رواية غرورها جن جنوني الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم ابتسام محمود
رواية غرورها جن جنوني البارت الرابع والعشرون
رواية غرورها جن جنوني الجزء الرابع والعشرون
رواية غرورها جن جنوني الحلقة الرابعة والعشرون
قالتها وهي تمسكه من جاكت بدلته تتأمله بملامح هائمة وعينين ناعستين، تعترف باحتياجها وحبها له، لكنه لم يركز في حديثها، يصب كل تركيزه في إسعافها، رفعت يدها المرتعشة تجذبه من رأسه عليها ثم قبلته بثغره برقة، كانت دعوة منها ليلبي نداء عشقها ولحظات ضعفها. ذهل مما فعلت، شعور غريب انتابه بين نارين الاقتراب والبعد، يريد أن يطفئ نيران عشقه، ولكنه يريدها في كامل إفاقتها حتى تشعر بحممه وعشقه لها، وتتجاوب وتحيا وتبحر في بحور حبها، كان يصارع روحه في أن يبتعد عنها، لكنه كان منجذبًا بشدة، مثل الذي أصابته صاعقة ولا يستطيع البعد أو التحرك. رمقها بشوق وقال في نفسه، كيف أستطيع البعد عنك يا حبيبتي وفؤادي مشتعل ومتلهب شوقًا؟ أريدك بشدة أكثر منك، متلهفًا لأنفاسك التي تحييني، مشتاقًا للمسة يداكِ التي تزيد من رغبتي بكِ، لكنني أريد مشاركتك معي لتنعمي بنيران أشواقي، وحنيني.
كاد أن يبتعد لكنها غافلته بلمساتٍ على صدره، كأنها تعزف ترنيمة باحتراف؛ جعلت قواه تنهار أمام نظراتها الحارقة، لم يبالِ لحالة عدم الوعي الكاملة التي تنتابها، استنجد بكل أصوات التحذير في أُذناه والتي تحاول أن تبعده، حتى لا يتكرر اللقاء بينهما مثل أول مرة حين كان فاقدًا للوعي، دون فائدة.
لم يشعر بنفسه إلا حين تجاوب معها وذاب الاثنان معًا، انصهرا كما ينصهر الثلج، وعاش أجمل اللحظات معها، وبثها من الحب كما يسرد في كتب العاشقين، وبعدما مضى الوقت الذي لم يعلم كم مضى منه، حملها وألبسها ثيابها، وأعطاها خافضًا للحرارة، طلبت بعينيها منه أن يتسطح بجانبها، ولا يتركها بمفردها، نفَّذ ما أمرت به على رحب وسعادة، فقد كان بداخله سعادة لا توصف ولم يصادفها من قبل، وكم تمنى أن تدوم، ويتكرر هذا اللقاء الحميم لآلاف المرات، ما أجمل لقاء العاشقين!
واعتلت رأسها على صدره القوي ونامت محتضناه بكل حب وتملك.
★★★★★
وقفت “كاميليا” في حديقة فيلاتها تجري مكالمة مع شخص:
– حضرت اللي قولتلك عليه.
– لسه يا حلو.
– ولسه ليه؟
– ما أنتي لو تسمعي كلامي.
– بقولك إيه، انجز لأن أنا على أخري، باي.
أغلقت بوجهه وجلست وهي تهز ساقها ضيقًا.
كان من يسمع المكالمة يجلس على مكتبه ولا يفهم شيئًا مما سمعه من هذا التسجيل الذي وصل إليه عبر رسائل الهاتف، ثم نهض “وجود” يجن من المكالمة المجهولة.
فلاش باك
عندما كانت”كاميليا” تفضح الأمر وتطلب منه أن يتزوجها، وعندما قررت الانصراف مشى “وجود” خطوة خلفها، لكن أمسكة “حازم” الذي يشتعل غضبًا على زوجته:
– البت دي عينيها فضحاها باينة أوي إنها بتمثل.
رفع “مستقبل” يده يأكد كلامه، فقال “مهيمن”:
– مهما يحصل مش هيغير في حاجة ما دام الهانم حامل من سيادته.
– كوتش أنا هثبتلك إنها مش حامل.
– إزاي؟
قالها “وجود” بتلهف، فرد بعقلانية وغل في آن واحد، وعندما أنهى كلامه، جعله ينصرف وهو يتنهد. أبلغه “حازم” يتفنن:
– تروح وراها تعمل نفسك بتصالحها، وتعمل إنك نسيت تليفونك وعايز تعمل مكالمة مهمة، وبكدا هتاخد فونها، تحمل برنامج التجسس دا عليه.
– ما هتشوف الأيقونة لما تاخده.
قالتها “توتا” بعدم خبرة وفهم، فرد “وجود” بتذكر:
– البرنامج بيكون مخفي وملهوش أي أيقونة، إزاي ما خطرش على بالي الموضوع دا.
بااااك..
جلس “وجود” يحاول أن يستنتج أي شيء من المكالمة فلم يصل لخيط يسحبه ويفهم منه مقصدها، فعزم على مجاراتها في كل شيء حتى يصل لبدايته وآخره.
★★★★★
فاقت “توتا” من نومها ظهرًا، وجدت نفسها تضع رأسها على شيء صلب ناعم الملمس، حركت عينها شزرًا وجدت نفسها تعدت حدودها.. نهضت مفزوعة رمقها بحب وقام يطمئن عليها، أجابته بخجل:
– هو حصل إيه، آخر حاجة فاكراها كنت نايمة وكنت هتصل بيك بس.. بس…
تذكرت أنها عندما أمسكت الهاتف، بدلًا من أن تتصل به شاهدت الصور التي اختلستها من قبل، تنحنحت وقالت:
– هو فين تليفوني؟
أشار برأسه على الكومودينو، أمسكته وحمدت الله أنه فصل شحنه ولم يرى شيئًا، فقال باهتمام:
– استريحي هجيبلك فطار.
تحرك بؤبؤ عينيها يمينًا ويسارًا، بتوتر ثم أبلغته:
– ميرسي، هنزل أنا اعمل وهعمل حسابك معايا.
اقترب عليها واضعًا يده على رأسها يجس حرارتها، ثم قال باعتذار:
– معلش مش هلحق متأخر على الشغل.
نظرت على ساعة الحائط وجدت بالفعل أنه متأخر فهو عادة ما يذهب إلى عمله باكرًا، فرد عليها وهو يمسد شعرها الحرير الطويل:
– ما رضيتش أقلقك واستنيتك تصحي، علشان اطمن عليكي.
– ميرسي يا حازم، بس هو أنا مالي؟
– كنتي سُخنة شوية.
ثم تركها هاربًا، حتى لا تسأل أي سؤال ثانٍ، وعندما سار عدة خطوات، أوقفته بندائها عليه قائلة باستفسار:
– حازم.. هو حصل إيه امبارح؟ أنا مش فاكرة حاجة خالص.
ابتسم بإحراج، وهو يمسد شعره للخلف بكف يده:
– ما قولتلك كنتي سخنة.
– ما دي عرفتها، حصل إيه لما لقيتني سخنة.
– عملتلك كمادات.
– بس.
– بس.
تنحنحت وهي تبلل شفتيها، وتقول بحرج:
– بس دي مش الهدوم اللي كنت لبساها.
صمت قليلًا وأخبرها بتهكم:
– آه ما أنا نزلتك تحت الدش.
كست الحمرة وجنتها وظلت جفونها ترمش:
– طيب امشي يا حازم الله يسهلك.
– ما كنتي ماشية حلو، قلبتي ليه؟
قالها عندما رأى خجلها لأول مرة، كانت ملامحها مطلية بالدماء المحتقنة، عينيها الواسعة تتهرب منه، كانت تشبه القطة الصغيرة في رقة ملامحها، فأردفت بكسوف:
– امشي يا حازم، أحسن جناني يطلع عليك.
– لا بلاش، أنا عامل دماغ ومش عايز نكد.
– تقصد إيه!
قالتها وهي تضيق عينيها بدون فهم، فأجابها بمشاكسة:
– ما اقصدش سلام يا حلوياتي.
انصرف من أمامها وعلى وجهه ابتسامة تزيد وسامته، وجلست تعصر دماغها حتى تتذكر كل ما حدث.
★★★★★
مر يومان وأتى يوم زفاف “سليم”، كان “مستقبل” ما زال يتجاهل “كارما”، وكل منهما محتفظ بأسباب تجاهله للطرف الآخر لنفسه، وحامل الكثير داخله، كان العروسان في قمة سعادتهما، الحب يظهر في عينيهما وفرحتهما ببعضهما. تقف “زينة” حزينة مع “كارما” التي ترسل نظرات غيظ وضيق لخطيبها الذي لا يبالي بوجودها أمامه، دخلت “كاميليا” بشموخ وغرور وهي تضع يدها بيد “وجود”، فقالت “كارما” بابتسامة تحمل الاشمئزاز عندما اقتربوا منها:
– سبحان الله، عاملة شبه الوردة.
ثم تكمل بصوت منخفض:
– اللى بتشفط الأكسجين وتوزع ثاني السيد الكربون اللي بيخنقنا بوجوده.
أجابتها بأنف مرتفعة:
– ميرسي.
ثم قالت لـ”وجود”:
– يلا يا روحي من هنا.
كانت “زينة” تقف تطالعه باشتياق وحب، وقهر وألم، انسحبت تجلس على طاولة بعيدة، حتى شعرت بغثيان، ولم تنزف هذا المرة من أنفها، نزفت نزيفًا شديدًا حتى غرق فستانها من كثرة الضغط النفسي، أحرجت أن تقوم فيرى الحاضرون فستانها الملطخ بالدماء، أمسكت يد “مستقبل” الذي مر بجانبها صدفة، وهمست بصوت متعب يخرج كالهواء بحروف متقطعة:
– مستقبل اندهلي كارما.
بحث عليها بعينه لم يجدها، فمال عليها بقلق:
– مالك يا زينة؟
اخفضت نظرها بتعب وتلألأت دموعها:
– شوف توتا، أي حد يا مستقبل.
لاحظ “وجود” ملامحها المتعبة، نهض من جوار “كاميليا”، فاشتعلت غضبًا وأمسكت يده حتى لا يذهب لها، لم يهتم بها وأفلت يده بعدم اهتمام، وتوجه لـ”زينة”، ثم وضع يده على كتف “مستقبل”، فرحل وترك لهما مساحة، أمسكت بنطاله بقوة مستنجدة به:
– الحقني يا وجود بطني بتتقطع، ومش شايفة كويس.
ينظر أسفل قدمها يرى بركة من الدماء، قلع جاكت بدلته ووضعه على كتفها، ثم حملها بين ذراعيه بدون تفكير، أدخلها سيارته وذهب بها للمشفى، ركضت خلفه “فريدة” و”دانية” و”كارما” عندما علمن بالأمر.
فقدت “زينة” وعيها وهو يحملها عندما وصل أمام المشفى، وضعها على الفراش ومال ليترك على جبينها قبلة صغيرة، وهمس أمام شفاتيها بلهفة وحب:
– بحبك أوي، ما تسيبنيش أرجوكي.
دخل الطبيب مسرعًا يباشر عمله، ثم من بعده “شادي” الذي كان لديه نبطشية، ويأمره يخرج من الحجرة بطريقة عنيفة، نفَّذ كلامه بدون مناقشة ووقف بالخارج، حضر الجميع وقال الطبيب بعد الفحص:
– توتر وضغط عصبي شديد أدى لنزيف.
اقتربت “فريدة” من “وجود” بلوم وعتاب فعانقها، بكت بحرقة:
– ليه يا وجود، ليه؟
لم يقدر على التفوَّه أو التبرير، واكتفى بأن يربت على ظهرها بحنان، خرج “شادي” كالثور الهائج يشير عليه بالسبابة اليمنى، وهو يسحب “فريدة” من أحضانه:
– اتفضل امشي، وإياك يا وجود أشوفك تاني بتكلم زينة ولا تقف في طريقها.
رمقه بنظرات مظلوم لا يقوى على الدفاع عن نفسه، وتمنى أن يكون أخرسًا حتى يبرر لنفسه صمته، أخرج تنهيده حارة ومشى وهو يشعر بالقهر.
★★★★★
حين أفاقت “زينة” تطلعت بالمكان تبحث عنه، اقترب منها الجميع يطمئنوا عليها. طلبت أن تمشي، استجاب لها والدها، وعندما وصلت فيلاتها دخلت غرفتها وبقيت معها “كارما” فقط:
– وجود يا كارما اعترف بحبه ليا، و…
وضعت يدها على جبينها، وأكملت:
– دا حصل بجد صح.
– انسي يا زينة، وشوفي حياتك.
قالتها حتى تجعلها تنسى ما يؤذيها، لكنها ردت بعصبية:
– حياتي مش ليها أي معنى من غيره.
وضعت يدها على كتفها تهدئها:
– طيب اهدى يا حبيبتى وربنا يصلح الحال.
★★★★★
كان “وجود” أصبح على ضفاف النار، لم يقدر على فعل شيء، أصبح كالمشلول.. عليه أخذ خطوة سريعة ممن لا يحبها، والآن هو يحطم قلب من عشقها من أعماق قلبه، كان يطمئن عليها عن بعيد ويراقبها من شرفته بقلب متمزق.
★★★★★
كانت “كارما” تتحدث مع صديقة لها عن ما وصلت إليه علاقتها مع “مستقبل”:
– والله تعبت من كل اللي بيعمله، الوضع كمان زاد بعد ما وعدني ما يشربش ولا يكلم بنات، بقى ما شاء الله ينام معاهم كمان.
– لا ما تقوليش كده سيمو ما يعملش كده أبدًا، هو آخره كلام وهزار.
– يا بنتي أنا شوفت الرسالة بعيني بيكلم واحد وبيقوله مكن وأزايز.
– طيب ما اتكلمتيش معاه ليه في الموضوع في ساعتها.
– لأني زهقت خلاص.
– طيب إيه رأيك ابعتي ليه حد وتختبري.
– يا بنت الإيه فكرة جامدة، بس مين هيرضى؟
– سيبي الموضوع عليا.
وقبل أن تغلق شكرتها كثيرًا، وبالفعل لم تضيِّع صديقتها وقتًا؛ كلمت صديقًا لها وأخبرته عن خطتها، وافق بعد إلحاح منها حتى يساعد “كارما” على كشف حقيقة حبيبها.
★★★★★
في ذات يوم يرجع “حازم” منزله فجرًا، ويوجد بجسده جروحًا كثيرة، يجلس على أقرب مقعد محاولًا أخذ أنفاسه بألم، وهو يضع يده على أضلعه. عندما شعرت “توتا” بوجوده نزلت مسرعة، هلعت عندما رأته بهذا الوضع:
– حازم إيه اللي حصلك؟
اتكأ على شفته حتى يبتلع أنينه من الألم، وهو يعتدل في جلسته:
– عملت حادثة.
جلست القرفصاء وهي تقول بخوف وقلق حقيقي:
– طيب ليه ما روحتش المستشفى، قوم معايا نروح.
وضع يده على ظهره وهو يتقدم بجزع نحوها، يضع يده الثانية على شعرها:
– ما تقلقيش جروح بسيطة.
بكت حينما رأته يتألم، فقالت بصوت مبحوح:
– لا يا حازم، لو سمحت علشان اطمن تعالى قوم معايا.
أغمض عينه وهو يبتسم برغم آلامه:
– تصدقي إن بعد ما شوفت لهفتك وخوفك عليا بقيت فل.
– حازم أنت مفيش مكان سليم في جسمك، ريحني.
همس بمكر برغم حالته:
– طب ما تريحيني أنتي وخديني في حضنك.
أحرجت، برغم أنها تريد فعل ذلك لكنها لم تتجرأ على اتخاذ خطوة صريحة، فأردفت:
– إيه اللي بتقوله دا.
– مش عايزاني أكون كويس.
تضايقت من وقاحته حتى وهو يتألم، هربت من عينه بتغيير الحديث:
– هقوم أجيب مطهر وقطن.
أحضرت كل شيء لزوم تطهير جروحه، كان سعيدًا جدًّا من اهتمامها، وتحريك أناملها على جسده، وفجأه أغمض جفنه بقوة وصدرت من أعماقه رغمًا عنه أهات، بصرته بقلق وهي تسأله بلهفة:
– بتوجعك؟
نظر لعيونها بتعمق، وأخبرها:
– أحيانًا الجرح بيكون في مكان والألم في مكان تاني، لما الواحد يكون مشلول وما يقدرش ياخد خطوة صريحة.
قالها عندما شعر بقربها ولم يتحمل.. يشتم عبيرها، ولمستها له، ويظل صامدًا فأغمض عينه حتى يقلل من تأثره بقربها منه. سعلت بإحراج ونهضت وهي تقول له:
– قوم خد دش دافي يريح جسمك.
نهض مستجيبًا لها؛ لأنه بأمس الحاجة لتطييب قلبه وجروحه، نزع ملابسه ونزل تحت المياه المتدفقة بقوة، وضع يده على الحائط ورفع رأسه يستقبل المياه على وجهه، قامت هي تحمل حقيبته الملقاة على الأرض، فوقعت من يدها وكل ما بداخلها تبعثر، مالت تلم أشياءه وهي تعترف بحبها له في نفسها، وفي أثناء حملها متعلقاته لمحت شيئًا غريبًا؛ كيسًا أبيض شفافًا متوسط الحجم به عدد كبير من الماسات، نزلت دموعها؛ والآن عرفت أين يذهب في الليل، ومصدر ماله الكثير، فهو لا بد وأن يكون لصًّا محترفًا بالتأكيد، تركت كل شيء بمكانه وجرت أقدامها داخل غرفتها تبكي بصدمة، وتسب قلبها الذي انجرف وحب للمرة الثانية الشخص الخطأ.
خرج يحدثها فلم ترد عليه، أعاد كلامه فهاجت به وهي تصرخ، رمقها باستغراب ووجد ملامحها حادة، فقال بتهكم:
– أصل مش معقول كنتي من شوية مخضوضة وقلقانة، ودلوقتي ما شاء الله، مش طايقة تسمعي مني كلمة.
عندما شعرت أن حياتها لا فائدة لها، كل من أحبتهم انصدمت بهم، أغمضت جفنها تحاول أن تحدثه بدون صراخ:
– لو عايز ترتاح بجد، اقتلني يا اقتلك.
دهش من جملتها بعدما أصبحت تعامله بلطف رجعت لحالتها الأولى وأكثر، أيقن للتو أنها تعاني انفصامًا بالتأكيد. فتركها ثم عاد إليها وهو يحمل بيده سكينًا بقوة، اتسعت عيناها وارتجفت شفتاها من كثرة الخوف، رفع يده يغرس السكين بجوارها، ويقول وهو يضغط بكل قوته داخل الغلاف الجلدي حتى يصب بها ألامه وغضبه:
– هو أنتي حاسة إنك عايشة؟ لو كان قلبك بيدق فعلًا كان حس بيا من زمان، وعلى ما أظن إنك قتلتيني خلاص من كتر تفننك في جرحك ليا، وبكده احنا الاتنين مقتولين.
قالها بقلب متحطم كليًّا زهد كل شيء، تحمَّل كل أعباء الحياة من أجلها وهي لم تعطِه الفرصة أبدًا ليثبت حبه لها. أخذ حقيبته وترك المنزل، برغم ألمه الجسدي الداخلي قبل الخارجي، وقفت تنادي عليه بانهيار؛ كلامه أثر بها، انتشلها من الغرق وجعلها تطفو على وجه الماء، لم يستجب لندائها الصادق، هرب حتى من نفسه، لم تترك له أي أمل، أصبح محطمًا هشًّا جريحًا، تنغرس السهام داخل قلبه بلا رحمة.
جلست نادمة، برغم ضيقها من معرفتها حقيقته.
★★★★★
وصلت لـ”وجود” رسالة أخرى وهو يجلس بمكتبه، تقول فيها “كاميليا” بعصبية:
– عملت إيه في موضوع عملية اللقاح.
فرد عليها المتصل بطريقة وقحة:
– ما كنتي خلصتي على طول يا قمر ووافقتيني أقوم أنا بالمهمة دي بشكل طبيعي بدل العملية ووجع الدماغ.
– اخرس يا سافل واعمل اللي بقولك عليه.
– ما أنتي بصراحة مصعبة الموضوع أوي، عايزة واد مز تاخدي منه السائل علشان تعملي العملية.
– وأنت لما طلبت مني أجيبلك ورق تجارب حماتي، فاصلت معاك ولا عملتلك اللي أنت عايزه بالظبط.
جحظت عين “وجود” من الصدمة.
فقال لها المتحدث:
– استني ثواني معايا تليفون.
وبعد دقيقة رجع لها، فقالت بتأفف:
– كل دا؟
أجابها بعنف بغير ما كان عليه من قليل:
– أعصابك بس ليطق ليكي عرق.. أنا عبد المأمور، تعالي المستشفى حالًا.
فرحت وهي تقول:
– لقيته.
– أمال، تعالي بسرعة مستشفى “…”.
– أنا جاية حالًا.
وقف “وجود” بصدمة، يتطاير من عينه الشرار، نزل سريعًا لها، أمسكه “مستقبل” الذي جاء له خصيصًا:
– رايح فين يا عم التنين.
– سيبني يا مستقبل.
أردف بعصبية تفوق عصبيته وهو يركض خلفه:
– لا مش هسيبك وأنت كده، فيه إيه؟
أجابه وهو يصعد العربة:
– بنت الكلب بتقرطسني كل دا ولا حامل ولا هباب.
ذهل برغم توقعه ذلك، فأردف:
– خدني معاك استنى.
ركب” مستقبل” السيارة وهي تتحرك، وأخبره بعقل:
– عايزك تتصرف بهدوء، بلاش تهور.
– ما أنت ما تعرفش اللي عملته الهانم.
قالها وهو يعطي الهاتف يسمع التسجيل، وبعد قليل وصلت رسالة أخرى مسجلة؛ كانت تتحدث مع صديقتها وتقول لها كل ما دبرت إليه خلال الفترة الماضية، وكيف عرفت أن تخترق حصونه وجعلته مثل العجين بين يدها، واعترفت أيضًا أنها ما زلت بختم ربها الذي ولدت به، وسوف تعمل عملية تلقيح حتى تورطه بجوازها. يتفوه ثغر “مستقبل” بأفظع الألفاظ البذيئة، وعندما وصلا إلى المشفى، نزل يركض يبحث عنها بثورة، فسمع شابين ممرضين يقول أحدهما للثاني بهمس:
– الحالة اللي اسمها “كاميليا مختار”، عايزك قبل ما الدكتور يعمل العملية تخليها تفارق الحياة، والدكتور يكتب سبب الوفاء نزيف؛ لأنها كانت جاية تعمل عملية علشان ترجع بنت بنوت.
– يا عم دي لسه بكرة ولو اتعرضت على طبيب شرعي هيشك.
– اسمع اللي بقولك عليه محدش هيدور ورانا.
لم يتحمل ما سمعه “وجود”، برغم كل ما فعلته به وبوالدته، هرول عليهما ضربهما حتى قالوا له مكانها، توجه إليها وكان خلفه “مستقبل”، لكن عندما رأته نهضت فزعه من مكانها واحتمت برجل من العصابة، فقال بوهن وهو يمد يد العون لها:
– “كاميليا” تعالي معايا.
اختبأت أكثر منه وقالت برعب:
– إيه اللي جابك هنا؟ أنت ملكش دعوة بيا.
– “كاميليا” اسمعي كلامي، تعالي امشي معايا، الناس دي هتموتك.
– كذاب، أنت اللي هتموتني.
انقض أحد من الرجال على “وجود” من الخلف وتقدم الآخر يركله، فهرولت “كاميليا” بظهرها وهي تشاهدهم بفزع، ترك “مستقبل” أخاه، وهرول إليها حتى يمسك بها قبل أن تقع من النافذة، لكنه لم يتمكن من إنقاذها؛ كان هناك من أسرع بوضع يده بمنتصف قدميها ليرفعهما ويدفع بها من النافذة.
ابتعدا الرجلين عن “وجود” وركضا سريعًا، مما جعل “وجود” في حالة ذهول مما حدث وركض على النافذة يراها.. وجدها تغرق في بركة من دمائها، ترجل مع أخيه المصدوم حتى وصلا إليها، كان رجال الأمن يقفون بجانبها. وفي غضون دقائق أتى رجال الشرطة، وعلى الرغم من وجود كاميرات مراقبة بالغرفة سجلت الحدث كاملًا، فقد صدم الأخوان من كتابة سبب الوفاة أنها منتحرة، هلل “وجود” حتى يثبت الحقيقة لكن بدون فائدة؛ فقد اختفت كل الدلائل الممثلة في كاميرات المراقبة؛ لا توجد أي كاميرا من اللاتي كن مثبتات في كل ركن بالمشفى، اقترب شاب غليظ الملامح قوي البنية، يخبره:
– خد أخوك وأمشي لنلبسها ليكم.
زج به “وجود” بكل قوته:
– أنت إزاي تتكلم معايا كده، ما تعرفش أنا ابقى مين.
رد عليه وهو يمسك يده، وأخبره بتهديد:
– مهما تكون أقدر امحيك من على وش الدنيا.
أمسك “مستقبل” أخاه وأبعده عنه بقلق:
– أخدت نصيبها.. محموق أوي عليها ليه؟
– مستقبل مهما عملت، هجيبلها حقها.
قالها بعصبية وهو يبتعد عن أخيه، وقبل أن يمسك بالرجل مرة ثانية، أطاح به أرضًا بعدما استقبلت رأسه ضربة قوية، جعلته لا يستجيب لأي نداء من أخيه الذي فقد عقله وصوته من كثرة الصراخ حتى يستجيب له أخوه حتى بحركة.
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غرورها جن جنوني)