رواية غفران هزمه العشق الفصل السابع عشر 17 بقلم نور زيزو
رواية غفران هزمه العشق الجزء السابع عشر
رواية غفران هزمه العشق البارت السابع عشر
رواية غفران هزمه العشق الحلقة السابعة عشر
___ بعنــــوان ” العقــــد الملعــــون ” ___
[[ قصـــر الحــديــــدي]]
ترجل “غفران” من الأعلي مُرتدي بدلته الرمادية وقميصه الأسود يهندم سترته وهو ينادي بنبرة جادة على رئيسه منزله:-
_ فاتن
جاءت “فاتن” من الداخل على صوته فرمق “كندا” التى تجلس على السفرة تتناول فطورها ليقول بجدية ونبرة خشنة قوية:-
_ خُديها على فوق، الاوضة اللى جنب جناحي تنضفها كويس وتفرشها عشان جاي لينا ضيفة
وقفت “كندا” من مكانها بصدمة ألجمتها من أمره لها فقالت بعناد:-
_ ضيفة!!، أي قررت تجيب عشيقتكِ لبيتي بكل بجاحة
حدق بها ببرود شديد يكاد يقتلها فى الحال على غير انفعاله فكان البرود العقاب الأكثر قسوة إلى “كندا” فقال بنبرة باردة:-
_ أمورى تتنفذ يا فاتن، لو عرفت إنكِ حطتي أيدكِ فى حاجة هقطعهالك، وإنتِ يا هانم لتصحيح معلوماتكِ دا بيتي أنا وقصري وإنتِ هنا خادمة تحت جزمتي عشان بس أعفي عنكِ وأوعي تفتكري أن الدكتور اللى جالك أمبارح دا خوف عليكِ يا كندا ، لا يا حبيبتي دا أنا مستحيل أسمح لخيانة زيكِ تموت كدة بسهولة ، أنا هخليكي تتنمى الموت ومش هتحصلي عليه إلا بأمر منى
خرج من القصر تاركًا خلفه زوجة تكاد تموت من الألم بسبب خطأ واحد أرتكبته بالماضي تدفع ثمنه الآن بعد عشرة سنوات، أقتربت “فاتن” منها بلطف وربتت على كتفها بشفقة:-
_ سامحيني يا كندا هانم، بس دا أمر غفران بيه وعصيانه يعنى الجحيم
نظرت “كندا” إليها بعيني دامعة وبدأت تبكي بحسرة تمزق قلبها ثم قالت بتمتمة عاجزة عن فعل شيء:-
_ أنا اللى واجعني مش أوامر غفران ولا ذُله ليا، أنا اللى واجعني بجد يا فاتن أنه ظالمني، بيعاقبني على حاجة ظُلم ، طول العشرة سنين دول وأنا شايلة جزمته فوق رأسي وقابلة بكل حاجة وأننا مش زى أى زوجين طبيعين وبقول دا عقابي على غلطة واحدة عملتها وغصب عني لكن دلوقت والله اللى قهرني أنى مظلومة ، أنا من يوم ما أتجوزت غفران وأنا مخلصة وصايناه ويشهد عليا ربنا ، لكن دلوقت والله مظلومة
_ يظهر أن الواحد مهما مر على غلطه من سنين لازم يدفع ثمنها
قالتها “فاتن” بنبرة حادة ويدها تربت على “كندا” بشفقة، لا تعلم ماذا تفعل تشفق على هذه الزوجة التى تحملت كل شيء من أى الماضي والآن تدفع ثمنه بقسوة ….
خرج “غفران” من القصر ليصعد بسيارته بصحبة “عُمر” فقال بحزم:-
_ أتصل بـقُسم تيجي ليا على الشركة الساعة 4
_ أومأ إليه بنعم وقال:-
_ حالًا
منعه “غفران” بمكر شديد يقول:-
_ لا، كلمها الساعة 3 بالدقيقة وعرفها أن الدقيقة تأخير ثمنها غالى أوى
هز “عُمر” رأسه بنعم ووضع الهاتف بجيبه مرة أخرى….
_________________________
كانت “قُسم” جالسة بغرفة تكاد تشعر بهذا العالم من التوتر الذي يتملكها و”حازم” بالخارج مع والدها كما طلب، لا تصدق أنها ستتزوج من هذا الرجل رغم كل العلامات التى توحي بفشل هذا الزواج قبل أن يبدأ، حياة على حافة الهاوية لكنها تصبو إليها، قلبها يؤلمها بغصاته فرغم الغضب الكامن بداخلها من “غفران” لكنها تكن له المشاعر الدافئة وتمكن من أمتلاك قلبها بنبضاته ليسرق هذا القلب من “حازم” رجل كان الوحيد بحياتها ولم تكن تعرف معنى الحياة والحُب سوى معه حتى ظهر “غفران” ؛ ليقلب حياتها رأسًا على عقب، رن هاتفها باسم “عُمر” فتجاهلت الأتصال بضيق وهذا الوقت لا يسمح لها بسماع شيء أخر، ربتت “ملك” على كتفها بلطف وقالت:-
_ خلاص يا قُسم بقي، ساعة شيطان وغلطة أكيد حازم مش هيكررها يعنى وفى الأول وفى الأخير دا حازم حُب عمركِ
لم تتمكن “قُسم” من التفوه بكلمة واحدة للإجابة على صديقتها التى تتحدث عن الحُب وهى لا تفهم شيء، وقفت “ملك” من مكانها وذهبت نحو الباب تسترق السمع لما يحدث بالخارج بينما هاتف “قُسم” عاود الأتصال من جديد باسم “عمر” فتجاهلت الأتصال مرة أخرى حتى حسم الأمر هذه المرة برسالة على تطبيق المحادثات ( الواتساب) بصورة تحتوى على بند العقد الذي وقعته بأنها لن تتجاهل مكالمات “غفران” او أوامره نهائيًا وألا العقد سيعتبر ملغي ويلزمها بدفع شرط جزائي قدره مليون جنيه، مما جعل “قُسم” تصدم من وجود شرط جزئي للعقد ومع اتصال “عُمر” الجديد قبلت الأتصال من أول ثانية تقول:-
_ نعم
تحدث “عُمر” بنبرة خشنة قوية على عكس المعتاد معها:-
_ مسيو غفران فى أنتظارك كمان ساعة فى الشركة
_ بس أنا ……
كادت أن تعترض بدهشة من طلبه لها فورًا لكن قاطعها “عُمر” بنبرة قوية يقول:-
_ مش محتاج افكر حضرتك بالشرط الجزائي مرة تانية يا مس قُسم ونصيحة منى للمستقبل قبل ما تمضي على ورقة لازم تقرأيها مرة وأثنين كويس لأن فى ورقة ممكن تنهي حياتكِ والبند الى بعته لحضرتك مش الوحيد اللى كان لازم تقرأيه …. الساعة 60 دقيقة بدأت من دلوقت ، مع السلامة
أغلق الخط ليتركها فى حالة من الذهول وهو يقيس لها الوقت بالدقيقة وكلماته الجادة المُرعبة عن قراءة العقد زادت من قلقها وتوترها وشعرت برجفة فى باطنها من القادم
عادت “ملك” من خلف الباب فى حالة من الذهول تقول :-
_ عم جميل حدد فرحك بعد أسبوعين هو مستعجل على أي؟
لم تبالي “قُسم” بما قالته وعقله شاردًا فى مكالمة “عُمر” الغامضة فهزت رأسها بالنفي بقلق وقالت :-
_ انا عندي مشوار ضروري
خرجت من الغرفة وكان والدها فى الصالة مُنهكًا من الحركة ومعه “حازم” ووالدته مُبتسمًا بسعادة بعد تحديد موعد الزفاف على عكس والدته العابسة وهى تكن كل الكره لـ “قُسم” ورافضة للزواج من البداية، أوقفها “جميل” بنبرة هادئة بسبب حالته الصحية:-
_ قُسم
_ بابا أنا عندي مشوار ضرورى مش هتأخر
قالتها بتعجل وهى تغادر الشقة ليوقفها من جديد بعد أن فتحت باب الشقة يقول:-
_ قُسم تعالي هنا
عادت للدخول بأففة شديد تقول بضيق:-
_ نعم
_ أنا أتفقت مع حازم أن فرحكم الخميس الجاي اللى بعده
قالها بجدية لتقول بلا مبالاة :-
_ اه ، وماله … عن أذنك
_ أنتِ رايحة فين؟
قالها “حازم” بفضول لتُجيبها بنبرة حادة غاضبة وهى تشمئز الآن وجوده:-
_ مالكش دعوة
غادرت قبل أن يوقفها أحد وأغلقت باب الشقة ….
________________________
جاءت “رزان” إلى “نورهان” فى الطابق الثاني من شركتها حيث تقف مع العارضات وتباشر المنتج الجديد مع المؤظفين، قالت بهدوء:-
_ دكتورة نورهان
ألتفت “نورهان” إليها بجدية وقالت للمؤظف:-
_ هنكمل كلامنا مرة تانية، تعالي يا رزان
أقتربت “رزان” منها بهدوء وتحدثت بنبرة خافتة:-
_ مدام تيا كلمتني أمبارح وطلبت منى طلب كدة فى السر بدون معرفة حضرتكِ
سارت “نورهان” إلى طريق مكتبها بجدية وخطوات تحمل من وقارها الكثير والهيبة، قالت بنبرة جادة:-
_ تيا بتلعب من وراء ظهري، ويا ترى بقي أي الطلب؟
تنحنحت “رزان” بلطف قبل أن تتحدث خائفة من ذكاء “نورهان” وجحودها فى آنٍ واحدٍ قائلة:-
_ أراقب أنس بيه وأجيبلها سجل مكالماته كامل
توقفت “نورهان” عن السير من هول الصدمة التى ألحقت بها بعد أن سمعت كلمات “رزان” وأتسعت عينيها على مصراعيها وهى تقول بتلعثم:-
_ تراقبي أنس، قصدكِ أن تيا بتشك فى البيه
_ دا اللى انا فهمته من كلامها لكنها مقالتهوش صريح
قالتها “رزان” مما جعل “نورهان” تصمت قليلًا لتفكر وتستوعب هذه الخطوة من “تيا” ابنتها فقالت بمكر شديد:-
_ أعملى اللى طلبته منكِ لكنى متعرفهاش أى حاجة قبل ما تقوليله، ولو أكتشفتي أنه بيخونها تستعدي لمسحه من على وجه الأرض لأن مش بنت نورهان الحديدي اللى تتخان
أكملت طريقها إلى مكتبها بعقل بدأت حربه فى التفكير……
_________________________
[[ شـركـة الحديدي ]]
خرجت “ليلي” من مكتب “غفران” عابسة وتُتمتم بالكثير من الكلمات الغير مفهومة وتمزق بعض الأوراق بقوة تدل على أنفعالها فرأت “عُمر” يجلس على مكتبها؛ ليرفع حاجبه الأيسر مُتعجبًا تذمر محبوبته فقال:-
_ ما لكِ يا ليلي؟ بتبرطمي ليه
_ مالي بجد!! أنت بتسأل، أقولك مالي مش طايق نفسه من ساعة ما جه وزعيق وشخط طول الوقت رجع القهوة مرتين ورابع مرة أطبع الفايل ويقولى عديه وطرد أتنين من المؤظفين كانوا بيشربوا سجاير على السلم وطلب ألغي كل الأجتماعات النهار دا وأنا فى حوسة مع الشركاء بسبب مواعيد الأجتماعات المهمة اللى قعدوا مستنين شهر كامل لحد ما يرجع من السفر عشان أعمالهم وصفقاتهم متعطلة بسبب غيابه، بس كدة .. عرفت مالي بقي يا سي عُمر
ضحك “عُمر” على تذمرها وانفعالها بسبب رئيسه المتغطرس المغرور الذي لا يبالي بشيء سوى رغباته وما يريده فقط حتى لو هدم العالم على روءس الجميع ما دام هذا ما يريده سيفعل، وقفت أمام ماكينة التصوير لتعيد طباعة الورق من جديدي بتأفف حتى فاض بها الأمر، ألتفت إلى “عُمر” بعبوس أكثر وقالت بنبرة حادة:-
_ هو متخانق مع مراته؟
وقف “عُمر” من مكانه ليغادر المكتب دون أن يجيب عليها مُحتفظًا بأسرار عمله حتى مع محبوبته فمسكت “ليلي” يده قبل أن يفعل، نظر إلى وجهها الجميل رغم شدة العبوس لتقول “ليلي” بجدية:-
_ أنا بتكلم جد يا عُمر، هو النهار دا فى حالة مزاجية صعب التعامل معاها نهائيًا، أنت مُتخيل كم الغضب اللى أنا فيه دا وأنت نفسك عارف إنه بيعاملي ألطف من الباقي عشانك، تخيل باقي المؤظفين مع قسوته وجحوده دا عاملين أزاى وأنا أقل واحدة فيهم غضب بسببه
تنحنح “عُمر” بلطف شديد ثم قال:-
_ متقلقيش يا حبيبتي بعد كام دقيقة هتلاقي مزاجه أتغير
عقدت حاجبيها بعدم فهم لأى شيء من كلماته وقالت بجدية:-
_ أشمعنا، أنا لغيت أجتماع المهندسين فى التوقيت دا
ضحك “عُمر” على سذاجتها وقال بعفوية:-
_ هو اجتماع المهندسين بيحسن مزاجية برضو يا لولو، أفهميها إنتِ بقي ، عيب تبقي سكرتيرة غفران الحديدي وأيده اليمين فى الشركة ومتفهماش
قاطعهم صوت أنثوي رقيق من الخلف يقول:-
_ مساء الخير
ألتف “عُمر” بوجه حادة بينما نظرت “ليلي” لترى “قُسم” فتاة من هيئتها أدركت أنها بسيطة جدًا ترتدي بنطلون جينز وتيشيرت بنصف كم فوقه سترة جينزية ووشاح أحمر اللون حول عنقها وشعرها الكستنائي مسدول على ظهرها بحرية، بشرتها خالية من مساحيق التجميل نهائيًا وفى قدمها حذاء رياضي مما أدهش “ليلي” التى تقدمت نحوها ولأول مرة ترى فتاة فى هذه الشركة الفاخمة ترتدي حذاء رياضي لطالما كان الأهم حسنة المظهر وقالت:-
_ تحت أمرك، حضرتكِ بتدوري على حاجة أو ضعيتي طريقك
رمقت “قُسم” هذا الرجل الغليظ الذي جلبها إلى هنا بالتهديد وقالت بحدة :-
_ ما ترد يا عُمر بيه وتقولها جبتني ليه؟
أستدارت “ليلي” بفزع إلى “عُمر” وصرخت بقوة دون أن تُدرك الأمر:-
_ يا نهارك مش فايت، أنت أتجوزت عليا…. ، شقطتها منين دى، طبعًا عشان كدة عامل تقولى مش فاضي مش فاضي لحد ما أتجوزت عليا يا خاين وببجاحتك جايبهالي لحد هنا
_ يا أنسة
قالتها “قُسم” بلطف مُحاولة تصحيح الأمر لكن هذه العاشقة لم تكن بنفس القدر من اللطف لتستدير لها وبسرعة البرق جذبتها من شعرها ليبدأ بينهما شجار من هجوم “ليلي” وصراخ “قُسم” المُتألمة من قوتها مُدافعة عن نفسها وتحاول الخلاص من يدي هذه الفتاة ، أقترب “عُمر” بسرعة جنونية منهما وصوت الشجار ملأ المكان ليحاول إبعاد فتاته عن “قُسم” بخوف من غضب “غفران” إذا علم، وحتى “ليلي” المهاجمة إذا علمت بحقيقة هذه الفتاة ستموت رعبًا، قال بذعر:-
_ سيبها يا ليلي، وهفهمك، يا بت سيبها يخربيتك…..
قاطعه فتح باب المكتب وخروج “غفران” على صوت الصراخ، توقف الجميع عن فعل كل شيء وما زالت يد “ليلي” تمسك تيشيرت “قُسم” حتى لا تهرب من مخالبها القوية، ظل يحدق بيهما جاهلًا عن هوياتهما لكنه يعرف “عُمر” من ملابسه فى الصباحية وهكذا “ليلي” رغم سقوط شارة اسمها عن سترتها لكنه يعرف ملابسها اليوم، تسأل فى صمت عن الفتاة التى تضربها “ليلي” بقوة وعجزه فى الرؤية جعله صامتًا لثواني حتى تحدثت “قُسم” صارخة بانفعال :-
_ قالكِ هيفهمكِ
_قُسم
قالها “غفران” بذعر بعد أن سمع نبرة صوتها المحفور فى أذنيه وذاكرته، أقترب خطوة منها ليبتلع “عُمر” لعابه قليلًا وقال:-
_ حصل سوء تفاهم يا مسيو غفران وليلي هتعتذر فورًا
أغمض عينيه بهدوء قبل أن ينفجر غاضبًا بوجه مؤظفته على ما فعلته لترتجف يدي “ليلي” بخوف وتترك ثياب “قُسم” قبل أن يفتح عينيه ، أنحنى قليلًا ليأخذ الوشاح من الأرض وعاد للوقوف أمامها ووضعه حول عنقها بلطف مما جعل “ليلي” تُصدم مما يفعله وعقله سرعان ما ترجم الموقف وأن هذه الفتاة مجهولة الهوية تخص “غفران” الذي سيقطع رأسها على لمس شيء يخصه وهى لم تقترف اللمس فقط، بل قامت بضربها بكل قوتها، حدقت “قُسم” بعينيه وهو يضع الوشاح لها وكانت فى عالم أخر غير المجاورة لها المرعوبة منه، كانت غارقة بجمال عينيه والشوق الذي أشعل فتيلته داخل قلبه من رؤيته، لم تراه مُنذ أيام وتعاقبه على شيء أقترفه فى حقها فى وقت الخوف، كان جميلًا لكن عينيه حزينتين وباردتين ، لا يمكن بصفاء النفس والبال كما كان فى فرنسا، أنفاسه غير منتظم تضرب وجنتيها بتردد، تسللت يديه إلى رأسها يهندم خصلات شعرها بحنية ودفء يُثر نبضات قلبها العاشق وقشعريرة أحتلت جسدها كاملًا، رمقت “ليلي” رأسها بخوف رغم الدهشة التى ألجمتها من تصرفاته الدافئة معها فى حين أنه من بداية اليوم غليظ وحاد مع الجميع، تسائلت أين ذهبت قسوته التى كانت قبل قليل، أخذها “غفران” من يدها إلى داخل فنكز “عُمر” كتف “ليلي” بقوة وقال بصراخ حاد:-
_ أنا لو هخونك يا جزمة هجبهالك لحد هنا، وبعدين أنا عندي وقت أحبك فيه عشان يبقي عندي وقت أشوف غيرك، والله لأوريكِ يا ليلي على الإحراج اللى عملتيه دا، أتفضلي قدامي تخشي تعتذري ليها على اللى عملتيه
جلست “قُسم” على المقعد المقابل لمكتبه وهى تحرك كتفها بلطف من الألم الذي سببته لها “ليلي” ليقول “غفران”:-
_ إنتِ كويسة؟
صمتت قليلًا وتذكرت بكاءها فى الطريق إليه بعد أن حدد والدها موعد الزواج والآن الضرب الذي تعرضت له، فُتح باب المكتب ودلف “عُمر” أولًا وكانت “ليلي” تختبي خلف ظهره من الخوف ليقول بهدوء:-
_ مسيو غفران….
قاطعه “غفران” بنرة حادة وقوية أرعبت “ليلي” من أرضها يقول:-
_ ليلي
ظهرت من خلف ظهره تقول بتلعثم شديد ويديها ترتجف:-
_ والله ما كنت أعرف أنها حبيبتك يا مسيو غفران، هى قالتلى أسالي عُمر وفكرته بيخوني معاها
ضحك “غفران” على غير المعتاد منه ضحكة خافتة بعد أن وصفت “قُسم” بحبيبته من أول لقاء، نظرت “ليلي” إلى “عُمر” بحيرة بعد أن ضحك “غفران” ومسكت سترته من الخلف بعجز فأشار “عُمر” لها برأسه بأن تعتذر:-
_ أنا أسفة لحضرتكِ
ضحكت “قسم” بعد أن فهمت أن هذه الفتاة حبيبته فقالت بعفوية:-
_ ولا يهمك، أنا كان لازم أجاوبك أنى جاية فى ميعاد مع غفران وأكون أوضح فى جوابي
_ مش زعلانة، لأحسن إنتِ هتمشي من هنا وأنا هتعلق أقسم بالله
قالتها “ليلي” بعفوية رغم خوفها من وجود “غفران”، هزت “قُسم” رأسها بلطف وقالت:-
_ أكيد
نظرت “ليلي” بلماضتها وعنادها الطفولي إلى “غفران” وقالت بجدية صارمة تقلده:-
_ حضرتك سمعت أهو، قالت مش زعلانة وقبلت أعتذاري أى قرار هتتأخذه ضدي هرجع للجنة الشئون القانونية ويفصل بينا المحاكم و…..
وضع “عُمر” يده على فمها يمنعها من الحديث أكثر وقال:-
_ بعد أذنك، يلا ليلي .. يلا يا حبيبتي
غادرت “ليلي” وحدها فنظر “غفران” إلى “قُسم” التى سحبت بسمتها بعد مُغادرة “ليلي” وتحول ووجهها للعبوس وقالت:-
_ طلبتني
قدم “عُمر” نسخة العقد إلى “قُسم” وقال بنبرة جادة:-
_ أستسمحكِ يا أنسة قُسم تقرأي بنود العقد كاملة وخصوصًا أخر ورقة
أخذت “قُسم” العقد بتذمر شديد مُتمتمة:-
_ جايبني على ملأ وشي عشان اقرألكَ العقد، كنت اقرأه لنفسك يا عُمر… بعدين أي أنسة قُسم اللى ماسك ليا فيها دى
كانت تُحدثه مُتذمرة على الطريقة الرسمية ويدها تقلب صفحات العقد حتى وصلت للأخيرة وبدأت تقرأ فى صمت، أتسعت عينيها على مصراعيها ورفعت رأسها بصدمة ألجمتها وأوقفت نبضات قلبها بقوة لتقول بانفعال شديد ويديها ترمي العقد فى وجه “غفران” :-
_ اى دا، ممكن حد يشرحلى أي الجنان دا
_ أشرحلك يا أنسة قُسم، العقد اللى مضيته عليه خلاصته بتقول أن مسيو غفران هيدفع تكاليف جراحة والدك بزراعة القلب وإقامة المستشفي ومرافقتك لهم فيما يعادل مليون جنيه فى المقابل حضرتك هتكوني مؤظفة عنده لمدة سنتين ولا يحق ليكِ مخالفة أموره وألا سيكون مخالف للعقد وتدفعي شرط جزائي مليون جنيه اللى دفعهم مسيو غفران
_ دا جنان …..
قاطعهم “عُمر” للمرة الثانية يتابع الحديث قائلًا:-
_ والورقة اللى قبل الأخيرة كان عقد زواج عرفي بينك وبين مسيو غفران وبعد الإمضاء حضرتكِ أصبحتي زوجته
وقفت من مقعدها من هول الصدمة وهى لا تُصدق أنها تزوجت منه بغباءها وفى لحظة الخوف تملك منها على والدها وأرادت إنقاذ حياته لتقع فى وكر هذا الأسد، صرخت بنبرة عالية تكاد تكون “ليلي” سمعتها من الخارج وهى تقول:-
_ أنت مريض، لا دا مش مرض دا جنان، أنا مستحيل أكون مراتك ومستحيل أتجوزك، أنا سيبتهم بيحددوا فرحي بعد أسبوعين جاى تقولي أنى متجوزة وشكلى وسمعتي قصاد الناس، وأبويا اللى لسه قلبه مفتوح متخيل خبر زى دا ممكن يعمل فيه أي
أقترب “غفران” من المكتب نحوها يحدق بها وقال بنبرة غليظة:-
_ أنتِ مراتي سواء قبلتي أو رفضتي يا قُسم
_ مستحيل العقد دا تبله وتشربه، دا أنا أموت ولا أنى أكسر ظهر أبويا وأوطي رأسه
قالتها بغضب سافر لتغادر المكتب فأسرع “غفران” خلفها وصعد المصعد معها قبل أن يغلق فقالت بضيق:-
_ أنت أزاى طلعت بالقرف دا، أنا كنت شايفاك حد محترم مش حد زبالة بيستغل مرض وحُوجة الناس عشان يأخذ اللى عايزاه
وقف أمامها يلهث بقوة من ركضه وقال بنبرة هادئة:-
_ أنا مش وحش يا قُسم، أنا بنى أدم
_ الجوازة دى باطلة وفى الشرع متحتسبش، الجواز قبول وإشهار وأنا ولا قابلة ولا أشهرت
قالتها بحزن ودموعها تسيل على وجنتيها بتعب وصدمتها تكاد تفقدها الوعي لكنها تصمد قدر المستطاع، أقترب خطوة واحدة منها حتى باتت أنفاسهما واحدة مُختلطة ليقول بدفء:-
_ موافق، هحرق العقد وهطلبك شرعًا… تتجوزني يا قُسم
رمقته بصدمة أكبر وقدميها لم تعد تتحمل أكثر وقلبها يرتجف بوجع يعتصره وقالت:-
_ ليه، أنا دوست على كل حاجة عشان أهلى وسمعتهم وقبلت بكل حاجة، شيلت كل الحمل لوحدي وقبلت أتجوز حازم بالغصب عشان أهلى وأبويا المريض، أنت ليه متتحملش عشان خاطر بيتك، ليه تتجوزني أصلاً، أنت طلعت وحش أوى يا غفران بيه
إجابها بعناد مُدافعًا عن حال قلبه:-
_ أنا مش وحش يا قُسم، أنا لو وحش كنت قسيت عليكِ لما هجرتني فى فرنسا، أنا صونتك وأحترمتك حتى وإنتِ معايا فى بيت واحد وكنتِ مراتي على فكرة، أنا مقدرش أذيكي بس كمان مقدرش أبعد عنكِ والقرار فى أيدك تقبلي تتجوزني وأعزك وأجي لحد أهلك وأطلبك منهم وأكتب عليكِ رسمي أو ورق الجواز العرفي تروح لأهلك بدلي
تمتمت بضعف ولهجة واهنة:-
_ أنت بتعمل فيا كدة ليه، أنا كنت جاية وفاكرة أنى ممكن أتسند عليك وأقولك ساعدني عشان هيجوزني غصب عنى لراجل مبحبوش، أجي ألاقيك أنت كمان بتبيع وتشتري فيا، هو كلكم بتبيعه وتشتروا فيا كأني كلبة فى حياتكم، محدش ليه سألني أنا عايزة أي؟ أنا مش هتجوزك أنت مبتحبنيش وأعلى ما في خيالك أركبه، أنا محدش يكسرني ولا يذلني … نجوم السماء أقربلك يا غفران بيه أى كان أسبابك أى، أنا مستحيل أتجوز راجل من باب الصفقات
قالتها بعناد شديد وتحدي لا تخشي شيء مهما كانت العواقب ولا تفهم أو تستوعب سبب رغبته الشديد فى الزواج بها حتى أنه كتب عقد زواج، تألم قلبه لحديثها وهى تخبره أنها لا يكن الحُب لها وتذكر كيف أخبرته “ليلي” بالأعلى أنها محبوبته والجميع يشعرون بحبه لها إلا هى فقال بعناد وعصبية أكثر مُتنازلًا عن دلالها بلطفه وكان أكثر عدوانية منها:-
_ كل اللى حوالينا شايفين حُبي ليكِ وغيرة قلبي وعقلي عليكِ، خوفي وقلقي ومحاولتى الدائمة فى إسعادكِ
أتسعت عيني “قُسم” على مصراعيها من هول الدهشة التى سقطت عليها من كلماته العاطفية التى تُثر نبضات القلب وتقشعر البدن، تمتمت بنبرة خافتة مُتلعثمة فى الكلمات:-
_ أنا مش فاهمة حاجة!!… غفران بيه أنت تقصد أي؟
أخذ خطوته الأخيرة نحوها حادقًا بوجهها الضبابي بعينيه المريضة، لم يقوى على تحمل الفراق وإذا كان الأعتراف هو فرصته الوحيدة فى البقاء جوارها فحتما لن يتخلى عن هذه الفرصة، تحدث بنبرة قوية قائلًا:-
_ معقول!!! ، أنتِ الوحيدة يا قُسم اللى مش شايفة حُبي المتمرد عليكِ، حُبي المتكبر اللى مش قادر أكتمه جوايا أكتر من كدة، أنا بحبك يا قُسم!!
أنتفض جسدها بدهشة قاتلة ألجمتها كاللجام وقيدت أطرافها بالأرض، توقف عقلها عن استيعاب أى شيء أخر يتفوه به، تسارعت نبضات قلبها الجنوني و”غفران” قد أحي بداخلها المشاعر التى كبحتها بالقوة ودهستها بأفكار عقلها المنطقية، أنفاسها تعلو شيئًا فشيء مع حركة صدرها التى تعبر عن قوة الشهيق والزفير اللذان يضربا ضلوعها بشدة، قالت بتوتر حاد وتلهث من قوة أنفاسها:-
_ بتحب مين؟! أنت مجنون! لا، لا، لا، أنت فعلًا مجنون أنت متجوز ومراتك وبنتك طب وأنا مخطوبة. وخطيبي؟؟؟.. لا، دا أنا فرحي بعد أسبوعين، أنت عارف خبر زى دا ممكن يعمل فيك أى؟، دا ممكن يدمر كل حياتك ويهد اسم غفران الحديدي تمامًا… أنسي يا غفران، أنساني عشان تقدر تعيش وأنا كمان أقدر أعيش قبل ما أهلي يقطعوا رقبتي
قالت كلماتها القاسية بعيني دامعة، رغم طلبها للفراق لكنها حقًا عاشقة له، لم تذق الحُب سوى معه ولأول مرة تشعر بدقات قلبها ويرتجف جسدها فرحًا معه وحده، تجرعت العشق رشفةً برشفة فى كل لقاء جمعهما حتى أنهت كأس العشق وباتت عاشقة، استدارت بحزن يمزقها من الداخل رغم تحليها بالصمود والقوة أمامه، رافضة أن تصبح العشيقة اللعينة التى تسرق الزوج من زوجته والأب من ابنته، أوشكت على مغادرة المصعد الذى فتح أبوابه وقبل أن تخطى خطوة واحدة خارجه شعرت بيده القوة تمسك رسخها الأيسر بأحكام، التفت ناظرة بوجهه وكان رجاله يقفوا أمام المصعد بأنتظاره ليقول:-
_ كنت عارف أن بنت بشخصيتك وعنادك وكبريائك هترفض، عمري ما قابلت حد بكبرك وتمردك يا قُسم، ولو كان المال مقدرش يجمعني بيكي يبقي القوة تقدر، أنا مستحيل أتخلى عن حاجة أنا عايزها، أنتِ ملكي أنا يا قُسم لأخر نفس فى عمرك ليا أنا وبس، حتى لو عشت عمرى كله أروض برية زيك يا قُسم …. خدوها
أتسعت عيني “قُسم” على مصراعيها من الصدمة، لا تصدق أنه خطط لكل شيء حتى إختطافها لكي يجبرها على هذا العشق الكامن بداخله، لا تعلم أهذا العشق ملاذ أم جحيم؟، لكنها تعلم شيء واحد أن “غفران الحديدي” لن يتركها ترحل، سحبها رجاله بالقوة معهم حتى أوصلوها إلى القصر لتكن تلك الفراشة الحرة أسيرة قصره وباتت البرية سجينة صيادها…
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غفران هزمه العشق)