روايات

رواية غرام في المترو الفصل الأول 1 بقلم ولاء رفعت علي

رواية غرام في المترو الفصل الأول 1 بقلم ولاء رفعت علي

رواية غرام في المترو الجزء الأول

رواية غرام في المترو البارت الأول

غرام في المترو
غرام في المترو

رواية غرام في المترو الحلقة الأولى

نسمات الصباح المنعشة والشمس ساطعة في سماء حي دار السلام بمحافظة القاهرة، وفي إحدى الحواري الشهيرة، يصدح من هذا المنزل القديم صوت الشيخ محمد رفعت الصادر من المذياع أعلي المنضدة في الردهة و المائدة الصغيرة التي تتوسطها، وُضعَ أعلاها صحن من البيض المقلي وآخر به الفلافل الساخنة ذات الرائحة الشهية وصحن ثالث به قطعة من الجبن الأبيض، صوتها يدوي في الإرجاء تنادي علي أهل المنزل
“الفطار جهز، ابتسام يا ماما يا سعيد، يلا الطعميه هتبرد”
خرجت من الغرفة شقيقتها التي تدرس في آخر صف بالثانوية العامة، كانت تغلق زر كم القميص
“بالله عليكي يا غرام أعمليلي ساندوتش طعميه وواحد جبنة، أنا لبست ومش هعرف أحضر الساندوتشات”
عقب شقيقها ذو الثلاثة عشر عاماً
“و أنا كمان يا غرام أعمليلي زي إبتسام و ضيفي ساندوتش بيض”
صاحت مازحه
“هو فيه إيه؟، ما أنا زيي زيكم وورايا شغل كمان، و مستعجلة و عايزة أمشي، مفيش حد منكم خلي عنده دم و يقولي عنك يا غرام و تعملولي الساندوتشات”
ابتسمت والدتها السيدة عزيزة، امرأة في منتصف عقدها الرابع، يبدو علي ملامح وجهها الذي يتميز بالشحوب إمارات التعب والمرض.
ربتت بحنانها الغادق علي كتف ابنتها
“حبيبتي ربنا يخليكي ليهم، أنتي سندهم و كمان هتبقي أمهم من بعدي”
ألتفت إليها بعتاب طفيف
“ربنا يديكي طول العمر و يباركلنا فيكي يا أم غرام، بالله عليكي وأول وآخر مرة تقولي كدة”
عقبت ابتسام بمرح
“أنتم هتقلبوها حزن كدة ليه، والله أنادي لكم علي طنط عدلات تيجي تضحكم”
صاحت غرام مازحة
“لاء أبوس إيدك دي بتاكل وداني من الرغي، و تشيلني ذنوب الحارة كلها من النم عليهم، الحمدلله أنا فطرت”
تناولت حقيبة اليد خاصتها و حقيبة أخري ترتديها علي ظهرها، أشارت إليها والدتها إلي الطعام
“كملي فطارك يا بنتي قبل ما تمشي”
“مش قادرة يا ماما، ما أنتي عرفاني لما بكون جعانة باكل، أنا يا دوب أشرب كوباية الشاي و هاروح ألحق أخد البضاعة من مدام رشا”
“و أنتي راجعة ماتنسيش تعدي علي أختك أحلام تطمني عليها وطيبي بخاطرها”
زفرت بضيق وأخبرت والدتها
“ليه محسساني إني قسيت عليها؟!، يعني عاجبك عيشتها مع جوزها كل أسبوع يرنها العلقة و تيجي تغضب يقوم البيه يكلمها يضحك عليها بكلمتين و لا كأنه عمل فيها حاجة، وتمشي من غير ما تقولنا و لا كأننا أهلها”
أمسكت والدتها يدها برجاء
“طيب عشان خاطري، روحي أتطمني عليها حتي من علي الباب و أرجعي، أنا خايفة ليكون المنيل سمير عمل فيها حاجة”
لم تجد مفراً من طلب والدتها حيث لا ترفض لها أمراً، فقالت علي مضض
“حاضر يا ماما، هاروحلها و بدعي ربنا إن ما شوفش خلقة جوزها، لأن لو شوفته مش عارفة ممكن أعمل فيه إيه”
“أنا عارفة إنك عاقلة و مش هاتعملي كدة”
نهضت الأخرى وهمت بالذهاب
“أستأذن أنا بقي عشان أتأخرت سلام عليكم”
صاحت شقيقتها وتركض خلفها
“استني خديني معاكي يا غرام”
و عندما خرجت كلتيهما من المنزل وجدا الجارة الثرثارة -عدلات- تبتسم بشفتيها الغليظتين وتسألهما
“رايحين فين تعالوا”
“عن إذنك يا خالتي عدلات متأخرة علي الشغل”
أشارت لهما نحو باب منزلها
“ما تتفضلوا تعالوا أفطروا”
ردت ابتسام و تهم بالمغادرة
“سابقناكي تسلمي”
خرجت و تنفست الصعداء، فقالت غرام إليها
“خدي بالك من نفسك و أول ما ترجعي قوليلي”
أومأت لها وبإجابة مقتضبة قالت
“حاضر”
※ ※ ※
ننتقل إلي مدينة الشيخ زايد حيث الفلل والقصور و المنازل داخل وحدات سكنية، و بداخل الوحدة التي تشمل الفلل، تقع فيلا عائلة الشريف، رأفت الشريف رجل أعمال شهير وصاحب علامة تجارية مسجلة في مجال الملابس «Y& N» و ذلك أول حروف من أسماء ابنيه، نور و يوسف، فالأول يبلغ من العمر الثلاثة والثلاثون ربيعاً، متزوج من «كاميليا عبيد» التي درست معه في المرحلة الجامعية و جمع بينهما علاقة حب اكتملت بالزواج وانجبت الصغيرة الشقراء «تولين» ذات الثمانية أعوام.
بينما الثاني يوسف الذي يعيش عازب مُدلل، و السبب يعود إلي والدته السيدة منيرة، و التي تبلغ منتصف عقدها الخامس، كانت لا تدرك إنه قد أصبح رجلاً راشداً ولم يُعد الابن الصغير.
و في غرفة المائدة يتجمعون أفراد العائلة، و علي رأس الطاولة السيد رأفت يبتلع قطعة الخبز الفرنسي بعد أن قام بدهنها بقطعة زبدة
“لسه ما عرفتش حاجة عن اللي بيقلد البراند بتاعنا و بيوردوا للمحلات؟”
ألتفت إليه ابنه الأكبر نور وأخبره
“أنا بعت رجالة للمحلات دي و بيسألوا أصحابها عن المورد أو التاجر اللي بيشتروا منه البضاعة و علي بكرة بالكتير إن شاء الله هيكون عند حضرتك التقرير”
انتبه رأفت إلي ابنه الآخر يوسف حيث كان شارداً في صحنه وآثار النوم مازالت علي وجهه ذو البشرة الحنطية
“و أنت يا يوسف بيه، عملت إيه في موضوع الدعايات؟”
كان سؤال ساخر من والده مثل كل مرة،
ربتت الصغيرة تولين علي ذراع عمها وتخبره ببرائتها
“أونكل چو، كلم جدو”
انتبه إلي الصغيرة وكأنه استيقظ لتوه من غفوة، فسأل والده
“حضرتك كنت بتقول إيه؟”
ابتسم والده هازئاً
“هاتسمعني إزاي صح و أنت قاعد زي المساطيل، طبعاً كنت سهران لحد الفجر زي كل يوم و لا كأن ليك أهل عايشين معاك”
تدخلت منيرة لتوقف زوجها عن توبيخ ولدها المدلل
“براحة يا رأفت عليه، دي أول مرة يسهر من شهر و أنت من بعد ما شغلته معاكم و مطلع عينه في الشركة”
حدق إليها زوجها بنظرة نارية قابلتها بعدم اكتراث
“أهو دلعك الزايد ده ليه فسده، و أنا عمال أصلحه وأشيله المسئولية، ابنك يا هانم لسه تامم التلاتين سنة يعني المفروض كان متجوز و أب كمان”
وكأنه استيقظ لتوه فأجاب علي والده
“و أنا مش هيعيش زي ما حضرتك عايز، دي حياتي و أنا حر فيها”
نظر رأفت إلي زوجته يعاتبها بحدة
“سمعتي يا منيرة هانم؟”
تدخلت كاميليا لعلها تهدأ من الوضع المشتعل
“معلش يا أونكل بالتأكيد يوسف ما يقصدش”
نهض يوسف وصاح بغضب
“لاء يا كاميليا أقصد، هو عايزني نسخة من جوزك نعم حاضر و يبقي ماليش أي رأي و لا شخصية”
نظر إليه شقيقه نور و قال معاتباً
“شكراً يا يوسف”
خالجه الحرج الشديد لما قاله للتو فأبتعد عنهم بخطوات سريعة، نهضت والدته خلفه تناديه
“يوسف، يا يوسف”
توقف فاستدار إليها
“حضرتك عايزة تقوليلي حاجة أنتي كمان؟”
لكزته في عضده وتنهره
“أتلم أنا لو قلبت عليك زعلي وحش أوي، أنا بنادي عليك عشان أقولك بعد ما تخلص شغل عدي عليا في النادي تسلم علي طنط راندا و ماهي بنتها”
بدي علي وجهه الامتعاض والضيق
“ماما ياريت تخرجيني من جو أصحابك و بناتهم، خصوصاً راندا و بنتها”
“يا سلام مش دي ماهي اللي كنت هاتجنن عليها وارتبطوا ببعض سنة و بعدين سيبتها من غير سبب؟!”
“أديكي قولتي، كنت يعني فعل ماضي وانتهي، ما ارتحناش مع بعض هي دماغها تافهة و عايزة واحد أتفه منها، و أنا ماليش في الجو ده، ياريت بقي تقفلي علي الموضوع و ما تفتحيهوش تاني”
قد وصل غضبها إلي ذروته، حدقت إليه بنظرة نارية قائلة بوعيد
“براحتك، و لو وقعت في مشكلة تاني أنا مش هقف معاك و لا أحوش ما بينك و بين أبوك”
دنا منها وقام بتقبيل جبهتها فقال
“و أنا واثق و متأكد عمرك ما هاتعمليها، باي باي موني”
غادر وتركها تشعر بالحنق، فهي بالفعل السبب في عدم تحمله المسئولية، و كم كرهت عتاب زوجها و لومه الشديد لها، كما تري في عينيه الآن نظرة ساخرة فبادلته بعدم مبالاة وصعدت إلي الأعلى.
※ ※ ※
و في الشارع الخلفي لمنزل عائلة غرام، صوت المذياع مرتفعاً فالشيخ يتلو آيات من سورة البقرة، تحمل صغيرها وتضعه علي الأريكة،
تزوجت أحلام منذ ثلاث سنوات بمَنْ أحبته ويدعي سمير، و هذا منذ خمس سنوات مضت كانت تبلغ عشرون عاماً حينها كانت تعمل بائعة في الصيدلية، والآن هي زوجته و أم ابنه محمد ذو العامين وينادونه باسم «ميدو»
تضع أمام طفلها الألعاب وتخبره
“أقعد هنا و ألعب لحد ما أشيل الأكل وهاجيبلك الزبادي اللي بتحبه”
ردد الصغير بسعادة
“بادي، بادي”
قامت بتقبيل وجنته
“هاكل خدودك المقلبظين يا روحي”
“وطي الراديو ده بدل ما أسقف لك علي خدودك أنتي علي الصبح”
كانت صوتاً رجولياً كالنشاز قاطع وصلة المرح بينها و بين صغيرها، ألتفت إليه وقالت بامتعاض
“جري إيه يا سمير من ساعة ما صحيت مش طايق نفسك، وبعدين أنا معليه الراديو عشان القرآن، خليه يملا الشقة بركة ويطرد الشياطين منها”
اقترب منها فابتعدت خطوة إلي الوراء خوفاً، قبض علي عضدها وصاح يسألها
“قصدك عليا أنا شيطان؟”
ابتلعت لعابها وأخبرته بخوف وتردد
“و الله ما قولت كدة، أنا قصدي يطرد الشياطين اللي بتوقع ما بينا وبتخليك تتخانق معايا وتمد إيدك عليا زي ما أنت عامل فيا كدة”
نفض ذراعها وقال
“أيوة زي أمك وأختك غرام كدة بالظبط، كل ما تروحي ليهم يقوموكي عليا كأني أكلت ورثهم و أنا مش عارف”
“لاء وأنت الصادق، بتذل بنتهم و بتهينها ديماً و مش بتتفاهم معاها غير بالضرب علي طول، ياريتني ما كنت أتجوزتك يا أخي”
جلس علي الكرسي أمامها ووضع ساق فوق الأخرى، يخرج علبة السجائر من جيب قميصه القطني و القداحة، يشعلها وينفث دخاناً كثيفاً، يخبرها بتعجرف
“و الله ما ضربتكيش علي إيديكي عشان تتجوزيني و أنتي عارفة طباعي كويس”
أدركت ما يرمي إليه من أمرٍ تحاول نسيانه منذ ثلاث سنوات، تتمني أن يعود بها الزمن وتغير كل ما حدث، لكن ما الفائدة من كلمة
-ياليت- كلمة ظاهرها ندم و باطنها حسرة وجرح لن يندمل.
※ ※ ※
اجتازت غرام مسافة كبيرة سيراً علي الأقدام حتي وصلت أمام متجر لبيع الملابس و مستلزمات المرأة، وقفت قليلاً تلتقط أنفاسها قبل أن تولج إلي الداخل، تعلم ما ينتظرها كل يوم في الصباح و المساء…
“سلام عليكم”
ألقت التحية فأجابت السيدة رشا بتحية مماثلة ثم أردفت
“جيتي في وقتك يا غرام، المرة دي جايبة تشكيلة عبايات و فساتين هاي كوبي من براند مشهور، العباية عندهم ممكن تعدي الألف جنيه لكن إحنا هنبيعها بـ 300 وبس و تبقي شاطرة لو خليتي العرض اللي تاخد عبايتين يبقي بـ 500 وعليهم طرحة وبندانة هدية”
ترددت غرام أن تخبرها بما يدور في رأسها، فهي تعلم خصال هذه المرأة الأربعينية، تبدو أمام الناس مرحة و ذات قلب حنون لكن يظهر معدنها عند الغضب، لذا اكتفت الأولي بقول مقتضب
“ما تقلقيش، هاعمل زي ما حضرتك قولتيلي”
ابتسمت الأخرى فأشارت إليها
“طيب أقعدي إستريحي علي الكرسي ده عقبال ما أطلع أجيبلك الحاجة ونازلة”
وقبل أن تتفوه غرام بكلمة رأت الفرح يتراقص في عينين رجب، شقيق رشا هذا الشاب الثلاثيني الذي لا يعرف معني للمروءة والشهامة، يعيش بغرائزه الحيوانية كما يحلو له، يركض خلف كل ما هو صعب المنال، و يزداد تشبثاً إذا كان هذا المنال يتجسد في غرام، الفتاة الشرسة أمام كل ضبع يظن إنها فتاة ضعيفة، فبرغم إنها لا تمتلك جمالاً ساحراً أو عيون ملونة بل ملامحها مثل أغلب الفتيات المصرية، البشرة القمحية والعيون ذات اللون البني، ترتدي وشاحاً يُغطي خصلات شعرها ما بين الأسود والبني، غالباً تعقصه علي هيئة كعكة محكمة بربطة شعر مطاطية، جسدها ما بين الرفيع و الممتلئ، و مع كل ذلك فهي أنثى بالنهاية، و لو امتلكت جمالاً وسطاً فمازال يطمع فيها أمثال رجب، فالمحرك لدي هؤلاء الضباع ما هي إلا الشهوة!
عندما ذهبت شقيقته ترك عصا النرجيلة من يده علي المنضدة ونهض فاقترب من غرام، سمع صوت زفيرها الذي يخبره عن عدم تحملها لوجوده جوارها
“مفيش صباح الخير يا رجب؟، أو عامل إيه يا ريجو؟، أي كلمة حلوة تطري علي القلب منك للغلبان، اللي هو أنا يعني”
ألتفت إليه و علي وجهها كل إمارات الغضب
“غلبان؟!، قصدك تقول أنت تِعبان، و ياريت تبعد عن وشي عشان لما بشوفك اليوم بيقفل”
اجفلها بصوته المزعج
“جري إيه يا بت؟، أنتي نسيتي نفسك و لا إيه؟!، أومال لو كنتي حلوة، ده كلك علي بعضك ما تسويش في سوق البنات قرش واحد”
“فعلاً ما أساويش قرش، لأن اللي زيي ما بيتقدروش بالفلوس، إحنا غاليين أوي، لكن أنت بقي في نفس السوق ده ما تساويش ربع جنيه”
ظل يعيد كلماتها في رأسه حتي أدرك الإهانة التي وجهتها إليه أو ربما قصف جبهة جعل دمائه تكاد تفور من الغيظ، صاح مرة أخري بغضبٍ جم
“نهار أبوكي أسو…
“إياك تجيب سيرة أبويا الله يرحمه علي لسانك”
“إيه اللي بيحصل يا رجب؟”
كان سؤال رشا التي تنزل علي الدرج وتحمل كيساً أسود كبير، سبقته غرام قبل أن يخبر شقيقته بالافتراء
“مفيش يا مدام، المعلم رجب كان بيوصيني علي البضاعة”
عاد إلي الكرسي و النرجيلة خاصته، بينما كانت رشا اللاصق بالسكين
“سيبك من أخويا و ركزي في الحاجة اللي هديهالك”
أخرجت عدة قطع من الثياب، كل قطعة مغلفة بغطاء بلاستيكي شفاف
“10 قطع أهُم، و لو خلصوا و محتاجة تاني كلميني و أبعتلك رجب بالحاجة”
قامت غرام بفتح حقيبة الظهر وأخذت تضع القطع
“حاضر يا مدام”
وبعد أن أخذت البضاعة غادرت المتجر متجهة إلي محطة المترو حيث مكان البيع المناسب لها، فهي تعمل بائعة متجولة داخل القطارات في عربة السيدات وأحياناً خارج المحطة برغم ما تتعرض له من مضايقات من المارة وأيضاً من رجال الأمن داخل المحطة.
و في الطريق أوقفها صوت صديقتها هند، تخرج رأسها من المركبة ذات الثلاث إطارات
“غرام؟، يا غرام؟”
ذهبت الأخرى إليها فتركت لها صديقتها براحاً لتجلس بجوارها
“أطلعي أركبي، جمال يوصلك عند المحطة وأنا هاكمل معاه لحد المصنع”
“يا بنتي كملوا أنتم طريقكم عشان ما تتأخريش علي شغلك”
أخبرها جمال و كان هو من يقود المركبة
“أركبي يا غرام، كدة كدة المترو في طريقي”
صعدت إلي داخل المركبة وجلست ووضعت حقيبة الظهر علي فخذيها
“إيه أخبار الشغل معاكي؟”
سألتها هند فأجابت الأخري
“الحمدلله، أهي ماشية”
“ما تقلقيش أنا سمعت الحاج عبدالتواب صاحب المصنع بيقول إن فيه أتنين هيسيبوا الشغل آخر الشهر و كلمتوا عليكي و علي أحلام أختك”
“أحلام أختي؟!”
رفعت زاوية فمها جانباً ساخرة وتابعت
“أحلام شغلنتها الوحيدة جوزها”
“هو جه خدها و لا لسه غضبانة؟”
“هما يومين اللي قعدتهم و التالت خلتنا نايمين وخدت ابنها ومشيت، هاموت وأعرف هو عاملها إيه مخليها ماشية وراه تقول آمين، يضربها تغضب وبدل ما تاخد معاه موقف ترجعله، ده لو كان ساحرلها مش هتعمل في نفسها كدة”
ضحكت هند علي حديث صديقتها وعقبت
“ده مش سحر، ده الحب ياختي، بس أختك هي اللي بتحبه، لكن هو علي عمايله معاها ما بيحبهاش”
“و الله يا هند أنا و أمي وابتسام حتي الولاه سعيد أبو 13 سنة كلنا بنقولها كدة، يعني أنا اسمع عن اللي يبيع كليته أو يبيع قرنية لكن دي اللي باعت كرمتها و ببلاش كمان”
تدخل جمال والذي كان متابعاً
“معلش علي تدخلي في الحوار يا غرام، أختك غلبانة ومالهاش أي خبرة في الناس وحظها إنه سمير ظهر في حياتها وأقدر يخليها تحبه وتتعلق بيه، يعني عندك مثلاً أنا و هند حبينا بعض وأتخطبنا ومحدش فينا يقدر يستغنا عن التاني، صح يا دودو؟”
نظرت إلي صورته في المرآة وأجابت بعشق تنضح به عينيها وتلفظ به شفتيها
“صح يا عيون هند، بس طبعاً لو فكرت تزعلني أنا مش هغضب و لا هعيط، أنا حقي هاخده بإيدي أنت ونصيبك”
“خليكي شاهدة يا غرام علي صاحبتك، عشان لو في يوم لاقيتو جثتي في أكياس أعرفوا إنها اللي عملت فيا كدة”
عقبت هند
“بعد الشر عليك يا حبيبي”
“ربنا يبارك لكم و يتملكم جوازكم علي خير، يا جمال مفيش وجه مقارنة ما بينك و ما بين جوز أختي، أنت ابن أصول لكن هو، خليني ساكتة أحسن”
“ربنا يهديه ليها، يا عالم يمكن يتغير”
“أتمني، المهم أختي تكون بخير”
“وصلنا”
توقف جمال أمام الدرج المؤدي إلي المحطة، أخرجت غرام من حقيبة يدها ورقة نقدية
“أتفضل يا جمال”
نظر إليها بعتاب ولوم ثم قال لهند
“شوفي صاحبتك يا هند”
“خلاص يا غرام، جمال زي أخوكي و جارنا”
عقب جمال
“خدي فلوسك عشان ما أزعلش وأزعل صاحبتك”
أخبرها بطريقة فكاهية فضحكت غرام
“ربنا ما يجيب زعل أبداً، أسيبكم أنا بقي سلام”
ولجت إلي داخل المحطة وقامت بشراء تذكرة القطار، و علي الرصيف فتحت الحقيبة وأخرجت قطعتين مختلفتين.
وصل القطار للتو و انفتحت أبوابه، دخلت إلي عربة السيدات وبدأت تعرض للركاب البضاعة بمهارة تجعل الجميع يلتفت إليها و يبدأ الإقبال علي الثياب و عروض الأسعار تجعل البعض منهن يشتري علي الفور.
※ ※ ※
يقف يوسف في وسط بهو الاستقبال للشركة و يتجمع من حوله الموظفون يستمعون إلي تعليماته، فبالرغم من كونه مدلل لكنه في العمل جاد و متقن للغاية
“عايزكم تسمعوني كويس، من يومين جاتلنا عينة من شغل شبه شغلنا بالظبط و عليه نفس التيكت بس طبعاً مضروب و متقلد و فرق خامات و جودة، عملنا بحث عشان نوصل لمين صاحب المصنع اللي بيقلد شغلنا بس للأسف كل ما نسأل حد يدخلنا في متاهة، و فاهمين طبعاً إنهم مش هيقوله هو مين لأن كلهم بيستفادوا، فأنا بقولكم اللي هيقدر يوصل لصاحب المصنع ليه مكافأة ست شهور”
تصاعدت الهمسات بينهم، فقال أحدهم
“ما تقلقش يا مستر يوسف، يومين و هايكون عندك اسمه وعنوانه”
ردد آخر
“أديني حضرتك يوم و ملفه هايكون علي مكتبك”
عقب يوسف قائلاً
“أنا مش عايز كلام، وروني الفعل و زي ما وعدتكم بالمكافآه، يلا كل واحد يروح علي مكتبه”
تقدمت منه احداهن تحمل بعض الأوراق وقلم
“مستر يوسف، ممكن حضرتك تمضي علي الأوراق دي؟”
صدح رنين هاتفه ويزيل اسمه في أسفل كل ورقة، أجاب والسماعة اللاسلكية في أذنه
“ألو؟”
“هاي چو أنا ميري”
“أزيك يا ميري، أخبارك إيه؟”
“طبعاً مش بخير و أنت بقي لك شهر مش معبرني و لا بتخرج معايا و نسهر زي كل مرة”
انتهي من التوقيع وأومأ إلي الموظفة لتأخذ الأوراق وتذهب ثم مضي نحو الدرج يصعد إلي الأعلى
“معلش بقي أصل عندي شغل في الشركة فبضطر أصحي بدري و أنام بدري و زي ما أنتي فاهمة”
صاحت بتعجب
“شغل؟!، Oh my God، معقول چو الشريف بقي بيشتغل؟!”
ابتسم وعقب بمرح كالعادة
“شوفتي بقي، ربك قادر علي كل شئ”
“ربنا يوفقك، أنا كنت بكلمك عشان أعزمك علي الـ party عيد ميلادي الـ week end الجاي”
“هحاول إن شاء الله”
“تحاول إيه، ده أنت لو ما جتش هاخد الشلة و نيجي نحتفل عندك في الشركة النهاردة أنت حر”
ضحك قائلاً
“خلاص هاجي أطمني”
“هستناك، أسيبك بقي عشان ما أعطلكش، باي”
“باي”
أنهي المكالمة و مازال في طريقه إلي غرفة مكتبه الخاص، توقف أمام مكتب شقيقه فوجده مشغولاً بالحاسوب، طرق الباب لتنبيهه
“ممكن أدخل؟”
رفع عينيه عن الحاسوب وخلع عويناته، تركها علي سطح المكتب وقال
“أتفضل”
جلس يوسف أمام مكتب شقيقه يخبره معتذراً
“أنا آسف علي الكلام اللي طلع مني الصبح، أنت عارف لما بتعصب ما بشوفش قدامي و بيخرج مني كلام أندم عليه”
“طب خلي بالك لأن غضبك ممكن يخسرك أقرب الناس ليك”
نهض واقترب من شقيقه ثم دنا منه رأسه
“و أدي راسك أبوسها، لسه زعلان مني؟”
ابتسم نور وأخبره
“و أنا قبلت أسفك، بس خد بالك أنت المسئول قدام بابا أنك تعرف مين اللي بيقلد شغلنا”
“اعتبره تسليم أهالي يعني؟!، عموماً لسه كنت عامل اجتماع لكل الموظفين تحت في الريسبشن، و عامل مكافأة للي هيوصل للي بيقلدنا”
“ما أنت شاطر و ذكي في الشغل أهو، أومال بقي لك شهر مدبسني في شغلك ليه؟”
صاح يوسف متباهياً
“لاء أنا أعجبك أوي، بس لما تكون دماغي رايقة”
رفع شقيقه يديه داعياً
“ربنا يزيدك روقان كمان و كمان”
أخذ الآخر يضحك، و علي بُعد أمتار حيث مكتب رأفت الشريف، يقوم بالتوقيع علي عدة أوراق و تقف بجواره «سوزي» المساعدة الخاصة به، ذات الشعر الأشقر البلاتيني و العدسات اللاصقة ذات اللون الفيروزي، ترتدي كنزة وأسفلها تنورة كلاهما يكاد يتمزق من فرط الضيق، رائحة عطرها الفواح يضرب أنفه، فعندما أنتهي من التوقيع رفع رأسه إليها وأخذ ينظر إلي ملامح وجهها المنير، سألها في هدوء يخفي نيران مشتعلة من شوق يكاد يلتهمه
“فكرتي في اللي قولتلك عليه؟”
ظلت تنظر بمكر ودلال وأجابت
“من غير ما أفكر، طبعاً موافقة، المهم هاكون مراتك يا فوفو يا حبيبي”
ابتلع لعابه، فهذه صاحبة الجمال الصارخ اختطفت لبه منذ مجيئها هنا في الشركة، لم يمر سوي خمسة عشر يوماً علي عملها ونجحت في السيطرة عليه.
“يبقي تجهزي نفسك بالليل هاجي أخدك و نطلع علي شقتنا و هناك هايكون مستنينا المحامي و اتنين شهود”
تلي حديثه رنين الهاتف وكان المتصل زوجته
«منيرة»!!

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غرام في المترو)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى