روايات

رواية غرام في المترو الفصل الخامس 5 بقلم ولاء رفعت علي

رواية غرام في المترو الفصل الخامس 5 بقلم ولاء رفعت علي

رواية غرام في المترو الجزء الخامس

رواية غرام في المترو البارت الخامس

غرام في المترو
غرام في المترو

رواية غرام في المترو الحلقة الخامسة

يستند رأسه علي زجاج النافذة شارداً في سنين حياته الماضية، كيف عاش ما بين الصخب وزحام الحياة بلا هدف، والدته لديها الحق فأنه يبلغ الآن الثلاثين و ماذا فعل خلالها؟!
انتبه إلي يد صاحبه الذي يقود السيارة يعطيه سيجاراً
“ما تفوكك من جو الكآبة اللي أنت فيه يا چو وفرفش وعيش اللحظة”
أخذ السيجار ونظر إليها فسأله
“السيجارة دي عادية و لا؟”
غمز الأخر قائلاً
“و لا طبعاً”
“خد يا رامي بصراحة مليش مزاج”
“ملكش مزاج و لا بطلت؟، ده شكل رأفت بيه قلب عليك جامد أوي، يعني لا معاك عربية و لا كريدت و جاي تقعد معايا”
مزاح صديقه لم يتحمله، زفر بغضب و صاح
“أقف هنا ونزلني”
توقف الأخر و ألتفت إليه يسأله بجدية
“فيه إيه يا يوسف، ما أنت عارف بهزر معاك، لاقيك سرحان و مخنوق قولت أفك عنك شوية”
تأمل يوسف المكان الذي توقف فيه الأخر فسأله
“إيه ده إحنا فين؟”
“أستني خليك هنا و ما تتحركش هاجيب حاجة من واحد و جايلك”
نزل رامي من السيارة وسار نحو شارع مظلم، ينتظره شاب يخفي وجهه بالقبعة، أخرج له شيء من حقيبته وأعطاه إياه فأعطاه الأخر مبلغ من المال
“المرة الجاية هجيلك في المكان التاني أحسن من هنا، اتفقنا يا… ”
أخبره الأخر مبتسماً
“محسوبك سمير العو يا باشا، و لو عايز أي حاجة في أي وقت أديلي تليفون وهتلاقيني عندك”
نزل يوسف من السيارة يستنشق بعض الهواء، لاحظ وجود فتاة تسير نحوه، من مظهرها الفج ونظرتها الجريئة إليه علم لما هي تقترب منه
“أنت رامي بيه؟، ده أنت طلعت حلو أوي”
عقد ما بين حاجبيه وسرعان دار الأمر في رأسه، شعر بالضيق و الحنق من هذا الرامي الذي يقضي حياته في الملذات و العربدة
“ليلتك سودة يا رامي الزفت، أنا إيه اللي خلاني أسيب الفيلا”
جاء رامي و رأى فتاة الليل تقف أمام يوسف
“مش معقول نهي العايقه؟”
ألتفت إليه و صاحت بسعادة بالغة
“يبقي أنت رامي البرنس”
جال ببصره علي جسدها من أعلي إلي أسفل
“بس إيه الحلاوة دي يا بت، ده أنتي طلعتي أجمد من الصور”
زفر يوسف الذي يشعر بـ الازدراء منهما، بالرغم إنه يقضي لياليه في الملاهي الليلية و يحتسي الخمر لكنه لم يفعل الفاحشة يوماً، ربما احتفظ بهذا الأمر أن يكون خاص مع من تشاركه حياته أو زوجة المستقبل الذي لم يجدها إلي الآن، كثيراً من الفتيات يلتفون من حوله لكن جميعهن مثل بعضهن البعض، في الثياب العارية وعمليات التجميل والتي بدلاً من أن تبدي جمالهن بل أظهرت النقيض، كم كره كل ما هو زائف.
“رامي أنا مليش في حواراتك الشمال دي، لو عايز تسهر معاها يبقي خدها في أي حتة بعيد عن البيت”
شهقت الفتاة وقالت
“أخص عليك يا بيه يا حليوة، و أنا اللي كنت ناوية أدلعك، و أخرتها تقول عليا شمال؟!”
“معلش يا نهي أمسحيها فيا أنا، يلا أركبي ورا”
فتح رامي باب السيارة إليها فصاحت
“مش هركب غير لما صاحبك يعتذر الأول”
عقب رامي الذي كاد ينفذ صبره
“يا ستي حقك عليا، أنا اللي شمال إرتاحتي بقي”
أنطلق بالسيارة بين شوارع المنطقة ليجد مخرجاً إلي كورنيش النيل، لكن حظهم السيئ ظهرت أمامهم لجنة تفتيش
“أوبا، يوسف لو معاك أي ممنوعات أرميها من الشباك، وأنتي يا نهي لو معاكي حاجة أرميها”
ردت الأخرى
“الحمد لله معيش ممنوعات”
“بقولكم إيه الظابط لو سألكم هنقول أنك مرات عمي و تعبانة وواخدينك علي المستشفي”
عقب يوسف الذي ود أن يمسك بصاحبه ويلقي به امام رجال الشرطة
“و الله كنت حاسس أن أخرة عمايلك هنلبس في الحيط”
“أكتم بقي يا غراب البين إحنا داخلين عليهم، بت يا نهي أترمي بضهرك لورا وأعملي نفسك بتفرفري”
“حاضر”
و عادت بظهرها إلي الوراء وألقت رأسها وكان لسانها يخرج من فمها، نظر إليها يوسف عبر المرآة وعلق
“دي كدة واحدة مشنوقة مش عيانة، هو يوم باين من أوله ربنا يستر”
“طلع الرخص والبطايق منك ليه”
أمرهما الضابط ثم نظر إلي الفتاة فأخبره رامي بحزن زائف ليثير عطف الضابط نحوهم ويتركه يرحل
“دي مرات عمي يا باشا و تعبانة عاملين نلف بيها من ساعة علي عيادات و الساعة عشرة ونص مش لاقين دكتور”
رفع الضابط شاشة هاتفه ليتحقق من أمر ما وينظر إلي نهي التي تغمض عينيها و ترتعش في آن واحد
“مش كفاية تمثيل يا نهي بقي؟!، ده أنتي مطلوبة بالاسم، يلا يا حلو منك ليه أنزلوا، قال مرات عمك قال”
فتح أحد رجال الضابط باب السيارة وأخرج رامي الذي يتوسل إليهم
“و ربنا يا باشا أنا أول مرة أشوفها”
“بطل ولولة يالاه و مش عايز أسمع صوتك، في القسم أبقي اتكلم”
و داخل سيارة الشرطة، يجز يوسف علي أسنانه، و يضم قبضته
“الله يلعنك يا رامي، شوفت عملت فينا إيه؟!”
لوح الأخر دون مبالاة
“يا عم أسكت بقي مش ناقصاك، مكنتش اعرف ده هيحصل”
عقب يوسف بغيظ شديد
“شكل البت دي وراها بلوه طالما معمول كمين مخصوص عشانها، ربنا يستر و ما ياخدوناش بذنبها ”
صاحت رامي من بين أسنانه
“اسكت، كفاية بقي”
“أتلم منك ليه خلي ليلتكم تعدي”
كان صوت العسكري الذي فاض الأمر به منهما
※ ※ ※
في المخفر تقف أمام مكتب الضابط حول رسغها صفد معدني متصل بأخر حول يد رجل الشرطة، تبكي والدتها و تنوح، تربت شقيقتها علي ظهر والدتها لتهدأ
“ما تخافيش يا غرام، بإذن الله مفيش حاجة والمحامي يبقي ابن عمي، أنا حكيتله كل حاجة زي ما هند قالتلي، و إن شاء الله هتخرجي”
“يا جمال أنا مظلومة، و زي ما هند قالتلك عملت محضر في الزفت اللي اسمه رجب”
“طب معاكي صورة من المحضر؟”
“في البيت”
سألتها ابتسام
“قوليلي حطاها فين و أنا هاروح أجيبهالك بسرعة قبل ما المحامي يجي”
اجابت غرام بعد أن قامت بمسح دموعها بالمحرمة
“هتلاقيها تحت هدومي في الدولاب، أول رف و هتلاقي جمبهم فلوس هاتيهم وتعالي بسرعة”
“عشر دقايق و هاكون عندك إن شاء الله”
أوقفها جمال قائلاً
“استني يا ابتسام أنا جاي معاكي أوصلك”
“شكراً يا جمال، مفيش داعي أنا هاروح و أجي بسرعة”
أطلقت ساقيها للريح، بينما ما زالت غرام في الانتظار، انتبهت إلي صياح إحدى رجال الشرطة يدفع ببعض المتهمين
“اوقفوا هنا لحد ما أدخل للظابط”
تشدقت نهي بصوتها النافر
“موبراحة يا شويش، ده لو مش عشاني، يبقي علي الأقل عشان البهوات دول”
عقب يوسف يزجرها بنظرة تحذيرية
“اسكتي مش عايز اسمع صوتك، مش كفاية جابونا هنا بسببك؟!”
“هو أنا ضربتك أنت وصاحبك علي إيديكم عشان تاخدوني معاكم؟!، لاء يا حبيبي كان كله بالاتفاق ورسايل صاحبك معايا علي الواتس أكبر دليل”
كان كلا من غرام و جمال ووالدتها يستمعون و يرون ما يحدث، أدركت غرام التهمة التي جاءوا بها إلي هنا، حدقت إليهم بازدراء مما لفت انتباه نهي والتي وبختها
“مالك أنتي كمان بتبصيلنا بقرف كدة ليه؟!، بصي علي قدك يا حلوة، ما أنتي متكلبشة زيك زينا، و مش بعيد جاية آداب، يعني الحال من بعضه يا عينيا”
زفر رامي بضيق من هذه النهي فصاح
“ما خلاص يا ست نهي، مش كفاية متكلبشين بسببك، أهي دي آخرة الشمال”
دنا جمال وأخبر غرام
“ملكيش دعوة بالأشكال دي و ما ترديش عليها”
استرقت نهي السمع فثارت كالعاصفة
“أشكال مين يا دلعدي…
لم تتحمل غرام أكثر من ذلك فمدت يدها بقدر مستطاع قائلة
“بت أنتي أنا ساكتة لك من الصبح و ربنا ما أنا سيباكي”
حاول جمال منعها وكذلك والدتها، وقف يوسف حائل بينهما حتي لا تشتبك كلتيهما معاً، كان ينظر إلي غرام تلك الشرسة فكانت تدفعه من أمامها لتنال من نهي، لكنه كان يتمتم بكلمات غضبها جعلها لا تسمعها
“اهدي يا آنسة، ما ينفعش اللي بيحصل ده خالص”
و عدم سماعها جعله ضاق به ذرعاً فصاح بغضب عارم
“كفاية بقي”
توقفت وتراجعت تستند إلي الحائط علي نقيض توقع والدتها التي خشيت أن ابنتها تقبض علي تلابيب هذا الشاب لأنه صرخ في وجهها بغضب.
قام عامل بمناداة كلا من نهي و رامي و يوسف
، و تبع قوله بأمر
“يلا أدخل منك ليها”
ذهب ثلاثتهم بينما كان يوسف ينظر إلي غرام التي تحدق إليه بامتعاض و حنق في آن واحد
※ ※ ※
أخذت ابتسام الورقة والمبلغ الذي كان في خزانة شقيقتها فغادرت المنزل مسرعة، أوقفها نداء عثمان
“ابتسام، استني عندك”
توقفت حتي لا يلفت الأنظار بمناداته لها
“هو البوليس جه خد غرام ليه؟”
أخبرته علي عجالة
“لما نرجع إن شاء الله هبقي أقولك، أصلي مستعجلة معلش”
و انطلقت من أمامه كالزئبق، تعبر الطريق المؤدي إلي الشارع الرئيسي حيث يوجد قسم الشرطة، لم تنتبه إلي السيارة التي كادت تدهسها وصوت الزمور الذي لفت أنظار الجميع، نزل من سيارته فتفاجئ إنها هي، قد قفزت علي الرصيف بأعجوبة، همت بالنهوض فوجدت يد رجولية تمتد إليها
“معلش ما أخدتش بالي و أنتي طلعتي فجأة في… ”
تلاقت عينيها بعينيه
“مستر حسن؟”
أخذ يتفحصها جيداً بخوف يسألها والقلق يغزو ملامحه
“أنتي كويسة؟”
ابتسمت بخجل وأخبرته، كما تريد أن تتهرب من أمام بصره حيث كلما تجده ينظر إليها تشعر بالتوتر
“الحمدلله أنا بخير، أنا لما لاقيت العربية كانت هتخبطني رميت نفسي علي الرصيف”
“لو حاسة بأي وجع تعالي أخدك علي أقرب مستشفي”
“مفيش داعي يا مستر، الحمدلله أنا كويسة، عن إذنك”
وجدها تتجه إلي باب المخفر فأوقفها يمسك ساعدها
“أنتي داخلة القسم ليه؟”
فنظرت إليه بدهشة لاسيما نحو قبضة يده علي ذراعها، شعر بالحرج وتركها، تحمحم
“أنا آسف”
قلبها يخفق من الخجل والحرج في آن واحد
“و لا يهمك يا مستر، أنا داخلة لـ…”
“ابتسام؟”
قاطعها نداء جمال الذي خرج للتو ينتظرها، تقدم منها وهو ينظر إلي حسن باستفهام، بينما الآخر يحدق نحوه بضيق، ابتلعت ابتسام ريقها وأشارت لجمال نحو الآخر
“مستر حسن مدرس الإنجليزي”
ثم فعلت العكس، و لا تعلم لما تبرر موقفها أمام حسن!
“أبيه جمال يبقي جارنا وخطيب هند صاحبة غرام أختي”
أومأ جمال له قائلاً
“أهلاً وسهلاً يا أستاذ”
ثم سأل إبتسام
“جيبتي الحاجة؟”
رفعت الورقة من داخل حقيبتها الصغيرة
“اه جبتها وجبت الفلوس، هو المحامي جه؟”
زفر الآخر بسأم
“أتصلت عليه عشان استعجله بيكنسل، أنا هخطف رجلي لمحامي تاني معرفة، أدخلي أقفي مع غرام و مامتك عقبال ما أجي”
تدخل حسن بعد شعوره بأن هناك خطب ما يخص عائلة ابتسام
“أنا مش فاهم حاجة، بس لو عايزين محامي شاطر وجمبينا في المعادي”
و في غضون ثلاثين دقيقة قد اتي المحامي صديق المُعلم حسن، شرح له جمال كل ما حدث وقدم له صورة المحضر التي أحضرتها ابتسام، و بكل سلاسة ومهارة أمام الضابط نجح المحامي في اظهار الحقيقة أمام الجميع وبعد ضغط الضابط علي المدعو رجب و بمواجهته بما فعله في غرام مسبقاً فاعترف بكل شيء.
ينظر بخوف مستسلماً
“أيوة أنا اللي دبرتلها موضوع السرقة عشان ماتعتبش المحل تاني وتحكي لأختي علي اللي حصل”
نهضت شقيقته التي كانت تجلس أمام مكتب الضابط وصاحت بغضب عارم
“يخربيتك، إيه يا أخي دي تالت و لا رابع مرة تعملها، و أنا زي الهبلة كل ما أجيب واحدة تسوقلنا البضاعة تقوم تطفشهالي ولما أسألك تقولي حرامية، أتاري كنت بتداري علي وساختك للتفضح قدامي”
“اهدي يا مدام رشا، أموركم تناقشوها في البيت”
تدخل الضابط قائلاً ما سبق فأجابت الأخري
“معلش يا باشا غصب عني، علي طول ما بيجليش من وراه غير المصايب لكن توصل لحد أكل عيشي، يبقي خلاص كل واحد يروح لحاله، و ياريت تحبسه عشان أنا قرفت منه”
رمقها شقيقها بعتاب في مشهد هزلي
“بقي كدة يا رشا؟!، ده أنا أخوكي اللي مالكيش حد غيره في الدنيا”
نظرت بازدراء إليه
“جاتك خو، و أعمل حسابك لو اتكتبلك تخرج من هنا ما أشوفش وشك تاني و ملكش حاجة عندي، أنسي إن ليك أخت خالص”
ألقت عليه كلماتها ثم تابعت
“معلش يا حضرة الظابط، أنا هتنازل عن محضر السرقة”
تنهد الضابط وأخبرها
“تمام يا مدام رشا، بس أخو حضرتك هيشرف معانا عشان محضر التحرش ومحاولة التعدي علي الآنسة غرام”
و بعد قليل…
خرج رجب برفقة العسكري مقيد بالأصفاد، و خلفه غرام والمحامي، ركضت كل من ابتسام و والدتها
“إيه الأخبار طمنينا؟”
تحدث المحامي بدلاً من غرام ليخبرهم
“مدام رشا أتنازلت عن المحضر بعد اعتراف أخوها بكل حاجة”
صاحت عزيزة داعية
“الحمدلله يارب أنت اللي عالم بحالنا، تسلم يا بيه علي وقفتك مع بنتي”
ابتسم الأخر وقال
“العفو يا أمي، أنا معملتش غير الواجب، كفاية أنكم معارف الأستاذ حسن، أعز أصدقائي”
ألتفت غرام نحو حسن و حدقت إليه بامتنان
“شكراً يا أستاذ حسن”
ابتسم الأخر وعقب مرحباً
“مفيش بين الأهل والحبايب شكر، و ربنا يعلم أنتم بالنسبة لي إيه”
و طيف نظرة من عينيه نحو ابتسام التي ارتبكت و خالجها التوتر، لم تغفل غرام عن ما حدث للتو
“تسلم يا أستاذ حسن”
“مش كدة خلاص خلصنا و نقدر نروح؟”
سألتهم عزيزة فأجاب المحامي
“اه طبعاً يا حاجة تقدروا تروحوا”
فقال جمال
“يلا بينا يا خالتي أنا راكن التوكتوك بره”
فتدخل حسن
“معايا عربيتي برة تعالوا هوصلكم كلكم”
عقبت غرام بعد أن ألقت نظرة علي شقيقتها
“مش عايزين نتعبك معانا يا مستر أكتر من كدة”
“تعبكم راحة، أتفضلوا معايا”
ذهب كل من غرام و شقيقتها التي تتشبث في ذراع شقيقتها، كانت تخشي أن يخبر حسن غرام عن مقابلتها بعثمان و ركوبها خلفه الدراجة النارية، لم تترجم ماهية نظرات حسن بعد!
و في الرواق و هم يغادرون، تقابلت عينين غرام بخاصة يوسف الذي كان يجلس القرفصاء بجوار رامي الذي كان يجلسه مثله ويضع كفيه علي وجهه في انتظار المحامي.
※ ※ ※
تلملم والدة عاطف الخضروات في جوال بلاستيكي، رأت نجلها يقف أمام باب البناء ينفث دخان سيجاره وينظر نحو شرفة منزل سماح، كم ألمه حديثها المهين له، انتشلته والدته من براثن أفكاره
“أنت لسه واقف هنا، أنا افتكرتك روحت مع جمال ورا عزيزة و بناتها”
نفث الدخان من فمه قائلاً
“أنا متابع مع جمال علي التليفون، خرجوا و جايين في الطريق”
“و إيه اللي حصل؟”
“الست اللي بتاخد منها غرام شغل اتهمتها إنها سرقت منها مبلغ، و طلع في الأخر أخوها اللي عامل الحوار ده واعترف، فأفرجوا عن غرام”
“لا حول و لا قوة إلا بالله، ولاد الحرام ما بيخافوش ربنا، ده البت غرام يا عيني هي و أمها وأخواتها غلابة، من بعد موت أبوهم و الدنيا عمالة تلطش فيهم، يارب يا غرام يرزقك بابن الحلال اللي يهنيكي يا بنتي”
عقبت والدته حديثها بنظرة ما نحو ولدها الذي يعلم ماذا تقصد، نفث الدخان ثم ألقي بقايا سيجاره فدعس عليها بقدمه
“كل واحد بياخد نصيبه ياماه”
نظرت إليه بامتعاض تسأله بتهكم
“و نصيبك بقي سماح بنت مليجي، اللي سيرتها علي لسان الصغير والكبير في الحارة؟!”
كاد يتفوه لكنها تابعت مقاطعة إياه
“أقسم بالله لو صممت ونفذت اللي في دماغك يا عاطف لا أنت ابني و قلبي هيبقي غضبان عليك ليوم الدين”
زفر بحنق و بنفاذ صبر أخبرها
“من غير تهديد ياماه، الموضوع أصلاً انتهي من قبل ما يبتدي، و السبب فَرشة الفجل والجرجير اللي ملهاش أي لازمة لأننا الحمدلله أنا وأخواتي مش مخلينك محتاجة أي حاجة وبرضو ماسكة في بيع الجرجير”
رأت الغضب في عينيه وتهكم لاذع في حديثه
“ما له الفجل والجرجير يا عين أمك؟!، مش دول اللي علموك أنت وأخواتك وأتربيتوا لحد ما بيقتوا رجالة؟!”
لم يجد قول مناسب أو الدفاع عن موقفه الضعيف، فاستطردت والدته
“لتكون الحلوة أم عباية محزقة و شعرها طالع من نص الطرحة عايرتك بيا؟!، مش أحسن من أبوها الحشاش اللي عايش عالة علي ولاده ده غير رباهم من الحرام؟!، كفاية شوالات الدقيق المدعم اللي كان بيبعها من ورا صاحب كل فرنة يشتغل فيها، فوق يا ابن بطني لنفسك و متخليش حتة بت ما تسواش تترسم عليك و لا تعايرك، أنا ست بميت راجل من عينة أبوها، شقيت عليكم من وأنت وأخواتك لسه عيال بتلعبوا في الحارة، لا عمري مديت إيدي لحد و لا استلفت جنيه، و البيت ده”
ربتت بحدة علي حائط منزلهم
“كل طوبة اتبنت فيه من الفجل والجرجير اللي مش عاجبينك”
اقترب منها قائلاً
“خلاص ياماه حقك عليا، أنا بس كنت مخنوق و جت فيكي، أنا آسف”
قام بتقبيل رأس والدته التي قالت له
“ربنا يهديلك قلبك يابني ويرشدك للصح، قادر يا كريم”
※ ※ ※
حل الصباح وضربت أشعة الشمس عينين أحلام التي غفت في غرفة صغيرها، تشعر بألم في أنحاء جسدها تتذكر ليلة الأمس…
علمت للتو من جارتها عبر الهاتف بأن الشرطة جاءت وقاموا بالقبض علي شقيقتها، جن جنونها و أرادت أن تذهب لتطمئن عليها أو تقدم المساعدة لها، ارتدت عباءتها واستعدت للذهاب، تحمل صغيرها وتفتح باب المنزل فوجدت زوجها قد عاد للتو وكالعادة ثملاً، قبض علي ذراعها ودفعها إلي الداخل
“رايحة فين و من غير استئذان يا…. ”
“سيب دراعي للواد يقع مني يا سمير، هاكون رايحة فين، مليش غير أهلي اللي رايحة ليهم”
“مش هاتروحي في حتة و يلا غوري علي جوة”
دفعها مرة أخري بقسوة فوقعت وتحتضن صغيرها بين يديها، تأوهت من الألم تاركة ابنها برفق، صاحت بألم
“يخربيت الزفت اللي كل ليلة بيخليك راجع بالمنظر ده وتبهدل فيا كدة”
حاولت أن تنهض مستندة علي الكرسي فوقفت
“إيه رأيك والله لأنا رايحة وأعلي ما في خيلك أركبه”
اتسعت عيناه بشرٍ، فبالرغم أنه ثملاً لكن خصاله السيئة في حالة وعي ويقظة، اقترب منها
“بتقولي إيه يا بنت الـ…، أصلي ما سمعتش”
آهه اخترقت سمع كل من يقطن في البناء و من يسير في الخارج، ذاك أثر ما فعله بها الآن، جذبها من وشاحها يسحبها كالشاه إلي غرفة النوم
“صوتي يا بنت عزيزة صوتي، أنتي لسه شوفتي حاجة”
أغلق الباب تاركاً صغيرهما في الخارج يبكي و يردد منادياً علي والدته و الذي قام والده بدفعها للمرة الثالثة فوق الفراش، فتراجعت بخوف تتوسل إليه وهي تراه يخلع طوق بنطاله
“خلاص يا سمير، أنا آسفة، والله ما هكررها تاني، أبوس إيدك بلاش الحزام”
“ما أنا مش هخليكي حتي تفكري تكرريها تاني، و لازم تتأدبي”
صرخاتها تتردد ما بين جدران الغرفة، كلما تهرب من أمامه وتحتمي في ركن من أركان الغرفة الأربعة، يجذبها بقسوة من خصلات شعرها بعد أن جذب وشاحها بعنف ضاري و إبرة المشبك قد جرحت جانب عنقها.
كما تكرر هذا المشهد و مازالت تتمسك بهذا الشيطان والحُجة التي لا تنطلي علي طفل صغير إنها تحبه، فكيف ذلك؟!
عادت من فلك ذاكرتها، تنعي حظها كيف تتحمل هذا الرجل الذي لا تعرف الرحمة درباً إلي قلبه.
نهضت بثقل تتحمل آلام كل إنش بجسدها، ذهبت إلي الحمام لعل المياه الدافئة تخفف و لو قليلاً من الألم الذي ينهش بها.
و في طريقها رأته يتمدد علي الأريكة في الردهة يغط في النوم، لفت انتباهها متعلقاته التي تساقطت علي الأرض، فكانت من بينها مُدية، دنت لأخذها وقامت بفتحها وإشهار النصل الحاد، تفكر في التخلص منه لكن ماذا بعد؟!
جافلتها حركة مفاجئة منه، فكان يتقلب علي جانبه الأخر، ألقت المدية برعب وركضت إلي الحمام و أغلقت الباب جيداً، فتحت الصنبور ذو الثقاب المتعددة، خلعت ثيابها ووقفت أسفله، تنظر إلي آثار الطوق علي ذراعيها وتبكي فتختلط دموعها بالماء.
※ ※ ※
ينظر نور في ساعة يده ذات التكنولوجيا الحديثة، مدت زوجته ذراعيها تعانقه من الخلف
“لابس بدري كدة و رايح علي فين؟”
استدار ليصبح أمامها يبتسم بسخرية
“يعني هاكون رايح فين علي الصبح يا كوكي؟!”
ضيقت عينيها و بمكر تخبره
“ما أنا عارفة أنك رايح الشركة، بس مش عادتك تمشي بدري حتي قبل ما أونكل يصحي، و لا تكون رايح تطمن تشوف السكرتيرة الجديدة جت في ميعادها و لا أتأخرت”
ولي ظهرها إليه ليخفي عنها التوتر الذي غزي ملامحه للتو
“و أنا مالي و مال السكرتيرة، هي مساعدة بابا مالهاش علاقة بيا”
عقدت ساعديها أمام صدرها قائلة
“أتمني”
يدرك المغزى من وراء ما قالت، لا يريد الجدال في هذا الأمر معها لأنها سوف تكشف خبايا مكنونه بسهولة و من خصاله يخشى المواجهة أو يكون في وضع المخطئ سواء أمامها أمام والديه.
“لو فيه حاجة أبقي كلميني، سلام”
تركها وغادر الغرفة، تذكر أمر شقيقه الذي يمكث لدي صديقه، قام بمهاتفته و الأخر أجاب بعد رنين استمر لثواني عديدة
“ألو يا يوسف؟”
أجاب الأخر وأثر النوم علي صوته بادية
“فيه حاجة يا نور؟، ماما كويسة؟”
“و ليك نفس تنام بعد اللي عملته امبارح؟”
استمع إلي زفرة نابعة من شقيقه الذي سأله بضجر
“نور، أنا مش فايقلك، وياريت ما تكلمنيش غير لما تكون فيه حاجة مهمة”
“تصدق أنا غلطان بكلمك عشان أطمن عليك و أقولك كفاية لعب العيال بتاعك و أرجع، لكن هقول إيه بس، بابا عنده حق لما قالك إنك دلوعة وتربية ماما”
كانت إجابة الأخر إنهاء المكالمة دون إنذار، زفر نور بحنق و يجز علي أسنانه متمتماً
“ماشي يا يوسف، شوف مين اللي هيخرجك من أقسام و لا أي داهية تاني”
※ ※ ※
تضع عزيزة أطباق الطعام علي المنضدة وتنادي علي ابنائها، فكانت غرام تتظاهر بالنوم، فما حدث افقدها النعاس منذ الأمس و كذلك الشهية، فهي لم تلج إلي مخفر أبداً من قبل سوي عندما قامت بتقديم بلاغ في رجب فقط، لم تعلم أن الأمر سيتطور إلي تلفيق مصيبة كانت ستقضي علي مستقبلها ومستقبل أسرتها.
و علي الجهة المقابلة تقف ابتسام أمام قطعة المرآة المعلقة علي الحائط، تضبط من هندمها وتتذكر نظرات حسن لها طوال الطريق حتي طلبت منه غرام أن يتوقف بالقرب من الحارة، حتي لا تتشدق الألسنة بالقيل والقال.
لما كلما تنظر إليه عينيه تشعر بالرهبة، و لهفة تنضح منه لكن يخفيها خلف وجه صارم أحياناً أخري بالأحرى عندما يراها برفقة عثمان.
انتبهت إلي صوت اهتزاز يأتي من هاتفها، تعلم من المتصل دون أن تلقي نظرة علي شاشة الهاتف فمن غير يتصل بها كل صباح ليطمئن عليها ويقوم بإيصالها إلي المدرسة.
“ابتسام؟”
سرعان استدارت وجدت غرام نهضت وجلست تنظر إليها، ابتلعت لعابها خوفاً من أن تسألها من المتصل
“صباح الخير يا غرام، ماما كانت عمالة تنادي عليكي عشان تفطري”
أشارت الأخرى إليها بجوارها
“تعالي أقعدي عايزاكي في حاجة”
جلست وتشعر بالقلق حتي تلاشي عندما ابتسمت غرام إليها و تخبرها بما لا تتوقعه بتاتاً
“و الله و كبرتي يا بوسي، وبقيتي بتتحبي كمان”
“أتحب؟، قصدك إيه؟”
قامت بالضغط علي خدها بأصبعيها
“مستر حسن أبو علي”
صدمة أخري، فكانت تظن أنها ستسألها عن عثمان
“ماله مستر حسن؟”
“ده ماله و حاله متشقلب من ساعة ما أتعين السنة دي في المدرسة عندكم، و لا نظرات عينيه اللي كل ما يبصلك بتقول شعر و مواويل”
تدلي فكها و لم تكن لديها قدرة علي استيعاب ما تلقيه عليها شقيقتها
“إيه اللي بتقوليه ده، إيه اللي هيخلي واحد زيه في مركزه يبص لتلميذة عنده والفرق ما بينهم عشر سنين؟!”
وضعت غرام ذراعها علي كتفي شقيقتها
“و إيه العجيبة في كدة يعني، كلها كام شهر و هاتدخلي الجامعة إن شاء الله وهو باين عليه إنه محترم و ابن أصول، و أنا من خبرتي في البني آدمين بقولك إنه بيحبك و وقفته معانا إمبارح تمهيد إنه عايز يقرب مننا و يدخل البيت من بابه”
تشعر بانقباضه في قلبها عندما سمعت ما سبق، بالطبع تتمني زوجاً مثل حسن كما تطمح دائماً، لكن هناك عائق بل سداً منيعاً لا يمكن أن تتجاوزه بسهولة، فإذا علم عثمان بحرف من حديث غرام لا تضمن ماذا سيفعل حينذاك، كم هو متهور وسريع الغضب.
“بس أنا… ”
“سلام عليكو”
قاطعها صياح هند التي ولجت للتو فنهضت ابتسام وكأن مجيء صديقة شقيقتها أنقذها من هذا الحديث
“و عليكم السلام، هاسيبكم بقي ويادوب ألحق بوابة المدرسة ما يقفلوها”
صاحت غرام
“لما ترجعي هنبقي نكمل كلامنا”
لم تقل ابتسام شىء وغادرت علي الفور قبل أن تعطلها والدتها أيضاً
“بقولك إيه يا غرومة أنا ما فطرتش وواقعة من الجوع وخالتي عزيزة جهزت الفطار و ريحة الطعمية المحشية ما تتقاومش، قومي يلا تعالي نفطر ونبقي نرغي في اللي حصل و عندي موضوع عايزة أحكيهولك”
ما كان من غرام سوي الموافقة والذهاب لتناول الفطور مع صديقتها التي تتظاهر بالجوع لتجعلها تأكل بعد أن أخبرتها عزيزة عندما أتت بعدم تناول ابنتها الطعام منذ الأمس.
طرقات علي الباب فسألت هند بأسلوب الدعابة
“ده مين اللي حماته بتحبه جاي علي الصبح كدة؟”
فتحت غرام فوجدت الطارق شقيقتها فعقبت الأولي بسخرية وتحمل الصغير منها
“الله يرحمها أم سمير ماتت بعد ما بليتنا بابنها”
لم تعلق أحلام علي تهكم شقيقتها، لديها حق فزوجها بلاء بل ولعنة أصابتها ولم تقدرعلي قلبها أن تخلصه من تلك اللعنة.
جلست معهم و نظرت إلي الطعام دون شهية فقالت والدتها
“مدي إيديكي يا قلب أمك و كولي، أنا عاملة الطعمية المحشية اللي بتحبيها”
و قبل أن تبدأ في تناول الطعام نظرت إلي غرام وسألتها
“هو صح اللي سمعته إمبارح؟”
تركت غرام الخبز وأجابت
“أيوة، و الحمدلله الموضوع عدي علي خير وأديني قدامك أهو”
لم يكن لديها رغبة في الحديث عن كل تفاصيل ما حدث، لا تريد أن تزيد من هموم شقيقتها فيكفي همها مع زوجها الفاسد.
هزت أحلام رأسها في صمت، لكن لفت نظر شقيقتها الوشاح الذي يخفي منتصف جبهتها و كاد يصل إلي شفتيها.
“ماما؟”
تحرك الصغير من فوق فخذي خالته، يمد ذراعيه إلي والدته، رفعت أحلام ذراعيها لتأخذه فانحصر طرف كم عباءتها عن ساعديها.
خلعت لها الوشاح لتري ما يخفيه اسفله فاتسعت عينيها وتبادلت كلتيهما النظر، فكانت عينان أحلام تنضح بالانكسار بينما غرام تشتعل عينيها بألسنه من اللهب تنذر بعاصفة علي وشك الحدوث.

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غرام في المترو)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى