روايات

رواية غزالة في صحراء الذئاب الفصل الأول 1 بقلم رحمة سيد

موقع كتابك في سطور

رواية غزالة في صحراء الذئاب الفصل الأول 1 بقلم رحمة سيد

رواية غزالة في صحراء الذئاب الجزء الأول

رواية غزالة في صحراء الذئاب البارت الأول

غزالة في صحراء الذئاب
غزالة في صحراء الذئاب

رواية غزالة في صحراء الذئاب الحلقة الأولى

علي صوت زقزقة العصافير، وطلوع الشمس لتسطـع بنورها الذى ينير الاجواء، ليبث الطمأنينـة في روح كل شخص وبالأسفل أصوات اناس هادئة تعم المنطقة، تحديدًا في منطقة المعادى، تنـام علي فراشهـا الوتـير بشكل عشوائى، في غرفة صغيرة ضيقـة متهالكة، جدرانها قديمة جدًا، تكاد تهدم، مكونة من فراش صغير، ومكتب صغير، شعرها الأسـود الحريرى يتناثـر علي الوسـادة بجوارها كأنها رسمة علي ورق، ورموشهـا الكثيفـة تغطي جفن عينيها الرمادية التي يملؤوها اليأس، وحاجبيها السوداودين يشكلان شكلاً رائعــًا، ذات جسـد ممشوق متوسط، ملامحها البريئة تجذب كل من يراها من اول وهلة، بشرتها بيضـاء، ترتدى شورت قصير وتيشـرت دون حملات، الاصوات المتداخلة العالية بعض الشيئ ، افاقتها من سباتها العميق الذى تهـرب فيه من ذاك العالم، فتحت عيونها بتثاقـل، لتشـرق عينيها الرمـاديـة الجذابـة، وتتململ في الفراش بكسـل، أمسكت بهاتفها الصغير الموضوع علي المكتب، لتنظر في الساعة تجدها الثانية عشر ظهرًا، تأففت بضيق ثم نهضت وهي تجوب الغرفة بعينيها، لتجدها فارغـة، اتجهت للخارج بتنهيـدة لتجد والدتها تجلس علي الكرسي امام المنضدة لتحضر الطعام، نظرت لها والدتها ” كريمة ” ذات وجه بشوش، وجسد ممتلئ، ترتدى جلبـاب من اللون الأسود وطرحة صغيرة علي شعرهـا القصير الاسود، تمتـاز بالحنـان، وحبها الأبدى لأبنتها الوحيدة وزوجهـا، ونظرت لها ثم هتفت بهدوء :
_ انتِ صحيتي يا شمس، تعالي افطرى
إقتـربت منها ” شمس ” ثم هـزت رأسهـا نافيـة، ونظرت لها بحـزن قبل ان تهمس بألم تجسـد في نبرتها :
_ لا مش عايزة، انا هأروح ازور بابا، واخدله اكل معايا
هوت ” كريمة ” علي الكرسي الخشبي بثقل جسدها حتي اصدر صوتًا، نظراتها مثبتة علي شمس، تقول الف كلمة واولهم الي متي ستظهـر القوة وبداخلها يتآكل كالصدئ في الحديد، الي متي ستتحمل نظرات الجميع الموجهة نحوها بأتهـام شنيـع، وكأنها عليها وصمة عـار ابديـة، تشنـج وجهها وهي تجيبهـا بخفـوت :
_ ايوة تعالي وانا رايحة معاكِ بس بأخلص الأكل، انتِ عارفة اكل السجن ازاى
امـاءت بهدوء افتعلته بصعوبة لتسير متجهة للمرحـاض قبل إنهيـار حصونهـا الهادئـة، قبل ان تمتـزج بألم والدتها ويكونـا إعصَار قوى يدمـر كل من يقف امامهم، هي لا ترغب بذلك حتي لا تؤكد كلامهم ..
دلفت الي المرحـاض الصغير الذى يكمن بجوار الصالة تمامًا، فتحت الباب الخشبي المتهالك بقبضة يدها الصغيرة، واغلقته خلفهـا، تتنهـد بقـوة، تمنـع دموعها من الهطول بصعوبـة، اغتسلت ثم توضـأت بسرعة وخرجـت، ارتـدت ملابسهـا المكونة من بنطـال اسود طويل واسـع، وتيشرت اعلاه طويل الي حدًا ما ذو اكمام، تخفي كل جزء من جسدهـا الابيض، ابتسمـت بسخرية مريرة، فهذا كل ما تملكـه، هذا يعـد كل ممتلكاتـها في هذه الحياه التي سلبت منها كل شيئ، ارتـدت طرحتها الزرقـاء، ثم بدأت تؤدى فريضتها بخشـوع، وبالطبع لا تخلو من دعاءها لوالدها المسجـون، تقريبًا منذ ان كانت في الرابعة عشر من عمرهـا، وهي الان في الثانية والعشرون من عمرها، اخر سنة بكلية الحقـوق، خرجـت لتجـد والدتها قد ارتدت ملابسها ايضًا، نظـرت لها بتفحـص، ثم اقتربت منها وهي تقول متساءلة :
_ خلصتى يا امى ولا لسة ؟
اومـأت ” كريمة ” لتؤكد انها مازالت محتفظة بهدوءها وصبرهـا، تقدمت ” شمس ” ثم حملت الطعام، واتجهت للخارج بجوار والدتها، ثم اخرجت المفتاح من حقيبتـها، ألقـت نظرة اخيـرة على منزلها الضيق الصغير، وكأنها تبحث عن طيف سعادة كانت بـه يومًا، ولكن الان صار كالسجـن يخنق كل من يدخلـه ..
سـاروا متجهين للخارج من العمـارة الواسعـة، والتي يقطنون بها في الدور الارضي، تشعـر بالإنكـسار يجتاحها كلما تذكـرت جملة شخصًا ما عنه ” ده بيت البـواب ” لا شك انها تفتخـر بوالدها دائمًا، ولكن كم الضغوطات من حولها تفوق قدرة اى بشـر، تنهـدت بضيق استعدادًا وتهيئـة نفسية لأذنيـهـا للنصـوص التوبيخية التي ستـرن علي اذنيهـا كالطـبول الصاعقـة، بـدأ ما توقعتـه بقـول جارتهـم التي ما إن رأتهـم بسخريتها المعتادة :
_ ياعيني هو لسة ماخرجش من السجن
جـزت شمس علي شفتيهـا بغبطة، في حين والدتهـا ضغطت علي يدهـا بهدوء، تكتفهـا بضغطتها لتصمت كعادتهـا، تتحمل وتصبر، ولكن الي متـي ؟!
اكمـلت الاخرى وقد كانت نبراتها تحمل الشماتـة المكبوتـة بداخلها :
_ واحد قتال قتلة، اكيد مش هيطلع منها
آآه من كلماتهم التي كانـت كالسهام السامة تنغرز في قلب كلاهما بلا رحمة، تتشنـج جميـع اجزاء جسدهـا بمجرد سماعها لكلماتهـم اليوميـة، حاولت ان تعتادهـا، و دائمًا كان حبها لوالدها يصبح كالمطهـر سرعان ما يمحى كل كلماتهم القاسيـة، ليطبـع وشمًا ابديًا .. وهو الصبـر .
**********
في غرفـة متوسطـة المعيشـة، معظمها من اللون الاحمـر، تطل علي الشـارع، وبها دولاب متوسط من اللون الأسـود، ومكتبة معلقة علي الحائـط مرص بها العديد من الكتـب، هبت جالسة علي الفـراش الصغير بشهقـة عاليـة، تضـع يدهـا علي صدرها لتهدأ انفاسهـا اللاهثـة، تضغـط بقوة عليـه وكأنها رسالة تخبـره فيها ان يهدأ فهذه ليست المرة الأولي، وانما كل مرة يصبح الحلم اسوء وابشـع، الدمـوع متحجرة في عينيها، لا ولن تسمح لها بالحرية ابدًا، اصـدرت انينًا خافتًا متألمًا ليعبر عن مدى الحزن الذى يجيش بصدرها حتى كاد يقتلها مع الوقت، اطبقـت علي شفتيها الورديـة بقوة تعتصرهم لتمنع دموعها من الهطول، فتحت والدتها الباب بسرعة دون ان تقرعـه، واقتربت منها متساءلة بفزع بعدما رأت شحوب وجهها الأسمر وحالتهت المتجمدة تلك :
_ خلـوود، مالك يا حبيبتي
ظلت صامتـة، ثانية .. اثنان.. ثلاثـة، تزج الهدوء بداخلها لتخفي ذاك الحزن الذى كـاد يفترش علي قسمـات وجهها، ثم قالت بصوت مغلف بالوهن الذى اكتسحهـا :
_ نفس الحلم بشخص تانى، انا زهقت
زمـت شفتيهـا بعدم رضـا، تعترض وبشدة علي هذه الاحلام التي تقلق نومتها كل ليلة، تنهـدت بعمق قبل ان تردف بهدوء :
_ معلش يا حبيبتي معلش، حاسه بيكِ
كـان هدوءها عبارة عن قشـرة رقيقـة، من مجرد لمسها ينزاح ليظهر مدى الألم والصـراخ المكبـوت بداخلها، صراخ لو خرج منها لأصـاب اذن كل من سمعه من شدته، هـزت رأسها نافيـة ولم تنظـر لوالدتها، اكتفـت بالهمس المسموع بصعوبة :
_ لا، محدش حاسس بيا يا امى حتى انتِ
عضـت ” عبير ” علي شفتهـا السفلية بحـزن، ابنتهـا وزهرتهـا المتفتحة تراها تذبل كل يومًا عن ذى قبل، الي متي ستنتظـر، حتي تراها ذبلت كليًا وتصبح جسـد يزجـه القدر بلا روح ولا هدف !!
نظـرت لعينيها السوداء التي كسـتها الدموع حتي اعطتها لمعة ملتهبة زادت من سوادها المظلـم كحلكة الليل، ثم استطردت بلـوم :
_ ياما قولتلك نروح للشيخ حافظ يمكن يكون فيكِ حاجة وانتِ مش عايزة تسمعى كلامى ابدًا
كلماتـها عادت تجـرح فيها دون قصد من جديـد، من كثرة النقاش في هذا الموضوع اصبحت تشعر ان قواهـا خارت، تكفيها للعيش فقط، أعلنت قسمـات وجهها ما يدور بخواطـرها، لتتـابع والدتها بحنان :
_ ربنا يريح قلبك ويهديكِ يا حبيبتي
لم ترفـع ناظريها عن الأرضية وكأنها تبحث عن شيئً ما وردد لسانها تلقائيًا :
_ يااارب يا امي، انا محتاجة الدعوة دى اوى اوى
أقتـربت منها تحتضنـها بين ذراعيهـا، تطوقها بقـوة، لتختبئ زهرتها في حصـن منيـع لحمايتهـا، تريـد التقلص لتتوغل لداخلها وتمحو كل الأحلام هذه !!
فجأة ابتعدت خلود وسرعان ما تبدلت نظراتهـا للهلـع، ومن ثم قالت بقلق :
_ انا لازم اروح الحقــه
حالتها تلك ونظراتها تكفلت بإيصـال مقصدها علي الفور لوالدتها التي هبت واقفـة وأجفلـت وهي تهز رأسها بأعتراض شديـد، ثم قالت بجدية :
_ مستحييل اسيبك تروحـي
نهضـت متجهة لدولابها وبدأت تخـرج ملابسهـا بسرعة، كالتي توقف عقلها عن التفكيـر في اى شيئ سوى انقـاذ الضحية القادمـة، وجههـا واجـم، تكاد تختلع الرف بيدها وهي تخرج منه الملابس بسرعة، تقلص شعورها بالخجل من والدتهـا، وبدأت تبـدل ملابسها، انتهت ثم رمقـت والدتها بجدية يشوبها الحدة بهدف تغيير موقف والدتها الصارم :
_ محدش هيمنعني يا أمي
كـانت والدتها تطالعهـا بذهـول، وكأنها ليست ابنتهـا بتاتًا بل جزء منفصل عنها، جزء مختلف بكل جوانبـه، عينيها السوداء توحـي بأنذار الخطـر الذى سيهب بوجه خلود حتمًا، أستـدركت نفسها وعادت تنظر لها بحدة وقالت :
_ وانا مش هأنزلك غير علي جثتـي .. !
*لاوعاوزين تخشو الجروب الروايات علي الواتساب كلموني علي الرقم ده*
‏*https://wa.me/+201288715026?text=ممكن-ادخل-جروب-الروايات-
كـانـت تقـف امام الشرفـة المطلة علي الحديقـة الخضراء، تتطلع علي الاوراق اللامعة بفعل اشعة الشمـس، يُوضـح إنعكاس اشعتها في عينيها الزيتونيـة، عقصـت خصلاتهـا خلف اذنـها التي تطايـرت مع نسمات الهواء الهادئـة، تمتلىء ملابسها الضيقـة بجسدها الثميـن، تعطيه ظهرها بقامتها القصيرة، من يراها لا يصدق انها في الخمسـون من عمرها، عادت تتأفف بملل وهي تستمـع لمحاضرة زوجهـا التهذيبية اليوميـة، اعتادتها وملت منها، ألم يشعر ان مفعولها اصبح معدوم لديها ؟! .. ام انه يكابـر بمحاولات عديدة علها يكن لها تأثير واضح في مرة من المـرات من اجـل الوصول لمسعـاه، اولاده فقط، مالك .. زينة، قرة عينـه، قالت بضجر ولم تنظر له :
_ يوووه، انا زهقت يا جمال، كل يوم محاضرة، انا ملييييت
بالفعل استنفذت كل الفـرص لديـه، خطواتـه شبه الراكضة نحوها عبرت عن غضبـه الجامح الذى اجتاحـه، شعرت كما لو انه ثـور هائـج يركض باتجاهها، قبضتـه القوية علي ذراعها الأبيض جعلتها تتأوه بألم :
_ آآآه ايدى يا جمال سيبني
لم يتركـها وانما ظل يضغط اكثـر، كلماتها التي من المفترض ان تهدأ من روعـه تجعله يثور ويثور اكثر، الي متي سيظل هكذا؟ الي متي سيحاول ترميم علاقتهـا بولديهـا هكذا ؟!
زمجـر فيه بغضب وحدة رغم قوتهم إلا انهم لم يعبـروا عن ولو ربع ما يجيش بصـدره من عواصف :
_ هتفضلي كدة لحد امتي فهميني، انتِ استحالة تكونى ام استحالة
استطـاعت بمهـارة انتشـال الألم من خلجات وجهها، لترسـم السخرية التي باتت معتـادة منها، وغمغمت بتهكم :
_ اية ده بجد، وده اكتشفته امتي ؟
سمعت فقط صـوت انفاسـه اللاهثـة، تعلم بمقـدار جهده للسيطرة علي نفسـه حتى لا يرتكب جريمـة، ولكنها تستغل ذلك ..
باتت الحدة تزداد جلية في نبرتها اللوامة :
_ قولتلك ماتجيش تلومني بعد كل السنين دى، انت اكتر واحد عارف انك السبب
اصـدر انينًا خافتًا، يعلم انه السبب الرئيسي في انقطـاع حبال الأمومة والحنان بينها وبين ابناؤوه، ولكن كل متهم يُجازى بفترة ويعود للحرية، ولكنه من الواضح ان فترته كالسراب لا نهاية لها ابدًا !!
قال بصوت اشبـه للهمس :
_ ارحمينى بقا انا تعبت، لحد امتى هدفع التمن، طب بلاش عشانى عشان ولادنا، ذنبهم اية يدفعوا التمن
هى نفسها لا تعلم اجابـة هذا السؤال، ولكن ما هى متيقنـة منه بعض الشيئ انها تنتقم من نفسها قبل اى شخص ..
_ بردو خنـاق !! ربنا يجيرنـا بصراحة
هتـف بها شـاب في العشرينـات من عمره، قوامـه العريض يعطيه مظهر رجولى جذاب، بجوار ملامحـه التي باتت كالطريق المسحور تسحر كل من يسير ويدقق فيها، عينـاه البنيـة تخفي وميض ألم يصعب علي عالم في قراءة العيون معرفته، ينـزل علي درجـات السلم بخطى متاهفته، بعينيه نظـرات يفترض أن تؤلمهم، زفـر ” جمال ” بقوة قبل ان يجيبـه بأبتسامة صفراء امل ان تخفـي الغضب :
_ لا يا مالك يا حبيبي، احنا كنا بنتكلم عادى بنتناقش يعني
زم شفتـاه بسخريـة، يـرى بوضوح ما يحاولوا هم اخفـاؤوه، تتكفل اصواتهم العالية بفهـمه لكل شيئ، واحيانًا يفقدوا السيطرة علي اعصابهم فيزول ذاك الغطـاء الهادئ، ليحل محلـه شرارات غاضبـة كارهة، بمجـرد رؤيتهم يـرى صمتهم، وكأنه اتفـاق بينهم، ولكن.. يرى تصرفـات والدته التي باتت واضحة كعيـن الشمـس، اقترب منهم اكثر حتى اصبح امامهم يطالعهم بهيئتـه الساخرة، ثم جلي الجمود في نبراتـه :
_ انا رايـح شقة المعادى، مابقتش قادر اقعد هنا اكتـر
لمـس ولده لهجة الامر في نبرتـه، وكأن الأدوار تبدلت ليفعل ما شاء ويخبرهـم فقط، وهم يخشونـه كطفل مرتعد من والـده، ولكن يختتم تفكيره بالنهايـة بأنـه من فعل ذلك لا غيـره، وبصرامـة حاول جعلها تتوغـل لهجتـه :
_ بس ياريت مايبقاش فيها صحابك الصيع دول وخمرة وبنـات !
ضحـك بسخريـة، كلماتـه يلقيها بصرامة وكأنه يخشي سقوطه من حافـة الهاويـة، ولكن .. يظل فاقد الشيئ لا يعطيـه، كيف يريـده ان يصبح هكذا وهو من الاساس لم يكن هكذا .. !؟
اومـأ ثم استـدار وغادر علي عقبيـه تاركًا اياهم يعضـوا علي شفتيـهم ندمًا .
********
تحـت اضـواء الشمـس الحـارقة، تقريبًا في الصحراء، منطقـة مهجورة، اذا القـيت بسن رفيـع تسمـع صوتـه، او نبيـح الكلاب ولو صباحًا، امام سيـارة سـوداء كبيـرة فـي اخر المنطقـة، صـدح صوتـه المتساءل بأختنـاق :
_ يعني ملاقتش غير المكان ده
سألـها بنبـرة ظهر فيها الجـزع والملل، بجسـد لم يعتـاد علي هذه الشمس فربما تأكـل من كثرتهـا، وبدلتـه السوداء التي يرتديها تمتص الشمس وكأنها قاصدة تعذيبـه ليس إلا !!
نظـر له الواقـف بجواره امام السيارة وهو يرمقـه بنظرات حانقـة مستهانـة، لم يستطـع اخفاؤوها من عينيه السوداء ولو انه يعلم بمقدار خطورة ذلك، ثم قال بنـزق :
_ ما انت الي قولت لى مكان مقطوع يا ريس
اومـأ الاخـر، ثم ارتكـز بيداه علي السيـارة، ولاحت بعينـاه سحابـة غامضـة، قبل ان يستطـرد بجديـة معتادة منه :
_ انت عارف طبعًا انا جايبك هنا لية ؟
اومـأ بتأكيـد، فقد أصبح هذا الموضوع محور حياتهـم، مهما يتلفتـوا يعودوا له من جديـد، اصبح كالسلاسل الحديدة الخانقة تختنقهم كلما ارادوا الأرتيـاح .. !
تنـهد تنهيـدة خرجـت من اعماقه ثم تـابع بهدوء حذر :
_ لسة معرفتوش مكانها ؟
هـز رأسه نافيًا، هـزة جعلت الاخـر يرغب في الاطاحـة برأسه في نفس اللحظة من شـدة غضبـه، تطـايرت شرارات سوداء غاضبة مشتعلة من عينيه وهمس بنبرة اشبه لفحيح الافعـي :
_ لحد امتى !!
عقد حاجبيـه بعدم فهم ونظـر له مستفهمًا، مما دفعـه لإلقـاء اوامـره الحادة :
_ لحد امتى يا معتز، انت عارف دى مهمة لينا ازاى، دى الي هتودينا حبل المشنقة او تبعدنا عنه، انت لازم تلاقيها
ابتعد عن السيـارة يطالعه بغضب وحنـق حقيقي اظهرتـه ملامحـه التي اشتـدت وتشنجـت، ومن ثم صرخ فيه من دون وعى :
_ يعني اعمل اية ياريس، انا مابنامش الليل، لكن بردو مش لاقي حاجة
قـال بتحذيـر ألقي الرعـب فى قلبـه بلحظتها :
_ في خلال يومين تكون لاقيتها احسنلك
صمـت الاخـر بعجـز يتملكه، إن كان يبحث لمدة سنـوات ولم يجدهـا وكأنها اختفـت من الوجـود، يبحث عنها كالقشة في كومة قمح، بينما اعطـاه الاخر طفيف اخر امل بقولـه الخبيث :
_ ولو ملاقتهاش يبقي مفيش غير حل واحد بس…. !؟
************
كـانـت تجـلس “شمس” علي احدى المقاعـد الخشبيـة الصغيرة، بجوار والدتها التى كـانت تكبـح دموعها بصعوبة تعلم هي وحدها مقدارها، تطـالع زوجها الحبيب بهيئتـه المرزية تلك، ذقنـه الطويلة وشعره الذى تختلط به بعض الشعيرات البيضاء، جسده النحيف يوحى بمدى ضعفه وألمـه في هذا المكان القـاتم، اما عنها هى فلا حاجـة لسؤال تعلم اجابتـه بأتقـان، توغلها الألم بكثرة حتي اعتادتـه، فما المانع ان ازداد قليلاً وهى ترى اعز شخص لديها هكذا !؟
_ ازيـك يا ابو شمـس عامل اية ؟
سـؤال احمق حقًا، يشوبـه الاستنكـار، أنفلت لسانها ليسأله دون الاذن منها، كيف تسأله حـقًا وهي ترى الاجابـة المريرة بعينيها !؟
ابتسامة تعتبر متهكمـة ولكن راضيـة بعض الشيئ شقت وجهه، واجابها بخفوت :
_ الحمدلله
سرعـان ما قالت شمـس بأشتيـاق حقيقى :
_ وحشتنى اوى يا بابا، اوى اوى
قالتـها بأشتيـاق لا تعلم تأثيـره علي والدها، الأشتيـاق انتقل اليه في صـورة كسرة وألم، تعذبـه بكلماتها كل مرة دون أن تشعر، قال بهدوء يعكس ما يكمن بداخله :
_ وانتِ اكتر يا حبيبة بابا
تنهـدت كريمـة بقوة قبل أن تسألـه سؤال كل زيارة حمقـاء :
_ بردو مش عايزنا نقول للمحامى يرفع النقد في الحكم ؟
هـز رأسه نافيًا ببساطة، بأبتسامة كاذبة لم يصعب عليهم تفسيرهـا، هو بعلم سوء حالتهم الماديـة، سيأتى بملأ ارادتـه ويزيد من مشكلاتهم وهو ليس معهم !!؟
_ بابا ارجوك طب حتى قولنا اية الي حصل، احكى لنا ماتسيبناش كدة
قالتهـا شمس برجـاء حقيقي حـار، ولكن اعماقهـا هى من تطلبته وبشدة، ترغـب في المعرفة لتمدها بالطاقة اللازمة للمواجهـة، ولكن بالطبـع كالعادة لم تلقي سوى الرد بجديـة :
_ قولت لك يا شمس مش هأقول لحد حاجة، مش هاعرضكم للخطر بأيدى، لو ربنا كتب لى اخرج واتكلم ساعتها بس هتكلم وبقوة
تنهدت تنهيدة طويلة حارة تحمل بطياتها الكثير والكثير، كانـت تعلم انه لن يخبرهم بأى شيئ كما قال، ولكنه شعورها انه يتحمل ذنب لم يرتكبـه يخنقها كل فترة اكثر من ذى قبل، كلما تريد تفكك الخيوط لتبدأ بحلها تشعر بها تزداد تعقدًا اكثر وكأنها تعانـدها.. !
_ يلا الزيارة انتهـت يا اساتذة
جملة قالها العسكرى بجدية وبعض من الهدوء ولكنها كان لها اثر كبير في واقعهم الملموس، قطـع اخر امل لهم فى المعرفة من دون شعور بذلك ..
**********
بعد فتـرة كـانت “شمس” تسيـر بمفردهـا تحمل الحقائـب الثقيلة التي يملؤوها الطعام و التي تركـت اثرًا واضحًا على اصابـع يدها البيضـاء، تناثرت خصلاتها السوداء من اسفل حجابهـا من دون ارادةً منها، كانت تسير بخطوات مسرعة قدر الإمكان، جبينهـا مصبب بالعرق، لا ترغـب في سمـاع اى كلمة من اى شخص قد تجعله ينـدم لأنه قالها، بالرغم من انها قطـة، ولكن قطة شرسـة وجدًا، اسمها يتناقض تمامًا مع الشمس الحقيقية، كم تشعر انها تكره اسمها !!
ربمـا لأن هذه الشمس لا ترغب ان تأتي فى جوف حياتها وتنيـره ولو لمدة قصيرة
دلفـت الي باب العمارة الكبيرة، وما إن خطت قدمها داخلها حتي وجـدت يدًا قويـة تطـبق علي خصرها بقوة جعلتها تصرخ من الألم قبـل الفـزع و ..

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غزالة في صحراء الذئاب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى