رواية غمرة عشقك الفصل العاشر 10 بقلم دهب عطية
رواية غمرة عشقك الجزء العاشر
رواية غمرة عشقك البارت العاشر
رواية غمرة عشقك الحلقة العاشرة
انا لا أبخس في حبي لكن المعادلة بسيطه ، فمن اهداني ورة هديته ابتسامة ، من اهداني السعادة قلبي بين يداه… ومن اهداني عُمره روحي فداء له…….
#دهب_عطية
سارا معا على الطريق حتى يصلا لمحل الذهب
لشراء شبكة الخطبة…. وكما يقول العرف
وتقليد يجب انتقاء شبكة على القيمة ترفع
من شانك امام الجميع……
كانا الاثنين يرفاقهما رباب شقيقته الكبرى وحبيبة ابنة عمه…. ومن ناحية سمر والدتها واخيها الذي
احضر بعض اصدقاء الحارة لفعل جو مبهج
بدراجات البخارية بعد ان يتم شراء الشبكة
كنوع من الفرح بطريقة الشباب……
نظر لها ابراهيم ثم ابتسم وهو يمسك يدها ليدخل الى محل الذهب… اخرجت اخته زغاديد عالية لكي ينتبه صاحب المحل لهم….. انتبه الرجل بالفعل
وتقدم منهما بإبتسامة واسعة…. وهو يقول
بالباقة……
“أهلا نورته المحل….. تحت امركم المكان كله بتاعكم……”
اقتربا سوياً من الواجهة الزجاجية العريضة التى احتوت على بعض قطع الذهب الأنيقة……
بدأ الصائغ بعرض بضاعته عليهما وهو يسالهما بهدوء…..
“الطقم ده لسه جاي من يومين.. بس شيك اوي.. بصي ياعروسة واتفرجي…..”
نظرت سمر إليه وبدأت تجرب بعض
( الدبل الذهبية) على اصابعها الرفعية الطويلة…
عجبتها واحده منهم فمدت يدها إلا إبراهيم تسأله بعد ان ارتدتها….
“حلوه دي يابراهيم…..”
اوما لها وهو يبتسم وعيناه تشع حب
نحوها….
“جميله……. مبروك عليكي…..”
استدرت لتاخذ راي امها وشقيقة ابراهيم وحبيبة أيضاً والكل مدح في ذوقها وأكد على اختيارها
لتلك القطعة وبالفعل اختارتها وبعدها اختارت
الخاتم بعد عناء في البحث فهي ذات ذوق عالٍ
ولا يجذبها شيءٍ بسهولة الا ان كان مميز
مثلها !..
ابتسم ابراهيم بعد ان اختارت سمر خاتمين ودبلة الخطبة أخيرا…….وزادت الزغاريد ونزلت التهنئة
من امها واخته وحبيبة وعانقتها كلا منهن متمنيةٍ
لها حياة كريمة وسعادة قريبة…..
همس ابراهيم للصائغ بكلمات غير مفهومة فاومأ
له الصائغ بسرعة وهو يشير على عينيه ثم ذهب ليجلب له طلبه…..
نظرت سمر اليه باستفهام وهي تسأله
بفضول…
“انتَ كُنت بتقوله إيه….”
اخبرها بهدوء….
“هتعرفي دلوقتي……”
اتى الصائغ واحضر له علبة متوسطة الحجم
حمراء انيقة فتحها إبراهيم وكان بها اربعة
أساور من الذهب انيقة الشكل ورقيقة كذلك…..
مسك ابراهيم يدها ووضع بها الاساور واحده تلو الأخرى وهو يقول وسط دهشتها…
“دي هديتك ياعروسة…… ملهاش دعوه بشبكة الخطوبة اللي اتفقنا عليها…..”
إبتسمت ولمعة عينيها السوداء وقد تأثرت من تلك الكلمات ليس لأجل الاساور الغالية بل لاجل هدية كهذهِ؟ فعلاقتهما مزالت على البر !………
تاوهت سمر بحرج وهي تخبره…..
“بس دول غاليين اوي يابراهيم….”
وضع اخر اسوار بيدها وهو يخبرها بحب….
“مفيش حاجة تغلى عليكي ياسمر……الغالي يرخصلك…….”
نظرت سمر لامها التي دمعت عيناها وهي تدعي
لهما بسعادة واكمال الزيجة على خير….وزعت سمر انظارها بين رباب وحبيبة لتلمح اي انطباع برفض على تلك الهدية لكنها وجدتهن بيتسمنا لها ويبدا بتهنئة للمرة لثانية لكن بحرارة اكبر ومع التمني بموعد الزواج القريب لهما…..
انتبهت لابراهيم وهو يهمس في اذنها بصوت
عذب…
“مبروك ياست البنات……”
اطرقت براسها وهي ترد بحرج…..
“الله يبارك فيك يابراهيم……”
سألها بخبث….
“مفيش عقبالك……”
رفعت راسها ونظرت اليه بعذوبة قائلة
برقة….
“كفاية انا عليك…… ولا مش كفاية….”
دللها بصوتٍ هامس…..
“كفاية طبعاً…..انتي نصيبي من الدنيا…..ونص الحلو……”
زادادت ابتسامتها إتساع وخفقات قلبها تكاد تصل للعنان……..
تعالت الزغاريد من جديد وقد بدأ الجميع بالخروج
من عند الصائغ لمشاهدة عرض الشباب بالدراجات البخارية في الشارع وكان احمد من ضمنهم…….
كان احمد يستقل خلف شاب يقود دراجة بخارية
ويتراقص بها في نصف الطريق على شكل دائرة كبيرة وأيضاً هناك بعد الحركات الغريبة التي توقف القلب الضعيف باستثناء سعادتهم حينما
يتقنون تلك الحركات ؟!…..
وضعت زينب يدها على صدره بقلق وهي تخبر
ابنتها برعب….
“شايفه اخوكي مش هيرتاح غير لم يقع من عليها ويتجبس………اذا كان هو ولا ابن صلاح…….”
أشارت زينب على كرم الذي يجلس خلف سائق دراجة اخرى ويشعل احد الالعاب النارية (شماريخ) تخرج شرار لامع لأشعال الجو بالبهجة….وبالفعل كان الجو غاية في البهجة والجنون وقد بدات الاغاني الشعبية تصدر من الدراجات البخارية لتعطي جو اخر من الصخب مع (الشماريخ النارية) التي جزء منهم كان يخرج بعض الألوان على هيئة دخان…. وجزء آخر كان يشتعل بشرارة فضية ساحرة تدب الفرحة والابهار في اعين الجميع….
زاد الصياح وجنون الشباب لتضحك سمر عليهم
وكذلك إبراهيم……لكن للحق شقاوتهم تلك
والحركات العفوية خلقت جو جميل صاخب يصحبه
السعادة التي علما ببساطة وقتها ان اليوم لن يتكرر والسعادة المجنونة تغمرك في لحظة وتهجرك في لحظة، لذلك اندمج الجميع مع الجو وهما أيضاً ظلا يشاهدا العرض الصبياني بابتسامة واسعة…..
رفع احمد عيناه على حبيبة الواقفة تتابعه بابتسامة واسعة لا تخلو من الخجل وقد توردت وجنتيها كلما تقابلت عيناها به……لكن آخر نظرة قبل ان ينزل من الدراجة كانت غمزة وقحة منه جعلت وجنتيها
تحمر أكثر كثمرة طماطم ناضجة مما زاد توهج
عيناه وهو ينظر اليها يكاد يلتهمها من شدة جمالها
وبراءتها معه……
نزل احمد من الدراجة البخارية وتقدم منها مما جعلها ترتبك وهي تنظر لابراهيم الذي توحشت نظراته حينما وجده يتقدم من ابنة عمه حتى سمر وقع
قلبها بخوف وهي تنظر لامها…..
وقف احمد امام حبيبة واشعل احد (الشماريخ)
ذو الشرارة الفضية واعطاه لها بصمت…..
توسعت ابتسامتها وهي تاخذه منه بدون جدال
فهي تعشق تلك الالعاب النارية وكان تود ان تسرق
منهم واحده وتجرب شعور اللعاب بها…..
اخبرها أحمد وهو يبتعد بالاشارة ان تلوح بها وتستمتع وبالفعل لوحت بها بانبهار وهي تضحك
بسعادة لتلمع العيون الزيتونية اثار انعكاس الشرارة
الفضية عليها لتعطي للجميلة سحر اخر وكانها
اكسير من الفتنة والبراءة…….
نظرت سمر لابراهيم بحزن وقالت بغيرة…
“اشمعنا انا يعني….”
سالها بشقاوة وعيناه تتعمق بعيناها السوداون.
“عايز اي ياشبح…..”
هتفت بسرعة….
“واحد شمروخ يابراهيم….”
كتم ضحكته وهو يعقب ساخرا…
“الاسم لوحده ميتبلعش …..”
بررت وهي تترجاه بدلال….
“ماهو اسمه كده هو انا بخترع يعني…واحد شمروخ بقه……….ونبي……”
عقب إبراهيم وهو ينظر لاحمد فهو سبب طلبها وسبب انتباه الصبيان لحبيبة وهي تلوح بالعبة النارية بيدها….
“والله اذا كان عليا عايز اضرب اخوكي دلوقتي…”
لكزته في ذراعها في لمحة بصر وهي تدافع عن
اخيها بحب وفخر به…..
“حرام عليك…. دا عسل…… كفاية الجو اللي هو
عمله عشاني…”
أومأ لها وهو يحاول ان يجاريها حتى ينتهي اليوم بدون ان يكسر فرحتها……
“ماشي ياحنينه…….استني قولتيلي بقه عايزاني اجبلك إيه….”
“شمروخ…….”
رفع حاجبه مستنكر الطلب ثم عقب….
“والله شبح ونظرتي مكدبتش…..استني…”ذهب لياخذ واحده من كرم وبالفعل اشعلها ليخرج
الشرار ويزيد الانبهار بعينيها السوداء وقد صاحت
لاخيها وقتها بفرحة مفرطة……..ضحك ابراهيم
على افعالها وهو يقول بتحفظ…..
“بس احنا في شارع يامجنونه…..طلعتي عيله
اوي…. ”
غمغمت سمر وهي تبرم شفتيها
بضجر….
“بس ياعدو الفرحه……”
أشار على نفسه بدهشة وهو يقول بتوعد زائف…
“انا ياشبح…….. ماشي حسابك معايا بعدين…..”
ضحكت ضحكة مفعمة بالانوثة وهي تنظر أمامها
لتلمع عيناه وهو ينظر لجانب وجهها الجميل متذكر قبلاته على وجنتيها الناعمة المعطرة الشهية…
بلع للعابة حينما اتت عيناه على شفتيها الحمراء
الناضجة كالفاكهة التي تنتظر من يقطفها من اعلى
الشجر ، حتماً سياتي يوماً ويقطفها بتمهل متلذذ
بكل جزء منها…..
رفعت سمر عيناها عليه وهي تسأله بحاجبين منعقدين عن سبب صمته……
ابتسم ابراهيم بشقاوة وهو يخبرها
بعبث….
“بعد الجواز هقولك…..”
توسعت عينيها وفهمت جيداً مقصده ولم تعقب بل تركته وذهبت لتقف بجوار شقيقته وابنة عمه كعقاب له على وقاحته المتزايدة معها….
…………………………………………………………..
وضعت سمر الاقراط وهي تخارج من غرفتها
ناظرة لاحمد الذي كان ممدد على الاريكة يعبث
في هاتفه…..
نظرت له سمر وقالت بحنق ويداها بخصرها..
“اي ياستاذ احمد موركش مذكره ولا إيه…..
طول النهار قعده على التلفون…..”
زمجر بتشنج صبياني…..
“بقولك اي سبيني في حالي الله يرضى عليكي…..كفاية اترحمنا من خالك……ودخل نام
وسبنا شوية…..”
عال صوت شخير عارف من الغرفة المجاورة تافف أحمد وهو يقول هاكما….
“اعوذ بالله…. لا ما ريحني وهو صاحي ولا وهو نايم…..”
عقدت سمر رباط القميص للخلف وهي تقول بتحذير….
“اتلم ياحمد امك لو سمعتك هتزعل منك…”
لوح بيده باستهانه وهو يعود للهاتف من جديد…
ثم نظر اليها من جديد وسالها….
“هو انتي لبسه كده وراحه على فين….”
ردت سمر بإختصار…..
“الكوافير طبعاً….. الخطوبة بليل ياستاذ…..وعلى فكرة إبراهيم جاي كمان شوية عشان بتوع
الفراشة……… اقف معاه ياحمد ونبي.. ”
رد بجدية مُستنكر التوصيه الغريبة منها….
“أكيد هقف معاه امال مين اللي هيقف يعني….”
اعطته قبله في الهواء وهي تقول بحب..
“احلى اخ في دنيا……… قلب اختك والله….”
سألها أحمد بهدوء…
“انتي خلاص قررتي تعملي الخطوبة فوق… السطح….”
عكفة كم القميص قليلاً وهي ترد عليه….
“انسب حل طبعاً…. انت عارف الشقة ضيقه… وكمان ابراهيم مش جاي معاه خطوبة في الشارع فقولت فوق السطح واديني استأذنت صاحب البيت
و وافق علطول كتر خيره…. ” اشارت له بالمغادرة وهي تضع الحقيبة على كتفها…..
“يلا سلام ياحبيبي…..”
نظر لها وهو يقترح….
“اجي اوصلك طيب….”
وقفت وهي ترد عليه بايجاز….
“لا مش لازم…..اصل مش هبقا لوحدي حبيبة
جايه معايا وحنين كمان…….”
اعتدل في نومته وهو يزمجر بدهشة…
“حبيبة؟….وراحه تعمل اي الهانم في الكوافير…هو مين العروسة انتي ولا هي…… ولا هي مرقعة وخلاص….”
نظرت له سمر بحدة و اوقفته بحزم…..
“اتلم ياولا…… انت مالك ومالها…… خليك في حالك وبعد عن البت…… حبيبة مش زي البنات الفلتانه اللي تعرفها اظبط الكلام كده وعقله يابشمهندس….”
نظر لها ذاهلا….
“وانا قولت اي يعني…….انا… ”
رفعت سبابتها وهي تحذرها بحسم…
“أحمد انا مش عايزه مشاكل مع ابراهيم…إبراهيم بيغير على اهل بيته وحبيبة زيها زي رباب ورحمة عنده….. فبلاش عوا معاه وخليك بعيد عن البت…..
ركز في مذاكرتك وشهادة الكبيرة…. انت لسه صغير على الحب ولڤلڤه……. اهدى كده وقول هديت…..”
نهض بضيق وهو يقول بتبرم….
“قسما بالله بقيتي نسخة من خالك….”
رفعت حاجبها الايمن وعوجت شفتيها وهي تنظر
له باستنكار معقبة بسخط….
“بقيت زي خالك عشان………. بقول الحق.. ”
وقف امامها وهو يقول ببرود…..
“خلاص ياسمر اقفلي على الحوار… معاكي رصيد…”
ردت سمر عليه ببرود وهي تنظر اليه بسخط….
“آآه معايا… اي هتكلم صحابك من عندي يامحترم.. هي دي الرجوله…. ولا تكونش هتكلم البنات من على الفتورة…. خلصها بقه زي ما مخلص رصيدك عليهم…”
جفل للحظه من التقريع الذي تقذفه في
وجهه ليقول بعدها بارتياع….
“ياستي اهدي هكلم كرم بس… متعرفيش كرم يعني……”
ردت بنبرة حازمة….
“ااه اعرفه… لو كرم ماشي لكن لو حد تاني
هتزعل..”
مسك هاتفها باستخفاف وهو يقول ينظر اليه باقتضاب…
“مش ناويه تغيري تلفونك ده في ماركات تانيه
اجمد من كده على فكرة..”
برمت شفتيها وقالت بتعجل….
“سبنالك الجامد…… خلص بقه عشان امشي…”
دخل احمد لغرفته سريعاً وهو يقول سريعاً….
“ماشي هكلمه من جوا عشان عايزه في حوار…”
زفرت بغضب وهي تتجه لباب الخروج…
“خلص يابني هلبس الكوتشي تكون اتزفت….”
اغلق أحمد الباب وبحث في جهات الاتصال عن اسم حبيبة ليخرج له الرقم الوحيد المسجل بهذا الإسم
سجله سريعاً على هاتفه…. وخرج لها وهو يقول
بتافف وبراءة ….
“مش عارف الشبكة مش مجمعه خالص…… خلاص بقه خدي تلفونك……. هبقا انزل اشحن وكلمه…..”
نظرت سمر لشبكة الهاتف ثم اليه وهي
تقول باستغراب…..
“ما الشبكة مجمعه اهيه يابني….”
رد بانكار وهو يدفعها للذهاب…
“لا مش مجمعه…. يلا عشان اتاخرتي انتي…
سلام…”
ضربت سمر يداها ببعضهم وهي تتمتم بوجوم…
“ربنا يشفيك من اللي انتَ فيه…..”
فتح أحمد لها الباب سريعاً لكي تخرج منه وهتف بطريقة مسرحية…..
“سلام ياشقي….ابقي طمنيني ها….طريق السلامة على اقل……. اقل من مهلك…. انزلي بشويش…اوعي توقعي عايزينك سليمه النهاردة…. ”
عاقدة سمر حاجبيها وهي تنزل على السلالم
قائلة بغرابة……
“الواد اتجنن………كان بعقله من شوية…..”
اغلق أحمد الباب بسرعه وركض لغرفته وبيده
الهاتف اجرى في لحظة الإتصال بها وهو
يتنحنح بصوته حتى يحاول تغييره……..
فتحت حبيبة الخط بعد لحظتين وقالت
بهدوء….
“الو…….”
تنحنح احمد بخشونة اكبر وهو يقول….
“ازيك يابو محمد…. الرجالة فحرت ولجت الاثار
هتجلنا ميته ياولد العم…..”
قالت حبيبة من الناحية الاخرى بتوجس….
“النمرة غلط على فكرة….”
كبح ضحكته وهو يقول بنبرة خطيرة
وتسليه تلمع بعيناه العابثة…..
“ازاي غلط…..دي نمرة ابو محمد…..انتي مرتو
ولا ااي……”
عقدت حبيبة حاجبيها وامتقع وجهها وهي
تخبره بوجوم….
“لا مش مرتو……….وقولتلك النمـ…..”
ازدادت لمعة المكر وهو يقول بلؤم….
“تبقي حسنيه بنته….عامله اي ياحسنيه اتجوزتي ولا لسه……خراط البنات خرطك ولا لسه…….. معضمة….”
عرفت هويته في اخر كلمة فصرخت باسمه
بغيظ….
“أحمد يابارد….. يامستفز.. . يارخم….جبت رقمي
منين ياقليل الأدب…..”
سار احمد بالغرفة وهو يقول بغرور وتعالي….
“انا مش اي حد يابنتي دا انا احمد جـ….”تعثر في السجادة ووقع أرضا قبل ان يكمل الكلمة…..
سمعت حبيبة صوت ارتطام من الناحية
الاخرى فسالته بقلق….
“احمد………. انت كويس……”
نهض من على الارض وهو يقول بابتسامة
واسعة…
“خوفتي عليا يابيبه….”
شقت الابتسامة شفتيها وهي تهز راسها باستياء معبقة بصراحة…..
“انت عبيط اوي على فكرة…..”
عقد حاجبيه وهي يجلس على حافة الفراش بضجر…..
“احنا هنلبخ من اول مكالمة ولا إيه…..”
ردت عليه من بين اسنانها بغيظ مصطنع….
“واخر مكالمة هعملك بلوك…..سامع block ياحمد……”
رد بسماجة الصبيّ المعتوهة….
“عادي هشتري خط جديد وقرفك برضو…انا مليش شغلانه غيرك….”
لفظت اسمه من تحت اسنانها….
“أحمد…..”
تحدث بلين كي ترضى …
“خلينا صحاب يابيبه……..واللهِ ما هتندمي… ”
“مستحيل….انت بتحلم….سلام…..”اغلقت الهاتف بوجهه ومن ثم وضعت الرقم في خانة الحظر
بالفعل وضحكت بسعادة وتشفي به…..
على الناحية الأخرى نظر أحمد للهاتف بدهشة بعد
ان أدرك انها نفذت تهديدها سريعاً ووضعت الرقم على الحظر…..لم ينتابه اليأس بل زاد توهج اعجابه بها وكتب لها رسالة طويلة وارسلها على رقمها
من خطٍ اخر لديه…..
لتاتيها سريعاً وتقراها بفضول….
(اللي عملتي ده هنتحاسب عليه… مش احمد اللي يتعمله بلوك ياقطه…..وبعدين انتي راحه الكوافير تعملي إيه….متحطيش حاجه على وشك وتلفتي
الانتباه ليكي……انتي احلى من غير حاجة…..وعلى فكرة بقه انا مش طالب المستحيل منك…..انا عايز نبقا صحاب….لو وفقتي وعد مني مش هرن عليكي
غير مرة واحده في اليوم هكلمك خمس دقايق
بس وهقفل مجرد اني اطمن عليكي بس…
وسمع صوتك قولت اي ياصغنن……. موافق…..”
هزت حبيبة راسها وهي تضحك بخجل ثم تركت الهاتف على الفراش ونهضت واقفه امام المرآة
ناظرة منها الى حسنها المشرق وبهاء ملامحها الصغيرة……. ورسالته تتردد في اذنيها
بصوته ، ومقابلاته بها واحاديثه معها كلاهما
يسيرا امام عينيها الزيتونية كحلم وردي جميل
ودافئ لا تود الاستيقاظ منه أبداً ؟!…..
صدح هاتفها من جديد فنظرت له بتردد لتجد سمر تتصل بها… حملت حقيبة اليد وخرجت سريعاً من
الشقة…..
………………………………………………………….
دخلت سمر الشقه بعد اربع ساعات من الجلوس في صالون التجميل هي وحنين وحبيبة….اعتنت
ببشرتها قليلاً ونظفتها ووضعت عليها بعد المستحضرات التجميلية لتكن ناضرة اليوم
مساءا في الخطبة ….
ممرت يدها على شعرها بعد ان خلعت الحذاء، شعرت بالحنق لمجرد انها لم تقصه كما كانت تود وايضا لم تغير لونه الأسود بصبغة عصرية تعطيها هيئه
مختلفة ليلة خطبتها… فقط لان إبراهيم تدخل
في الامر بتطفل لعين واصر بقوة الا تغير لون شعرها ولا تضع اي عدسات لتغير لون عينيها أبداً فهو يحب ان يراها هكذا ولا يريد التصنع في هذا اليوم المميز…..
برغم من حنقها وعنادها معه في الكلام إلا انها رضت
بعد حديثه المتملق وغزله في جمالها…..جعلها توافق على رأيه كالمسحورة او المنومة مغنطيسيّن
ايهما أقرب ؟…….
نظرت لاخيها الذي دخل من باب الشقة بشكل فوضوي يبدو انها كان بالاعلى فوق السطح….
دقق احمد النظر بها ثم عقب عابثاً…
“بقيتي بتلمعي كدا ليه….”
لكزته سمر في كتفه وهي تسأله….
“اتلم ياولا…….وبعدين انت كُنت بتعمل اي فوق…”
“ابراهيم فوق بيرص الفراشة بنفسه….”
زادت نبضات قلبها بقوة وهي تسأله بغرابة…
“بيرصها بنفسه……وفين صحابها…..”
رد عليها بايجاز……
“ظبطه الكوشة وعلقه النور وهيئه الجو ومشيه…وانا وهو بنرص الكراسي…..على فكرة كنست السطح وخلتهولك كده…….. عدي الجمايل… ”
مررت يدها على وجنته وهي تبتسم بحنان….
“عداها……يابشمهندس ومصيري اردها في
فرحك……”صمتت قليلاً ثم سالته بهدوء…
“بس انت نزلت ليه وسبته…..”
رد ببساطة وهو يدخل الحمام….
“إبراهيم عايز كوباية شاي نزلت اعملهاله….”
سالته بغرابة وهي تدخل المطبخ سريعاً لتعدها له…
“وامك فين مش بينه…..”
رد عليها وهو في الحمام….
“امك مشيت من ساعة…..بتقول راحا تعزم الجيران اللي في شارع اللي ورا……”
سكبت الماء الساخن في الكوب الزجاجي وهي تقول……
“خليك انت…. هطلع انا اديله كوباية الشاي….”
رد أحمد وهو في الحمام….
“ماشي هخلص واجي…..”
وضعت سمر كوب الشاي على الصنية وصعدت به للاعلى وكانت ترتدي بنطال جينز يعتليه قميص
برتقالي اللون فضفاض بشريط أنيق مربوط
للخلف….
صعدت على السلالم بخفة وحينما وصلت لسطح المنزل ظلت تبحث عنه بعينيها لكنها لم تجده لم
تجد الا المقاعد مرصوصه… وجلسة العرسان
(الكوشة)في المنتصف كانت عبارة عن أريكة
كشمير اللون جميلة… وديكور كان متناسق
محاط حولها من الخلف ببلالين أنيقة
اللون جذابة…..وهناك مجهود جبار مبهج في
الاضاءة فكان في الخلف ستار حفلات انيق
متناسق مع الالوان وعليه يوجد فروع من
الإضاءات الصغيرة على شكل قلوب مضيئة
مختلفة الاحجام والاضاءة كذلك……
توسعت ابتسامة سمر ولمعة عينيها وهي تتأمل
جمال المكان……..
سمعت صوته من خلفها يسألها ببحة عذبة…
“اي رايك…… عجبك….”
استدارت إليه وابتسمت اجمل ابتسامة وهي تتقدم منه مقدمة له الشاي قائلة بنعومة….
“اكيد عجبني…. دا حلو اوي يابراهيم….. دا طلع اجمل من اللي اتفقنا عليه……”
ارتشف القليل من الشاي ثم وضعه على احد المقاعد
وهو يسحبها لركن مخفي عن الابصار….
حاولت سحب يدها باعتراض وهي تضحك ….
“وخدني على فين يابراهيم……. احمد طالع….”
جلب مقعدين في احد الزوايا وجلسا عليهما ثم
مسك كلتا يداه وهو يخبرها بدون مقدمات….
“تعرفي اني عملت الفراشة دي حجه عشان اجي أشوفك…….”
اطرقت براسها وهي تتحسس يده هي أيضا…
“بجد……..”
هز راسه وهو يخبرها بحرارة….
” بجد………بجد وحشتيني….”
رفعت عينيها واضطربت نبضاتها اكثر وهي تنظر لتوهج عيناه القاتمة يزيد بطريقة تعكس على جسدها بعد المشاعر المجنونة…..
اسبلت جفنيها وهي ترد عليه بتوتر عفوي….
“ربنا يخليك……. ويجبر بخاطرك….”
فغر ابراهيم شفتيه وهو ينظر لها بصدمة…
“انتي بتقولي اي…….هو ده الرد”
حاولت النهوض من امامه وهي تقول بارتباك…
“الله بقه متحرجنيش…..” مسكها قبل ان ترحل واجلسها من جديد على المقعد وهو يقول ذاهلا…
“محرجكيش في إيه…..هو انا مش وحشك ولا إيه…”
نظرت له وكانت ستخبره انها اشتاقت له بقوة
ولكنها لجمت امام عيناه وقالت….
“متشوفش وحش….”
دفعها إبراهيم برفق وهو يجز على اسنانه
بغيظ….
“لا انتي لازم تقومي فعلاً…..”
ابتسمت سمر بحرج ولم تنهض بل نظرت الى ملامحه الجذابة ووجنته الناعمة يبدو انه ذهب لصالون الرجالي اليوم فوجهه ناضر وناعم وشعره
خففه عن السابق لكنه مزال غزير ناعماً جذاب….
مدت اصابعها بجرأة ولمست بظهرها وجنته الناعمة بفضول تحت ابصاره المندهشة من حركتها…..
عضت على شفتيها وهي تنظر لعيناه بخجل وصارحت تحت تحسس وجنته……
“انت كمان وحشتني اوي ياهيما……”
اغمض عيناه للحظتين بتأثر لذيذ على الجسد فتح عينيه ونظر لها ثم مسك يدها وثبتها على وجنته
وادار راسه وطبع عدت قبلات بطيئه في باطن
كفها…..
سارت الرعشة في جسدها اقوى وهي تحاول
سحب يدها بخجل قائلة بصوتٍ ضعيف…
“إبراهيم…………بس……”
ترك يدها ومالى عليها في لحظه خاطفة وطبع
قبله بطيئة بالقرب من شفتيها اغمضت عينيها
وهي تحاول الإبتعاد عنه بضعف…. انه يتمادى
وهي تفصح له الطريق بغباء…
“إبراهيم….”
ابعد شفتيه عنها لكن مزالت راسه قريبه منها يلفحها بانفاسه الساخنة……..لفظت اسمه بترجي كي يترك يداها لتبتعد عنه…..
“إبراهيم……”
اخرج تنهيدة حارة وهو يقول بكبت بها تأنيب
ضميره بما يحدث بينهما كلما انفرد بها…
“انا عارف اني بتمادى معاكي بس مش قادر امنع نفسي عنك ياسمر…..عشان كده بلاش نبقى مع
بعض لوحدنا في مكان مقفول تاني…..اتفقنا……”
اومات برأسها وهي تحاول سحب يدها…..لكنها تفاجئت به يطبع قبله على جبهتها وهو يقول
ببحة رجوليه مهلكة….
“مبروك ياسمر……… عقبال ما كتب عليكي…..”
بلعت الابتسامة وهي تقول بتوتر….
“سيب ايدي بقه عايزه اقوم…..”
تركها وهو يقول بعبث مغير هذا الجو
الحميمي الذي ينتابه كلما مسك يدها……
“خايف من اي ياشبح……… هو انا هكلك….”
استدرت وهي تقول بدلال…
“آه طبعاً هتكلني….. وبعدين انت لسه قايل مش
لازم نقعد لوحدنا في مكان مقفول…..” اشارت
له بيدها وهي تقول….
“انا نزله…… اشوفك بليل…… سلام… ”
تابعها بعيناه ووقف عن عتبت السلم ووضع يداه بجيبه وهو يراها تهبط السلالم ببطء…. ناداها
وهو يسالها بخبث….
“سمر…… مقولتليش انتي حطى اي على وشك.. ”
استدارت وهي تهز كتفيها بشقاوة وسالته…
“مش لازم تعرف…. بس المهم تقولي احلى من الاول….”
رد بعد تنهيد عميقة وعيناه تابى تركها….
“انتي حلوة كل يوم…..”
اهدته اجمل ابتسامة وهي تلوح بيدها قبل ان
تهبط على السلالم….
_____________________________________
بدأ الاحتفال بالخطبة وبدأ الجيران وبعض الاقارب بالحضور…. ودخل إبراهيم المبنى وسط زغاريد
ومباركات من الجميع صعد الى شقتها لكي يصعد
بها للاعلى لاكمال مراسم الخطبة فوق السطح المقام فيه الاحتفال البسيط…..
في غرفة سمر….. نهضت من مكانها بعد ان انهت
أحد زملائها في العمل مهمة تزيين وجهها وإنهاء
كوي شعرها الأسود و رفعه بتسريحة انيقة تدلى نصف طوله على ظهرها بنعومة…… زاد جمال
وجهها مع الوان الزينة الرقيقة…. فهي وضعت
ثقتها في اشطر زمليه لها لتلك المهمة ولم تخذلها
بل اخرجتها اجمل مما توقعت ….
نظرت سمر لهيئتها في المرآه مع جمال وجهها
واناقة التسريحة وفستان السهرة المنفوش قليلاً
ومكشوف الذراع ، باللون الكشمير….. كان اقل ما
يقال عنها اليوم انها حسناء جميلة اخذت جمال
لم يصل له قبلها او بعدها …… انها جذابه
واي شيء يجعلها تحت محاط الأنظار…….انها لا تستحق خطبة فوق السطح انها تستحق قصر
لتقيم فيه الاحتفال……
دمعت عينا حنين وهي تعانقها بفرحه…
“مبروك ياسمر…… طلعه زي القمر…. احلى
عروسه شفتها عينه…..”
ضمتها سمر وترقرقت الدموع في عيناها هي أيضاً وهي تقول بحنان….
“انتي اللي هتبقي اجمل عروسه يانونا….وهلبسك الفستان بنفسي….”
ابتعدت عنها حنين وهي تمسح عينيها قائلة…
“انا طمعانه في اكتر من الفستان على فكرة….”
لكزتها سمر وهي تضحك….
“انتي تاخدي عنيا ياهبلة….بس اعمليها انتي بس…”
دخلت حبيبة الغرفة وهي تصيح بفرحة….
“سمر ابراهيم جه…. اوه…. واوووو اي الجمال ده…”
نظرت لها سمر والى فستانها الجميل والزينة
الرقيقة على وجهها الابيض لتعلق هي بمشاكسة…
“جمال اي بقه دا انتي هتغطي عليا اي الحلاوة دي ياست حبيبة….”
دخلت حبيبة واغلقت الباب ثم تقدمت منها وعانقتها وهي تقول بوجه متهلل فرحا….
“انا أقدر برضو….. في حد يغطي على العروسة….الف مبروك ياسمر….. ”
“الله يبارك فيكي ياحبيبتي…… عقبالك…”
عانقت حبيبة حنين أيضاً وهي ترد عليها…
“الشهادة الاول طبعاً…….. عقبالك ياحنين….”
قبلتها حنين وهي ترد عليها بمودة….
“عقبال نجاحك انتي……. والجواز علطول….”
اومات لها حبيبة والابتسامة تزين محياها ثم أدارت وجهها لسمر وهي تقول بتعجل….
“بما انك خلصتي يلا اطلعي….. ابراهيم مستنيكي
في صالة……”
توسعت عينا سمر واضطرب جسدها وهي تقول…
“بجد…… هو احنا هنطلع سوا…”
ضحكت حنين عليها وهي تدفعها للباب…
“ايوا طبعاً وهتقعده جمب بعض وهيلبسك
الشبكة بنفسه…..”
توقفت سمر وهي تقول بارتباك…
“لا اصبره شوية الميكب شكله باظ….”
تقدمت من المرآة لتضحك حبيبة عليها وهي تسأل
عفاف التي زينة وجهها وهيئتها بهذا الجمال..
“انتي مش ميكب ارتست ظبطلها الميكب اللي باظ….”
ضحكت عفاف وهي تتقدم من سمر لتنظر في وجهها
ثم مررت الفرشاة الناعمة على وجنتيها وهي
تقول بين ضحكاتها…..
“الميكب زي الفل… متتعبيش نفسك….. يلا ياسمر خطيبك مستنيكي…. ”
سالتها سمر بتوتر….
“عفاف……….. انا حلوة صح….”
قرصت عفاف وجنتها برفق وهي تقول بمحبة..
“من امتا واحنا بنسال السؤال ده…. دا انتي قمر… اقراي آية الكرسي…….. وتوكلِ على الله…..يلا”
مسكتها حنين من ذراع وحبيبة من الذراع الاخرى وهن يدفعاها للأعلى……
خرجت من الغرفة فوجدت ابراهيم بانتظارها
مع والدتها وشقيقتيه وكان يرتدي حُله انيقة
سوداء اسفلها قميص أبيض… كان وسيم بدرجة كبيرة اوسم بكثير من يوم قرائة الفاتحة…
تعالت الزغاريد من امها وشقيقتيه وكان الجميع منبهر بجمالها وهيئة العروس التي زادتها حسن
فوق حسنها…….
تقدمت منها والدتها وعانقتها بدموع الفرح وهي تقول…..
“بسم الله ماشاء الله…… ربنا يحفظك يابنتي من العين الله اكبر…. الله اكبر…… الف مبروك ياحبيبتي الف مبروك……”
مالت سمر براسها وقبلت يدي امها وهي تقول بحنان وشقاوة….
“الله يبارك فيكي يازوزو……. يام العروسة ياقمر…”
ضحكت زينب وهي تنظر لإبراهيم لتشير له بان يتقدم لياخذ خطيبته للأعلى…..
تقدم منها ابراهيم بعد ان سلم عليها شقيقتيه
مقدمين لها بعض الهدايا مع التهنئه الودودة
والدعاء لهما بسعادة واكمال فرحتهما على
خير…..
وقف امامها وظل يتاملها للحظات بانبهار واعجاب
بحبيبته الجميلة ومستقبلين ستكون زوجته
الفاتنة…. وحياته الناعمة واجمل نسل سياتي
من خلف تلك المليحة……صاحبة اجمل عيون
سوداء راهم بحياته كلها….لا بل انها اجمل
أمرأه رآها ومن حسن الحظ ان هذا الجمال
سيكون له وحده يرتشف منه كلما اراد
وينعم به كلما أشتاق…..
“مبروك ياسمر…..”
أخيراً تكلم بعد ان احرقها صمته ونظراته العميقه
لها……نظرت هي أيضاً لعيناه وقالت بخجل…
“الله يبارك فيك….”
ثني ذراعه ورفع مرفقه قليلاً لها وهو يقول
بصوت هادئ….
“يلا بينا ياعروسة…..”
احاطت مرفقه بكف يدها ببطء وهي تومأ براسها
باضطراب والبسمة على محياها تلمع كجمالها
أليوم…..
……………………………………………………………..
كان فؤاد يداعب الصغير بحنان وضحكاته تملا
وجهه المجعد البشوش…….
دخل خالد النادي ومن ثم توجه الى( الكفتريا) ليقابل والده كما طلب منه….
لمح خالد والده يجالس بجوار ابنه الصغير(علي) على احد الطاولات و(اية) غير موجوده عليها… ترى اين ذهبت وتركت الصغير مع أبيه…. ولماذا طلبه والده وهو جالس برفقتهما….. الن يتوقف ابيه عن تلك الحركات الخبيثة أبداً….
هز راسه وهو يتقدم من والده ويجلس امامه
وهو يقول بهدوء….
“ازيك يابابا……”قالها وهو يقرص وجنتي ابنه
ويقبله بفتور…. وصغير استقبله باجمل ابتسامة طفولية يصحبها المرح الشقي كـ…..أمه؟!….
رفع خالد عيناه على والده الذي نظر الى ابنه بعدم رضا قائلا بتقريع….
“هي دي مقابلة أب بابنه….انا مش عارف انت جايب الجحود ده كله منين…..دا انت بتقعد بالايام ياخي مبتشفوش إبنك……دانا في سنك مكنتش بسيبك لحظه واحده وكنت بتخانق عليك انا وامك…..لو
كنت اعرف انك هتطلع بالقسوة دي مكنش زماني جبتك…..”
برم شفتيه وهو يكبح حنقه بصعوبة قائلاً بهدوء…
“كُنت عايزين في اي يابابا…..وآية بتعمل اي هنا….”
رد والده بزمجرة….
“هتكون بتعمل إيه….ماهي مشتركة في نادي زينا وانا قبلتها صدفة…..”
“صدفة برضو…..”
لوح فؤاد بيده باستهجان….
“اتنيل هتكون هي اللي مرتبه القعدة دي…دي مش طيقه تبص في وشك….”
كبح خالد غيظه وهو يقول….
“ولا انا طايق ابص في وشها……”
قاطعه فؤاد بصرامة…..
“اخرس ومتكلمش كده على بنت عمتك….دي عندي برقبتك هي وحفيدي……”
جز على اسنانه وهو يقول بوجوم…..
“خرست كُنت عايزين في إيه يافؤاد بيه….”
رد والده هاكماً….
“عايز اكلمك في صفقة الفقي…. عملت فيها إيه….”
نظر خالد حوله يبحث عن شيء أهم…وهو
يسأله باهتمام….
“قبل مانتكلم في شغل……. آية فين…..”
ضيق فؤاد عينيه ونظر له باستنكار قائلاً بخبث…
“ملكش دعوة…… خلصني يلا عشان تمشي… خليني قعد مع حفيدي وبنت اختي…….”
تشنجت نبرة صوته وهو يقول….
“ازاي مليش دعوة يابابا… ازاي تسيب الولد كده وتمشي…..”
اكفهر وجهه فؤاد وهو يعقب بحنق….
“وهي سيباه مع حد غريب دي سيباه مع جده… إيه خايف عليه مني…..”
“مش قصدي بس….”
نفس المكر لمع في عينا فؤاد وهو يقفل الابواب عليه…..
“ملكش دعوة بيها خليك معايا انا…..”
بعد مدة من الحديث في العمل… أتت آية عليهم وهي ترتدي طاقم رياضي أنيق وبين يدها مضرب تنس
تاركه شهر القصير يتارجح حول عنقه بجمال وفي جبهتها تضع رباط مطاطي أصفر أنيقة زادت تانق
به مع تلك العيون العسلية المتلأئلةوالملامح الانثوية المغرية….
تقدمت منهم وعلى وجهها علامات الضيق والاستجهان من وجوده….
ابصرها خالد فظل يحدق بها متمتع بتلك الجميلة الحسناء التي كانت في يوم من الأيام تهيم عشقاً
في احضانه….. وتئن بالشوق اليه كلما اقترب منها….
انتبهت آية لنظراته اليها وعيناه الشهونية تلاحقانها بتوهجٍ غريب رغم جمود ملامحه…….
توترت اكثر وشعرت ان خطواتها باتت خارج السيطرة ممكن ان تتعثر الآن وتقع حتى
قلبها يخفق بقوة مقررة فقط حينما شعر بوجوده أسبلت جفنيها وتابعت السير بقوة وعزيمة حتى
لا ينفضح امرها امام هذا الخائن !……
اتت من عند والده من الخلف ومالت عليه وقبلته وهي تقول برقتها المعهودة قبل ان تتجه لابنها…
“اي ياخالو….اتاخرت عليك…..اوعى يكون علي غلبك……”جلست بجوار ابنها الجالس على مقعدها المخصص والذي حينما راى امه توسعت ابتسامته ومد يداه الصغيرة لكي تحمله…لبت اية دعوته وهي تحمله وتقبله هو أيضاً لكن بقوة وشقاوة اموميه…
سمعت فؤاد يرد عليها بضحكة حنونه…
“ياغلبني اي بس……دا بسكوته زي أمه…..”
هتفت اية باعتراض مرِح….
“بسكوته اي… دا راجل وسيد الرجالة…دا راجلي
دا ياخالو…….مش انت راجلي وحبيبي ياعلي……”زمجر الصغير وهو يقرب راسه من امه ويطبع قبله على شفتيها توسعت عينا اية بدهشة وهي تنظر له ثم ضحكة ذاهلة ونادته بصدمة……
“علي…. ”
ضحك فؤاد وهو يعقب هازئا وهو يرمق ابنه…
“هتطلع لمين من شابه أباه……”
لم يحب خالد هذا المشهد بل ود ضرب ابنه على مؤخرة عنقه لكي يخبره ان تلك الشفاة لن يتوذقها أحد بعده…….
نظر خالد اليها ثم لشفتيها وعاد لعينيها وهو يسالها عن احوالها بفتور…..
“عامله اي ياية…….”
اومات براسها بفتور….
“الحمدلله……. انتَ اي اخبارك……”
“الحمدلله كويس…..”
اتى النادل ووضع فنجانين القهوة امام خالد وفؤاد و
كوب من الايس كريم الفانيليا امام آية…..ضحكت اية وهي تنظر لخالها بدهشة….
“انت طلبت امته ده ياخالو…..”
رد فؤاد بابتسامة صافية فخور بها….
“قبل ما تيجي……قولتي انك مش هتغيبي غير ساعة وانا عارفك…….دقيقه في مواعيدك…..”
اومات له بلطف وهي تقول
“Merci beaucoup”
ثم وضع المعلقة لتبدأ بالاكل بصمت وصغيرها بين فمه اللهايه يتابع الجميع والمكان وهو يجلس على قدمي أمه….
فتح فؤاد الحديث بعد هذا الصمت الكئيب من حوله…
“حلقة امبارح ياية كانت جميلة اوي…وطريقة تحاورك مع الممثلة الايطاليه ليزا ابهرتني……
اي رايك في الحلقة ياخالد…”نظر لابنه بقوة يدفعه للتحدث معها لكنه لم يستجيب بل رد ببرود…
“مشوفتهاش…….مش متابع بصراحة….”
ابتسمت اية بحزن وهي تطرق براسها للاسفل ناظرة
لهذا الكوب التلجي الامع الشهي.. والمذاق التي تفضله أصبح مُر بعد جملته التي ذكرتها برفضه
التأم لعملها بل وزيجته السريعه من أخرى بعد طلاقهما بأيام….ومرارة الايام وذلة المشاعر بداخلها كلما شعرت انها بحاجة إليه وانها على وشك الدهس على كرامتها لأجله…. لكنها تعود في اخر لحظة وتخبر نفسها انها عزيزة النفس وغالية ولا
يجب الركض خلف من باعها واشترى غيرها……
نظر خالد اليها بطرف عيناه فوجدها صامته
شارده وكانها لم تسمع تعليقه السخيف
الكاذب………….فعلاً كاذب……….انه لا يفوت حلقه
من البرنامج.. وحتى الان لا يعرف لماذا يتابعه انه لا يهتم لاخبار النجوم والمواهب الفنية وتلك التراهات
التي تعرض على هذا البرنامج…..انه يهتم لرؤيتها
هي فقط……وليس هناك اي سبب يصارح نفسه به حتى الآن……مجرد ان يراها امامه ويتاملها بتمهل
تكفيه…. ويكفيه رؤية الابتسامة الدبلوماسية التي
تخفي خلفها امراة شقيه مرحه عاشقة مجنونة…
او كل هذا كان في السابق معه ؟!……
نظر والده اليه بحنق واكتفى بصمت فابنه سيظل هكذا غبي…ولا يفهم ماذا يريد….برغم من ان السعادة والهنا كله امام عيناه….زوجته الجميلة المثقفة التي تحبه مهما انكرت هذا….. وابنه الذي بابتسامه واحده منه تجعلك تستشعر انك تملك العالم بما فيه بل ان السرور يدخل لقلبك من نظرة من عيناه الامعة بالبراءة…….
نهض فؤاد وهو يقول باقتضاب…..
“هعمل مكالمة وجاي…..”
اومات له آية وهي تنظر لكوب الايس كريم
الذئب بوجوم….ثم تركت المعلقة ووضعت ابنها
على مقعده ومسكت هاتفها تتفحصه كي تشغل
عقلها وتنسى وجوده معها…..
نظر خالد اليها ثم لملابسها بحنق فكان الطاقم الرياضي مُلتصق عليها بارز صدرها الممتلأ
بوضوح……اكفهر وجهه وهو يفكر انها كانت تلعب
تنس وقفزت امام مدربها بهذا الشكل…..
عض على شفتيه وهو يقول باندفاع أحمق….
“انتي مش واخده بالك ان هدومك ضيقه اوي النهاردة……”
نظرت لصدرها تلقائيا فهو الجزء الظاهر في تلك الجلسة….رفعت عيناها عليه وقد احمرت وجنتيها بغضب وهي تقول ببرود…..
“ممكن تبص قدامك….”
لوى شفتيه وهو يقول بقساوة هازئا…..
“إيه ضيقتك نظراتي…. بس اكيد انا مش أول واحد يبص على منظرك الملفت ده……….”
ردت عليه بمقت وهي ترفع راسها بغرور….
“برضو ميخصكش ملفت ولا مش ملفت….ولا
تكونش فاكر ان احنا لسه متجوزين…..”
هتف خالد بتشنج……
“مش متزفتين… بس انتي بنت عمتي وام ابني..
و لبسك……”
قاطعته بجمود وهي تبرم شفتيها بصلف…
“ملكش دعوة بلبسي وملكش دعوة باي حاجة تخصني……..ولو سحمت متتعداش حدودك معايا…”
“حدودي؟……مـ”
قاطعهما احد الشباب وهو يهتف بعدم تصديق…
“مدام اية الخولي…..بجد مش مصدق نفسي اني قبلتك…انا من اشد المعجبين بيكي وبتفرج على البرنامج مخصوص عشان اشوف…..”
نظر خالد له بغضب فيبدو انه ليس الوحيد الذي يتابع البرنامج لاجل عيونها…..
ابتسمت آية بلطف وهي تقول بلباقة في
الأسلوب…
“م…. Merci……..دا شرف ليا يا…..”
“عبدو…..اسمي عبدو……ممكن صورة مع حضرتك…اصل صحابي مش هيصدقه اني
شوفتك….”نظر الشاب لصديقه الثاني وهو
يقول…
“صورني يامعتز……”
اوما له معتز وهو يمسك هاتفه….
نهضت اية وهي تقف بجواره امام عينان تتوهجان بنيران الغضب وهو يراه تتصور بهذا الطاقم
الرياضي اللعين…ترا كم رجل سيرى الصورة…واكيد سيتحدثون عن تلك المفاتن البارزة…وانوثتها الطاغية
غير جمال عيناها وشفتيها الوردية المكتنزة…الذي كان يجتاحها بقوة كلما أراد قسط من الراحة
في نهر حبها….
مد الشاب يده ليحيط خصرها قبل التقاط الصورة
لكن اية منعت إياه بهدوء قبل ان يلمسها…..
“لا لو سمحـ……”شهقت بقوة وهي ترى الشاب في لحظة واقعاً أرضا بعيداً عنها وانفه ينزف منه الدماء….
نظرت الى صاحب تلك اللكمه بصدمة وبقت متسمرة
مكانها وقلبها يخفق بقوة وهي تبصره بعدم فهم…..
نظر لها بقوة خطرة تكاد تقتلها وقد اشتعل كل الغضب بداخله في تلك اللحظة دفعه واحده
وهو يسحب الهاتف من يد الشاب الآخر ويحذف الصورة نهائياً من على الهاتف ثم هتف بخشونه ارعبت الشبان….
“خد صاحبك ومشى من هنا……دلوقتي…..”
سحب الشاب صديقه وذهبا بدون كلمة اخرى فإن كانت اية شخصية معروفة فأكيد زوجها السابق
لا يقل صيت عنها ….
صاحت آية بتشنج وهي تحاول الرحيل
من أمامه…
“انت اي اللي انتَ عملته ده…..انت.. ”
سحبها خالد بقوة فوقعت على صدره واستشعر بجسدها الغض باكمله داخل احضانه وبرغم هذا
الشعور المدغدغ لرغباته صاح بقسوة وقد تشرست حركات فمه وبدت عيناه كعاصفتين خضراوين هاجتين وهو يقول لها بقوة…..
“ولا كلمه ياية………ولا كلمه….”
ضربته في صدره بغضب وهي تحاول التملص
من بين يداه….
“سبني…………بقولك سبني…..”
تشرست نظراته نحوها اكثر وهو يقول….
“اهدي الناس بتبص علينا….”
نظرت حولها فانتبهت للعيون المحيطة بهما بفضول….فما كان منها الا النظر لعيناه قائلة
بضيق من تحت اسنانها….
“عجبك الفضيحه دي….سبني….. سبني ياخالد…….عايزه أروح….”
تركها لتنسحب سريعاً بغضب وابنها بين يداها…
اتى فؤاد بعد رحيلها وهو يرى الجو مشحون والجميع يرمق ابنه بنظرات أشبه بالاتهام…
سأله فؤاد ذاهلاً….
“اي اللي حصل………وفين اية وعلي…..”
“روحت….”
اعاد السؤال بشك…..
“اي اللي حصل ياخالد…..عملتلها إيه… ”
“ابقى اسالها……انا ماشي…..”انسحب من المكان كالعاصفة الترابية تارك حوله فوضى غير قابله للاصلاح……..
اتاه اتصال بعد ان استلقى السيارة ففتح سريعاً
وهو يسأل الحارس الشخصي عن اخبارها…..وبالفعل اجلب له كافة الاخبار المستجدة عنها مما جعله
متسع الاعين وهو يقول بصدمة….
“بتعمل اي في مستسفى***…دي خاصة…هي
تقدر على مصاريفها…….”صمت قليلا ليخبره
الحارس بشيء آخر……
“عز الدين…..هي الحكاية كده…..طب اقفل…”ادار المحرك وهو ينظر امامه بسواد الشياطين محدد وجهة سيره باصرار خطير ؟!……
___________________________________
خطى خطواته بداخل المشفى… المكان الذي لا ياتي إليه إلا نادراً اليوم اصبح يتردد عليه كل يومين تقريباً خلال تلك الاسابيع التي مرت على تواجدها هي وامها بالمشفى……
انها فعلاً امراة يائسة بعينين متعبتين يسكن بهم حزن يكفي العالم ويفيض…..وبرغم ذلك شفافة بطريقة جذابة…. تجذبه نحوها كلما تكلمت بمقت
وكره نحوه… تجذبه بعينيها العادية وهي تشع اوقات إمتنان له و اوقات بغض نحوه…. ربما لانها غير متظاهره تعامله كما تشعر ، يجعل هذا منها محاط
اهتمامه تلك الأيام ؟!….
ليست فاتنه كزوجاته السابقات او اي أمراه تعامل معها في سابق…… بل انها أقل جملاً وعذوبة منهن
لكن بها شيء خاص يجعلها تطغى على اي شيء وتلفت الانتباه حتى وان كانت بين صارخات الجمال…..
ربما الشفافية التي تتميز بها…ربما الاسى الظاهر عليها….او ربما لانها اقل منهن جمالاً…لا يعرف لكنها
حقاً تخطت كل شيء وجعلته لا يريد الا التكلم معها
والنظر الى جمالها العادي الأخذ وهذا اغرب تعبير ؟!…..
كانت حنين تجلس بجوار امها تطعمها بيدها حساء الخضروات…..اكلت امها من يدها وهي تسالها بقلق….
“واخواتك عاملين اي ياحنين…..اوعي يكون عبدلله
عور نفسه….. او محمود اتغابى عليهم وضربهم….”
مدت لها حنين معلقة بالحساء الساخن وهي
تقول….
“متقلقيش ياست الكل هما بخير…وانا بروحلهم وبوصي جارتنا ام مصطفى عليهم…..وانا معاهم
اهوه……”
نظرت لها امها بعينين متعبتين من شدة المرض
وقالت بصوت خافت قلق لابنتها….
“انا شايفاكي بتغيبي من الشغل كتير وصحاب المصنع انت حكيالي عنهم مابيرحموش ولا بيقدره اللي بيغيب…..اوعي يكونوا فصلوكي من الشغل وانتي مخبيه عليا…….”
تنهدت بسأم وهي تخبرها….
“انا سبت الشغل فعلاً يامااا فصلوني بسبب الغياب الكتير…… بس متقلقيش…. انا شغاله في فرن معجنات…….. ببيع وبشتري…. وساعات بدخل
اعجن معاهم جوا…..”
نزلت دموع والدتها وهي تقول بحزن وقلة حيلة…
“كل ده بسببي……يارتني اموت وريحك مني ومن همي……”
نظرت حنين لها بعتاب ثم خلقت الابتسامة بصعوبة على شفتيها وهي تقول بحنان مرح…..
“انتي عايزه تزعليني منك يعني…..الشغل مش عيب ياحبيبتي واحنا محتاجين لكل قرش زيادة….والمكان
اللي وقفه فيه ده مكان نضيف وعلى طريق الـ**
عرفاه…..الشغل حلو فيه حلو اوي والعجله ديره…..قومي انتي بس بسلامه وجلبك الحجزيه
اللي بتحبيها والهريسة السادة….قومي بس ياماجدة بسلامه وانا ادلعك…….”
هزت والدتها راسها وهي تبتسم ابتسامة مُره قائلة
بامتنان وهي تتفقد الغرفة الجالسة بها…..
“كتر خيره الجدع اللي اتكلف بمصاريف علاجي وجبني على المستشفى بتاعته….ربنا يسترها معاه وينور بصيرته ويزيده من فضله…….يارب….”
رددت حنين بجمود……
“يا رب…..”
اتجهت حنين لتضع طبق الحساء على المنضدة لتجد والدتها تسالها بطيبة….
“هو صحيح بيعمل الاعمال الخيرية دي علطول ياحنين…… ولا لناس ناس…..”
توترت حنين وهي تومأ برأسها بتأكيد….
“لا اكيد بيعمل لكل اللي محتاج……”
اخبرتها امها بطيبة وهي تنظر إليها…
“اذا كان كده…. كُنت عايزه اقولك ان ام مصطفى لم جت زرتني امبارح هنا… وشافت المستشفى ونضافتها ورعاية الدكاترة ليا… كلمتني عن اخوها
حسين…. مانتي عارفه ان تعبان بقاله سنين وحالتهم على ادها…… فا اي رايك اكلم صاحب المستشفى
عليه واهو هيكسب ثواب فيه…. مانتي عارفه حسين
ياحنين عنده كوم لحم ومراته شقيانه عليهم……”
هزت حنين راسها بتوتر وهي تقول بنفي …
“بلاش ياماما……بلاش….”
نظرت امها اليها بغرابة وهي تقول….
“ليا يابنتي دا احنا هينبنا ثواب لو ساعدناهم…وهو كمان ربنا هيكرمه لو وقف جمبهم…..”
دخلت حنين الحمام المتواجد بالغرفة وهي تقول بمقت…..
“فكرك ان صاحب المستشفى هيهتم عشان خاطرهم ولا هيتأثر بحالهم…..دا بنادم جاحد…..زيه زي اي واحد معاه فلوس….كلهم بصين لفوق وعمرهم
مابصه تحت رجليهم…..لو كل الناس بتفكر زيك
ياماااا مكنش في حد احتاج لحد…. ولا حتى حالنا بقه كده……الحقيقة ان الناس دي تمد ايديها تاخد اللي في جيبك لكن تطلع لـ……..”بلعت حنين باقي كلماتها وهي ترى عز الدين يقف عند الباب بطوله الفارع وجسده الضخم ناظرا لها بغضب واستنكار….ليعقب ببرود….
“مش قولتلك انك ليكي في سياسه…وزيدي عليهم انك متعقده وبتحقدي على اللي……. زينا……”ردد كلمتها الاخيرة باستهجان….
بلعت ريقها وتوترت حدقتيها وهي تنظر لامها التي
قالت بحرج لعز الدين….
“متخدش على كلامها ياعز….حنين طيبه بس يعني
عفويه حبتين……”
ابعد عز الدين عيناه عن حنين ثم نظر للسيدة الجالسة على الفراش وقال بهدوء وهو يغلق الباب خلفه…..
“ازيك……يام محمود….عامله إيه النهاردة….”جلس
عز الدين على احد المقاعد البعيدة وسمع السيدة
ترد عليه بحرج….ثم حدثت ابنتها بعجله….
“الحمدلله يابني كتر خيرك…..هاتي اي حاجة يشربها ياحنين……او هاتيله من العصير اللي انتي عملاه بأيدك…..”
تقدمت حنين وغسلت الكوب الزجاجي جيداً ثم سكبت به عصير الجوافة بلبن…ومدته له وهي
تقول باقتضاب…..
“اتفضل…..”
كان جالس بغطرسة على المقعد واضع قدم على اخرى وعيناه العسلية الضاريه تفترس كل مابها والذي معظمه يختفي تحت ملابسها الفضفاضة…….نظر
عز الدين لعينيها ثم للكوب وقال ببرود….
“غسلتي الكوباية كويس……”
تحرك حاجبيها في لحظة خطفة للدهشة وهي تترجم جملته المفاجأه لتنظر اليه بكره قائلة بمقت…
“لو قرفان بلاش تشرب……”
قال بصوتٍ اجوف….
“المسألة مش مسألت.. قرف تقدري تقولي نضافة..”
تحدثت ماجدة من خلفهما بلطف….
“متقلقش يابيه…..حنين شاطرة ونضيفه…..وفي النضافة بالذات بتغسل الحاجة كذا مرة…..”
ابتسم عز الدين من زاوية واحده وهو ينظر للسيدة ثم لعينا حنين…ثم في نهاية اخذ الكوب وارتشف منه رشفه واحده ثم تركه جانباً…….وحل الصمت على المكان للحظات قبل ان تقول السيدة ماجدة بطيبة…..
“كتر خيرك يابني على اللي عملته معانا….احنا مش عرفين نرد جمايلك دي ازاي…..”
نظر للسيدة ثم الى حنين وتعلقت عيناه بعيناها للحظات قبل ان يقول بنبرة مبهمة….
“الجمايل بيجالها يوم وبتترد يام محمود….”
قالت السيدة بمودة وتأثر من رحمة ربها عليها
وجعل عز الدين سبب لمساعدتها وتخفيف الحمل
عن ابنتها قليلا……….
“إلا جميلك يابني هتفضل متعلقه في رقبتي…ربنا يزيدك من فضله يارب…..ويكرمك ويريح بالك…”
اوما لها عز الدين بابتسامة لم تصل لعيناه….
دخل الطبيب في تلك الأوقات لفحص والدتها وقد اندهش من وجود صاحب المشفى في الغرفة
وكانه يقوم بزيارة احد الأقارب….لكن هل هن
اقاربه؟!…..
لاح السؤال في عقل الطبيب وهو يكتب في دفتر حالة المريضة اليوم……
ساله عز الدين بشموخ….
“اي الاخبار يادكتور……الحالة بتتحسن ولا إيه….”
“الحمدلله ياعز بيه…..في تحسن كبير عن الأول…
بس هي هتفضل معانا شوية لحد ما تتحسن اكتر…….وتفضل تحت الملاحظة برضو…..”
نظر لحنين الواقفه بجوار امها وتنظر للطبيب
باهتمام بعد ان شرح حالة امها إليه…..ليعلق
بعدها بنبرة مبهمة التعبير…..
“على أقل من مهلك انا مش مستعجل…..”
رفعت حنين عينيها بغرابة نحوه، ابتسم بتسليه وهو يرى وجهها مرتعد من جملته ويبدو انها بدأت بتاليف
ألف سيناريو بشع عن نهايتها معه…….
اطرق براسه وهو يبتسم بسأم…..مقروءة التعابير بطريقة فاضحة……..لو العالم كله مثلها لكنا
اصدق البشر ، وكان ولى الكذب والخبث منذ زمن ؟!….
خرج الطبيب وساعدت حنين والدتها في ان تستلقى قليلاً على الفراش براحة…ودثرتها بالاغطية…وقد نامت السيدة بتعب ونسيت امر عز وجلوسه في
الغرفة……
سحبت حنين حقيبتها وهي تنظر اليه قائلة بفتور…
“هي هتنام دلوقتي وانا لازم أروح…..عن إذنك…”
سألها بهدوء…
“مش هتباتي معاها النهاردة…..”
فتحت المقبض وهي ترد عليه بتوتر من
هذا السؤال….
“آآه أكيد……بس لازم اخد اخواتي من عند جارتنا…..اأكلهم وطمن عليهم ولما ينامو…هرجع عشان افضل جمبها لحد الفجر…..”
خرجت من المكان وخرج خلفها وهو يسألها بنبرة مبهمة…….
“صحيح………انتي بتمشي الفجر ليه….”بطبع يعرف لكنه يود سماع الاجابة منها ربما قدم المساعدة
ان سمحت بدون ان يكون متلهف هو عليها !….
نظرت اليه وهي تسير في الممر بفستانها الفضفاض البسيط ذو اللون الزيتوني الشاحب من كثرة الغسيل……سالته هي ببرود…..
“السؤال ده لي علاقة باتفقنا….”
حرك كتفيه ببراءة زائفة مُجيب…
“لا السؤال……. عادي…..”
نظرت للممر الطويل واخبرته على مضض
“يبقا مش لازم ارد عليه…..سلام ياعز بيه….”
سار بجواره بصمت وبدون كلمة أخرى….وقد مرا
معاً على ممرضات واطباء في طريقهما والجميع
ينظر لهما بفضول محاولين معرفة تلك الصلة التي تربط تلك الشابة البسيطة برجل اعمال غني و زير نساء لم يتزوج يوماً إلا أمرأه اقل ما يقال عنها
(ملكة جمال العالم)ابنة عائلة لها صيت عريق
وسط المجتمع المخملي…….
المعظم قال بداخله حالة انسانية يساعدها…. والبعض بنفوسه المريضة قال ان بينهما علاقة مشبوهة لذلك يساعدها حينما احتاجت إليه……
والكثير من الاحاديث التي لا تُفتح إلا خلف ظهر
عز الدين…….. وهناك بعض النظرات الموجهة
لحنين والتي لم تفهم معناها ، ولم تطرق
لتفسيرها حتى بينها وبين نفسها……..
خرجا من المشفى وسارت في الحديقة الواسعة لكي تخرج من الباب متجاهله وجوده معها لتسمعه
يقول بخشونة…
“استني………هوصلك….”
ردت باقتضاب وهي تبتعد…..
“مش لازم……..شكراً….”
اوقفها بنبرة صارمة…
“هوصلك…… مش هتلاقي موصلات دلوقتي…”
ردت ببساطة وكان الارهاق واضح على ملامحها….
“لا هلاقي في مكروباصات كتير بتعدي على اول الشارع….”
نظر لباب الخروج بدهشة ثم اليها وهو يسالها
ذاهلاً من قطعها لتلك المسافة الكبيرة….
“على اول الشارع….. انتي بتمشي كل ده؟….”
ابتسمت على ملامحه المشدودة لتقول
ببساطة ساخرة من تلك الصدمة التافهة…..
“آآه مستغرب ليه…… دا اقصر طريق مشيته في حياته…..”
هز راسه باستياء وهو يشير لها بالخروج معه…
“يلا ياحنين هوصلك…… الطريق طويل….”
صممت باصرار فارغ…..
“قولتلك مش مهم انا متعوده…..”
اتت سيارته الفارهة امام الباب بعد ان إشار
لعامل المرأب باحضارها……
“يلا ياحنين عشان تلحقي ترجعي لامك قبل ما تصحى…..”
زفرت بحنق من تصميمه لتسير معه بقلة حيلة فهي حقاً متعبه ووقفت اليوم اكثر من اثنى عشر ساعة
في محل المخبوزات….وانتهك الجهد مع العجن مع احد السيدات بالمخبز المجاور لهذا المحل فقط لكي يزيد المال قليلاً لتجلب لاخواتها بعد متطلبات الدراسة ؟!…..
استلقت السيارة بجواره بحرج….انطلق عز الدين بعدها بدون كلمة اخرى….
اسندت راسها على النافذة الزجاجية السوداء بتعب وظلت تنظر للطريق من خلالها وكان داكن كئيب
لم يهون عليها بل زاد الهم بقلبها الهش….
نظر عز الدين اليها ثم للطريق وهو يقود السيارة بصمت…….ثم عقب على هذا الاجهاد الظاهر عليها بهدوء……
“شكلك تعبانه…….تحبي نرجع على المستشفى…”
هزت راسها بنفي عيناها على النافذة…
“لا…….انا كويسة….انا بس عايزه اروح عشان اطمن على اخواتي….. ”
سالها بنبرة عادية رغم العلم لكنه ود التأكد
منها…….
“انتي فعلاً عندك اربع أخوات صبيان….”
ردت بحزن وعيناها مثبته على النافذة….
“آآه محمود اربعتاشر سنه….واسامة اتنراشر…
وعبدلله وعبد الرحمن توام عشر سنين….بابا مات وامي حامل فيهم……ملحقش يشوفهم…….”
لم يمنع سؤاله فالخروج وهو ينظر اليها ثم للطريق…..
“والدك كان شغال إي ياحنين…..”
اجابته بأسى وهي شاردة وقد بالغت في الكلام
كالمغيبة عن الواقع…..
“بنا….وساعات محار…… واهي كانت ماشيه….. الحمدلله كان ربنا سترها معانا بس بعد موته عرفنا يعني اي أب وسند………. بعد موته اتبهدلنا… ولسه مكملين في البهدله…. لحد ما ربنا يرحمنا والواحد يموت ويرتاح…..”
هتف من تحت أسنانه بغيظ…..
“ممكن تسكتي…..”
انتبهت لجملته فوجدته ينظر لها بغضب ولوم
على ما سمعه منها….. ولم تفهم لما كل هذا الغضب
هل اساءة إليه انها بالغت في الاجابة وصارحة عن حياتها أكثر لكنها لم تُسيء إليه…….
بلعت ريقها ولم تعقب على هذا المجنون فيبدو انه
يعاني من إنفصال فهو من سألها أولا…..
من جديد حدثها من بين أسنانه….
“بلاش تدعي على نفسك تاني…..”
رفعت حاجبيها وعدلت وضعيتها وهي تنظر له…
فبرر غضبه الغريب نحوها ببرود….
“انا مبحبش الاسلوب ده في الكلام…. بيعصبني…”
ردت حنين بسخرية وهي تنظر اليه بارتعاد
مضحك….
“كلنا هنموت على فكرة……… وحد الله….”
نظر اليها بغيظ وهو يلفظ اسمها …
“حنين…..”
اهدته أجمل ابتسامه وهي تنظر لعيناه العسلية
ويالله ابتسامة واحده جعلت وجهها الباهت يشرق
من جديد مما زادها جمالاً يجذب العين….
نظر عز الدين للامام بسرعة فوجد سيارة قادمة عليه لم ينتبه لها لكنه تفادى الصدام في لحظة خاطفة وهو يشتم من بين أسنانه بغضب….. ليجد من تقهقه بنعومة مفعمه بالانوثة الخفية وهي تنظر له.. وزادت
الضحكة صدى وهي تتذكر مشهد تفاديه للحادثة وحديثها عن الموت قبلها فقالت من بين
ضحكاتها العالية….
“مش قولتلك وحد الله……. كلنا هنموت….”
نظر لها بحنق فوجد الابتسامة تزين وجهها مما
جعله يشرد قليلاً بها فهذا المشهد نادراً جداً عليه…
حينما اطال تامله لها لاحظ عيناها تتوسع وهي تصرخ بقوة افزعته….
“حاااسب…..”
نظر بسرعة للطريق ولم يجد شيء عقد حاجبيه ونظر إليها وجدها تضحك من جديد وهي تنظر
للنافذة المجاورة لها قائلة بمرح لطيف…
“خايف على عمرك اوي مش كده…….”
سألها نفس السؤال الذي طرحته
ببرود…..
“وانتي مش خايفه عليه…..”
لم تفهم الجملة جيداً فاجابت بطريقة دبلوماسية…
“لو بتكلم عن عمري لا طبعاً عادي… ولو على عمرك فأكيد هيبقا عندك اللي يخاف عليه… ميخصنيش…”
برم شفتيه ناظرا للطريق أمامه وهو يقول بنبرة هازئة …..
“سلكي نيتك ياحنين….. أكيد مش بسألك عن
عمري يهمك ولا لا…. كل اللي بينا هيخلص بعد الاتفاق ويدار ما دخلك شر…..”
نظرت للنافذة ولم تعقب بل عاد الصمت من جديد عليهما….
اوقف السيارة امام الشارع القابع بداخله بيتها….
اقترح عز الدين بهدوء ……
“لو لسه تعبانه……. ادخلك بالعربية….”
هزت رأسها بنفي وهي تقول بهدوء شاكرة….
“شكراً تعبتك معايا………عن اذنك…..”
خرجت من السيارة ودخلت الشارع ولم تلقي عليه
اي نظره اخرى بعد خروجها من السيارة بل هو من
ظل يتابعها بعد ان اختفت عن ابصاره…..صدح
هاتفه بمكالمة من نزار ففتح الخط وهو يخبره
بتردد…..
“في حاجه كده…….حصلت لازم تعرفها….”
انتاب عز الدين الملل فقال…
“حاجة إيه…….اتكلم علطول يانزار….”
دخلت الشقة بعد ان فتحت بالمفتاح….
وضعت مابيدها على الطاولة البسيطة وتركت الباب مفتوح لكي تنادي على الصغار من عند الجارة حتى تطعمهم قبل ان تستريح قليلاً حتى تذهب ليلا
لأمها
سمعت الباب يغلق بقوة قالت وهي تولي ظهرها للباب
“كويس انك جيت يامحمود…يلا نادي اخواتك
عشان تاكلـ…….”توقفت الجمله بحلقها وهي تجد
خالد يقف امامها بغضب الشياطين…..
يتبع..
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غمرة عشقك)