رواية غوثهم الفصل السابع والعشرون 27 بقلم شمس محمد
رواية غوثهم الجزء السابع والعشرون
رواية غوثهم البارت السابع والعشرون
رواية غوثهم الحلقة السابعة والعشرون
“رواية غَـــوثِـهِـمْ”
“الفصل السابع والعشرون”
“يــا صـبـر أيـوب”
____________________
أَدعوكَ رَبِّ كَما أَمَرتَ تَضَرُّعًا….
وأناجيك بقلبٍ يأمل في رحمتك ورجاك وأنتَ خير المُعين، أدعوك وأرجوك ولي فيكَ رجاءٌ لا يخيب ألا تَكِلني إلى نفسي طُرفة عينٍ ولا تتركني لغربة حالي، أنتَ المُغيث فأغث قلبي من نفسه ومن دُنيته وأطلب منك بكل أملٍ أن تعني عليِّ فأني أخشاني، أنا عدو نفسي الوحيد وأنتَ المُنقذ القدير، وأطمع في رحمتك وفي قولك:
﴿إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾
فاللهم بعطفك ورحمتك أرجوك أن تقضي أمري بأمرك كُن فيكن بمشيئتك أنتَ وحدك، ربي إني عبدٌ ضعيف لا يملك حيلةً سوى الدعاء لكَ والحديث معكَ وأنتَ الجبار السميع.
_________________________________
كل العجب لقلبٍ خشى نفسه وخشى دُنياه لكنه لم يخشاكِ ويأمن لكِ.. ففي حقيقة الأمر لم أكن مُصابًا بمرض الخوف لكنه بمثابة عدوٍ لي، فغدوت أتسائل بكثرةٍ كيف للقلب الذي خشى نفسه أن يأمن لكِ أنتِ ؟؟ وكيف لضلوعٍ ضاقت عليه أن تتسع برؤيتك؟ حتمًا سأظل دومًا متيقنًا أنه دائمًا وأبدًا خشى الجميع عداكِ ولم يأمن لسواكِ، حتى وإن عرف الخوف طريقي وظهرت العتمة من جديد في مساري، ستبقين أنتِ وحدك الأمان، فربما كنتُ يومًا خائفًا وغريبًا لكني حينما عرفت الأمان ؛ تلخصت حروفه بكِ.
<“كل الأصوات جميلة، لكن هذا الصوت طرب”>
التفتت لمصدر الصوت البغيض الذي تكره حتى موجات الهواء التي تحمله إلى أذنها فوجدته يرمقها بنظرةٍ وقحة تكرهها هي وتعلم سببها، لذا اقتربت منه بكامل غضبها تقول بجمودٍ:
_لأ إزاي ؟؟ هينوبك دلوقتي كل خير.
فور إنتهاء جملتها نزلت صفعة من كفها على صفحة وجهه وصل صداها لكل الواقفين، كانت صفعة مشحونة بالغضب والغيظ و العنفوان وكبرياء أنثى تثأر لنفسها ممن يظنها سهلة المضغ بين الفكين كما لُقمة خبزٍ بالية، اتسعتا عينا “أيوب” الذي تفاجأ بفعلها، فيما ابتسم “يوسف” بإعجابٍ وردد بنبرةٍ خافتة لـ “أيوب”:
_تصدق أول مرة صوت يكيفني غير صوت “فيروز” ؟؟.
نظر له “أيوب” بتعجبٍ وكذلك “يوسف” الذي أبتسم بنفس الإعجاب المنطوق على ملامحه الشامتة ليقطع اتصال نظراتهما تأوهٌ مكتومٌ من بين شفتي “عهد” انتبه على أثره كلاهما وقد بدت شيم الرجال لديهما في الإعلان عن نفسها فور رؤيتهما لـ “سعد” يمسك مرفقها يضغط عليه.
تحرك “أيوب” بانفعالٍ أولًا وتبعه “يوسف” الذي تفاقم غيظه وبدون أي مُقدمات لا تُفيد بشيءٍ وجد نفسه يسحبها من قبضة “سعد” ويوقفها خلفه قبل أن يقم “أيوب” بهذا الفعل ويحول بينهما، وفور وقوفها خلفه وجد نفسه يرفع ذراعه الأخر تجاهها في تجهزٍ وتأهبٍ منه عند هجوم الأخر وهتف بتهديدٍ صريحٍ:
_لو فاكر إنك هتعرف تقرب منها أو حتى ترفع عينك فيها انا هسففك التراب، أظن أنتَ جربت مرة قبل كدا، لو عاوز تاني أنا معنديش أي مانع، شكلك واخد على الترويق.
رفعت عينيها تطالعه وتطالع دفاعه عنها بدهشةٍ فوجدت “أيوب” يتدخل هو الأخر ويسحبه من تلابيبه هاتفًا بضجرٍ وغضبٍ سيطر عليه على الرغم من محاولته لإحتوائه:
_طالما الحكومة والقانون مش ناصفيني فيك، سيبني أنا أخلص اللي يكيفني زي إمبارح وزي قبل كدا وغيره وغيره، لو فاكر إنك بتتحامى في الحكومة ومعارفك، فأنا متوكل على ربنا، علشان كدا خُد التحية دي مني ليك.
فور إنتهاء جملته ضربه في رأسه بوجهه حتى صرخ “سعد” وترنح للخلف وكاد أن يسقط فقام “يوسف” بعرقلته بقدمه حتى سقط بالفعل أرضًا وهو يضع كلا كفيه على وجهه يتأوه ويتألم من قوة الضربة التي تلقاها على وجهه، بينما “يوسف” التفت لها يسألها باهتمامٍ:
_أنتِ كويسة ؟؟.
نظرت له بارتباكٍ ملحوظٍ وهي تود الهرب من أمامه، لكن قدماها أبت هذا وظلت كما هي تقف أمامه فاقترب “أيوب” منهما بهدوءٍ عاد إليه من جديد وأشار لها لكي تسير نحو البناية متجاهلًا الحشد الذي يقف ويتابع ما يحدث _بصورةٍ اعتيادية_ لم تكن غريبة عليهم، ثم سألها بنبرةٍ هادئة:
_حضرتك بخير ؟؟ أتمنى تكوني كويسة والشيء دا مزعلكيش، والله أنا إمبارح ضربته وخدت حقها منه بس تقولي إيه بقى، جسمه نحس خلاص.
تنهدت بعمقٍ وظهرت الدموع في مُقلتيها تأثرًا بشهامة كليهما معها وقد بدا الإمتنان واضحًا في نظراتها وهي ترمقهما وهتفت بنبرةٍ مُحشرجة تعتذر لهما عما تسببت فيه لهما:
_أنا أسفة أني كل شوية أحط حد فيكم في مشكلة بسببي، وآسفة لحضرتك يا أستاذ “أيوب” كل شوية أورطك وآسفة على طريقتي مكانتش ألطف حاجة.
تحدث “أيوب” بتفهمٍ يرفع عنها الحرج قائلًا:
_من غير آسف حضرتك زي أختي وأكيد اللي مش هقبله عليها مش هقبله على غيرها، مش عاوزك تقلقي من حاجة، وافتكري أني هنا علشان الكل.
حركت رأسها موافقةً عدة مراتٍ وكأنها تُدلي بتصديقها لحديثه ثم حركت رأسها نحو “يوسف” بارتباكٍ عاد لها من جديد وهي تقول:
_متشكرة لحضرتك جدًا، وآسفة إنك غريب عننا وملكش ذنب في كل دا وكل شوية هو يضايقك، أكيد مش حابة إنك تتحط في مشاكل بسببي.
رفع عينيه نحو “أيوب” أولًا ثم إلى “عهد” من جديد يهتف بنبرةٍ هادئة رخيمة:
_مش غريب يا “عهد” أنا من هنا برضه وبعتبر هنا مكاني، بعدين حتى لو مش علشانك أنتِ لشخصك، بس ماظنش إن فيه راجل هيقبل بحاجة زي دي، الغريب بقى بجد هو سكاتكم عليه، مفيش حكومة في البلد ؟؟.
ابتسمت بسخريةٍ وكذلك “أيوب” أيضًا الذي قال بنبرةٍ ضاحكة بها الكثير من السخرية:
_لأ ماهو الحكومة قرايبه والمحامي خاله، معمول بدل المحضر ٣ ومعمول بدل الشكوى ٥ وجايبين ناس كبيرة تحكم، بس المثل بيقولك اللي ليه ضهر ميتضربش على بطنه.
أقترب “يوسف” خطوةً منه وهتف بإصرارٍ غريب استطاع “أيوب” أن يقرأه في نظراته وقد أثار الحديث استفزاز الأخر:
_لأ، اللي ليه ضهر اقطمله رقبته، علشان يتعلم الأدب، واللي أهله مربهوش الشارع كفيل بيه.
كانت “عهد” تطالعه بتعجبٍ ثم هتفت بسخريةٍ انهتها بحديثٍ موجوعٍ أعرب عن القهر الذي تعيشه:
_وهو دا فيه حد يقدر عليه ؟؟ دا عيلته كلها لبط وبتوع مشاكل وأنا مش عاوزة فضايح كفاية اللي حصلي منه لحد كدا، كفاية أني بسببه سيبت بيت أبويا وحاجته كلها، أنا خلاص فاضلي شوية أنفاس وآخر ماعندي هقتله.
حرك “يوسف” رأسه نحوها وهتف مُستخفًا بها:
_طب لما تقتليه ؟؟ هتضيعي نفسك علشان دا ؟؟ أنا هنا اعتبريني طول فترة قعادي هنا إن العفريت اللي طلعله في الخرابة، شوفي حالك أنتِ ولو خوفتي تاني، افتكري إن “يوسف الراوي” هنا.
حديثه وإصراره غريبان، القوة التي يتحدث بها عن نفسه جعلتها تتأكد من صدق ما يتفوه به، لذا قررت الإنسحاب من المكان وتعود إلى الأعلى مرة أخرى وخاصةً وهي ترى النظرات الموجهة إليها من السُكان، فيما تتبعها “يوسف” بنظراته وهتف بدون أن يدرك عاقبة ماتفوه به:
_مش عارف ليه حاسس أني عاوز اساعدها.
انتبه له “أيوب” واستمع لجملته وأدركها لذا أبتسم بملامح وجه هادئة وهتف بنبرةٍ هادئة يستفسر منه:
_احساس المسئولية صح ؟؟.
حرك “يوسف” رأسه نحوه من جديد مومئًا بحيرةٍ غريبة كما حاله هو، فوجد “أيوب” يقول بنبرةٍ تغيرت عن سالفها وكأنه أجاد التبديل في نبرات صوته:
_مجرد إحساس وهيروح لحاله، متشغيلش بالك بس.
هَمَّ “يوسف” بالرد عليه الرد المعتاد لكنه لا يعلم سبب توقفه عن هذا وقد بدل طريقته الوقحة بأخرى كان مفداها:
_إيه حكايتك مع أختي ؟؟.
تلك المرة كانت البسمة من الأخر ساخرة وعقبها بسؤاله:
_غريب أوي سؤالك، محسسني إنك عشرة طويلة معاها، بس أنا طيب وهقولك طالب أيديها وقبل ما أعمل أي حاجة أنا روحت أعرف الأول الدنيا نظامها إيه، أنا مش مستغل علشان أخد اختك منك.
انتبه “يوسف” لما تفوه به وتمعن بكامل تركيزه في الحروف المنطوقة لذا وجد نفسه يسأله باندفاعٍ هجم على تفكيره فلم يقم ببرمجة حديثه، بل أخرجه كما ورد له:
_معنى كدا إنك سافرت علشان تسيب أختي خالص ؟؟ مش موضوع شغل زي ما أخوك فهمني صح ؟؟.
لم يقو “أيوب” على الكذب وقرر مصارحته بقوله:
_آه، محبيتش أكون الشرير اللي فرق الشمل خصوصًا وأنا واحد عارف أهمية الرجوع للعيلة بعد غياب، بتبقى زي الغريب اللي رجع لأرضه تاني.
تنهد “يوسف” رغمًا عنه فوجد “أيوب” يسأله بنبرةٍ هادئة يواري خلفها تتوقه للحصول على جوابٍ يريحه:
_يوم الخميس الجاي حلو ؟؟.
حرك رأسه موافقًا بقلة حيلة وهتف بلامبالاةٍ:
_هشوفهم في البيت وأرد عليك وأسأل خالي، أكيد مش هحكم عليهم وأنا معاهم بقالي أيام، واضح كدا إنك مسبق بالخير وكلهم حابينك بس أنا مش طايقك.
أبتسم له “أيوب” بسمةٍ واسعة وقد تحولت إلى ضحكاتٍ حاول التحكم بها وسط استنكار الأخر الذي يرمقه به وقد نجح في هذا وقال بنبرةٍ لازال بها أثر ضحكاته:
_ما محبة إلا بعد عداوة، خلي بالك بقى علشان هييجي يوم تقلب الدنيا فيه عليا وعلشان بس أكون معاك وساعتها أنا هبقى معاك ولو تطلب الأمر هفديك بروحي كمان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تركه ورحل بثقةٍ جعلت “يوسف” ينظر في أثره بدهشةٍ وهتف بسخريةٍ:
_حلوة ثقتك دي كمل معايا للأخر بقى.
صعد بعد حديثه لداخل البناية وهو يفكر إلى أي وقتٍ سيبقى هكذا، يريد بكل جوارحه أن يبقى بجانب عائلته ويريد أن يعتني بهذه التي في عاتقه ويرعاها هو حتى لا يخون عهد أبيه وهاهي مسئولية جديدة يتولاها هو بحماية “عهد”، يبدو أنه تسرع في حديثه لكنه لا يعلم كيف نطقه وكيف تحمل هذه المسئولية وهو يخبرها بتواجده هنا، فأين لامبالته وأين ابتعاده عن المشاكل، والأهم من هذا أين الوفاء بالعهد؟؟
__________________________________
<“لم تكن مجرد خيانة، إنها طعنة في الروح”>
لم تتوقف عيناها عن الدموع من الأمس ولم تهدأ روحها المطعونة عن النزيف، ولم يكف قلبها عن الدمعِ، لقد اصبح قلبًا مُعذبًا بعدما كان بالحياة مُفعمًا، فهي لم تنسى صورته وهو يعانق الأخرى وصورته وهي تضع رأسها على كتفه، كلما مر المشهد في نظرها بكت من جديد وكلما بحث القلب عن المبرر يتدخل العقل بِحُجة الصور ينهرها وينهر سذاجة قلبها.
جلست على الفراش تضم ركبتيها إلى جسدها وهي تبكي كما هي في غرفتها بمنزل “نَـعيم” بعدما أصرت على ترك شقته له، تلك الغرفة التي ودعتها بعد زواجها منه لم تتوقع أن تعود إليها من جديد خائبة الرجا فيه، حتى أنه لم يحاول تبريء نفسه !! انتظرته يتحدث ويبرر ويحتوي غضبها لكنه تركها؛ فقط أعترض على رحيلها من شقته لكنها أصرت وتركته وهددته بالرحيل من المكان بأكمله فلم يكن أمامه سوى الخضوع لها على الأقل هنا يأمن عليها في رعايته.
وصلها طرقاتٌ على باب غرفتها تبعها صوت “نَـعيم” يهتف بنبرةٍ هادئة:
_أنا يا “سمارة” تعالي يا بنتي عاوزك في كلمتين.
لم تبدي اعتراضًا بل استسلمت للموافقة وهي تعلم سبب مجيئه وحديثه أيضًا لذا نزلت من الفراش وسارت إلى باب الغُرفة تفتحه بعدما وضعت الحجاب فوق رأسها، فتنهد بعمقٍ وقال بنبرةٍ رخيمة بها الكثير من إصراره:
_تعالي علشان عاوزك في كلمتين مُهمين، ممكن ؟؟
حركت رأسها موافقةً وهتفت بصوتٍ مبحوحٍ بالكاد سمعه “نَـعيم” وكأنها لا تملك رفاهية الحديث:
_تحت أمرك يا حج، اللي تشوفه.
تحرك وهي تتحرك خلفه ثم جلس بغرفة الجلوس وجلست هي مقابلةً له تبكي بصوتٍ مكتومٍ كما بكائها الذي تحاول التحكم به، لذا أمعن “نَـعيم” نظره في وجهها وقال بتعاطفٍ معها كتقديرٍ لما تشعر هي به كأثنى:
_مش هقولك متعيطيش عليه وسيبك منه والكلام الأهبل دا، لأ أنا هقولك حقك تزعلي وتعيطي على واحد عملتي علشانه كتير وفي الأخر تشوفي صورته كدا، بس هسألك سؤال وعاوزك تفكري قبل الإجابة، “إيهاب” ممكن فعلًا يعمل كدا ؟؟.
رفعت رأسها نحوه بحدةٍ وهي تقول بنبرةٍ باكية موجوعة:
_هو يعني شيخ جامع ؟؟ ماهو دخل السجن وعاشر ناس مايعلم بيهم إلا ربنا، أكيد هيتغير يعني ويلعبوا في راسه، أنا هتبلى عليه ؟؟ ولا وريتك بنفسك الصور وهو مع الحرباية دي، طب تصدق بقى ؟؟ أنا وجعي أنه كان معاها هي أكتر من وجعي أنه خاني.
جاهد “نَـعيم” لكتم ضحكته وما إن نجح في هذا قال بلهجةٍ ثابتة وقورة يوضح لها حقيقة الأمر:
_بس هو مخانكيش، ولا هو راح علشان يقضي يوم حلو زي ما أنتِ فاهمة، هو راح لما عرف إنها سلطت عليكي “فتحي” أكتر من مرة، ولما عرف برضه أنها كانت السبب في قضية المخدرات اللي شالها، يعني كان رايح يجيب حقك منها.
ابتسمت بسخريةٍ وهتفت بتهكمٍ لاذعٍ:
_وبسلامته بيحضن ليه ؟؟ بيأمن على البضاعة ؟؟ مش هصدقه لو عمل مش هصدقه وخليه يطلقني علشان نُفضها سيرة لحد كدا.
تلك المرة تحدث “نَـعيم” بحدةٍ بعدما أثارت غيظه منها بسبب عنادها:
_”سمارة” !! أنا مش عاوز دلع، قولتلك معملش حاجة صحيح حكاية الحضن دي بايخة بس أكيد إحنا منعرفش السبب، هتخربي بيتك بإيدك وتخليها تشمت فيكي؟؟.
تلك المرة تبدلت انفعالات وجهها من القوة الزائفة إلى القهر مرةً أخرى وهي تردد بقلبٍ مكسورٍ كلما عاد المنظر له من جديد وكأنه أصبح كما الصورة الثابتة التي يرفض العقل التنازل عن تذكر أدق تفاصيلها:
_يا حج الله يكرمك متزودش وجعي أنتَ كمان، أنا قلبي اتكسر ومش هعرف أداويه، أنا ماليش حد يرجعلي حقي ومليش حد يقفلي وطول عمري هنا حِمل عليكم، أبوس إيدك خليه يرمي عليا اليمين وامشي من هنا، مش أنا اللي كتفت في القفص وبقيت مفروضة عليه، أهو بريحه من همي.
زفر “نَـعيم” مُطولّا بيأسٍ وسألها:
_يعني دا أخر كلام عندك خلاص؟؟ الطلاق؟.
حركت رأسها موافقةً وهي تبكي ليظهر عليها أقوى صراع قد يعيشه المرء في حياته، العقل يقرر التحرر منه والقلب يطلب سطوته عليه، العقل يحذرها من الانصياع لقلبها، وقلبها يتوسل إليها أن تستمع له، ملامحها بَهُتت وروحها قُتِلَت وصاحب السكين كان هو، وآهٍ من الطعنة التي تأتي من الأحبة، وللحق هو لم يكن مجرد حبيبًا؛ بل هو الدنيا من بعدما فُنيت العوالم في نظرها، ليصبح هو القاسي من بعد هروبها له.
في شقة “إيهاب” اختلى بنفسه بها وهرب من الجميع حتى هي نفسها لم يقو على رفع عينيه بها أو حتى التبرير، لم ينسى نظرة الانكسار التي نظرتها له وهي تترك بيته لتبيت عند “نَـعيم” لم يستطع أن يوقفها وهي تراه الخائن الذي ترك زوجته لأجل عشيقته، لو كان الأمر كما تفكر هي لكانت هي الأحق بالذهاب إليها فمن غيرها ملكت القلب ويحق لها الوصاية عليه؟.
عيناه الحمراوتان بشراسةٍ وخصلاته المُشعثة والهالات السوداء التي طفقت في الظهور وكأنها كانت على استعدادٍ لهذا، رائحة السجائر تفوح بالمكان حتى أن المنفضة لم تعد تكفي للمزيد من لفافات التبغ المُنتهية، كل شيءٍ حوله أصبح قاتمًا كما روحه، لما لا يُكتب له النعيم؟؟ هذه الدنيا التي كلما رآته يتنفس تأتي وتجثو بهمومها فوق صدره.
هذا كان تفكيره قبل أن يخرج من قوقعة تفكيره على صوت جرس الباب فتأهبت حواسه وانتفض من مجلسه بلهفةٍ يتمنى بكل حواسه أن تكون هي، أن يراها على أعتاب شقته، أن تدرك أنه في أوج الحاجة إليها، خرج من تفكيره وركض نحو الباب يفتحه بلهفةٍ تلاشت ما إن رأى أخيه أمامه فتهدل كتفاه بخيبةٍ وردد باستنكارٍ متوقعٍ:
_”إســماعيل” !!
حرك رأسه موافقًا وقال بنبرةٍ هادئة بعدما جال في ملامح أخيه لمدة ثوانٍ عابرة لم تَدُم طويلًا:
_أكيد كنت فاكرها هي، بس أنا جاي اتطمن عليك.
حرك رأسه موافقًا وعاد من جديد يدخل الشقة وعقبه في دخوله “إسماعيل” الذي شعر بالإشفاق عليه لكنه قرر أن يعلم منه سبب ماحدث بعد حديث “نَـعيم” معه، لذا جلس بجواره على الأريكة وسأله باهتمامٍ جليٍ:
_مالك يا “إيهاب” !! من إمتى وأنتَ كدا ؟؟ والأهم حصل إيه علشان توصل الأمور بينكم لكدا ؟؟ مش دي “سمارة” اللي كنت بتاكل اللي يرفع عينه فيها؟؟.
حرك رأسه نحوه بسرعةٍ حتى بدت حركته عنيفة وهتف بنبرةٍ جامدة غلظة وكأنها تخرج من فمٍ قاسٍ:
_ولسه هاكل أي حد يفكر يرفع عينه فيها، وأي حد يدوسلها على طرف حتى، أنا ماليش غيرها مكان في الدنيا دي يستحملني، هي الوحيدة اللي معاها بلاقي نفسي، لو هي فاكرة أني هسيبها أو أنها تقدر تمشي تبقى بتحلم، أنا أدفنها واتسجن بعدها بس مسيبهاش.
رفع “إسماعيل” حاجبيه مستنكرًا فلم يتوقع أن يكون هذا هو جوابه، لذا ابتسم بسخريةٍ واستفسر بتهكمٍ وهو يثبت نظراته على وجه أخيه:
_يا سلام ؟؟ لما الحب مولع في الدرة كدا بينكم، روحت هناك ليه ؟؟ وبتحضن ست زفتة ليه؟.
تنهد “إيهاب” بعمقٍ ثم رفع كفيه يمسح وجهه بعنفٍ وقد تملكه الضيق ونفاذ الصبر لذا هتف مُفسرًا بنبرةٍ مخنوقة يتضح بها نفاذ صبره:
_أنا لو عليا أقسم بالله ما أفكر حتى أرفع أيدي أسلم عليها، بس الزفت “فتحي” قبل ما أوصلها اتصل بيا وقالي إنها مخلية عند باب العوامة التاني رجالة تقف علشان تأمنها مني ولو دخلت بغشامة هيحضروا لازم تطملني الأول علشان تخليهم يمشوا لما هي تشاورلهم، أنا كنت فاكره بيكدب وكنت ناوي أول ما تفتح أجرجرها من شعرها ارميها تحت رجل “سمارة” بس أول ما فتحتلي لقيت فعلًا واحد واقف وأول ما حضنتني حضنتها أنا كمان لحد ما دخلنا وقعدنا لقيتها بتشاورله يتحرك على أساس أني مش شايف حاجة بعدها مسكتها من شعرها لحد ما قالت إن هي اللي عملت كدا، بس الليلة دي هاخد حقي منها وإن محصلش اللي أنا عاوزه قسمًا بربي هقتلها.
تنهد “إسماعيل” مُطولًا وتحدث بنبرةٍ حاول جعلها أن تكون هادئة حتى لا يثور أخوه في وجهه بغضبٍ بعدما يستمع للرسالةِ التي تم إرساله بها من كبيره:
_طب الحج اتكلم معاها وهي مُصممة على الطلاق، بتقولك خلصها ومصممة إنك لو مطلقتهاش هي هتمشي، وللأسف محدش عارف يسكتها، أظن أنتَ الوحيد اللي بتقدر عليها.
ضغط “إيهاب” على كفه مكورًا له في قبضةٍ ثم ضرب بها سطح الطاولة عدة مراتٍ ومن بعدها أمسك المنفضة وقبل أن يتهور ويلقيها أوقفه “إسماعيل” سريعًا وهو يعنفه بعتابٍ تغلفه العاطفة:
_أنتَ اتجننت ؟؟ اهدا شوية يا “إيهاب” وشوف هتصالح مراتك إزاي دا حقها برضه الصور جاية لها لحد عندها وكل اللي يشوفها يقول إنه كان بمزاجك، لو مش علشانك يبقى علشانها هي ملهاش غيرك ومش أنا اللي هفكرك بكلامك، إن كل الدنيا في كفة وهي لوحدها عندك في كفة.
قرر “إسماعيل” الرحيل من بعد حديثه مع “إيهاب” وقد رأى أثر الحديث عليه وأنه ارضخ له في نهاية الأمر واستكانت ملامحه فور تذكره بحديثه عنها الذي قلما أخبرها به، لذا أرجع ظهره للخلف ثم نظر في صورة زفافهما المُعلقة التي استلمها قبل يومين وابتسم رغمًا عنه فور رؤيته لضحكتها التي أقسم ببقائها على ملامحها طول الأمد.
__________________________________
<“الصوت دافيء والحنين قادم والشوق قاتل”>
دلف “يوسف” البناية بعد حديثه مع “أيوب” وتوجه إلى الشقة تحمم وبدل ثيابه بأخرى مريحة أكثر عن الحِلة التي كان يرتديها واضطر آسفًا للنوم بها عند والدته نظرًا لعودته متأخرًا مع شقيقته من الحفل، خرج من الغرفة يجلس في صالة الشقة ثم هاتف رقم شقيقته لكنها اخذت وقتًا حتى أجابت على المكالمة فسألها بسخريةٍ:
_لسه نايمة ؟؟ اصحي العصر هيأذن خلاص.
جاوبته بنبرةٍ هادئة وقد توقع شكلها المبتسم وهي ترد عليه:
_ماهو أنا صحيت أهو لسه مصلية الضهر كمان، هتيجي النهاردة ؟؟ ولا وراك حاجة ؟؟.
رفع كفه يحك فروة رأسه ثم هتف بنبرةٍ هادئة بعدما تنهد:
_عامل حسابي أجي أقضي اليوم معاكم بس ورايا كذا حاجة مهمة يا رب اخلصهم بدري وعاوز أقولك على حاجة مُهمة كمان بس لما أجي، اعمليلي أكل حلو بقى.
هتفت بحماسٍ شديد وهي تحاول كتم ضحكتها:
_ماما وخالتو “أسماء” هيعملولك محشي.
لمعت العبرات في عينيه وهتف بنبرةٍ خافتة متأثرًا بماضٍ مر عليه ولازال أثره باقيًا على القلب:
_تصدقي وحشني، كل حاجة وحشاني، لو كدا أنا جاي.
أغلق الهاتف مع شقيقته ثم سحب نفسًا عميقًا يحاول تهدئة البكاء الذي أوشك على الظهور وهو في آخر الاحتياج له، لذا وقف وقرر أن يصعد لسطح البيت لايعلم لما هذا المكان تحديدًا لكنه يرى بيه شيئًا مميزًا، دفءٌ غريبٌ عليه يجعله يشعر بحالة ارتخاءٍ، ربما الزروع الموجودة به ورائحة الهواء الطلق أو ربما مظهر السماء من فوقه براحتها الواسعة وهو يتمنى أن يكون قلبه في اتساعها، أو ربما أصوات الطيور المُغردة أو….لا بالطبع لا هو صوت الطيور وكفىٰ؛ هكذا كان يحث نفسه ليصعد فوق السطح وخاصةً أن عمته تجلس مع “مَـي”.
تحرك نحو سطح البيت بخطواتٍ هادئة وهو يتأكد إنها بعملها ولن تكون هنا حسنًا سينعم ببعض الوقت مع نفسه يختلي بها ليرتاح من عبء التفكير ومن الممكن أن يصل لحلٍ يجعله يهدأ من تفكيره الغير مُرتب بشأن والدته وشقيقته وعمته وعمله وبيته وحقه، الكثير والكثير يتطلب منه الكثير من الطاقة وحمدًا للمولىٰ أنها لم تكن هنُـ….ما هذا ؟؟ من أين ظهر صوتها ؟؟ قبل أن يدرك وجودها هي الأخرى في الجهة الأخرى والفاصل بينهما غرفة المِصعد وهاهي تأتي بسلاحٍ جديدٍ عليه أشد قوة من السابق لتحارب ثباته بكلماتها وهي تغني:
_رايحة وجاية عنيك على الصورة في حتة في قلبك مكسورة، طب هات كدا عينك في عينيا لا دي ملامحك ولا دا أنتَ، فرحك دايمًا ناقص حتة، لساك مش عارف إيه هي؟….ناقصنا شوية حبايب، كلمتين وياك يا غايب، ولا نظرة حنينة، ناقصنا حد يواسينا لما يطبطب علينا يهدأ ويرتاح قلبنا.
في كل مرةٍ تُثير أحزانه بطريقةٍ مختلفة، لا يعلم إن كان الأمر في صوتها أم احساسها أم أن كلماتها التي تهتارها تصف حالته ببراعةٍ، لذا فكر لبرهةٍ هل هي الأخرى تشعر بما يشعر به هو أيضًا ؟؟ هل تشتاق وتتألم وتبكي على فراق أحبتها ؟؟ انغمس في التفكير ليجدها توقفت هنا وقبل أن تسترسل في الغناء توقفت وسارت إلى السبورة المُعلقة تَكتب فوقها بالقلم وهي تتنهد بعمقٍ:
_ناقصنا حد يواسينا أو يمكن خلاص نسينا.
عادت للخلف ترى الجملة التي دونتها بخط يدها على اللوح وقد تنهدت بعمقٍ فيما حرك “يوسف” رأسه للأمام قليلًا حتى يفهم سبب توقفها عن الغناء، فوجدها تكتب شيئًا لم يقو على استبيان هذا الشيء نظرًا لضوء الشمس المُسلط على اللوح وقد تحركت قدمه حتى اصطدم بزجاجة بلاستيكية وضغط عليها مما جعلها تلتفت خلفها بخوفٍ وهي تسأل بهلعٍ ظنًا منها أن “سعد” هو الذي تجرأ وصعد إليها:
_مـ..مين، مين هنا ؟؟
خرج صوتها مهزوزًا من فرط الخوف الذي بلغ أشده في قلبها فيما لاحظ “يوسف” اهتزاز وتيرة صوتها لذا اندفع نحوها يقول معرفًا نفسه مما قد يتسبب في إدخال الطمأنينة لقلبها:
_دا أنا يا “عهد” أنا “يوسف”.
تنهدت مطولًا براحةٍ ناهيك عن ارتفاع ضربات قلبها المتزايدة عن الطبيعي بشكلٍ ملحوظٍ جعله يقول بأسفٍ لهيئتها المرعوبة منه وهي تتنفس بحدة:
_أنا مكانش قصدي اخوفك، بس…بس كنت واقف مستني تخلصي اللي بتعمليه علشان أدخل.
مسحت شفتها بطرف لسانها وقد جف حلقها حقًا من خوفها ثم قالت بتفهمٍ وارتباكٍ من تواجده أمامها:
_لأ عادي حصل خير، اتفضل أنا كدا كدا نازلة دلوقتي.
رفع عينيه نحوها وقبل أن يتحدث وجد “وعد” تركض لهما وخلفها والدتها و “فاتن” عمته معهما فيما نطقت الصغيرة بحماسٍ:
_يا “عهد” هناكل هنا قبل ما تروحي الشغل، ماما وافقت.
التفت لها “يوسف” فشهقت “وعد” بحماسٍ وهي تقول:
_عمو “يوسف” !! عامل إيه؟؟
أبتسم لها وحرك رأسه موافقًا ثم اقترب منها يجلس على عاقبيه وهو يقول بنبرةٍ هادئة رخيمة أعربت عن لطفه:
_أنا كويس الحمد لله بس بلاش عمو دي، المهم طمنيني إيه أخبارك كويسة؟؟.
حركت رأسها موافقةً ثم هتفت بحماسٍ لم يُخفى عليه:
_كويسة الحمد لله، إيه رأيك تاكل معانا ؟؟.
هم بالاعتراض فقالت “فاتن” بلهفةٍ:
_ياريت أهو حتى ابقى اطمنت عليه أنه بياكل بدل ما قلبي كدا واكلني عليه.
رفع عينيه وتوجه ببصره إلى عمته يسألها بنفس الهدوء:
_عاملة إيه؟؟ كويسة ؟؟.
حركت رأسها موافقةً فيما لاحظت الواقفتان جمود طريقتهما سويًا لكن “مَـي” هتفت بلهفةٍ تحاول تخطي الوضع الغريب:
_طب يلا علشان ناكل لقمة سوى، كتر خيرك ضربت “سعد” مرتين علشانها، تعالى بس نورنا وكل معانا.
حرك رأسه موافقًا بقلة حيلة بعدما ابتسم لها فيما تحركت “عهد” تقوم بفرد الطاولة الخشبية الموضوعة لكي يتم وضع الطعام عليها، بينما “يوسف” تحرك نحو اللوح حتى يقرأ ما كتبته هي عليه وحينما رآى الجملة التي دونتها وجد نفسه يمسك القلم وكتب أسفل عبارتها بخطٍ كبيرٍ:
_كدبت لما قولت هنسىٰ، أنا لسه زي الغريق مش لاقي مرسىٰ.
عاد للخلف يقرأ العبارتين أسفل بعضهما وكأن كلٌ منهما يعبر عن نفسه على هيئة حروفٍ تشكل الحياة من وجهة نظر الأخر، تنهد “يوسف” مُطولًا وقرأ عبارتها من جديد ومن بعدها عبارته هو التي دونها أسفلها:
_ناقصنا حد يواسينا أو يمكن خلاص نسينا.
_كدبت لما قولت هنسىٰ، أنا لسه غريق مش لاقي مرسىٰ.
نادته “وعد” بعدما وضعن الطعام على الطاولة فتنهد من جديد واقترب منهن يجلس على المقعد الخشبي بجوار عمته ومقابلًا لـ “عهد” التي حاولت احجام فضولها تجاه ما كتبه هو لكنها قررت التجاهل وتصنع اللامبالاة _الكاذبة وتنافي مشاعرها التي تتوق لرؤية ما كتبه_ لكنها شرعت في تناول الطعام بصمتٍ وكذلك البقية حتى قطع هو الصمت بسؤاله للصغيرة:
_أنتِ كنتي فين لما “سعد” ضايقك؟؟.
نظرت الصغيرة في جميع الأوجه بإحراجٍ ثم نظرت له تقول بخجلٍ كلما تذكرت السبب:
_أنا قولت لماما هنزل أجيب حاجة حلوة من تحت بس روحت عند المكتبة اللي على الشارع برة علشان كنت بسأل على حاجة عاوزاها.
سألها هو باهتمامٍ وهو يتفحص ملامحها:
_حاجة إيه اللي كنتي عاوزاها تروحي بليل تجيبيها مش إحنا المفروض في اجازة ؟؟.
حركت رأسها موافقةً وهتفت كاذبةً:
_كنت هسأل على مقلمة أجيبها علشان المدرسة قربت.
هتفت “عهد” بنبرةٍ جامدة بعد حديث شقيقتها:
_وهو عمرك طلبتي مني حاجة وقولتلك لأ ؟؟ لو كنتي قولتيلي كنت خدتك جيبتلك اللي نفسك فيه أحسن ما تخوفيني عليكِ كدا وتخلي ماما تعيط علشانك.
_آسفة يا “عهد”.
هتفتها الصغيرة بندمٍ وقد أصبحت تستشعر الخطأ الذي ارتكبته وأنها حقًا تسببت في إدخال الخوف عليهما فيما استشف “يوسف” كذب الصغيرة عليه من خلاله تفحصه لملامحها لذا قرر أن يتحدث معها فوجد “مَـي” تقول وهي تعرض عليه الطعام:
_اتفضل كل بألف هنا وشفا، أكلنا مش عاجبك؟؟.
حرك رأسه نفيًا وهتف بصدقٍ:
_بالعكس شكله حلو أوي تسلم الايادي، هاكل أهو.
لاحظت “عهد” صوت هاتفها الذي أخذ يرتفع برقم الطبيبة فوقفت تقول بسرعةٍ كبرى وهي تبحث عن حقيبتها بعينيها:
_أنا هروح دلوقتي العيادة علشان الدكتورة أتصلت أكيد قربت توصل، عاوزين حاجة سلام.
كانت تتحدث بلهفةٍ حتى اوقفتها والدتها تقول بلوعةٍ:
_”عهد” !! خلي بالك من نفسك يا حبيبتي وحاولي متتأخريش ولما أكلمك ردي عليا بالله عليكِ.
حركت رأسها موافقةً ثم ودعتهم من جديد ونزلت بعجالةٍ حتى تلحق العيادة قبل تكدس المريضات أمامها، بينما “يوسف” أنهى الطعام بشرودٍ فوجد “وعد” تسأله بحيرةٍ:
_هو أنتَ بتروح فين يا “يوسف” ؟؟ مش المفروض تكون عايش هنا ؟؟ بتسيب طنط لوحدها إزاي بقى ؟؟.
أبتسم رغمًا عنه وقال بقلة حيلة:
_للأسف مش بأيدي أني أفضل ثابت في مكان واحد، عندي كذا حاجة لازم أخلي بالي منهم كلهم.
اقترحت عليه بحماسٍ شديد:
_طب ما تجمعهم سوى علشان متتعبش، “عهد” علطول تقولي لما نرتب الحاجة مش هنتعب فيها.
لاحظ أن هناك حكمة من حديثها لم يقو على التقاطها لذا سألها باهتمامٍ جليٍ:
_لأ وضحي كدا ؟؟ يعني إيه مش فاهمك.
تنهدت مطولًا ثم بدأت في التفسير مردفةً بقولها:
_يعني مثلًا لو عندنا كتب كتير مكركبة وكل حاجة مش في مكانها واحنا عاوزين الحاجة دي بس هي متبهدلة، “عهد” قالتلي نرتب الحاجة الأول ونحطها في مكانها وبعدها ناخد اللي احنا عاوزينه من مكانه من غير كركبة، أنا لما بذاكر كنت بحط الحاجة مع بعضها، بس بعدها بقيت أحط كل حاجة في مكانها.
فهم مقصدها فوجد نفسه يبتسم بإشراقٍ وهو يقول مُكررًا خلفها وكأنه عثر على حل معضلته:
_صح، أحط كل حاجة في مكانها المظبوط علشان أقدر أتصرف في باقي الحاجات، وارد جدًا لما كل حاجة تكون مترتبة أكيد هقدر أتصرف بخطوات أقل.
لاحظت عمته حديثه لكنها لم تفهم منه أي شيء، فيما وقف هو ثم مد كفه لـ “وعد” يقول ببراءةٍ حقيقية كما براءة الأطفال وقد لاحظت عمته طريقته:
_بقولك إيه تيجي معايا تحت ؟؟ هجيب حاجة ونرجع تاني
نظرت لوالدتها تستشيرها في الخيار الصحيح فوجدتها تحرك رأسها لها حينها نزلت من المقعد وشبكت كفها الصغير في كفه ثم سارت معه وهو يبتسم لها، بينما “فاتن” تتبعت أثره وهي تحاول فتح الحديث معه أنها ستتركه وتذهب إلى ابنها.
نزل “يوسف” بالصغيرة في يده ثم دلف بها محل البقالة الموجود أسفل البيت وأشار لها أن تختار ما تريده لكنها رفضت بشدة حينها قال هو بنبرةٍ هادئة:
_مش كنتي قولتي لـ “عهد” تجيبلك حاجة حلوة ؟؟ هاتي اللي أنتِ عاوزاه وملكيش دعوة ولا أجيبلك أنا ؟؟.
تحرك بؤبؤاها بتوترٍ ملحوظٍ وخوفٍ من والدتها وشقيقتها وقالت باستسلامٍ له:
_هجيب حاجة واحدة بس.
حرك رأسه موافقًا فوجدها تختار حلوى صغيرة زهيدة الثمن لا تتعدى الخمس جنيهات، ابتسم على قناعتها وقرر هو أن يجلب لها الكثير والذي توقع أن تشتهيه هي كطفلةٍ صغيرة كمن غيرها ممن هم في عمرها، كانت تتابعه وهو يملأ الحقيبة البلاستيكية بالكثير والكثير لكنها لم تتوقع أن يمد يده لها بالحقيبة قائلًا بوجهٍ مبتسمٍ:
_دول بقى ذوقي أنا علشانك، خديهم.
حركت رأسها نفيًا بخوفٍ عاد لها من جديد فقال هو بحزنٍ مصطنعٍ:
_خلاص يبقى ألغي الصحوبية اللي بينا بقى.
تنهدت بيأسٍ ثم أخذتها منها مرغمة على هذا الفعل تشعر بأنها خالفت مباديء التربية التي تحاول شقيقتها تعليمها لها وكذلك والدتها، فيما أمسك هو كفها ونظرًا لكبر الحقيبة عن ذراعها أخذها منها وقال:
_هاخدها منك ولما نروح البيت هسلمهالك، اتفقنا؟
حركت رأسها موافقةً وسارت معه إلى مقدمة الطريق العام فتتبع هو المكان بنظراتٍ مُتفرسة ثم سألها وهو يشير برأسه نحو إحدى المكتبات:
_هي دي المكتبة اللي جيتي عندها صح؟؟
حركت رأسها بحيرةٍ طفقت تظهر في عينيها فوجدته يخفض نفسه لمستواها وهتف بنبرةٍ هادئة:
_بصي أنا عارف انك مقولتيش الحقيقة، ممكن تقوليلي كنتي عاوزة إيه منها وانا أوعدك والله مش هقول لحد خالص، ممكن ؟؟
زاغ بصرها لبرهة وتحرك بؤبؤاها هربًا من الجواب لكنها استشفت الصدق في حديثه فقالت بخجلٍ منه وكأنها ارتكبت جرمًا في حق البشرية:
_”عهد” حوشت علشان تعملي السماعة اللي كنت عاوزاها، وأنا كنت عاوزة أجيب علشانها سلسلة كنت شوفتها هناك مرة فيها حرف “ع” كنت هجيبها من الفلوس اللي محوشاها.
سألها باهتمامٍ وقد عقد مابين حاجبيه:
_طب مجيبتهاش ليه ملقتيهاش؟؟
حركت رأسها نفيًا واضافت بأسفٍ:
_لأ لقيتها بفلوس أكتر من اللي معايا وأنا أصلًا صرفت فلوسي من زمان، كنت هحوش تاني بس عمو مش هينفع يشيلها علشاني.
يا الله ما هذا النقاء الذي تحمله تلك الصغيرة في قلبها ؟؟ مشاعرها الجميلة الرقيقة جعلته يتذكر علاقته بـ “قمر” حينما كان يتودد لها ويوعدها بالكثير والكثير لأجلها، لذا هو أكثر الناس فهمًا وإدراكًا لما تشعر به هذه الصغيرة وقد قرر ألا يحرمها من هذا الشعور الجميل فاعتدل واقفًا وأمسك كفها يقول بنبرةٍ هادئة:
_تعالي معايا يا “وعد”.
تحركت معه الصغيرة بإذعانٍ له نظرًا لرابط الثقة الذي نشأ بينهما واحترمته هي فوجدته يعبر الطريق ويدخل بها المكتبة فشهقت بدهشةٍ وقد فهمت سبب المجيء إلى هنا، فضغط هو على كفها يُطمئنها ثم نظر حوله يبحث بعينيه عن السلسال وحينما صعبت عليه هذه المهمة مال يهمس لها بقوله:
_بقولك إيه ؟؟ هاتي السلسلة اللي عاوزاها علشان مش عارف هي عاملة إزاي، يلا الراجل خايف مننا أصلًا.
ضحكت له ثم تحركت نحو الحامل المعدني تشير عليها فوجدته يقترب وهو يرى السلسال اللامع الذي يلمع ببريقٍ لونه فضي وبه حرف “ع” وأسفله رسمة عينٍ سوداء اللون فابتسم هو على هذه الصدفة الغريبة ثم سحبها من الحامل واقترب من الرجل يضع حسابها، لكنه لاحظ وقوف “وعد” تشرأب برأسها نحو شيءٍ آثار فضول طفولتها فسألها باهتمامٍ:
_عاوزة حاجة ؟؟ شوفي كدا ؟؟
حركت رأسها نفيًا وهو حاول أن يعرف سبب ما تريده لكنه فشل في هذا لكنه توقع أنه أحد الاشياء الخاصة بالأدوات المدرسية، خرج بها من المكتبة يعبر الطريق من جديد فوجد “إياد” يقابلهما وما إن رأه هتف بمرحٍ:
_يوسف !! فينك ياعم حارة العطار مضلمة من غيرك.
هتف “يوسف” بسخريةٍ بعدما ضحك رغمًا عنه:
_حبيبي، كفاية نور عمك فيها الله يباركله.
حذره “إياد” بقوله حينما لاحظ طريقته في التحدث عن عمه:
_لأ كله إلا عمو “أيوب” دا حبيبي، اللي يزعله أنا ممكن أزعله.
أبتسم “يوسف” من جديد وسأله:
_قولي بس رايح فين كدا ؟؟
رد عليه بضجرٍ تلبسه فور تذكره:
_رايح اسأل عن كتاب الانجليزي علشان هبدأ درس خلاص لو لقيته هقول لبابا واجيبه، هتيجي معانا يا “وعد” ؟؟
حركت كتفيها بحيرةٍ فسأله “يوسف” بتعجبٍ:
_تيجي معاكم فين ؟؟.
فسر الأخر بقوله قائلًا:
_تيجي معايا أنا و “أبانوب” و “كاترين” درس الإنجليزي علشان المستر اللي كان بييجي عندنا سافر، بس فيه ميس جديدة جت وهاخد معاها، لو هتيجي يا “وعد” قولي لمامتك علشان تكلم بابا.
تحدث “يوسف” بلهفةٍ:
_بقولك إيه هتيجي معاكم خلاص، أنا هروح عند جدك وأسأله وهقول لمامتها، عاوز حاجة ؟؟.
حرك رأسه نفيًا فرحل بها “يوسف” يعيدها إلى بيتها ثم يذهب إلى طريقه لكي يرىٰ كيف سيبدأ في ترتيب حياته التي فُرضت عليه هنا وهو أضعف من الفرار بعيدًا.
_________________________________
<“الاختيار الخاطيء تسبب في إطفائي”>
وصلت “مارينا” الجامعة مع زميل دراستها “روماني” أنهت ما تقوم بفعله وحجز المذكرات الدراسية الخاصة بالعام الجديد والأخير لها في سنين دراستها ثم جلست معه في كافتيريا الجامعة لتجده يقول مُتغزلًا بها:
_بس إيه القمر دا ؟؟ شكلك حلو أوي النهاردة.
أبتسمت له بمجاملةٍ وبخجلٍ فطري على أنوثتها فوجدته يمد يده لكي يمسك كفها حينها سحبت كفها ونطقت بنبرةٍ جامدة:
_قولتلك مبحبش كدا يا “روماني” بعدين ياريت تشوف موضوع الشغل اللي خالك جابه دا علشان لما تيجي تتقدم بابا يقدر يقتنع.
تململ في جلسته وهتف بضجرٍ من حديثها:
_مش هشتغل، هو أنا في الأخر بعمل كل دا علشان أبقى شغال في مطعم ؟؟ لأ طبعًا أنا بعت واحد صاحبي وهو يسد مكاني، متقلقيش.
شعرت هي بالضيق من لامبالاته لذا هتفت بنبرةٍ جامدة:
_اومال عاوز تيجي تتقدم إزاي وأنتَ مش بتشتغل، إزاي مش عاوز تساعد نفسك ومستني مني أنا أساعدك؟؟.
بادر بالتحدث إليها بلطفه المُعتاد لكنه هناك فتاة تدخلت بينهما تنطق بتهكمٍ:
_خير يا “روماني” ؟؟ مبتردش عليا ليه؟؟ ولا تكون الآنسة هي السبب بقى ؟؟.
كانت زميلتهما في الدراسة وسبق وجمعتها علاقة عاطفية مع هذا المدعي “روماني” الذي اعتاد على كثرة العلاقات مع زميلاته في الدراسة حتى تلك الساذجة “مارينا” ماهي إلا فتاة تتوق للوصول إليها من بعد رفضها لكل أصدقائها وزملاء دراستها.
وقف “روماني” مقابل الفتاة يسألها باستنكارٍ:
_”ماريا” ؟؟ مش قولتي إنك مسافرة؟؟.
كتفت الفتاة ذراعيها وهي ترفع حاجبيها فيما انتفضت “مارينا” من محلها بدهشةٍ يخالطها الحزن بعد استماعها لحديثه وهي تطالعه بغير تصديق، فقالت الفتاة بتهكمٍ:
_لأ مش مسافرة، طبعًا على عينك، مش قولتلي إنك هتقابل أخويا علشان الشغل اللي قالك عليه قبل ماتيجي تتقدم؟؟.
_تــتــقدم !!!!
كان هذا قول “مارينا” المستنكر بعد استماعها لكلمة الفتاة التي أكدت القول حينما تفوهت بالآتي:
_آه يا حبيبتي، اللي متعرفيهوش أنه هيتقدملي وكلم ماما كمان، شكله كان بيتسلى شوية بيكِ معلش بقى حقك علينا.
رمقته “مارينا” بانكسارٍ وقد تبخرت كل ظنونها الخيرة به، الآمال التي تركتها تزداد بداخلها وتبنيها وهي تأمل أن يكون كما ظنته تلاشت جميعها وحل محلها الانكسار وكأن روحها تصدعت إلى أشلاءٍ، التفتت حتى ترحل قبل أن تبكي فوجدته يوقفه بقوله:
_استني يا “مارينا” بس هفهمك.
التفتت تقول بوجعٍ:
_مش عاوز أفهم منك حاجة، الغلط غلطي أنا.
تحدثت الفتاة بانتصارٍ وتعالٍ وهي ترمقها بنظراتٍ خبيثة:
_معلش يا حبيبتي، إحنا متربيين مع بعض وأكيد يعني مش هيفضلك عليا، هعتبرك تسلية لحد ما موضوعنا يتم رسمي.
أمسكت “مارينا” كوب المياه الموضوع على الطاولة وقامت بسكبه في وجه الفتاة التي حاولت أن تقترب منها تدفعها هي الأخرى بعدما فاجئتها بفعلتها وقبل أن تقترب منها تدخل “يوساب” يقف أمام “مارينا” وهو ينطق بتحذيرٍ:
_لو فكرتي تقربي منها أنا هزعلك !!.
هتفت الفتاة بتلجلجٍ واضحٍ بعدما رأته أمامها:
_يا دكتور هي اللي غلطت الأول وأنا بس كنـ….
بترت حديثها حينما أوقفها بيده وهتف يلقي بحديثه للأخر قاصدًا إهانته عن عمدٍ:
_أنا مش عاوز كلمة منك، ولا من البيه اللي فرحان بخناقة البنات عليه كأنه عيل صغير، يلا يا “مارينا” قدامي واظن لو حصل حاجة تاني أنا هوديكم مكتب العميد يشوف صرفة في هبل العيال دا.
تحرك بعدما تحركت “مارينا” أمامه وهي تبكي بانكسارٍ وخزىٍ من تواجده بالمكان ورؤية هذا الموقف المحرج، فكرت في بال عقلها لما لا تنشق الأرض وتبتلعها، توقفت عن السير فجأةً تبكي بقهرٍ جعله يتوقف هو الأخر ثم التفت يقابلها وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
_أنا مش عاوزك تزعلي بس دي نهاية معروفة ومفروغ منها، علاقات زي دي مستحيل تكمل لأنها مش صحيحة والبداية فيها كانت غلط، عاوزك ترجعي تاني زي ما كنتي “مارينا” المتفوقة اللي كانت شعلة حماس وطاقة لكن الواد من ساعة ما اتعرفتي عليه وأنتِ اتغيرتي، أنا بقيت بزعل عليكي.
رفعت رأسها نحوه تطالعه بإحراجٍ وهتفت تستفسر منه بصوتٍ مخنوقٍ من البكاء المخيم على حلقها:
_تفتكر هرجع تاني زي ماكنت ؟؟ أنا حاسة أني بموت بالبطيء ممكن أكون اختارت غلط، بس أنا حسيت أني بقيت مطفية، أنا مش وحشة والله.
أبتسم لها بهدوءٍ وهتف بثباتٍ:
_أنتِ مش وحشة بس اختيارك كان غلط واتسبب في إنك تنطفي، حاولت كتير أمد أيدي في الخفا علشان ترجعي تاني بس أنتِ مشيتي في طريق تاني، ياريت مترجعيش بعد ما تبدأي من تاني، أن تأتي متأخرًا خيرًا من أن لا تأتي أبدًا.
حركت رأسها موافقةً بعزيمةٍ عادت لها من جديد فوجدته يتحدث من جديد مقويًا من عزيمتها هي:
_أنا معاكِ في اللي أنتِ عاوزاه بس عاوز منك وعد إنك ترجعي تاني “مارينا” اللي أنا عارفها مش اللي قدامي دي، وعاوز منك وعد إنك متتكلميش معاه تاني، اللي زي دا خسارة ليكِ، ممكن ؟؟.
نظرت له بقلة حيلة وحينما وجدت نظراته المشجعة لها حركت رأسها موافقةً وهتفت بنبرةٍ خافتة:
_أوعدك.
أبتسم باتساعٍ وقال بنبرةٍ حماسية:
_طب إيه رأيك بقى نروح سوى علشان اضمن سلامتك، أكيد مش هتعرفي تمشي لوحدك وأنتِ معيطة كدا، دا غير أني لو “بيشوي” عرف ممكن يعلقني.
حركت رأسها موافقةً بقلة حيلة وتنهدت بعمقٍ ففي السابق وفي أول سنيين دراستها كانت تأتي معه وترحل معه أيضًا وهو يعرف الجميع عليها أنها قريبته، حتى بدأت تبتعد عنه لتترك له حياته الخاصة دون أن تكون متطفلةً عليه، كانت تشتاق لتلك الأيام التي يرعاها هو بداخل الجامعة وكأنه يحميها من الجميع وهاهي تعهد هذا الماضي حتى لو لمرةٍ واحدة لكن يكفيها أنها معه هو.
كان يسير بجوارها بسعادةٍ بالغة حاول بقدر الإمكان التحكم بها، هاهي رفيقته تعود كما كانت تسير بجواره وتذهب معه كما كان يفعل في باديء الأمر، لم يعلم كيف أحبت الأخر وكيف استطاع التأثير عليها، لكنه حتمًا انتوى معه الشر فيكفيه حتى الآن ما يفعله مع الفتيات مستغلًا كماليات غريبة تتوق بعض الغبيات إليها في الفتى ينكرن عن طريقها شيم الرجال الذي تربى هو عليها في بيته.
__________________________________
<“الحب موجود، لكن أين الأمان والثقة أيها الكاذب”>
لم يستطع أن يجلس هكذا بمفرده وبدونها في الشقة، كرهها وسئم كل شيءٍ، نعم هي مُحقة وهو يشعر بالخجل منها لكن بما يفيد الهروب ؟؟ يتوجب عليه أن يتحدث معها وينتبه لها لذا ارتدى ثيابه بعدما تحدث مع “ميكي” وأخبره بما يجب أن يفعله والآخر يستمع إلى أوامره بإنصاتٍ ثم يتحدث مُطمئنًا له.
خرج “إيهاب” من الشقة متوجهًا إلى بيت “نَـعيم” فوجده فارغًا من سكانه، علم حينها أنهم ربما تفرغوا لأعمالهم، وقد وقع بصره على غرفتها المغلقة لم يحجم شوقه منذ الأمس التي تفاقم عن السابق وارتفعت ضربات قلبه كمراهقٍ يرى حبيبته للمرةِ الأولىٰ من بعد غيابٍ طال، لذا فتح الباب بفتحةٍ ضيقة فوجد “تحية” تجلس أمامها وهي تقول بإلحاحٍ:
_يا حبيبتي كلي بقى، الزعل ملهوش دعوة بالأكل.
حركت رأسها نفيًا وهي تبكي كما حالها من الأمس لم يتغير بل يزداد سوءًا مع مرور الوقت، بينما “تحية” زفرت بيأسٍ وكل محاولاتها باءت بالفشل، لكنها رفعت كفها تملس على خصلات “سمارة” وهي تقول بعاطفةٍ أمومية:
_يابنتي مالك بس، ريحي قلب أمك يا ضنايا، مش قولتيلي أنا بعتبرك زي أمي تمام، قوليلي يمكن ترتاحي.
بكت من جديد وهي تقول بقلبٍ مكسورٍ كما جناح الطير الحزين:
_قلبي مقهور منه أوي، حاسة أنه كسرني، هو دا وعده ليا أنه ميكسرنيش ؟؟ يا شيخة منه لله قلبي اللي حبه وذلني كدا
ربتت “تحية” على رأسها بشفقةٍ فيما وقف هو في الخارج يتابعها بعينين حمراوتين داهمهما البكاء، ليسمعها تقول بتوسلٍ للمرأة بما تسبب في وجعه هو الأخر:
_علشان خاطري ياست “تحية” لو ليا غلاوة عندك روحي قوليله يطلقني وخليه يسيبني في حالي، أنا مش طايقة حاجة ليها علاقة بيه، مش قادرة أنسى إن قلبي خد بالكورباج منه.
لم ينتظر ولم يقف ولم يتمهل بل اندفع بكامل غضبه وعنفوانه يهتف بإصرارٍ كبير ومعاندةٍ لما سمعه منها وقد ارتفع صوته ليصل صداه إلى الجميع في الخارج:
_انسي، طلاق مش هطلق وخروج من هنا متحلميش غير على قبرك أو قبري، ودا أخر قولي يا “سمارة” سامعة ؟؟.
شهقة مستنكرة أخرجها جوف “تحية” بخوفٍ من دخوله المهيب وقد اشتعل لهيب كبرياءها كأنثى مظلومة وخرجت من الفراش تقول بنبرةٍ عالية مقهورة تعاند أوامره:
_وأنا مش هسمع كلامك، خلاص جو سي “السيد” يؤمر وأنا أنفذ دا تنساه، هطلقني يا إما أخلعك وروح للي كنت عندها بقى.
اقترب منها يمسك مرفقها يضغط عليه وهو يقول بنفاذ صبرٍ:
_أنتِ غبية، وربنا غبية وخلاص، بدل كلمة طلقني دي اديني فرصة افهمك اللي حصل، حسسيني إنك واثقة فيا.
ابتسمت بوجعٍ وهي تقول بمجابهةٍ لحديثه:
_دا كان زمان قولتلك، الثقة دي ملهاش وجود عندي.
ترك مرفقها وسألها بذهولٍ من جوابها:
_للدرجة دي ؟؟ معقول ماليش حاجة حلوة عندك؟؟
بكت من جديد وتلبسها الضعف وهي تصرخ في وجهه بقهرٍ أعرب عن كسر روحها الذي تسبب هو به:
_علشان أنتَ كسرتني، وعلشان قهرتني، قولتلك أنا مليش حد في الدنيا دي كلها وأنتَ كل حاجة ليا وأخرتها متصور في حضن واحدة تانية، لأ وكمان رايح لحد عندها وأنا زي الكلبة اليوم دا مستنياك علشان تتعطف عليا وتيجي تاكل معايا، قولتلك قبل كدا حضنك دا ليا أنا وكتفك دا علشان أميل عليه لما الدنيا تيجي عليا وأنتَ رايح لواحدة تانية تديها مكاني، يبقى خليها تشبع بيه، الله يسهلها ويسهلك، بس قبلها تطلقني علشان ترتاح أنتَ وهي.
وقف على باب الغرفة “نَـعيم” و “إسماعيل” و خلفهما “مُحي” الذي تابع ما يحدث بينهما بذهولٍ ازداد مع قول “إيهاب” خاضعًا لها بصوتٍ منكسرٍ:
_حاضر يا “سمارة” هطلقك والليلة دي عند المأذون جهزي نفسك علشان شوية وهنتحرك.
اتسعت عيناها بصدمةٍ جلية وارتمت على الفراش بخزيٍ على الرغم من أن هناك طفرة طفقت تعلن عن نفسها بداخلها أنها انتصرت أخيرًا لكنه انتصارٌ مُخزي، أن تنتصر على الجبهة التي كانت تحميك، فيما التفت هو وقبل أن يتفوه أيًا منهم أوقفهم بقوله هادرًا بنبرةٍ عالية:
_مش عاوز كلمة من حد !! مش عاوز صوت حد فيكم يعلى، اللي هي عاوزاه هعمله وكدا أخر ما عندي، لبسيها يا ست “تحية” علشان نخلص من الصداع دا.
تحرك بعد حديثه متجاهلًا كل النداءات المرتفعة باسمه وخرج لخارج البيت بعدما ألقى قنبلته في وجوههم لتصطدم هي بها وتحمل أثر حديثه الصعب في قلبها.
__________________________________
<“أبغي أن أعتذر عن فعلي، لكني مشاقٌ”>
جلست تلك الزهرة المفعمة بالحياة تقرأ صفحات روايتها المفضلة وهي تغوص في أعماق الرواية بحالمية شديدة، “في قلبي أنثى عبرية” تلك الرواية المّحببة إليها كل الشخصيات تحبها هي وتفضلها، توقفت عند جملتها المفضلة “كُنت يهودية وَهو مُسلم، الآن أنا مُسلمة وهو مسيحي” تنهدت بعمقٍ ثم أبتسمت وهي ترى تلك القصة التي تعشق أدق تفاصيلها.
وجدت الهاتف يصدح برسالةٍ الكترونية تحمل العديد من صور الذهب، وقد رافق هذه الصور رسالةٌ منه يقول فيها بمرحٍ تخيلته هي:
_اختاري شبكتك يا عروسة، عيشت لليوم اللي بخيرك فيه للدهب، المهم بس اختاري بضمير كدا كدا هبيعه في الصباحية.
ابتسمت “آيات” رغمًا عنها وكتبت له:
_طب الله يسهلك يا سيدي، متنساش الخطوبة الشرعية يا…روخ ربنا يكرمك وعلى فكرة هعرفهم إنك بتكلمني.
أرسل لها صورة طفلٍ صغير يرقص وكتب أسفلها بلامبالاةٍ:
_عادي ولا يهمني هو أنا يعني هخاف؟؟ عن إذنك هروح اصلي اللي باقي من عمري قبل ما أخوكِ يعرف.
أغلق بعجالةٍ وهي تضحك بسعادةٍ ثم تنهدت بعمقٍ وقالت بحيرةٍ:
_وبعدين معاك يا “تَـيام” ؟؟ بعدين في اللي بحس بيه؟؟
كانت تخشى السؤال وتخشى الجواب لم تتوقع أن قلبها يحمل حُبًا له، ظنته مجرد شخصٍ مناسب لها ولكنها لم تعلم أن هناك مشاعر مخفية بين ثنايا قلبها، ظهرت مع ظهوره هو في حياتها، الأمر يتطلب العديد من الثبات أمام هذه المشاعر.
مر “أيوب” على الحديقة فوجدها تجلس بمفردها وملامحها يبدو عليها التخبط، لذا أقترب منها يسألها باهتمامٍ:
_مالك يا “آيـات” ؟؟ فيه حاجة؟؟
انتبهت له وحركت رأسها نفيًا فجلس أمامها يسألها باهتمامٍ:
_على حبيبك برضه ؟؟ مالك ؟؟
تنهدت مطولًا وسألته بُغتتةّ بما يشغل تفكيرها:
_”أيوب” أنا محتارة “تَـيام” مخليني محتارة منكرش أنه محترم وشاب أخلاقه عالية وبصراحة متعاون أوي وبيحاول كتير يعمل اللي اتفقنا عليه، بس فيه حاجة بتخوفني كل شوية خوف من حاجة غريبة، فيه صوت ييجي يحذرني أنه هيمل ومش هيقدر يكمل، وصوت تاني يقولي إني بتسرع في اختياري، أنا كنت عاوزة حد زيك بس مفيش، و “تَـيام” معلهوش غُبار أصلًا بس أنا فيه وساوس كتير بتجيلي تخليني تايهة وأنا بخاف أتوه أوي.
فهم هو ما تشعر به لذا ابتسم لها وطمئنها كعادته بقوله:
_ممكن أكون حاسس بيكِ بس فيه حاجة مهمة أوي وهي إن الشيطان مش هيسيبك تبني بيت مسلم بسهولة، للأسف هيوقفك كتير ويعمل خلافات بينكم ويبدأ يظهرلك عيوب أصلًا مش موجودة، كل دا مع اقتراب الزواج لأن دي طاعة كبيرة أوي وفيه نوايا وعبادات كتير يكفي أن المرء يجد سكينته في الزواج ليصبح آمنًا مُطمئنًا ساكنًا بجوار من يحب، علشان كدا افتكري الآية دي كويس قال تعالى:
﴿ إنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهم إنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإنْسانِ عَدُوًّا مُبِينًا ﴾
_واخدة بالك ؟؟ عدوًا مُبينًا، يعني طبيعي يبدأ يوسوسلك في حاجة زي دي، ممكن تكوني أنتِ لـ “تَـيام” طوق نجاة هو مستنيه علشان ربنا ينور بصيرته بحاجات كتير هو ميعرفهاش، يبقى توكلي على المولى وحاربي علشان تبني بيت مسلم يحبه الله ورسوله الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام، ماشي يا ستي.؟.
تنهدت بعمقٍ تعبر عن مدى راحتها ثم رفعت نفسها تقبل جبينه وهي تقول بمحبةٍ خالصة له:
_ربنا يديم وجودك ليا ويكرم قلبك الطيب باللي يتمناه وتنام مجبور الخاطر الليلة دي يا حبيب أختك.
أبتسم لها ثم وقف وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
_طب عن إذنك بقى ورايا كام حاجة مهمة وبعدها هروح للحج وبعدها أروح المسجد، عاوزة حاجة أجيبهالك وأنا جاي؟؟.
حركت كتفيها بتعالٍ زائفٍ وهي تقول:
_قدرني، أشوف كدا تفرحني بكام ؟؟.
ضحك باتساعٍ وهتف بخنوعٍ لها:
_تسوي كتير بصراحة، بس عيني ليكِ، يلا السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
_وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ربنا يفرحك.
_يــا رب أدعي بقلب كبير وألحي أخوكِ محتاج.
ضحكت بصوتٍ عالٍ ثم أوقفت الضحكات وهي تقول:
_ربنا يبختهالك وتبقى من نصيبك إن شاء الله.
وصل “أيوب” محله ودلف يجلس على مكتبه بعدما ألقى التحية على مساعده وقد عاد لما يحبه مراقبة الفخار وصنع يديه لذا كان يشعر بالراحةِ فقام برفع صوت الابتهال المحبب لقلبه مع رائحة البخور الذي دار بالمكانِ جعله يبتسم ويشعر بارتخاءٍ غريبٍ.
بقرب المحل كانت تسير بخوفٍ تصارع نفسها وهي تتمسك بذراع أختها حتى أوشكت على الوصول لكنها التفتت لكي تعود كما كانت آمنة في بيتها لكنها تفاجئت بـ “ضحى” توقفها وهي تقول من بين أسنانها:
_بت !! كملي زي ما كنتِ بدل ماأجيبك من شعرك.
تنهدت “قمر” بضجرٍ وهتفت بصوتٍ مضطربٍ:
_منك لله يا ضحى !! ياستي سيبيني أروح أنا مكسوفة أوي، يقول عليا إيه لما اروحله كدا.
ردت عليها بلامبالاةٍ تقلل من كبر الموضوع:
_ولا أي حاجة واحدة راحة تشكر واحد على اللي عمله،
دا حتى النبي صل الله عليه وسلم قبل الهدية وقال تهادوا تحبوا، يلا بقى بطلي خوف بدل ما أتصل بأمي وأخليها تدخلك بطريقتها.
نفخت “قمر” وجنتيها ونظرت للمحل بترددٍ لكنها حسمت أمرها ودلفت أخيرًا بعدما تركت “ضحى” في الخارج تبتسم لها بتشجيعٍ وتشير لها تحثها على التحرك.
دلفت محله بقدمين متوترتين والأدهى أنها كادت تفقد وعيها، لكنها حثت نفسها على الاستكمال وهي تشعر بسكينة غريبة عليها فور دخولها المكان حيث استمعت لصوت الابتهال وعبر أنفها عطر البخور المميز، وهو يضع رأسه للخلف على المقعد يغلق جفونه مستسلمًا لراحةٍ غريبة أخرجته منها هي بقولها متوترًا:
_السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يا أستاذ “أيوب”.
فتح جفنيه على وسعيهما بعدما ميز نبرة صوتها الرقيقة وحرك رأسه نحوها فوجدها تبتسم بتوترٍ وهي تمسك في
يدها حقيبة سوداء من خامة الكرتون، اعتدل على الفور وترك مقعده يقول بنبرةٍ متلهفة:
_”قمر” ؟؟ أهلًا وسهلًا المكان نور.
ابتسمت له برقةٍ واخفضت رأسها وهي تقول:
_المكان منور بيك، أنا آسفة أني جيت من غير ميعاد.
هم أن يرد عليها بجواب قلبه لكن العقل حذره بقوله:
_اوعى تتسرع، اثبت لو هي غواية أنتَ زاهد.
تنحنح بخشونةٍ وتصنع الجمود قائلًا:
_تحت أمرك طبعًا، اتفضلي عاوزة حاجة ؟؟.
لاحظت هي جموده المُنافي للهفته السابقة لكنها قررت استكمال ما أتت إليه لكي ترحل لذا قالت بنبرةٍ هادئة:
_أنا جيت علشان أشكر حضرتك بعد موقفك خصوصًا إن مجاتش مناسبة يعني، كفاية إنك رجعت ليا أخويا وجمعتنا سوا، عارفة أن دا بفضل ربنا بس أنتَ أكيد سبب قوي من ضمن الأسباب، اتفضل.
مدت يديها له بعد حديثها فحرك رأسه مستفسرًا بوجهٍ حائرٍ فأضافت هي بتوترٍ:
_دي….دي هدية من عند حبيبك النبي، مية زمزم ومصحف من الأرض الطاهرة وسبحة ومعاهم سواك، جارتنا كانت هناك وطلبناها مخصوص علشانك، اتمنى تعجبك.
ابتسم بتأثرٍ ومد يديه يأخذ الحقيبة منها فقالت هي براحةٍ بعد قبوله لها:
_ربنا يكرمك ويزيدك قرب منه، عن إذنك.
تحركت من المكان خطوتين بعدما التفتت لكي تتركه فوجدته يوقفه بقوله بعجالةٍ قبل أن يختفي أثرها:
_آنسة “قمر” !!.
التفتت له باستفسارٍ عن سبب توقيفه لها فوجدته يسألها:
_فاضية يوم الخميس الجاي إن شاء الله ؟؟.
حركت رأسها موافقةً فابتسم هو وأضاف:
_وأنا كمان فاضي…إن شاء الله جاي أقابل أخوكِ.
كادت أن تبتسم بسعادةٍ بالغة وتفضح أمرها لكنه حركت رأسها بإيماءةٍ بسيطة والتفتت بخطواتٍ شبه راكضة تحجم انفعالاتها الفرحة فيما ابتسم هو ثم تمسك بالحقيبة وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
_مش عارف دا صح ولا غلط بس أنا إنسان ضعيف وهي غواية شديدة.
_________________________________
<“لما كُتِبَ علي القدوم دومًا متأخرًا”>
خرج “يوسف” من بيته وقرر الذهاب لبيت والدته لكن أولًا قرر أن يذهب إلى “عبدالقادر” يتحدث معه ويفاتحه في شأن أسرته وأنه يريد الإنتقال بهم إلى هنا، نزل وسار حتى وصل إليه فوجده يجلس مع أحد الرجال ومعه “أيهم” و “بيشوي”.
ألقى عليهم التحية وجلس معهم فتحدث “عبدالقادر” يعرفه على الرجل بقوله:
_دا المهندس “يوسف الراوي” ابن أخويا وزي ولادي تمام
لاحظ “يوسف” صيغة تعريفه وللحق لم ينكر تأثره وفرحته بما قيل، هذا الحديث الذي انتظره من عمه يسمعه مت من شخصٍ غريبٍ عنه وبقدر ما حاول إخفاء تاثره لمعت عيناه بما يوضح هذا ، فيما حرك الشاب راسه موافقًا وهتف بنبرةٍ هادئة:
_تشرفنا يا أستاذ “يوسف” أنا “أسامة” مدرس لغة عربية
حرك رأسه موافقًا وهتف بنبرةٍ هادئة:
_الشرف ليا أنا يا أستاذ “أسامة”.
تحدث “بيشوي” بنبرةٍ ضاحكة:
_جرى إيه يا أوس ؟؟ هتعمل نفسك غريب، خش في الموضوع علطول ؟؟.
حرك رأسه موافقًا بوجهٍ مبتسمٍ وقال:
_طب أنا الحمد لله خلصت الشقة وكل حاجة فيها جاهزة من بعدما جوزت أخواتي البنات وكنت طالب من الحج أنه يسأل الآنسة مستعدة للخطوبة الفترة دي ؟؟.
لاحظ “يوسف” الحديث وظنه عن ابنة “عبدالقادر” لكن قول “أيهم” أثبت عكس ذلك حينما قال:
_للأسف ممكن متوافقش، بس ممكن اسأل والدتها طالما واخد الموافقة المبدئية خلاص متشيلش هم.
حرك رأسه موافقًا بقلقٍ فسألهم “يوسف ” بحيرةٍ:
_هو مش المفروض أنه خطيب الآنسة “آيات” ؟؟.
تحدث “عبد القادر” معلقًا ومعدلًا في آنٍ واحدٍ:
_لأ، دا خطيب الآنسة “عهد” جارتك.
حرك رأسه نحو الشاب المبتسم بعنفٍ غريبٍ فمن أين ومتى وكيف أصبح خطيبها ؟؟ كيف هذا ؟؟ ومن هذا ؟؟ حالة ذهول غريبة تلبسته وسيطرت عليه جعلته يبدل نظرته للشاب فكيف يترك خطيبته للدنيا والناس تفعل بها ما حدث لها ؟؟ كيف أصبحت كما الطير مكسورة الجناحِ وهو موجود ؟؟
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غوثهم)