكراسي الموجودة هناك .. أخذت تتطلع إلي السماء تارة و إلي أضواء المدينة و المباني الرفيعة تارة … كان هناك سلام غريب تنعم به في داخلها ، سلام أدهشها و نال رضاها في آن و كأن كل مخاوفها من هذه الليلة طارت مع الرياح
عجبا كيف إستطاعت أن تتعاطي مع زوجها و لا تسأم من مشاعرها المتخبطة سلفا و مشاعره التي طغت عليه في النهاية ، حين إكتشف أخيرا أنه ليس الأول في حياتها …
تري هذه القوة كلها إستمدتها من دعم أبيها ؟ . هل كانت له اليد الأولي في تعزيز الثقة لديها ؟ . أو بمعني أدق تعزيز صفة التبجح لأداء دور الواثقة ؟ … لا ريب أن جهود “سفيان” أتت ثمارها كما تمني فأصبحت إبنته مثلما أراد أن تكون تماما .. أصبحت مثله !
إنتبهت “ميرا” لعودة زوجها إلي الغرفة ، بقت هادئة كما هي و تابعت تآملاتها الواهية و كأن شيئا لم يحدث …
كان “عمرو” قد فرغ لتوه من غسل بارد ساعد في أطفاء شيئا الحريق المضرم بجسده … كان يرتدي روب الإستحمام القصير ، ترك شعره رطب كما هو دوت أن ينشفه و أستل علبة سجائره من فوق الطاولة المحاذية للسرير ، مضي صوبها متحكما بأعصابه بمهارة فائقة ، جلس مقابلها و علي وجهه تعابير جامدة غير مقروؤة … دس سيجارته بين شفتيه و أشعلها بحركات مقتضبة ، ثم رمي القداحة فوق المنضدة المنخفضة و صوب نظراته إليها …..
-عشان كده سفيان بيه قالي الكلام ده ! .. قالها “عمرو” بلهجة متصلبة
لا رد من “ميرا” … ليتابع مقوسا شفتاه بشئ من الإزدراء :
-عموما أنا مايهمنيش حياتك كانت ماشية إزاي قبلي . الكل عارف إنتي جاية منين و قضيتي أغلب عمرك فين .. و قست ملامحه في هذه اللحظة و هو يكمل بصوت أجش :
-بس لو لاحظت في يوم سلوك مش هو هزعل أوي يا .. مراتي . الجوازة دي ماكنتش علي مزاجي أصلا فهعتبر نفسي ضاربت علي سهم عالي و سقط فجأة زي ما يعمل في البورصة . هتفضلي مراتي و هتلتزمي بعاداتي غير كده …
-غير كده إيه ؟! .. قاطعته “ميرا” و هي تنظر إليه بتحد سافر
أثار غضبه أن يراها وقحة إلي هذا الحد ، غير عابئة بإنذاره شديد اللهجة ، كان وجهه محمر من شدة الإنفعال الذي واصل كتمه بجهد خرافي ، لتبتسم “ميرا” بإستخفاف و هي تتأمله و تراقب إنقباضة كفه حول ذراع الكرسي المصنوع من خشب الجوز …
حدقت فيه بقوة ثم قالت بجدية صارمة :
-إنتي جوزي Now . ماقلتش حاجة . و أنا عارفة حدودي كويس فمش هسمحلك تكلمني كده تاني . أنا عذرتك دلوقتي عشان مقدرة الإحباط .. أو الصدمة إللي إنت فيها . و خليك متأكد إني لما أعوز أعمل حاجة هعملها و مش هخاف منك . ساعتها هيبقي قدامك إختيارات طبعا و هتبقي حر تختار إللي إنت عاوزه .. غير كده يا بيبي مالكش عندي حاجة . أوكي ؟
عمرو و هو يرمقها بنظرات فتاكة :
-شكلنا هنتعب مع بعض أوي يا حبيبتي
ميرا بإبتسامة خبيثة :
-maybe , بس أنا مش ناوية أتعبك يا عمرو صدقني . كل حاجة هعملها إنت إللي هتحددها بتصرفاتك .. ثم قامت من مكانها بتكاسل و إستطردت بتثاؤب :
-أنا تعبت أووي . اليوم كان طويل و الوقت إتأخر .. Good night بقي يا بيبي و أشوفك الصبح
و أرسلت له قبلة في الهواء ، إستدارت ماضية إلي الفراش بخطواتها المتمايلة ، لتتركه يحدق في إثرها محاولا إخماد ثورته بلا جدوي
ماذا به الآن ؟ هل هذه غيرة أم حب ؟ مسألة كرامة أم حنق ؟ … الإجابة تكمن في مشاعره التي أظهرها من خلال شغفه بها منذ وقت قليل …و لكن إذا نزل عند رغباته بعد أن عرف بكل شئ ، فهو يستحق تلقي المزيد من طعناتها الجارحة في رجولته .. رجولته !!!
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
كانت “وفاء” تجلس قلقة في المقعد الخلفي من سيارة أخيها ، تتابع تطرقه إلي الطرقات المقفرة غير المأهولة بالناس …
منذ رؤيتها قائد الحراسة “دياب الحديدي” و هي لا تستبشر خير ، “دياب الحديدي” أينما حل ظهوره يعني نذير شؤوم لا محالة ، و ما أزاد الأمر سوءا صمت أخيها الملبك و المثير للأعصاب .. أنها حتي لا تفهم شيئا ….
توقف “سفيان” عن المسير وسط هذا المكان النائي ، أوقف محرك السيارة و قال آمرا دون أن ينظر إلي مرافقيه :
-يلا إنزلوا !
وفاء بإستنكار حاد :
-ننزل فين يا سفيان ؟ في الصحرا ؟ إنت جايبنا فين ؟؟؟؟
سفيان بجمود : سلامة الشوف يا وفاء . في بيت علي يمينك يا حبيبتي .. إنزلـي يـلا
كادت تفتح فمها لتحتج ثانيةً ، ليعاجلها “سامح” بصرامة :
-إنزلي يا وفـاء .. إسمعي الكلام . يلا ! … ثم فتح باب السيارة من جهته و ترجل
أجفلت “وفاء” بتعجب و لم تجد مناص منهما هما الإثنان ، بحثت يدها عن مقبض الباب و نزلت بدورها .. مشت نحو “سامح” و هي تضم شالها الثمين إلي صدرها لتقي نفسها موجة البرد القاسية في الخارج
لمحت سيارة “دياب الحديدي” تقف علي بعد مترين من سيارة “سفيان” … ترجل القائد المفتول من سيارته حاملا سلاحا آليا و خلفه ساروا الحرس الثلاثة مددجين بالسلاح أيضا ، إرتعش فكها و تلقائيا تعلقت بذراع “سامح” وهي تهمس له بخوف واضح :
-هو في إيه يا سامح إيه إللي بيحصل ؟؟!!
لم يرد “سامح” … لم يكن هنا أصلا .. كان مركزا علي صديقه فقط ، في اللحظة التي إلتفت فيها “سفيان” نحوهما ، كان واقفا أمام البيت المألوف
تحسس بابه ذي الطلاء المتآكل بكفه و هو ينظر نحو “سامح” قائلا :
-تعالي يا سامح . هات وفاء في إيدك و تعالوا ورايا .. في حاجة حلوة أوي لازم تشوفوها ! … و ولج للداخل بخطوات وئيدة
تلفتت “وفاء” حولها ماسحة المنزل البالي من الداخل بنظرات مرتابة ، كانت تتبع خطوات “سفيان” و هي تسير ملاصقة لـ”سامح” … حتي أفضي بهما المسير إلي إحدي الغرف و التي كانت الأكبر و الأكثر أثاثا ، أثاثا بغير نظافة حيث كانت الأتربة تغطي كل شئ
ذلك السرير المنتصب في الوسط ، كانت هناك سلاسل حديدية غليظة تتدلي من قوائمه الأربعة إلي الأرض .. بقايا ملابس داخلية و تحديدا نسائية منتشرة في الجوانب ، قماش لفستان بدا قيما رأته ممزقا هناك أمام لوح الفراش الأمامي ، أدلة علي وجود ساكن سابق لهذه الغرفة تمثلت في صينية موضوعة علي طاولة صغيرة بجوار السرير حملت بقايا طعام قد تعفن و تجمعت حوله الفطريات ، و دورق مياه جاف … و !!!
جمدت عيناها في هذه اللحظة علي وجه أخيها الذي طل فجأة أمامها .. كانت عيناه أشد ظلاما ، تصلب فكيه ، الشر المطلق الذي بثته كل خلية تنبض في جسده ، كل هذا أنذرها بحلول شئ خطير .. حتي أنها عجزت عن تخيل أسوأ السيناريوهات ، فما الذي قد يوصل أخيها إلي هذه المرحلة المميتة من الغضب ؟؟؟؟؟
-ديــــاب ! .. صاح “سفيان” بصوت جهوري و هو يشمل أخته و صديقه بنظرات دموية محض
حضر المدعو “دياب” في طرفة عين ، كان قريبا بما يكفي ليلبي نداء سيده بأي لحظة ، إمتثل أمامه مجيبا بلهجته الخشنة :
-تحت أمرك يا باشا . أؤمرني !
نقل “سفيان” نظراته إلي حارسه المفضل ، مضي أكثر من إثنتي عشر عاما و هو يعمل لديه بمنتهي التفاني و الإخلاص .. حتي الآن لم يصدر منه تصرف يجعله نادما علي وضعه بالمكانة المحمودة التي تصدرها لأعوام عن جدارة ، و رغم قسوة الحارس الواضحة للعيان دائما ، كان هناك الآن لمعة رقيقة في عيناه و هو يطالع سيده خاشيا ما سيتفوه به ، غير قادرا علي ردعه بالطبع .. فهو يعلم … ما إذا أراد “سفيان الداغر” شيئا فلن يتورع مخلوق عن الحؤول بينه و بين مراده و إلا .. سيكون الخاسر بلا شك ….
-إخرج برا و إعمل إللي قولتلك عليه ! .. قالها “سفيان” بنبرة قوية و هو يمنحه نظرات التأكيد من عيناه الحادتين
مط “دياب” شفتاه شاعرا بالآسف ، بالآسي المر ، سأله و اليأس يطغي علي نبراته العميقة :
-إنت متأكد ؟ متأكد يا باشا ؟!
و لأول مرة منذ ساعتين تقريبا ، أطلت إبتسامة جانبية علي وجه “سفيان” .. قال رابتا علي كتف الرجل الحديدي فعليا ككنيته :
-متأكد يا دياب . إطلع يلا .. إعمل إللي إتفقنا عليه . و إستني مني إشارة
أطرق “دياب” عاجزا عن قول أي شئ ، إستدار مغادرا و قد سحب باب الغرفة في يده .. سمع “سفيان” صوت القفل ثم عدة دقات بالمطرقة ، ثم لا شئ ….
-سفيان أنا مش فاهمة حاجة !! .. قالتها “وفاء” بتوجس و قد إنسحبت الدماء من وجهها تماما
إبتسم و هو يلتفت لها قائلا :
-طيب ليه ما تسأليش سامح يا وفاء ؟ أعتقد أنه ممكن يفيدنا إحنا الإتنين . ده أنا جايبكوا هنا مخصوص عشان أفهم أنا كمان بس بالتفصيل
عقدت حاجبيها بإستغراب شديد و نظرت إلي “سامح” منتظرة رده ..
كان الأخير يحملق في شقيقها ببرود لم ينجح كثيرا في إستفزاره ، إلا أنه تقدم منه خطوة و هو يقول مبتسما بسخرية :
-مشكلتك يا سامح . مشكلتك الوحيدة إنك عاشرتني العمر ده كله و لسا مافهمتنيش .. كنت فاكر أنك بتلعب من ورا ضهري ؟ بس أنا كنت سايبك بمزاجي … إنت فاكرني مش عارف حاجة عن علاقتك بأختي ؟ لأ يا وفاء .. و نظر لأخته التي طبعت الصدمة علي وجهها الآن ، و أكمل بنفس الإسلوب :
-أنا عارف كل حاجة . من أول يوم .. كنت عارف إيه إللي بيحصل في شقة الزمالك و كنت سايبك بكيفي بردو . كنت بقول و ماله ما هي كبرت بردو و من حقها تشوف نفسها حتي لو هتتسخط و تمثل دور عيلة 18 سنة
عضت “وفاء” علي شفتها السفلي بقوة و قالت محاولة مجابهته :
-و إنت جايبنا هنا عشان نتحاسب علي علاقتي بسامح ؟ طيب ما هو خطبني و قريب هيتجوزني . إيه مشكلتك دلوقتي ؟؟
ضحك “سفيان” و أجابها :
-أنا ماعنديش أي مشكلة يا حبيبتي أياكش كان ولع فيكي . مايخصنيش .. و نظر إلي “سامح” مضيفا بهدوء خطير :
-المرة الوحيدة إللي تتحسبلك فعلا . لما قدرت تاخد بنتي مني . لما خطفتها من حضني و وهمتني أنك أوفي مما تخيلتك . مش عارف كان غباء مني و لا إيه ! و أنا لما كنت باخد بالي من نظراتك . من زلات لسانك . من طريقتك كلها إللي إتغيرت من ساعة ما جت ميرا هنا .. كنت مغفل فعلا . جايز عشان دخلت في حياتي واحدة شوشت تركيزي و شغلتني عن بنتي و أحوالها شوية . بس مش أنا إللي أسيب حقي أو حق بنتي يا سامح … و أكيد أنت عايز تعرف الموضوع وصل لحد عندي إزاي . إزاي قدرت أوصل للمكان ده .. طبعا من حقك تعرف . مش لازم كل حاجة تخلص و إنت فاكر أنك قدرت تستغفلني للنهاية
كانت نظرات “سامح” زجاجية ، عكست عدم خوفه من تهديد صديقه الضمني ، بينما أردف “سفيان” محركا أصابعه بحركات عشوائية :
-سواق التاكسي .. جبتها منين ياسطي ؟ .. من المنصورية .. فين بالظبط ؟ .. علي أول الطريق الصحراوي ؟ .. أنه يديني جملة مفيدة . أبدا . ماكنش لازم أحسس مخلوق أني بدور ورا الحكاية . خصوصا بعد ما خمنت بسهولة أن السواق كداب من نظرة واحدة . فهمت كل حاجة حتي قبل ما أتكلم .. نمر عربيته إتصورت . إتبعتت لأصدقائنا في مباحث المرور . شوية تحريات بسيطة و سرية . عرفت بسهولة بردو خط سيره في اليوم ده . كان فين ؟ و تبع مين الأماكن إللي عدا عليها …. و سطعت إبتسامته الجذلي و هو يقول بمكر :
-مش كنت تقولي أنك داخل في مشروع التعمير الجديد يا سامح ؟ كنت شاركتك و كبرنا المصلحة !
تصرخ “وفاء” في هذه اللحظة و قد نفذ صبرها :
-أنا مش فاهمة حآااجة ! حد فيكوا يفهمني إيه إللي بيحصل ؟؟؟؟
-إنت عايز إيه دلوقتي يا سفيان ؟ .. هكذا خرج سؤال “سامح” بمنتهي الهدوء و البساطة
رد “سفيان” بلهجة مزدرية :
-مش عايز حاجة . إنت فاكرني هتهور يعني و يركبني ستين عفريت و أمسك فيك و أنزل ضرب ؟ لا إطلاقا .. أنا جاي أصفي حسابات زي ما قولتلك … ثم مد يده في جيب سترته الداخلي و خرج بجسم ضئيل للغاية :
-مش ده الـMemory card اللي صورت عليه بنتي و هي في حضنك هنا ؟ في الأوضة دي ؟ علي السرير ده ؟
تجاهل “سفيان” شهقة أخته المصدومة ، و أردف و هو يقسم الشريحة إلي نصفين :
-كده أنا ماليش ديون عندك . فاضل بس دين بنتي
هذه المرة مد يده خلف ظهره و أستل من حزامه سلاح ناري حديث الطراز ، رفعه عاليا و هو يقول بإبتسامة وديعة :
-هنلعب لعبة حلوة أوي يا سامح . المسدس ده في 5 طلقات . طلقة ليك . و طلقة ليا . و في فراغ وسطهم . واحد فينا هياخد 3 طلقات لوحده . بس يستحسن ماتغشش . لأن الباب ده .. و أشار نحو باب الغرفة :
-متثبت بلغم . لو عملت فيها ذكي المرة دي كمان و نشنت علي راسي مثلا مش هتلحق تخرج سليم .. أنا طبعا رتبت كل حاجة . جريمة متقفلة و مافيش إثبتات . ببساطة لأن إحنا التلاتة كده مع بعض هنختفي من علي وش الدنيا بعد ربع ساعة بالظبط
و قبل أن يبدأ لعبته ، أخرج هاتفهه و تكلم مباشرةً :
-دلوقتي يا دياب . و مع السلامة إنت بقي . مكانك مع ميرا بردو مش هيتغير . خلي بالك منها .. و أقفل الخط
إنتبه لنشيج أخته المتصاعد بحرارة ، فنظر نحوها متسائلا بسخرية :
-جري إيه يا وفاء ؟ لأ إجمدي كده يا حبيبتي ده لسا التقيل ورا . تيجي نار الدنيا في حفلة الشواء إللي هنحضرها كمان شوية ؟ .. و إنفجر ضاحكا و هو يكمل :
-مش تشكريني علي الأقل طيب أني خليتك برا اللعبة بتاعتي أنا و سامح ؟
لم يكن “سفيان” يدرك أنها لم تبكي حياتها المرهونة بالدقائق المقبلة ، بل كانت تنوح و تذرف الدمع علي ذاك الذي دمرت صورته بنظرها في لحظات .. لقد خدعها “سامح” … لقد خدعها الجميع و لم يكتفوا بذلك ، ليأخذونها ضمن قائمة الحسابات كتحصيل حاصل لمعركة الكرامة و الخيانة ، و كأنها المذنبة الوحيدة .. بل كلهم مذنبون !!!!
-بس عايزك تعرف حاجة قبل ما نصفي حساباتنا زي ما بتقول يا سفيان !
أفاقت علي صوت “سامح” متحدثا بتلك العبارة ، نظرت إليه و تابعته بإهتمام و هو يقول بنبرة إتسمت بالثقة و الصدق :
-أنا حبيت ميرا بجد . قول عليا مجنون . كبرت و خرفت أي حاجة ممكن تقولها قولها .. أنا مش ندمان علي إللي عملته . أنا حاربت و فوزت بإللي بحبها حتي لو القدر جه في صفك و إديتها لواحد تاني . أنا بردو إللي كنت أول واحد في حياتها . أنا إللي حفرت ذكري جوايا و جواها عمرها ما هتنساها طول حياتها . و ده كفاية أوي بالنسبة لي و مخليني مستقبل الموت بالهدوء و الترحيب إللي إنت شايفه ده
-آه يـا حــقييييير يـا خـآااااين . كنت بتلعب بيـا يـا قذر و أنا زي الهبلة كنت بصدقك … هكذا علا صراخ “وفاء” و هي تنقض علي “سامح” خامشة وجهه بأظافرها
لم يحاول الأخير الدفاع عن نفسه و بقي ساكنا بشكل أثار جنونها و هي تهتف بشراسة :
-كلكوا لعبتوا بيا . كلكوا إفتكرتوا وفاء الركن المايل في حياتكوا . و جايين دلوقتي كل واحد يطعن فيا شوية و فاكرين إني هاسيبكوا ؟؟؟؟
سفيان و هو يضحك بمرح :
-ماتزعليش يا فوفي . يا حبيبتي أنا مايرضنيش زعلك إنتي أختي مهما كان بردو . و بعدين ما أنا هخلصلك عليه أهو . أنا و هو هنخلص علي بعض قدام عنيكي و هتشفي غليلك منغير ما تتعبي إيدك بشيل السلاح
برقت عيناها البنيتان و هي تزمجر بوحشية :
-لااااااااأ .. مش هتلعبوا بيا تاني . مش هكون لعبة في إيديكوا و أسلم بإللي تختاروه .. المرة دي أنا إللي هختار مصيركوا . أنـا يا سفيـــان !
و في لمحة كانت قد قطعت الغرفة ركضا بإتجاه الباب ، مدت كلتا يداها نحو المقبض .. أمسكت به ثم شدته بكل ما أوتيت من قوة
ليسمع بعد ذلك صوت الإنفجار المصم ، و يتردد صداه مع تحرير آلسنة اللهب التي إبتلعت البيت و ما عداه ، فتعلن النهاية أخيرا …….
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
بعد مرور ستة أشهر …
في تلك المشفي الخصوصي ، داخل غرفة العمليات ، كان الطبيب قد فرغ أخيرا من حالة ولادة شديدة التعثر
خرج الطبيب و هو يجفف جبينه المتعرق ، أصدر آوامره بنقل الأم التي لا تنفك تطلب رؤية طفلها إلي غرفة خاصة بها …
كانت متعبة لحد جعلها تستلم مؤقتا لتعنتهم معها ، نقلت إلي غرفتها الخاصة و قد رافقتها أمها و القلق علي تدهور حالتها يثقل كاهلها
جاهدت لتبقيها صامتة قدر المستطاع ، إلي أن تهدأ قليلا فقط ، لكن شوق الأم و الغريزة الأزلية تغلبت علي كل شعور بالتعب و فجأة هان الآلم و هي تفتح عيناها الجميلتان و تقول بثغرها الباسم :
-ماما ! .. تمتمت “يارا” بصوت مرهق
ميرڤت بتلهف : حبيبة قلبي . ألف حمدلله علي سلامتك يا روحي .. و أخذت تمسح علي شعرها بحنان
يارا بإبتسامة واسعة :
-إنهاردة أسعد يوم في حياتي . أخيرا إبني . العوض إللي إستنينه بقالي شهور .. جالي . ده ربنا كريم أووي . إبني بقي ليا لوحدي . ماعادش في سفيان الداغر خلاص . مافيش خطر . محدش هيقدر ياخده مني . الشيطان مات يا ماما
أومأت “ميرڤت” و هي تقول مؤيدة :
-أيوه يا حبيبتي . كرم ربنا كبير . الحمدلله أنه خلصك منه و من كل حاجة في دنيته السودا .. ماتشكيش أبدا في حكمة ربنا و لطفه يابنتي
رفعت “يارا” كفها و مسحت وجهها و هي تقول بتعب :
-و نعم بالله . الحمدلله .. أنا نفسي أشوفه أوي و أخده في حضني . لو سمحتي يا ماما خلي الـnurse تجبهولي
ميرڤت بإرتباك : هه ! تقصدي مين ؟ . عايزة مين ؟
يارا عابسة بغرابة :
-أقصد إبني يا ماما . عبد الرحمن . خلي حد يجيبه
عضت “ميرڤت” علي شفتها بقوة و حارت ماذا تقول لها !!
يجب أن تعلم علي كل حال آجلا أم عاجلا ، لا يمكن أن تكذب عليها …
-يا مـامـا ! .. نادتها “يارا” بدهشة
نظرت “ميرڤت” لها ، إكتسي صوتها بالحزن و الآسف العميق و هي تقول :
-يارا . أنا آسفة يابنتي .. مش هقدر أكدب عليكي و في نفس الوقت خايفة عليكي من الصدمة !
يارا بعدم فهم :
-قصدك إيه ؟ عايزة تقولي إيه يا ماما ؟!
صمت قصير .. لتعلن “ميرڤت” بصوت كالأنين :
-إبنك مات . مات و إنتي بتولديه !
هبط الخبر فرق رأسها كالصاعقة ، تسارع وجيب قلبها و هي تصيح بحدة :
-إيه إللي بتقوليه ده ؟ يعني إيه إبني مات ؟ لأ مستحيــل . أنا كنت حاسة بيه . كنت حاسة بيه و هو بيخرج من جوايا . يعني إيـه مـات يا مـامــا لأ مامـتش
أمسكت “ميرڤت” بكتفيها و هي تقول و قد غلبتها دموعها :
-أمر الله . الولادة كانت صعبة .. طولتي أوي يابنتي . إتخنق
يارا بصراخ غاضب :
-لأ ماتقوليش كده . إبني عايش .. هو فيــن ؟ أنا عايزآااااه هاتيهولي بـقولك
دخلت الممرضة في هذه اللحظة ، فطلبت “ميرڤت” مساعدتها فورا ، بينما إستمر صراخ “يارا” و عويلها المجروح و هي تردد :
-يا إبــــني . يا إبــــني .. يا حـبيبي . لييييه ؟ إتحرم منه . لـيييه يـارب . لـييييييييه ؟؟؟؟؟؟
هكذا ملأ نواح الأم المكلومة أرجاء المشفي ، ليشهد الجميع إنهزام أخر لها ، هذه المرة علي مرآي و مسمع ، و قد كانت الضربة القاضية حقا …..
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
مر وقت طويل علي سماع أخر ما يخصها ، كانت السيدة النبيلة سريعة السأم من تكرار التفاصيل المملة ، فأعطت آوامرها ألا يصلها خبر حتي اللحظة الموعودة
و ها قد أتت أخيرا و هي الآن علي أحر من الجمر …
في ڤيلا آل”غالي” .. صباح باكر ، عندما كانت “ميرا” تجلس بالبهو تحتسي الشاي برفقة العائلة الجديدة ، زوجها ، والدته ، والده
إنتظرت بفروغ الصبر منذ جاءتها المكالمة الأكيدة قبل ساعات ، عند مطلع الفجر بقليل ، ظلت متيقظة من حينها و حتي الآن …
تحفزت عندما وصل إلي مسامعها صوته ، أعادت فنجان الشاي إلي الطاولة و قامت مسلطة أنظارها علي المدخل
لحظات و ظهر نائبها المخلص ، مبشرا ، باسما ….
-ميرا هانم ! الهدية وصلت .. قالها النائب و هو يقترب منها و في يده السرير النقال الخاص بالأطفال حديثي الولادة
تهللت أساريرها و هي ترد بسعادة :
-دياب .. Thanks . رغم إني إستنينك كتير !
مد لها السرير النقال و هو يعتذر بلطف :
-أنا آسف علي التأخير . لحد ما جبت الطفل البديل و وضبت أموري و قدرت أطلع بيه من المستشفي منغير ما حد يحس
أزاحت “ميرا” الأغطية الكثيرة عن الرضيع و قبضت عليه بتلهف و هي تقول :
-baby . Welcome home .. إنت في آمان دلوقتي. إنت معايا يا سفيان !
و ضمته إلي صدرها بحب جارف …
-سمتيه سفيان يا ميرا ؟ براڤو عليكي .. كان هذا صوت “عز الدين”
إلتفتت “ميرا” له قائلة :
-سفيان طبعا . ماينفعش يكون غير سفيان
مدلين بإبتسامة : مبروك عليكي يا حبيبتي
ميرا : شكرا يا أنطي
قام “عمرو” من مكانه و إقترب منها ، طوق كتفيها بذراعه و هو يقول بنعومة مداعبا خد الصغير بإصبعه :
-سفيان . و الأم ميرا !
ميرا و هي تتأمل ملامح أخيها ، و الذي أصبح إبنها أيضا إبتداء من اليوم :
-و الأب عمرو !
كانت ملامحه كلها ، كناية ، بل إستنساخ دقيق لملامح والدها … إحتضنت الطفل بلطف و هي تتمتم بتملك واضح :
-إنت بتاعي . بتاعي أنا .. هي مالهاش فيك أي حاجة . إطمن حبيبي .. محدش هيقدر ياخدك مني !
كانت تنطق كل حرف بإصرار عنيف ، مصير الطفل أصبح بيدها فعلا .. فمن بإمكانه سلبها إياه ؟
تمــــت …. و لقاء في ( جزء ثاني ) إن شاء الله 💔 😂
نتمنى لكم قراءة ممتعة زوار مدونة كامو الأعزاء
ولطلب اي رواية من اختياركم راسلونا على قناة التليجرام من هنا —-> مدونة كامو للقصص والروايات
أو على رسائل الصفحة الخاصة بالموقع على الفيس بوك من هنا —-> كامو للراوايات والقصص
وللمزيد من الروايات الرائعة يمكنكم تصفح الموقع والبحث عن أي رواية ترغبون بقراءتها من هنا —-> مدونة كامو