روايات

رواية غزالة في صحراء الذئاب الفصل الثاني 2 بقلم رحمة سيد

موقع كتابك في سطور

رواية غزالة في صحراء الذئاب الفصل الثاني 2 بقلم رحمة سيد

رواية غزالة في صحراء الذئاب الجزء الثاني

رواية غزالة في صحراء الذئاب البارت الثاني

غزالة في صحراء الذئاب
غزالة في صحراء الذئاب

رواية غزالة في صحراء الذئاب الحلقة الثانية

صرخـة مدوية أطلقتهـا من بين شفتيها المرتعشتيـن بهلـع وألم من قبضتـه الحديديـة حول خصرهـا، رائحتـه المقـززة التى تكرهها تكفلـت بمعرفتهـا من هو، إلتفتت بسرعة تجاهد فى إبعـاده عنها، وكأنها تجاهد للحصول على الحريـة من قاضى فاسـد .. ظالـم .. متجبر، ظـلت تلهـث لدقيقتـان تحـاول السيطـرة علي حالة الهلع التـى سيطـرت عليها حتى لا تفتح له الطريق لما اراد، وصاحت فيه بجـزع حقيقي :
_ انت مجنـون، كم مرة اقولك بطل حركاتك دى بقا انت مابتزهـقش
كـان يقف بهدوء مفتعـل، وكل خلية من جسـده ترتعـش من إقتـرابه منها لهذا الحـد، لا يـدرى ماذا يجيش بصدره تحديدًا عندما يراهـا، ولكن ماهو متأكد منه ان قلبـه يتقافـز حماسًا للحصول عليها، ثـبت ناظريـه علي عينيها الرماديـة بنظرات ذائبـة، ثم اجابـها بمحاولة للهدوء :
_ مجنون بيكِ يا شمس، مش عارف امتـى هتحسي بيا بقا
حديثـه يخنقهـا رويدًا رويدًا، يكبلها بعشق لم ترغب به يومًا، ظهـرت اشباح التقـزز علي قسمَات وجههـا الأبيض، ومن ثم غمغمت بضيق :
_ مش هحس ومش عايزة أحس، قولتلك ارحمنـى بقا انت ابن خالتى وبس
أختـفي بريـق عينـاه اللامـع المشتـاق، ليجتاحها نظرات مشتعلة بفعل كلماتهـا الحادة، التى باتت تؤلمه وتنغزه في قلبه دون رحمة، ثم نظـر في المرآة الموضوعة على الحائـط الكبير، ينظر علي جسـده المتوسط، يطالـع هيئتـه الرجولية بنظرات متحسرة، ينظر لملامحـه الهادئة والحادة في آنٍ واحد وكأنه يسألها بجنون
” لما لا تجذبيهـا انـتِ لما !؟ ”
الأجابـة كانت من شمـس، التي باتت تعيـد له نفس الكلمـة وكأن لسانها اصبح آلي يردد تلك الجملة :
_ انا مش رفضـاك لشكلك او مش هقبل بيك بردو لشكلك، بس انا عمرى ما هحبك، انت مجرد ابن خالتـى بس
إلتفتت لها في لمح البصر يمسـك بيدها التي ارتعشت من مسكتـه المقززة كالوبـاء، وراح يترجاهـا وهو محدق بها :
_ طب ادينـي فرصة وانا هتغير، هبطل اى حاجة بتضايقك، خمرة او بنات او اى حاجة، بس كونى ليـا
جهـر القلـب بأعتـراض شديد، اعتراض علي حاكم مستبد يرغب في افتراض نفسـه جبرًا عليه، هـزة نافية صارخـة من رأسهـا جعلتـه يحدجـها بقوة وكأنما لا يرى الرفض، فقالـت بجدية :
_ صعب اوى يا يحيى الي انت بتقوله ده، انا مش بأفكـر فى اى حاجة من دى دلوقتِ، ياريت نفضل ولاد خالة بس
ولا يسمـع ايضًا الرفـض، أقتـرب منها متعمدًا اثـارة توترهـا، يثيـره هيئتها الحمراء من الخجل، وإنتفاضة جسدهـا كالثعبان الذى لدغهـا، ولما لا يذقيهـا من نفس الكأس ألا وهو التوتر قليلاً، ثم قال بهمسـات حطمت جديتها لأشـلاء صغيرة :
_ بس هتفكـرى، اوعـدك يا شمس هتفكـرى وهتفكرى كتيير، وهتجيلي بأرادتـك
اختفـت الدماء هربًا بهلع من وجههـا، وتمنت الهرب كحبـات الدماء بسرعة، تحاملت علي نفسها وهى تسأله بخوف :
_ قصدك اية يا يحيى ؟
إبتعـد عنها ” يحيى” وقد أصاب سهمه ما اراد تمامًا، لينظر لهيئتها المبعثرة بأستمتـاع يتشبعـه بجدارة :
_ انتِ فاهمـة قصدى كويس ولو مش فاهمة يبقي خليها مفاجأة
إبتلعـت ريقهـا الذى جف، وحاولت جمـع شتـات شجعاتها التي بعثـرت بفعل ريـاح تهديده وهى تقول :
_ انت متقدرش تعملى حاجة اصلاً
تقـوس فمـه بأبتسامة ساخرة مستفـزة، تعبر لها عن مدى عراهـا امامـه، ثم اومأ بتهكم :
_ هنشوف يا بنت خالتى
ثم استـدار وغادر على عقبيـه، مهما تبنى جدار امام جدار، بثقب خبثـه ولؤمـه يراها على الفـور، ليهد كل ما بنتـه في ثوانٍ معدودة ..
******
يتجسـد كل شخـص امامهـا كحبـة لؤلؤ رقيقـة هادئـة، لتقترب عاصفـة قويـة وتهدمهـا، لتصبح قطع صغيرة متناثـرة، وتركض هى لمحاولة لعودتهم كما كانـوا، ولكن من الممكن ان نقل للماضي .. هيـا عـد ؟! ، ام انه لا يعود بأكملـه بل شظايا مؤلمـة منه فقط ليس إلا !!
نظراتـها وحدها لا تكفـي للتعبير عن مدى عجزهـا.. وحزنهـا، ليس كل من يراها يستطيع إبعـاد ذاك الغلاف الهادئ عنها، أخفـت دموعها بصعوبـة، تكاد تشعر بنهر من الدموع الساخنة يتناثر علي وجنتيها من شدتـه، وقالت بصوت مهزوز :
_ حرام عليكِ يا أمى، كان ممكن أنقـذه
هـزت رأسهـا بأعتراض شديد تلقائيًا، عاطفة الأمومة هى المسيطرة الان فقط، ثم اردفـت بحزم :
_ مش هتروحى يا خلود، انا مش مستغنية عنك يا حبيبتي
خـارت قواهـا بأكملها وحان وقـت الاستسلام، فتحت الابـواب وأعلنـت راية الأستسلام، لتقع امام “عبير” فتاة هزيلة اهلكها ماضي مؤلم، وصرخت فيها من دون وعى :
_ انا مش هنتحررر يا امى افهمى
من يغفر لها وكان مثل الجدار الذى يعزل نار غضبها عنها ما هو إلا معرفتها بحالتها النفسية، تجـز على اسنانـها بقوة لتكبح غضبها بداخلها، ثم تابعت بصوت آمـر :
_ قولت مش هتنـزلى، هى كلمة واحدة
إبتلعت ريقهـا بإزدراء، وتابعت دموعها الهطـول بغزارة، نظـرت لها نظرة تفهم مقصدهـا جيدًا، نظرة دائمًا ما تلعب دورهـا بأتقـان، ثم تابعت مترجيـة :
_ ارجوكِ يا امى سيبني اعمل حاجة واحدة أقف بيها في وش النـاس واقول لهم ده مش ذنبـي انهم بيموتوا .. !
تأففت والدتهـا وابتعدت بعينيها عن مفعول عينيها السحرى الذى يخدرها في كل مرة، ثم قـالت هادئـة :
_ عشان تنقذيـه أفرض بعيد الشر حصل لك انتِ حاجة، انا هعمل اية ساعتها ؟!
اهتـزت رأسها نافيـة تلقائيًا بأعتراض شديد، وراحـت دموعها الساخنة تنهار من جـوف خنقتها داخل عينيها البنية لتتحرر واخيرًا لتحاول التعبير عما يجيش بصدرها من معانـاة بدت ابديـة .. !
ثم سقطـت منهارة علي الأرض، لتستطـرد وسط شهقاتها المميتـة لوالدتها :
_ كل ما أروح احاول ألحـق حد، يفتكر إنى انا الي فيا حاجة، الناس بقت بتخاف تقـرب منى لأصحـى تانى يوم اقولهم انتم هيجرالكم حاجة، كل واحد بيرمى كلمة براحتـه ومش واخد باله إنى انسـانة بتحس، انسانة اترمت وسط ذئـاب بتنهش فيها وبس
أقتـربت منها تحتضنـها بحنـان، تمنـع دموعها من الهطـول حتى لا تكسر ذاك الجزع الذى تستنـد عليه خلود، أطبقت عليها برفـق وقالت بمرح :
_ يلا يا ستي الأستـاذ اخوكِ عايز ياكل مش هيستنى كتير
ابتسمـت بخفة من بين دموعهـا ثم نهضت مبتعدة عن والدتها بهدوء، ليتجهوا سويًا للخارج، حيث وجدوا شاب في اوائل الثلاثينـات من عمره، يضـع يده اسفل خده، يجلس علي الكرسي المواجه ” للسفرة ” وما إن رأهـم حتى قال بملل وضيق مصطنع :
_ شكلنا مش هناكل النهاردة عشان ست خلود بقاا
ضحكت خلود ومن ثم إقتـربت منها واجابته بهدوء :
_ هناكل يا طفس بس اهدى عشان حاسه إنك شوية وهتاكلنا احنا شخصيًا
غمغم بضيق مصطنـع :
_ اما نشووف بقاا .
تنتقـل حياتها دومًا كالأمواج، هادئة حزينة غاضبة، متقلبة غير مستقـرة ابدًا، دائمًا ما تشعر انها ليست المتحكمة في حياتها، ولكن ما يرطب ويهدأ صفو حياتها ولو قليلاً هو اخاها الأكبر الوحيد ووالدتها من بعد والدهـا الراحل ” على ” ..
********
كـانت تتوسـط أصدقائهـا السـوء، الحلقة السوداء، في احـدى الملاهى الليلية الشهيـرة، تضع قدم فوق الأخـرى، لتظهر نصف قدمهـا البيضـاء أسفل الشورت القصير الذى ترتديــه، وبالأعلي تيشرت احمر نصف كم،وبالطبـع ملامحها الهادئـة لا تخلو من بعض مساحيق التجميل، وتترك شعرها الأسود ينسـدل علي ظهرهـا، ومن حولها حلقة دائريـة يشكلها بعض الشبـاب والبنات، كـان الضجـر يظهر علي ملامحها ويتشبعها بقوة، اقتـرب منها احد الشبـاب، ذو جسد هزيل، وملابس لا تليق بشيئ للشباب، وشعره يصففه بشكل مضحك، وتنحنح قائلاً بهـدوء :
_ مالك يا ” زيــنـة ” ؟!
هـزت رأسهـا نافيـة، مثبتـة عينيها علي اللاشيئ، ثم همست بصوت قاتم :
_ مفيش حاجة يا زياد
نظـر لها بطـرف عينيـه، ثم أمسـك يدها بقبضتَه السمراء، يعلم بكل ما يجيش بصدرها الان، يحفظ كل مراحلها، ولكن بكل مرحلة يخطط لأستغلالها اسوء استغلال، كل ما يريـده هو أن يتوغل بداخلها بقوة، ليصبح كالدماء التي تسير في شرايينها .. !
مط شفتيـه وقال بضيق مصطنع :
_ كدة مش عايزة تحكى لزيزو صديقك ؟
تأففت بملل، سماء ذهنهـا ممتلئة بما يكفيهـا، لا ينقصها ثرثرته هذه الان !
ثم أجابتـه بهدوء حذر بعكس ما بداخلها :
_ قرفانـة من كل حاجـة
قـرب فمه من أذنيهـا، ليهمس بصوت أشبه لفحيح الأفعـي :
_ طب والي يروقلك مزاجك ده
_ يروقـه ازاى يعنى !؟
سألتـه مستفهمة بعد أن قطبت جبينها، ليجيبهـا بخبث :
_ استنى دقيقة
نهض بخفـة متجهًا لمكان ما، وبالطبع سمعت الهمهمـات بسهولة، تعتقـد أن كل من ينظر له نظرة ذات مغزى حقـود وكاره، ولكن .. لتكن نظرتها هى المغلفة بقنـاع الغرور ليس إلا ..
تقـدم “زياد ” منها يحمل بيـده سيجـارة، ولكن ليست بسيجار عادى، وإنما من يجعلك تغيب بكامل عقلك عن هذه الدنيـا ..
مد يـده لها بهدوء، لتعقـد حاجبيها ثم تقول متساءلة بعدم فهم حقيقي :
_ اية ده بقا، انت عارف إنى بطلتها
تنهـد بقـوة قبل أن يتابع بنبرة كسـاها الخبث والاغراء :
_ دى هتريـحك من وجع دماغك وهتخليكِ تنسي أهلك شخصيًا
نظـرت له بطرف عينيهـا، جزءً ما بداخلها يحذرهـا وجزءً يشجعها على اخذها، ولكن الحبـال المتينة تزجهـا نحو السوء، لتمد يدهـا وتأخذ منه تلك السيجـارة، ثم وضعتها بين شفتيها الحمراء واخذت نفسًا عميقًا غير مبالية بالغـد ابدًا ..
*********
وصل ” مالك ” امام البنايـة الكبيرة بالمعادى التي بها منزلـه المتوسط، ترجـل من سيارتـه السوداء الكبيـرة، ثم أبعد النظارة عن عينيه البنـية، لتظهر تلك الجوفتين العميقتين الغامضتيـن، تنظران نحو ملجأها الوحيد الذى لم تلمحه منذ فترة كبيرة، سار بخطوات واثقة حتى دلف من باب البنايـة، ثم إتجـه نحو الحارس الذى يجـلس على احدى الكراسي الخشبية وهب منتصبًا حين رأه، وقال بجدية وحذر :
_ اهلاً اهلاً يا مالك بيـه
عقـد مالك حاجبيـه السوداويـن، ثم قال متساءلاً بحيـرة :
_ اية ده امال فين عم صابر ؟!
نظـر الحارس للأسفـل، ثم حك ذقنـه بطرف يده، يفكـر في حلاً ما لتلك الأجابـة، نظر له مرة اخرى واجابه بهدوء حذر :
_ اصله ساب الشغل يا بيه
سأله ” مالك ” دون تردد :
_ لية ساب الشغل يعنـي ؟!
توتـر بشـدة، يخشـي سقوطـه في حفـرة ما عميقـة تسلب منه كل شيئ، عمله.. مكانته .. ولربمـا أسرتـه الصغيرة، نظر له بهدوء مصطنـع ومن ثم قال متلعثمًا :
_ اصل آآ اصله دخل السجن يا بيه
حـدق مالك به بصدمـة، ثم اردف فاغرًا شفتيـه :
_ ازاى يعني، ده راجل قمة
رفـع كتفيـه بمعنى لا اعلم، ثم غمغم بعدم معرفة مصطنعة :
_ منا كنت بقول كدة، بس الله هو اعلم بخلقـه بقا يا ساعت البيه
اومـأ مالك بلامبالاة، ثم استـدار وغادر علي عقبيـه، توقف للحظة وإلتفت له يطالعه بنصف عيـن قائلاً :
_ ابقي ابعتلي اى حد ينضف الشقة يا عم محمد لو سمحت
اومـأ موافقـــًا بسرعة، ليغادر مالك بهدوء، في حيـن تنهـد هو بقوة وقال في خواطـره بلوم لشخصـه :
_ ربنا يكون معاك يا “صابر” .. ويسامحنى
أستـدار هو الأخـر وإتجـه نحو الداخـل بهو البنايـة الكبير، ليصل امام منزل شمس الصغير، ثم طرق الباب بهدوء، وبعد ثوانى فتحت والدة شمـس وعلى رأسها حجابها الصغير، لتسأله في هدوء :
_ ايوة يا عم محمد خير ؟
اجابـها بهدوء مماثل بل زائـد، مغلف ببعض الأسـف :
_ الاستـاذ مالك صاحب الشقة الي فوق عايز حد يطلع ينضف له الشقة، وزى ما انتِ عارفة يا ست كريمة، استاذ محمود صاحب العمارة قال واحدة منكم تبقي تطلع عشان الايجـار وكدة
أطـرقت رأسهـا بحـزن، تشعـر بقلبها يتمـزق بمجرد ذكر انها او ابنتهـا سيعملـوا كـ خدم، تشعر انها بداخل غابـة مليئـة بالذئـاب، وبمجرد ان ذهب راعيـهم إلتفـوا حولهم ليهاجموهـم، حتى انحصروا في زاويـة صغيـرة.. وما لبث أن مرت فترة وجيـزة هاجموهم مرة اخرى !!
تمتمت بنـبرة حملـت الحزن والأسف والألم معًا في طياتهـا :
_ حاضر .. حاضر يا عم محمد
استـدار ليغــادر محمل شعوره بالأسف نحوهـا، أما كانـت تلك السيدة الفاضلة التي يحترمها كل شخص، الان ستعمل وابنتهـا كخادمـة فقط !! .. يا الهـي كم تدور هذه الدنيـا وتدور حتى تسقطـك في نفس الحفرة التي تخشاها دومًا .. الان نظراتهـا تجعلك تشعر بالشفقـة، نظرة لو ظلت تنظرهـا لشخص ما يعذبها لأسقط من يده كل مقاليـد تعذيبهـا ليتركهـا حـرة !!
دلـفـت لأبنتـها الوحيدة، لتجـدها تجلس على الكرسي الخشبي الصغير، تعد الطعـام، نظرت لها دون ظهور اى تعابير، ثم هتفت بهدوء اصطنعته بمهارة :
_ شمس، انـا طالعـة انضف شقة الاستاذ الي لسة جاى
رفعـت شمس ناظريها لها تطالعهـا بدهشة، وسرعان ما قالت بجدية تلقائيـة :
_ لا طبعًا، انتِ عارفة إن انا الي هأطلع مش انتِ يا أمـي
تنهـدت تنهيـدة حـارة تحمل الكثير والكثـير، ثم اردفـت بقلة حيلة :
_ لأ يا شمس مينفعش يا حبيبتي
نهضـت مسرعة، ظهـر بريـق لامع في عينيها الرماديـة، بريق ما إن لمحتـه والدتها حتى علمت أن موجـه العنـد لن تـزول إلا أن تفعل ما ارادتـه، فاستطـردت شمس بتصميم :
_ لأ انا طالعة، الشقة الي ف اول دور مش كدة ؟
اومأت والدتها مؤكـدة، فتقدمـت شمس وامسكت بحجابها الصغير ترتديـه ومن ثم اتجهت للخارج، لتتجه لمنزل مالك بهدوء دون بت كلمة اخرى ..
*لاوعاوزين تخشو الجروب الروايات علي الواتساب كلموني علي الرقم ده*
‏*https://wa.me/+201288715026?text=ممكن-ادخل-جروب-الروايات-
في السجـن كـان “صابر” يجلس علي الفراش الصغير الحديدى الموضوع علي الجانـب، بجوار الحائط المتهالك بعض الشيئ، يمدد جسـده الهزيـل عليه وينظر للأعلي بشــرود، نظرات لطالما حاول من حوله أن يفهموهـا ولكن فشلـوا، منذ دخوله السجن وهو كذلك، لم يتفـوه بما يجيش بصدره ولو للحظـات، لدرجة أنه يشعر أن ذات يوم سينفجـر من كثـرة البراكيـن المشتعلة بصدره .. وكثرة الألم الذى بـات لا يشعر به، بمعنى اوضـح قد اعتـاده وانتهى الأمر .. ولكن ليس بسلام اطلاقـــًا ..
أقتـرب منه أحد الاشخـاص، في منتصف عمره، ذو وجه هادئ ولكن عليه بعض الندبـات، ينظر له بهدوء، ثم تنحنح قائلاً :
_ اية يا عم صابر عامل اية ؟
لم ينظـر له ثم اجابـه بصوت أقـرب للهمس :
_ الحمدلله رب العالميـن
تنهـد الرجـل، ورمقـه بنظرات يعرفهـا جيدًا دون أن يراهـا، يشعر بها تختـرقه لتستكشفه بفضول قاتـل، ولكنه يوقفها عن الحد المناسـب دائمـًا، ثم سألـه الرجل بصوت أجـش :
_ انت محكوم عليك كام سنة يا عم صابر
_ مؤبــد
كلمـة نطـق بها بسهولة، ولكن بعدها شعر أت لسانـه شُـل عن الحركـة، كلمة كلما تذكرهـا كانـت حروفها تقطعه ببرود، تعيـد عليه ما مر منذ سنـوات، تذكره بقيـده الأبدى الذى قيـد به من دون ذنـب، الحديدى .. القاتل الذى لن يتحرر منه ولا يريـد أن يحاول التحرر منه.. قيد علمـه الأستسلام .. والصبر ..
بينمـا إتسعت حدقتـا عينا الرجل، الذى قال بصدمـة شابت بالتعجب :
_ مؤبد وقاعد كدة عادى يا عم صابر ؟
تابـع مبتسمًا ابتسامة منكسرة :
_ اديك جاوبت نفسك، ” يا عم صابر ” يعني انا صابر وراضى بقضـاء ربنا
يتعجـب اكثر واكثـر، يتوغل بداخله شعور أنه شخص تافـه .. متعجرف، غير راضٍ بقضـاء حكم عليه لشيئً فعله، بينما الأخر يرضي بحكم علي شيئ من المفترض أنه لم يفعله اسـاسًا، اى بشر هذا ؟!
عاد يسألـه بصوت قاتـم :
_ انت عملـت اية اصلاً يا حاج ؟
تنهـد صابـر بقوة، ثم نظـر له بنصف عيـن، ثم قـال مشاكسًا برغم كل ما بداخله من همـوم :
_ انت هنا ف سجن اية ؟
تنحنح بحـرج واجابه بهدوء :
_ قتل
رفـع كتفيـه بهدوء بمعنى هذا، حائـط أمـن بناه لحماية ابنته الوحيدة وزوجتـه ولن يهدمه مهما حدث، وإن حاول الجميع كسره سيقاوم كل عضو بداخله بقوة قبل ان يتحرك هو ..
بينما استطرد الرجل قاطبًا جبينه :
_ طب ازاى قتلت يا عم صابر وانت راجل باينلك عارف ربنا
_ الزمـن يابنـي
قالهـا بلجهـة امتلأت بالحزن والألم، تجسدوا في هاتان الكلمتـان بكل معانيهم، وكأن هذا الزمن عدوًا له ليهلكه هكذا دون ذنـب مفتعـل !! ، بداخله يحترق بمجرد التذكرة فقط.. لو كان الغضب والحزن لهم رائحـة لكانت فاحت الرائحة منذ زمن ..
راح يسأله الرجـل كالقاضي مستفسرًا في قضية ما :
_ طب لية ما تدافعش عن نفسك وتعمل نقض وتحكى كل الي حصل يا عم صابر
صمت برهه، وإنزلـق لسانه بعفـوية :
_ اصل انا سمعت إنك ماقولتش حاجة غير انك ماقتلتش، لكن ما حكيتش اى تفاصيل، ومستغرب بما انك مفروض برئ يبقي ده عبط كدة
ابتسـم بخفة علي عفويتـه، ولكن سرعان ما تحطمـت بقولـه الغامض :
_ لو اتكلمت هأذيهم، وانا مليش غيرهم، يا إما اخرج انا واتكلم، يا إما اسكت، لكن مش هحاول أأذيهم عشان اطلع انا
عقـد حاجبيه ثم اردف بتفكير :
_ يااه، هى مشكلة عويصة للدرجة !
اومـأ صابـر بهدوء، ثم نهض قائلاً بصوت هادئ :
_ تعالي بقا نساعدهم عشان كدة مش هيأكلونا ..
*******
طـرقـت شمس البـاب عدة مرات بهـدوء، تفــرك يدها بتوتر شديد لمعرفتها أنـه شـاب في اوائـل عمره، عدلت من وضعية طرحتها الصغيرة لتخفـي الشعيرات السوداء المتناثرة اسفل حجابها، مرت ثوانٍ وفتح مالك البـاب، أُصيـب بالدهشة قليلاً لمعرفته أن زوجة الحارس السابق هى من ستقوم بالتنظيف، وليست فتـاة كهذه !؟ .. صمت برهه وظل هكذا يطالعها بأعيـن حادة كالصقـر، إلتمعت بوميض غامض، ولكن سرعـان ما تسللت الأبتسامة له، وانفرج ثغـره ليصبح في شكل خطوط متعرجة حوله، وتحولت نظراته لنظرات لم تفهمها شمس بسبب نظرها للأرضية الرخامية، ليقـول مالك بصوت هادئ ولكن يحمل الخبث في طياتـه :
_ هو انتِ بقا الي بعتـك
اومـأت شمس مسرعة دون تفكيـر بما ستجلبه لها هذه الهزة الصغيرة، لتنقلب حياتها رأسـًا على عقـب !!
رفع الهاتف الذى كان في يـده ليضعه على اذنـه ليتابع بصوت رجولى خشن اثار الرجفة في انحاء جسدها المرهق :
_ خلاص يابنى اهى جات
_ ……….
_ اه مع انى مستغرب بس ..
صمت برهه ينظر لشمس من اعلاها الي امحص قدميهـا ولم يستطـع إخفـاء نظرات الاعجـاب واللمعة تلك من عينيه ليستطرد بصوت قاتم :
_ بس اشطا .. يلا سلام انت
اغلق ينظر لها ثم تنحنح قائلاً بأبتسامة زادت من القلق الذى كان يتوغل بداخلها رويدًا رويدًا :
_ اتفضلي اتفضلي واقفة لية هنا
ما إن مدت شمـس قدمها للداخـل حتى وجـدت من يضربهـا بقوة على رأسهـا، جعلتها تسقطت فاقـدة الوعى من دون أن تصرخ حتى، بين ذراعى مالك الذى التقطها علي الفور و…….
*********

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غزالة في صحراء الذئاب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى