رواية غرام في المترو الفصل العاشر 10 بقلم ولاء رفعت علي
رواية غرام في المترو الجزء العاشر
رواية غرام في المترو البارت العاشر
رواية غرام في المترو الحلقة العاشرة
تجلس في هيئتها و هندامها الجديد، ترتدي ثوب أبيض مزدان بالورود الحمراء، وشاحها الأحمر القاني زاد من جمالها الذي كان مدفوناً في التجول والبيع في القطارات.
كان المسئول يلقي عليها الأسئلة الروتينية في مقابلات طلب الوظيفة، لاحظت غرام جميع الأسئلة تتميز بسهولة ربما هذا عن قصد من مسئول التوظيف لا سيما بعد وصاية خاصة من الأخوين نور ويوسف.
وفي نهاية المقابلة ابتسم المسئول ويخبرها
“ألف مبروك يا آنسة غرام، أهلاً وسهلاً بيكي في الشريف جروب”
“بالسرعة دي؟!، ده أنا اسمع أن في أي شركة بيردوا بعد الانترفيو سواء بالموافقة أو الرفض بعد فترة مش وقت المقابلة علي طول”
نظر عبر الحائط الزجاجي نحو الرواق إلي يوسف الذي كان ينتظرها في الخارج، أخبرها
“البركة في مستر يوسف”
ألتفت خلفها فوجدت يوسف يبتسم إليها، و كم هي ابتسامته ساحرة، حاولت تشتت ذهنها من الوقوع في أحلام بعيدة المنال، فيكفي ما فعله من معروف و دين لن تنساه بتاً.
خرجت إليه فقال لها
“ألف مبروك”
“الله يبارك في حضرتك، بس أنا برضو لحد. دلوقت مش فاهمة هاشتغل إيه”
“مبدأياً كدة ياريت نشيل أي ألقاب و كلمات زي حضرتك و يافندم طول ما إحنا مع بعض، إما بالنسبة لشغلك هتبقي السكرتيرة أو المساعة الخاصة بيا و هتبقي برضو المسئول التاني من بعدي في قسم الـ Marketing”
تدلي فكها في صدمة، يخبرها بوظائف لم ترَ مثلها سوي في التلفاز فقط
“بس أنا مافهمش حاجة في السكرتريا أو التسويق”
اعتدل من ياقة قميصه بزهو يقول لها
“أنا هعلمك كل حاجة، و أنتي شاطرة وهتتعلمي كل حاجة بسرعة”
تراقص قلبها من السعادة، أخيراً فتحت الدنيا لها ذراعيها، تدعو ربها أن لا يقابلها عثرات تقذف بها إلي الهاوية.
و هناك مَنْ كان يراقب صديقه والفتاة التي يخمن أين رآها من قبل، عبر من أمامه مسئول التوظيف أوقفه يسأله
“هي مين اللي واقفة هناك مع يوسف؟”
أجاب الآخر
“خد بالك يا رامي، غرام دي تبع مستر يوسف ومستر نور، متوصي عليها جامد منهم، الله أعلم شكلها قريبتهم أو من معارفهم”
“اسمها غرام، حلو، حلو أوي كمان”
همس بها وينظر نحو غرام بنظرة يشوبها الغموض والرغبة في خطف الصيد الجديد قبل أن يقع في يد صاحبه.
※ ※ ※
انتهت ابتسام للتو من الشراء في السوق وفي طريق عودتها، كانت شاردة في أمر حسن الذي أخبرها إنه سيتحدث مع شقيقتها في أمر هام وعندما سألته خشية من أن يخبر شقيقتها بأمر عثمان فطمئنها حسن وقال لها لا تقلق وستعلم لاحقاً كل شيء.
توقفت فجأة عن السير عندما وجدت المقبل عليها أعلي الدراجة النارية، يبتسم إليه و هبط علي الأرض
“عثمان لو سمحت عايزة أروح بسرعة عشان أمي مستنياني، و لو حد شافنا من أهل الحارة سيرتنا هتبقي علي كل لسان”
أخبرته بذلك وكانت ملامحها جادة، ظل مبتسماً و عقب علي أسلوبها الذي ضايقه لكن أسر ذلك في نفسه
“أنا عارف إنك زعلانة مني و مش طيقاني عشان اللي حصل في البيت المهجور، و قصدت ما اقربش منك و لا أكلمك طول الفترة اللي فاتت لحد ما تهدي، و جيتلك النهاردة عشان أقولك إن أنا خلاص هسافر، عنتر بعتلي أشتغل معاه في الكويت، و أنا بصراحة فرحت جداً عشان شغلي برة هيخليني أعرف أجهز شقتي من كل حاجة و مش هخلي خالتي عزيزة تشتريلك حتي إبرة و شنطة هدومك كمان عليا”
“بس أنا… ”
رفع يده لتصمت وتابع هو حديثه
“إحنا مش هنتجوز لا السنة دي و لا الجاية و لا اللي بعدها، أنا مع أول أجازة ليا هخطبك و نكتب الكتاب و بعد ما تخلصي الكلية نتجوز، أظن مفيش أريح من كدة، و لا إيه؟”
هزت رأسها وعقبت باقتضاب
“إن شاء الله”
“أنا كل اللي عايزه منك تاخدي بالك من نفسك أوي، ملكيش دعوة بحد و لو حد ضايقك أخويا عاطف مكاني هيجبلك حقك وقتها”
“ماشي”
“و حاجة أخيرة، هابقي أطمن عليكي كل يوم علي الواتس أو الفيس، ياريت تردي عليها ساعتها و تطمنيني عليكي”
نظر إلي هاتفها ذو الطراز القديم وأخبرها مردفاً
“أول قبض ليا إن شاء الله هابعتلك موبايل و هايكون من إختيارك”
“سافر أنت بس بالسلامة، و أنا هاتصرف و أكلمك”
“هتوحشيني”
“و أنت كمان”
لاحظ تغيرها الطارئ و ظن أمر أخر
“أنتي زعلانة أوي كدة عشان هسافر؟”
أخفت توترها خلف ابتسامة زائفة
“لاء مش زعلانة، أنا أتفاجئت بس بموضوع سفرك، و فرحانة جداً، أديك هترتاح من شغلانة صبي الميكانيكي في الورشة”
“يعني أنا هاروح أشتغل مدير شركة هناك، أنا هاشتغل حاجة من الأتنين يا نقاش يا هاغسل صحون في مطعم”
“مش مشكلة، طالما بالحلال خلاص”
صدح رنين هاتفها باسم شقيقتها، انتفضت وهمت بالذهاب
“غرام بترن عليا شكلها رجعت، معلش أنا مضطرة أسيبك، سلام”
وركضت سريعاً وكأن الاتصال جاء لها نجدة من الوقوف أمام عثمان والاستمرار معه في وعود ستنتهي قريباً.
※ ※ ※
و ها قد جاء أول يوم في العمل لها، كانت تشعر بالفرح ويخفق قلبها من فرط السعادة أخيراً ستعمل في وظيفة مرموقة بدلاً من التجول في القطار والتعرض للمضايقات من المارة ورجال الأمن في المحطات.
“صباح الخير”
ألتفت إلي صاحب الصوت وابتسمت
“صباح النور يا مستر يوسف، يارب أكون جيت في ميعادي مظبوط”
نظر إلي ساعة يده
“جاية بدري عشر دقايق عن ميعادك ده أنتي كدة هتبقي قدوة لزمايلك”
ضحكت وقالت
“هو بس عشان أول يوم”
“لاء، خدي بالك أنا في الشغل أسألي عني، جد جداً و بحب المواعيد المظبوطة”
“ما تقلقش حضرتك، إن شاء الله هاجي علي طول في ميعادي”
نهض من خلف مكتبه
“تعالي معايا لما أعرفك بالبيج بوص، رأفت بيه الشريف”
ذهبت خلفه فوجدت أنها أمام غرفة مكتب صاحب هذا الصرح، انبهرت بكل ما تري من حولها من رقي وشموخ من أثاث و ديكور.
طرق الباب و ولج بعد إذن والده له بالدخول، وجد سوزي تقف جوار والده بقرب مبالغ وتميل نحوه بجرأة سافرة غير مبالية لنظرات يوسف الحادة إليها
“تعالي يا يوسف، كنت لسه هاكلمك عشان عايزك”
نظر إلي سوزي وأشار لها
“أتفضلي أنتي علي مكتبك”
“أمرك يا رأفت بيه”
غادرت الغرفة فألتفت يوسف إلي والده
“بابا أنا أول حاجة بعتذرلك عن كلامي معاك المرة اللي فاتت و… ”
“خلاص يا يوسف، مفيش داعي نقلب في اللي فات، كونك أنك تنقذ الشركة من خسارة كبيرة ده كفيل يمحيلك أي أخطاء و يخليني أسامحك، نور أخوك حكالي علي كل حاجة، و عرفت أنكم عينتم البنت اللي اسمها غرام هنا في الشركة”
ابتسم لأن والده اختصر عليه شوط كبير من الحديث
“هي واقفة برة و كنت جايبها عشان حضرتك تشوفها و تتكلم معاها بما أنها بقت موظفة في الشركة”
حدق إليه والده بنظرة غامضة
“و ياريت تحط في دماغك إنها مجرد موظفة في الشركة”
أدرك رسالة والده الخفية من حديثه هذا، نهض ليخبر غرام بأن تدخل، ولجت تتلفت من حولها، تشعر بالرهبة و الخوف، لاسيما عندما وقعت عينيها علي رأفت الشريف، شملها بنظرة سريعة، فهذا الرجل ذو هيبة و وضع يجعل الجميع ينحنوا إليه احتراما له.
نظرت إلي أسفل بخجل
“السلام عليكم يا رأفت بيه”
“و عليكم السلام، أتفضلي يا غرام”
جلست ونظرت إلي يوسف الذي كان يبتسم إليها ثم انتبهت إلي والده
“أنا يوسف حكالي علي كل حاجة، و قالي قد إيه أنك مجتهدة في شغلك و شاطرة، و بما أنك بقيتي مننا هنا، عايز أشوف شطارتك في الشغل، في الشغل و بس”
وصلت إليها الرسالة أيضاً، علمت إنه يحذرها من الاقتراب من نجله، هزت رأسها بنعم
“بإذن الله يا رأفت بيه”
“دلوقتي تقدروا تفضلوا علي مكتابكم”
نهض كليهما، وتشعر برجفة في يديها، ذهبت سريعاً إلي غرفة المكتب الخاص بها دون أن تلتفت إلي يوسف، و ما أن خطت قدمها داخل الغرفة، أغلقت الباب و تلتقط أنفاسها، تشعر بغصة وكأنها ارتكبت ذنباً، لما يحذرها هذا الرجل من أمر تعرف حدها نحوه جيداً، لتدرك أن الحياة ليست وردية هنا، و عليها أن لا تفكر بشيء سوي العمل فقط حتي لا تخسر مصدر رزق وفير لأسرتها.
※ ※ ※
الساعة الحادية عشر ليلاً، تريد الذهاب حتي لا تتأخر عن موعد عملها الجديد، ترتدي ثوب فاضح أسفل العباءة السوداء ظناً منها هذا ما سترتديه في الاستعراض الذي ستقدمه خلف المغني كما أخبرها عوني القرني.
ألقت نظرة علي والدها الذي يغط في النوم و اطمئنت لأنه لا يستيقظ سوي في اليوم التالي ظهراً ستكون قد عادت.
غادرت منزلها وبخطوات أشبه بالركض اتجهت إلي خارج الحارة لا تري الذي يلحق بها منذ أن رآها وهي تتسلل من باب البناء.
استقلت سيارة أجرة ففعل مثلها وقال للسائق
“أطلع ورا التاكسي ده ياسطا”
و بعد قطع مسافة كبيرة توقفت السيارة التي هي بداخلها وبعد أن اعطت للسائق الأجرة،
وجدت الحارس في استقبالها بحفاوة
“يا مرحب يا مرحب بالنجمة الجديدة”
رمقته من أعلي إلي أسفل
“يا سم”
ولجت داخل المصعد و بعد ثواني وصلت أمام باب المكتب، فتحت فتاة أخرى غير التي كانت موجودة بالأمس
“أنتي سماح؟”
أومأت لها الأخرى
“اه، أومال فين عوني بيه؟”
“تعالي أتفضلي أستريحي و استنيه عنده ضيوف وهيمشوا بعد عشر دقايق، تحبي تشربي حاجة؟”
هزت رأسها فهي تشعر بالعطش الشديد
“اه ياريت، عايزة أشرب ميه”
“دقيقة و راجعالك”
ذهبت الفتاة ذات المظهر الغريب، لكن سماح لم تهتم كالعادة فالمال و الشهرة لديها هما الأهم،
عادت الفتاة تحمل صينية يعلوها كوب من العصير و آخر ماء
“اتفضلي”
“شكراً”
تناولت كوب الماء ارتشفت القليل ثم أخذت العصير تشربه علي دفعة واحدة وكأنها تشعر بالحيوية بعد التوتر والقلق.
في الأسفل يصيح عاطف في الحارس
“بقولك أنا عايز أعرف اللي طلعت دلوقتي دي في أنهي دور؟”
“و أنا بقولك معرفش، و ماشوفتش حد طلع هنا، يلا أتكل علي الله بدل ما أندهالك الرجالة يطلعوك بمعرفتهم”
“طيب إيه رأيك أنا مش ماشي من هنا غير لما أعرف هي فين و طلعت لمين”
حدق نحوه الحارس بوعيد
“بقي كدة، ماشي أنت اللي جيبته لنفسك”
وفي الأعلى، بدأت تشعر بالخدر في أطرافها و عدم اتزان، أصبحت الرؤية مشوشة لديها و كانت عيون الفتاة ذات المظهر المريب تراقبها، اقتربت منها وحاولت مساعدتها في النهوض
“قومي معايا الضيوف مشيوا”
وقفت بصعوبة واستندت علي ساعد الفتاة وسارت بخطى متعثرة
“أنا.. مالي.. بيحصل.. فيا.. إيه؟”
تفوهت بصعوبة و كأن الخدر اصاب لسانها أيضاً
أجابت الفتاة
“معلش هو تأثير المخدر كدة، بيخليكي ما بين النوم والصحيان و تحسي أطرافك كلها كأنها مشلولة”
ولجت داخل غرفة ذات مساحة كبيرة مليئة بكاميرات التصوير في كل زاوية و إضاءة أزعجت عينيها، رجل يجلس خلف جهاز عرض صغير يذكرها بمشاهد المخرج الجالس خلف الشاشة يراقب المشهد، كما هناك وراء كل كاميرا رجل كل منهم ذو جسد طويل وعريض وكأنهم يعملون في الحراسة.
شعرت سماح بجسدها يلقي علي فراش ذو ملمس حريري، تقوم الفتاة بتجريدها من العباءة ذات المظهر الرديء لتصبح بالثوب القصير العاري وحذائها ذو الكعب المرتفع.
تركتها و ذهبت إلي غرفة قريبة لتخبر هذا الشيطان البدين، وجدته يتحدث في الهاتف
“أوعي تخليه يطلع، أنا هابعتلك الرجالة يخلوه يحرم يمشي من قدام البرج تاني”
أنهي المكالمة ورأي الفتاة تخبره
“النجمة جاهزة يا بوص”
ابتسامة شيطانية علي محياه يتبعها أمراً
“بلغي سام وقوليله النجمة جاهزة وخليهم يبدأوا تصوير”
“أمرك يا بوص”
وبعد أن نفذت أوامر رب عملهم المشين، خرج من الغرفة المجاورة لغرفة التصوير شاب مفتول العضلات، تبدو ملامحه الغير عربية إنه من جنسية أوروبية، يرتدي قميصاً مفتوحة أزراره إلي خصره وبنطلون من الجينز الأسود.
ولج بخطوات استعراضية كعارض الأزياء، صاح هذا الجالس خلف الشاشة
“1 2 3 go”
تسمع أصواتهم و تري هذا الضوء المزعج و المسلط عليها، تريد أن تتحرك لكن غير قادرة علي فعل ذلك، ظهر أمام عينيها رجل يخلع قميصه، تحاول أن تصرخ لا جدوي من ذلك و كأنها داخل كابوس لا تستطيع الاستيقاظ منه، تشعر بكل لمسات و قبضة هذا الرجل الغريب علي جسدها، ينفذ أوامر المخرج وهي بين يديه كالدمية يحركها كيفما شاء تحت أنظار كل من في الغرفة.
و في الأسفل يصرخ عاطف من ألم اللكمات و الركلات الموجهة إليه من رجال عوني، مع كل صرخة يناديها
“سماح”
صراخه مسموعاً بينما صراخها الناتج عن اعتداء الرجل عليها أمام الكاميرات لا يسمعه سواها فقط.
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غرام في المترو)