رواية غوثهم الفصل العشرون 20 بقلم شمس محمد
رواية غوثهم الجزء العشرون
رواية غوثهم البارت العشرون
رواية غوثهم الحلقة العشرون
“رواية غَـــوثِـهِـمْ”
“الـفصـل الـعــشرون”
“يــا صـبـر أيـوب”
__________________
_إلهي برحمتك الواسعة أرجو أن تدخل السَكينة على قلبي، فبرحمتك أنتَ ولُطفك بحالي ينكشف السوء ويمر المُـر، فمن شفى أيـوب وكشف عن يعقوب الضُـر لن يبخل عن قلبٍ يرجو رحمته، فأنتَ تعلم ومن غيرك يرى قلبي وما به، وأنتَ وحدك من تنير القلوب في السير نحو دربه.
_اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد ﷺ.
________________________
_”فليس كُل من صفيت له قلبه لك قد صفا”
عبارة قوية قالها “الرافعي” تَكشف لكَ أن ليس كل القلوب تحمل لكَ ما تحمله أنتَ لها، لكن قلبي يوم أن بكِ ألتقىٰ تأكد أنه لكِ قد صفا، وعن أخطاء الحياة في حقه قد عفا، وأن المُـر مهما طال سيتناسيه وكأنه عنه قد غفا، إن كان النصيب حكم لنا بالتلاقي، فأنا أتيتُ إلى مكانك وكأنني جسد رخو على سطح المياه قد طفا، فياليت كل ما قابلته لقلبي مثلما صفيت له قد صفا، وياليتكِ تسمعين قلبي وهو يخبرك: بأنه قد عـفا.
ضحكوا على “مُـحي” وبمجرد اختفاء أثره اندلعت النيران بالمكان كما لو أنها حالة حربٍ حتى فزع الشباب وانتفضوا من جلستهم يقفون مع بعضهم وفي وسطهم “نَـعيم” الذي رفع صوته بصراخٍ:
_فــيه إيــه؟؟ إيه ضرب النار دا ؟؟ الرجالة فين؟؟.
هتف “يوسف” بلهفةٍ:
_الخيول….”لــيل”.
انتبهوا لما تفوه به وقبل أن يأخذوا خطوة واحدة تجاه الخيول، وصلهم صرخة مدوية عالية باسم “إيــهاب” لتتجه أبصارهم نحو مصدر الصرخة العالية وماهي سوى “سمارة” التي وقفت تبكي والسكين على عنقها، لتنتابهم حالة القلق والخوف، فصرخت هي ببكاءٍ:
_ابوس إيدك الحقني يا “إيهاب” أنا مليش غيرك، الحقني.
هتف “إيهاب” بنبرةٍ جامدة يهدد الأخر بقوله:
_لو لمست شعرة واحدة منها، يمين بالله لأكون دافنك مكانك.
هتف “فتحي” بنبرةٍ ضاحكة شامتة:
_اتكلم على قدك يا “عَـمهم” مش خدت اللي عاوزه منها، خلاص حلو عليك لحد كدا، سيبلي أنا الباقي.
تدخل “يوسف” يقول بنبرةٍ جامدة وقد فقد أعصابه:
_اتكلم على قدك أنتَ يا روح أمك، أنتَ عارف إنك حتى لو خدشتها بالغلط محدش هنا هيسمي عليك، مش “يوسف الراوي” اللي يسيب أخته لعيل زيك من غير حتى ما يربيك.
ضحك “فتحي” بهيسترية وهو يشدد وضع السكين على عنقها ثم هتف ببرودٍ آثار أعصابهم:
_للأسف مش أنا اللي هعمل، أنا بخوفكم بس.
نظروا لبعضهم بترقبٍ وقبل أن ينطق أيًا منهم، ضحك “فتحي” من جديد ليقطع دهشتهم هذه صوت عيار ناري أصاب هدفه لتتسع الأعين بعدها ويهتف “إيـهاب” صارخًا باسمها:
_”ســمــارة” !!!
تشخصت الأبصار نحوها هي غافلين عن أي شيءٍ أخر ليتأوه “فَـتحي” صارخًا بألمٍ وقد ارتخت مسكته لها لتقع على ركبتيها وقد شعرت بقدميها كالهلام الضعيف فركض لها “إيـهاب” فور استقرار العيار الناري بذراع “فَـتحي” من الخلف من فوهة السلاح الذي امسكه “مُـحي” مُصوبًا عليه ثم التفت يُشهر السلاح في وجه رجال “فَـتحي” هاتفًا بأنفاسٍ لاهثة:
_لو حد فيكم فكر يتحرك خطوة ولا حتى دماغه تلاعبه هكمل عليه وأرميه زي كلاب السكك.
صرخ “فَـتحي” الذي تألم وهو يحاول الضغط على كتفه ليركض كل من “يوسف” و “إسماعيل” نحو الرجال الذي كان عددهم أربع رجال، وانضم لهما “مُـحي” هو الأخر فيما حمل “إيـهاب” زوجته يرفعها نحو جسده هاتفًا اسمها بلوعةٍ وهو يرى جرح عنقها موضع السكين الذي سبق و وُضِعَ فوق عنقها، اقترب منه “نَـعيم” يجلس على عقبيه يقول بنبرةٍ جامدة:
_خدها على شقتك وخليك جنبها لحد ما أجيب دكتور ليها، قوم يلا متنحش كدا هي بخير وحاول تفوقها.
استفاق “إيهاب” بعد حديث “نَـعيم” وحملها على ذراعيه بلهفةٍ يقترب بها من بناية شقته وقد ركضت له “تـحية” تعاونه في هذا بعدما خرجت ورأت المعركة الدائرة بالخارج.
دلف “إيـهاب” البناية بها بخطواتٍ شبه راكضة وقلبه ينبض بخوفٍ عنيف، فلأول مرةٍ يشعر بهذا الخوف منذ عدة سنواتٍ مرت نسى هو بها أنه يخشى على أحدهم، لكن هي الأمر عندها مختلف تمامًا.
في الأسفل اقترب “يوسف” بعينين مُظلمتين وقد انعدمت الرؤية أمامه وفقط كل ما يراه أمامه هو صورتها بالسلاح على عنقها ومحاولة ابتزاز “فتحي” لهم، لذا اقترب من الرجال أمسك أحدهم من تلابيبه ثم صفعه بالقلم على وجهه وأمسك تلابيبه يضربه برأسه، ولكن الأخر لم يكن ضعيفًا لذا رد الضربة لـ “يوسف” في وجهه، وفتح سلاحه الأبيض في محاولةٍ منه لضربه لكن “يوسف” تفاداها حينما أرجع جسده للخلف وقد أحكم قبضته على الأخر ونزع منه السلاح هاتفًا بأنفاسٍ مُتقطعة:
_مبتتفتحش كدا….
سكت يفتح السلاح الأبيض من جديد ثم غرزه في كتف الرجل يهدر من بين أسنانه بغضبٍ تفاقم عن سابقه:
_كدا يا حيلتها …الضرب بيها كدا.
صرخ الرجل ليدفعه “يوسف” أرضًا وانتبه إلى “مُـحي” الذي خنقه أحدهم بكفيه والآخر يحاول الإفلات من يده حتى اقترب “إسماعيل” يضع السلاح في رأس الرجل بعدما تخلص ممن كان بيده:
_سيب وأنا سيب يا ريس.
رفع الرجل كفيه عن عنق “مُـحي” باستسلامٍ ليلتفت برأسه نحو “إسماعيل” الذي ضربه في رأسه بظهر السلاح، وحينها تحرك “يوسف” يتابع “فَتحي” المُلقىٰ أرضًا، يتألم حتى أوشك على فقدان وعيه، ومرر بصره حوله ليجد كلًا من “إسـماعيل” و “مُـحي” يتعاملان مع الرجال، فتنهد بعمقٍ ثم ضرب “فتحي” على وجهه هاتفًا بقسوةٍ:
_قوم يا حيلتها، دا إحنا لسه بنقول يا هادي.
_________________________
في حارة العطار أوقف “أيوب” السيارة أمام بيته ونزل منها بمفردها بعدما أوصل “آيات” إلى منزل “تريز” والدة “بيشوي” تجلس معهما هي والصغير الذي ودَّ زيادة أصدقائه.
نزل من السيارة ودلف البيت فقابلته “وداد” تهتف بلهفةٍ ما إن وقع بصرها عليه يدلف بهدوء:
_ها طمن قلبي، عملت إيه؟؟
ابتسم لها برزانةٍ وهو يسألها:
_أنتِ شايفة إيه؟؟.
جاوبته بعدما تجولت بنظرها في وجهه البشوش وفور رؤيتها لملامحه المُنبسطة هذه، هتفت بصوتٍ غلفته البهجة:
_شايفة إن ان شاء الله كدا قريب هنفرح كلنا، صح؟؟
حرك رأسه موافقًا وهتف مؤكدًا:
_إن شاء الله، ادعيلي بس ربك يكرم وييسرها عليا.
رفعت كفيها تدعو الله بما أن يجمعه بما يريده هو، فيما أوشك هو على التحرك نحو غرفته فأوقفته بلهفةٍ من جديد:
_بقولك صحيح، الأساتذة فوق مستنيينك.
انكمشت المسافة التي بين حاجبيه وردد مستنكرًا:
_اساتذة !! مين دول ؟؟
هتفت بتفسيرٍ تعد على أصابعها:
_الأستاذ “أيـهم” ومعاه الأستاذ “بيشوي” ومعاهم الواد “تَـيام”.
ردد خلفها بمرحٍ ساخرٍ فور نتعها الأخير بهذا اللقب:
_الواد “تَـيام” !! دا إيه الرُتبة الغريبة دي ؟؟
ضحكت على مزاحه وهتفت بخبثٍ:
_شوف الروقان اللي أنتَ فيه دا؟؟ ربنا يديمه عليك.
تنحنح يُجلي حنجرته فسألته تغير الحديث حتى لا تتسبب في المزيد من احراجه وهي تعلم طبيعة شخصه:
_المهم هتطلع ليهم ؟؟ ولا إيه؟؟.
حرك رأسه موافقًا ثم قال بنبرةٍ هادئة وهو يلتفت ليدخل غرفته:
_هصلي الأول ركعتين شكر لله وأطلع لهم، كفاية الذنوب اللي بشيلها في قعدتهم، مش ناقصة هي.
ضحكت على حديثه وسألته بتعجبٍ توقف استكمال حركته:
_هتصلي ركعتين شكر ؟؟ هي دي مش بِدعة يا أستاذ “أيوب” ؟؟
عقد ما بين حاجبيه وردد باستهجانٍ:
_بدعة ؟؟ فين البدعة في صلاة وعبادة لربنا ؟؟
حركت كتفيها كدليلٍ على عدم علمها بالأمر وظهر الخجل على ملامحها وهي تتحدث فيما لا تتأكد من مصداقيته، ليتنهد هو بعمقٍ ثم هتف بنبرةٍ هادئة يوضح لها حقيقة الأمر:
_صلاة الشُّكر ركعتان اثنتان، ويُسنُّ أداؤها نافلةً لله -تعالى- حمدًا له على حدوث النِّعَم أو زوال النِّقم، قال -تعالى-: (وَإِذ تَأَذَّنَ رَبُّكُم لَئِن شَكَرتُم لَأَزيدَنَّكُم وَلَئِن كَفَرتُم إِنَّ عَذابي لَشَديدٌ)،[١] وتجب الطَّهارة في صلاة الشُّكر؛ لأنَّها ليست مجرَّد سجود شكرٍ بل تتضمَّن الدُّعاء وقراءة من القرآن الكريم، وقد أخرج الإمام البخاري -رحمه الله- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاةَ أحَدِكُمْ إذا أحْدَثَ حتَّى يَتَوَضَّأَ).
يعني يا ست “وداد” دي صلاة لربنا عند الثناء والشكر له وليها فضل كبير طبعًا، و ورد إن سيدنا “محمد” ﷺ
كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا جاء الشيءُ يُسرُّ بهِ خرَّ ساجدا شُكْرا لله تعالى
يعني كان بيسجد شكر للمولىٰ عز وجل وقد ورد عن المالكيَّة أنَّه يُستحبُّ أداء صلاةٍ من ركعتين شكراً لله -تعالى- وقد ورد أنَّ صلاة الشُّكر تُصلَّى ثمان ركعاتٍ استنادًا لما فعله رسول الله -صلَّ الله عليه وسلم- يوم فتح مكَّة، وقد ورد أنَّ هذه الصَّلاة هي صلاة الشُّكر والنَّصر، حينما ذهب إلى منزل “أم هاني” وقام بصلاة ثمان ركعات بعد انتصاره وتوفيقه، والله أعلم.
أبتسمت له بتقديرٍ وفخرٍ تلتمع عيناها به وهتفت بفرحةٍ:
_الله يكرمك ويرزقك بكل خير، الله يرحمها والدتك لو كانت موجودة كان زمان قلبها بيرقص من فرحتها بيك، طلعت زي ما كان نفسها وأكتر كمان.
توقف عند ذكرها والدته ولمعت العبرات في عينيه تأثرًا بفقدانها لكن صوتها جال بسمعه في الحال وكأنها تجاوره وقد رفع كفه يمسد موضع قلبه تزامنًا مع بزوغ صوتها كما بزوغ الشمس في إشراقتها:
_بس أنا معاك علطول في قلبك…قلبك الأبيض زي اللبن دا أنا جواه، واللي سكن القلب مهما غاب عن العين، موجود.
مرر كفه على قلبه وهتف بصدقٍ يؤكد حديثها:
_وأنتِ لسه في قلبي زي ما أنتِ.
بعد مرور دقائق كان “أيوب” ساجدًا بعد انتهاء صلاته على سجادة الصلاة وهتف بصدقٍ من قلبه النقي الذي شهد الصفاء له بعينيها وكأنها اقتبست الصفاء الكامن بقلبه:
_اللهم لكَ الحمد كما بنبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مُباركًا فيه.
اعتدل بعدها جالسًا على ركبتيه يتنهد بعمقٍ بعدما سجد لله شكرًا على إكتمال خطوته الأولى، ثم اعتدل واقفًا يخرج من غرفته نحو الأعلى فوجدهم ينتظرونه وبمجرد مرور طيفه وظهور رائحته بالمكان رفعوا صوتهم بتهليلٍ:
_ألف مبروك يا عريس !!.
ضحك لهم واقترب يجلس بجوار شقيقه اللذي سأله باهتمامٍ جليٍ في نبرته ولهفة ملامحه:
_ها طمني يا عم، اتيسرت ؟؟
حرك رأسه موافقًا وهو يبتسم فاحتضنه “أيهم” مُربتًا فوق ظهره وهو يقول بفرحةٍ أعلنت عن نفسها فورًا:
_مبروك يا حبيبي، عقبال الفرحة الكبيرة يا رب.
رد عليه “أيوب” وهو يربت فوق ظهره هو الأخر فاقترب منه “بِيشوي” يعانقه ويبارك له أيضًا ثم “تَـيام” الذي قال بمرحٍ يثير استفزازه:
_ألف مبروك يا شيخنا، المفروض تفكها علينا بقى.
سأله “أيوب” مُتعجبًا مما يقوله:
_افكها عليك إزاي يعني مش فاهم؟؟
غمز الأخر له بعبثٍ يهتف بمرحٍ:
_يعني مكالمة تليفون مرة، رسالة حلوة مرة، احنا بقينا زي بعض حس بيا شوية، أنا بنهار منكم.
فهم “أيوب” مايرمي إليه بحديثه لذا هتف بتهكمٍ:
_آه…قولتلي، أنسى يا حبيبي، اللي ليك عندي بعد الخطوبة مكالمة كل يوم أخر النهار وأنا هسمعها بنفسي، وليك مقابلة كل جمعة في بيتنا هنا وأنا برضه هقف اراقبك، بصراحة أنتَ مش مضمون، ولو فيه أي شيء ضروري سواء في العفش أو الشقة تعرفني وأنا هقولها عليه وأرد عليك بنفسي.
حرك “تَـيام” كتفيه وبسط كفيه أمامه ينطق بسخريةٍ:
_طب ما ألبسك أنتَ الدبلة أسهل وخلاص، ليه نتعب البنت معانا، طالما هاخد رأيك في كل حاجة.
ارتفع صوت ضحكات الأخريْن فيما رفع “أيوب” حاجبيه بشرٍ جعل الأخر يخضع له بقوله مُذعنًا:
_اللي تشوفه يا “أيوب” مش هكسر كلمتك.
_شاطر يا حبيبي، دا لمصلحتك قبلي.
اقترب “بيشوي” من “تَـيام” يهمس له بقوله:
_دا لو عرف إنك بعتلها Add على الفيسبوك مش بعيد يبلكك من حارة العطار كلها.
هتف “تَـيام” بنفس الهمس قائلًا ونظره مُثبتًا فوق “أيوب”:
_أومال لو عرف اني بعملها ريأكتات على كل حاجة بتنزلها هيعمل فيا إيه؟؟.
سأله الأخر بملامح ساخرة:
_المهم أخدت من عندها أي حاجة Share “مشاركة” ؟؟.
رد عليه بلهفةٍ قاطعة وكأن الأمر يشكل خطورة عارمة:
_لأ يا عم استغفر الله العظيم، احنا فين هنا ؟؟.
كتم كلاهما ضحكته حتى لا يفتضح أمرهما خاصةً و “أيوب” يراقبهما وكأنه ينتظر أي خطأ منهما ليقوم ويبدأ بالقاء دروسه عليهما كعادته.
_______________________
“في منطقة نزلة السمان”
دلف الطبيب شقة “إيـهاب” الذي انتظره بقلبٍ يتأكل من فرط القلق على عكس ما يصدره لهم من ثباتٍ وقوة، لكن في الحقيقة ودَّ احتضانها والبكاء بخوفٍ عليها ضاربًا بأمر هيبته وهيمنته عرض الحائط، لكنه تريث وظل يتابعها بنظره وهي تمدد جسدها على الفراش.
دلف الطبيب واقترب من موضع تواجدها فاقترب “إيـهاب” هو الأخر تلقائيًا يجاوره في الوقوف وهو يتابعه بعينيه دون أن يحيد بصره عنها وعن يد الطبيب الذي بدأ في وضع السماعة الطبية والكشف عليها، ثم بقياس الضغط في دمها، وراقب جرح عنقها، ثم التفت يُطمئنه بقوله:
_مفيش أي قلق، دي بس حاجة بسيطة من الخضة وتقريبًا زي ما الحج قالي إن حد كان مهددها، هي كويسة وكلها شوية وقت تفوق وتبقى زي الفل، وجرح رقبتها الحمد لله سطحي مش مستاهل قلق، يتطهر بس كويس وتحط مرهم وكله هيبقى تمام.
حرك “إيـهاب” رأسه موافقًا وهو يتابعها بعينيه فوجد الطبيب يفتح حقيبته يُخرج منها المحلول الطبي فسأله بلهفةٍ حتى بدت نبرته خشنة بغير قصد:
_إيه دا يا دكتور ؟؟ بتعمل إيه ؟؟
رد عليه مُعقبًا بحيرةٍ من اندفاعه بهذه الطريقة:
_هعلقلها محاليل، هي أكيد محتاجة ليها.
تذكر “إيـهاب” أمر ذعرها من هذه الإبرة وانهيارها فور رؤيتها بسبب ماضٍ يعمله هو جيدًا، لذا هتف بعدما تنهد بعمقٍ:
_بلاش منها، مش دا بدل الاكل والشرب ؟؟.
هز الطبيب رأسه موافقًا فهتف هو بثباتٍ:
_أنا هأكلها لما تصحى وأشربها كمان، بس بلاش المحلول علشان هي بتتعب منه الإبرة والكلونة دي، متشكر يا دكتور.
تحرك الطبيب بعدما وافقه على حديثه ثم مد يده له بالروشتة الطبيبة التي دون بها اسم الكريم الطبي لجرح عنقها، ومعه أيضًا مضاد حيوي، بينما انتظر “إيـهاب” خروجه ثم جذب المقعد يجلس بجوار الفراش يضم ذراعيه أمام صدره يراقب نومها وسكونها _الغير معتاد_ فهو اعتاد على ثرثرتها وحديثها ووقاحتها معه، ابتسم بسخريةٍ وهتف بنبرةٍ مسموعة على الرغم من حزنه عليها:
_أدي أخرة فصالك مع أم “جنى” كنتي هتضيعي مني.
________________________
في الأسفل نزل الطبيب وتوجه لحوش البيت فوجدهم يقفون بلهفةٍ باديةً على ملامحهم وسأله “نَـعيم” بلهفةٍ:
_طمنا يا دكتور ؟؟ كويسة ؟؟
حرك رأسه موافقًا وهتف بابتسامةٍ لعلها تبعث في قلوبهم الهدوء بعد فرط التوتر الذي ساد في الأجواء:
_اتطمن يا حج، بخير الحمد لله، وكلها كام ساعة بالكتير وتفوق وتبقى زي الفل، وبالنسبة للجرح دا بسيط الحمد لله، ربنا يطمنكم عليها إن شاء الله، تؤمرني بحاجة تانية؟؟
رد عليه “يوسف” بثباتٍ:
_فيه واحد عاوزينك تطلع منه الطلقة، والله لو طلعت يبقى خير وبركة، مطلعتش يبقى نصيبه وقدره.
انتبه له الطبيب فأشار له “يوسف” بالسير معه مُضيفًا بلامبالاةٍ:
_اتفضل معايا، شوف يستاهل تتعب نفسك ولا لأ.
بعد مرور دقائق دلفت “تَـحية” الشقة تنادي عليهما حتى رفع “إيهاب” صوته يخبرها بالإتيان لهما فدلفت في يدها صينية طعام وقالت بنبرةٍ مُنهكة حزينة:
_دا أكل علشانها لما تفوق، يا حبة عيني مكالتش النهاردة وقالتلي أنها هتاكل معاك في شقتها، منه لله “فتحي” الزفت، مش عارف يسيبها في حالها تتهنى وهي يا حبة عيني ملهاش حد غيرك، ربنا يخليكم لبعض يابني.
ضُربت أسنانه ببعضهما من فرط ضغطه عليهما حينما تذكر ما مر منذ قليل ثم انتفض واقفًا يقول بإصرارٍ وعينيه ثابتتين في الفراغ بقسوةٍ:
_معلش يا ست “تَـحية” خليكي هنا معاها، هنزل تحت ضروري، متسيبيهاش غير لما أجيلك.
حركت رأسها موافقةً فوجدته يقترب من خزانته يفتحها ثم أخذ منها شيئًا لم تلتقطه عيناها، لذا تحرك هو بخطواتٍ واسعة لتتنهد هي بعمقٍ ثم جلست بقرب “سمارة” على الفراش تربت على رأسها وهي تمصمص شفتيها بشفقةٍ على هذه الفتاة الذي كُتِبَ عليها الشقاء منذ ولادتها.
نزل “إيهاب” بغضبٍ تفاقم عن ذي قبل وكأن حديث المرأة أعاد له ما فر من ذهنه ليعود له من جديد يذكره أنه حاميها الأول والأخير وأنه أعلن نفسه جيشها الوحيد، وحينما مر بالقرب من مكان جلوسهما قبل قليل حضر بذهنه حديثها وهي تقول:
_ليا مين غيرك علشان أخاف عليه؟؟ مليش غيرك أنتَ كل حاجة ليا في الدنيا، أب وأخ وصاحب وجوزي وعزوتي، أنا حطيت فيك دنيتي كلها يا سي “إيـهاب” ومعنديش استعداد أقف أشوف نفسي بخسرك حتى لو بتتوجع.
تنهد بثقلٍ ثم اقترب من اسطبل الخيول على الفور وهو يعلم الرجال هناك، لذا خبأ سلاحه خلف ظهره ثم دلف بغضبٍ لو أتيحت له الفرصة لقام بقلب المكان رأسًا على عقبٍ، دلف مرفوع الرأس فوجد الطبيب يخرج الطلقة من جسد “فتحي” الذي أخذ يتأوه بألمٍ انتشى له جسد “إيهاب” بانتصارٍ ثم جاور الطبيب يطالع الأخر من عليته ناطقًا بجمودٍ:
_ملوش لازمة تخرجها يا دكتور، كدا كدا أختها هتدخلها دلوقتي.
نظر له الطبيب مُستنكرًا فاقترب منه “يوسف” يقول بنبرةٍ مُحذرة وقد فهم ما يفكر به الأخر من خلال نظرته:
_عمهم !! أهدا وأصبر على رزقك، هتضيع نفسك علشان *** زي دا ؟؟ أركز يا “إيـهاب”.
هتف “إيهاب” بثباتٍ دون أن يحيد ببصره عن “فتحي”:
_أنا راكز أهو يابا شايفني بتنطط قصادك؟؟ بس أنا هجيب حقي البايت عنده، علشان من أبو أخر كدا حقي مبيباتش برة.
فور إنتهاء جملته أخرج سلاحه وشد أجزاءه ليصبح على أهبة الاستعداد في إطلاق النار حتى صد “يوسف” عليه مجال وجود الأخر وهو يقول مُهدئًا له:
_اهدا، لو موته هتبقى بتريحه، اللي زي دا مينفعش يرتاح، لازم يتذل الأول، لو عاوز تاخد حق مراتك اللي هي أختي ومش هفرط في حقها مينفعش تعمل كدا، فكر فيها هي، ملهاش غيرك.
انتفخت أوداج “إيهاب” بغضبٍ وهتف بنبرةٍ أقرب للصراخ:
_وابن ****** دا عارف إنها ملهاش غيره وفضل يفرك وكل مرة تكون معايا ييجي زي الحية من تحت التِبن، خلاص فاض بيا ومش هصبر كتير عليه، لو حافظ الشهادة قــولــهــا يــالا.
صرخ بصوته فتأهب جسد “يوسف” وكذلك الطبيب الذي التزم الصمت تمامًا، فأي حديثٍ يُقال في مثل هذا الموقف؟؟ قبل أن يرفع “إيهاب” كفه نحو رأس “فتحي” أوقفه “نَـعيم” ناطقًا بنبرةٍ جامدة يردع حركته هذه:
_”إيـــهاب” !!
التفت له بنظراتٍ جامدة خاوية وكأن الرؤية قد انعدمت عنه، ليضيف “نَـعيم” من جديد بنفس الجمود:
_لو فاكر إن حق مراتك هيضيع تبقى غلطان، مش أنا اللي اسيب حق اللي ليا، نزل سلاحك ومتضيعش نفسك علشان عِرة زي دا.
تنهد “إيـهاب” بعمقٍ وقبل أن يخفض كفه باستسلامٍ رفعه من جديد يُطلق العيار الناري فوق رأس “فَـتحي” ولم يفصل بينه وبين الطلقة سوى عدة انشات بسيطة جعلت”فتحي” يخر راكعًا من فرط لهفته على نجاته حيًا من هذا العيار، ليقترب منه “إيهاب” متشفيًا بنظراته وأكملها بقوله شامتًا:
_المثل بيقولك العيار اللي ميصبش؛ يدوش وكفاية عليا أوي إنك تتذل كدا ولسه هذلك تاني وطول مافيا النفس وأنا حيِّ يبقى هتتذل أكتر وأكتر.
أشار للطبيب بجمودٍ هاتفًا بعدما رأى ذعر الأخر منه:
_كمل اللي كنت بتعمله علشان عاوزه فيه النفس.
اعتدل بعدها خارجًا من المكان بنفس الشموخ وقد عقبه في سيره الشباب ومعهم “نَـعيم” أيضًا الذي أطمئن على رجاله وقد وجد العديد منهم مُصابًا وكأن كل شيءٍ سبق وخُطِطَ له، لذا وقف يقول لأحد رجاله بنبرةٍ قوية يهدر بها:
_بكرة الصبح، تروح حي الإباجية تجمعلي كبارها كلهم وتجيب الحج “سنوسي” تاجر الخُردة، قبل الضهر يكونوا عندي هنا، فاهم يا “دوشة” ؟؟
هتف بتأكيدٍ لأومراه واجبة التنفيذ:
_طلباتك أوامر يا حج، عن إذنك هروح أشوف الرجالة.
تحرك الشاب فالتفت “نَـعيم” إلى “إيهاب” الذي وقف يدخن سيجارته بشراهةٍ حتى اقترب منهم “مُـحي” يقول بنبرةٍ هادئة بعدما أخذ المعلومات التي يريدها من البقية:
_العيال دول جايين تبع “فتحي” بيشتغلوا هجامين على الطُرق والبيوت، بس أساسًا شغالين على فرشة هدوم شباب على الطريق، واحد منهم هو اللي قال.
انتبهوا له، فتحرك نحوه “إيـهاب” يضع يده على كتفه يضغط عليه وهو يقول:
_عيشت يا أبو الرجولة، جِميلك دا على راسي من فوق.
هتف “مُـحي” بزهوٍ في نفسه:
_تربيتك يا “عـمهم” بعدين من يوم ماهي دخلت هنا وأنتَ قولت إنها تخصك وعنينا كلنا عميت عنها وبقت أختنا، هسيب أختي لواحد زي دا ؟؟ المهم بس أول عيل ليك يبقى على اسمي.
تهجمت ملامح “إيـهاب” وهتف مُستخفًا به:
_لأ يا عم يفتح الله، هي ناقصة، بعدين على ما يكبر ويبقى من عينتك دي، مش هيلاقي حريم، هيلاقيك خلصت عليهم.
ابتسم له “مُـحي” فعانقه “إيهاب” يعبر عن امتنانه له بدون أن يضيف أي كلماتٍ، ليبتسم “مُـحي” ثم هتف بنبرةٍ هادئة وكأنه فهم سبب العناق قائلًا:
_أنا معملتش غير الواجب يا “إيهاب”.
أبتسم “نَـعيم” بخفةٍ ثم نطق بنبرةٍ جامدة:
_يلا اطلعوا البيت ريحوا كلكم علشان الصبح تكونوا معايا، وأنتَ يا “إيـهاب” على بيتك علشان مراتك متصحاش خايفة.
حرك رأسه موافقًا فهتف “يوسف” بثباتٍ:
_طب همشي أنا بقى علشان أعرف أريح وأجي الصبح.
أوقفه “نَـعيم” قائلًا بنبرةٍ جامدة:
_استنى هنا !! محدش فيكم هيخرج من البيت الليلة دي غير لما اتطمن أن المنطقة كلها بخير، إيه يضمنلي إن محدش مستني واحد فيكم برة ؟؟ من هنا لبكرة الصبح محدش خارج من البيت، يلا اطلع ريح فوق.
هتف “يوسف” بلهفةٍ قاطعة يزيل قلقه:
_يا حج احنا مش عيال، احنا بخير أهو، بعدين متنساش أنا مش لوحدي وفيه واحدة ملزومة مني ومش هأمن أسيبها.
ضرب “نَـعيم” بعصاه أرضًا وهتف بنبرةٍ عالية تخرج جام غضبه المشتغل بداخله ولم يقو على إخراجه:
_وأنا قولت مفيش خروج من هنا غير بكرة الصبح، خلاص مبقاش ليا كلمة تتسمع؟؟ كبرتوا عليا كلكم ؟؟
تنحنح “يوسف” يُجلي حنجرته ثم هتف بخجلٍ:
_لا عاش ولا كان يا حج اللي يقلل بيك، حاضر بس الأول اتصل بالحج “عبدالقادر” يحاول يطمني أو يخلي باله منها لحد ما أرجع.
حرك رأسه موافقًا ثم أشاح برأسه للجهةِ الأخرى وكأن زر التحكم في أعصابه قد فلت تحكمه ليجد نفسه على حافة الإنفجار بهذا الشكل لكنه آثر الثبات لحين حل تلك المشكلة.
أخرج “يوسف” رقم “عبدالقادر” الذي سبق وسجله على هاتفه، فجاوبه الأخر بدون أن يتعرف على هوية المتصل ليصله صوت “يوسف” يهتف بترددٍ:
_أنا “يوسف الراوي” يا حج.
رد عليه “عبدالقادر” بلهفةٍ من اتصاله به في هذا التوقيت:
_أهلًا يابني خير فيه حاجة؟؟ اؤمر.
تنحنح يُجلي حنجرته من جديد وقد زاد تردده عن سالفه يحاول إيجاد طريقة يطلب بها مساعدته، لكن صمته طال فهتف الأخر باسمه يجذب نظره من جديد، حينها قال “يوسف” يُلقي بحديثه دفعةً واحدة:
_أنا للأسف مضطر أبات برة البيت، حصل ظرف ومش هينفع أرجع الليلة دي، بس “فاتن” في البيت لوحدها، ممكن بس حد يخلي باله منها، هي لوحدها أنا ممكن مأمنش عليها يحصلها حاجة، وتتعبني أنا
ابتسم “عبدالقادر” وهو يرى خصال والده تظهر عليه حتى وإن كابر ورسم على نفسه ما يُخالف هذا، فهتف بنبرةٍ بها أثر انتصاره الغير مُبرر:
_طب كويس جينات أبوك موجودة أهيه وخايف على عمتك.
هتف “يوسف” بنبرةٍ جامدة يُبدد ظنونه _الغير مُحببة_ لديه ويجاهد لإصدار عكسها:
_أنا مش خايف على حد ولا حاجة، أنا خايف بس لأنها مسئوليتي أنا في الأخر، إنما كدا كدا قلبي مش هامه حد.
هتف “عبدالقادر” بحنكةٍ تليق بشخصه:
_ياعم براحتك خلاص، كدا كدا اللي يهمك بخير.
أغلق في وجهه دون انتظار ردٍ منه مما جعل “يوسف” يعقد حاجبيه لكنه لم يهتم كثيرًا لذا وضع الهاتف في جيبه ثم تحرك لداخل البيت بخطواتٍ مُنهكة أظهرت تعبه.
دلف “إيهاب” شقته بلهفةٍ فوجدها لازالت غافية كما تركها وبجوارها تضع “تحية” رأسها على طرف الفراش، هتف بنبرةٍ هادئة مبحوحة من فرط انفعاله بالأسفل:
_ست “تَـحية”….. ست “تَـحية” !!
انتبهت له المرأة فرفعت نفسها تفرك عينيها وقد فاجئها الضوء الساطع، فقال هو بنبرةٍ رخيمة يشكرها:
_كتر خيرك يا ست الكل، انزلي ريحي يلا، ولا أدخلي الأوضة التانية ريحي فيها حبة بدل ما تنزلي دلوقتي.
هتفت هي بنبرةٍ ناعسة وقد وقفت من موضعها:
_لأ يابني مش هعرف أنام هنا، أنا بس فضلت اطبطب عليها لحد ما نمت جنبها، هروح بقى علشان أقفل البيت هناك، ألف سلامة عليها يا ضنايا، ربنا يابني يبعد عنكم الشر.
حرك رأسه موافقًا ينظر في أثرها حتى خرجت من الشقة، فتحرك هو بجوار زوجته يقبل رأسها ثم خلع قميصه وتمدد بجوارها يضمها إليه هاتفًا بقلة حيلة:
_حقك عليا أنا من الدنيا كلها، والله مش بأيدي إن كل دا يحصلك، أنتِ طيبة وغلبانة ودا نصيبك وأنا زيي زيك طيب وغلبان بس الحلو بقى إنك نصيبي.
وصله همهماتها وكأنها ترد عليه أو لربما تحلم به أو كأنما خالط صوته نومها الهاديء، فابتسم هو رغمًا عنه وهتف يمازحها قائلًا:
_طب وربنا حاسس إنك بتقولي متتأخرش عليا يا سي “إيـهـاب”.
ابتسم من جديد بيأسٍ ثم شدد ضمته لها بحمايةٍ لعلها تشعر ببعض الأمان المفقود منها بسبب ما عايشته في هذه الليلة العصيبة، فبالرغم من طريقتها واندفاعها الدائم وجرأتها في الكلام؛ إلا أنها ضعيفة كما جناح الطير المكسور.
______________________
في شقة “تريز” كانت تجلس “آيات” بجوار “ڤيولا” وهي تسرد عليهن المقابلة بكافة تفاصيلها وهتفت بمرحٍ:
_البنت رقيقة أوي وجميلة وتحسي بقبول غريب في ملامحها، ممكن تكون عادية ولبسها عادي مش ملتزم، بس بصراحة يعني هي جميلة وكلها ذوق.
هتفت “تريز” بنبرةٍ متفائلة وهي تتمنى إتمام الزيجة:
_”أيوب” غلبان يا حبة عيني وميستاهلش واحدة تتعبه، الله يرحمها “رقية” كانت بتخاف عليه من نسمة الهوا اكمنه يعيني طول عمره قلبه أبيض ومبيحبش يزعل حد، ربنا يفرحه بحق بكل الأيام اللي شافها صعبة، مشافش شوية برضه.
تنهدت “آيات” وهتفت بتأثرٍ تعبر عن خوفها:
_عارفة يا طنط، ساعات كتير بخاف يطلع نصيبه زي “أيـهم”، بتمنى “أيوب” يكون نصيبه أحسن، و “أيهم” ربنا يقدره ويعوض إبنه، أخواتي طيبين أوي والله.
هتفت “ڤيولا” بحبٍ لها:
_صدقيني يابت محدش طيب غيرك، ربنا يكرمك ويعوضك أنتِ كمان، سمعت إن علاء الدين بتاع الحارة اتقدملك.
ابتسمت بخجلٍ فهتفت “تريز” باستنكارٍ لهذا الاسم:
_مين “علاء الدين” ؟؟ هي الحارة فيها حد اسمه كدا؟؟
هتفت “ڤيولا” بضحكةٍ واسعة:
_”تَـيام” يا ماما ابن طنط “نجلاء”، ماهو شهرته كدا من صغره، والاسم لايق عليه والله.
ضحكت “آيات” فور تذكرها سبب التسمية، فسألت الأخرى تستفسر منهما أكثر عن سبب اللقب المُلقب به الأخر:
_وليه يعني ؟؟ من قلة الاسماء؟؟
هتفت “ڤيولا” بتفسيرٍ مرح:
_أصله كان غاوي ينط من جنينة البيت ومعاه الحمام اللي كان بيربيه، الحارة كلها عارفة أنه كان بينط الجنينة من صغره حتى الحج نفسه، لما عرفوا إنه بيعاكس “آيات” طلعوا عليه الاسم دا، على أساس يعني أنها بنت الحج وهو العيل الشقي، بس دا كلام في سرك بقى.
هتفت “تريز” بنبرةٍ ضاحكة:
_يا خيبتك التقيلة يابن “نجلاء”، اتاريك من يومك شقي والحارة كلها شاهدة عليك، طب صبرك عليا.
همت “آيات” بالوقوف قائلةً:
_طب همشي أنا بقى علشان اتأخرت أوي و خايفة ملحقش أصلي وأنام، هاخد “إياد” ونمشي.
حركت الفتاة رأسها موافقةً فيما نطقت “تريز” بلهفةٍ:
_ما تقعدي نسهر شوية، هو إحنا ورانا حاجة؟؟
ردت عليها باعتذارٍ:
_والله اتأخرت أوي كمان عاوزة أروح علشان طنط “وداد” لوحدها من الصبح، هروح أشوفها أكيد ماخدتش علاجها.
تحركت معها “تريز” نحو الباب فيما دلفت “ڤيولا” تجلب “إياد” من الداخل ليذهب مع عمته، وعند خروجه لها أمسكت كفه فصدح صوت “تريز” تقول بمرحٍ:
_باركيلي للواد “أيوب” قوليله خالتك هتيجي تباركلك بس لما تاخد الموضوع رسمي، ولو ماخدنيش معاه هفضحه.
وقفت “آيات” بجوار المصعد تقول بلطفٍ:
_منقدرش، عاوزة “رقية” تيجي في الأحلام تعاتبنا؟ مكانتش بتتحمل زعلك أبدًا.
لمعت العبرات في عينيها عند ذكر رفيقتها، بينما في الشقة المقابلة لهم كانت “جـنة” تراقبهن من خلف الباب من خلال العين السحرية الموجودة بالباب، وعند استماعها للحوار الدائر شعرت بقبضة حادة في قلبها، كيف أن يذهب لغيرها بعدما حاولت بكل طاقتها لأجل الحصول عليه؟ لمعت العبرات الحزينة في عينيها وركضت نحو غرفتها تبكي بحرقةٍ وكأنه قد خذلها أو تلاعب بها، على الرغم من براءته في أي فعل يلتصق به أو تهمة توجه إليه.
ارتمت “جَـنة” على الفراش تكتم شهقتها وهي ترى من أحبته يختار أخرى غيرها وكأنه يخبرها أنها أحق منها فيه.
_______________________
جلست “عهد” بجوار شقيقتها الصغرى تقوم بعمل جديلتين لها في رأسها بدايةً من مقدمة رأسها حتى نهاية الأطراف كما تفضلها شقيقتها، هتفت بمرحٍ بعدما أنهت ما تفعله:
_يلا يا “وَعودة” عملتهالك وصوابعي ورمت، الله يسامحك.
التفتت لها شقيقتها تقول بنبرةٍ ضاحكة:
_عادي، فدايا فيها إيه يعني ؟؟
ضحكت لها “عهد” ثم قبلت وجنتيها كلٍ منهما على حِدة وهتفت بتأكيدٍ وإصرارٍ:
_الدنيا كلها فداكي، بس كدا ؟؟
التفتت لها الصغيرة تقول بنبرةٍ حزينة:
_”عهد” هي السماعة التانية هتتعمل إمتى ؟؟.
تنهدت شقيقتها بثقلٍ وهتفت بتأكيدٍ تحاول ادخال المرح على حديثها:
_على وصول ادعيلها أنتِ بس، مالك مستعجلة ليه؟؟
هتفت بحزنٍ حينما تذكرت تنمر الأطفال عليها وكذلك بعض الكبار الذي يمعنون النظر في وجهها:
_علشان كل شوية حد يقولي أنتِ سامعة ؟؟ أنتِ سامعة؟؟ إيه دا هي بتشتغل بالشحن؟؟ زهقت.
هتفتها الصغيرة بحنقٍ بسبب السماعة الطبية التي ترتديها، فتنهدت شقيقتها بعمقٍ ثم ضمتها إليها تقول بنبرةٍ هادئة تحاول تأكيدها على الوفاء بوعدها:
_حقك عليا منهم، دول مش فاهمين حاجة، بس وعد مني هكلم الدكتورة أقولها تعمل السماعة التانية علشان محدش يزعلك تاني، تمام كدا ؟؟
حركت رأسها موافقةً ثم استقرت بين ذراعي شقيقتها فأتت لهما والدتهما من الداخل تتحدث في الهاتف بتوترٍ قائلة:
_لأ يا حج ولا يهمك متقلقش، مفيش إزعاج ولا حاجة، ميجيش من بعد خيرك علينا، حاضر هتطمن عليها وأطمنك.
أغلقت الهاتف معه فسألتها “عهد” باهتمامٍ ظهر لها من حديثها في الهاتف:
_حج مين يا ماما ؟؟ فيه حاجة؟؟
ردت عليها “مَـي” بحيرةٍ من تلك المكالمة:
_والله يابنتي ما أنا عارفة، دا الحج “عبدالقادر” بيقولي قريبته ساكنة تحت بس هي لوحدها وبيقولي أقولها إن “يوسف” من جاي الليلة دي، مش عارفة بس هنزلها وخلاص.
حركت رأسها موافقةً بتفهمٍ ثم قالت تقترح على والدتها:
_طب بقولك إيه، خدي ليها حتة عنب ولا حاجة من التلاجة أو أي حاجة حلوة يعني بدل ما تروحي بإيدك فاضية كدا
تنهدت “مَـي” بعمقٍ وهتفت بقلة حيلة تجاري ابنتها:
_حاضر يا أستاذة “عـهد” طول عمر إيدك فرطة زي اللي خلفك ياختي.
أخرجت لسانها بقلة حيلة تستخف بالأمر لتتحرك والدتها من الشقة نحو شقة “يوسف” بعدما اخذت طبقًا صغيرًا به ثمرات فاكهة كما اقترحت ابنتها، وبعد مرور أقل من دقيقة زمنية وقفت أمام بابها تضرب الجرس بيدها حتى اقتربت “فاتن” من الداخل تسأل بصوتٍ مهتزٍ خوفها بسبب خوفها من الجلوس بمفردها:
_مـيـن ؟!!.
هتفت “مَـي” تعرف نفسها بقولها:
_أنا يا مدام، جارتك ومن طرف الحج “عبدالقادر”.
تنهدت “فاتن” وما إن سمعت اسمه يُذكر فتحت الباب وكأنها تؤكد لنفسها أنه لن يتسبب في إيذائها، فابتسمت لها المرأة وهي تقول بنبرةٍ هادئة:
_أنا آسفة أني جيتلك متأخر كدا من غير ميعاد، بس أنا جاية اطمنك وأقولك إن “يوسف” بخير بس مش هينفع يجي هنا الليلة دي، و الحج بيقولك لو تليفونك مقفول افتحيه أحسن علشان “يوسف” يعرف يكلمك.
حركت رأسها موافقةً فقدمت لها الطبق وهي تقول بخجلٍ طفيفٍ مما وضع به:
_دي بقى حاجة بسيطة تتسلي فيها، ولو مخنوقة لوحدك أنا وبناتي مش معانا حد، تعالي اقعدي معانا، كدا كدا إحنا بنسهر كلنا.
هتفت بترددٍ وهي تطالعها بحيرةٍ فهي حقًا ملت من الجلوس بمفردها ومن السكون المُخيم على المكان، لذا هتفت بخجلٍ:
_بصراحة أنا خايفة من الهدوء دا، الشقة فاضية أوي ومفيهاش صوت خالص، مهما كان برضه “يوسف” هنا بياخد بحسي.
تحدثت “مَـي” بلهفةٍ تعاتبها بقولها:
_ليه بس كدا ؟؟ تعالي اقعدي معانا إن شاء الله حتى تباتي، بدل ما القعدة لوحدك كدا، تعالي بس بالله عليكي.
حركت رأسها موافقةً ثم أخذت المفتاح من الحامل الموضوع بجوار باب الشقة ثم خطفت حجابها الأسود تلقيه عليها وهاتفها أيضًا وكأنها وجدت نجدتها وليس مجرد جارة لها، بينما الأخرى ابتسمت لها ثم أخذتها نحو شقتها تجلس معها بصحبة فتياتها.
دلفت “فاتن” معها وفتحت هاتفها حتى تتحدث مع “يوسف” وفور وصوله رسالة فتح هاتفها تلهف لمكالمتها وقد طلب رقمها وهو يقول بلهفةٍ ظهرت بقدر ما حاول إخفائها:
_أنتِ كويسة؟؟
ردت عليه بتاثرٍ وكأن لهفته هذه هي أكبر ما تتوق إليه نفسها المحرومة من كل شيءٍ:
_كويسة علشان اطمنت عليك، أنتَ كويس؟؟
تنهد بثقلٍ وهتف بنبرةٍ رخيمة بها أثر نعاسه:
_آه….كلتي حاجة؟؟
اتسعت بسمتها أكثر وهتفت بنبرةٍ مختنقة:
_آه الحمد لله.
لاحظ هو اختناق صوتها وتأكد أنها على حافة البكاء، فمسح وجهه وسألها بنبرةٍ جامدة تُنافي حديثه:
_طب كلتي إيه؟؟
ضحكت رغمًا عنها وهتفت بصوتٍ مُحشرجٍ:
_الأكل اللي اتبقى من الغدا، متقلقش، وشكرًا إنك خليت حد ييجي يتطمن عليا، أنا عند أم “عهد” جارتنا.
انتبه هو لذِكر اسمها فانتبه وقد تذكرها وهتف بنبرةٍ هادئة:
_آه…. طب كويس علشان متفضليش لوحدك، بكرة هاجي بعد الضهر، عاوزة حاجة ؟؟
نفت عرضه وأخبرته أن يحافظ على سلامته ليغلق معها الهاتف ثم وضعه بالشاحن وأرخى جسده على الفراش يُغمض جفونه وكأن مهمة الإطمئنان عليها هي أثقل ما وقع على عاتقه.
_______________________
في صبيحة اليوم الموالي لهذا.
كانت “آيات” في البيت من الداخل ترتدي ملابس بيتية مُريحة ناسبت تقاسيم جسدها، فصدح صوت جرس الباب حاولت الركض حتى ترتدي إسدال البيت أو ما شابه، لكنها تفاجئت بـ “جنة” تنادي عليها بصوتٍ عالٍ حتى زفرت بقوةٍ ثم خرجت لها تقول بترحيبٍ:
_اتفضلي يا “جنة” أهلًا وسهلًا، البيت نور بيكِ.
ابتسمت لها الأخرى بتوترٍ وقالت بنبرةٍ هادئة:
_منور بأهله وصحابه، كنت جاية اتكلم معاكي وراكي حاجة؟
حركت رأسها نفيًا و أشارت لها بالجلوس في الغرفة المُخصصة لذلك، حينها جلست الأخرى تفرك كفيها ببعضهما وقالت بتوترٍ بعدما حاولت رسم خريطة التحدث في عقلها المتهور:
_هو صحيح أستاذ “أيوب” خطب ؟؟
فهمت “آيات” سبب تواجدها هنا بعد حديثها ونظرًا لعلمها بمشاعرها وبما تكنه لشقيقها هتفت بنبرةٍ هادئة تحاول بها إثناءها عما تفكر به تجاه شقيقها:
_بصي يا “جنة” أنا فاهمة كويس أنتِ ممكن تكوني حاسة بإيه ناحيته ومش بلومك، إحنا مش ملايكة يعني كلنا، بس غلط إنك تعشمي نفسك بحاجة زي دي، “أيوب” أخويا للأسف مش ليكِ، مش قصدي لحاجة وحشة فيكِ، أعوذ بالله، بس الحِسبة نفسها غلط، وأنتِ مشاعرك مفهومة غلط.
داهم البكاء عينيها الخضراوتين وسألتها بنبرةٍ باكية:
_ إزاي ؟؟.
تنهدت “آيات” وهتفت تفسر لها بلطفٍ حتى لا تتسبب باحراجها:
_يعني أنتِ حبتيه لوصفه مش لشخصه، إنسان سمعته حلوة وشاب ملتزم وسيم ومهتم بنفسه، إمام مسجد، كلها صفات مُكتسبة، إنما لشخصه هو متعرفيهوش، متعرفيش صفاته هو إيه، كلها صفات خارجية.
سألتها باندفاعٍ:
_والبنت اللي هو خطبها بقى تعرف شخصه؟؟ أخوكِ مش مدي فرصة لحد يعرف عنه أي حاجة أصلًا.
تعجبت “آيات” من حديثها لكنها نحت تعجبها جانبًا وابتسمت بلطفٍ تقول لها:
_هو للأسف برضه مش مديها أي فرصة، بس الفكرة إن دا نصيب، يعني ربنا أراد أن نظره يتشد ليها هي، علشان يمكن يكون فيه بينهم اي حاجة، ولو هي نصيبه يبقى خلاص، قُضي الأمر.
مسحت “جنة” دموعها وهتفت بنبرةٍ مختنقة وهي تُشفق على حالها وتتذكر ما فعلته حتى تلفت نظره:
_بس أنا لبست الخمار علشان عارفة أنه لما ييجي يختار هيختار بنت ملتزمة، وبقيت بحاول كتير أعرف حاجات في الدين رغم أني بواجه صعوبة في دا، بس لسه بحاول علشان أليق بيه.
صرحت بكل حقيقة عما قامت بفعله، حينها تنهدت “آيات” ولأخر لحظة في التحدث معها آثرت النبرة اللطيفة قائلةً:
_وعلشان كدا هتحسي إنك مش مرتاحة، المفروض إن كل اللي بتعمليه دا يريحك، بس للأسف مش هترتاحي لأن النية فاسدة، إنما الأعمال بالنيات، وللأسف نيتك كانت مش صحيحة، يعني المفروض إنك تلبسي الخمار علشان دا فرض ربنا أمرك بيه، مش علشان عريس ملتزم، والمفروض بتذاكري دينك وتدرسيه علشانك أنتِ كمسلمة مش علشان تليقي بـ “أيوب” المفروض التزم بالصلاة علشان دا واجب عليكِ مش علشان “أيوب” يعرف إنك بتصلي، هي مش كدا يا “جنة”، للأسف دي كلها نوايا فاسدة أفسدت عملك الصالح، اوعديني إنك تغيري نواياكِ دي وتقربي من ربنا علشان عاوزة دا من كل قلبك، وأنا معاكِ هساعدك، بس اوعديني إنك متزعليش نفسك.
هتفت “جنة” بصوتٍ مختنقٍ من فرط البكاء:
_مش هقدر والله، أنا عشمت نفسي بالجامد، فضلت اتمنى اليوم اللي هنكون فيه سوا، صدقيني صعب أوي.
تنهدت “آيات” واقتربت منها تربت على ظهرها تقول بشفقةٍ مليونوتأثر من دموعها:
_متعيطيش طيب، ربنا يسعدك ويكرمك بواحد أحسن منه مرة، متزعليش نفسك.
انتحبت “جنة” بحزنٍ ويأسٍ على حالها، فتنهدت “آيات” بضيقٍ وكأن كل محاولاتها في التهوين عن الأخرى ذهبت سدىٰ وكأنها لم تملك شيئًا تفعله بعد.
________________________
“في منطقة نزلة السمان”
جلس “نعيم” وسط التُجار كبار منطقتهم وقد ذاع صيتهم في كل مكانٍ وقد جاوره الشباب من على طرفيه، وفي كل طرفٍ يجلس إثنان، كان هو يراقبهم بنظراتٍ ثاقبة حتى قال أحدهم بنبرةٍ هادئة يُكن له التقدير:
_حقك علينا يا حج “نَـعيم” ولأجل الود بيننا طلباتك يا كبير وحكمك نافذ على كبيرنا قبل صغيرنا، طالما الغلط من عندنا.
هتف أخرٌ بنبرةٍ جامدة وكأنه يتأهب لافتعال المصائب بينهم:
_لامؤاخذة يا حج يعني احنا جايين لاقيين رجالتنا مضروبين ومعدومين العافية، يعني عدم المؤاخذة أمور بلطجة في بعضها، يعني الحق اتاخد خلاص.
تأهب جسد الشباب وقبل أن يندفع أيًا منهم، رفع “نَـعيم” كفه لهم ليرتخي جسدهم من جديد وهم يعلمون أن سيرد كرامتهم لهم من جديد وهذا ما حدث حينما هتف:
_لو زي ما بتقول إن الحق رجع يبقى زمانك جيت هنا لاقيني معلق رقابهم على بوابة بيتي، بس أنا بس كنت بوقفهم عند حدهم، لو زي ما بتقول إن بيتي دا فيه بلطجية، أحب أعرفك على البلطجية اللي أنا مربيهم.
توقف للحظةٍ عابرة يوزع نظراته عليهم ثم بدأ باشارته على الشباب بدءًا من “إيهاب” قائلًا بفخرٍ:
_البلطجي الأول دا زي ما بتقول اسمه “إيهاب الموجي” خريج كلية التربية الرياضية، يعني كابتن قد الدنيا ومدرب خيول مجاش منه اتنين.
توجهت الأبصار نحو “إيهاب” فيما هتف “نَـعيم” من جديد مشيرًا على “إسماعيل” الذي جاور شقيقه وهو يقول بنفس الفخر:
_أما بقى دا أخوه الصغير، “إسماعيل الموجي” خريج كلية آثار جامعة القاهرة، جايب امتياز طول سنين دراسته، دا البلطجي التاني.
انتقلت الأبصار ليبتسم “إسماعيل” بزهوٍ فانتقل “نَـعيم” بإشارته نحو “يوسف” هاتفًا بنفس الفخر:
_أما دا بقى فاسمه “يوسف الراوي” مهندس بترول خريج كلية البترول جامعة السويس، مهندس بترول عامل بحث يقعد اجدعها وزير في البيت، دا البلطجي التالت
نظر له “يوسف” بامتنانٍ ونظراتٍ تنطق بالحب، ليشير هو نحو الأخير وماهو إلا “مُحي” وهتف بفخرٍ قلما يراه إبنه منه وقد انتهى حديثه بالانفعال هادرًا:
_اما دا بقى البلطجي الرابع والأخير اللي لحق أخته امبارح والسكينة محطوطة على رقبتها، دا طالب بكلية الصيدلة، دكتور يعني، ها يا معلم “سـيد” ؟؟ لسه شايفهم بلطجية؟؟ فوق لنفسك وأعرف أنتَ بتكلم مين وعن مين، مش “نَـعيم الحُصري” اللي يربي بلطجية، أنا مربي رجالة زي الخيول العربية، متنحنيش لو بموتها، لو بنتكلم عن البلطجية بجد، يبقوا اللي دخلوا البيوت في نصاص الليالي يتهجموا على حُرمة البيوت، خلاصة القول أنا مش هحكم، الحكم للراجل اللي مراته شافت الموت امبارح بعنيها.
وقف “إيهاب” بشموخٍ يرفع رأسه وفور رؤية نظرات التشفي من الأخرين وكأنهم ينتظرون منه التقليل بالأخر، حينها التفت لـ “نَـعيم” يخبره بإذعانٍ له يزيد من قيمته أمامهم:
_لا عاش ولا كان اللي يتكلم في وجودك يا كبيرنا، إحنا ولاد أصول واتربينا على إيدك منعديش الأصول دي، علشان كدا الكلمة كلمتك، وأنا واثق إن حق مراتي هيرجع بطريقتك واللي تشوفه، اؤمر يا عمنا.
أبتسم “نَـعيم” بفخرٍ وحرك رأسه نحو الرجال يهتف بزهوٍ:
_أهيه دي تربية الرجال ولاد الأصول، وعلشان هو كبرني زي ما أنا كبرتكم، حكمت بحق منكم لينا، رجالتكم يحقوا نفسهم لرجالتي قدام الكل، وخصوصًا للراجل اللي مراته اتضرت قصاد عينيه، ويتدبح عِجل فدا لروحهم اللي واجب عليا أخدها بعدما اتهجموا على حُرمة بيتنا، دي نهاية القول، قولكم إيه؟؟
نظروا لبعضهم البعض يفكرون في حديثه وطلباته وفي نهاية الأمر تم الإتفاق بينهما بالنظرات لينطق كبيرهم بنبرةٍ هادئة خاضعة:
_حقك يا كبير، اليوم اللي تحدده احنا كلنا هنكون تحت أمرك.
ابتسم “نَـعيم” بزهوٍ وهتف بثباتٍ:
_على بركة الله، استنوا مني ميعاد، وطبعًا مش هنبه إن لو حد فكر بس يعيد اللي حصل أنا هقطع رقبته، وكدا يبقى كتر خيري أوي أني مستحمل.
حركوا رأسهم بموافقةٍ له، وبعدها رُفعت الجلسة ومنها توجه كلٍ منهم إلى مكانه وأولهم “يوسف” الذي أعتذر ورحل من المنطقة لكي يذهب إلى حارة “العطار” بعدما ترك شئونه بها بل وكامل حياته كما زعم أخيرًا، لذا قبض على ميدالية مفاتيحه التي تحوي شكل القمر وتنهد بعمقٍ وهو يقول بنبرةٍ خافتة يحاول طمئنة نفسه:
_هانت….هانت يا حبيبة عيون “يوسف”.
_________________________
جلس “أيوب” في محله يتابع كافة شئونه وهو يرى انتقال المواد الفخارية من مكانه نحو عربة النقل، حيث وقف يضع كفيه في جيبي بنطاله يبتسم ببشاشةٍ في أوجه العابرين، حتى عبر “يوسف” من أمامه بعدما أوقف سيارته أسفل البناية، فناداه “أيوب” بنبرةٍ عالية جعلته ينتبه له فاقترب منه يعقد حاجبيه، فيما هتف “أيوب” بنبرةٍ هادئة يحاول الأطمئنان عليه:
_الحج قالي إنك ماكنتش في الحارة إمبارح، عربيتك فين؟ أنتَ كويس ؟؟
لم يدر “يوسف” لماذا رأى اهتمامه هذا صادقًا لذا حرك رأسه موافقًا وهتف موجزًا بنبرةٍ هادئة:
_متقلقش أنا كويس أوي الحمد لله، أنا بس ركنت العربية وقولت أجيب حاجة جاهزة للغدا، شكرًا يا سيدي على اهتمامك بيا.
ابتسم له “أيوب” ورفع كفه يضعه على كتفه هاتفًا بنبرةٍ هادئة يرفع عنه حرجه:
_الشكر لله سبحانه وتعالى، ثانيًا متشكرنيش، دا حقك عليا، وياريت لو تشرفني في المحل هنا تشرب معايا كوبايتين لمون بالنعناع، عمايل ايد أخوك.
هتف “يوسف” بضحكاتٍ يائسة رغمًا عنه:
“ليه محسسني أني داخل حارة الشيف الشربيني ؟؟ ياسيدي ألف هنا على قلبك.
ابتسم له “أيوب” وأشار له بالدخول، فدلف “يوسف” رغمًا عنه بعدما تنفس بعمقٍ يجاور “أيوب” لكن عيناه فورًا جالت بالمكان المُضيء وبالأدوات الفخارية المصنوعة، فوجد نفسه يبتسم وهو يسأله متعجبًا:
_كل دا أنتَ اللي عامله بإيدك ؟؟
حرك “أيوب” رأسه موافقًا وهتف مؤكدًا:
_آه….موهبة ربنا كرمني بيها، بعمل من الفخار كل حاجة.
ابتسم “يوسف” بإعجابٍ وأمسك بإطارٍ فخاري يقلبه بين كفيه وفورًا تذكر أمر الصورة التي قام هو بصنعها فهتف بلهفةٍ:
_تعرف تعملي واحد زي دا كبير ؟؟ يشيل صورة غالبًا ١٠٠ × ٧٠، على صورة محتاج ليها إطار زي دا.
حرك رأسه موافقًا وأضاف بوجهٍ مبتسمٍ:
_طبعًا، بإذن الله أقدر، قولي بس عاوزه إمتى ؟؟
حرك كتفيه وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
_أي وقت براحتك طبعًا، الصورة جاهزة من زمان.
ابتسم له “أيوب” ثم أشار له بالجلوس ليجلس “يوسف” فيما تحرك “أيوب” نحو البراد الصغير الموضوع بمحله وأخرج منه العصير يضعه أمام “يوسف” كما فعل مع شقيقته ليبتسم بهدوءٍ وهو يقوم بسكب العصير بالأكواب ثم اقترب يضعها على الطاولة وهو يقول:
_بألف هنا يا غالي.
تنهد “يوسف” بعمقٍ ثم أمسك كوبه وهو يقول:
_الله يهنيك يا عمنا.
جلس “أيوب” يحاول البدء في التحدث في موضوع عائلته، لكن صدح صوت هاتفه عاليًا برقم “بيشوي” فزفر بقوةٍ ثم أجاب على الهاتف ليصله صوت الأخر يقول بقلقٍ:
_بقولك إيه، العصفور داخل عليك، واخد بالك ؟؟
هتف “أيوب” باستنكارٍ:
_إيه ؟؟ جاي ليه دلوقتي ؟؟ بقولك إيه هو عندك..؟؟
قبل أن يجاوبه “بيشوي” انقطع الإتصال بينهما ليزفر “أيوب” مُطولًا فسأله “يوسف” بتعجبٍ:
_خير ؟؟ فيه حاجة ؟؟
نظر له “أيوب” وقبل أن يجاوبه وصله صوت أخر من توقع تواجده أمامه قبل ذلك يهتف بسماجةٍ كشخصه:
_السلام عليكم يا شيخ “أيوب”، أنا جاي اعتب عليك، مش عيب تزحلقني علشان عينك من الحِتة ؟؟ طب قولي إنك كنت رايد “قـمر” أنتَ كمان بدل الفيلم الهندي دا.
تأهبت حواس “يوسف” وسقط الكوب من يده فور ذكر شقيقته أمامه وحرك رأسه نحو “أيوب” يطالعه بعينين مُتسعتين هاتفًا بحدةٍ بالغة وقد نفرت عروقه بشكلٍ ملحوظ:
_”قـــمــر” !!!
أبتسم “علاء” باستهتارٍ دون أن يعلم هوية الجالس أو حتى عاقبة ما تفوه به أمامه:
_الله ؟؟ أنتَ كمان تعرفها ؟؟ هي مدوراها ولا إيه و عطلانة عند العبدلله لوحده ولا إيه؟؟
انتفض “أيوب” من محله يهدر بنبرةٍ عالية:
_ولا !! الزم حدود بدل ما أطلع روحك في أيدي، سيرتها متجيش على لسانك تاني، أنَــتَ فــاهم ؟؟؟
ابتسم له “علاء” باستخفافٍ يثير برودة أعصابه حتى اقترب منه “أيوب” يحاول لكمه ليجد “يوسف” يردع حركته هذه بنظراتٍ قوية وهتف من بين أسنانه يسأله:
_هي “قـمر” اللي تخصني ؟؟
لم يجد “أيوب” بُدًا من الكذب فحرك رأسه موافقًا وعيناه تلمع بإصرارٍ لم يقو “يوسف” على تكذيبه، ليصلهما صوت “علاء” مستنكرًا بقوله:
_تخصك أنتَ كمان !! الله واضح إن الشيخ مزعل ناس كتير.
انتبه له كلاهما، فهتف “يوسف” بشرٍ وصدره يعلو ويهبط من فرط التأهب الذي استعد به جسده وتشددت به أعصابه عند سماعه ماسبق:
_وأنا ميهونش عليا زعلك يا ريس.
قال جملته ثم رفع كفيه يهبط بهما على وجه “علاء” فابتسم “أيوب” ساخرًا وهتف بنزقٍ يخالف فرحته في الأخر:
_ليه بس كدا يا “يوسف” ؟؟!
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غوثهم)