روايات

رواية غوثهم الفصل المائة والخامس عشر 115 بقلم شمس محمد

رواية غوثهم الفصل المائة والخامس عشر 115 بقلم شمس محمد

رواية غوثهم الجزء المائة والخامس عشر

رواية غوثهم البارت المائة والخامس عشر

رواية غوثهم
رواية غوثهم

رواية غوثهم الحلقة المائة والخامسة عشر

“رواية غَـــوثِـهِـمْ”
“الفصل الثلاثون_الجزء الثاني”
“يــا صـبـر أيـوب”
______________________
تعاليت يا رب حم الفراق
وبابك يبقى ولا كل بابٍ…
وأوصد غيرك أبوابهم
وسدوا مسالكنا لإيابٍ…
ويبقى طريق الرجوع إليك
عريضًا يُخفف أي مصابٍ…
تعاليت جل السخاء الكبير
وهان برحماك كل عذابٍ…
_”عماد الدين خليل”
“ابتهالات في زمن الغربة”.
__________________________________
أنذرتني الحياة منذ أن ولدت “مُـنذر” بكل شيءٍ..
فأعلم أن رجلًا مثلي غريب الأطوار لن يتقبل العالم ولن يقبله العالم، وكيف يحدث ذاك وإن كانوا سبب وجودي في تلك الحياة لم يتقبلوني؟ رُبما قصتي غريبة عن بقية القصص لكن الدور قد حان وأتىٰ فلما المهرب ولمتىٰ؟ فأنا من المفترض أن أكون مُنعمًا في بيتٍ كما بقية أمثال عُمري لكن وقتها كان لاسمي نصيبًا في مأساتي ومُري، فمنذ أن ذاع خبر قدومي كان يُشبه خبر الإنذار بالحرب، حربٌ بأكملها يملؤها القصف والكَرب، حينها كنت صغيرًا تركوه أهله في ميدان الضرب ولم يكلف أحدهما نفسه عناء الإلتفات له ولو لمرةٍ واحدةٍ فحسب، بل نجوا بنفسهما وتركوني أنا للهلاك كمن تُرِك في الطوفان هلعًا على نفسه بعدما فقد الأمان، ورُبما وأنا أسرد لكِ هذه القصة نكون غريبين وبالطبع لسنا بمقربين، لكن وبكل صراحةٍ سأزيد في حديثي حتى لي تطمئنين، فكلامي بأكمله لم يكن يومًا يملك سببين، لقد عيشت أيام عمري بأكملها أمامي نيران الحرب وفي الخلف أصوات الضرب، حربٌ لا يعرف العدو بها شرفًا ولا نزاهة، ومن ثم أعتدت على الحرب ورافقت أصوات القصف حتى بِتُ أعيش في حياة الكرب وتشردت في كل درب، ومن ثم وفي طرفة عينٍ طالت أيام عُمري الشمس، وشاهدت بنفسي أول صباحٍ من بعد ليل القصف والحرب، صباحٌ كانت شمسه دفء عينيك، والهُدنة بهِ مصافحة كفيكِ، ولا شك أن السلام كان في الطريق المُفدي إليكِ، يا حقل زهورٍ كله ربيعٌ رأينا فيه وأنا وقلبي “فُـلة” وكأن أيام الخريف كانت تقودنا لديكِ…
<“البيت لم يعد يتحمل القصف، فأصبح رُكامًا”>
اللعنة على ذلك القلب الذي رآكم..
قلبي الذي عذبته بنفسي حينما ألقيته فِداكم..
حاشاه قلبي أن يُذل ويعود خائبًا في رجاكم..
فياليته ما سمعني وأُجبر أن يَراكم، فعيني
الكاذبة ألتقطت فيكم رحبًا رغم أن الطير
كان أسيرًا في سماكم، وأنا الذي كنتُ
أشق الطرقات شقًا سعيًا لرضاكم..
فياليته ما سمعني وياليته ما رآكم.
كلماتٌ رددها القلب المُعذب حيث كان “نـادر” يسير كما المُغيب معهما لم يسأل عن أي شيءٍ بل كان ينتظر عودة الحق كما قال له الآخر وقد أستند على عكازه حتى ولجوا لتلك العيادة الممتلئة بالعديد من النساء والسيدات حتى أن ظهورهم بها كان غريبًا وغير منطقيٍ وبعد مرور دقائق ولجوا للداخل عند الطبيبة التي طالعتهما بتعجبٍ وكادت أن تتحرك فهتف “سـراج” يُطمئنها بقوله الساخر:
_زي ما أنتِ والله ما أنتِ قايمة، إحنا جايين نسأل عن حاجة مُعينة بس وماشيين، فيه واحدة جاتلك هنا عملت إجهاض اسمها “شـهد نزيه” دا جوزها عرفيه حصل إيه بدل ما نبلغ بقى ونعمل محضر ونشمعلك المكان المقرف دا.
هبت منتفضة من موضعها بخوفٍ فرآت الشر يتجلى في نظراته وكذلك وقف “يـوسف” يُحذرها بعينيهِ حتى تراجعت هي مُتقهقرةً ثم فتحت أحد الأدراج وأخرجت منه الأوراق تضعها بكف “نـادر” والتقرير الطبي الخاص بزوجته والإقرار الذي قامت بالتوقيع عليه لتتحمل مسئولية فعلتها وحينها ترنح جسد “نـادر” من الصدمة وأضحت كل خليةٍ فيه تنزف بوجعٍ وكأن جسده أضحىٰ يشبه البناء الذي يوجد وسطٍ بلدةٍ تتعرض للحروب وهو البيت القائم فيها لينل كل بُرهة قصفًا جديدًا يوقع أساسه كما الرُكام بداخل روحه خاصةً وهو يرى توقيعها المُميز الذي يحفظه عن ظهر قلبٍ…
شعر بالأرض تميد به فعليًا لا مجازيًا، فأضحى كبيتٍ قائمٍ هُدِم تدريجيًا حتى غدا كما الرُكام الساقط أرضًا فوق بعضه ولازال هناك أنينًا يخرج من روحٍ مقصوفة تنازع لأجل التمسك بالحياة وقد شعر بالألم يسري في أنحاء جسده حينما أضافت الطبيبة بتفسيرٍ لتنجو بنفسها وتُزيد من الذبح بسيفٍ باردٍ:
_المدام “شـهد” كانت في المستشفى اللي حضرتك كنت محجوز فيها وجت لحد عندي تعمل إجهاض وأنا مقدرتش هناك لأن ممنوع وعمليات الإجهاض تعتبر جريمة، بس أتفقت مهاها تيجي هنا وعملت العملية، أرجوكم أنا مش عاوزة شوشرة في المكان، التقارير مع حضرتك إيه، والإقرار دا هي مضيته بنفسها، لو سمحتوا أخرجوا من هنا علشان كدا غلط.
كانت تتوسلهم أن يرحلوا من المكان وقد غاب الآخر عن الجميع وسرعان ما أنحنى ظهره المُستقيم ليظهر أكبر من سنوات عمره الثلاثين وكأن الخنجر المطعون هو به أحب جسده فبات ينخر فيه تلاوًا، وقد وقف “يـوسف” عاجزًا عن فعل أي شيءٍ، وقد تناقض مع نفسه حيث هناك جزءٌ منه يريد أن يتشفى ويعلن إنتصاره، وجزءٌ إنساني يأبىٰ هذا التصرف الفج فللموت حُرمة ومهما كان فهذا فقد ابنه غدرًا، كانت مشاعره مستثارة وإنكسار “نـادر” لم يُريحه بل تسبب في نوبةٍ قادمة لا محالة فالأصوات بدأت تعلو وكأن البركان سيثور بغير استحالة…
كان أقواهم “سـراج” الذي ساند “نـادر” وأشار لرفيقه وخرجوا من العيادة ونزلوا للأسفل وقد تركه “سـراج” بُغتةً وهتف بنيرانٍ متقدة كلما تذكر أن هذا هو الحبيب السابق لمؤرقة فؤاده:
_أنا كدا عملت اللي عليا، ولو أني كنت قاطع وعد إني مخلاش بيها بس للضرورة أحكام وأنا كفيل بكل حاجة، وكنت هبقى مبسوط لما تكمل حياتك مع واحدة ***** زي دي بس لولا إنك بتتهم “يـوسف” كان هيبقى فيها كلام تاني، ولآخر مرة هقولك تلم مراتك بدل ما ألمهالك أنا وخليها تبعد عن سكة “نـور” أحسنلها.
كان تهديده صريحًا حتى رفع “نـادر” وجهه المكفهر فلازال غير قادرٍ على سبر أغوار ما يحدث كاملًا حتى لم يفهم العلاقة بين “نـور” و “شـهد” لكن عقله صوغ له أن رُبما الآخر يخشى على حبيبته منها، لا يهم أي شيءٍ في تلك اللحظة فتكفيه الجروح النازفة التي جعل جسده أشبه بكوخٍ تراشقت به الأعيرة النارية حتى تفاعل معها إلتهابًا، فلازال عاجزًا عن إدراك ما وصله بالأعلى أن زوجته قامت بقتل طفله طواعيةً منها..
لاحظه “يـوسف” الذي وقف بجوار سيارته وقد أقترب منه “سـراج” يُخاطبه بقوةٍ ورأسٍ مرفوعٍ أعتاد الشموخ:
_معاك دليل برائتك أهو اللي يكلمك حط صوابعك في عينه أعميه خالص، وكتر خيرك إنك متحمل لحد كدا، أنا همشي.
أنهى حديثه وولج سيارته السوداء الفارهة بينما “يـوسف” فظل ثابتًا وتائهًا عن العالم وعيناه لم تغفل عن الآخر الذي تصادم معه بعينيه وطَلَّ الوجع من نظراته وهتف بصوتٍ مقتولٍ:
_شمتان صح؟ حقك وحقك بزيادة أوي كمان، قدامك واحد عاجز في عز شبابه، مفيهوش نفس حتى ولا قادر يتكلم، محطوط سيف تِلم على رقبتي بيدبحني ببطء ومش لاحق حتى أفرفر وأخرج في الروح، حقك رجعلك أهو، وابني راح..
تهدج صوته بألمٍ وخانته العبرات اللامعة وهو يستشعر قوة مُداهمة قهر الرجال وحينها وقف أمامه ذاك البركان المضغوط وهتف بنبرةٍ هادرة:
_أنا آخر واحد ممكن يفرح فيك ويشمت باللي حصلك، علشان أنا مش زيك ولا زي اللي خلفك، أنا أنضف منكم كلكم، بدل ما تقف كدا روح هات حقك منها وحق ابنك اللي هي قتلته بأيديها، وحقي اللي بتتكلم عنه مرجعش لسه علشان ورحمة أبويا أنا هسيبه وهاخده لو بموتي، وأتقي شري دلوقتي أحسنلك يا “نـادر”.
هدر فيه بغضبٍ ثم ألتفت يركب سيارته تاركًا الآخر خلفه وسط الطريق بمفرده يستند على عكازه المعدني ثم جلس على الرصيف وأغمض عينيه، كان في تلك اللحظة يُشبه الطفل الذي تشرد ولم يعد يملك مكانًا سوى الطرقات القاسية، ضاق عليه الفضاء وبات يأمل في الموت، راح قلبه ضحية قلوبٍ تشتهي مالا تملك وترغب فيما لا يُحق، جلس كيتيمٍ في الشارع ورغمًا عنه أنفجر باكيًا حينما عادت أحلامه تتراقص أمام عينيه ثم تبخرت كالسراب تمامًا..
ظل يبكي ولم يعلم أن البكاء لن ينتهي، فأشبه حينها البكاء مسجونًا بين سياجٍ حديدية ومن ثم تحرر من هذه السياج ففاض ما إن نال حُريته كسماءٍ أمطرت ولم تتوقف بعد، لم يجد مأوىٰ ولا حتى يسانده جسده لكي يرحل وللحظةٍ أشتهى مذاق الموت بدلًا من الجروح التي تقتله حيًا ولم يشعر إلا بظلٍ سقط عليه ومد كفه يهتف بفظاظةٍ غير مقصودة:
_قوم يا “نـادر” مش هتقعد تعيط زي العيال..
رفع رأسه لصاحب الصوت وهتف بإنكسارٍ والدمع يسيل فوق وجنتيه دون توقف في لحظة ضعفٍ منه رافقها الإنكسار:
_أنا مدبوح يا “يـوسف” وللأسف لسه فيا الروح.
أشفق الآخر عليه كثيرًا وقبض على كفه يوقفه ويسانده وهو يتجاهل ذاك الصوت الذي يهينه ويوبخه على فعلته لكن صوت إنسانيته ربح في الآخر حتى شرد لوهلةٍ بين حاله وأصواته وإضطرابه فوجد “نـادر” يهتف بنفس النبرة المقتولة:
_وديني شقتي يا “يـوسف” دلوقتي.
أنتبه له “يـوسف” الذي أومأ موافقًا بحركةٍ خافتة ثم سانده لداخل السيارة وحينها سقطت عيناه على صورة والده المُعلقة في مرآة السيارة وكأنها تواصل حسي يُخلق بينه وبين أبيه ليؤكد له أن قِيمه لازالت بداخله مهما طالها غُبار القسوة وأتربة التصلد..
__________________________________
<“قد تكون الحياة أهدتك فرصة، لكن لا تثق”>
نكهات الحياة دومًا مختلفة وفي كلٍ يوم نستشعر مذاقًا يختلف عن سابقه، فتارةٍ نتذوق حلوها وكثيرًا نأكل مُرها، وبين هذا وذاك تشتهي النفس ماهو جديدٌ عليها وتتذوقه آملة أن يبقى المذاق الشهي في جوفها..
رق قلب “نَـعيم” لمطلب صغيره خاصةً أنه سبق وأثبت حُسن نيته في العدول عن كل الطُرقات السابقة وقد أضفىٰ تواجد “تَـيام” و “إسماعيل” نكهة خاصة فوق إقناع “مُـحي” فلم يجد والده بُدًا إلا الموافقة خاصةً مع ذهاب “مُـنذر” إلى هناك وهذا بالطبع سيضفي الإطمئنان فوق قلبه…
وقد تجهز “مُـحي” وأرتدى قميصًا باللون الأسود لائم مظهره المُنمق وجسده الفارع طولًا وعرضًا ثم تمم على هيئته وصفف خصلاته ونثر عطره ثم خرج بعدما سحب العُلبة المخملية ووضعها في جيب بنطاله، ومن ثم وصل لبهو البيت ووجد “مُـنذر” يقف على بُعدٍ من الجالسين يُنفث هواء سيجاره وقد وقف الآخر في مواجهته وهتف موجزًا:
_جـاهز؟.
أومأ موافقًا له وحينها تدخل صوت “نَـعيم” يحذره ابنه بقولهِ الذي ألبسه وشاح المزاح:
_مش عاوز قلق، مفهوم يا “مُـحي”؟.
أمتعض وجه ابنه وألتفت له يهتف بضيقٍ من الاسم:
_تصدق بالله أنا لو فيه حاجة مضيقاني منك هتبقى اسم
“مُـحي” دا يعني إيه يبقى واحد اسمه “تَـيام” والتاني “مُـنذر” وأنا “مُـحي”؟.
كان السُخط باديًا في كلماتهِ حتى وصلته الضحكات من البقية بينما والده هتف ضاحكًا:
_ماهو كان اسمه “محمد” وأنتَ “مُـحي” هو لما أتخطف اسمه أتغير مش ذنبي ومش ذنبه بقى، بعدين ماله “مُـحي” مش عاجبك ليه دا أنتَ حتى “مُـحي الحُصري”.
أرتسمت السخرية فوق ملامحه وهتف بتهكمٍ:
_وليه فرحان أوي كأني “مُـحي الدين أبو المُعز” كدا طب كنت سميني “مُـهند” كانت هتبقى ماشية مع العيون الرمادي دي، مش مسامحك يا “نَـعيم”.
من جديد ضحك والده على تذمره فيما تدخل “إيـهاب” الذي ولج من بهو البيت ليصل لمقر الجلوس وهتف بتهكمٍ لاذعٍ:
_وأنتَ عاوز تبقى “مُـهند” ليه؟ غاوي عشق ممنوع وخلاص، أتقي الله عاوزه يبقى وصف واسم يا “مُـوهي”.
في تلك اللحظة ضحك “مُـنذر” بصوتٍ لمرته الثانية تقريبًا خاصةً مع سكوت “مُـحي” عن الرد فبالطبع لن يُجازف ويُجادل من لُقِب بـ “عـمهم” وحينها لاحظوا ضحكة “مُـنذر” الذي أعتدل وحمحم بخشونةٍ ثم هتف بثباتٍ ما إن ألتقط النظرات الموجهة نحوه:
_طب يلا علشان منتأخرش.
هتفها وهو يتوجه نحو الخارج وقد لحقه “مُـحي” بينما شقيقه فظل جالسًا برفقة والده إلا أن جاوره “إيـهاب” الذي استيقظ من النوم لتوه وأطمئن على زوجته برفقة “چـودي” ثم نزل يجلس معهم ويطمئن على شقيقه..
في الخارج ركب “مُـنذر” دراجته البُخارية وخلفه ركب ابن عمه بسعادةٍ حينما قام الآخر بتخييره فقرر أن يعتلي الدراجة خلفه لطالما كان عاشقًا لهذا النوع من المركبات، وبعد مرور بعض الوقت من القيادة السريعة وسط الطريق الفارغ وتهور القائد توقفوا أمام باخرة فندقية عند طرف النيل وحينها شمل “مُـنذر” المكان بعينيهِ فوجد ابن عمه يٕفسر بقوله:
_هي عملاه في هنا متقلقش هي حفلة لطيفة هنقعد فيها شوية ونمشي مش هنتأخر وأوعدك لو أتضايقت هنمشي علطول ولو زعلت جوة أغمزلي وأنا هفهم..
زاحمت البسمة ملامحه على حديث “مُـحي” ثم تبعه نحو الداخل حيث صالة الاستقبال فكان المكان ممتلئًا بشبابٍ من عُـمر ابن عمه ورُبما أصغر، مجموعة من المُرفهين يرقصون غير عابئين بالحياة وهمومها، يصرفون أموالهم في تفاهاتٍ وتراهاتٍ لا تنفع بقدر ما تُضر، وقد ألقى نظرة خاطفة على ابن عمه الذي تبدل حاله كثيرًا فأصبح أكثر وقارًا وهيبةٍ حيث أشتد جسده وأرتسمت الجدية فوق ملامحه فعلم أن الأمر ليس مجرد حفلة عابرة إنما أشبه بنزالٍ خفي..
بينما “مُـحي” فطافت عيناه بالمكان لتتلاقى مع مُقلتين أخريتين حادتين من شابٍ يماثله في العُمر وحينها تقدم نحو الأمام خطوتين ثم عاد لابن عمه يهتف بنبرةٍ هامسة:
_بقولك إيه، أقعد عن البار وأنا خمسة وجاي.
أشار لموضع الجلوس عند مكان المشروبات ثم تحرك نحو الأمام بتحدٍ سافرٍ بينما الآخر تحرك يجلس عند موضع إشارة ابن عمه وجلس هناك وعيناه لم تغفل عنه بل كان كما الصقر الذي ركز ببصرهِ على هدفٍ مُحددٍ وهو يستند بمرفقيه على الحافة الرُخامية..
أقترب “مُـحي” من صاحبة الحفل وأخرج العُلبة المخملية من جيبه يُقدمها لها بكل رقيٍ وهو يقول بلباقةٍ رغم تحفظه وعدم إبداء أي مشاعر منه:
_كل سنة وأنتِ طيبة يا “إيـمي” عقبال مليون سنة.
أنهى حديثه ثم ناولها العُلبة فتأهبت حواسها وهي تُطالعه بشوقٍ ولهفةٍ أتضحا في عينيها حتى أنها لم تُصدق أن رفيق عُمرها أتى لديها خصيصًا وما إن خرجت من حالة دهشتها هذه هتفت بصوتٍ مهتزٍ نتيجة تأثرها بطلته الخاطفة:
_ميرسي يا “مُـحي” بس كفاية إنك جيت دي فرحتني أوي مكانش ليه لزوم تتعب نفسك كدا، كفاية أنتَ.
أبتسم لها بسمة طفيفة لم تصل لعينيه وسرعان ما ظهر الزهو فوق ملامحه المُغترة ثم ألتقط بطرف عينه نظرة كريهة مصوبة نحوه فأضاف بدون مُزايدةٍ:
_أنتِ تستاهلي كتير أوي.
هتف جملته ثم أولاها ظهره يتوجه نحو “مُـنذر” الذي درس كل إنفعالاته وفطن لما يدور أن هناك تحدي بين الإثنين وما إن جاوره “مُـحي” أبتسم له “مُـنذر” وهتف بصوتٍ رخيم وعميق:
_واضح إنه مش مجرد عيد ميلاد وخلاص.
أبتسم له وقبل أن يجاوبه أتى صاحب النظرات الحادة يقف قبالتهما وهتف من بين أسنانه بتهكمٍ أعرب عن غيظه منه:
_كويس إنك جيت كنت عارف إنك عيل بتشبط ومش هتسيب فرصة زي دي، شاطر إنك جيت بس برضه لسه عيل صغير.
أرتسم الشر فوق ملامح “مُـحي” الذي ناقض هذه الملامح حينما قام بفرد جسده مُتكاسلًا وكذلك كانت نبرته عند قوله الذي لم يفارقه الزهو بالنفس:
_طب وأنتَ حارق نفسك من عيل صغير ليه؟ ما تروح أنتَ يا كبير وألفت نظرها كدا وخليها تتكلم معاك وتتلهف عليك، ولا هو مقدرش على الحمار بقى؟.
أتقد الشر في عيني الآخر وتهور وقبض على قميص “مُـحي” يهتف بفظاظةٍ وغلظةٍ أوضحا كرهه نحوه:
_مش عملت الواجب برة..
لم يكد يُكمل جملته حتى دفعه “مُـحي” بقوةٍ وقبل أن يقترب الآخر منه وجد حصنًا منيعًا يسد عليه الطريق وهو يقول موجزًا بكلمةٍ واحدة:
_وقف.
رمقه الشاب بتعجبٍ ثم هدر فيه منفعلًا:
_وأنتَ مال اللي خلفوك؟ بتتدخل ليه، وسع من وشي وخليني أعرفـه مقامه، ويعرف مين هو ابن “الحُسيني”.
أنهى جملته وهو يقوم بدفع “مُـنذر” بعيدًا عـنه لكن الآخر قبض على رسغه وهتف بشرٍ من بين أسنانه المُطبقة:
_لو جدع قرب منه شبر كمان.
لاحظ الشاب نظراته وثقة “مُـحي” فهتف بتهكمٍ يُقلل منه صراحةً ويخفي أثر رجولته وقوته:
_مش بقولك عيل صغير ولسه مكبرتش وجايبه معاك تتحامى فيه علشان عارف إنك هتتقطع هنا !!.
في تلك اللحظة استشعر “مُـنذر” الإهانة فألتفت للشاب بملامح جامدة تنطق بالصرامة وأضاف بوعيدٍ قبل ان يُعطي رد الفعل:
_طب قول كلام غير دا.
أنهى جملته ثم عقبها بدفعة من رأسه في وجه الآخر حتى سقط أرضًا ومن ثم ركضت مجموعة من الشباب نحوهما فتولى كلاهما دور الحماية دفاعًا عن الآخر وسط صرخات الفتيات العالية بينما أبناء “الحُـصري” فذلك الطابع البربري فيهما لم ينفك عنهما وخاصةً “مُـنذر” المتدرب على أصعب طُرق الضرب وأكثرها بشاعةً، وما هي إلا دقائق أنتهى الأمر فيها بالصمت وخمسة شباب متكومين فوق الأرض و”مُـنذر” قام بسحب ابن عـمه من مرفقه فوجد الفتاة تركض خلفهما وهي تقول بآسفٍ:
_أنا آسفة يا “مُـحي” بس أنا معرفش إن هيحصل حاجة منه ليك، أنا قولت كل دا كان زمان وخلاص كبرنا ومبقاش فـيه حاجة بينكم، متزعلش وآسفة علشان صممت تيجي.
تنهد بقوةٍ ولازال في محاولة استجماع ثباته وهتف موجزًا يقطع عليها السُبل قبل أن تتمادى في الخُطى نحوه:
_محصلش حاجة وآسف لو عيد ميلادك باظ، بس أظن أنتِ من أولها عارفة يا “إيـمي” أنا مش بتاع حب ولا جواز وكنت صريح معاكِ، عمومًا كل سنة وأنتِ طيبة، عن إذنك.
أنهى حديثه ثم تحرك مع ابن عمه الذي أيقن مما ساوره من ظنونٍ وقد لمح الحزن في عيني الفتاة وكأنها تتذوق مرارة الخذلان بعدما كانت تنعم بحلو المذاق حينما لمحته في مكانها وركضت للفتيات تخبرهن أنه بذاته أتى لأجلها هُنا، والآن تشعر بصفعةٍ فوق وجهها وهي تمر بممرٍ تملئه الأشواك حيث ذاك الطريق المسمى بالحب من طرفٍ واحدٍ..
_________________________________
<“بان في أعينكم ما تخفيه قلوبكم”>
الصفعة الأولى هي ما تؤلم الوجه ثم بقية الصفعات تبقى مُخدرة دون أن يتم الشعور بها ولا بقوة الكفوف وهي تسقط فوق الوجوه، لكن الجراح؟ بالطبع الأمر يختلف، فهل يُخيل لكَ أن هناك جرحٌ شقه أضحىٰ عميقًا ولازالت الخناجر تمتد وتطعنه بنفس مكان جرحه القديم؟ الأمر كان في غاية الصعوبة على هذا المجروح خاصةً وهو يذهب بنفسه للمكان ذاته الذي بدأ منه كل شيءٍ..
صعد البناية الراقية وسط بنايات المجتمع المخملي أصحاب النفوذ والسُلطة وتوجه إلى شقته بعدما ترك “يـوسف” بدون كلمةٍ واحدة، فقط أغمض عينيه كأنه يُهيء نفسه لحربٍ ثم تركه وماهي إلا دقائق معدودة تلاها وصوله وهو يقوم بفتح باب شقته وهو يعلم أن زوجته بها، ولج لهناك فوجدها تجلس فوق المقعد بمللٍ وهي تمسك الحاسوب الخاص بها رُبما تُنهي عليه أعمالًا خاصة بالشركة..
وقف أمامها يراقب ملامحها بنفورٍ جليٍ حتى أنتبهت هي له وتركت حاسوبها ثم وقفت أمامه بلهفةٍ تسأله عن سبب تواجده هنا في هذا التوقيت:
_”نـادر”؟ خير يا حبيبي حصل حاجة؟.
أصابه الجمود أمامها وقد شعر أن غيظه منها فاق كل الحدود ووقتها نفض كفها عن مرفقه وأبتعد للخلف وهتف بإنكسارٍ حاول إحجامه لكنه خانه وخرج أقوى منه:
_حصل حاجات كتير أوي أولهم إني فوقت خلاص، الحمدلله بقيت واعي ومصحصح واللي كان مغطي عيني إتشال، خصوصًا بعدما ربنا إبتلاني وابني راح مني قبل ما أشوفه وأنتِ عارفة إني كنت بتمنى ربنا يراضيني، أنتِ مش زعلانة صح؟.
سألها بنبرةٍ جديدة عليها منه ولم تعهدها من قبل لكنها رسمت الحزن ببراعةٍ فوق ملامحها وهي تُضيف بوهنٍ كاذبٍ:
_زعلانة أكيد بس إن شاء الله ربنا يكرمنا مع بعـ…
بترت حديثها حينما ضغط فوق ذراعها بقوةٍ ألمتها حتى صرخت فجأةً بينما هو فسألها بصوتٍ مبحوحٍ:
_جالك قلب إزاي تروحي تنزلي ابنك؟ عملتيها إزاي من غير ما تحسي بيه؟ أنتِ إيــه؟ قـلبك دا حــجر؟؟.
صرخ فيها بملء صوته بينما هي توسعت عيناها وتحجر بؤبؤاها عن الحِراك أمامه فوجدته يبتسم بوجعٍ وهتف بمرارةٍ الخذلان الساكن في روحهِ:
_حاجة غريبة إني مبقاش مغفل المرة دي صح؟ المرة دي عرفت عملتك السودا وبالدليل عند الدكتورة اللي روحتي أجهضتي عندها، وشوفت إمضتك بعيني كأني بشوف السكينة وهي بتدبحني بالبطيء، ليه؟ ليه يا “شـهد” دا أنا أكتر واحد في الدنيا دي كلها حبك وحط أمل فيكِ، ليه وأنتِ عارفة إن مفيش حد بيحبني وكان نفسي يبقى عندي بيت وعيلة بدل اللي أتوجعت فيه؟ ليه وأنا أترجيتك تكملي الحلم معايا؟ لـــيه؟؟..
بكى أثناء حديثه لها بإنكسارٍ ثم صرخ فيها بنبرةٍ جامدة ليدخل الطور الثاني من مرحلة الصدمة وهي الإنهيار وفقدان العقل وكأنه يصعد درجًا لم يعرف نهايته فدفعها من يده ثم ألتفت يقوم بتكسير كل شيءٍ تطوله يده الحُرة لا المستندة على العُكاز، وظل يصرخ بهيستريا وإنكسارٍ:
_لــيـه؟؟ لــيه يا “شــهد”؟؟؟.
أنكمشت في نفسها وهي تصرخ باسمه باكيةً فلأول مرةٍ تراه بهذا الإنكسار والوجع معًا بينما هو فلم تخمد نيرانه إلا بصرخة مدوية خرجت من جوف رجلٍ مقهورٍ تعرض للغدر وظن أن الحياة تنصفه بحبيبٍ كان أول من طعنه في الخفاء، لقد أعطاها السيف لكي تحمي به نفسها بينما هي طعنته غدرًا من الخلف وما إن ألتفت لها وجد الدماء عالقةً في كفها لتبرر فعلتها بأنها كانت تمسح دمائه وهو الساذج الذي صدق كذبها…
أنقلب المكان رأسًا على عقبٍ بعدما دمر كل شيءٍ بيده وعكازه وأنهاهم بصرخةٍ عالية ثم جلس فوق الأرض بجسدٍ هزيلٍ وهتف بوجه حديثه لها بقوله المُتألم:
_عارفة؟ أنا لما جُم قالولي أتجوزك علشان أحميكِ من”يـوسف” فرحت أوي علشان حسيت إني ليا لازمة ولما سألتك وقولتيلي إنه عاوز يتجوزك علشان يقرب منك وأنتِ خايفة رغم إنك بتحبيه أنا ساعتها قطعت على نفسي وعد إني مش هخليكِ تزعلي أو تحسي بالضعف طول ما أنا معاكِ، قولت هحميها وأخليها أختي وصاحبتي وبنتي وأم عيالي وأمي كمان وكل حاجة أتحرمت منها، بس ولا مرة حسيت منك بكدا، كل مرة كنت بتكسر منك وأسكت علشان اللي بيحب حد مبيكسرهوش، اللي بيحب حد بيحارب الدنيا كلها علشانه، بس أنتِ بقى رمتيني في نص الحرب وأول واحدة ضربت ضربتها وجت فيا بمقتل…
تهدج صوته باكيًا فجاهد ليسحب أنفاسه وأضاف بصوتٍ مختنقٍ كما روحه المختنقة تمامًا:
_أنا من الأول عارف إنك محبتينيش، أنتِ أساسًا محبتيش حد غير نفسك وبس، كنتي على الأقل حبيتي “يـوسف” اللي ضحى علشانك كتير، بس أنا أستاهل إن دي تكون أخرتي علشان لما هو أتوجع كنت أنا فرحان دلوقتي جه الوقت أكون مكانه، وعلى فكرة “يـوسف” ربنا رحمه منك علشان أكيد مكانش هيتحمل وجع زي دا، كتر خيره أوي وكفاية عليه جروح لحد كدا…
لم يقو على التواجد معها بنفس المكان فأستند على عصاه لكي يتحرك ويترك المكان فوجدها تقترب منه بلهفةٍ تتمسك بذراعه وهي تنهار أمامه باكيةً بقولها:
_علشان خاطري أسمعني، أديني فرصة والله خوفت وأنتَ تعبان في المستشفى وقولت أكيد مش هقدر أتصرف لوحدي ولا أنتَ هتقدر تتصرف والله يا “نـادر” مكانش وقته، أنتَ نسيت إنك كنت سكران ساعتها والطفل دا نتيجة ذكرى وحشة بينا، كنت متضايقة من الطريقة اللي جِـه بيها و…
قبل أن تُكمل قبض بكفه فوق خصلاتها وقد فرغت طاقة صبره عليها ولم يكن أمامه سوىٰ تلك الطريقة حينما هدر بإنفعالٍ في وجهها وصرخ ليجفل جسدها:
_بــس!! أنتِ معجونة في مية الكدب؟ أنتِ معندكيش قلب أصلًا علشان لو بتحسي من أول مرة عرفتي فيها إنك حامل وهتبقي أم مستحيل كنتي هتعملي كدا، بس أنتِ أنانية والشر ساكنك، أنا مش ناسي إنك قولتي مش عاوزة تخلفي مني، طب أنا وأغور في داهية، إنما إبنك بقى؟؟ هتقفي قدام ربنا إزاي بعمتلك دي؟ ردي عــلـيا!!!.
هزها بعنفٍ في يده فبكت هي بنبرةٍ عالية وتواصلت المُقل ببعضها وحتى الشفقة لم يلحظها في نظراتها، بل رأى قسوةً أو رُبما نظرة إرتياحٍ لكونها تتخلص من سرها ومنه فتفاقم الوجع بصدرهِ أضعافًا وقد دفعها من يده ثم أولاها ظهره ليرحل بكل شموخٍ بعدما استعاد قوته مُجددًا وهي في الخلف تحاول لملمة شتاتها وبعثرة نفسها فأرتمت فوق الأريكة تقوم بإرجاع خصلاتها للخلف وهي تضغط على منابت رأسها كمن هُدِم البيت فوق رأسهِ..
أما في الأسفل فرمى المكان بنظرة بُغضٍ ثم تحرك لخارج حدود المُجمع السكني بعدما طلب سيارة أجرة تقله إلى مكانٍ غير هذا فلم يعد قادرًا على تحمل قسوة الذكريات أكثر من ذلك، وما إن وصلت السيارة وركبها ألقى برأسه فوق النافذة بشرودٍ عن العالم بأكملهِ وقلبه يأني بقهرٍ:
_ألاليت لهُنا ما وصلتَ،
فكان من الأفضل يفوتنا القطار بدلًا
من طريقٍ خاطيءٍ دفعنا فيه دماء القلب
ثم أراني بقسوةٍ على ما أنا غدوت
فألاليت بلين القلب مع القُساة ما بُليتَ..
__________________________________
<“جراحٍ نازفة لم تُغلق، هي مفتوحة للزمن”>
من مِنا لو يولد وحياته صفحاتها بيضاء لم يُدنسها إلا قسوة الآخرين؟ فمن الأساس ما نحن إلا تلاميذٍ نتعلم في كل يومٍ درسًا لننتقل لما بعده، فهي فترات في حياة المرء لكي يتجاوزها عليه بشيئين إما التعلم وإما التأقلم، وكما سبق وقيل هي فترات لا يتجاوزها المرء إلا بموت شيءٍ داخله..
عاد “يـوسف” للبيت أخيرًا بعد منتصف الليل فوجد أسرته في الإنتظار وحضر أيضًا “أيـوب” الذي بلغ عليه القلق أشده خاصةً حينما لو يتواصل معهم “يـوسف” ومع ظهوره من خلف الباب ركضت نحوه “قـمر” تتفحصه بلهفةٍ بعينيها وكفيها وهي تسأله:
_طمني عليك أنتَ كويس؟ عملوا فيك حاجة؟ حد فيهم قرب منك تاني؟ أتأخرت كدا ليه يا “يـوسف”؟ زعلوك طيب؟.
طريقتها ولهفتها جعلاه يضمها إليه بحنانٍ بالغٍ رغم ضجيج رأسه والصُداع الذي داهمه لكنه تجاهل كل ذلك ومسح فوق ذراعها وهو يُهدئها بصوته العميق قائلًا:
_أنا كويس وبخير والله، متقلقيش عليا والحمدلله محصلش حاجة خالص لكل القلق دا، بعدين هو أنا كنت بقولك يعني علشان تعملي كدا وتخليني أحس بالعجز؟ عيب عليكِ.
أبتعدت عنه ترمقه بوجعٍ تجلىٰ في نظراتها وهتفت بنبرةٍ أقرب للبكاء:
_العيب عليهم هما، بعدين أنتَ عمرك ما عملت ليهم حاجة وحشة علشان يتهموك كل شوية بحاجة، أقسم بالله لو حصل تاني أنا هروح أبلغ عنهم وقول إنهم حرامية وواخدين حقنا وورثنا وكانوا خاطفينك مننا، ولا ليه أنا هرمي بلايا عليهم أحسن.
ضحك رغمًا عنه وشدد ضمته لها وهو يقول بيأسٍ من إندفاعها وطريقتها:
_حبيب قلبي وعيوني وعمري كله كمان، سيبك منهم خالص وروحي سخني الأكل يلا علشان جعان أوي وتقريبًا كدا لو ماكلتش هتعب أكتر، يلا متبوظوش الليلة بقى.
تحركت من بين ذراعيه ثم لثمت وجنته بحركةٍ خاطفة جعلته يطالعها بحنوٍ أبوي وهو يرى صغيرته التي اسماها ورباها وعلمها كل شيءٍ أتى لها اليوم لكي تحتويه هي بنفسها وقد أقترب من أمه يضمها بذراعيه ثم طمئنها بنظراته ولاحظ وقوف “أيـوب” فسأله بتعجبٍ:
_أنتَ لسه هنا؟؟ أنا قولت هتزهق وتمشي.
أنهى جملته تزامنًا مع إقترابه لكي يجاوره وقد أنسحبت أمـه تترك لهما الحُرية فسأله الآخر بإهتمامٍ ترافقه اللهفة الصريحة دون أن يواريها:
_أزهق إيه بس أنا كنت هنزل أدور عليك، طمني حصل إيه وليه أتأخرت كدا؟ وفين “نَـادر” أوعى يكون حصل حاجة بينكم ولا الأمور زادت عن حدها، طمني فيه إيه؟.
في الحقيقة هو لم يعتد أن يُشارك أي شخصٍ في تلك الأشياء التي تحمل صفة الشخصية لكن ثقته في “أيـوب” بالغة لذا أطلق زفيرًا قويًا وبدأ في سرد ما حدث بينهما وحينها تعجب “أيـوب” مما يسمع وقد أنتفض قلبه فزعًا وكأن قلبه البريء لم يستعب أن هناك قسوة في العالم بتلك الطريقة فغمغم مُستغفرًا ربه:
_أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أستغفرك ربي وأتوب إلـيك، ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السُفهاء منا، تجهض ابنها؟ دا ذنب كبير أوي، طب مخافتش من ربنا وهي بترتكب ذنب زي دا؟ الناس في قلوبهم إيه؟ كل دا علشان دُنيا فانية؟ اللهم أحفظنا.
تنهد “يـوسف” ووجد نفسه يتحدث بدون أي حواجز أو فواصل بينه وبين الآخر وهذا ما جعله يتعجب هو بنفسه من نفسه حينما هتف:
_أنا جاي والدنيا مقفلة في وشي ومش عارف أعمل إيـه، جزء جوايا كان عاوز يشمت ويفرح إنه بيشوفه بالكسرة دي وجزء تاني تعبني وأنا شايفه مكسور ومقهور ومش قادر يرفع عينه، حتى بعدما سيبته ومشيت لقيت نفسي برجعله تاني علشان ميبقاش لوحده، مش فاهم أنا بعمل إيه ولا أنا مين ولا أنهي إحساس صح، بس نفسي دماغي تسكت شوية، هتموتني.
هتف حديثه بيأسٍ وهو يعلم أن الأمر لن يُمر، فمع مرور الساعات الأخرى وإنفراده بنفسه ستتفاقم الأصوات بداخلهِ وتزداد قسوتها عليه وحينها سينفجر أو يستغل طاقته في أي شيءٍ بينما “أيـوب” فرفع كفه الأيمن يلتو الرُقية الشرعية على الآخر وهو يمسح فوق رأسه آملًا أن تهدأ من ضجيجها، وحينها أغمض “يـوسف” عينيه باستسلامٍ تامٍ وصوت القرآن الكريم يُزاحم ويستقر بخلده حينما تلاها “أيـوب” بخشوعٍ وحينها ترقرق الدمع في مُقلتي “يـوسف” بدون سببٍ محدد لكن مثله الحياة لم ترأف به..
في نفس التوقيت نزلت “عـهد” تطرق الباب ما إن لمحت سيارته بالأسفل وحينها تحرك هو وفتح الباب لها وما إن رآها ملهوفة عليه بتلك الطريقة ضمها بين ذراعيه يتنفس بحدةٍ بأنفاسٍ لاهثة حتى رفعت ذراعيها تُعانقه هي الأخرى وسألته بنبرةٍ مُلتاعة:
_”يـوسف” طمني عليك أنتَ كويس؟.
لم بجاوبها بل شدد ضمته لها بصمتٍ جعلها تُدرك أنه تعب اليوم ومن المؤكد حالة ضعفه هذه هي وحدها من تملك قدرة التعامل معها، هي وحدها القوية أثناء ضعفه، وقد تحدث قلبه لقلبها يخبرها بصمتٍ:
_هُنا حيثُ هي الدواء لكل داء
ووحدها من يجد في عينيها
الراحة من العناء…
وحدها هي التي تحرره من الأسر
وتجعله يُحلق كما الطير في السماء..
هي وفقط من تملك هدوء العالم
لضجيج رأسه وتُسكت كل المدينة
الغوغاء وتكف في حضورها الضوضاء..
مرت دقائق ولجت هي فيها للداخل تعاون أمه وشقيقته بينما “قـمر” فطلبت من شقيقها أن يبدل ثيابه ثم جلست بجوار “أيـوب” الذي طالعها بحنوٍ ثم أمسك وجهها بين كفيه يطبع قُبلة فوق جبينها وهتف بنبرةٍ عميقة:
_عاوزك تطمني ومتزعليش يا “قـمر” بعدين أخوكِ مش وحش ولا هو ظالم حتى، خوفك عليه أنا فاهمه بس لما يرجع زعلان كدا خليكِ أنتِ معاه تضحكيه وروقيه خليه يقوم يصلي وأدعيله، وخلي عندك ثقة في ربنا إن لو الدنيا دي كلها وقفوا ضدكم فبرضه مش هيعملوا أكتر من اللي ربنا كتبه للعباد، صح؟ يبقى الحمدلله على كل حال.
أبتسمت له بصفاءٍ وسألته بنبرةٍ حائرة حيث ذاك السؤال الذي يلوح في رأسها ويساورها قلقه:
_هو قصاد اللي بيحصل دا كله ممكن حاجة برضه تأذيك وأنتَ مالكش أي ذنب وأنا طالبة معاك تخليك مع “يـوسف” لو حصل حاجة تضرك هتعمـ…
قبل أن تُكمل سؤالها وجدته يضم كفها ويضغط عليه برفقٍ ثم هتف بحنوٍ ورُقي في حديثه كما أعتادت هي أن يُحدثها:
_أنا كلي فداكِ وفداه وروحي فدا روحك، أنا مش هفكر مرتين لو شوفت حاجة بتأذيكِ، هتلاقيني برمي نفسي فيها بس مفيش حاجة تقرب منك ولا عيونك الحلوين دول يزعلوا، أنا مش طبعي الجُبن، وأنتِ فرحتك وراحتك دين في رقبتي لازم أسدده، ولا أنتِ شايفة إيه بقى؟.
توسعت بسمتها وإزداد وجهها إشراقًا، بينما هو شرد في ملامحها مُبتسم الوجه وكأنها حقًا ابنةٍ وليست مجرد زوجةٍ، لم يعلم لما هي تحديدًا التي تملك الصفو في عالمٍ مُعكرٍ وبراءةٍ وسط عالمٍ قاسٍ..
لا يعلم لما هي من جعلت القلب
لها يصفو ويشتهي الهوىٰ،
فسبحانه الخالق حينما شاء له
جعل قلبه فيها هوىٰ،
وكأن الناسك الزاهد فُتِنَ بعدما كان بالبُعد كل السُبل أنتوىٰ، والآن من مجرد غيابٍ عابرٍ قلبه بنيران الشوق اكتوىٰ..
بعد مرور دقائق ألتفوا حول الطاولة يتناولون الطعام سويًا بعدما أصر “يـوسف” وطالب بحضور “مَـي” وابنتها الصغرى وقد أعتذر لهم عن الغياب ثم أجلس الصغيرة على قدميه يناولها الطعام بنفسه فلازالت رؤية الصغار تملك أثرًا عليه خاصةً لو كانت بظروف “وعـد” التي رغم صغر عمرها إلا أنها واجهت الكثير لتؤكد له أن القوة مُتأصلة في تلك العائلة خاصةً حينما أمتد كف زوجته يُمسد فوق كفه أسفل الطاولةِ وهي تُطمئه ثم مالت على أذنه تهتف بنبرةٍ هامسة:
_كل حاجة هتكون كويسة، أنا هنا معاك.
حرك عينيه نحوها بإمتنانٍ ثم أومأ موافقًا وبدأ في تناول طعامه أخيرًا وكذلك البقية رغم توتر الأجواء بعض الشيء لكن يكفي أنهم مع بعضهم في الجوار كأنهم جيشٌ يحمون بعضهم البعض.
__________________________________
<“أشرقت الشمس وتلاشى الظلام ولم تنتهي الأحلام”>
ذات مرةٍ قال أحد الحُكماء أن المرء الصريح مع نفسه لا يُمكن له أن ينجح في خداع الآخرين، فكل شيءٍ دومًا يختبره الإنسان في نفسه ومن ثم ينتقل به للآخرين، فإذا مع ذاتك صدقت فلحت وإذا لها خُنت فدحت..
مع إنشقاع الفجر وظهور خيوط الشمس الأولى كان “مُـحي” يجلس بغرفته مُختليًا بنفسه وتلك الـ “جـنة” لم تنفك بعينيها عن عقله، حتى اليوم وهو في الحفل لم يفعل كما يفعل دومًا ويراقب الفتيات بل أكتفى فقط بتقديم هديته ثم عاد من جديد يقف بعيدًا عن تواجدهن وظل عقله يخضعه لمقارنات غريبة بينها وبين الأخريات ولم يجد لها مثيلًا..
طُرق باب غرفته فتحرك يفتحه بالمفتاح وقد تعجب من تواجد ابن عمه أمامه فسأله بعينيه وحينها تنهد الآخر وهتف بثباتٍ:
_ينفع أدخل؟.
أفسح له “مُـحي” المكان مُرحبًا به ثم أغلق الباب وجلس معه في فوق الأريكة فبادر الآخر بقوله المُضطرب:
_أنا جيت علشان اللي حصل النهاردة دا، البنت شكلها بتحبك على فكرة باين عليها جدًا في كل إنفعالاتها من أول ما شافتك وهي مش مصدقة نفسها، وباين كدا الولد التاني دا بيحبها، أنتَ بقى إيـه؟.
لاحظ “مُـحي” تدخله في الحديث وفيما يخصه فرفع أحد حاجبيه يسأله مستنكرًا بقوله الآلي بعض الشيء:
_دا تطفل ولا جاي بصفة ودية؟.
أحرجه بسؤاله حتى رمقه بتيهٍ فكيف يخبره أن هناك صوتٌ حثه أن يقترب منه ويتحدث معه لعله يكثر تلك الحواجز بينهما وخاصةً أنه أستمع لهذا الصوت بداخله وأنصاع له بينما الآخر فرآها فرصةً لذا هتف بثباتٍ:
_أنا عمومًا معنديش مشكلة أقولك، حتى لو من باب الفضول، بس أنا مش بحبها للآسف، أنا وهي صحاب من بدري من إعدادي كنا في نفس المدرسة مع بعض، بس أنا مش بحب ومش بتاع حُب، الحب دا بالنسبة ليا زي الحرب وأنا يوم ما هحب واحدة هيبقى عندي استعداد أحارب الدنيا كلها علشانها، ولحد دلوقتي مفيش، يبقى إيه؟ أنا مش بتاع حب ولا جواز، ومش معنى إني بطلت سرمحة يبقى أعمل في نفسي كدا وأورط نفسي.
أنبسطت ملامح “مُـنذر” وقرر أن يسترسل مع في الحديث لذا هتف بنبرةٍ هادئة:
_هو حقك طبعًا إنك متورطش نفسك، بس أنا حبيت أديك نصيحة واحدة، لو مش بتحب متوعدش، ولو مش ناوي تكمل طريق للآخر متعشمش صحابه بوجودك فيه، البنت نظرتها ليك النهاردة كانت باينة بس أنا أحترمتك إنك مستغلتهاش، لأن أثر الجروح اللي زي دي في النفس مش بيخف يا “مُـحي” بنفضل نعالج فيها وفي الآخر بتبقى جحيم في نفوس أصحابها، تخيل شخص يعيش حياته كلها مرفوض؟ وخصوصًا من ناس بيحبهم، أكيد مش هيقدر يآمن لحد تاني، فهمت؟.
أومأ له موافقًا وهو يبتسم له ثم سأله بثباتٍ:
_هو أنتَ عمرك حبيت يا “مُـنذر”؟.
باغته بالسؤال الذي جعله يتيبس وجمده محله وحينها هرب من السؤال لأنه لم يعرف الجواب أو بالأحرىٰ هو لم يعرف كيف يحب، فباغته هو بسؤالٍ صبغه بالودية:
_سيبك مني أنا لأني عمري ما أتعاملت مع بشر طبيعيين، أنا راجل طول عمري متربي بنظام عسكري فأكيد مشاعري دي ميتة، أنتَ بقى بما إنك موسوعة وعلى رأيهم برة “كازانوفا” محبيتش خالص؟.
مط “مُـحي” شفتيه وهتف بحيرةٍ خالطها صدقه:
_مهتمتش أسأل نفسي السؤال دا، أصل أنا الحب عندي حاجة كبيرة أوي ماظنش هوصلها أو على الأقل وصلتلها، معني إني أحب يبقى كدا أنا بعلن وقوعي رسمي، بس برضه يمكن أحب، أنا عاوز واحدة كدا تبقى صاحبتي، تطمني وتعرفني يعني إيـه حضن الأم، عاوز واحدة كل ما أشوفها أحس إني مش خايف، عاوز واحدة أحس إن الدنيا من غيرها نار وبوجودها كأني في الجنة.
كان جوابه وافيًا كما بدا صادقًا فضحك له “مُـنذر” وسأله بسخريةٍ:
_ودي فين؟.
أنتبه له وخرج من غُمرة الوله الذي أسرته بداخلها وحرك كتفيه بحيرةٍ يهرب من جوابٍ يخشاه لنفسه وعلى نفسه، وقد قرر أن يبدل الحديث فوقف وهتف بصوتٍ مُضجرٍ من تراهات الحديث:
_ مش عارف، بس يلا ياعم ننزل ندور على حاجة ناكلها تحت أنا جعان، ماجوعتش ولا إيـه؟ يلا معايا وأنا اللي هأكلك.
لاحظ “مُـنذر” أنه يهرب من شيءٍ لكنه سار خلفه نحو الخارج تحديدًا للمطبخ وحينها وقفا سويًا يخترعان معًا بعدة مكوناتٍ، لكن “مُـنذر” استدرك كل شيءٍ وتولى هو زمام الأمور وصنع الطعام له ولابن عمه الذي عاونه كثيرًا ثم جلسا برفقة بعضهما يتناولان الطعام وأطراف الحديث وقد وقف “نَـعيم” يراقبهما بقلبٍ يتراقص بين أضلعه أثناء خروجه للمسجد لأداء فريضة الفجر وحينها ألتمعت أعينه بسعادةٍ جعلته أسير تلك اللحظة خاصةً بعد اصطدامهما سويًا في آخر مرةٍ…
__________________________________
<“الأمل لم يمت، بل هو يحيا تدريجيًا”>
تلك الذكرى السيئة التي سكنت عقلك ماهي إلا سلاح للمقاومةِ لكل فرحٍ قد يقترب منك، والغبي وحده هو من يجعل سلاحًا بهذا الضعف يتحكم في حياته ويقف بالمرصاد أمام ضعفه، فالأفضل لك أن تتحرر من قيود الذِكرى الحزينة وقاومها بأخرى جديدة، فالحياة لازال لديها المزيد وأكثر..
في عيادة الطبيبة النسائية كانت “عـهد” تقف وهي تتذكر كيف رآت كابوسًا في غاية الصعوبة يخصه هو وهي عاجزة عن معاونته، الأمر الذي جعل قلبها يتألم لأجلهِ وهي تعلم أنه تحمل المزيد ولازال يتحمل أكثر ومازال شامخًا بدون ضعفٍ، وقد تابعت الأدوار والتنظيم لعلها تهرب من خوفها عليه..
بينما على درج البناية كانت “نِـهال” تُقدم قدمًا وتؤخر الأخرىٰ خوفًا مما هي مُقبلة عليه، وقد لاحظ ذلك “أيـهم” الذي أوقفها وقام بادارتها لكي تواجهه وهتف بثباتٍ يدعمها ويُلقي بخوفها بعيدًا:
_وربنا أنا مش عاوز غيرك أنتِ معايا، كفاية وجودك جنبي وجنب “إيـاد” رد فينا الروح من تاني، إنما إحنا هنا علشانك أنتِ، علشان تحققي حلمك وتتأكدي إن كل شيء بأمر ربنا، أنا معاكِ أهو ومش عاوزك تخافي من حاجة، تمام؟.
أومأت موافقةً بخوفٍ وقد شحب وجهها ليحاكِ شحوب وجه الأموات ومن ثم ولجت العيادة تتنفس على أعتابها بصعوبةٍ وقد أنزلق كفه يعرف الطريق نحو كفها يدعمها وقد لاحظتهما “عـهد” التي تحركت لهما تهتف بلهفةٍ مُرحبة:
_معادكم بالتمام، الكشف اللي جوة دا دوركم بعده.
أومأ لها “أيـهم” مبتسمًا ثم أشار بعينيه نحو “نِـهال” التي أغمضت عينيها حتى لا تقع عيناها على النساء ذوات الأبطن المنتفخة فتشعر بالألم يُصيب روحها خاصةً إذا كانت الذكرى ترتبط بمرارةٍ تسبب بها الآخرون، وحينها تولت “عـهد” مهمة الحديث بقولها الداعم:
_بصي أنا هنا من ٧ سنين وشوفت حالات كتير أوي بس مفيش حد فيهم يأس من رحمة ربنا عليه، والدكتورة بنت حلال أوي وربنا رزقها بالقبول وجعل الشفا على أيديها وحالات كتير أوي ربنا كرمهم بالخلفة، فأنا عاوزاكِ تتوكلي على الله، وصدقيني اليأس مش حل خالص.
جاوبتها الأخرىٰ بعدما ضاق بها الحال ذرعًا:
_غصب عني يا “عـهد” دول ٣ سنين ضيعتهم لف على الدكاترة والعلاج والحُقن وتحاليل وبرضه نفس الكلام، كنت بتضغط نفسيًا وفي الآخر يتقالي صعب، فأنا والله حتى الأمل مش عندي.
أقتربت منها الأخرى تقبض على كفها وهي تقول بملامح مُنبسطة:
_وإيـه يعني؟ ربنا يكرم في السنة الرابعة أو الخامسة، بس منيأسش ونخاف، بكرة ربنا يفرحك ويراضيكِ ويلا بقى علشان اللي قبلك خرجوا أهم، يلا جهزي نفسك.
بعد مرور دقائق..
جلسا سويًا أمام الطبيبة التي أعتلت البشاشة ملامحها ورحبت بهما بحبورٍ حينما علمت بهوية الزوج وكيف ساعدها والده كثيرًا وهو معه وكم ساهمت تلك العائلة في معاونة الكثيرات من النسوة لأجل علاجهن وتطوير العيادة الطبية، وقد بدأت الحديث معهما والاستفسار من زوجته التي أخبرتها بكل شيءٍ وعرضت عليها كافة التحاليل الطبية السابقة وكل شيءٍ يخص حالتها وقد أخضعتها الطبيبة للكشف التلفزيوني بجهاز “السونار” وقد تنهدت الطبيبة وهتفت بنبرةٍ عملية ذات طابعٍ دبلوماسي بوجهٍ مُبتسمٍ:
_طب أنا مش عاوزاكِ تقلقي خالص، هي مشاكل بسيطة في الهرمونات مع مشاكل تانية بسيطة في المبايض بالعلاج الإنتظام هيتحل إن شاء الله، أهم حاجة الفيتامينات وشوية عصاير وحاجات تزود الحديد برضه هكتبها لحضرتك، أهم حاجة بتشربي مُكيفات كتير؟.
أنتبهت لها “نِـهال” وأومأت موافقةً فأضافت الأخرى بنفس الطابع العملي:
_طب نقلل الشاي وأي منبهات علشان الحديد والأنيميا، عمومًا فيه تحاليل تانية هتعمليها علشان نتأكد من الحالة ومدى التغير اللي حصل خلال السنين دي، أهم حاجة مش عاوزين خوف وتوتر أعصاب ولا تعب نفسي، عاوزين الدنيا تكون هادية بكل سلاسة خالص، والعلاج يكون بإنتظام، وربنا يكرم.
حديثها العملي أغدق قلبها بالطمأنينة وشعرت تجاهها بالراحة لذا تخلت عن توترها وسألتها بإندفاعٍ:
_يعني فيه أمل الموضوع يتم؟.
لاحظ “أيهم” الإحباط الظاهر في نبرتها ورمقها بعاطفةٍ خالصة بينما الطبيبة أبتسمت لها وهتفت بحديثٍ بقيمة الكنز الثمين:
_ربنا سبحانه وتعالى معندهوش مستحيل، والقلب المؤمن بربنا وواثق في رحمته وكرمه مش هييأس، فيه أمل طبعًا طول ما إحنا مسلمين موحدين بالله، سيدنا “يعقوب” كان واثق وكله يقين في ربنا لحد ما ردله سيدنا “يـوسف” وسيدنا “زكريا” دعا ربنا وكرمه بسيدنا “يحيى” رغم إن زوجته عاقر، المشكلة عندك بسيطة متقلقيش، بس خلي أملك في ربنا كبير، وبعدين أظن يعني أنتِ ساكنة في بيت اللهم بارك في أهله، الحج “عبدالقادر” طوب الأرض بيحلف بتربيته، تمام؟.
في الحقيقة هي كما وصفتها “عـهد” هي جميلة ورقيقة وحديثها هاديء وقد شعرت بالأمل يبزغ كما ضوء الفجر من بعد ليلٍ طويلٍ، وحينها أمسك “أيـهم” كفها برسالة دعم صامتة جعلتها تحتويه بعينيها وتمتن له بنظراتها، هذا الذي يُشبه الأبطال في الحرب وهو يحميها ويقف في ظهرها ويدعمها بكل شيءٍ لم تحصل عليه..
__________________________________
<“شتيتان أجتمعا سويًا، وأصبحا كيانًا واحدًا”>
مجرد غريبان يسيران في الطُرقات ثم تلاقت بهما المُفترقات لتصبح السُبل هي نفسها تجمع بينهما، وحينها تظهر الفرحة بالتلاقي خاصةً إن كان كلاهما في إنتظار نصفه الآخر ليُكمل الطريق آمنًا..
وقف “إسماعيل” في مقر عمله الذي يطغى عليه الطابع الأثري والفرعوني ينتظر قدومها حتى ظهرت برفقة “نـور” معها فابتسم ساخرًا من فرط إجتماعيتها وتذكر في لقائهما الأول كيف سخر منها، بينما هي ما إن رآته توسعت ضحكتها أكثر ليبدو وجهها أكثر إشراقًا وقد أقتربت منه تقف أمامه فوجدته يبتسم لها وهتف بثباتٍ:
_اتأخرتي شوية حلوين على فكرة، بس سماح.
هتفت هي بلهفةٍ تفسر سبب تأخيرها:
_والله بالصدفة “نـور” كلمتني وقالت إنها هتيجي هنا قولت نتقابل وهي جابتني بالعربية بتاعتها لحد هنا، أنا أصلًا مخلصة شغل متأخر علشان صحيت ونزلت متأخر، المهم أنا جيبت صورة بدلة كتب الكتاب وجيبا صورة الفستان، ومبسوطة بصراحة.
تحول حديثها إلى الدلال المُفرط حتى رفع حاجبيه وتوسعت بسمته وهو يُضيف بما يُزيد تدللها عليه أكثر:
_براحتك يا مطرقعة، أنا برضه فرحان علشان الطريق بيقرب من طريقك خلاص وهنبقى واحد، وساعتها بقى يا أنا أنتِ بدماغك الناشفة زي الصعايدة دي، هانت كلها أسبوع وهتصرف أنا بقى.
ضيقت جفونها بإرتيابية تستفسر بصمتٍ فوجدت ملامحه تبدلت لأخرى عابثة زارتها لمحة وقاحة حين هتف:
_لما تكبري هقولك، أقعدي بقى دلوقتي.
أنهى جملته ثم سحب المقعد لها بينما هي استقرت جالسةً ولاحظت “نـور” التي ظهر عليها الخوف وهي تتحدث مع “سـراج” الذي زفر بقوةٍ وهتف بإنفعالٍ طفيفٍ وقد نفذ صبره منها:
_أنتِ ليه خايفة؟ أنا معاكِ على فكرة ومش هخلي حد يقرب منك يا “نـور” ولو هي من ضهر راجل توريني نفسها وأنا قدها وقد أتخن تخين في عيلتها، أنتِ بس اللي مبقاش عندك ثقة فيا خلاص.
لاحظت هي الإحباط البادي فوق ملامحه وعتابه المتواري خلف إنفعاله فزفرت هي بقوةٍ ثم هتفت تستجديه بقولها الأقرب للبكاء:
_برضه هترمي عليا الكلام وأنا في الآخر اللي هطلع مش بثق فيك بس أنا خايفة عليك أنتَ ومش عاوزة أخسرك، باباها علاقاته كتيرة أوي وأخوه كمان هو وولاده صعبين، خايفة حد منهم يقرب منك ويجرالك حاجة، علشان كدا قولتلك محدش فيكم كان راح وسيبتوا “نـادر” لوحده يواجهها.
تنهد هو بثقلٍ ثم هتف بوقاحةٍ:
_طُـز فيها هي وعيلتها كلها محدش فيهم فارق معايا أصلًا، أنا اللي يهمني أنتِ ووجودك معايا بس وإن محدش يفكر يأذيكِ، روحي كلها فدا روحك وإنك تكوني بخير، حتى لو التمن أنا كلي على بعضي، وهي خلاص مبقاش عندها حاجة تاني تتعمل، دي واحدة عدت كل المراحل في الفُجر، بعدين قفلي على السيرة دي خلينا نروح نشوف العرسان أهو نستبشر بيهم بدل ما أنتِ منكدة عليا كدا.
لكزته بحقيبتها في كتفه بينما هو دفعها بخفةٍ وسار خلفها حتى وصلا لطاولة “إسماعيل” وبدأت الأحاديث المعتادة بينهم والأغلبية تخص حفل عقد القران والتجهيزات الخاصة به..
في مكان آخرٍ..
كانت “سـمارة” بمطبخ شقتها تقوم بصنع العصير لها ولزوجها وللصغيرة “چـودي” ثم خرجت تمسك الحامل المعدني ووضعته فوق الطاولة ليقع بصرها على “إيـهاب” يجلس وبجانبه “چـودي” تستذكر دروسها لأجل الإختبارات التي شارفت على القدوم وهو يعاونها في حل مسائل الرياضيات وحينها أهتز قلب “سـمارة” لتدرك أنها أمام أبٍ عظيمٍ ستراه بأم عينيها، وقد هالتها ذكرى قديمة جعلتها تبتسم بحنينٍ له ثم جلست على المقعد المُقابل له وهي أسيرة تلك الذكرى..
(منذ عدة سنواتٍ)
كان “إيـهاب” يجلس في الفناء الرملي يُدخن سيجاره بشرودٍ وهو ينتظر قدومها وقد وضع طاولة كبيرة أمامه وفوقها عدة أدوات خاصة باستذكار الدروس، تحديدًا بعد مطلبه لخطبتها حتى تصبح في حمايته وقد ظل في إنتظارها حتى أتت له تهتف بصوتٍ مهتز من هيبته الفارضة نفسها على الجميع:
_خير يا سي “إيـهاب” الست “تحية” قالت إنك عاوزني.
أنتبه لها بعينيه الثاقبتين وطالعها بجمودٍ يواري خلفه سعادته بقدومها ثم ألقى سيجاره وأعتدل في جلسته وهو يُشير إلى المقعد المواجه بصمتٍ فنفذت هي دون حديثٍ لتجده بادر في الحديث مندفعًا بقوله:
_بصي يا “سـمارة” أنا لما طلبت إيدك وقولت إنك في حمايتي عملت كدا علشان من الأول وأنا خصصت نفسي لحمايتك من ساعة ما شوفتك على الطريق، بس أنا مش الشخص اللي يعمل حاجة علشان خاطر حد، قلبي من الآخر جاحد، بس الشهادة لله أنا المرة دي فكرت فيكِ أنتِ ولقيت إن أسلم حل إنك تفضلي معايا هنا.
رفعت عينيها المُرتبكتين له فعدل هو حديثه مُسرعًا:
_أقصد يعني معانا كلنا هنا.
أومأت موافقةً وهي تنبه عقلها إلى وضعها ووضعه فبالطبع لن يقبل هو بفتاةٍ أتت من الشارع مثلها ولملمها من الطُرقات بنفسه، لذا كانت تنهر نفسها عن المشاعر التي تتحرك نحوه بينما هو فقد استعاد جموده مُجددًا ثم أشار نحو الدفتر الورقي الموضوع فوق الطاولةِ وهتف بثباتٍ:
_خلينا في المهم، الست “تـحية” قالتلي إنك مكملتيش علامك، أنا قولت كل يوم هقعد معاكِ ساعتين وأعلمك عربي وحساب، علشان تعرفي تقري وتحسبي ومحدش يضحك عليكِ، كل يوم ساعتين أو أكتر، تمام؟.
أنتفض قلبها من موضعه وشعرت بأشياءٍ أخرىٰ وكأن الفراشات تطوف فوق معدتها وكأنما ربيع عمرها أتى من بعد خريفٍ دمرت عواصفه حياتها، وحينها حركت رأسها موافقةً ولازالت نظراتها مُعلقةً فوق ملامحه التي أقرت هي بوسامتها وصلابتها، وحينها قام بفتح الدفتر وبدأ في كتابة أول الحروف الأبجدية ونطقه أمامها وهي تُكرر خلفه ثم ناولها القلم وعلمها كيف تكتب ومنذ هذا الحين وهي أقسمت أن نعيم المعرفة لم تعهده إلا معه هو..
(عودة لتلك اللحظة)
خرجت من شرودها على صوته يهتف بسخريةٍ:
_إيه يا “سـمارة” تلاتة في واحد اسم ولقب وصفة سرحانة في إيـه؟ تعالي أشربي عصيرك يلا علشان العلاج بتاعك كلها ١٠ دقايق وتاخديه.
أنتبهت له من رحلة شرودها وحينها أبتسمت له بصفاءٍ ثم تحركت تمسك العصير فوجدته يقف بقربها ثم هتف بنبرةٍ خافتة:
_شكلك تعبانة أدخلي نامي، وأنا معاها بذاكرلها أهو.
حركت رأسها نفيًا وأضافت بلهفةٍ:
_أنا عاوزة أقعد أشوفك وأنتَ بتذاكرلها، شكلك حلو أوي.
كان يعلم دومًا أنها عفوية وتلقائية لذا أبتسم لها ثم عاد لسيرته الأولىٰ بجوار الطفلة بينما جلست هي مقابلةً له تُملي عينيها منه ومن تواجده وحينها رفعت كفيها تحاوط بطنها بحنوٍ بالغٍ وهي تمسد فوقها داعية للمولىٰ أن تراه مع صغارهما بتلك الهيئة وتظل مُنعمة هي وهم بقربهِ..
__________________________________
<“صفعات تتوالى فوق الوجه بلا نهاية”>
لكل مقامٍ مقال، فلا تتسرع ولا تتعجل وأنتظر لحين يحين موعد المقال، فرُبما ما تتعجل أنتَ لحضوره تفقد لذة الاستمتاع به، فالأفضل أن تقدم بعض الأشياء بوقتها الصحيح حتى تزداد مُتعتك بها…
في مقر شركة “الراوي”..
كان “يـوسف” في الإجتماع بداخل الغرفة مع الجميع ومعه “عُـدي” الذي كان يستمع لحديث “عـاصم” بغير تركيزٍ بل ظل عقله منشغلًا بتلك التي تجلس في مواجهته ترمقه بين كل حينٍ وآخرٍ ثم تهرب بنظراتها منه، أما “يـوسف” فكان يراقب “شـهد” التي تجلس في مواجهته وهو يتعجب كيف لفرٍ واحدٍ أن يملك هذا القدر من التبجح؟ لقد تعجب من تواجدها هُنا بعد معرفة “نـادر” بما حدث لكنه رجح أن الآخر شخصيته ضعيفة ومن المؤكد تلاعبت عليه حتى صدقها وأذعن لها…
كان ينتظر قدوم شقيقته “قَـمر” التي أعطاها موعدًا لكي يذهب معها وينتقي لها فستانًا لحضور عقد قران أختهما وبالطبع تعاونه لإختيار الخاص بزوجته، وقد أرسل لها سيارته بأحد سائقي الشركة ليحضرها إلى هُنا فلم يبالي كثيرًا بما يدور حوله، ما يهمه فقط هو قدوم شقيقته سالمة.
أنتهى الإجتماع وحاولت “رهـف” التحدث معه لكنه حدجها بخيبة أملٍ مقروءة في عينيهِ ثم تحرك وتركها تعض أصابعها من الندم لتعلم أن إجتماعها به أضحى مستحيلًا.
وقد وصلت “قـمر” التي ترجلت من السيارة بتوترٍ فهي لم تعتاد حياة الترف لتلك الطريقة خاصةً مع قلق “أيـوب” عليها ولم يهدأ إلا حينما حدثه شقيقها وطمئنه أن السائق بعمر والدها وحينها فقط سكت ولولا تكدس يومه لكان تولى هو هذه المُهمة، أما هي فكانت ولازالت بسيطة كما هي وقد وصلت للداخل وقبل أن تنطق معرفةً عن نفسها وجدت موظفة الاستقبال تُرحب بها ثم أشارت لها على الممر وأثناء مرورها من هُنا تفاجئت بـ “شـهد” أمامها تسير بشرودٍ وما إن إلتقطت عيناها الآخرى أقتربت تهتف بعنفوان:
_أنتِ بتعملي هنا إيه؟ وإيه اللي جابك.
رفعت “قـمر” حاجبيها باستنكارٍ وهتفت بسخريةٍ لاذعة بعدما رفعت رأسها بشموخٍ:
_والله فعلًا البجاحة غطت وكفت، شركة بابا يا حبيبتي لو مش واخدة بالك، أنتِ اللي هنا بتعملي إيه أصلًا؟ بأي صفة تيجي هنا وأنتِ يدوبك مرات… تصدقي مفيش صفة برضه؟.
إهانة صريحة من عينيها ومن حديثها استقرت بمركز القلب لدى “شـهد” التي كادت أن تندفع وتأخذ بثأرها منها فأمسكت “قـمر” رُسغها وهتفت بزهوٍ في نفسها:
_عندك بدل ما أمسح بيكِ رُخام الشركة، بعدين إيه وحشك كفي على وشك ومحتاجة واحد تاني؟ معنديش مانع والله، بس علشان شكلك الحلو اللي باين إنك صارفة عليه كتير دا.
أتقدت النيران بقلب غريمتها خاصةً مع خروج جموع الموظفين من الداخل ومن وسطهم “يـوسف” الذي ركض نحو شقيقته وسحبها خلفه فوجد “شـهد” ترفع صوتها أمام الجميع تهتف بإنفعالٍ:
_ياريت يا أستاذ “يـوسف” تفهم أختك إن الشركة مش مكان للمقابلات الشخصية ولا للفسحة، المفروض تقف في مكانها تستنى لحد ما تدخل، وياريت تعرف القواعد هنا.
تدخل “عُـدي” يحدثها بفظاظةٍ وقد قرر أن يخرج غضبه فيها هي خاصةً إذا كان الأمر يختص بـ “قـمر”:
_القواعد دي على أي حد مش على صاحبة المكان يا مدام. “شـهد” شكلك ناسية إنها بنت صاحب الشركة دي ويحقلها تدخل زي ما أنتِ ليكِ عين تقفي هنا وترفعي صوتك وأكتر كمان.
كادت أن ترد لكن هناك صوتٌ أتىٰ أوقفها حينما هدر “نـادر” الذي ولج الشركة لتوهِ يستند على عكازه:
_خلاص يا جماعة، المكان كله تحت أمر “قـمر” واللي تعوزه يحصل، تيجي وقت ما تحب وتمشي وقت ما تحب.
حديثه كان في قمة الغرابة على الجميع وخاصة الأخوين الذين طالعا بعضهما بتعجبٍ بينما حديثه شكل خنجرًا توسط قلب “شـهد” التي رمقته بخوفٍ ما إن وجدته يقترب منها فوجدته يسحبها من رسغها أمام الجميع وهدر فيها من بين أسنانه قائلًا بغضبٍ مكتومٍ:
_أعتذريلها دلوقتي.
توسعت عينا “شـهد” بينما “عـاصم” فنهره بحدةٍ جعلت الآخر يهتف بنبرةٍ جامدة يوقفه عن التدخل بينهما:
_”عـاصم” بيه ياريت متدخلش بيني وبين مراتي، هي غلطت ولازم تتأسف دلوقتي زي ما غلطت فيها قصاد الكل، يا متلومش غير نفسها بقى.
أراد أن يكسر شموخها ويُنكس رأسها ويرد لها الصفعة بأضعافٍ مُضاعفةٍ وقد ألتقت عيناها الخائفتان بعينيه الملتهبتين بنيرانٍ مُوقدة فقررت أن تُكظم غيظه فهتفت من بين أسنانها بصوتٍ مهتزٍ:
_أنا آسفة يا “قـمر”.
رمقها حينها “يـوسف” ببغضٍ صريحٍ وكذلك شقيقته بينما بقية الموظفين وقفوا يتهامسون فيما بينهم بصوتٍ خفيضٍ بينما “نـادر” فقرر أن يستغل هذا الموقف فرفع رأسه يُطالع زوجته وهتف بثباتٍ زائفٍ:
_شاطرة إنك بتسمعي الكلام، كدا أفضل.
تنهد بقوةٍ ثم أضاف بعدما دار بعينيه يراقب الحشد الواقف ثم ثبت عينيه عليها وهتف بوجعٍ نبع من روحه المجروحة بسيف يديها البتار دون شفقةٍ:
_وأنا كمان هكافئك، أنتِ طالق يا “شـهد”.
بالطبع هي مُكافأة من نوعٍ خاص، أراد بها أن يثأر لكرامته المهدورة على يديها ويجرح كبريائها الذي طالما تعالت به عليه وعلى كل من حولها، لا يهمه وجعه الذي أخذ يأني الآن بل ما يهمه حقًا أنه ثأر لنفسه وتسبب في إذلالها أمام الجميع والآن وفقط يرد الصفعة بعشر أمثالها وكل واحدة منهم تضرب في مكانها الصحيح.
______________________

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غوثهم)

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى