رواية غوثهم الفصل الثامن والستون 68 بقلم شمس محمد
رواية غوثهم الفصل الثامن والستون
رواية غوثهم البارت الثامن والستون
رواية غوثهم الحلقة الثامنة والستون
“رواية غَـــوثِـهِـمْ”
“الفصل الثامن والستون”
“يــا صـبـر أيـوب”
_____________________
الليل أقبلَ والوجُودُ سُكُونُ
بالليلِ راحت تستريحُ جُفونُ
وهناكَ أحلامُ الخيال توافدت
تسري فتسبحُ فى الخيالِ عيونُ
والروح تمضي فى مجالاتِ العلا
وهناكَ فى نهرِ الصفاءِ تكونُ
فضلٌ من اللهِ العظيمِ على الورى
ليلٌ يجيء وسرهُ مكنونُ
_”محمد عمران”
__________________________________
أما بعد؛ فليس من بعد حديثي عنكِ بعد..
لكن دعيني أولًا أُلقي التحية وأوصف في الكلام، فكل الكلام في حقكم أنتِ وقلبك كلام، وأنتِ إن حضرتي تكوني كما حال القبيلة التي غمرها من بعد حالة حربٍ؛ السلام..
فكل البشر في الأعين سواء..
وأنتِ وحدكِ من بين الجميع الاستثناء،
فأنتِ من تلاشت الغُربة في وجودها..
وهدأ الضجيج في قُربها، وتلاشى الازدحام بحضورها..
وأنتِ التي تُفنى العوالم في عين المرء بدونها..
وأنتِ من عاش القلب في خصومة مع العالم من قبلها
ولم يقبل الصُلح إلا حينما استهدى لدربها..
فيا خليل القلب.. أخبريني كيف تكون الطُرق البعيدة إن لم تكون كُلها لأجل شبيه النفس وخَليلها؟…
<“مُهرة في ميدان المعركة، وليست قطة بجوار الحائط”>
خرجت من الغرفة بنفس الثبات بعدما وضعت مُرادها في جيب ردائها الشتوي ثم تحركت من جديد نحو غرفةٍ أخرىٰ وتحديدًا الخاصة بـ “نادر” وقد أخذت الفرشاة الخاصة به وميزتها من لونها الأسود وعلمت أن صاحبة اللون الوردي خاصة بزوجته، وعلى ذكر زوجته استمعت لصوت المياه بداخل المرحاض فعلمت أنها بداخله حينها أخرجت هاتفها تكتب رسالة نصية مفداها:
_اللي عاوزه معايا يا “مُـنذر”
أغلقت هاتفها ووضعته في جيب بنطالها وقبل أن تخرج من الغرفة تحديدًا وهي على أعتابها وجدت “نـادر” أمامها بعدما فتح باب غرفته وسألها بنبرة جامدة أعربت عن دهشته الواضحة بوجودها في غرفة نومه:
_بتعملي هنا إيه يا “مادلين” !!.
وقفت أمامه بنظراتٍ زائغة تزدرد لُعابها وهي تفكر في حُجة قوية تنطوي عليه وعلى تواجدها هنا خاصةً حينما توقف صوت المياه في المرحاض وقد علمت أن الأخرىٰ أنهت ما تفعله، فحقًا إن كان الهلاك قد اقترب منها، فحتمًا ستلقى حتفها الليلة على أيد عائلة “الراوي”، زاغ بصرها لوهلةٍ فيما أمعن هو نظراته في وجهها ينتظر منها الجواب حتى وجدها تتنفس الصعداء ثم رسمت بسمة هادئة على ملامحها وهي تقول بدهاءٍ بالغٍ:
_بصراحة ماكنتش أحب إنك تيجي دلوقتي، أنا لاحظت يعني إن أنتَ و “شـاهي” بقالكم فترة بُعاد عن بعض وواضح إنكم زعلانين سوى، علشان كدا بصراحة قولت استغل إنك قاعد مع “فاتن” وأتكلم معاها يمكن يكون فيه حاجة مش تمام، خصوصًا إن مامتك زعلانة علشانك.
لقد وجدت الحُجة بسهولةٍ وتحدثت بثباتٍ حقًا تُحسد عليه، لا تعلم حتى من أين امتلكته أمام “نـادر” الذي صدق حديثها وزفر مُطولًا ثم جلس على الأريكة الموضوعة بنهاية الفراش من ضمن أثاث الغرفة وهتف بنبرةٍ ساخرة تهكمية:
_أهو يعني كله ملاحظ غالبًا معادا هي، بس على العموم متقلقيش، مجرد شوية شد بس زي أي أتنين متجوزين، إيه خالي مبيشدش معاكِ خالص؟؟.
ضحكت بصوتٍ عالٍ وصل للأخرىٰ بالداخل ثم هتفت بثقةٍ بالغة لم تنفك عن محلها أو تتزعزع من الأساس:
_أنا عن نفسي ذكية جدًا في علاقتي بيه وعارفة إزاي أخليه وقت ما يشد شوية يرجع تاني عن شدته دي، وكنت هنصحها ودا مش علشان حد غيرك، أنتِ غالي عندي وبعتبرك أخويا الصغير، فلو حابب أتكلم معاها أنا معنديش مانع.
طالعها بنظراتٍ مُطولة يحاول التوصل إلى قرارٍ لكن في نهاية الأمر هذه زوجته وخشى أن يتسبب في أي حرجٍ لها لذا قبل أن يرد ويعطيها الجواب فُتِحَ باب المرحاض لتطل منه “شـهد” التي أنهت استحمامها وارتدت منامة بيتية وما إن خرجت وطالعها “نادر” وزع نظراته بينهما ثم هتف بثباتٍ استعاده من جديد متغاضيًا عن هيئتها وما أثارته في نفسه:
_لأ ملوش لزوم، أنا برضه ذكي وعارف إزاي أحل الدنيا، لو احتاجتكط مساعدتك هقولك، شكرًا.
حركت كتفيها وهي تبتسم له ثم التفتت لـ “شـهد” تخبرها بنبرةٍ هادئة لكن النظرات كانت محذرة عكس نبرتها تمامًا:
_أنا بقول كدا برضه، “شـاهي” أكيد شاطرة وهتعرف إزاي تحافظ على بيتها من غير ماتخلي أي حاجة ملهاش أساس تخرب حياتها، على العموم عن اذنكم، وآه مستنياكم في حفلة عيد ميلادي، أكيد لازم تحضروه وهستنى كل حاجة تتم على ذوقكم.
هتفتها لهما هما معًا بعدما دارت بكامل جسدها وقد رسمت بسمة هادئة وتحركت من أمامهما وأغلقت الباب خلفها ثم تنفست الصعداء بعدما كتمت أنفاسها وسجنتها داخل ضلوعها مثل المُقيد في أسرٍ، وما إن تممت على مرادها خرجت من الممر لكي تتوجه إلى غُرفتها..
بينما في داخل الغرفة تحركت “شـهد” تجاه المرآة تجلس على المقعد بحركاتٍ بدت له عنيفة وهي تسحبه للخلف وتُلقي بجسدها وكأنها تعبر بذلك عن احتجاجها فيما تحرك هو يجلس على الفراش بتجاهلٍ حتى وجدها تسأله باندفاعٍ يعبر عن ضيقها
_هي إيه اللي دخلها هنا !! وبتدخل في خصوصياتنا ليه؟ ياريت يا “نادر” لو نمشي من هنا نرجع بيتنا أحسن.
حرك عينيه نحوها بلامبالاةٍ ثم هتف بثباتٍ وقد تعمد تجاهلها أكثر من السابق:
_لأ، أنا مش عاوز أرجع دلوقتي، أنا مرتاح هنا.
التفتت له بعنفٍ وهي تقول بنفاذ صبرٍ:
_بس أنا مش مرتاحة، حاسة نفسي مضغوطة هنا وكل حاجة بتيجي عليا حتى لو بشكل غير مباشر، “نـادر” معلش ياريت تسمعلي بعد إذنك.
أولاها ظهره وتصنع البدء في نوم وهو يقول بنبرةٍ هادئة لامبالية بها أو بما تقول من الأساس:
_سمعتلك كتير، وأخرته إيه بقى؟.
تلاشى الوجوم من على ملامحها ليظهر عليها التفاجؤ المصاحب بالدهشة الحائرة من تصرفاته ومن طريقته التي أصبحت فاترة وباردة فيما أغمض هو عينيه بأسىٰ وقد أصبح يستثقل هذه العلاقة التي تجمعهما بعدما أعطاها كل ما يكنه لها في قلبه وحتى هذا القلب لم تقدره هي.
__________________________________
<“الحنين هو من ساقنا إليهم، ليس نحنُ”>
ركض مثل إنطلاق البارود بمجرد تشغيله لتنفجر الشرارات منه، كذلك ركض ما إن استمع بخبر إصابة أمه، لم يعرف كيف ركض إليها وكيف تحرك مُنصاعًا خلف هواه وقد استمع لحديث الناس عن خبر إصابتها فرغمًا عنه توجه إلى بيتها الذي يقع في شارعهم الخلفي، سار إليها بخطواتٍ وئيدة يحاول إثناء نفسه عن هذا الفعل لكن ثمة شيءٍ بداخل هذا القلب يخبره بضرورة الذهاب إليها، فهي لازالت أمه وسيسأل عن علاقته بها كما أخبره “أيـوب”..
وصل إلى البيت وصعد الدرج القديم المُتهالك ليجد باب الشقة مفتوحًا على مصراعيهِ وجدته تقف بجوار أمه وهي تقول بتهكمٍ وحنقٍ بسبب ثمل عقل ابنتها عن الواقع:
_أقول عليكِ إيه يا “أمـاني” !! ماهو كله من مخك الساقط منك، ماشية حاطة عينك في الزفت على دماغ أهلك لحد ما التوكتوك حدفك، بش عارفة يا بت !! دا ذنب الواد ابنك الغلبان اللي أنتِ رمياه ولا راضية تسألي فيه ولاحتى تحاولي معاهم تشوفيه، خلي الفلوس تنفعك.
هنا تحديدًا وصل هو وقبل أن يدخل أراد أن يستمع لندمها ولحديثها عنه وهي تعترف بخطئها في حقه، وأنه أضحى ينتظر الحب من إمرأةٍ أخرى حتى أضحى يكرهها أكثر من السابق بسبب اكتشافه لما أفتقده في حياته، لكنها ضربت بظنونهِ عرض الحائط حينما قالت بحنقٍ بعدما أطلقت تأويهًا عنيفًا:
_آه…ياما هو دا وقته؟ بقولك الواد ماشي بالزفت مشغل أغاني وأنا بكلم البت “رنـا” لقيته جاي من ورايا بيشوطني زي الكرة، بعدين ابني هعمله إيه يعني؟ هتحايل عليه؟ روحت أشوفه لما زنيتي عليا ولقيته مع الهانم الجديدة وشكله فرحان، بعدين ياما الواد شقي طلباته مبتخلصش عاوز بال رايق، استني ارستأ أموري شوية بعدها أشوف حل كدا وأبقى أشوفه، بعدين هو يعني هيسيب العز اللي هناك والخدم والحشم وييجي هنا !! دا ابن عز دا.
وقف على أعتاب الشقة بصدمةٍ جلية على ملامح وجههِ فحتى الزيارة التي كانت ستشفع لها عنده كانت مُجبرة عليها، أم تخلت عن كل صفات الأمومة واتسمت بالقسوة والجبروت معًا، نفس الموقف عاد يتكرر وهو ضرب قلبه بكفها لكن هذه المرة في نفس الجرح الغائر، صغيرٌ بقلبٍ يشبه قلوب الملائكة لم يدنسه فقط سوى إنه ابن هذه المرأة.
نزلت دموعه تتسابق على وجنتيه لتشاركه الشفقة على قلبهِ المكلوم وكأن كل سبل التعبير عجز عنها وفورًا التفت بكتفي متهدلين وأطرق رأسه للأسفل يخفي عينيه عن الناظرين له، فبالطبع هو صاحب سُمعة واسعة حفيد عائلة “العطار” يعرفونه الكبار قبل صغار عمره، جميعهم يعرفون اسمه اللامع ونصيبه في عائلة مثل هذه، لكن هل يعلم أحدهم قلبه وما يدور به؟..
في بيت “العطار”..
لاحظت “نِهال” غيابه عن أنظارها، لقد سبق كدت عليه أن لا يغيب عن مُحيط البيت وأن يبقى هنا بالجوار، خرجت تطل من الشرفة الزجاجية المُطلة على الحارة ومحيط البيت فوجدت الصغار يلعبون بدونهِ وكذلك”أبـانوب” و “كاترين” رفقائه أقتربا من البيت لتوهما بدونهِ مما آثار حفيظتها وجعلها تنزل للمندرة تبحث عنه بعينيها لكنها لم تجده، لوهلةٍ أرتاح قلبها فربما يكون بالداخل مع رجال عائلته أو مع الفتيات لكن ما إن رآت غيابه زاد خوفها أكثر وقد انتبه لها “أيـهم” فسألها بتعجبٍ من بحثها عن شيءٍ يجهله هو:
_فيه حاجة ولا إيه يا “نِـهال” ؟!.
التفتت له تسأله بلهفةٍ لم تقوْ على مُداراتها:
_هو أنتَ بعت “إيـاد” في حتة؟ أنا مأكدة عليه إنه ميغيبش عن البيت ويفضل هنا علشان لما أندهله أو أكلمه يدخل، بس ببص ملقتهوش وكمان صحابه جايين برة لوحدهم من غيره، فعلشان كدا بدور عليه.
ابتسم يُطمئنها بقولهِ الهاديء وحديثٍ معتادٍ في مثل هذه الأيام حيث أنه يأخذ الأموال من جده ويذهب إلى محل البقالة يجلب منها كل ما تشتهيه نفسه:
_متقلقيش هو يوم الجمعة بيقبض ويروح يبعزأ الفلوس في حاجات هايفة وييجي يشتغلني، متقلقيش كدا يعني.
حركت رأسها موافقةً وأرادت أن تخبره عن زيارة طليقته لمدرسة الصغير وأنها تقابلت معها لكنها خشيت أن تتسبب في حدوث المُشكلات بينهما وقررت أن تتجاوز عن هذا الفعل لكن هناك شيءٌ ما يُخبرها أن الصغير قد يكون حدث له خطبٍ ما، لذا تحركت لغرفة الفتيات تجلس معهن لكن بشرودٍ…
دلف في هذه اللحظة “أبانوب” و “كاتي” معًا نحو الفتيات لتمر من بعدها نصف ساعة دون تواجده بالمكان، حقًا شغلها وبدأت عيناها تزوغ في كل الأركان وحينما هاتفته كان الهاتف مُغلقًا، وما إن استشعر “أيـهم” طيلة غيابه عن البيت ومحيطه بدأ يبحث عنه وبدأ كذلك “تَـيام” يبحث هو الأخر وبدأت “نِـهال” تتعامل بتوترٍ لتمر نصف ساعة أخرى دون تواجده…
أما هو فكان يسير هائمًا على وجهه في الحارة بعينين باكيتين تشوشت فيهما الرؤية، لقد حاول تخطيها تمامًا لكن روابط الدم تجمعه بها، ليس من العدل أن كل لقاءٍ بينهما يكسر في قلبه جزءًا، لم ينتبه لنفسهِ إلا حينما تخطى شارع بيتهِ وأصبح تقريبًا خارج الحارة، لذا مسح وجهه وتنهد بثقلٍ وعاد من جديد إلى أمه..
هكذا ذكر نفسه أنه الآن يملك عناقًا أدفأ من عناق المسماة أمه، وعنده “آيـات” ولديه عائلة كاملة تحبه ناهيك عن الوحيدة التي زهدته وتركب حبه.
وصل إلى البيت بعد مرور نصف ساعة من التحرك البطيء وكأنه مُرغمٌ على ذلك، وما إن وصل إليهم وجد حالة توتر جعلته ينتبه إليهم لتركض نحو أعتاب الباب “نِـهال” التي سألته بقلقٍ بالغٍ:
_أنتَ كنت فين؟ مش قولتلك مبتعدش عن البيت؟ كدا طيب خلتني أقلق عليك والبيت كله قلق هو كمان؟.
رفع عينيه الحمراوتين لها وقد استشفت هي أثر البكاء فيهما فسألته بنبرةٍ هادئة:
_مالك يا حبيبي؟ أنتَ معيط؟.
حرك رأسه نفيًا فاقترب منه “أيـهم” يسأله بنبرةٍ جامدة وقد فقد أعصابه في الساعة المنصرمة وهو يبحث عنه وقد تلاعبت كل الظنون بعقلهِ:
_أنا عاوز أفهم، أنتَ كنت فين يا “إيـاد” !! ١٠٠ مرة قولت متمشيش في وشك غير لما تعرف حد وتفتح الزفت اللي معاك، أنا مش حمل تعب أعصاب من خوفي عليك، أديك شايف بنفسك الدنيا عاملة إزاي، مش هقدر أتحمل حد يأذيني فيك، مشيت روحت فين…؟
بكى أمام الجميع بصوتٍ عالٍ وتقريبًا كان البكاء لأول مرةٍ منذ انفصال والديه يكون بهذه الطريقة المؤلمة التي جعلت “أيـهم” يتعجب منه، أما “نِـهال” فخطفته في عناقها تبكي هي الأخرى وقد ظنت أن البكاء بسبب زوجها وصوته وانفعاله:
_هو مش قصده يزعلك خالص، هو بس خايف عليك علشان المشاكل اليومين دول وممكن حد يعملك حاجة، بابا بيحبك وكلنا خايفين عليك، علشان خاطري متعيطش كدا.
ارتفع صوت شهقاته أكثر وهو يتمسك بها وبعناقها، يحتمي في هذه من قسوة الأخرى وكأن حديثها لازال يفتك بعقلهِ، لقد ذهب حتى يطمئن عليها وهي حتى مقابلتها له أُجبرَت عليها، لاحظ “أيـوب” تمسكه بزوجة أبيه وكثرة بكائه لذا حمحم بخشونةٍ ثم أقترب منها يبعده عنها دون أن يمسها، أما هي فتركته له واعتدلت واقفة بجوارهما، وحينها ربت “أيـوب” على ظهره عدة مرات ومسح عليه حتى بدأت شهقات الأخر تهدأ تلقائيًا، لكن أنفاسه كانت متقطعة بحالٍ جعل نظرات الشفقة تُصوب نحوهِ أما هو فتمسك بعمهِ حتى قال “أيـوب” بنبرةٍ هادئة:
_خلوه معايا، هو هينام في حضني شوية.
اندفعت “نِـهال” تسأله بلهفةٍ باكية وكأنها تتوسله:
_طب ينفع لما ينام تقولي علشان أفضل معاه؟؟.
هز رأسه مومئًا لها ثم توجه به نحو غرفة الصغير ببيت جده وليس بشقة والده بالأعلى، وقد وقف “عبدالقادر” يُطالع أثر ابنه بحزنٍ وقد فهم دون تفسيرٍ ماحدث، من غيرها المتسببة في ذلك؟ وقد هتفت “مهرائيل” أمام الجميع بنبرةٍ جامدة:
_شكلها هي الحرباية مفيش غيرها، المرة دي عاوزة علقة محترمة بجد، هو عمره ما هيعيط كدا غير لو كانت هي السبب، منها لله، علطول سبب زعله، ربنا ياخدها ونخلص.
حذرها “بيشوي” بنظراتهِ من الاسترسال في الحديث ليجدها تندفع في وجهه بقولها المنفعل:
_متبصليش كدا !! أنا مقولتش حاجة غلط، المرة اللي فاتت ضربتها قلم بس، المرة الجاية هقطع شعرها في أيدي، بس لو هي السبب مش هسكت والله.
في داخل الغرفة تمدد “أيـوب” على الفراش والصغير على صدره ثم رفع ذراعيه يضمه إليه أكثر وهو يقول بنبرةٍ آسية لأجل هذه القطعة الصغيرة التي خرجت من قلبه لتصبح في هيئة إنسانٍ يترعرع وسطهم:
_ربنا يهون على قلبك ويبعد عنه الحزن والزعل ويجازيك خير على صبرك وابتلائك فيها، ويا رب تقدر تعدي كل اللي هي سببته ليك.
نام “إيـاد” بين ذراعي مدينته الآمنة التي أحتوته من قسوة البلدة المُفرطة، هنا تحديدًا يجد كل ماله وكل ما يحتاجه، أما الآخر فوضعه على الفراش ثم خرج من الغرفة ليجد “نِـهال” في وجهه وحينها ابتسم لها وهو يقول بنبرةٍ هادئة أدخلت الطمأنينة داخل قلبها:
_متقلقيش، هو هينام شوية ويصحى ناسي كل حاجة وجعان كمان، تقدري تدخلي دلوقتي تشوفيه وتقعدي جنبه هو هيفرح لما يصحى يلاقيكي جنبه.
حركت رأسها موافقةً ثم دلفت الغرفة تلقائيًا وأغلقت الباب خلفها ثم جاورته على الفراش ومسحت على رأسه تحدثه بنبرةٍ باكية وهي تقول له بوجعٍ:
_عارف !! أنا بحبك أوي وبكرهها أوي، بكرهها علشان زعلتك وبتزعلك، نفسي أقولها أنا حياتي من غيرك كانت عاملة إزاي، وعاوزة أقولها إنك رزق لأي حد، رزق فضلت سنين أحلم بس بكلمة منه، شكلك لسه بتحبها، وأنا بحبك أوي يا “إيـاد” بحبك وبحب حُبك ليا، بحب كلمة ماما منك أوي، ياريتك تحبني زي ما أنتَ حاببها كدا.
بكت وهي تحدثه ثم رفعته بين ذراعيها تضمه لصدرها تستمع لنبضات قلبه وتتابع ملامحه المقتبضة أثناء نومه، لو كان الأمر بيدها لكانت أخبرت الجميع أنه ابنها هي ويخصها هي لكنها حتى هذا الفعل لم تملك الحق فيه.
__________________________________
<“كل ما وددته فقط هو العناق، لكنه كان أمانًا”>
توجه الشباب إلى الداخل عند “نَـعيم” الذي جلس على الطاولة لكي يتناول الطعام معهم، جلس على الطاولة وحاوطه الشباب الخمس دون “سراج” الذي بقى بغرفتهِ حتى لا يتحرك من الفراش، وقد تحدث “مُـحي” الذي عاد من الامتحان لتوهِ يستفسر بتعجبٍ:
_هو “سراج” ليه مقالش في التحقيق إن “ماكسيم” اللي عمل فيه كدا !! ليه قال إنه ميعرفش اللي عملها وهو أصلًا يعرفه؟.
انتبهوا له معًا فيما هتف “يـوسف” مُخمنًا بنبرةٍ هادئة:
_يمكن مثلًا خاف ؟ أو يمكن مش هيعرف يثبت حاجة لأن كاميرات المطار مجابتش أي حاجة خالص وغير كدا “ماكسيم” كان عند “إسماعيل” وفيه شهود وبعدها كان في المطار فعلًا، يعني ولا ليها أي لازمة أصلًا، أهو سافر وغار في داهية لحد ما نشوف أخرتها.
انتبه “نَـعيم” لصمت “مُـنذر” وهدوئه وشروده فسأله بنبرةٍ هادئة:
_مالك يا ابني؟ الأكل مش عاجبك؟ تحب حاجة تانية؟.
حرك “مُـنذر” رأسه نحوه وقد ابتسم فور وقوع بصره على ملامحه وهو يقول بنبرةٍ هادئة بعدما أعاد بصره على موضع الطعام ورفعها نحو عمه من جديد:
_لأ خالص، أنا بس معدتي تعباني شوية، الأكل باين يفتح النفس، شكلهم شاطرين ما شاء الله.
ضحك له “نَـعيم” وهتف بزهوٍ وفخرٍ:
_طبعًا، دا أجل الست “تحية” و “سمارة” الاتنين مجاش زيهم في عمايل الأكل، تخيل لما تحط اتنين كدا خبرة وتخليهم يطلعوا حاجة مفيش في جمالها، يلا بسم الله.
بدأوا الشباب في تناول الطعام وقد سحب “يـوسف” طبق طعامه المفضل “ورق العنب” وطالعه باشتهاءٍ واضحٍ ثم بدأ يأكله حتى هتف “إسماعيل” يمازحه بقولهِ:
_ألف هنا وشفا يا “غريب” تحب تاخد طبقي.
فهم “يـوسف” سبب حديثه وأنه فقط يسايسه حتى يحصل على مُرادهِ لذا ضحك أكثر وهتف بخبثٍ:
_لأ، خليهولك كفي نفسك يا “حوكشة”.
ضحكوا عليه جميعًا فقال “إيـهاب” بثباتٍ وهو يحاول التغاضي عن موضوع شقيقه برغم أن رأسه لم تسكت عن تذكيره بهذه الفكرة:
_أنا قولت بس أعرفك الأول علشان ميصحش نعمل حاجة من غيرك أو حتى من غير ما نرجعلك، “إسماعيل” طلب أيد “ضُـحى” أخت “يـوسف” وهنستناه يسأل أهلها علشان لو خدنا موافقة يبقى هتيجي معانا تطلبها بنفسك.
رفع “نَـعيم” حاجبيه وابتسم بعينيه وهو يطالع “إسماعيل” الذي هتف بنبرةٍ ضاحكة:
_إيه !! أنا حسيت إني مرتاح ليها علشان كدا قولت نعمل فترة خطوبة نتعرف فيها على بعض، وربنا يتمم بخير، معملتش حاجة لسه والله.
ضحك “نَـعيم” وهتف بسخريةٍ امتزجت بدهائهِ:
_قال يعني أنا مش حاسس إن فيه حاجة كدا ولا كدا، أنا بس كنت مستني تجيب أخرك علشان أعرف هترسى على إيـه، طالما نويتها جد يبقى على البركة، أنتَ عارف إنك بخلاف الغجر دول ليك غلاوة تانية عندي.
هذه الجملة لم تمر أبدًا مرور الكرام بل آثارت حفيظة الثلاثة الذين نظروا لبعضهم وخاصةً “إيـهاب” الذي انتفض قلبه من محلهِ، يخشاها بكل ذرةٍ في كيانه، يخشى الحقيقة القاتلة التي إذا اتضحت للجميع سيكون الجميع آمنين وهو وحده المقتول فعليًا، لقد أطلق على شقيقه لقب “كنزه” والآن هذا الكنز سيذهب لملكية آخر يستحوذ عليه بحيازة تنقل له الملكية للأبد !!.
توقف عن تناول الطعام وكاد أن يترك المائدة لكن “إسـماعيل” أوقفه بقولهِ المتعجب:
_رايح فين؟ المحشي اللي بتحبه أهو.
التفت له يخبره بنبرةٍ جامدة وكأنه يرد على قسوة رأسهِ:
_كلت، كلت كتير خلاص.
قبل أن يتمم حركته أمسك “إسـماعيل” كفه وهو يقول بلهفةٍ بعدما لاحظ أنه لم يتناول الطعام منذ عدة أيام بسبب بقائه في المشفى:
_ياعم أقعد بس، أنتَ مبتعرفش تاكل حاجة في المستشفى، تعدمني لو ما قعدت تكمل أكلك، أقعد بس يلا.
رق قلب “إيـهاب” من جديد ووجد نفسه يجلس بجوار شقيقه وبالفعل بدأ في تناول الطعام من جديد بعدما قرب له “إسماعيل” الصحون وهو يقول بنبرةٍ هادئة يمازحه:
_يلا أنا داخل على خطوبة وعاوزك عفي كدا علشان تقدر تسد معايا ولا دي كمان هتقولي مع نفسك فيها؟ دا اللي ناقص تخلع من خطوبتي.
ضحكوا عليهما وكذلك “إيـهاب” الذي منى نفسه بفرحة شقيقه وقد تناسى لوهلةٍ حديث “منذر” مستمتعًا بالوقت مع شقيقه لحين ظهور نتيجة التحاليل الخاصة بإثبات النسب، فمن الممكن بعد ذلك أن تنقلب الأمور رأسًا على عقبٍ، أما “مُـنذر” فلم يخفى عليه الشبه بين الإثنين بدرجةٍ كبرى، الملامح ذاتها بنفس الرسمة الدقيقة والاختلاف فقط أن “إيهاب” ملامحه أكثر خشونة وصرامة عن شقيقه.
بعد مرور بعض الوقت…
دلفوا من جديد غرفة “سراج” الذي توسط الفراش و “جـودي” بجواره تلعب على هاتفها وتشاهد شاشة التلفاز في آنٍ واحدٍ، أما خالها فضمها بقربهِ بذراعهِ السليم يستأمن عليها بجوارهِ وهو يحمد خالقه أن ماحدث لم يكن أمامها أو حتى يكون مكروهًا وأصابها، وقد صدح صوت هاتفه برقمها مما جعله يبتسم وخطف الهاتف من جواره ليجدها تقول بآسفٍ:
_بصراحة يعني قولت أتصل أتطمن عليك..
و..وعاوزة أقولك يعني إني عاوزة أجي أشوفك بس خايفة يكون مش مُرحب بيا، وعاوزة أتطمن عليك وأشوفك.
ابتسم وتحولت بسمته إلى ضحكةٍ خافتة سمعتها هي وتضرج وجهها بحمرة الخجل لتجده يسأل بسخريةٍ:
_يعني كان لازم دمي يتصفى يعني علشان تحني؟ والله لو أعرف كدا كنت بطحت راسي بقالب طوب يمكن يجيبك الشوق زي ما اتفضحتي كدا إنك مش قد البعاد..
ضحكت بصوتٍ عالٍ ثم هتفت بقلة حيلة وكأنها انكشفت أمام نفسها قبله هو:
_ماشي تمام، أنا بعترف إني اتكشفت، بس أنا عاوزة أقولك حاجة، زعلي منك كان على قد غلاوتك وعشمي وأمل قلبي فيك، أنا ماصدقت لقيتك بتحبني علشان أنا “نـور”، كان غصب عني اتصدم، بس لما حسيت إني ممكن أخسر حتى وجودك خوفت أكثر، الخوف منك بقى خوف عليك، مش عارفة هنبدأ من جديد ولا لأ، بس أنا بعترف إني قلبي صفي خلاص.
يا الله، أحيانًا يكتب للمرء أن يحيا بأحلامهِ، لقد استمع لحديثها بقلبٍ يتحرك من مكانه يرقص يين الضلوع، أضحى مثل طفلٍ صغيرٍ حصل على إذن مسبق بالخروج من بيتهِ عشية ليلة العيد ليقضي الليلة بأكملها وسط شوارع البلدة، تجمدت حركته وتثبت مكانه وظل ثابتًا وهو يفكر بكل جدية كيف لبضعة حروفٍ أبجدية أن توضع بجوار بعضها تشكل بعض الكلمات أن تمنح المرءِ عُمرًا جديدًا فوق عمره؟.
لاحظت صمته وعدم وصول الجواب منه فقالت بنبرةٍ هادئة بعدما تأكدت من حاله ومن دهشته من حديثها:
_أنا عارفة إني فاجئتك، بس صدقني دي الحقيقة والله ومفيش غيرها خالص، المهم عندي إنك تكون بخير وكفاية كل حاجة عملتها علشان تثبت إنك اتغيرت، دوري بقى أكمل معاك الطريق، بـس أقـسـم بالله لو حصلت تاني لأكون معبياك في كياس سودا.
تبدل حديثها تمامًا وكذلك نبرتها وهي تُهدده مما جعله يضحك بصوتٍ عالٍ حتى تألم وهو يضحك بعدما تحرك جسده واحتك بالوسادة خلفه ثم سعل عدة مرات حينما وجدها تناديه بقلقٍ بالغٍ جعله يُجلي حنجرته ثم هتف بنبرةٍ هادئة:
_أنا كويس متقلقيش، هشوفك إمتى بس؟.
سحبت نفسًا عميقًا ثم قالت بنبرةٍ خافتة:
_هقول لبابا وأجيب عمتو ونيجي، هو عمومًا رايق جدًا وفرحان أوي إني مش هسافر تاني وخاصةً لما طلبت ورقي وعرف إن كل حاجة هتوصلني خلال أيام، فأكيد مش هيرفض لأي حد طلب.
ضم “جـودي” له من جديد وهتف بخبثٍ:
_طب تمام، روحي قوليله إني طالب إيدك.
ضحكت بسعادةٍ وصلته عبر الهاتف وضحكت “جـودي” أيضًا له وقد دلف في هذه اللحظة “يـوسف” وهو يقول بسخريةٍ بعدما استمع لحديثه:
_هتعيش مستغل وتموت مستغل برضه، أتلهي وشوف كتفك الواقف دا قال طالب أيدها قال، أنهي أب يبلي نفسه بيك؟.
أغلق “سـراج” الهاتف وهو يقول بتهكمٍ:
_مختلفش كتير عن أهل اللي بلوا نفسهم بجوز بنت زيك.
رفع “يـوسف” أحد حاجبيه بسخريةٍ ثم أقترب منه يتحسس جبينه وما إن وجد درجته مرتفعة هتف بنبرةٍ يائسة:
_للأسف شكلك هتتعب بليل زي ما قال الدكتور، المهم خلي بالك وخد العلاج، أنا مش فاضي أقف في عزاك الأيام دي.
هتف “سراج” بضجرٍ منه:
_متجيش ياعم، وغور برة يلا.
فتح “يـوسف” الدواء ثم أعطاه له وهتف بلهجةٍ آمرة:
_هتنام شوية، ريح جسمك ونام وسيبك من الرغي هي مش هتطير يعني، بس علشان لو سخنت متفضلش تهلوس وتعك الدنيا في الكلام، هنا مفيش بنج علشان نقول محطوط فيه حشيش.
ابتسم “سراج” وكذلك “يوسف” أيضًا الذي رفع الغطاء يدثره ودثر معه “جودي” التي ضحكت لهما وقالت بحماسٍ:
_كدا خلاص بقيتوا متصالحين؟.
نظرا الإثنان معًا لبعضهما وقد هتف “سراج” بلامبالاةٍ:
_أنا عن نفسي مش زعلان منه أصلًا.
رد “يـوسف” بسخريةٍ هو الأخر بقولهِ:
_طلعت أنا السافل أبو قلب أسود؟ أنا كدا كدا مش فارق معايا أصلًا ومش زعلان منه، طالما هو عقل ورسي وفهم اللي فيها يبقى خلاص كدا.
دقائق أخرى مرت عليهم اجتمع فيها الشباب مع بعضهم يطمئنون على “سراج” الذي بدأت تظهر عليه أعراض أخرى مثل إرتفاع الحرارة والإعياء ووجع في أنحاء جسده، وقد قام “مُـحي” بإعطائه عقارًا طبيًا غير الذي تناوله سابقًا، بدأ يغفو أمامهم جميعًا لكنه آثر الجلوس معهم.
في الخارج وقف “مُـنذر” بجوار الخيول يتابع عِزتهم وشموخهم الذي ظهر في رفعة رؤوسهم وثبات حوافرهم المغروزة بداخل الرمال، صوت الصهيل علا فجأةً وكأن الخيل قرأ ما به ورد عليهِ، تعجب من الموقف وأقترب منه يربت على رأسه ليجد الخيل يصدر الصهيل من جديد عازفًا على أوتار فؤاده سعادة خاصة لمحبي الخيل، يبدو أنه ورث حبهم من جده وعمه، لذا وقف يمسح على خصلاته السوداء وقال مبتسم الوجه:
_شكلك تقيل، وشكلك برضه لوحدك هنا غيرهم.
أقترب من خلفه “نَـعيم” يقول بنبرةٍ هادئة وبلهجةٍ ثابتة مثل ثبات شموخ الخيول:
_شبهك يعني، أصل الخيول دي زيها زي البشر تمام، من نظرة عين يقروا اللي قدامهم، ومن نظرة عين برضه يعرفوا إذا كان كداب ولا صادق، معدنه أصيل ولا فشوش، واللي متعرفهوش إن الخيل الأصيل مجرد ما يحس إن اللمسة متطمنش والقلب مش دافي بيهيج ويثور، ميسكتهوش غير خَيَّاله وبس، على العموم المكان مكانك يا ابني، ويهمني إنك تفضل هنا وسط أخواتك.
التفتت له “مُـنذر” يهتف بنبرةٍ هادئة أو ربما موجوعة، ففي كلتا الحالتين هو يتألم حقًا:
_شرف ليا بس أنا عندي حاجات مهمة وصعب أتحرك هنا، أنا لازم أورح مكان تاني يكون بعيد عن العيون شوية، بعدين عاوزك تطمن قريب أوي هرجعلك باللي يخصوك مع بعض، “محمد” ابنك وابن أخوك معاه إن شاء الله.
ابتسم له “نَـعيم” وقال بنبرةٍ أعربت عن يأسه وقلة حيلته:
_خلاص أنا وكلت أمري لله، هو اللي بيده كل شيء، إن كان مكتوبلي لقاهم في الدنيا يبقى الحمد لله وإذا مأدرش يبقى برضه الحمد لله، يمكن أشوفهم في مكان تاني يجمعني بيهم، وبرضه البيت مفتوح ليك مع أخواتك، أي وقت عاوز تيجي براحتك، أنا طول عمري بابي مفتوح عمري ما قفلته في وش حد.
أقترب منه أكثر وهتف بنبرةٍ أكثر هدوءًا ودفئًا عن السابق:
_وعاوزك طالما هتمشي من هنا في أي وقت تحتاج حاجة من غير ما تفكير كلمني، أي حاجة فلوس، خدمة، مكان، ورق، أي حاجة أنا رقبتي سدادة، بس طالما هتروح مع “يـوسف” فأنا متطمن عليك هناك، كفاية إنك هتكون جنب “أيـوب” دا لوحده ضمان.
ابتسم له وحرك رأسه موافقًا فهتف من جديد يسأله بنبرةٍ ضاحكة يُجدد عرضه بصورةٍ أكثر ودية لعله يكسر الحواجز بينهما:
_طب مش عاوز أي حاجة قبل ما تمشي؟.
حقًا انهارت حصونه تمامًا، الحديث خرج من القلب وقفز على طرف لسانه لينطق بدون وعيٍ منه مستغلًا للفرصة التي لم تتكرر من جديد:
_ممكن أحضنك قبل ما أمشي؟.
ابتسم له “نَـعيم” بحبٍ خالصٍ وفرق ذراعيه عن بعضهما ليرتمي عليه الأخر وهو يلتقط أنفاسه ويملؤها برائحة عمه، رائحة عتيقة خاصة بأعواد المِسك الأصلي ويخالطها رائحة دفء تشبه رائحة المطر عند هبوبه بعد عاصفة ترابية، كان العناق غريبًا في مفهومه، حينما نضعه في أدق الوصف وأبلغ المشاعر كان يشبه عناق الطفل الصغير الذي أجرم والده في حق القبيلة وقد ركض أهلها خلف هذا الصبي يحملون شُعلات النيران لكي ينتقمون منه، وبهذا العناق وجد النهر الذي سيحميه من نيران القبيلة الظالم أهلها…
ربت “نَـعيم” على ظهرهِ وهو يقول بنبرةٍ حاول جعلها طبيعية وهادئة رغم استشعاره بتسمك الآخر به بصورةٍ غير طبيعية وكأنه يحتمي فيه:
_أنا موجود علطول علشان في أي وقت لو احتاجت حضني أو أي حاجة افتكر إني معاك هنا، أنتَ مش غريب عني، أنتَ إبني، ربنا يستر طريقك وينجيك من كل شر يا رب.
ابتعد عنه “مُـنذر” بعينين حاوطهما الاحمرار وهتف بنبرةٍ مبحوحة يخفي فيها آثار حزنه وتأثره بهذا العناق الذي حرم هو منه:
_وأنا أوعدك كل ما أقف وأعجز عن الحركة هجيلك تاني أحضنك، بس يا رب متزهأش مني أنتَ بس وتمل.
ضحك وهو يجاوبه بسخريةٍ:
_كنت زهقت من المقاطيع اللي جوة دول، خليك بس الليلة دي هنا وبكرة روح مع “يـوسف” يكون وضب المكان بدل ما تطبوا على الناس فجأة كدا، رغم إنهم أهل كرم عمرهم ما يردوا حد خايب، بس الأصول برضه بتقول كدا.
قبل أن يرد عليه ويؤيد حديثه صدح هاتفه برقم “مادلين” ولذا أغلق الهاتف فورًا ثم أخبر الأخر أنه يتوجب عليه الرحيل وقبل أن يستفسر منه “نَـعيم” كان الجواب فقط من الأخر بكلماتٍ موجزة:
_متقلقش، ادعيلي بس.
رحل بعد هذه الجملة ليقف “نَـعيم” يطالع أثر رحيله بعينين شاردتين، لقد ظهر هذا الشاب وقلب موازين الأمور بأكملها، لم يقو على تكذيبه ولم يقو على تركهِ، والآن يدعو الله بكل أمله أن يعود الليلة له بكل خيرٍ دون أن يصيبه أي مكروهٍ.
__________________________________
<“نُحِبْ مَن نُحِّبهِمْ، لأَنَّ هُم مَن نُحِّبهِمْ”>
خرج “بيشوي” من بيت “العطار” برفقة خطيبته ومعهما شقيقتها أيضًا وقد بدا الضيق واضحًا على ملامحها حتى سألها هو بسخريةٍ:
_طب هتفردي وشك إمتى ؟ أنا بتكلم على تهورك يا “مهرائيل” مرات “أيـهم” التانية فيه حاجات متعرفهاش ودي خصوصيات، كل مرة تتهوري كدا وتنسي نفسك في الكلام؟ بعدين دي مشاكل عائلية إحنا ملناش نتدخل.
التفتت له وقد توقفت عن السيرِ بجوار بنايتها وهي تقول بنبرةٍ منفعلة تعبر بها عن غيظها وتفاقم انفعالها:
_متجننيش يا “بيشوي” دي واحدة معندهاش دم، فيه أم ترفض نعمة زي دا؟ معندهاش قلب تحس بيه إنه حتة منها؟ طب مش صعبان عليها إنه حتة منها بتتوجع كدا، مشالتهوش في بطنها؟ دا اللي مربي قطة بيشيل همها ولو زعلت شوية بيزعل علشانها، ما بالك بدا ابنها، إزاي بتقدر تزعله كدا؟؟.
سألته بغير تصديق وقد تهدج صوتها لتقول “مارينا” بتأييدٍ لحديث الأخر وهي تهتف بتوترٍ من انفعال شقيقتها:
_ماشي يا “مُـهرة” أنا معاكِ بس برضه هما مع بعض أحرار يقولوا التفاصيل دي أو يخفوها، كلنا عارفين إنها طيبة وبتحب “إيـاد” وباين جدًا دا من فرحة “إيـاد” بس علشان منحرجش “أيـهم” أو حتى نعمل فجوة بسبب تدخلنا هما أحرار لو عاوزة تشاركي في حاجة يبقى إنك تهتمي بـ “إيـاد” لكن تدخلنا غلط.
رفعت حاجبيها بغير تصديق وهتفت بنبرةٍ عالية:
_يا جماعة دي أمه، أمه، إزاي قادرة تعمل كدا؟.
ابتسم “بيشوي” بثباتٍ وأقترب منها خطوة وهو يقول بنبرةٍ خافتة يشوبها القليل من الخُبثِ أثناء حديثه عن علاقته بها:
_سيبك أنتِ شكلك هتبقي أم عسل، أما الغريب ومحموقة علشانه كدا، أومال عيالك هتعملي معاهم إيه؟ بلاش الكلام اللي يخلينا نعجل الجواز دا بقى.
ضحكت رغمًا عنها بخجلٍ وأدارت وجهها للجهةِ الاخرىٰ وهي تقول بنبرةٍ يائسة بعدما ضحكت عنوةً عن غضبها:
_والله أنتَ فايق ورايق.
ضحك لها ثم قال براحةٍ تخللت صوتهِ:
_ومفوقش ليه يعني؟ قربت اتجوز خلاص ومعايا أشجار الزيتون بتاعتي وماشيين عيني عينك قدام الناس كلها، بعدين سيبك من كل دول وركزي معايا كدا، أنا قررت أني مش هخرج برة الحارة دلوقتي، يعني هنتجوز هنا ونفضل هنا بعدها بكام سنة كدا هنروح أي مكان تحبيه.
هتفت بلامبالاةٍ تنافي حماسه:
_أنا أصلًا مش هخرج من حارة “العطار”، مستحيل أتقبل أي مكان تاني غيرها، بعدين شقتك اللي هنعيش فيها اللي جنب مامتك ومامتي، وجنب “آيات” في نفس العمارة عاوزني أسيب كل دول؟؟ بتهزر أنتَ.
قبل أن يتحدث من جديد ردًا عليها مر من جوارهما “يـوساب” الذي وقف يلقي عليهم التحية ثم هتف بنبرةٍ هادئة وهو يخرج الأموال من جيب بنطاله يمد يده لابن خالته وهو يقول بنبرةٍ ضاحكة:
_أمسك الجمعية أهيه، مش عاوزين “تَـيام” يتكلم كأن محدش هيتجوز غيره، على العموم عقبالك وعقبالي وعقبالنا إحنا الأربعة، ولا إيه يا “مارينا”؟.
وجه سؤاله لها ليجدها تقول باستفزازٍ بعدما ابتسمت له باصفرارٍ وهي تتذكر أمر صديقته المعيدة:
_عقبالكم أنتوا، لكن أنا خلاص ناوية أكمل في التعليم وأخد الدكتوراه بصراحة التفاهات دي مش في دماغي، بعدين أظن إن قريب هنفرح بيك يا دكتور “يـوساب”.
لاحظ جمودها في الحديث والطريقة التي تتحدث بها معه وقد شعر بالحرج منهم لذا هتف بنبرةٍ هادئة يحاول بها إخفاء ضجره من طريقتها:
_طب عن إذنكم أنا مستعجل شوية.
تحرك بجمودٍ من أمامهم جميعًا وقد شعرت هي بالضيق أيضًا لكنها لم تقوْ على الإفصاح عن ذلك وقد أتى في هذه اللحظة “جـابر” الذي رأى ابنتيه بجوار “بيشوي” فتحدث بتهكمٍ ساخرٍ عليه:
_طب إيه يعني؟ ناوي تورثني بالحيا؟ كنت فين ببناتي؟.
ابتسم له باستفزازٍ وهو يجاوبه بكل وقاحةٍ تخلو من الأدب:
_أكيد يعني مخدتهمش أشغلهم في كباريه، أتطمن أنا كنت عند حما بنتك وهي كانت معايا، والمقصود بحماها هنا “عبدالقادر العطار” اللي هيجوزهالي كمان كام يوم..
طالعه “جابر” بسخريةٍ ثم قال بلامبالاةٍ حقيقية كأنه فقد التحكم في زمام الأمور وكأن سفنه ماعدت تشتهي شيئًا وكأنها حتى استسلمت للرياح:
_وماله، خليه ييجي اللي بيشيل إربة مخرومة.
هتف جملته بغرضٍ تهكمي جعل “بيشوي” ينطق مُعقبًا بمرحٍ يقصد به إثارة استفزازه لا أكثر من ذلك:
_بالظبط، اللي بيشيل إربة مخرومة بتغرقه هو في الأخر، فعلشان يلاقي حد يلحقه من الغرق المفروض يسلم للموج، أو يأمن نفسه ويلف جسمه ببالطو حلو…
سكت لوهلةٍ يتابع نظرات “بيشوي” ثم أكمل وهو يشير على نفسه بزهوٍ وثقةٍ:
_أنا بقى البالطو دا، أحسنلك خليك في دفايا ومتلعبش من ورا قفايا، علشان أي حركة كدا كدا هتتقفش.
أشار “جابر” لفتاتيه أن يقوما باتباعه نحو الداخل ثم تجاهل وقوف “بيشوي” الذي رفع أحد حاجبيه ثم التفت عائدًا إلى بيته وهو يقول بنبرةٍ خافتة يهمسها لنفسه بحنقٍ:
_صبرك عليا، وربنا يقدرني ومبقاش أول واحد يغز حماه.
__________________________________
<“خطوة واحدة فقط فُرادة، ثم باقي الخطوات جمعًا”>
خرج من بيت “نَـعيم” يتوجه بالدراجة النارية الخاصة به إلى منطقة بعيدة قرب “نزلة السمان”، وصل إلى هناك في وقتٍ قياسيٍ وقد وجدها بسيارتها تنتظره وما أوقف هو الدراجة نزلت من السيارة ثم أقتربت منه بكيسين صغيرين وهي تقول بنبرةٍ هادئة:
_دول شعر “سـامي” و “نـادر” عملت زي ما قولت خدتهم من الفرشاة بملقاط ورجعتهم تاني علشان محدش يشك في حاجة، أظن كدا أنا مفيش أي حاجة أقدر أعملها تاني، ساعدتك بما فيه الكفاية، مطلوب مني حاجة تاني؟.
رفع حاجبه لها وسألها بنبرةٍ جامدة:
_مالك خايفة ليه؟ مش عاوزة تربي “سامي” اللي كل همه أنه يخلص منك في الشغل وفي حياة “عاصم” ؟ أنا هخلصك منه، في الحالتين لازم “سامي” يغور في داهية، حتى لو مات مش هتبقى موتة سهلة، سواء كان ابنه أو لأ، أنا ناوي نية سودا ليه، بس أخد اللي عنده الأول.
حركت رأسها موافقةً ثم سألته بترددٍ وكأنها تخشى ما تستفسر عنه:
_طب…طب “عـاصم” أكيد مفيش حاجة من اللي قولتها دي هو فيها صح؟ يعني “سـامي” بس لكن جوزي مش معاه صح.
ابتسم بعينيه حينما استشف خوفها على زوجها وسألها بنبرةٍ ساخرة:
_إيـه !! خايفة عليه ولا بتحبيه؟.
سحبت نفسًا عميقًا ثم هتفت بنبرةٍ جامدة:
_أكيد بحبه، وخايفة عليه، أنا بساعد “يـوسف” علشان عارفة إنه مهما عمل مستحيل يقدر يعمل حاجة لعمه أو عمته، لكن “سـامي” صعب شيطان عايش وسط الناس، عايش يأذي ويلعب في دماغ الناس، صدقني “عـاصم” مش زي “سـامي” وجوزي ملهوش علاقة بكل دول.
نفخ وجنتيه بضيقٍ ثم أخرج الهواء وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
_اتطمني، جوزك ملهوش علاقة بيا ولا أنا ليا علاقة بيه، أنا حقي كله عند “سامي” وحق “يوسف” وحقنا كلنا حتى حق “أيـوب” اللي اتخطف زمان عند “سامي” يعني لو كل واحد بس سلم عليه مننا مش هتقومله قومة، إنما جوزك هو و ابن أخوه يتصافوا سوى، أنا خلاص كدا مش هطلب منك حاجة، بس زي ما اتفقنا تراقبيه وأي حاجة ملفتة في تصرفاته عرفيني.
حركت رأسها موافقةً ثم أعطته الأكياس الصغيرة التي حملت شعيرات صغيرة من كلا الطرفين لكي يتأكد من حقيقة النسب وعليه سيفعل نفس الشيء مع “نَـعيم” و “إسماعيل” وبناءًا على هذه الخطوة ستتم باقي الخطوات التي حتمًا ستوصله إلى ما يُريد، أما هي فتحركت من أمامه تلج داخل سيارتها وتركته يقف مع نفسهِ وهو يفكر في القادم، دخوله حارة “العطار” لم يكن بالشيء الهين، وحده يواجه قبيلة كاملة وعليه الآن أن يبدأ في تجهيز الجيش، لكنه يأمل في تكوين جيش يكون مثل الغوثْ له، جيش يحمي ذويه ويكون غَـوثهم، لذا عليه أن يذهب للغوث.
__________________________________
<“لقد أخبرنا بها القلب، فهيا نخبر الآخرين”>
لقد أخبره “نَـعيم” بما يتوجب عليه حتى ينقل “مُـنذر” إلى حارة “العطار” لذا ترك المكان بعدما جلس قليلًا برفقة “لَـيل” الذي أخذ يداعبه ويشاكسه خاصةً حينما أخبره عن “عـهد” وحالتها وكيف أصبح وجوده معها يشكل فارقًا كبيرًا، ظل بجوار رفيقه ثم ودعه وتحرك بعدما التقط له الصورة المعتادة في كل زيارةٍ له.
توجه من منطقة السمان إلى حارة “العطار” ومنها إلى بيت العطار مباشرةً دلف إلى الحديقة ليجد “أيـوب” بها غالبًا بدا له أنه يُذاكر أو يفعل شيئًا من هذا القبيل، أقترب يجلس أمامه وهو يقول بسخريةٍ:
_بتذاكر !! خلاص يا شيخنا اللي ذاكر ذاكر.
انتبه له “أيـوب” وأغلق الكتاب ثم هتف بنبرةٍ هادئة بعدما ابتسم له وكأنه يُحرجه بدون أن يتحدث مباشرةً:
_وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
حمحم “يـوسف” وحك فروة رأسه الخلفية وهتف بنبرةٍ هادئة:
_بتحرجني بالأدب يعني؟ ماشي ياعم، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، فين الحج عاوزه ضروري.
أخبره بثباتٍ بعدما أرجع ظهره للخلف:
_الحج جوة هتلاقيه بيتابع الأخبار أو بيقرأ قُرآن، عن إذنك هروح أعمل عصير لمون بالنعناع وأجيبه وأجيلك، تحب حاجة تاني؟؟.
حرك رأسه موافقًا وهتف بوقاحةٍ:
_ياريت تتأخروا لحد ما أشرب سيجارة براحتي.
استغفر “أيوب” ربه ورحل من أمام “يوسف” الذي ابتسم له ثم أخرج السيجارة يُشعلها وهو يستنشق هواء الحديقة وقد عاد “أيـهم” من الخارج وصدفةً وجده يجلس في الحديقة فاقترب منه يرحب به حتى أطفأ الأخر سيجارته مما جعل “أيهم” يهتف بنبرةٍ ضاحكة:
_يا عم أنا مش “أيـوب” براحتك كدا كدا.
ضحك له “يـوسف” وقد خرج “عبدالقادر” وخلفه ابنه الذي حمل صينية العصير ووضعها على الطاولة وبعد الترحيب جلسوا معًا ليقول “يـوسف” بالدخول مباشرةً في الحديث:
_أنا من ساعة ما جيت هنا كنت غريب بس أنا بعتبر نفسي وسط أهلي وخصوصًا أنتَ يا حج، فأنا فيه واحد تبعي المفروض أنه بيدور على مكان يقعد فيه، وبصراحة أنا كنت هجيبه وأجي علطول بس مقدرتش غير لما اسأل، فيه مكان؟.
ابتسم له “عبدالقادر” وهو يقول مُرحبًا بضيفه لكنه أضاف حديثًا جديدًا يُجدد تفكيره به:
_ضيوفك هما ضيوفي، الحارة كلها تحت أمرك، بس قولي مش نفسك تأمن على بيت أهل مراتك؟ وتعمل كارت إرهاب لـ “وجدي” ؟؟ خد ضيفك دا قعده هناك علشان لو فكر بس يعمل حاجة يعرف إن عينك عليه، لو مش عاوز الحارة مليانة شقق شوف المكان اللي يعجبك كمان.
انتبه له “يوسف” الذي وجد هذه الفكرة هي الأجود على الإطلاق لذا هتف بثباتٍ يوافق على الاقتراح بقوله:
_أنا كنت ناوي أخلص كام حاجة كدا وأفوقله علشان الشقة اللي أجرها لـ “سـعد” دي بس حلوة فكرتك يا حج، هنفذها إن شاء الله، ولو احتاجت حاجة هقولك أكيد.
بادله “عبدالقادر” الحديث ببسمةٍ هادئة ثم قال بنبرةٍ ضاحكة يمازحه بها:
_طب إحنا عقبالك كدا داخلين على كام فرح حلوين، مش ناوي تاخد أخوك في إيدك ونفرح بيكم بالمرة؟ ولا عجبكم وضع الجواز تحت إيقاف التنفيذ دا !!.
ابتسم له “يـوسف” وهو يقول بقلة حيلة يوافقه:
_لأ طبعًا مش عاجبني، بس على العموم هظبط أموري ونحدد ميعاد الفرح، بس أشوف شغلي الأول لأن في أي وقت ممكن يكلموني أسافر، علشان كدا ممكن على إجازة نص السنة !! أظن أنا كدا موجب أهو.
سأله “أيـهم” بنبرةٍ ضاحكة وهو يذكره بالموعد الذي فرضه على شقيقه عند الخِطبة:
_يعني خلاص فكيت الحظر عنهم؟ كتر خيرك يابني.
رفع “يـوسف” عينيه وطالع “أيـوب” وهو يقول بنبرةٍ هادئة وصادقة كل كلماتها لم تكذب بل نطقت بالحق:
_علشان ماكنتش فاهم اللي فيها، واللي فيها إن “قـمر” أمانها وفرحتها وأي حاجة هتخليني متطمن عليها هتكون مع “أيـوب” فمش من مصلحتي آجل خصوصًا إني يهمني فرحة أختي أكتر من أي حاجة.
أقترب منه “عبدالقادر” يهتف بخبثٍ يكشف له نفسه أمامه وأمام البقية لكن بنبرةٍ ضاحكة:
_عليا أنا برضه يا ابن “مصطفى” !! قال يعني مش علشان هتتجوز أنتَ كمان ؟ بس على العموم “عـهد” أمانة في رقبتي يعني لو أنتَ وصي على أختك فأنا غصب عنك وصي عليها، ويهمني إنك تحطها في عينيك، دي غلبانة وطيبة ومعدنها أصيل بجد.
ابتسم له “يـوسف” وهتف بنفس الصدق:
_متقلقش، مكانها جوة العين محفوظ.
بعد مرور دقائق انتهت الجلسة بعدما أصر هو على الرحيل متحججًا بعملهِ صباحًا وقد سار معه “أيـوب” يوصله إلى الخارج حتى فاجئه “يـوسف” بقولهِ الذي لم يتوقعه:
_على فكرة “ماكسيم” سافر تاني.
انتبه له “أيـوب” فوجده يقول متابعًا على حديثهِ:
_أنا عارف إنك ساكت من برة بس من جواك عكس كدا، عمه مات وراح علشان يقسم الإمبراطورية الكبيرة اللي بيدوسوا بيها على الناس ويخطفوا العيال ويسرقوا تاريخ البلد، على العموم، حوار فتح الكتاب والتحصين دا أنا عاوز أعرفه منك بس بالتفصيل، السؤال بقى، أنتَ ليك في الحاجات دي بجد؟.
حرك “أيـوب” عينيه نحوه وهتف بنبرةٍ قوية كقوة شخصيته تمامًا:
_فيه فرق بين إني أعرف الحاجات دي وبين أني بعملها، الدين مش للتجارة والقرآن مش للخورفات، القرآن هو دستور ربنا سبحانه وتعالى أنزله على عباده علشان ينظم كل حاجة، مستحيل تلاقي مسألة حياتية مش في القرآن، لكن كون إني شخص جاحد أروح اتاجر بكتاب ربنا، دا الكُفر بعينه، ومسألة التحصين هي معروفة، بس في الحالات الشرعية يعني لو الدولة مثلًا هتاخد الحاجة دي من غير تهريب أو أي حاجة فيها حرمانية بيتم تحصين المكان والعمال، إنما اللي الجدع دا عاوزه مني أنا مستحيل أعمله لو على رقبتي، فوق إنها حرمانية كبيرة إلا أني مش الشخص اللي يستغل علمه بالشكل دا.
ضحك له “يـوسف” وهتف بإعجابٍ صريح بشخصيته:
_ربنا يقويك ويثبتك يا أسطى “أيـوب” على العموم أدينا عايشين محدش عارف الدنيا هتودينا فين تاني، بس أهو خلينا مع الأيام، يلا تصيح على خير.
تحرك “يـوسف” من المكان فيما وقف “أيـوب” ينظر في أثرهِ بهدوءٍ ثم عاد إلى موضعه من جديد يُكمل دراسة العلوم الشرعية التي لازال يقوم بدراستها ولوهلةٍ تذكر أمر طارفة العَين فأغلق دفتر المحاضرة وفتح هاتفه يتحدث معها ويطمئن عليها ليجدها تقول بنبرةٍ ضاحكة:
_إيه ياعم فترة الخطوبة دي؟ مفيش خروجات مفيش خناقات ؟ مفيش حوارات ؟ مفيش أي حاجة خالص؟.
ضحك لها ثم هتف بقلة حيلة يسخر منها:
_سبحان الله الإنسان طبعه نمرود، يعني ربنا مراضينا ومعوض علينا بعد اللي شوفناه بدل ما نحمده نفضل كدا ننبر؟ ياستي عيوني ليكِ مفيش خروج من البيت غير بإذني، أقولك ؟ لما نتجوز لبسك هيتغير.
هتفت بلهفةٍ حماسية بعد هذه الجملة تخبره عن أحلامها وأمالها التي تحلم بها معه:
_عارف؟ نفسي أخد الطريق دا خطوة خطوة وأنتَ تكون معايا وتشرف على الإنجاز دا كمان، أبدأ من أول كل حاجة لحد ما أقدر أعمل كل حاجة، ونفسي أوي مع كل إنجاز يقربني من ربنا أشوف الفرحة في عينك، أحس إني عملت إنجاز وأبويا بيفتخر بيا، وبما أني اتحرمت إني أشوفها في عيون بابا، أتمنى أشوفها في عيونك أنتَ.
لمعت عيناه ببريقٍ خاصٍ وشعر بخفقة قوية في قلبهِ، حديثها دومًا يملك طيب الأثر على نفسهِ أما تحديدًا هي تخبره عن الأحلام المشتركة بينهما، تخبره عن ما تنمناه وهو أيضًا يتمناه، أن يأخذ الطريق لله معها هي، لذا هتف بنبرةٍ مُحشرجة:
_تعرفي إني نفسي برضه في كدا؟ أنا جربت الإحساس دا مع “آيات” لسه فاكر فرحة يوم ما ختمت القرآن وفرحة لبسها الخمار وفرحة أول مرة ختمت القرآن في قيام الليل، حياة حلوة أوي، كلها طاعات تخلي قلبك بينور مع الوقت، بس اقولك ؟؟ الكلام مش هينفع في التليفون، أنا هجيب ورقة وقلم وهعملك جدول، تبدأي زي ما أنا بدأت، إن شاء الله ربنا يكرمني بأجر كبير زي دا ويرزقك حبه وحب طاعاته والتقرب إليه، ويرزقك الثبات ويردك إليه ردًا جميلًا مهما بعدت المسافات..
سحبت نفسًا عميقًا ثم هتفت بتأثرٍ:
_طب يا مطروف العين روح نام بقى علشان شوية كدا هتصحى للقيام وتصلي بالناس في المسجد، بس خلي بالك، أنا عاوزة أصلي في الحرم معاك، يعني جهز فلوسك يا أسطى “أيـوب”.
هنا تحدث بنبرةٍ ضاحكة وقد أسعدته بهذا الحديث فهتف يمازحها بقولهِ ضاحكًا:
_يا بنت الناس مال كلامك حلو كدا ليه؟ أنا صابر بالعافية ولسه فيها لنص السنة علشان يبقى ليا حق فيكِ، بس على العموم أنا مستني، وأستنى العمر كله علشانك كمان.
تضرج وجهها بحمرة الخجل وسألته بنبرةٍ متوترة وكأنها تود أخذ الجواب الذي سيطمئن قلبها تمامًا:
_طب أنا عاوزة أسألك حاجة مهمة، أنا طول عمري بخاف، بحس إني ناقصني حاجات كتير غصب عني مش بقدر أعرفها، فممكن أفضل أطلب منك طلبات كتير، أنا مش بقولك كدا علشان أزعلك أو أخوفك، بس أنا حاسة إنك قريب مني زي نفسي، يعني مش بتكسف أتكلم معاك، فحابة أسألك إيه ممكن يتغير فيا لو فيه حاجة تحبها تتغير؟..
تلاشت بمسته وهتف بنبرةٍ أهدأ تنطق بكلماتٍ حكيمة تخبرها بما يفكر هو به تجاهها شارحًا مقصده بأبلغ الكلمات:
_أنا لو عليا فأنا زي ما أنتِ كدا حبيتك، أو بالأصح اتفتنت بيكِ، غواية عتية على قلب زاهد مشافش حب قبل كدا من النوع دا ولا جربه، فكانت أول مرة وهي أني لما شوفتك، الإحساس اللي قالي إنه أنتِ مش غيرك هو نفس المكان جوايا اللي اتهز لما استخرت ربنا علشان أخد الخطوة وأتقدم ليكِ، فبطريقة غير مباشرة كدا أنا حسيت إن دا مكانك اللي اتهز جوايا والضلع اللي اتخلقتي منه، فصحيت اليوم دا خرجت الصدقة وصومت ٣ ايام وانا بطلب من ربنا تيسير أمري، وكانت النتيجة يوم كتب كتابي عليكِ وأنا ماكنتش متوقع كدا، فبقيت مطروف العين بيكِ.
ضحكت بسعادةٍ شعرت بها من خلال نبضات قلبها ومن خلال حديثه ثم قالت بنبرةٍ حماسية حينما لاحظت قدوم والدتها:
_طب بص..أنا بحبك أوي أوي أوي، هروح أكلم كدا وأجي أكلمك تاني علشان الكلام حلو محسسني إني عاوز أجي دلوقتي أترمي في حضنك كدا.
ضحك رغمًا عنه بيأسٍ من طريقتها فيما أغلقت هي الهاتف وارتمت على الفراش ثم كعادتها أخرجت الخطاب الأول له تقرأه كعادتها في كل ليلةٍ لتكون آخر ما تراه عيناها جملته الختامية حين كتب:
_مع تحيات من أعطيتيه أنتِ لقبًا مُحببًا على قلبه:
الأسطى/ “أيـوب” بتاع القُلل.
أغمضت جفونها ونامت تحتضن المرسال البُني الذي توغل من خلاله الدفء إلى قلبها، فمن غيره الرجل الذي اختصرت فيه كل الرجال ليكون هو لا غيره من يحق له أن يُبصر جمالها، هذا الذي أضحى لقبه مطروف العين بها.
__________________________________
<“لما يشعر بها القلب بهذه الطريقة”>
عاد إلى بيته لكنه قبل أن يستخدم المصعد إلى الطابق الخاص بشقتهم وجدها تهاتفه من رقم والدتها وقد كتبت له رسالة مختصرة مفداها:
_لو جيت تعالى أنا فوق السطح مستنياك.
توجه إلى الطابق الأخير مباشرةً ليجد الباب مُغلقًا، حينها أخرج مفاتيحه وفتح الباب ودلف ليجدها تجلس في المنتصف على المقعد بنفس جلسته الأولى في ذلك اللقاء الذي جمع بينهما للمرة الأولى حينما وضعت السكين على نحرهِ، أقترب منها من الخلف يلثم وجنتها بحركةٍ مفاجأة جعلتها تلتقط أنفاسها ثم اعتدلت تقف أمامه وهي تقول مبتسمة الوجه:
_اتأخرت ليه يا “يـوسف”؟.
استند على الحائط المُزين بالزرع خلفه وهتف يواجهها بنبرةٍ ساخرة مشيرًا إلى كلماتها السابقة معه:
_علشان متبقاش مصيبة سودا يا “عـهد”، فيه واحدة تقول لواحد كدا ؟؟ أنا لما جيت أقولها، قولتها بطريقة أنا بحبها، طريقة تطمنك، إنما طريقتك خلتني عاوز أجري، فبقيت بخفف المصايب عنك.
سحبت نفسًا عميقًا ثم أقتربت منه تقف مقابلةً له وهي تقول بنبرةٍ هادئة تفسر له مقصد الحديث، لكن رغمًا عنها خرجت النبرة مهتزة ومتوترة حينما هتفت بخوفٍ ورغمًا عنها بكت وهي تحدثه:
_هي مصيبة سودا بالنسبة ليا، علشان أنا عمري ما حبيت، ولما بحب أنا بخاف، أكتر واحد حبيته كان بابا، كنت علطول مقتنعة إنه أمان، فلما كبرت على حبه فجأة لقيت نفسي من غيره، مشي، فكنت خايفة اتفاجيء إنك مشيت كمان، لسه كل يوم عندي نفس الكابوس إنك مش هنا أصلًا، لسه مش عارفة أقتنع إنك هنا علشاني، لسه عقلي واقف عند نقطة إنك هتاخد اللي ليك وتمشي، وحاجة جوايا مخوفاني أكون مش أنا اللي ليك، أنا غصب عني حبيتك، غصب عن خوفي حتى بقيت بحبك، حبك مش مصيبة ولا حاجة، حبك هو الحاجة اللي أنا بقيت عايشة علشانها.
خطفها بين ذراعيه فجأةً بعد حديثها فبكت هي في عناقهِ ورفعت ذراعها الحر تطوق عُنقه فيما مسح على ظهرها ورأسها وهو يقول براحةٍ تخللت نبرة صوته:
_يا شيخة كفارة، كفرتي سيئاتي علشان تردي روحي؟ مين قالك إني هسيبك؟ ومين قالك إني ممكن أفكر حتى أتخلى عن حاجة تخصك؟ أنا هنا وهفضل هنا، صحيح دخلت الأرض هنا غريب ومليش فيها حاجة وداخل أخد أمي وأختي وأمشي تاني بس لقيت حاجة تانية مينفعش تتساب، أبقى جاحد لو عملت كدا.
ابتعدت عنه تطالعه بعينين مبتسمتين رغم أثر البكاء فيهما ليضيف هو بما لم تتوقعه منه حينما هتف مراوغًا:
_الوردة الحمرا، يرضيكِ أمشي وأسيبها؟
ضربته في كتفهِ بقبضتها حانقةً على سخريتهِ حتى وجدته يبتسم رغمًا عنه ثم ضمها من جديد يربت على ظهرها وهو يقول بنبرةٍ هادئة يخبرها بكل صدقٍ لعله يُطمئنها:
_حتى لو أنتِ بعيد عني وحتى ولو أرضنا مكانش مكتوب ليها تتلاقى في مكان واحد، برضه كنا هنتقابل، لو كل الدنيا دي سابتك ومشيت أنا مش هامشي، صحيح دخلت أخد اللي ليا، واللي ليا لقيته مستنيني ومعاه كل الدنيا، اتطمني يا “عـهد” اتطمني علشان أنا أتطمنت لما لقيتك، والخصومة اللي بيني وبين الدنيا صالحتها علشانك أنتِ.
رفعت عينيها نحوه وهتفت تمازحه بقولها:
_شوفت بتقول كلام حلو إزاي؟ مش قولتلك مصيبة سودا؟.
ضحك رغمًا عنه وضحكت معه هي الأخرى ثم استقرت هنا وسكنت هنا في نفس المحل الذي اطمئنت له هنا والمكان ذاته الذي أخبرها قلبها بأهميته، فبدون السَكن كيف للروح أن تأمن وبدون الشبيه كيف للشبيه أن يطمئن؟
__________________________________
<“لا تكذب، لقد صدقك القلب”>
عاد “مُـنذر” من مقابلته مع “مادلين” إلى بيت عمهِ مُباشرةً لكن بدلًا من التجول ليلًا دلف إلى الغرفة التي حددها له “نَـعيم”، خلع سترته الجلدية وظل فقط بالسترة البيضاء التي كان يرتديها أسفل السترة الجلدية، أخذ وصل التحليل يضعه في هاتفه من الخلف حتى لا يضيع..
مرت عليه بعض الدقائق وهو يتوسط الفراش يحاول التفكير في أي شيءٍ قد يُسهل عليه الطريق، حيث هو هنا لم يملك أي أفراد، فقط “إسماعيل” صديقه المقرب منذ الصغر ومن المستحيل أن يخبره بما يفعله، لذا زفر بقوةٍ وقبل أن يخرج للخيول بالخارج وصلته طرقات فوق باب الغرفة تبعها دخول “نَـعيم” مبتسم الوجه وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
_أنا كنت بلف على الرجالة وقالولي إنك لسه حاضر من برة، تحب أجيبلك تاكل أو عاوز حاجة محددة؟؟.
وقف “مُـنذر” عاجزًا أمامه وأمام حنانه المُفرط عليه، أراد أن يخبره أن يَكُف عما يفعله حتى لا يعتاد على ذلك وهو من الأساس حُرِمَ من كل ذلك، لكنه عجز أيضًا عن الرد وقد أغلق الأخر الباب وعبر لداخل الغرفة يقف أمامه وهو يسأله بشوقٍ بالغٍ:
_بما إنك عارف شكل ابن أخويا، قولي هو عامل إزاي؟ شبه مين، وبيعمل هناك إيه معاهم؟ وتصرفاته عاملة إزاي؟ هو فعلًا هناك كان صاحبك صح؟.
تنهد “مُـنذر” وابتلع الغصة المريرة في حلقه ومعها أجلىٰ حنجرته ثم هتف بنبرةٍ ضائعة:
_آه صاحبي، شكله حلو، طويل وعريض مقارب لجسمي كدا، بيعمل هناك إيه فهو عبد، بينفذ أوامر بس مش أكتر ومش أقل، تصرفاته بقى غريبة، مطرقع وحر ملهوش أي قيود بس للأسف كل دا جو زنزانة واسعة مهما كبرت اسمها سجن.
لمعت العبرات في عيني “نَـعيم” واقترب يسأله بلهفةٍ:
_طب هو اسمه إيه؟.
تقابلت النظرات معًا في لحظةٍ أسرت فيها كل عينٍ الأخرى، حيث الترقب واللهفة من جهةٍ و الهروب والخوف من جهةٍ لينطق كاذبًا:
_”محمود” اسمه محمود بس فيه كذا اسم تانيين.
حرك رأسه موافقًا ثم اقترب منه يقول مبتسمًا بسخريةٍ موجعة حينما تثبتت النظرات:
_طب يا “محمود” هتفضل مخبي نفسك عن عمك كتير؟ قادر تكون قصادي ومداري نفسك عني؟ طب أنا مش قادر أكتر من كدا، أنتَ قادر إزاي؟ بتكدب إزاي وانا قلبي مصدقك؟ وعيني قريتك، لو أول مرة محسيتش حضنك فيها، فأنا الليلة دي اتأكدت إن أنتَ هو، باعد نفسك عني ليه؟.
قال جملته ثم فرق ذراعيهِ عن بعضهما ليقف أمامه “مُـنذر” بعينين دمعتين لأول مرّةٍ منذ أمدٍ بعيدٍ، ليحثه “نَـعيم” بشوقٍ وهو يقول:
_تعالى، تعالى في حضن عمك.
ركض إليه “مُـنذر” يضمه وهو يتشبث به وتلك المرة بكى حقًا وفعلًا، لقد ترك نفسه لمشاعرهِ وطاقته تحركه، لم يقوْ على الكذب أمام هذا الكم الهائل من العواطف والمشاعر المقدسة التي يحملها له هذا الرجل، لقد تمنى أن يستشعر هذا الأمان ويتذوق معنى الدفء، أراد أن يفهم ما هو شعور الأمان، والأمان لم يجده إلى هنا في كنفهِ، فكيف يحق له أن يكذب والقلب سبق وصدقه؟؟
__________________________
_لا تنسوا الدعاء لإخواننا وتذكروا أن الدعاء هو السلاح الوحيد، فاللهم أنصر إخواننا في سوريا والسودان وفلسطين وشتى بقاع الأرض، اللهم نصرك الذي وعدت.
____________________________
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غوثهم)