رواية غزالة في صحراء الذئاب الفصل الثالث 3 بقلم رحمة سيد
رواية غزالة في صحراء الذئاب الجزء الثالث
رواية غزالة في صحراء الذئاب البارت الثالث
رواية غزالة في صحراء الذئاب الحلقة الثالثة
حـدق بالثـلاث اشخـاص الذيـن كانـوا يقفون أمامـه بهيئتـهم الرجولية الضخمة بصدمة دامـت لثوانى فقط، وسرعان ما ابعد شمس عنه لترتطـم بالأرضيـة بقوة، لو كانت متيقظة لكانت صرخت من الألم، وفى لمح البصر كان يخطف العصـا من يد احدهم ويلكمه بقوة، قبل أن يضربه هو على رأسه مثل شمس، ساعدته قواه الجسامنيـة بالطـبع، ظل يتبادل اللكمات والضرب مع الرجليـن، بينما الاخر فـر هاربًا بسرعة لينجـو بنفسه الأهم من اى شيئ الان، سقطـت الاثنين علي الأرضين متأوهيـن من الألم، هبط مالك لمستواهم وامسك برقبـة احدهم، يرمقـه بنظرات دبت الرعب في اوصاله ليرتعد من هيئتـه الغاضبـة وعينيه الحمراوتيـن مثل وجهه من كثرة الإنفعـال، ثم سأله بأنفاس لاهثـة :
_ انت ميييين
كاد يختنـق، وحاول إبعـاد يده عنه وهو يجيبـه بتعب حقيقي :
_ عـ عبد آآ عبدالحميـد
حدقـه بقوة وبرقت عينـاه، وراح يسأله مرة اخرى وهو يهـزه :
_ عايز منها اييية انطق انت تعرفها اصلاً
_ مـ معـرفش معرفهـاش معرفهاش
إلتفـت للحظـة للأخـر الذى استغل الفرصة التى قُـدمت له على طـبق من ذهب وركض مسرعًا ليفر من امامهم، نهض مالك ليراه بغضب، في حيـن تحامل الأخر على نفسـه ونهض مسرعًا قدر الامكـان ثم دفع مالك بقوة وركض هو الاخـر ..
لم يبالـي مالك واستـدار لشمس التي مازالت فاقــدة الوعى، هبط لمستواها ثم وضـع يــده أسفـل ركبتيهـا والاخرى اسفـل ظهرهـا، ثم إتجـه لداخل المنزل واغلق الباب بقدمـه، وضعها علي الأريكـة المتوسطة الموضوعة في الصالة، ثم نهض واتجه للمطبـخ واخرج الماء من الثلاجـة ثم عاد لها مرة اخرى، سكب بعض قطرات الماء على وجهها وظل يضربها برفق علي وجنتهـا وهو يقول بصوت قلق بعض الشيئ :
_ يا انسة ولا يا مدام، فوقي يا انتِ
بدأت شمس تفتح جفنيهـا بتثاقل لتشرق شمس عينيها الرماديـة الجذابـة، تشعر بثقل في انحـاء جسدهـا الضعيف، بدأت الصورة توضح امامها الان، في منزل ما، وامامها شـاب .. وبمفردهم !!
ما إن وصلتها تلك الكلمة حتى هبت منتصبة بفـزع، اصبح جسدها يرتعش غير مبالية لألم رأسهـا الذى تشعـر به، كل جـزء فيها يرتعد لمجرد التفكير فيما قد حدث او يحدث، رأى الذعـر في عينيها الساحرة بوضـوح، كان ينظر لها بدهشـة، هو لم يفعل شيئ لكل هذا الفـزع، ولكن كيف تفـزع اساسًا وهى ..
قطعـت شمس حبل تفكيـره الشارد وهي تتأوه بألم لم تستطع اخفـاؤوه اكثر :
_ آآآه انا فين !!
رفـع حاجبـه الأيسـر، ثم نظر لها بنصف عين، ونهض فجأة يقول بجدية :
_ اية انتِ فقدتى الذاكرة ولا اية ؟!
ظلـت تعود للخلف شيئ فشيئ، تشربـت ملامحهَا الخوف .. والجزع، ظل يراقبها بهدوء مخيـف كالفهد الذى يراقـب فريستـه، إبتلعت ريقها بإزدراء، ثم قالت متلعثمة :
_ آآ افتـ افتكرت، انا آآ انا ..
توقـف يسألها برزانـة :
_ انتِ اية ؟
كانـت دقـات قلبها تتسـارع، الى متى ستظل هكذا ترتعد، من كثرة خوفها لا تتذكر انها كانت هادئة سعيدة يومًا، يجتاحها الان شعور بالرغبة في الغثيـان، تشنجـت قسمـات وجهـها قبل أن تجيبه بصوت هامس :
_ أنـا شـمـس
ضحـك على ارتباكهـا واجابتها، كانت ابتسامتـه جذابة ولكن .. مخيفـة، وكانت تسيطر عليه حالة تعجب لا نهائيـة، كيف تتلعثم وتخجل هكذا !؟
سألها بابتسامة لعــوب :
_ مالك يا شمس فيكِ اية خايفة كدة لية، متخافيش بطلت أكل النـاس
نظراتـه الغامضـة وكلماته اللعوبـة نشرت الخـوف اكثر بداخلهـا، وكأنها في بحر عميق من الخوف، تحتاج لنجدة ما، ولكنه بأفعاله يدفعها بداخله اكثر واكثر، استدارت بسرعة لتسير بخطوات سريعة، ثم قالت مصطنعة الهدوء:
_ انا ماشية، هبقي ابعت لحضرتك حد غيرى
أمسـكها من معصمهـا، ليشعر بالقشعريرة التي سارت في جسدهـا، تحت انظاره وجهها يشحب شيئً فشيئ، لمعة عيناها إنذار لأعلان بدأ اندلاع ثورة غاضبة وباكيـة، قربها منه قليلاً، ثم نظـر في عينيها الرمادية، ذاك البحر العميق، الأزرق الرمادى، نظرات اذابـت تماسكها المتبقي في لمح البصـر، لتنغمس هى في عينيه السوداء، و قال بصوت رجولى هامس، ليلعب على اوتارها الحساسة :
_ بس انا عايـزك انتِ مش عايز حد تانى
أستفاقـت على جملتـه تلك، جملتـه التى حملت الرغبة في طياتهـا، كرهت كلمة ” الرغبـة ” بسبب ذاك، دموعها على وشك الانهمار، لن تتماسك بعد الان .. !
نقطـة ومن بداية السطر .. مقاومة، كل خلية بداخلها نهرتها لتقاوم سريعًا، وجدت نفسها تدفعه بكامل قواها، شعرت بطاقة تخترقها لا اراديــًا ..
بينما جـز هو على اسنانـه بغيظ، تحاول الفرار من الامتزاج بتلك الامواج وهى منها اساسًا، تحولت نظرات الهائمـة لنظرات جعلتها تشعر انها ستفقـد وعيها الان !!
أمسكهـا من معصمهـا بقوة، ولم يبالي بأعتراضها، ثم زمجر فيها بحدة :
_ فيه اية، انتِ مش جاية هنا عشان شغلك، ماتشتغلي بقا يلا
تنسـات خوفها، وتلاشي مع الريـاح، ليتجسـد امامها معاناة والدتهـا، لتقـف امامه وكأنها بلا روح، إما الغرق .. او التمزق لأشـلاء يصعب اعادتها !؟
قالـت بصوت مهزوز لم يراعيه ابدًا :
_ ماشي، عن اذنك
استـدارت لتتجـه للداخـل ولكن وجـدت ايدى من حديد قاتل امسكت بيدها البيضاء الصغيرة ليمتزج لونهما سويــًا، أجفلت وهى تغمغم بتوتر :
_ لو سمحت سيب ايدى، هأدخل اشوف شغلى
عقد حاجبيه متساءلاً، ثم بدأ الانذار مرة اخرى بأقترابـه، ليستطرد بخبث ظهر بوضوح فى نبراته :
_ ماهو انا شغلك .. صح
هـزت رأسهـا نافيـة بسرعة ثم استدارت وفي لمح البصر كانت تركض للخارج بخطوات متلعثمة، بقلب ظنته يدق بصوت عالٍ مسموع، بأعيـن تعاهدت ألا تسمح للانهار بالانهمار علي تلك الوجنتين الساخنتيـن..
بينما وقـف هو مدهوشـًا لما يحدث، رعشتهـا .. خوفها .. توترها وتلعثمها، اشياء توحى وتدفعه للظـن انها لا تفهم او انه ليس كذلك، هناك حلقة مفقـودة !!
قال ذلك لنفسـه قبل أن يستدير ويمسك بهاتفه من جيبـه ثم اتصل بشخص ما وما ان اتاه صوته الرجولى حتى قال جادًا :
_ انت فين ؟
_ ف الكافيه الي بنقعد عليه دايمًا
_ معاك حد ؟
_ لا لوحدى
_ طب انا جايلك مسافة السكة
_ في حاجة ولا اية
_ اما اجي لك هتفهم
_ ماشي مستنيك
_ سلام
_ سلام
اغلق الهاتـف ووضعه في جيبـه مرة اخرى، لم يتـركه التفكير .. والشك ولو للحظـة، يداهمـه بقوة جعلته يضع يداه علي رأسها ويضغط بقوة عله يستطيع ايقاف سيل التفكير ليهـدأ قليلاً ..
*********
هـروب .. كلمة من اربـع حروف كلما تذكرتها يجتاحها شعور بالضـعف والخزى من نفسها، نعم .. تهرب وتخشي المواجهة، تخشي الظهور امام اى شخص يخترقها بنظراته فتنهـار، كالزهرة التي ان خرجت للشمس الحارة ستذبل .. وتموت !!
اغلقـت اهدابهـا الكثيفـة السـوداء، تهدأ نفسها من كم المشاعر التى اجتاحتها وتجتاحها يوميًا بلا رحمة للراحة !!
ثم نهضـت ووقفـت امام الدولاب لتختار ما سترتديـه، اخرجت بنطال جينز واسع الي حدًا ما وتيشرت كم أصفر، وطرحة صغيرة من اللون الاصفر والبرتقالي المشجّر ..
ارتـدت ملابسها على عجلة، واستعدت للذهاب لعملهـا، حيث تعمل كـمهندسة ديكـور فى احدى الشركات الخاصة، انتهـت ثم خرجـت متجهة للبَاب، لتقابل والدتها التى خرجت من المطبـخ لتوها، وما إن رأتها حتى قـالت بريـبة :
_ رايحة فين يا حبيبتي
تنهـدت خلود بقوة، ثم نظرت لها بهدوء، ومن ثم اجابتـه بنبرة تحمل بعض التهكم :
_ رايحة شغلى يا ماما، ولا انا خلاص هأقعد فى البيت
هـز رأسهـا نافيـة بسرعة، هى تخشـي عليها من اى شخص قد يجعلها تموت بالبطيئ بفعل كلماتـه المميتة، ثم هتفت مبررة :
_ لا ابدًا يا حبيبتي، انا بس آآ
تقـوس فمها بأبتسامة ساخرة، قد فهمت كل شيئ من نظراتها، تـوّد حبسها خلف جدار عازل لتمنـع تلك الهتافات السوداء من إطالتهـا، ولكنها قد قررت التصدى لها ومواجتها، وإن كانت ستجرحها بأشواكهـا، قاطعتهـا قائلة بحزم :
_ انا هنزل يا امى وهعيش حياتى عادى
ارتسـم ثغرهـا بأبتسامة باهتـة تعبر عن كم المخاوف التى تساورها، ثم تمتمت بخفـوت :
_ ربنا يحفـظك يا حبيبتي
بادلتهـا الابتسامـة الهادئة مرددة :
_ يارب
استـدارت واتجهـت للخـارج، ثم استقلت احدى سيارات الاجـرة متجهة للشركـة، أفكَارها متخبطة بالكثير وسماء ذهنها ممتلئة بشكل متعب، تحاول إعداد وجمع شتات نفسها لتقبل اى كلمة ستسمعها بعد قليل ..
وصلـت الشركـة، كبيرة فاهرة، الحارس امام الباب، ذات طابـع جديد ثرى، اخذت نفسًا عميقــًا ثم دلفت متجهة لمكتبهـا، ما إن دلفت الي الحجرة الكبيرة الموضوع بها اكثر من مكتب للموظفيـن حتى بدأت الهمهـات تعلو رويدًا رويدًا ..
لم تعطيها اى اهتمام، بل اقتربت وجلست على كرسيها الجلدى الكبير لتملأ نصفه بكتفيها الصغيريـن، سمعت احدى الكلمات من شخص تعرفه جيدًا تقصدها هى :
_ رجعت تانى، احنا شكلنا مش هانخلص من اللعنة دى خالص
لتتابعها الاخرى متهكمة :
_ اه، ربنا يستر بقا مايجراش لنا حاجة
عـادت ترمقهـا بنظرات كارهه وبخوف مصطنع :
_ اه ياختى احسن تيجى بكرة تقول لى انتِ هيحصلك حاجة وفعلاً يحصل لى، انا مُش ناقصة بصراحة
ظـنت انها ستنهـض وتكيل لهم الكلمات اطنانًا، ولكنها صمتت، جـزت على اسنانهـا بغيـظ تكبـح دموعها بصعوبـة، تغلق ابوابهـا وتمنـع الرد من الطلوع، ولكن .. السبب مجهـول ..
بعد ثـوان اتـي لها المنقـذ في صورة زميل لها، يطالعها بنظرات تود إختلاعها من عيناه السوداء .. الشفقـة، تكرهها وبشدة، نظراتـه تنغر في جرحها بقوة، تشعر بالألم يتراكم ويتراكم حتى اصبح صعب عليها تجاوزه، بينما قال هو هادئ :
_ مستر درويش عايزك يا انسة خلود
صدرت منها ايماءة صغيرة اكدت له انها مازالت على قيد الحيـاة، لتنهض بخطوات متعثـرة، تخشـي السقوط امامهم فيتأكدوا من سقوطها الابدى في الحياة ..
وصـلت امام مكتـب ” المدير ” اخذت نفسًا عميقــًا تملأ رئتيها بالهواء النقـي، ثم طرقت الباب ودلفـت بهدوء، لتراه يوليها ظهره، بهيئتـه السمينة، وبدلته المهندمة، تعبر عن الوقـار والهيبـة، تنحنحت قائلة بهدوء حذر :
_ احم ، مستر درويش حضرتك طلبتنى ؟
اومـأ دون أن ينظـر لها، ثم بعد ثوان استدار لها عاقدًا ساعديه امام صدره العريض، ينظر لها نظرات منعكسة على مرآتهـا المكسورة بالجمود .. والشفقـة، ثم تفـوه بجملة واحدة كان لها اثرًا واضحًا علي تلك المسكينة :
_ الناس اشتكت منك، إما تروحى للدكتور النفسي الخاص بالشركة، إما تعتبرى نفسك مرفودة يا استاذة !!!
********
كـان يقفـوا أمامـه في شارع خالٍ من السكـان كبير، جسـدهم يرتعش ببعض الخوف من حكم ذاك القاضي المتجبر، يطرقوا رأسهم في الأرض بخزى، بينمـا هو صدره يعلو ويهبط من فرط إنفعالـه، يحدق بهم بشرارات غاضبة حارقة تجتاح عينيه السواوتيـن، هيئتـه العريضـة تجعل من يراه يخشـاه دون سبب محدد، في الثلاثـون من عمره، ملابسه انيقـة مهندمة، رفـع يـده السمراء الخشنة عاليًا لتسقط علي جسـد احدهـم الذى صرخ متأوهًا من الألم، نظر له بشماتـه وقال بحدة :
_ اية يا بهايم حتت واد يعمل فيكوا كدة !
غمغم بضيق واضح ولم ينظر له :
_ ده مش اى واد يا باشا
زاد احمرار وجهه غضبًا، شعر ان خلاياه ستنفجر من الغضب، لا يقبل التحدى من اى شخص، ما ان كان تحداه وتخطاه وفاز عليه بكل سهولة، ليس علي شخصًا مثل القبول والصمت هكذا، بل سيدلف حرب بملئ ارادتـه .. وحربه الفوز فقط هو المباح فيهـا وليس غيره !
زجـره بعينـاه وتابع بسخرية :
_ وانتم تلاتة وماقدرتوش عليه، جاتكم نيلة يا بهايـم
تهدجـت انفاسـه المتلاحقة، واجابه لاهثًا وهو يتحسس انفـه التي تنزف :
_ ده انا كنت هموت فـ ايده يا باشا، ده شكله بيلعب مصارعة
لم يرد عليه وانما اتـاه صوته متساءلاً بخشونة :
_ اية الي ودااا البت عنده اصلاً ؟
رفـع كتفه كعلامة معبرة عن جهلـه، ليصدح صوته محذرًا :
_ ف خلال 24 ساعة عايز اعرف كل حاجة عن الواد ده واية علاقته بالبت، والا نهايتكوا هتكون علي ايـدى
صمت لبرهه يتفرس ملامحهم المذعورة، ليتشـدق بما اثار الرجفة في اوصالهم :
_ وانتم عارفين .. انا ماعنديش ياما ارحمينى !!
اومـأوا مسرعين، ليتابع قوله الامر :
_ عايز البت بأى طريقة، بس ابقوا خدوا رجالة بجد معاكم
_ حاضر ..حاضر يا طه بيه بس اهدى انت
قالهـا احدهم محاولاً تهدأتـه، بينما افتـرش الشر على ملامحه الصارمة، ثم قـال بتوعد شرس لنفسـه :
_ هوصل للى انا عاوزه، مش على اخر الزمن حتت واد زى ده هيقف ف وشي
أشـار لهم ان يذهبـوا، لينطلقوا من امامه مسرعين يتنفسوا الصعداء حمدًا لله انهم مازالوا بخير، بينما انطلق هو الاخر كالسهم من احدى الأقـواس متجهـًا لمنزله لسببًا ما ..
*لاوعاوزين تخشو الجروب الروايات علي الواتساب كلموني علي الرقم ده*
*https://wa.me/+201288715026?text=ممكن-ادخل-جروب-الروايات-
في احدى الكافيهـات الكبيرة, والمشهورة، جلس هو على احدى المنضدات، وعلى احدى الكراسي البلاستيكية، يملأه بمنكبيـه العريضين، ينعـش نفسه بالهواء الطلق الذى يشعر انه يجتاحها لينظـفه داخليًا ويذكره بما مضـي، تحديدًا تحت اضواء القمر المبهجـة، تتعالي الهمهمات العشوائيـة، يجلس هو على الكرسي، شـارد الذهن، وجه واجم وملامحـه هادئة بشكل غريـب يصعب فهمـه، كان يضـع يده أسفل ذقنـه وينظر للاشيئ بسرحان، حتى قطع خلوته بنفسه صوت صديقه المرح وهو يقترب منه :
_ اية يا ملوكه طلبتنى ليية ؟
جـز على أسنانـه بغيظ، ثم نظر له محذرًا :
_ قولت لك ماسميش خرة، اسمى مالك.. مالك مش ملوكة !!
أوقـف ابتسامتـه من التسلل لثغره بصعوبة، وسأله بجدية مصطنعة :
_ خلاص خلاص، قولى بقا في اية يستاهل انك تقطع قعدتى الجميلة
تقـوس فمه بأبتسامة ساخرة وقال متهكمًا:
_ لية ان شاء الله، كنت بتختم القرءان !؟
هـز رأسـه نافيًا، دائمـًا ما يخسر هو في نهاية الجدال، فاليصمت من البداية افضـل من ينفجر بوجهه ذات مرة !!
هتف بنفـاذ صبـر :
_ لا ياعم كنت بأشوف الاجنبى اية اخباره
لم يستطـع منع الضحـك، يحب مرحه وعفويـته بشدة، توقـف فمه كما هو بصدمه عندما طرقت جملة صعبة التصديق على اذنيـه :
_ ولا انت عشان البت ماجتلكش والليلة اتضربت يعنى تتعبنى انا !!
حملـق به متسع الحدقتيـن، ليعقد “مروان” حاجبيـه متعجبًا :
_ اية يابنى في اية مالك
اخيرًا استطاع إخراج الكلمات بصعوبة من بين شفتيـه الثابتتيـن بصدمة :
_ يعني اية البت ماجتليش ؟
رفـع كتفيه وقال بلامبالاة :
_ يعنى انا عرفت عشان البت اتصلت بيا وقالت لى انها مش هتقدر تيجي، ف قولت زمانك بتدعى عليا
هـز رأسـه غير مصدقًا، إن لم تكـن هى الفتاة التي ارسلها صديقه، اذًا من تكـون، من التى اثار الرعب في قلبهـا وفرشه براحتـه دون ادنـي شفقة!!
ملابسها وحجابهـا الصغير .. و ملامحها البريئة الجذابة لا توحى انها كذلك اطلاقــًا بل هو من وضع غشـاوة رغبته امام عينيه ليمنعها من التدقيق وامر العقل بالتفكير !
فغر فاهه مندهشًا :
_ يعنى البت كانت عشان تنضف مش بت من ايـاهم !!
مروان بعدم فهم :
_ لا ده انت تشرح لى واحدة واحدة كدة، بت مين واية الي حصل
تنهـد مالك تنهيدة تحمل الكثير، ثم بدأ يقص عليه ما حدث بهدوء شديد، يستقبل مروان الكلام بدهشـة اكبر، ما إن انتهـي مالك من حديثه حتى صاح فيه مروان بجدية :
_ الله يخربيتك يا مالك
زم مالك شفتيـه بعدم رضا، ثم قال ساخرًا :
_ يخربيت لسانك السكر
زفـر مروان بقوة، ثم تابـع بلوم :
_ حرام عليك يا مالك، انت ماتعرفش البت اية الي جرالها وهى مين اصلاً
ثم تجلى صوتـه واردف بجدية :
_ لازم تعتذرلها ع طول
هـز مالك رأسـه نافيًا، وافترش الخبث على ملامحه بأريحية، ليركض القلق لمروان من الابتسامة التي تسللت لثغر صديقه واحتلته بلا منـازع ..
نظر له يحاول فهم ما يدور برأسه ثم سأله بتوجـس :
_ انت ناوى ع اية يا مالك ؟
همس بشرود وصوته يكاد يسمع :
_ هتشوف ..
*********
تجـلس على الأريكة بالخـارج، تضـع يدها أسفل ذقنهـا وتنظـر على الشارع الخارجى بشـرود إرتسم على ملامحهـا، ذاك العالم الذى لم ولن يرحمهم ابدًا، عالم تعلمت فيه أن تتناسي ألمهـا حتى اصبحت تشعر انها بلا احسـاس !!
كانت والدتهـا تقـف خلفهـا، منذ ان وصلت وهى تسألها عما حدث جعلها هكذا، إنتفض جسدها بقلق من شحـوب وجهها الأبيض وكأنها خرجت من معركة ما خاسـرة، ولما لا .. بالفعل لم تنتصر وتواجهه، بل ارتعدت، كـانت الدموع متحجرة في لؤلؤتيها الرماديتيـن، تكبحهـم بصعوبة شديدة، ويظهر جهادها في ذلك عن طريق تنفسها الغير منتظـم، وسؤال والدتها يضعف من مقاومتها الشنيعة للبكـاء الحاد !!
_ يابنتى ما تريحيني وتقولى لى مالك، اية الى حصل فوق خلاكِ كدة !؟
سألتها والدتهـا “كريمة” بنبرة ظهر فيها نفاذ الصبر، لتغمغم شمس بتشنـج :
_ مفيش يا ماما محصلش
اقتـربت منها تنتزعها من جوار الشباك، لتنظر لعينيها وتشير اليها بأصبعها، وهى تصيح فيها ببعض الحدة :
_ امال اية الدموع الى فـ عينيكِ دى !
حاولـت شمـس الابتعـاد عن نظراتها خوفًا من افتضـاح الأمر، فهى كالمرآة بالنسبة لوالدتها، أمر سهل كشفـه بالطبع ..
هـزت رأسها نافيـة، واستطردت بهدوء مفتعل :
_ لأ متهيألك، انا متضايقة شوية بس
سألتهـا مستفهمة، وراحت تعيد نفس الجملة :
_ متضايقة من اية، حصل اية انطقي
نظـرت للأرضية بأسف حقيقى، ثم تمتمت بكسـرة ألمـت ” كريمة ” بشدة :
_ بابا وحشنى اوى بس، احنا من غيره مانسواش حاجة
احتضنتـها في ثوانٍ، بالرغم من صدق عبارتها إلا انها لن تستسلم وتسقط معها، ستقـاوم وتقـاوم حتى .. الموت !!
قـالت بصوت ينـزف ألمًا :
_ ان شاء الله هيرجع لنا قريـب
رددت خلفهـا بفتور
_ ان شاء الله .. ياارب
إبتعـدت والدتهـا قليلاً، واخذت نفسًا طويلًا تستعد للقـادم، تحصـن نفسها من التهـاون امام ابنتهـا الوحيدة، تنحنحت قائلة وهي تنظر للجهة المعاكسة :
_ شمس انا عايزة أقولك على حاجة
قطبت جبينها ثم قالت متساءلة :
_ خير يا ماما حاجة اية ؟
اجابتها بصوت قاتم هز كيانـها :
_ يحيى ابن خالتك اتقدم لك وانا موافقة وهيجوا زيارة نتفق ع كل حاجة !!!
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غزالة في صحراء الذئاب)