رواية غوثهم الفصل المائة والسابع والثلاثون 137 بقلم شمس محمد
رواية غوثهم الجزء المائة والسابع والثلاثون
رواية غوثهم البارت المائة والسابع والثلاثون
رواية غوثهم الحلقة المائة والسابعة والثلاثون
“رواية غَـــوثِـهِـمْ”
“الفصل الثاني والخمسون_الجزء الثاني”
“يــا صـبـر أيـوب”
______________________
لستُ أيـوب في صبره ولم يبلغ
الصبر في قلبي مداه..
ولست كـ يعقوب في قوة إيمانه
حينما فقد العزيز والحزن أعماه
ولم أكن أنا هارون إذ يملك
القوة ويواسي أخاه
أنا هُنا عبدك الضعيف
أرجو رحمتك وأنتَ الرحيم يا الله.
_”غَــوثْ”
__________________________________
ولما رأيتُكِ وجدتُ الأمانَ فيكِ..
هذا ما أملاه قلبي عليِّ حينما سألته عنكِ، أخبرني أنه وجد أمانه فيكِ، فمن بعد خوفٍ وكربٍ وجدنا الأمان في كنفكِ هُنا، أنا الذي لم يعهد إلا الخوف طوال عمره كمن ظل يركض داخل سباقٍ وهو يخشى أن يُهزم فأمام نفسه يُهزم، وحمدًا للخالق لم نُهزم عند وصولنا إليكِ، لقد وجدناكِ نصرًا لنا من بعد الحرب وفرجًا من بعد الكرب، فسبحان الخالق الذي خلق فأبدع فأحسن وصور وجهًا كما وجهكِ قمرًا مُكتملًا، وحمدًا لرب العالمين أنكِ أنتِ حصاد الطريق من بعد العُجاف، ففي السابق كان قلبي يشعر بالضيق لأن العالم يتسعه، والآن يشعر بحريته لأن قلبك وحده فقط هو من يسعه، فقبل مجيئك غادرت كل مُتسعٍ وجدت فيه ضيقي إلا ضيق عناقكِ كان أكثر الأماكن لي اتساعًا، ومن بعد مجيئك أغلقت على قلبي كل سُبل الوصال ولن تَجدي من فتحهم إلا المحال، وحينما اسأل عنكِ، لا أسأل إلا قلبي، قلبي الذي كُلما أتت سيرته عنكِ قال لقلبكِ “أنا من بعد كل دروب الخوف وجدتُ الأمان في كَنفك هُنا” وإذ يُطيل القلب حديثه سيضيف ويُخبرني أن القلب لكِ صفا وعن ذنوب حياته قد عفا، وأما عني أنا فلكِ صفيت، ولأجلكِ عفوت، وبكِ تعافيت.
<“كُلما زاد توقعك كُلما خُذِلت أكثر، فلا تتوقع”>
الصفعة الأولىٰ التي تنزل فوق الوجه بعد الخذلان مما أحببناهم وتوقعنا منهم الكثير لن تُفارق العقل مهما حدث، فالأمر يُشبه خوفك من سكينٍ ما فتناوله لأكثر شخصٍ تأمنه ثم توليه ظهرك ومن ثم يُباغتك حينما يضرب هو السكين في ظهركَ، وقتها بالتأكيد ستؤلمك ضربته، لكن عند رؤيتك لوجهه وعلمك أن هو من قام بضربك من المؤكد أن ألمك سيتضاعف لكن مذاقه سيُرافق بمرارة الخذلان.
_ويكسروا رقبته كمان علشان يبطل قلة أدب، البيه حاول يتهجم على “إيـمي” ولما الشباب شافوه هناك كسروا عضمه بعدما كان سكران وعميان طينة، وجاي تعلي صوتك بدل ما تربيه، بس دي غلطتي علشان سلمت بنتي ليه وقولت أهو أخوها ومتربيين مع بعض من الحضانة، أستاهل ضرب النار علشان عملت كدا.
كان ذلك هو حديث “رؤوف” والد “إيـمي” التي انكمشت على نفسها بخوفٍ فيما توسعت عينا “مُـحي” وأوشك بؤبؤاه على الخروج من محجريهما وقد تواصلت نظرات الجميع مع بعضهم في حديثٍ صامتٍ أنابت خلاله الألسنة الأعين لتتفوه بدلًا منها، لكن نظرات الإتهام لم تبرح الأعين خاصةً إن كان المتهم له سوابق إجرامية، فهل سيُدافع وينتصر أم يرضخ ويستسلم؟ أول من حرك عينيه نحوها كانت “إيـمي” التي ازدردت لُعابها وكأنها اختارت الصمت طواعيةً منها..
في طرفة عينٍ لم يكترث هو بأي فردٍ سِواها هي يختصها بعينيه اللاتي انبثقت منهما النيران أمام ثلج صمتها، لم يكترث هو بنظرات الآخرين له وإنما كان رجاؤه فيها كبيرًا، وقد خرج من تقوقع مشاعره على صوت “يـوسف” حينما اندفع يهتف في تقريعٍ لوالدها:
_هو مين دا اللي يكسروا رقبته واتهجم عليها؟ بنتك اللي طول عمرها هنا ومبتسيبش البيت دا وأنتَ بنفسك كنت بتقول إنه أخوها؟ حاسب على كلامك أحسنلك وأعرف أنتَ في بيت مين وبتكلم مين.
هو أكثرهم عنفوانًا وعُنفًا هنا، لم يتريث أمام من يتعدىٰ عليه ويعتدي على سير طرقاته ومع اضطرابه الحاد الذي يتمكن منه بالطبع الأمر يُصبح كارثيًا، وكما سبق وتم وصفه أن الليل هو “يـوسف” و “يـوسف” هو الليل بذاته فلابُد من ظهور شمسٍ ساطعة تقف بالمرصاد أمام ليله، لذا تدخل “إيـهاب” يهتف بنبرةٍ جامدة بعض الشيء:
_استنى أنتَ يا “يـوسف” الراجل في بيتنا، واللي ييجي بيتك يشيلك الحق حتى لو كان غلطان زي الباشا، نفهم الأول حصل إيه وإيه اللي خلاه يدخل شايط كدا، ومين اللي وصله الكلام دا، علشان أكيد غلط ودي حسابها كبير.
هو هُنا الأهدأ والأكثر تعقلًا، رفقته مع الخيول جعلته يكتسب المزيد من الحكمة التي فاقت سنوات عمره، بينما “مُـنذر” فعاد لطبعه القديم في قراءة الأشخاص، هذا هو سبب دراسته وعلمه بالمجال النفسي حتى ينجح في مثل تلك المواقف، وقد قرأ تعابير الفتاة بأكملها ومن حركة عينيها ونظراتها إضافةً إلى تمسكها بكفها وكأنها تتحكم في ردود أفعالها، فأوقف هو الجميع بجملةٍ واحدة تولى فيها الدفاع عن ابن عمه هادرًا:
_هي الوحيدة اللي تقدر تقول حصل إيه، وعلى الله تكدب.
كان يود إخافتها وهي حقًا تخشاه كثيرًا، تخشى نظراته وطريقته والآن ازداد خوفها منه وقبل أن تنتوي فعل أي شيءٍ وجدت “مُـحي” يقترب منها بخطواتٍ مُتعرجة بسبب تقييد قدمه في الجِبس الطبي ثم قام بالضغط على مرفقها وكأنه لم يعد يهمه أي شيءٍ غير هزيمته منها وقد قال بنبرةٍ جامدة وارى فيها وجعه منها وقهره:
_أنا لحد دلوقتي بعمل بأصلي معاكِ، عمري ما آذيتك ولا كدبت عليكِ في حاجة وطول عمرك في حمايتي ومحدش قرب منك، حتى وأنتِ بعيد عني كله كان عارف إنك في حمايتي، بس كدا لأ، أنتِ بالسكوت بتاعك دا بتضريني، كفاية أوي إني اتضربت قصادك وأنتِ واقفة شايفة وساكتة، كدا كدا أنتِ خسرتيني، خليها تبقى بنضافة شوية بقى.
دفعها من يده كأنه تقزز من لمستها وقبل أن يقترب منه والدها أوقفته هي بنبرةٍ باكية وكأنها اتخذت قرارها في الابتعاد عن مُحيط حياته وقد أوضح لسانها ذلك حيث بدا صوتها مُختنقًا إبان قولها الباكي:
_استنى يا بابا، “مُـحي” مجاش جنبي أصلًا ولا قرب مني، ولو كان “عمرو” اللي قالك كدا فهو قال كدا علشان غيران من وجودي مع “مُـحي” بعدما رفضته، بس “مُـحي” معملش حاجة، بالعكس دافع عني كتير وأنا اللي غبية وضيعته.
ذكرت اسم الآخر الذي تسبب في ضربه وإصابته ولم تعلم أنها بذلك نصرته أمام الجميع حتى هو استطاع أن يلتقط أنفاسه أمام البقية، وقد تواصلت عيناها بعينين والدها الذي بدا أمامهم مُحرجًا من موقفه وحينها نطق “تَـيام” يقوم بصرف رجل الشرطة بصلدةٍ:
_لو سمحت يا باشا مواضيعنا إحنا هنحلها خلاص مع بعض، تسلم أنتَ وزي ما أنتَ شايف كدا إحنا عيلة واحدة مع بعض وهنحل الموقف، مش كدا يا أستاذ “رؤوف”.
نبرته كانت أقرب للتكهنِ وكأنه يُهدده أو رُبما هكذا بدت كلماته الحادة وهو يرشق والدها بعينين نظراتهما كانت حادة وحينها تولى والدها مهمة رحيل فرد الشرطة ثم عاد لموضعه مُتقهقرًا بقوله المُضطرب أمام نظراتهم:
_أنا آسف يا جماعة والله، بس أنا لقيت “عمرو” بيكلمني وقالي اللي حصل وقالي كمان إن الشباب صحابه هما اللي ضربوه علشان حاول يقرب منها بالعافية، حتى هي شافته وسكتت، أنا مستغرب لأني عارف إن هما الاتنين أخوات وأكتر.
في تلك اللحظة استعاد “نَـعيم” جموده وشموخه أمام الجميع وقال هادرًا بنبرةٍ عالية يوقف تلك السخافات والتراهات من الجميع:
_وأنا ١٠٠ مرة قولتلك بلاش العلاقة دي، قولتلك أقفل على بنتك علشان غلط، البنت لازم يتحافظ عليها علشان سُمعتها، بس أنتَ مبسوط بيها وهي كدا، سهر وسفر وخروج وفُسح ودا ميرضيش ربنا، مش مكسوف من نفسك وأنتَ سايبها تسافر مع ابني؟ لأ وكمان تقول أصلي بثق فيه، وبعدها شباب عيلة الحسيني كلهم يكونوا هناك وأنتَ عارف اللي فيها، هي نصيحة ليك عاوز تقبلها براحتك مش عاوز برضه براحتك، بنتك أمانة عندك خلي بالك منها وشد عليها شوية، ولو على ابني فأنا واثق فيه وأهو بقاله سنة قدام عيني وربنا يصلح حاله، بس اللي حصل دا أنا مش هسكت عنه وهجيب حق ابني.
شعر “رؤوف” بالحرج منهم جميعًا لكنه اعتذر من “نَـعيم” والبقية خاصةً أمام نظرات الشباب نحوه فقد شعر أنهم سيأكلونه، أما هو فأشار لابنته أن ينسحب وهي معه فطلبت بصوتٍ مُرتجفٍ أمام البقية:
_قبل ما أمشي بس ينفع أتكلم مع “مُـحي”؟.
انتبه هو لها ولنبرتها الباكية وقبل أن يرفض توسلته هي بعينيها ألا يرفض مطلبها، وحينها قرر والده أن يترك لهما المكان وسحب البقية معه للخارج وعلى رأسهم والدها الذي فهم أن ابنته من المؤكد ارتكبت جُرمًا لكنه تحرك للخارج وكأن لسانه شُل عن أداء عمله، بينما “مُـحي” فسألها بنبرةٍ جامدة ونفاذ صبرٍ:
_خير؟ لسه عندك حاجة تانية؟.
تهاوت عبراتها أكثر ثم قالت بنبرةٍ باكية تستجديه بها:
_لأ، بس هقولك لو سمحت متزعلش مني، أنتَ امبارح وجعتني أوي وأنا مقدرتش أقف قصادك أكتر من كدا، لما شوفتهم بيضربوك حسيت إن حقي بيرجعلي علشان وجعتني، بس والله لما هو حاول يقرب مني وأنتَ مش موجود أنا خوفت من غيرك، أول مرة أحس بجد إني خسرتك.
أغمض هو جفونه ثم فتحهما بتروٍ وقال بخيبة أملٍ جلية في صوته ونبرته:
_وأنا أول مرة اتأكد فعلًا إنك أكبر غلطة غلطتها في حياتي يا “إيـمي” مش علشان حاجة، بس علشان أنا يوم ما حاجة كسرتني كانت منك أنتِ، أنا عيشت عمري كله بحافظ عليكِ، عمري ما تخطيت أي حدود، ولما قولتيلي ليه مبحاولش معاكِ، قولتلك بصراحة أنتِ مش شبههم، هما حاجة وأنتِ حاجة، أنا كنت مغليكِ في عين نفسي بس أنتِ رخصتيني عندك، على العموم محدش بيتعلم ببلاش، وأنا اتعلمت خلاص.
لأول مرة تقدر على اتصال نظراتها بنظراته ولم تمنع نفسها من سؤاله الذي فهمه هو ما إن ألقته عليه وفهم تقصد من تحديدًا:
_طب وهي؟.
من جديد يغلق جفونه ويترك لعقله زمام الأمور كي يُحضر صورتها أمامه وحينها شعر أن روحه تُنادي بالصبابةِ معها، يود الحُب منها هي، وكأنه لم يعد يشتهي من إناث “حواء” غيرها هي، لذا كان جوابه عليها بكل صدقٍ:
_هي مش هينفع تتقارن بحد، وأنا لو عليا هعمل اللي أقدر عليه كله علشان أوصلها هي، حتى لو هحارب كمان، وأول حد هحاربه هو أنا، هي تستاهل وأنا هوصل ليها مهما حصل، هبقى غبي لو سيبتها تضيع مني بصراحة.
حديثه عنها دومًا يؤلم قلبها، لا تعلم كيف يكون ألم النيران حينما تحرق الجسد، لكنها اختبرت غيرها أشد لوعةً، النيران تحرق قلبها وهي ترى من أحبته يُحب غيرها، تشعر كأن دارها غربتها عنها ولم تعد لها، لذا ابتسمت له بوجعٍ ظهر في عينيها المُنكسرتين وهي تسأله بألمٍ لم تقدر على احتوائه:
_هو أنتَ ليه محبتنيش زيها؟.
في الحقيقة لو كان هذا اختبارًا من المؤكد كان سيرسب فيه، فبماذا يجاوب وهو يجهل مقصد نفسه؟ لقد تعدى الأمر معها الحب وأصبح أكبر من ذلك، حتى أنه يرى أن الجواب لن يُنصفها ويُنصف قلبه الذي يخبره أنها باتت بكل ثناياه، لذا اكتفى فقط بقوله:
_معنديش إجابة واضحة بس أنا روحي حباها، حاسس إني عيل تايه وهي الطريق الوحيد اللي هيوصله بأمان لبيته وحضن أمه، حاجة جوايا بتقولي إن هي هتكون الطريق الصح، كفاية غلط كتير بقى، أنا بقيت حتى بقرف من نفسي، بس عندي أمل أنضف علشانها هي.
إن لم تنسحب هي من المكان ومن أمامه ستتلقى الكثير من الألم في جُرعةٍ مُضاعفة لم تقدر على تحملها، لقد رأت الحب في عينيه، وتأكدت منه في كلماته، واستشفت استبساله لأجل الأخرىٰ في كلماته لذا انسحبت من المكان وتركته خلفها يتنهد براحةٍ، لقد قرر وأتخذ الخطوة الأولىٰ لجلي حياته من أي أثرٍ سابقٍ قبل أن يموت على معصيةٍ مثلما كاد أن يحدث له، والآن هو العبد التائب العائد لربه ويتمنى أن يتقبله.
__________________________________
<“لطالما كُنا معًا فالأمر أيسر مما نتوقع”>
لا أحد يستطع السير في طريقٍ بمفرده ويُكمله حتى نهايته، دومًا الرحلة تحتاج لرفيقٍ يؤنس الدرب ويُصادق القلب، نعم نحن قد نلجأ للوحدةِ ورُبما نُفضلها لكن بالطبع ستظل أرواحنا في انتظار من يؤنسها، فحتى وإن كنتَ راغبًا في عُزلتك، أنتِ في حاجةٍ لمن يُقاسمك ليلك في معزلك.
في مدينة الملاهي، حيث الأصوات الصاخبة، والصرخات العالية، الصيحات الفرحة وكل شيءٍ هُنا يسرق الانتباه نحوه، كانت “مارينا” برفقة الصغار تشاركهما واحدةً الألعاب وهي تضحك معهما وما إن تأكدت من اندماجهما وسلامتهما تحركت نحو “يـوساب” الذي جلس فوق أحد المقاعد يكوب وجهه بين راحتيه وهو يُراقبها، حتى أتت هي له ثم جلست أمامه وهي تبتسم له فوجدته يسألها بسخريةٍ:
_هو اللي أكبر منهم بحبة حلوين كدا مش لاحق تنسيق اللعب معاكِ ولا نعمل تقليل اغتراب يمكن نوصلك يا فنانة.
ضحكت “مـارينا” بصوتٍ عالٍ وهي ترى حنقه وغيرته من الصغار ثم حركت خصلاتها للخلف وقالت بنبرةٍ هادئة تشكره على معاونته لها:
_أنا عاوزة أشكرك أوي علشان أنتَ بتساعدني كتير حتى لو مش واخد بالك، بس أنا بقيت عاوزة أكون زيك في الهدوء والطبع العاقل الراسي، صدقني أنا بدأت أغير كتير في نفسي بسببك، وبقيت أهتم بعيوب شخصيتي وأطورها أكتر، ياريتك كنت هنا من زمان.
ابتسم هو لها بسمة صافية تُشبه هدوء ملامحه ثم عاد للخلف وقال بنبرةٍ هادئة:
_أنا كنت حواليكِ علطول يا “مارينا” عمري ما فكرت أغفل عنك حتى، أنا بس جيت في الوقت اللي ينفع أكون معاكِ فيه، الوقت اللي مناسب لينا إحنا الاتنين، وأنا عامةً مبسوط بيكِ وبأي حاجة بتعمليها، أنتِ كدا كدا هتنضجي وهتمري بحاجات كتيرة لسه، بس كل حاجة بقى لازم نتعلم منها علشان اللي جاي بعد كدا، لو على ظروف بيتك فأكيد الأوضاع هتستقر شوية، واسمحيلي أقولك حاجة مهمة، وهي إني ضد إنكم تمشوا من البيت، والدك مهما كان راجل ومينفعش يحصل كدا، أضعف الإيمان خالص تبعدوا نفسكم عنه في البيت نفسه.
توسعت عيناها بغير تصديقٍ مما يُقال منه بينما هو لاحظ نظرتها فأضاف بثباتٍ يحاول به شرح الوضع من نظرته هو:
_أنا مش هكدب ومش هجامل وأنتِ عارفة كدا، بس اللي حصل غلط كله، مفيش راجل هيقبل على نفسه مراته وبناته يمشوا ويسيبوا البيت ويروحوا بيت حد غريب عنهم، وياريته حتى بيت جوز بنته، دا يدوب خطيبها ولسه على البر، لا الدين ولا العرف ولا حتى العادات وافقت بكدا، الوضع دا لازم ينتهي النهاردة، لو على باباكِ هنقعد معاه.
هرعت العبرات من عينيها وسألته بنبرةٍ باكية:
_تضمنلي إنه ميضربنيش لما نرجعله؟.
افتر ثُغره ذاهلًا أمامها وكأن سؤالها أتىٰ غير مناسبٍ لعمرها وكأنها طفلة صغيرة أمامه تخشى عقاب والدها، وحينها اندفع يُخبرها بلهفةٍ:
_لأ طبعًا محدش يقدر يقرب منك، هو أنتِ عيلة لسه هيضربك علشان متكرريش الغلط؟ لو عاوزة ضمان أنا هضمنلك، وبكرة جدك هييجي ويشوف حل، بس أنتِ لازم تكوني فاهمة إنك غلطتي لما عارضتيه ووقفتي تعاندي معاه، أقل حاجة ممكن تناقشيه بهدوء، أنا مش هقدر أقسي قلبك على باباكِ، لأني في يوم هكون أب، وهو أكيد وجهة نظره غلط وطريقته غلط.
كررت خلفه باستنكارٍ شديدٍ لجملته:
_وجهة نظره؟ على فكرة هو بس عاوز يتحكم فينا مش أكتر، إنما هو عارف كويس أوي إننا محدش هيقف في صفنا، حتى قرايب ماما كل واحد فيهم شايف حياته وبس، أنتَ عاوز تقنعني بإيه؟ إنه ممكن يكون بيحبنا؟.
_آه، دا أكيد بيحبكم، لو خدتي بالك هتلاقي طريقته كلها أنانية من حبه ليكم، الأول رفض “بـيشوي” علشان خاف ياخد منه أختك، بعدها رفضني وقلق مني علشان خاف أخدك منه، حتى مامتك مش راضي يخليها تروح عند قرايبها علشان بيحبها وخايف ياخدوها منه، صدقيني باباكِ بيحبك وأوي، هو بس طريقته غلط.
كان هذا هو رده عليها بلهفةٍ فيما تعجبت هي من طريقته وحديثه المُغاير كُليًا لنيران مشاعرها وقبل أن يتحدث هو من جديد أتت شقيقتها برفقة “بـيشوي” ثم جلست بجوارها بينما “بـيشوي” فبحث بعينيه عن أبناء شقيقته وما إن لمحهما قال لابن خالته بثباتٍ:
_قوم خد خطيبتك يلا اتفسحوا شوية قبل ما نمشي، وأنا هخلي بالي منهم، بسرعة بس علشان عمك “ملاك” جاي أخر الليل في القطر وعاوز أقابله أنا، قومي يا “مـارينا”.
أومأت له موافقةً ثم تحركت مع خطيبها وهي تتابع الألعاب بشغفٍ وقد سكن الوهج في عينيها خاصةً عند واحدةٍ من الألعاب الضخمة المسماة بـ “الصاروخ” ففهم هو أنها تريد تجربتها، فأشار لها أن تسبقه وحينها تحركت أمامه بضحكةٍ واسعة وقد غاب عنها ثم عاد مُجددًا يشير لها بتذكرتين الدخول للعبة وبعد مرور دقائق جلست فيها بجواره وما إن أدركت تهور فعلتها قالت بخوفٍ وهي تتشبث بقميصه:
_أنا خوفت، خلاص يلا ننزل، أنا لسه صغيرة.
كاد أن يضحك عليها وهي ترتجف بجواره لكنه كتم ضحكته ثم مال يهمس لها بنبرةٍ هادئة ما يُزيل عنها توترها:
_صغيرة؟ أهيه الصغيرة دي جايباني على وشي مكفي في حبها، بعدين مش عاوزة تخرجي الطاقة السلبية من جواكِ؟ يلا، أقولك استني أنا هساعدك.
تابعته بعينيها وهو يقوم بإخراج السماعة من جيبه ثم أوصلها في هاتفه وهي بجواره ثم وضع في أذنها واحدة وفي أذنه وضع الأخرى وهي تبتسم له بخجلٍ وما إن اكتمل العدد في اللعبة قام هو بالضغط على الأغنية في الهاتف حتى وصلت الكلمات لهما سويًا:
_يا صغيرة على الحب أنا
سهران أنا ليلي، سيرتك
في أغانيا وفي مواويلي،
أنا أملي تبقيلي وتحنيلي
وتجيلي، لكن خلاص هانت
ادعيلي، الرك ع النية
وأنا نيتي أنتِ، دا الكل عارف
إنك حبيبتي.
ضحكت هي بصوتٍ عالٍ وسعادةٍ تجلت في عينيها ونظراتها له بينما هو فابتسم لها وسُرعان ما بدأت اللعبة تتحرك عاليًا، بدت هي حينها سعيدة وهي تختبر الحُرية في مرةٍ نادرة من ضمن المرات التي يندر الحصول على شيءٍ تُريده، ظهرت كأنها طيرٌ نال الحُرية وتحرر من محبسه وهي تعهد الشمس في أيامٍ هادئة طالت عمرها.
__________________________________
<“الفعل لكم وحقكم، أما رد الفعل فهو لنا وحقنا”>
لطالما كنت حُرًا وإرادتك هي من تقودك لفعل الشيء، فافعل ما شئت، لكن تذكر أن لكل فعلٍ رد فعل له، وكما كنتُ حُرًا عند القيام بفعلك فتذكر أيضًا أن صاحب رد الفعل يملك هو الآخر إرادة حُرة ويَحق له أن يرد الفعل كما يود.
من كان صاحبًا للإرادة الحُرة من الصعب أن يُقيد بفعلٍ، وخاصةً إن كان يملك الصلاحيات لتلك الإرادة، وهو الآن أمام حقٍ تم الاعتداء عليه عنوةً والغدر بصاحبه، وبما أن هو صاحب الحق فاتقدت النيران بصدره ما إن تأكد أن الابن الصغير في هذا البيت غُدِر به، وقد جلس كلًا من “يـوسف” و “إيـهاب” مع بعضهما على مقربةٍ من “مُـحي” الذي بدا عليه التعب من شحوب وجهه وجسده، بينما “إيـهاب” سأله باهتمامٍ:
_مين اللي عمل فيك كدا؟ وليه البت دي لما شافتك متكلمتش ودافعت عنك، المفروض إنها بتحبك يعني ومش هتقبل حاجة تأذيك، ولا أنا غلطان يعني في كلامي؟.
اِفتر ثُغره ببسمةٍ ساخرة تهكمية ثم قال بصوتٍ مبحوحٍ:
_أنتَ أهو قولت المفروض، بس مش كل الحب بقى ينفع يتقال عليه حب، فيه حب امتلاك، أو حب جنون العظمة، إنما الحب بجد ماظنش إن دا موجود عند “إيـمي” وعامةً خلاص مش مهم، مش عاوز مشاكل وقرف، كلها أسبوعين وهفوق وكله هيكون زي الفل، متتعبش نفسك.
كاد أن يندفع “إيـهاب” في الحديث لكن “يـوسف” هتف بتهكمٍ لاذعٍ:
_لأ هو مبيتعبش نفسه هو هيجيب حقك علشان اللي عمل كدا يحرم يرفع عينه فيك، ولا عاوزهم يقولوا اتكاتروا على رجالة بيت “الحُصري” ومحدش فيهم رجع الحق تاني؟ لو أنتَ عيل مش قابل، إحنا رجالة مش هنقبلها، فاخلص وقول هو مين، ومن غير ما تتعب نفسك أنا عارفه أصلًا، وكلنا عارفينه، “عمرو الحسيني” مفيش غيره حاطك في دماغه وأكيد لما شافها معاك اتجنن طبعًا، هو صح؟.
كان يُقر أكثر من كونه مُستفسرًا وحينها أومأ له “مُـحي” موافقًا بقلة حيلة، فتواصلت نظرات كلًا من “إيـهاب” و “يـوسف” في نظرة واحدة فهمها كلاهما، وقد اندفع “مُـحي” يخبرهما بلهفةٍ يتولى الدفاع عن نفسه:
_أنا المرة دي فعلًا معملتش حاجة، بالعكس دي أول مرة مايكونش ليا مزاج لأي حاجة ولا حتى السهر، كنت متضايق وسطهم ومن البنات هناك ومش حابب الجو دا، يمكن علشان بقالي سنة مبطل الكلام دا، خلاص قرفت أو يمكن مبقاش ماشي مع دماغي، وأنا طول اليوم مش شايفه أصلًا رغم إنه حاول كذا مرة ينكش فيا ويرمي كلام، بس شِلته كلها هجموا عليا وضربوني.
ربت “إيـهاب” فوق كتفه ثم قال بنبرةٍ جامدة بدا الإصرار فيها واضحًا كما وضوح شمس الظهيرة:
_حقك هيرجع، علشان أنا حق اللي مني ميغيبش عن حضني ولو ليلة واحدة، وأنتَ بنفسك هتشوف بعينك، متزعلش نفسك بس عاوز منك وعد، أوعدني إنك تبعد عن السكة دي كلها، تقطع علاقتك بالكل وتبدأ من تاني، لو وعدتني وخدت منك كلمة راجل أوعدك والله حقك هيرجع، بس أبقى واثق إن بخدم راجل بجد، وأنا واثق فيك.
من الأساس هو انتوى هذا الفعل، قرر أخذ الخطوة لأجل انتشال نفسه من الوحل الذي كُلما سار غرس به، تذكر رؤيته لها في فقدانه لوعيه حينما أشارت هي له على الطريق الصحيح، تذكر أنها تود منه الذهاب إليها لكن بما يرضي خالقه، حينها اندفع الأدرينالين لديه ينشر الحماس في جسده وهتف بثباتٍ يواري خلفه لهفته:
_أوعدك قدام “يـوسف” أهو إني خلاص كدا اكتفيت شقاوة، العمر مفيهوش كتير هضيعه مني كدا، إحنا ماشيين في الأرض ومحدش فينا عارف آخر نفس منه إمتى، مش عاوز النفس دا يخرج مني وأنا بعمل حاجة حرام أقابل بيها ربنا.
تعجب كلاهما من حديثه وقد رفع “يـوسف” كفه يتحسس جبين الآخر بحركةٍ أعربت عن السخرية ثم عاد لجلسته وسأله بنبرةٍ ضاحكة:
_هما عملوا فيك إيه بالظبط؟ أنتَ واعي لنفسك بتقول إيه؟ كلامك دا نصدقه ولا دي زوبعة فنجان وهتروح لحالها وخلاص بعد كدا؟ أوعى تكون بتسجدنا وتبلفنا بكلمتين؟.
حذره من هذا الفعل فابتسم له “مُـحي” بسخريةٍ ثم قال بصدقٍ ظهر في صوته وعينيه وملامحه الصادقة:
_صدقني مش كلام والله، أفرض واحد فيهم كان معاه سلاح وضربني بيه وكنت روحت فيها، آخر حاجة ليا كانت هتبقى في سهرة وخمرة وبنات؟ دي موتة تعر لوحدها، وبيني وبينكم فيه حاجة عاوز أوصلها بس هي بعيدة عني أوي، مش هتقبل بيا غير لو كل حاجة فيا اتبدلت.
خرج الإثنان من غرفته بعدما قاما بتشجيعه على أخذ تلك الخطوة وأكدا له أنهما معه فيما يود، وتركاه بمفرده يُعيد شروده بها، تلك التي توغلت في حياته بشكلٍ لم يتوقعه هو، أما هما فخرجا من البيت برفقة “مُـنذر” الذي أصر على الذهاب معهما وهو يعلم أنهما يقصدان وجهة مُحددة يعرف كلاهما وهو معهما سبب الذهاب إليها، وقد توجهوا إلى هُناك مع بعضهم وقبل أن يوقف “إيـهاب” السيارة قام “يـوسف” بخلع الحامل الطبي من كتفه، وكأنه خشى أن تتأثر هيبته بوجودها وحينها تعجب منه “إيـهاب” وحرك رأسه للأمام يسأله بسخريةٍ:
_دا إيه دا بقى إن شاء الله؟ البسها يا عمنا مش ناقصة كتفك يجراله حاجة، أنا أصلًا غلطان علشان جيبتك معايا، والله متربيتش بس هقول إيـه بقى؟ دماغك حجر صوان.
ضحك له “يـوسف” بشقاوةٍ ثم ترجل من السيارة تزامنًا مع نزول الآخرين وبعد مرور دقائق أرشدهم مُرشد البيت الكبير إلى الداخل وأثناء تحركهم في بهو البيت لمحوا ظهور المسمى بـ “عـمرو” وما إن رآهم هو اقترب يسألهم بسخريةٍ:
_خير يا رجالة “الحُصري” جايين ليه؟.
ألقى الكلمة قاصدًا إهانتهم كأنهم رجالٌ مؤجرون يتجردون من أي وصفٍ، فيما تبادلوا هم النظرات سويًا بتهكمٍ صريحٍ ولم يجاوب أيًا منهم عليه حتى شعر الآخر بالضيق يستولى عليه فقال بتهكمٍ يقصد به توبيخهما:
_هو أنا مش بكلمكم؟ جايين بيتنا ليه؟ مش بكلمكم؟.
حينها تولى “يـوسف” مهمة الجلد الأحب لقلبه مستخدمًا سوط لسانه في التقريع والتوبيخ والاستهزاء بمن لا يحبهم:
_وأظن أنتَ قولت رجالة بيت “الحُصري” يعني مش هنتكلم مع عيال صغيرة، روح هاتلنا حد كبير يا شاطر نعرف نرد عليه ونقوله إحنا هنا ليه.
انتفخت أوداج “عمرو” غضبًا وكاد أن يقترب منه لكن صوت “إيـهاب” ردع حركته تلك حينما هدر بقوله:
_لو دكر وقلبك جايبك كمل خطوتك ناحيته، بس ساعتها وربنا المعبود لأكون مخليك مش نافع تاني، روح هات أبوك وعمامك يالا خلينا نخلص، مش هنقف نهرتل مع عيال على آخر الزمن، يـلَّا.
هدر بكلمته الأخيرة بصوتٍ عالٍ حتى أجفل جسد الآخر إثر الصوت المُرتفع وقد ظهر والده وأعمامه تباعًا خلف بعضهم حتى وقفوا أمام الشباب الثلاثة، بينما “عـمرو” فلمح “مُـنذر” معهما وتذكره حينما تصادم معه في حفل ذكرى ميلاد “إيـمي” وحينها قرر أن يستغل تواجده لصالحه إن انقلبت الأمور ضده، أما والده فرحب بهم بفتورٍ لم يلق بهم حتى قال “إيـهاب” بنبرةٍ جامدة:
_مش عاوز منك تحية ولا ترحيب، عاوز بس أقولك ابنك شيلك حق وأنتَ عارفنا حقنا مبيباتش برة، وعلشان أنا ابن سوق فاهم في الأصول مرديتش أتصرف من دماغي، قولت أشوف كبيره الأول وهو يجيبلي حقي.
وزع الرجل نظراته بينهم ثم تشدق بنزقٍ:
_خير إن شاء الله؟.
البداية لم تنذر بأي خيرٍ لذا قال “إيـهاب” بتهكمٍ قاصدًا السخرية منهم أو رُبما التقليل منهم كما يفعلون هم:
_لأ ماهو اللي يجيب خِلفة زي المحروس دا محدش يشوف من وراه خير، قُصر الكلام ابنك اتهجم على أخويا الصغير هو والصيع بتوعه وضربوه، أظن أنتَ عارف إن دي كبيرة أوي في حقنا وتقليل برجالة بيت “الحُـصري” زي ما ابنك بيقول ومسمينا، فلو أنتَ عاوزها تتلم ومتتعقدش يبقى نحلها ودي.
حرك الرجل رأسه نحو ابنه فرأى في عينيه نظرات الغل والحقد وعلم حينها أن ابنه فعلها حقًا لذا لكنه لن يرضخ أمام هؤلاء الصغار الذين لم يملكون أصلًا ونسبًا مثل بقية العائلات بتلك المنطقة، لذا أتت كلماته على غِرار ما لم يُحمد عقباه حيث قال بطريقةٍ وقحة:
_طب يا سيدي هبقى أربيه وألف شكر، إحنا عائلات كبيرة مع بعض ومعلمين نقدر نحلها كلنا مع بعض، الصبيان ملهمش فيها يعني، هبقى آجي بنفسي أحق نفسي للحج، نورتونا.
تلك ما هي إلا إهانة لا تُقبل في حقهم، أهان وتمادى في الإهانة وكأنه يشفي غليله منهم وينعتهم بعديمي الهوية، وحينها اندفع “يـوسف” يهدر بنبرةٍ عالية وكأن البركان شارف على الإنفجار:
_مين دول اللي صبيان؟ أنتَ أعمى مبتشوفش؟ أنتَ تطول حد فينا أصلًا يعلي صوته علشان حتى يسلم عليك؟ بنقولك جه على سكة أخونا وضربه ولينا حق عندك، دي أصول تعامل بيها رجالة في بيتك يا راجل يا عايب؟ بس هقول إيه، إذا كنت أنتَ أبوه مش هستغرب عمايل الشمام ابنك.
انفجر فيهم بدون تعقل وتحسب وحينها اندفع “مُـنذر” أمام الجميع يقبض على عنق “عمرو” أمام والده ورجال بيته ثم هدر من بين أسنانه المطبقة فوق بعضها بغضبٍ:
_أنا ممكن دلوقتي أخدلك روحه وهبقى صاحب حق، وبالبلدي والعرف عندكم تبقى واحدة بواحدة، بس إحنا جينا الأول بالهدوء والأدب، لقينا منكم قلة أدب، اسمعوا الكلام بدل ما أوريك حاجة صغيرة من اللي هعملها فيه.
انقلب الوضع برمتهِ في ثوانٍ معدودة تحدث على إثر ذلك “إيـهاب” بنبرةٍ جامدة يحذرهم بقوله:
_خلاصة القول تجيب رجالة بيتك من كبيرهم لصغيرهم وتيجي لحد عندنا ومعاك حيلة أمه دا، واللي هيتحكم بيه يتنفذ، لا أزيد ولا أقل، وحقنا هناخده بالأصول رغم إني عدم المؤاخذة يعني مش شايف أي أصول في البيت دا بس معلش، أصل من كل من رِكب الفرس خَّيْال.
التفت يوليهم ظهره ومعه “يـوسف” بينما “مُـنذر” فهدأ من روع نفسه ثم ترك عنق الآخر وهمس له بنبرةٍ خافتة:
_الأحسن ليك تيجي بنفسك معاهم وتخليهم ييجوا، علشان لو أنا جيت هزعلك أوي وأظن أنتَ جربت مرة وشوفت حصل إيه، ولو أنتَ بتاخد حقك منه ومني بالطريقة دي، فأنا أوعدك المرة الجاية مش هخليك تفكر في أي حاجة تانية، فهمت كلامي، ولا نقول كلام غير دا؟.
دفعه بحركةٍ عنيفة من يده ما إن وصله صوت “إيـهاب” مُناديًا عليه وقد تبعهما نحو الخارج بخطواتٍ واسعة ومشاعر الانتقام تسري في جسده محلما يسري الدم، لقد شعر تدريجيًا بالانتماء لعائلةٍ خاصة به بكل أفرادها بل والأدهى من كل ذلك أنه بات يُحب حميته الدفاعية نحو أفراد تلك العائلة.
__________________________________
<“إن لم تفعل خيرًا، فلا تركض خلف شـرٍ”>
أمام كلٍ مِنَّا خيارات يتوجب علينا الاختيار منها، وكلٌ منا يختار ما يوده ولا يتدخل أحدٌ في ذلك، لكن قبل أن تختار ألق نظرة مُستقبلية للأمام وشاهد بعينيك تبعيات ما تفعل، وأحذر أن تُساق خلف شرٍ لم تعرفه، فإن كنتَ تجهل طُرقات الخير، فلا تركض في مسارات الشر.
كانت تجلس بنيرانٍ نُشِبت بها وبصدرها حينما تذكرت أن ابنة عمها المصونة تحدثت مع طليقها قبل أن تُغادر من البيت، وهي تنصصت عليها واستمعت لحديثها ولم تعلم أن الأخرىٰ هي من قصدت ذلك، حينما رفعت صوتها بحماسٍ وهي تقول:
_تمام يا “نـادر” يبقى في النادي زي أول مرة قابلتك فيها هناك، أول ما توصل هتلاقيني هناك وأهو تغير جو شوية علشان الزهق اللي أنتَ فيه دا، وأنا كمان بصراحة محتاجة أتكلم معاك في حاجات كتيرة وهاخد رأيك في حاجات تانية أكتر ناوية عليها.
وافق على حديثها رغم تعجبه من مطلبها وإلحاحها، بينما هي فكانت تشعر بالسعادةِ وهي تقترب منه رويدًا رويدًا، وعلى النقيض كانت “شـهد” التي شعرت أن النيران تتقد فيها وتنبش في قلبها كما مخالب القط الشرس، وحينها قررت أن تذهب إلى هناك بنفسها وتراقبهما.
بدلت ثيابها واهتمت بإطلالتها جيدًا لكي تخبره أنها لم تعد تكترث به، أرادت أن تُريه أن حياتها بدونه كما هي لم يختلف بها أي شيءٍ لعل ذلك يُعيد حبه من جديد لها، قادت سيارتها بتهورٍ أعمى وتحركت لهناك بسرعةٍ قياسية ثم أوقفت السيارة أمام النادي وولجت بلهفةٍ بخطواتٍ شبه مُهرولة، وصلت لمكان الجلوس ورآتهما سويًا، تبدو جلستهما فاترة أو ربما رسمية، لطالما كان “نـادر” دومًا صاحب شخصية هادئة في كل شيءٍ حتى في حزنه.
شعرت بالنيران أكثر حينما وجدت “نـورهان” تناوله كوب العصير ثم اقتربت منه بالمقعد تجلس بجواره وهي تضع الهاتف نُصب عينيه وهي تحدثه عن الأدوات التي تستخدمها في صناعة العديد من المنسوجات اليدوية والعديد من المشاريع تفعلها هي بحبٍ حيث تمتلك موهبة جميلة طورتها تدريجيًا لكي تهرب منها من قسوة واقعها، بينما هو فلجأ للرسمية في حديثه معها حيث قال:
_والله أنا شايفك موهوبة وواضح أوي إنك بتبدعي في اللي بتعمليه، بس أنا آسف علاقتي إيه برضه؟ مش بحبطك والله بس قوليلي عاوزة إيه ولو هقدر هساعدك.
هو يتحدث برسميةٍ وتهذبٍ وهي توهمت بالحنين في كلماته لذلك ابتسمت له بسعادةٍ ثم قالت بنبرةٍ أعربت عن الحزن والرغبة في معاونته لها:
_أنتَ عارف يعني الظروف اللي عندي وإني للأسف عايشة لوحدي حتى معنديش صحاب، حياتي كلها في النادي بس ومبخرجش برة المجتمع دا، بس أنا بحاول مثلًا أعمل أي حاجة أشغل بيها وقتي، فكنت بسألك بحكم إني معرفش غيرك حاليًا، هل لو بدأت اشتغل في الحاجات دي هنفع مثلًا ولا لأ؟.
لم يعلم لما شعر أنها تشبهه كثيرًا فيما تعايشه، هي مثله تحتاج لمن يمد يده لها لذا قال بنبرةٍ هادئة بعدما ابتسم لها بمجاملةٍ:
_أكيد طبعًا هتنجحي، بصي أنا مش عاوز أحمسك وخلاص بس بجد كل شغل الصوف والكورشيه والنسيج دا مطلوب مؤخرًا، حتى الشركة عندنا بتشتغل في الحاجات دي كتير، وفيه ناس بتشتغل في التصميمات دي، ممكن تجربي حاجة زي كدا، أنا بتابع موقع الشركة وبشوف حاجات من دي كتير، إيه رأيك؟.
ابتسمت هي له بحماسٍ ودون أن تدرك قامت بمسك كفه وهي تشكره وتغدقه بعبارات الامتنان حتى سحب هو كفه من بين كفيها ثم أومأ بحرجٍ منها، أما هي فحمحمت هي تخفي خجلها وإحراجها ثم نبست بنبرةٍ خافتة:
_Sorry “آسفة”.
أومأ هو لها بتفهمٍ ثم سحب كوب العصير يرتشف منه وهي أيضًا وبسبب المُخدر الذي تتناوله باستمرارية وبسبب موقفها هذا ارتجف كفها وسقط الكوب منها عليه فانتفض مُسرعًا وهو يحاول أن يقف باعتدالٍ وحينها توترت هي أمامه أكثر وكادت أن تتعثر لكنه أمسكها سريعًا وحينها تدخلت “شـهد” سريعًا مندفعة خلف نيرانها وقالت بصوتٍ عالٍ توبخ ابنة عمها:
_أظن إنك كدا تخطيتي كل حدود الأدب، المفروض على الأقل تراعي مشاعر بنت عمك، بس أنتِ مش محترمة والغلط مش عليكِ مش هلومك، بالعكس أنتِ مالقيتيش حد ينصحك أصلًا.
من جديد تتسبب في جرحها بل ومع ذلك تضغط على جروحٍ قديمة لديها وتجعل الدماء تحاوطها والوجع لم ينفك عن قلبها، وحينها بكت بقهرٍ أمام “نـادر” الذي زفر بقوةٍ ثم التفت لطليقته وقال بسخريةٍ قاصدًا وجعها بكل تقريعٍ:
_مفيش فايدة فيكِ يا “شـهد” لسه زي ما أنتِ بمنتهى قلة الأدب وقلة الذوق ومستحيل تتغيري، بتلوميها على إيه؟ على ظروف حياتها؟ طب سألتي نفسك بقى سبب أفعالك رغم إنك متربية في بيت فيه أب وأم عادي؟ أظن مسألتيش علشان لو سألتي الإجابة هتكسفك أوي قدام نفسك.
توسعت عيناها بغير تصديقٍ وهي ترى نظراته المصوبة نحوها بينما هو فرمقها بسخطٍ وسحب متعلقاته وقبل أن يرحل هتف بضيقٍ منها:
_أنا كل شوية بكرهك أكتر كأنك عايشة بس علشان تزودي كُرهك في قلبي، ابعدي عن طريقي علشان أنا قرفت منك بزيادة فوق ما تتخيلي، ولآخر مرة أشوفك تاني، علشان قسمًا بربي لو حصل ههينك بالجامد.
تحرك بعدما أنهى حديثه وترك المُحيط لهما في حربٍ بين نظراتهما وقد شعر حقًا بالضيق منها ومن ظهورها أمامه، لازالت هي تستخدم أسلحتها التي لم تتغير، وهو الآن يحاول أن يُجابه تلك الأسلحة، فرُبما كان سلاحهم قوي الأثر كجُرحِ الكلمات، ورُبما نحن سلاحنا كان نقيًا كما براءة القلب، لذا عفونا وتناسينا، أما الوداد بيننا انتهىٰ وكأننا في السُبلِ لا تلاقينا.
__________________________________
<“أنا أرغب في معاونة نفسي، فلا أهتم بك”>
إبان كل المراحل التي نمر بها يتوجب علينا أن نقف في مرحلةٍ ما لكي نعاون أنفسنا، لا يجب أن نكترث بالعالم فقط بقدر ما يتوجب علينا أن نهتم بذاتنا وما تُعانيه، عملًا بمبدأ لا تهلك نفسك بنفسك، حتمًا سيأتيك الطوفان.
في فجر اليوم التالي عاد “يـوسف” من عند “نَـعيم” ثم توجه إلى بيته وقد ذهب للأعلى مباشرةً وهو يعلم أنها في انتظاره، يعلم أنها ستجلس حتى يعود هو بعدما أطمئنت عليه في الهاتف وأخبرها عن موعد عودته، وتأكد أنها ستجلس في انتظاره، توجه إليها مباشرةً فوجدها تقف أمام اللوح الخشبي وقد سبق وكتبت جملته التي أهداها لها:
_”الـشـبيه لِـشـبيههِ يَـطمئن”.
ابتسم بعينيه أولًا ثم اقترب منها وضمها بكلا ذراعيه من خصرها حتى أجفل جسدها من لمسته وارتجفت فقال هو بنبرةٍ هامسة في أذنها يُطمئنها بصوتٍ رخيمٍ توغل لسمعها ناشرًا في جسدها الأمان:
_أهدي، دا أنا متقلقيش وأنا معاكِ.
التفتت له وهي تُرفرف بأهدابها ثم حركت رأسها مومئةً تؤكد له إدراكها للأمر وقد رأى هو الخوف في عينيها فرفع كفه تحديدًا طرف إبهامه ثم مسح على عينها اليسرى ومن بعدها اليُمنى وقال مُبتسمًا:
_إن شاء الله كلها أيام ونتجوز ولما تكوني معايا في نفس البيت مفيش حاجة هتخليكِ تخافي خالص، أنا مش عاوزك تقلقي ولا تخافي من حد ولا من حاجة، أنا جنبك علطول ومعاكِ، وبعمل كل حاجة علشانك أنتِ يا “عـهد” قوليلي بس أطمنك إزاي؟.
أغمضت جفونه وهي تحاول التمسك بثباتها أمامه وقد هتفت بنبرةٍ واهنة حينما تحرك اصبعه يُمسد جوار عُنقها لكي يتحكم في توترها خاصةً إن كان يعلم أنها تُعاني من زخمٍ في أفكارها:
_عاوزاك لما نتجوز تصبر عليا، وأوعدك هحاول علشانك والله، أنا فعلًا حاولت وماشية على خطوات العلاج بالظبط، بس محتاجة منك شوية صبر، وأنا والله لما أكون مستعدة أنا بنفسي هقولك أنا تخطيت كل حاجة، أنتَ مصمم فرحنا يكون في ميعاده وأنا بقولك أهو عاوزاك بس تصبر عليا شوية ممكن؟.
توقفت أنامله تلقائيًا وتيبس جسده حينما فهم مقصدها من الحديث بشأن زواجهما، بينما هي أمامه بدا الخوف عليها بوضوحٍ من رد فعله، هي حقًا لم تفهم من منهم يتعامل معها، هو في المعتاد يعاني من الكثيرين داخله، فما الفعل حينما تباعته بهذا الحديث؟ بينما هو ففي الحال انتشرت الأصوات في رأسه تتشاجر بين الرفض لحديثها أو القبول، وربما السخرية منه، أو الإشفاق عليه، لكنه لن يبالِ بهم ولم يعطِ لهم فرصة لكي يقودونه، لذا ملأ عينيها بها يرى توسلها المنطوق من عينيها فأغمض هو جفونه ثم فتحهم بتروٍ.
واصل عينيه بعينيها وحينها حسم أمره وقال بصوتٍ رخيمٍ يحاول بث الطمأنينة لقلبها الخائف حينما أفصحت عن ذلك عيناها بكل مكنوناتها:
_أنا مش هتجوزك بس علشان تكوني مراتي وخلاص، كفاية عليا أتطمن إنك موجودة معايا في نفس المكان وليا ومقسماني كل حاجة، اللي يهمني أكتر من كل دا إنك تطمني في بيتي وأنتِ معايا، كفاية بس في نهاية اليوم تكوني جنبي.
دون أن تدرك ما يحدث وجدت نفسها تبكي أمامه بامتنانٍ وفرحٍ لكونه قدر حالتها وتفهم ما تمر هي به، بينما هو فأغصب شفتيه على بسمةٍ هادئة ثم اقترب يُلثم جبينها كأنه يُطمئنها بذلك، ثم ضمها له بقوةٍ حتى دفنها بين ذراعيه ثم مسح على خصلاتها ورأسها وحينها لمحت عيناه جملته التي كتبتها هي فتذكر كل شيءٍ مر عليهما، وحينها ابتعد عنها ثم سحبها من كفها خلفه ثم أمسك القلم وكتب أسفل تلك الجملة جُملة جديدة، جُملة سُتضاف له في أقاويلٍ كتبها لأجلها، جُملة تُخلد علاقة العشاق ببعضهما وتبقى الجملة باسمه حيث كتب:
_والتـائه لِمسكنهِ سيظل يَـحن.
رأت هي بعينيها العبارتين بجوار أسفل بعضهما فقرأتهما سويًا بعدما تلاحم السطرين لتصبح في النهاية عبارة سكنت قلبها وخُلِدَت في وجدانها:
_الـشـبيه لِـشـبيههِ يَـطمئن
والتـائه لِمسكنهِ سيظل يَـحن.
التفت لها وأشار على اللوح وابتسم لها بسمة صافية ثم قال بنبرةٍ هادئة بعدما أمسك كفها البارد يحتويه داخل كفه الدافيء وكأنه بذلك أرسل الدفء لقلبها حين قال:
_دا أنا بالظبط معاكِ، زي ما لقيتك شبهي وأتطمنت ليكِ ووثقت فيكِ بعد كل حاجة حصلت فيا رغم إني كنت حالف السكة دي مش هدخلها تاني، برضه هفضل بحن ليكِ مهما حصل ومهما قولتي، متخليش حاجة تخوفك ولا تشغلي بالك بحاجات ملهاش لازمة، كفاية إن هييجي يوم أخلص فيه خبط في الدنيا برة وألاقيكِ أنتِ معايا.
أومأت له موافقةً ثم نطقت بصوتٍ خافتٍ بالكاد سمعه هو حينما بدأ بارتجافٍ وعلا تدريجيًا:
_شكرًا إنك لسه معايا وبتطمني وفاهم، صدقني أنا كنت خايفة منك ترفض ولا حتى تضايق مني بس والله أنا فعليًا بدأت أحاول آخد الخطوات اللي تخليني أتخطى وأنسى، ولما قولت لـ “فُـلة” هي قالتلي أصارحك أحسن، أنا شوفتك في كابوس بتطلقني يا “يـوسف” من كتر الخوف.
ابتسم هو بخبثٍ حينما نطقت جملتها الأخيرة وسألها بنفس الخبث الممتزج بالدهاء:
_يعني أنتِ مش عاوزاني أطلقك دلوقتي صح؟.
توسعت عيناها ما إن أدركت عاقبة ما تفوهت به وأنها أفصحت بحديثٍ زائد عن الحد أمامه بينما هو ضحك على تعابير وجهها التي ظهر من خلالها إضطرابها، وقد ضمها له ومسح على ذراعها وحينها استكانت هي بجواره وأطمئنت في قربه.
بعد مرور ساعاتٍ ظهر خلالهم الصُبح تحرك هو قاصدًا عيادة “جـواد” وما إن وصل إلى هناك ولج له مباشرةً وفي يده أمسك دفتره ثم جلس فوق المقعد المعتاد والآخر كان جالسًا أمامه فبادر “يـوسف” بقوله الذي أعرب عن تعبه:
_أنا فعلًا جيبت أخري وتعبت، خلاص مش قادر أتعامل مع نفسي إني مريض، أنا راجل لساني فالت وقليل الأدب، بس مش هقدر أتحمل مرض مكلكع زي دا، أعراضه غبية، وعلاجه صعب، والتعامل معاه مستحيل، وأنا زي ما أنا، مش بتغير، ومش عاوز أتغير خلاص، شوف بقى علاج أحسن علشان الشغلة مش جايبة همها.
لاحظ “جـواد” يأسه تلك المرة وتعبه النفسي الذي يبدو أنه بلغ عليه أشده حتى باتت قدرته واهية في التصدي لتلك النوبات، وحينها قال بنبرةٍ هادئة:
_كل دا طبيعي، وارد جدًا إنك تفصل وتحس بملل والطريق يبان طويل، بس أهم حاجة إنك متقفش، كمل علشان النص دا صعب تقف فيه وتحقق أي حاجة، علشان بكل أسف أنتَ بقيت على دراية كافية بمرضك، مش زي الأول، وبكل أسف برضه أنتَ مُجبر تكمل علشان على الأقل نقدر نتحكم في الوضع دا، فنبدأ بقى ولا؟.
أطلق “يـوسف” تنهيدة قوية ثم أومأ له موافقًا، ثم تلى ذلك اعتداله فوق مقعد الاسترخاء بينما “جـواد” فسأله بنبرةٍ هادئة:
_قولي بس أولًا كدا عملت إيه في العلاج اللي قولتلك تمشي عليه؟ حاسس بفرق حتى في مشاعرك ناحية الباقيين ولا لسه موهوم زي ما أنتَ في الكل، ولا بدأت تتقبل حقيقة إنهم موجودين معاك وحواليك؟.
انتبه له “يـوسف” ونظر له لوهلةٍ بتيهٍ ثم أدرك السؤال فجاوب بلهفةٍ حقيقية كأنه يُحدث نفسه أو يثبت لها فكرته:
_لأ بدأت أتقبل فعلًا، يعني إحساسي بيهم فارق دلوقتي وشبه متأكد إنهم معايا، يمكن بعد الحادثة كمان حسيت بكدا أكتر، بس أنا حاسس إن تقلباتي هي اللي عملالي مشكلة، أنا بكون فرحان ومرة واحدة أنفخ وأزهق وأبقى عاوز أتعصب على أي حد، الحالة بتدهور أكتر كل ما إدراكِ لوجودهم بيزيد، والأعراض كلها ممكن تظهر وممكن تختفي، هي ونصيبها يعني.
كان “جـواد” على علمٍ كافٍ بما يحدث له وبما يُعانيه فقرر اللجوء للخطوة الثانية في العلاج وهي وعي المريض بنفسه، لذا اعتدل في جلسته وقال بثباتٍ:
_طب أنا النهاردة ناوي أخليك تعرف نفسك، يعني كل نوع علاج هيأدي الغرض معانا، هننتقل لخطوة بديلة، بحيث أنتَ متزههش مني وأنا كمان أكون متحكم فيك، فعلشان كدا، مش هجيب سيرة العلاج، بس هجيب سيرة الأعراض وندرس كل التفاصيل مع بعض، تمام يا “يـوسف”؟.
أذعن الآخر له وطاوعه بصمتٍ تامٍ جعله يتحكم في الأمر ثم بدأ حديثه بعمليةٍ حيث قال مُشيرًا إلى أول نقطة في الأعراض بقوله:
_أول حاجة في مريض الشخصية الحدية هي إنه دايمًا عنده خوف من الهجر، يعني معندوش وسط، هتلاقي يا تمسك زيادة عن اللزوم يا خوف بشكل مبالغ فيه من الفراق والخوف دا فكرة بتأثر عليك بشكل تدريجي وتوصلنا للنقطة التانية، وهي نمط غير مستقر في العلاقات، بمعنى إن خوفك أثر عليك بشكل كبير لدرجة إن علاقاتك مش بتمشي على نقطة مُحددة، فهتلاقيها علاقات مُضطربة، بسبب تحكم أفكارك ومشاعرك فيها، يعني مرة تشوف الشخص اللي معاك مثالي، ومرة تشوفه مش مناسب ليك خالص، مرة تشوفه أكبر من إنك تستاهله، ومرة تانية تشوف نفسك كتير عليه، ساعات تشوفه مهمل معاك، وساعات تشوف اهتمامه مبالغ فيه، وبالتالي التعامل معاه بيشكل فارق تدريجي في حياتك بالعلاقات.
استمع له “يـوسف” بقلقٍ وهو يستمع لتحليلٍ لشخصه وبالأخص مع كلًا من “أيـوب” و “عـهد” فتلك المشاعر المتضاربة يشعر بها نحوهما فيضطر آسفًا للتقليل من شأنهِ أمامهما، مشاعره في بعض الأوقات تقوده نحو تلك الهاوية وتجعله واقفًا على جُرف هاويتها قبل أن يسقط فيها.
تحرك “جـواد” بجسده للأمام وقال بنبرةٍ هادئة:
_دول أول نقطتين في الأعراض عندك، دول علاجهم في العلاج المستند للتعقل اللي أنتَ ماشي عليه، فشوف بقى مين أكتر الأشخاص حاسس إن مشاعرك مرتبكة ناحيتهم وكمل في العلاج لمدة أسبوع، وهي دي الخطة العلاجية اللي هنمشي عليها، نشوف الأعراض ونوافقها بالعلاج، تمام؟.
أومأ له “يـوسف” موافقًا فيما قال “جـواد” بلباقةٍ حانية:
_حاليًا عاوز أسمعك أكتر، إيه اللي مخليك مضطرب كدا؟ باين إنك على وشك الاصطدام مع حد بشكل كارثي، أنا يهمني إنك تفرغ كل طاقتك السلبية معايا هنا، حصل إيه؟.
بادر مُباشرةً واستقبل “يـوسف” مبادرته وتجاوب معه حينما أتى رده تائهًا بقوله:
_أنا حاليًا قدام “يـوسف” جديد معرفوش، واحد مسالم زيادة عن اللزوم وبقى متقبل كل حاجة وهو ساكت، قبل بوجود “نـادر” ومش بس كدا أنا كمان متقبله عادي وبدأت أحطله أعذار، مسالم لدرجة إن “عـهد” لما قالتلي إنها مش مستعدة لقربي منها برضه تقبلت عادي، قومت من الحادثة عادي ولأول مرة ميهمنيش أرد حقي إزاي، بس راضي وساكت أوي، بقول كويس إني قومت منها وكويس إني رجعت لحضن أمي وأختي، حاجات كتير فيا اتغيرت ماكنتش متخيلها بصراحة وأنا لا راضي ولا حتى قابل، أنا ساكت ولو متعرفش دا أصعب بكتير أوي.
تحدث “جـواد” بنبرةٍ عملية يُطمئنه بقوله:
_دا طبيعي لأنك بتعيش حياة جديدة، يعني “يـوسف” القديم مكانش عنده أسرة ولا حد يشاركه مشاعره وخوفه وتعبه، الوضع حاليًا مختلف، لو جينا نبص لموقف مراتك دا طبيعي جدًا، لأن دي بنت أتعرضت لمحاولات اعتداء وتحرش وتهديدات كتيرة وكبيرة زي ما سبق وقولت وطبيعي تخاف لأن كل الخلفية اللي واصلة ليها للأسف خلفية بشعة مُجهدة، وأنتَ قدرت وتقبلت لأنك على دراية كافية بمعاناتها، أما “نـادر” فهو بيتحول تدريجيًا لنسخة تانية منك، فأنتَ طبيعي تتعاطف معاه لأنك مقدر حجم مشاعره والوحدة والخذلان اللي اتعرض هو ليهم من نفس الشخص، فبقيت حاسس بنوعين من المشاعر، شفقة وتعاطف معاه لأنك مجرب، وتشفي فيه لأنه آذاك.
تبدلت نظرات “يـوسف” في الحال وقال بحزنٍ أو ربما خزيٍ:
_المشكلة للأسف إن الواد بقى مكسور بزيادة أوي، لدرجة حولت الكره ناحيته لشفقة وعطف، حتى مش قادر استغله وأرجع حقي، شايف قدامي واحد وحيد ومنبوذ ومخذول من حب حياته، بقيت بفكر لو أنا كنت مكانه أكيد كان زماني بتوجع من “شـهد” أضعاف وجعي اللي حسيته قبل كدا، أنا نفسي أموتني وأخلص علشان دماغي بقت بتاكل فيا.
كانت جملته الأخيرة هزلية بشكلٍ بالغٍ حتى ضحك له “جـواد” ثم استمرت الجلسة لبعض الوقت بينهما ومن ثم انتهت وقرر “يـوسف” الرحيل من المكان نحو مكانٍ غيره.
__________________________________
<“إن لم يكن المرء صاحب فضيلة فلا تخاطبه أدبًا”>
بعض الأفراد إن لم يملكوا أدبًا ترفع أمامهم فهم لم يدركوا عن الفضائل إلا جهلًا، والجهل بذاته هو أكبر كارثة تواجه المرء عند التعامل معه فلا تُبخس من رُقيك.
في نزلة السمان في وسط النهار كان “إسماعيل” يقف في بهو البيت يتحدث في الهاتف مع زوجته بعدما عاد من عمله لكي يكون برفقة “مُـحي” الذي أتى الطبيب لزيارته والاطمئنان عليه، وفي الخلف أتى “عـمرو” يقف في فناء البيت الرملي ينتظر قدوم رجال عائلته بعدما أصر أن يسبقهم هو، وقد وقف يستكشف البيت بعينين مذهولتين، فهو منذ صغره يملك حقدًا تجاه هذا البيت وساكنيه، يكره الشباب لكونهم غرباء عن المكان وحظوا بحب الجميع وهو ابن عائلةٍ كُبرى نالت الكره من الجميع.
ولجت “نـور” وفي يدها “چـودي” وهي تتحدث في الهاتف مع زوجها حيث أخبرته بلهفةٍ ما إن جاوبها من الخارج أمام بوابة البيت حيثما يصف سيارته:
_أنا هاخد “چـودي” ونطلع شقة “سـمارة” علطول وأنتَ خليك هنا مع عمو وشوف “مُـحي” ونبقى ننزلكم، متدورش علينا بقى وتوترني لو سمحت كل شوية، ركز معايا يا “سـراج” علشان خاطري.
قبل أن يجاوبها زوجها قطع “عمرو” الحديث حينما تدخل يقصد مضايقتها بقوله الوقح منه:
_لو هو وترك أنا موجود يا مُزة، وتحت أمرك.
التفتت هي لصاحب الجملة ترشقه بنظراتٍ نارية ولم تكترث بصياح “سـراج” عبر الهاتف وقد أغلق زوجها المكالمة ثم ولج لها بسرعة البرق يقرع الأرض أسفله قرعًا وقد اقترب “إسماعيل” ما إن انتبه للآخر يُضايق زوجة رفيقه وقد اقترب يسألها بنبرةٍ جامدة:
_حصل إيه يا “نـور” والواد دا بيكلمك ليه؟.
توترت هي من طريقة “إسماعيل” وقد ولج “سـراج” وفي طرفة عينٍ قبض على تلابيب “عمرو” يسأله بنبرةٍ هادرة وكأنه فشل في كظم غيظه:
_بتقول إيه يا روح أمك بقى سمعني؟ عيد كلامك تاني علشان لو فيه راجل عندك ييجي يخرجك من تحت ايدي، بتعاكس مين يالا؟ أنتَ مجنون؟.
في تلك اللحظة أشار “إسماعيل” للأخرى بالرحيل مع الصغيرة فتحركت هي مسرعةً خوفًا على “چـودي” بينما عاد “إسماعيل” لرفيقه الذي يتشاجر مع الآخر وهتف بنبرةٌ تهكمية:
_دا عديم الرباية سيبك منه، عيل معندوش ريحة الدم.
ابتسم “عمرو” لهما باستفزازٍ وقصد ذلك عن عمدٍ حينما قال بخبثٍ يقصد إهانة كليهما:
_أنتوا هتعملوا نفسكم شُرفا عليا أنا؟ واحد تاجر آثار وحرامي والتاني خدام عند الشيوخ يفتحه بيه المقابر وهتعيشوا عليا وتعملوا فيها ولاد ناس؟ دا أنتوا عصابة.
أشعل فتيل غضبهما بتلك الطريقة وبهذا الحديث وبكل آسفٍ هو لم يعلم عواقب فعلته، حيث قبض “سـراج” على عنقه بكفه ثم هزه بعنفٍ في يده حتى كاد أن يلفظ أنفاسه الأخيرة لكن “سـراج” تركه فجأةً حتى سعل الآخر بقوةٍ فنطق “سـراج” بأنفاسٍ مُتقطعة بعدما اقترب منه وصدره يعلو ويهبط:
_دا كان حق واحد، لسه لينا أربعة عندك، يلا أيدك في أيدي يا “إسماعيل” وناديلنا “حوكشة” علشان الأستاذ شكله ميعرفش حاجة عننا، مش يمكن نكون تجار أعضاء كمان؟.
حديثه كان يقطر شرًا وخبثًا وحقًا وصل لذروة الغضب، لا يعرف يومًا الترفع ولا التهذب وخاصةً مع من هم على شاكلة “عمرو” يحتاجون لمن يتخلى عن ترفعه وتهذبه لأجل تعليمه، وحينها شاركه “إسماعيل” وهو يشعر أن نيرانه لن تنطفيء سوى بتلقينه درسًا لن ينساه، ليس بالضرب وليس بالعنف ولكن بالعقل كما علمهم “إيـهاب”.
__________________________________
<“عودة نصف الحق، أفضل من ضياعه كاملًا”>
لا تتعجل على حقٍ تعلم أنه من الأساس لك بل انتظر وتحلى بالصبر حتى ترى حقك يعود لكَ من جديد حتى وإن لم يعد كاملًا لك لكن عودة جزءٍ منه أفضل من نهبه وضياعه بالكامل، ونحن لازلنا في انتظار عودة حقنا حتى وإن كان غير كاملٍ.
لقد شعر بالملل والألم من جلوسه في غرفته هكذا، شعر بالضيق الاستياء من عدم ذهابه للمسجد خاصةً، لكن برفقة “قـمر” كل شيءٍ كان مستحيلًا قد يكون ممكنًا، وهي تولت المهمة الأصعب حيث عاونته للنزول من على الدرج وهي تمسك كفه وتساند الآخر فوق درابزون الدرج، كان يبتسم لها ويحتويها بعينيه بينما هي سلطت أنظارها على الدرج تتابع حركة قدميه باهتمامٍ حتى أنهاه بأكمله فقالت هي بنبرةٍ حماسية:
_برافو عليك يا “أيـوب” نزلته بسرعة.
ضحك على طريقتها التي تشبه طريقة التعامل مع الصغار وقد قام بفرد ظهره بعدما كان مُنحنيًا وهي لازالت تمسك كلا كفيه دون أن تفلتهما، بل كلما مر الوقت كلما تعمقت مسكتها لكفيه وحينها لم يقدر على صد فتنتها بعيدًا عنه فاقترب منها يُلثم وجنتها كأنه يخبرها عن امتنانه ثم غمز لها وقال هامسًا بلمحة مرحٍ في أذنها:
_برافو عليكِ أنتِ يا “قـمر”.
أسبلت أهدابها نحوه تواصل عينيها بعينيه وفي تلك اللحظة تحدثت”آيـات” من خلفهما بنبرةٍ ضاحكة حينما رآتهما سويًا بهذا القرب من بعضهما:
_شوف إزاي؟ وأنا اللي كنت هطلع أخليك تفك عن نفسك؟ طلعت فاكك بزيادة، شكلنا هنرجع نعقدها تاني يا شيخنا، ها شيخنا يا “أيـوب” فاكر؟.
كتمت “قـمر” ضحكتها فيما التفت هو برأسه لشقيقته ثم قال بسخريةٍ تهكمية:
_نعقدها أكتر من كدا؟ مش واخدة بالك من وضعي؟ دا الإنسان الآلى فيه حيوية عني، الحمدلله على كل حال راضي والله، بس ياريت كفاية تعقيد أنا عاوز الدنيا تفك، عاوز أتجوز يا “آيـات” ما تدعي لأخوكِ ربنا يسهلهاله زي ما كنت بدعيلك كدا.
ضحكت شقيقته واستمرت في المزاح معه ثم عاونته حتى وصل للحديقة يجلس بها وسط الزهور والزرع الأخضر والهواء النقي وصوت القرآن في الخلف يُتلىٰ بصوت الشيخ “المنشاوي” جلس يحمد ربه على النعيم المعجل الذي يعيش هو به ويُدركه بحواسه وسرعان ما بدأ لسانه يُردد آيات القرآن مع القاريء، وقد أتت له “قـمر” بمشروبه المفضل، وبعد مرور ساعة بالتقريب حدث الغير متوقع..
أتى والده يجلس في الحديقة بأمرٍ من “أيـهم” وخلفه أتى “يـوسف” وجلس بجوار “أيـوب” وبعدها أتى “نـادر” مع أمه “فاتن” التي تعجبت من إصرار “أيـهم” على حضورها، كل شيءٍ كان غريبًا على الجميع ولم يفهم أحدهم ما يدور حولهم، فقط نظرات غريبة تتبادل بين الأعين، همهمات حانقة ظهرت من كثرة الإنتظار، كل شيءٍ لم يُفهم معهم في المُحيط.
دقائق مرت تبعها دخول “أيـهم” و”بـيشوي” والمفاجاة أتت بحضور “سـامي” معهما وبجواره وقف رجلٌ يمسك في يده حقيبة جلدية فهب “عبدالقادر” منتفضًا يرفض قدوم هذا البغيض في عقر داره وقبل أن تثور ثورته تحدث ابنه بهدوءٍ يُطمئنه به:
_متقلقش يا حج، كل حاجة هتتحل.
كان “سـامي” يقف أمام ابنه بانحناءٍ بعدما تعرض للكثير من الضربات فوق ظهره وعظامه فيما قال “أيـهم” بثباتٍ أمام الجميع:
_معلش بقى جيبتكم كلكم مرة واحدة بس ما صدقت إن “أيـوب” يكون هنا في الجنينة، المهم دلوقتي اللي حق هياخده وأهم حاجة الحق يرجع بما يُرضي الله ومحدش يقلق أنا مش راجل ظالم، أنا هراعي ربنا وهو بنفسه اللي هيختار كل حاجة يعملها يا كدا يا السجن أولى بيه.
أرسل التهديد من جديد لـ “سامي” الذي تصنع اللامبالاة أمام الجميع حتى مرت دقائق في توترٍ وضغطٍ فوق الأعصاب لا يُحتمل، بينما “أيهم” جلس بجوار الرجل الغريب وقال بثباتٍ يلا يا مولانا، شوف شغلك.
بدأ المأذون في تجهيز كافة الأوراق أمام الجميع وقد فهمت “فـاتن” ما يحدث حولها فتحمست للمزيد وتمنت أن تنل حُريتها وبالفعل تمت الإجراءات أمام الجميع في صمتٍ وخضوعٍ من البقية وقد أشار له المأذون أن يُطلقها من القيد وحينها تنهد “سـامي” وقال بنبرةٍ آلية:
_أنتِ طالق يا “فـاتن”، طالق، طالق بالتلاتة.
تنهدت هي أمام الجميع وكأنه كان يجثم فوق صدرها ويمنع عنها عملية التنفس، حقًا نالت حُريتها من قيده حول حياتها، وحينها أدرك “نـادر” أن حياته حقًا كانت مُدمرة والآن يقف أمام رُكامها من بعد القصف المُبرح الذي هدم حياته وآماله، وحينها أشار “أيـهم” لـ “يـوسف” الذي مد يده له بالأوراق فسحبها منه “أيـهم” والتفت للآخر يخبره بثباتٍ:
_كدا أول حاجة تمت، تاني حاجة بقى إنك تمضي على الورق دا وقبل ما تسأل عن دا ورق إيه أحب أقولك دا تنازل منك لـ “يـوسف” و “قـمر” عن حصصك في كل حاجة، معلش دا مال يتامى وإحنا كله إلا مال اليتيم.
توسعت عينا “سـامي” ذاهلًا وحرك رأسه نحو “يـوسف” الذي غمز له في الخفاء بخبثٍ لم يلمحه أحدٌ غيره، بالطبع هو لن يصمت ولن يسكت عن حقه، وإن كان سكت لوهلةٍ أو توقف هُنيهة عابرة فهذا فقط لأجل أن يلتقط أنفاسه ثم يُكمل طريقه من جديد، وقد أشبه كلاهما في تلك اللحظة تلك المقولة التي تقول:
“قالوا مات في القريةِ ساحرًا
فاستراح الناس من آذاه ..
خلّف الساحر ابنًا قد فاق في السحر أباه”
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غوثهم)
🫠