رواية فارس الفصل الخامس 5 بقلم سلمى ناصر
رواية فارس الجزء الخامس
رواية فارس البارت الخامس
رواية فارس الحلقة الخامسة
_ انـا مش هتجوز غير البنت اللي بحبها.
جاوبُه ابـوه بكُل قسوة:
_ تمام تخرجوا بـ الي عليكوا ، وانا من انهاردة مليش ابن، ابني مات ، وهتبرأ منك ليـوم الدين !
“فلـك” بعد ما سمعت “اسماعيل”بصتله بصدمه وكلامُه جـمّد أطرافها وحواسها مكانها ،
بعد امرُه علي “فارس” !
هي لما قالت موافقتها لـ “فارس” ، مكانتش حاسبه، قالتها بكُل تلقائية ، كانت عايزه تبقي معاه وبس ، وقرار “اسماعيل” المُفاجاء خلتها حست ان روحها هتتسحب منها ، فكره ان “فارس” عيلــتها كُلها هيكون من حق واحده تانيه !! ،
حاسه انها عايزة تصرخ وتعيط وتمسك فيه وتقولهم ان “فارس” ليها هـي بـس، مِلـكها مينفعش يبقي لـ غيرها !.
“فارس” رد علي أبوه ، بعد دقائق صَمت وعدم استيعاب :
_ هكتب كتاب مين ؟
ضِحك بـ استهزاء _ زي ما سمعت،
كتب كتابك علي بنت سعد ، اكتر شريك ليَّا اضمن انُه هيساعدني في الأزمة دي،
ودا مش هيحصل غير لما يكون في نَسب !
وانـا قررت أن انت، بجوازك من بنتُه كُل مشاكلي هتتحل !.
_ وانا برفض طلبك ، مش هتجوز غير فـلك.
_ أنا مش بطلب ، أنا بأمرك ،
الموضوع مش طالب قصص حب الوردية بتاعة العيال بتاعتكوا دي ، فوق كدا واعرف مصلحتنا ،
_ اسـف يا بابا ، انا قولت رأيي ..
_ يعني ايه؟ هتسيب ابوك يتحبس؟
_ في مليون حل نعملُه ، اقدر اشتغل ،
نقدر نبيع حاجات من هنا ، نقدر نعمل كذا حاجه الا دا
“اسماعيل” اتعصب ، وابتدا يزعق :
_ وانا مش هحل المـُشكلة الا بالطريقة دي !
هتتجوزها وكُل اللي عليك تسمع كلام ابوك،
وتقول حاضر ، سامـع؟
“فارس” بصـلها بطرف عينه ، شافها مُنهارة من غير اي صوت ! بس حَس بـيها بتنتفض من كـمية القهر ! والضياع اللي ملي عينيها ، رجع بص لٲبوه بـ ٲنفعال وهنِنا معرفش يسيطر علي نفسُه … “
_ انت ازاي تُحكم علينا بحاجه زي كدا ؟ لـ مُجرد انك عايز تضمن الحل الاسهل لـ صالحك؟
هو احنا مش لينا احساس برضو ولا ايـه ؟ انا لا يمكن اتجوز واحده غيـر فلــك ولا ابُص لواحده غيرها ، فلــك ليا وانا ليها مينفعش نكون غيـر لبعض ..
_ يعني ايه ؟ هتكسر كلمتي ؟ هتطلعني عيل بعد ما ادتلُه فِكرة عن موضعكوا؟
للدرجة دي مش هامك ابوك يتحبس ويقضي اللي فاضلمن عُمره في السجن !؟.
_ مش ذنبي يا بابا ان حضـرتك قولتلهم كلمة محصلتش ولا اتقالت مني ، وزي مقولتلكوا انا هشتغل كذا شغلانة وهساعدكوا ..
“انصاف” طفح بيها ، وهِنا فضلت تزعق وعنيها كُلها غضب علي “فلك”
_ هي البت الفقر دي عملت فيك ايه خلتك جبروت علينا كدا ؟ ترفض احسن جوازة في الدُنيا،
اللي هتنقذ ابوك وتنقذنا معاه، عشانـها هــيّ؟
_ ارفض مال الدنُيا كلها واغناهم ، طالما هي معايا انا كسبت الاحسن والاغني ، وعايز اعرف ليه كلكوا رافضين ؟ شوفتوا ايه وحش منها ؟
“اسماعيل” رد عليه بنفاذ صبر :
_ هي كمان انت متنفعهاش ،
هي قدام هتلاقي شخص زيها تتجوزه وياخدها ..
_ زيها ؟؟ لا يا بابا ، فلـك مش هتبقي لحد غيري
،مش ممكن اضيعها من ايدي واسيبها ، انا هفضل معاها ، وهنعمل اللي اتفقنا عليه ، وهنعمل نفسنا بنفسنا ، بمساعدة بعض ، احنا هنكمل بعــض !
_ وانا يافارس؟ ابوك ملوش كلمة عليك؟
_ بابـا أنا قولتلك احنا ممُكن نعمل ايه!
إنما جواز لأ ، وانا مش هسمح يحصلك حاجه لو طال هتحبس أنا مكانك .
“اسماعيل” كأنه مسمعوش اساسًا وراح ناحية باب البيت فتحُه وهو بيهددُه بـ مُنتهي الظُلم :
_ وانا ولا عايزك تتحبس ولا زفت ،
يمين بالله يا فارس ، لـ توافق ، لـ البت دي هتغور من البيت دا ومش هيبقالها ، مكان تاني وسطنا ،
أنا كان لازم اسمع انصاف لمـا مَردتش تقعدها ،
بس دا جزأئي ، هـا؟ اطرد الهانم للشوارع،ولا نروح وأنت بيتهم ونكتب كتابك بـ ادبك؟
“فارس” اتنهد تنهيده طويـلة شايلة عذابُه الداخلي كُله ! ومشي خطوة لـ “فلـك” مِسك أيدها المتـلجه و بتترعش ، يطمنها ، ويعلَن عليهم قراره ورغبتـُه ، ودي اول مرة “فارس” يعارض اهلُه علي حاجه ويقُف قُصادهم :
_ وانا قولت اللي عندي يا بابا ,
مش هتجوز غير البنت اللي بحبها
جاوبُه بكُل قسوة وهو بيرزع باب البيت :
_ تمام ، وانا من انهاردة مليش ابن، ابني مات ،
وهتبرأ منك ليـوم الدين !وتاخُدها وتغورو من هنا ، انسي أن ليك اب !ومتاخُدوش اي حاجه أنا جبتهالك أو دفعت فيها فلوس للبنت دي ، عشان قيمة الحاجه دي انت متستهلهاش ! خُسارة تربيتي فيـك ,
رمي كلامُه اللي كان جـمر علي قلب “فارس” ,
عيونه كانت حمرة، من دموعه اللي حبسها في عينيه،
مصدقش أن أبوه يتخلي عنُه ويقسي قلبُه عليه بالسهولة دي , لـ مُجرد انُه بيطلب أقل حق من حقوقه كبني ادم ، وهو يعيش مع اللي يختارها قلبُه .. ”
“ندي” كانت في أقصي درجات ذهولهـا ، تُعتبر منـطقتش من صدمة الكلام , إنما “انصاف”
فِضلت تولول وتلطُم علي رجليها وهي بتزعق في جوزها :
_ يا نهاااري، بتقـول ايه يا اسماعيل ؟ هتتبري من ابنك عشان جلابة المصايب دي ؟ ،
فارس يا بني ، اسمع كلام ابوك يا حبيبي ، البت دي هتوديك في داهيه ، سيبك منها ، كان يوم اسود يوم ما خدتها معايا البيت وربيتها ، انتي ايه يا بت شيطانة ؟ عملتي في ابني ايه خلتيه يعصي ابوه كدا ؟
“انصاف” كانت هتهجم علي “فلك” وتضربها ، بس “فارس” وقف جدار بـ جسمُـه ناحيتها يمنعها تقرب منها ، واتكلم وكأنه مش شايف ولا سامع حد :
_ اطلعي يا فلــك البسي حاجه تانية اكيد مش هتمشي بالبيجامة ، دا بعد اذن اسماعيل بيه ومش هناخد حاجة ، هنسيب كُله زي ما هو .
اهلهُ بصولوا بصدمه ، كلامهم مٲثرش فيه ؟ لسه مصمم عليها ؟ طب ومين هينقذهم من ضيقتهم .. ساعتها ؟ .. ”
“فلـك” اترددت تطلع بس “فارس” زقها عشان تكمل وهو بيطمنها ، طلعت تغير لبسها ، وهي بتعيط .. وحاسه انها إذت “فارس” ، عملت مشكله كبيـرة بينُه وبين عيلتُه ، ومش قادرة تصدق كميه الظلم اللي هما فيه دا ، حتـي ابنهم ؟ .. ”
“فارس” بص لٲبوه وراسه مرفوعه وكٲنه نجح في معركه ،وخد اللي بيتمناه من نتايجها ، حتي لو طلع خسران كتيـر ، وخسارتُه مَش هينـَّه ، بس مَكسبُه يهون ! فِضل لٲخر لحظة بيتمني يلين،
ويقوله انُه ابنُه ودي لحظة عصبية مش اكتر،
ويقعد يفكر معاه يشوف حَل لكـن ، أبوه تحاشا النظر ليه اساسًا وكان قاعد سرحان ,
” انصاف” قعدت تنهار :
_ يا ميلة بختك يا انصــاف ، شوفت يا اسماعيل ، شوفت المنيلة دي عملت في ابننا ايــه ؟ قولتلك ياخويا ارميها في اي دار ايتام وبلاش نربيها ، حنيه قلبك وقعتنا في شرها ، بت خبيثة عرفت تخلي الواد خاتم في صباعها ، ويقف قصادنا ، بنت ابوها دمه الخبيث بيجري في دمها ..
“ندي” اتكلمت بعد ما أدركت الموقف ، وابتدت تعوم علي عوم امُها :
_ فكر يا فارس محدش يعمل كدا الا ويكون مجنون ، عشان تصدقوني ان مكنتش بفتري عليها وانها بني ادمة حقيرة بتاعة مصلحتها .
“فـارس” كان واقف يبُصلهم وهما بيشتموا في “فلـك” وبينعتوها بٲوصاف كتير .. بس فضل ثابت ومش مصدق ان دول اهله وعيلته ، هُما خبوا الكره دا كله ازاي ؟ ولا هو اللي كان اعمي ومخدوع فيهم ؟
سمع صوتها الضعيف وهي بتقوله انها خلصت ،
بص علي ابوه وامه بصه اخيرة قابل في عيون ابوه الكره والطرد ليه ، وعيون أمه الترجي ، أنه يوافق ويفضل معاهم ، بس مسك ايديها جامد وكٲنه بيثبتلهم تمُسكه وتعلقه بيها .. وخدها وخرج وقفل الباب بهدوء .. و”انصاف” قعدت تكمل ولوله و”اسماعيل” مكانش همه غيـر هيخرج من ورطته ازاي وصاحبه اللي اتفق معاه علي جواز هيقوله ايــه ؟ و”نـدي” كانت مبسوطة ان البيت فضي من “فلـك” اخيرا ، حتي اخوها مـَحطتش لُه اعتبار .. “”
بعد ما خرجوا .. “فارس” كان مقتنع جدا بـ اللي عملُه وحبه ليها. وضح اكتر ، وطالما خلاص بقت معاه لازم تاني خطوة واهم خطوة يوصلولها تكون حــلال ليه عشان يقدر يتصرف هيعمل ايه تاني .. “”
وفعلاً خدها وراحوا عند مٲذون واتجوزها وكان معاه شاهدين من صحابه جم يجاملوا صاحبهم .. و”فلك” لانها ملهاش حد يقف معاها في وقت زي دا .. خلت وكيلها امام الجامع اللي عايش جمبهم وبيعتبر “فلـك” بنته وعارفها كويس ومرفضش طلبها نهائي ..
بعـد ما خلصوا و”فلـك” رسمي بقت مراتـُه ! وصُحابه القريبين منه باركولُه ، وهو دلوقتي مش عارف هيروح فين او معملش حساب الخطوة دي ، ولٲن صاحبه بيعزه وبيحبه زي اخوه جدا .. مـَهنش عليه وسابلُه مفتاح شقة امه وابوه القديمة ، ويعتبر محدش بيروحها ، يقعدو فيها لحد ما يتصرف …
وهما في طريقهم في العربيه” فلــك” كانت قاعدة
ساكتة وهو كمان ، بصتله وشكله قَطع قلبها ،
قِدرت تفهم من غير ما يقول كِلمه هو حاسس بـ ايه !
مـش سهل خالص ، أبوه يتبرأ منُه ويطردُه من غير هدومه حتي ويعمل معاه كِدا !.
عيونه حمرا ، ووشُه جامد ، باصص في الفراغ ، سرحان ، كفُه علي كَف أيدها ، ماسكُه جامد، وكأنه بياخد الدعم وبيقوي بيها ..
حست بالذنب ، وأنها أنانية ! هي محبتش الأمور توصل لـ كدا لو عليها عادي تمشي ، بس هو ذنبُه ايه
يسيب بيتُه واهلُه؟
عايزة تواسيه وتخفف عنُه زي ما بيعمل طول عُمره،
بس متعرفش ازاي !؟ عُمرها ما واست ،
هو اللي بيواسيها وبيدعمها ،
تلقائيًا منها سحبته من رأسه في حُضنها ، وطبطبت عليه بـ هدوء وهي بـ تهمسلُه :
_ كُل حاجه هتبقي كويسة ، صدقني !
وكأنه كان مستني الحُضن دا ، أو ما صَدق
داوء للي هو حاسُه اتعدل اكتر وشدد علي حُضنها ،
ورد عليها بنفس وضعُه :
_ أنا عارف ، عشان انتي بقيتي معايا ,,
وصلوا بيت صاحبه وطلع هو و”فلـك” كانت الدنيا ليل , ودخلوا الشقه البسيطة ، مش كبيـرة اوي ،
بس مُريحة ، هي فضلت واقفه في الصاله ، بتبُص علي الشقه .. “فارس” بقا جوزهــا ، الوضع تلقائي بيخليها تبتسم.
خرجلها وهو بيبصلها بابتسامة بقت مرسومة بحنيه علي وشه ليها بــس!
_يلا يا فلك ادخلي ارتاحي ، وحقك علي عيني أنا انك مخدتش هدومك ، وهتنامي كِدا بس من بُكره الصبح أن شاءالله هجبلك كُل اللي تحتاجيه
أنا هنزل دلوقتي اجيب اي اكل .
_ هتنزل تاني ، ملهاش لازمة ، وسيبك من الهدوم أنا مش همي غيرك يا فارس
_ ربنا يخليكي ليَّا ، بس يلا ، عشان هنتكلم شوية بعديها
دخلت هي اوضة النوم ، وهو نزل يشتري اكل ، فكت الطَرحه وسيبت شعـرها البني حوالين وشها ، وقلعت الجاكت الجلد وفِضلت بالبلوفر والجيبِ بس، وخرجت تستناه ، شوية وطلع “فارس” ..
وقف هو يبصله ، شعـرها طِول شوية عن زمان حجمها صُغير .. جميـله بـكُل تفاصيلها البسيطة !
“فلـك” اتحرجت اوي من نظراته ، ووشها احمر فـ عشان تنهي خجلها ونظرات الاعجاب الواضحه :
_ يلا يا فارس انا جوعت!
= احمم .. يلا
راحوا قعدو علي السفرة وهي كانت بتاكل اوي بشهيه وهو قعد يبُصلها بس ، ويتٲمل تصرفاتها العفوية التلقائية ، وبيتسم ..
وجواه راحه كبيرة ، “فلـــك” خلاص بقت بتاعته لوحده .. مراته ومعدش حد هيعكنن عليهم ويبعدهم عن بعض تاني .. ولا حد هيحاسبه علي تصرفاته معاها ..
_ منظري مش لطيف خالص عشان تبصلي وانا باكل ، هو انت مكلتش ليه ؟
= بشبع وبكتفي لما بشوفك.
_ ط ..طب هنعمل ايه ؟
_ في ايه ؟
= في ايامنا الجاية .. هتمشي ازاي ؟
= هنزل الصبح ان شاء الله ادور علي شغل بجانب تدريبي في المشفي وقريب هتعين فيها ، وكمان هشوف شقه او اوضه نُسكن فيها ، اكيد مش هنفضل في شقة رامي ، وانتي هتكملي حياتك عادي وجامعتك كمان
_ يعني انت هتعمل كله لوحدك ؟ لا طبعا انا لازم اساعدك ، متنساش ان انا سبب خلافك مع عمتي.
= قولتلك يا فلـك انتي ملكيش علاقه بـ الي حصل ، هما عايزين كدا وانا عملت اللي عليا ، وقبل كل دا انتي مش هتساعدي بحاجة انا الراجل وانتي بقيتي مراتي خلاص ومسئولة مني ، يعني ركزي في دراستك وبس.
_ بس انـ….
_ مش هننـام ؟ محتاج انام اووي ،
_ طيب يا فارس .
عرفت انه بيقفل عن الموضوع ومؤقتا وافقته .. وقاموا عشان يناموا ، وفي اوضتين في الشقه ، اوضه لاهل صاحبه ودي قافلها
.. ومفيش غيـر اوضته هو وفيها سرير صغير ، مكنش هيكفي غيـر لـ واحد بس ، “فارس” قرر انه ينام علي الكنبة الكبيرة الي في الصالة عشان بسببها براحتها ، وهو عارف كَم الخجل أنها تطلبَ منُه كدا ، هي استغربته .. بيتعامل عادي زي الٲول وكٲن مفيش خطوة جدت في حياتهم ، لكن احترمته جـدًا ، لأنها عرفت انُه حسّ أنها هتتحرج ومش هيكون سَهل عليها … ”
عدا اسبوع علي جواز “فلــك” و”فارس” وهما زي الٲول .. اخــوات ، دور علي اشغال كتير لحد مـ صاحبُه اتوسطله واشتغل مندوب مبيعات ، وبليل عامل في مَحطة ، بنزين ، قرر يتعب لحد ما يتعين رسمي في مستشفي، عشان يقدر يصرف علي “فلـك” وعلي مصاريفهم اللي جددت، وعشان يأجر شقة ليهم ، و”فلك” استمرت في جامعتها ، وفي بالها أنها لازم تساعدُه بـ طريقة ، وهو بيعمل كُل دا عشانها .. حرفيا كان بيتعب جدا، وجودها ودعمها ليه كان كفاية يقويه … بس اكتر حاجه كانت بتضايق “فلك” هي شغلانته بليـل ، بيتأخر وممكن يدخُل وش الفجر، وكل دا بتفضل لوحدها ، في قلق عليه ، وعلي نفسها انها قاعدة لوحدها ، وكُتر غيابُه ، بـ يوحـشها .. ، ”
كانوا بيتعشوا ، و”فلك” جات من المطبخ وحطيت الاطباق قُدامه ، وهو مِسك أيدها باسها ، ابتسمتلُه بحرج وقعدت قُصاده ، احساس أن بقا ليها زوج وبيت بتطبخُ ومسؤولة عنه ، بعد ما كانت حاسة بالغربة في بيت عمتها ، احساس بـ تِحمد ربنا عليه كل وقت وبتتمني يدوم :
_ تِسلم ايدك يا حبيبتي.
_ تسلم يا فارس ، هو الاكل عجبك؟ انا عارفه انك مستحمل العك اللي بعمُله لحد ما اتعلم ,
_العك دا احلا حاجه أنا بُكلها في يومي.
ضحكتلُه ، وسئلته بترقُب وهي بتبُصله:
_ مالك يا فارس؟ من ساعة ما جيت حاساك مضايق من حاجه؟
اتنهد وهو مش عايز يعرفها ويشيلها همُه ، بس هي مُصره :
_ عَرفت أن بابا باع الفيلا ومشيوا ، معرفش راحوا فين ، حاولت اكلمُه من رقم تاني عشان هو محظرني،
لاقيته مغير رقمُه ، ومش عارف اوصلُه.
زمت شفايفها ، بحُزن وشفقة ، وحطيت أيدها علي ايدُه :
_ مش عايزاك تِحزن كِدا ، انت اجمل ابن شوفتُه،
انت حاولت تساعُده بس هو رفض ، انت عملت اللي عليك يافارس ، وبكره بأذن الله يصفي والدنيا تتحل، وهُما اكيد بـ خير متقلقش،
ابتسم لها مابين نظراته الذابلـه من التعب، وهو بيضُم ايدها :
_ انـا عارف ، كفاية وجودك مـ هون عليَّا .
_ ربنا يخليك ليَّا يارب ، وفي حاجه كمان عايزة اكلمك فيها .
_ ايه؟
_ انت شَكلك تعبـان اوي يا فارس، انت مش واخد علي كِدا عشان خاطري خليني اشتـغل واسـ..
قاطعها قَطع نهائي :
_ احنا اتكلمنا في الموضوع دا يا فلك وخلاص ،
وبعدين كُلي يلا عشان تفتحي نفسي ,
بصتلُه بـ قلة حيلة ، وهي شايفاه بيجي علي نفسُه ، جدا عشانها ، مبياكُلش كويس ، يُعتبر مش بينام،
بقا ظاهر عليه التعب ، وهو عُمره ما اشتغل ، ومش واخد علي المرمطه دي ! … ”
_ طب اسمعني يا فارس ، أنا عايزاك تسيب الشُغلانه بتاعة بليل دي
_ ليه؟
_ كفاية عليك بتاعة الصُبح ، ثم انت بتتاخر وبتسيبني لوحدي كُل دا ، وانا بخاف اقعُد لوحدي،
_ غصبًا عني يا حبيبتي ولله ، اوعدك اول ما الاقي حاجه كويسه ، هسيبها … “
_ انت بقيت عنيـد كدا ليه؟
ضِحك ضِحكه خفيفة _ المكرونه المِسكرة،
بردت يا لوكا، ما تسيبيني اعرف اكُل.
شهقت وهي بتدوق الاكل :
_ يالهوي يا فارس دي وحشه جدًا !
أنا تقريبًا خلطت بين الملح والسُكر ! أنا اسفه جدًا
_ بتتأسفي ليه ، علي قلبي سُكر ،
وادينا بنجرب اختراعات جديده ياستي ، طب تصدقي حلوه وهي مسكرة اكتر .
_ بس يافارس سيب العك دا ، انت كدا بطنك هتوجعك، وانا هجبلك اي حاجه من التلاجه.
مِسكها من أيدها قـبل ما تروح وقام , معاها :
_ متقوميش أنا شبعان ، تِسلم ايدك أنا بس هدخُل عشان محتاج جدًا .
_ هتنام جعـان يعني اصبُـ اجِبلك انـ..
_ ياستي بقولك انا لما بشوفك بـشبع اصـلاً ،
ابتسمتلـه بـ حنيه ، حتي في الغلط ، مزعقش واتعصب واحرجها، زي اي حد طبيعي ، بالعكس مبيحسسهاش أنها عملتُه ، دا بيشكُر فيها وبيحسسها قد ايه عظيمه !! وبيعلمها واحدة واحدة .. ودا نُقطـة وصل من ضَمن نُقط ترابط العلاقة القويـه .. “”
عدي كام يوم “وفارس” لِسه ما بين شُغله وبين “فلك” .. رغم جدالهم في أنها تشتغل وتساعده أمر مرفوض بالنسبالُه ، بس هي حاطه في دماغها أنها لازم هتشتغل وتساعد ، بالذات بعد ما سابوا شقة صاحُبه وأجر شقة صُغيره تانية اوضه وصاله ، بقا ليها مصاريف، وهي شايفه قد ايه بيتعب ، فـ قررت تشتغل حتي لو من وراه .. وعلي الأساسٍ دا ابتدت تدور فعلاً ، وقالت
لـ “خديجة” صاحبتها في الجامعه تتوسطلها في شُغل عدد ساعاته قليلة ومناسبه مع عدد ساعات “فارس” الصُبح ، يعني تكون موجودة في البيت قبل وصُوله علي الغداء ، كـ عادة كُل يوم , قبل ما يروح شغلُه التاني … عشان ميعرفش أنها بتشتغل وتساعده … ”
كانت في الجامعه كالعَّادة ، ونَده عليها ، زميل ليها “رامـز” ، يعتبر “فلك” مش بطيقهُ ..
مش بترتاحلُه نهائـي ، متعرفش السبب بس
ملوش قبول عندها ، مُريب بالنسبالها ..
_ ازيك يا فلك.
ردت بُـ مُجاملة ، وهي بتقوم تمشي عشان جيه :
_ كويسة .
_ طب استني قايمة رايحه فين؟
عايز اكلمك في حاجه .
_ وانت من أمتي ليك كلام معايا؟
_ احمم ، ايوه بس دي حاجه تخُصك عرفتها من خديجة
_ ايه اللي يخُصني؟
شَد كرسي قُدامها وقعد وهو بيبتسملها :
_ انتي بتدوري علي شُغل ، خديجه كانت قالتلي
_ وهي تقولك ليه؟ أنا قايللها هي انت ايه دخـلك؟
رمي نظراتُه بعشوائية من الحرج ، وكمل :
_ هي مقالتليش بشكل واضح , أنا سِمعتها وهي بتقول ، وانا عندي شُغل كويس ليكِ فقولتلها عليه ، وعجبها لانُه موازن طلباتك ، وحبيت اساعدك طالما في أيدي مش اكتر،
“فلك” خدت نفس وحست أنها قليلة الذوق معاه،
هو برضو معملش حاجه تخليها تعاملُه كدا،
يمكن يكون شخص كويس ودي هواجس في دماغها،
هي مروراً بالظروف اللي عاشتها في بيت عمتهـا،
خليتها تعامل اي شخص غريب خارجي غير “فارس”بـ اسلوب عنيف ومحدود ، خوفًا علي نفسها ، هي من وجهه نظرها بتأمن نفسها .. ”
حاولت تكون الطف معاه ، عشان تعرف اكتر عن الشُغل :
_ معلش يا رامز علي طريقتي ، بس شُغل ايه دا؟
اتحمس
_ بُصي ياستي هو خمس ساعات بس ، سِت قعيدة انتي هتروحليها تقعدي معاها طول ما بنتها في الشُغل ، تديها الدوا ، تُحطلها اكل وهـكذا ،
واول ما بنتها ترجع هتروحي والمكان مش بعيد،
نص ساعه من الجامعه لـ هناك ..
واتوسطلك في المُرتب ، عشان انتي تبَعي ، وهُما ناس مِعرفه ..
ابتسمت لعـرض الشُغل المُغري ، زي ما طالبة بالظبط :
_ جميل دا طب اقدر اقابلهم وابدأ امتي؟
_ من دلوقتي لو تحبي؟ يلا اخدك ونروح.
سكتت شوية :
_ لا ممكن تقول لـ خديجه العنوان ونروح أنا وهي.
_ يا فلك هو انتي قلقانه مني ليه؟
أنا هروح معاكي عشان يطمنوا ويعرفوا انك تبعي ،
لان امها عزيزة اوي ومش هترضي تشغل حد اي كلام ، هو انتي شوفتي مني حاجه وحشة؟
قالت بتردد :
_ لأ الصراحه .
_ طب ايه؟ ثقي فيَّا شوية! ، وعلي العموم بشوقك
أنا حبيت اساعدك لو مش عايزة خلاص.
اتنهدت بـ حيرة ، هي اه مش بطيق “رامز” لـ سبب متعرفوش ، بس هي محتاجه الشُغل !
وممُكن متلاقيش شُغل بالفرصه دي تناسبها تاني !
فـ قررت تكسر الخوف دا وتروح تقابلهُم ..
وفعلاً قالتله وهو زي ما يكون ما صـدق واتبسط جدًا ، واستغربت فرحتُه ..
كان هيوصلها بعربيتُه فـ رفضت وصممت علي مواصلات نقل “اتوبيس” , وهو وافقها علي مضصَ
وصلوا ونزلوا قُدام عُمارة كبيرة ، وهُما طالعين في الاسانسير .. “فلك” كانت حاسه انها مش مرتاحه.
وفكرت أن ممكن اللي بتعملـُه دا غلط؟
دي اول مره في حياتها تعمل حاجه من ورا “فارس”
بس هي نيتها مش وحشـة هي عايزة تساعـدُه..
قطع حبل افكارها “رامز” بعد ما خرجوا ورن جرس شقة من الشُقق :
_ مش فاهم ليه خلتينا نيجي في الزحمه دي،
كان ممكن عادي جدًا نروح بالعربية اسهل.
_ لا كدا احسن
تهيألها انـه بيقول حاجه في سـرُه .. وثوانٍ فتحت سِت مش كبيرة ومش صُغيره ، شيك وحلوه..
ابتسمتلُهم وابتدت تكلم “رامز” وعينها علي “فلك”
_ أهلاً يا رامز .. ادخلوا
دخلوا الشقه اللي كانت كبيرة جدًا وهناك “فلك”
لاحظت سِت كبيرة في السن قاعدة علي كُرسي مُتحرك .. ابتدت تطمئن شوية ..
السِت بدأت تكلمها بترحاب :
_ دي بقا ماما اهم حاجه في حياتي ، عشان كدا لما رامزا قالي هشوفلك بنت كويسه جدًا وأمينه جدًا،
تاخد بالها وتراعيها أكدت يسرع ، وشكلك بنت كدا فعلاً
ابتسمت لها ، وحاستها سِت لطيفه :
_ شكـرًا .. كُنت عايزة اتأكد من ساعات الشُغل
_ هُما زي ما رامز قالك ، فترة شُغلي شِفت صباحي يعني مش هطول خالص وهتلاقيني عندك.
شوية وقامت غابت جوا دقائق و”رامز” قام وراها .. “فلك” قعدت تتأمل الست المُسنه نظراتها جامدة ، كأنها مش في الدُنيا .. ، رجعت الست في أيدها كوبيتين عصير ، ناولت “فلك” واحدة والتانية , “لـ رامز” ، هي مكانتش عايزة تشرب بس أصرت عليها كـ واجب ضيافه ، ومع اصراراها لما لاقت “رامز”
بيشرب هو كمان ، شربت حاجه بسيطه وسابت الباقي .. وقعدت تتكلم شوية في الشُغل وقالتلها تبتدئ من بُكرة … ”
موبايل “فلك” رن وكان “فارس” اتوترت جدًا
وخدت شنطتها وقامت تُقف واستئذنت تمشي:
_ طب أنا لازم امشي ، ومن بُكره أن شاءالله ابدأ.
_ طب استنيني يا فلك انا نازل معاكي بس ،
هساعد زهـرة وادخل والدتها سريرها ، وجاي!
_ طيب بُسرعه.
دخلوا هُما الاتنين الممر ومعاهم السِت، بيجروها بالكُرسي ، “فارس” رن تاني بعد ما كَنسلت
قررت تخفف توتُرها وتـرُد عليه :
_ انتي فين يا فلك؟ وبتكنسلي ليه عليَّا؟
_ أنا في الجامعه ما انت عارف ، وكنسلت عشان كُنت في محاضرة
مـلقتش رد منُه فِضل ساكت ثوانٍ وقالها :
_ فـلك انتي من أمتي بتكدبي عليَّا؟
أنا في الجامعه عندك وزمايلك قالوا إنك خرجتي من ساعه , انتي فين؟
اتصدمت ومعرفتش تُرد ، هو ايه خلاه يروح جامعتها؟ ولسه بدري علي معاد خُروجه من شُغله !
قررت تصارحُه وخلاص كفاية كِدب عشان الموضوع ميبوظش اكتر :
_ فارس أنا في الزمالك في عمارة خمسه ،
_ بتعملي ايه هناك ، ايه اللي وداكي اساسًا.
حطت أيدها علي دماغها بتُقل غريب :
_ اسمعني بس انا جيت في اعلان شُغل
هـنِا سِمعته بيزعق من العصبية :
_ تاني يا فلك مش انا قولتلك لأ ! برضو عملتي اللي في دماغك .
الدوخـه بقت واضحه جدًا عليها ، وحست أنها هتُقع وهي واقفة فـ سندت علي الحيطه ، وهي بتكلمُه بـ توهان :
_ أنا .. عمـلت كـدا عشـان ، اسـ…..
سمعت صُوته بيناديها بـقلق :
_ فـلك مال صوتك بيغيب ليه؟
هِنا قررت تفتح الباب وتمشي ومتستناش “رامز” ، بس انـذهلت لما لاقتُه مش بيفتح ، عرفت خطورة اللي عملتُه .. قالت بـخوف لـ “فارس” قـبل ما تحس بـحد بيسحب موبايلها من أيدها ويسندها :
_ فارس في حاجه بتـحصل مِش فاهمها ، تعالي يا فارس تعالي .
_ مالك يا فلك في ايه انا جاي ،طب انتي في اني دور ، فلك صوتك راح فين الـو ! ..
بس هي مَردتش لأن اللي سـحب منها الموبيل وكسـرُه ! كان “الست” بنت القعيدة ، واخر حاجه فكراها قبل ما تغمض عينيها وتغيب عن الدُنيا وما فيها كلامها ، وهي بتبتسملها بـكُل هدوء :
_ اوعدك هتنامي احـلا نومة و …..؟
يتبع…..
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية فارس)