روايات

رواية غابت شمسها الفصل العشرون 20 بقلم مايسة ريان

رواية غابت شمسها الفصل العشرون 20 بقلم مايسة ريان

رواية غابت شمسها الجزء العشرون

رواية غابت شمسها البارت العشرون

غابت شمسها
غابت شمسها

رواية غابت شمسها الحلقة العشرون

راقبتها مها بوجه حزين وهي تجمع ملابسها وتضعها بترتيب فى حقيبة سفر متوسطة الحجم
– لقد أعتدت على وجودك معي .
أبتسمت لها مرام
– سأزورك كثيرا حتى تملي مني .. ميمي فى حاجة الي هذه الفترة تعلمين أنها وحيدة وليس لديها غيري الأن .
أغلقت حقيبتها وحملتها الى الخارج حيث ينتظرها خالها مروان ليأخذها الى بيت ميمي والذي قال بدوره وهو متجهم
– تعالي عندي .. شيرين لن تمانع وجودك .
أبتسمت له كما فعلت مع مها وقالت
– صديقتي فى حاجة الي .. ثم أنني لا أريد أن أكون علقة تتعلق بظهور الناس من بعد اليوم .
ثم ضحكت ومن داخلها تبكي تتذكر مقولته (( فأمثالك كالعلقة تلتصق بظهر الرجل ولا تخرج الا بدمه ))
حمل مروان الحقيبة ونزل بها تاركا مرام تودع مها وتلحق به فى السيارة
– شكرا لك .. المدة التى أقمتها معك تعلمت فيها الكثير وأظن أنني مدينة لك فان أحتجت مني أي شئ أطلبيه على الفور .
أحتضنتها مها بقوة وقالت بصوت يختنق بالدموع
– أنت فتاة رائعة وثقي فى ذلك .. وجودك معي أسعدني فوق ما تتصورين وكنت أتمنى حقا أن تستمري فى الأقامة معي .
ودعتها ولحقت بخالها فى السيارة .
أتخذت قرارها هذا بسهولة فصديقتها تمر بمرحلة صعبة فى الحمل حتى بالكاد تستطيع الحركة ومرام أصبحت غريبة عن نفسها وعن من حولها فبعد آخر لقاء لها بصالح فى شقته أدركت أن حكايتها معه قد أنتهت وأنها لن تراه مرة أخرى , وقد عرفت من والدها أنه عاد نهائيا الى المزرعة بعد أن كان قد رتب أموره أن يبقى بالأسكندرية بشكل دائم وأن يفتح مكتب للتصدير وكان قد كلف والدها بادارة المصنع مع رباب وعين مهندسا زراعيا مديرا للمزرعة وكان سيكتفي بالأشراف من وقت لآخر .. كان والدها حزينا وهو يخبرها بهذه الأنباء وقد كان فى احدى زياراته وقال
– فوجئت بتلك القرارات فى حينها .. فلم أكن أتخيل أبدا أن يتخلى صالح فى يوم من الأيام عن المزرعة والمصنع ويبتعد عن شقيقته ويعيش بعيدا عن بيت والده لذلك ظننت أن الأمور بينكما ستتحسن وتعودا لبعضكما .
فأجابته
– لا يمكن أن تتحسن الأمور بيننا .. أنا وصالح بدأنا بطريقة خاطئة لهذا صعب أن نستمر وسط كل هذه المرارة وسؤ الفهم .
أعطاها مبلغ من المال وقد بدا خجلا وهو يقول
– أنه مبلغ بسيط يساعدك قليلا .
فقبلته منه حتى لا تجرحه ولكي تشعره بأهميته فى حياتها ولكنها قالت
– تعلم أنني أعمل الأن وراتبي يكفيني ويزيد .
وكانت مضطره أن تقول له فى نهاية اللقاء
– عندما يتم صالح أجراءات الطلاق أرجو أن تخبرني .
لم تتفق معه على شئ ولكنها تتوقع تلك الخطوة منه .
سافر والدها ووعدها بأنه لن ينقطع عنها وسيأتي بأستمرار لرؤيتها وجعلها تعده كذلك أن تتصل به ان أحتاجت لشئ أو وقعت فى مشكله فوعدته بذلك ولكنها لم تخبره بعد بأنها ستترك بيت مها وتنتقل للعيش مع صديقتها ولو بشكل مؤقت
****
سجن الحضرة
جاء للقاءه بعد أن استنزف عقله تماما ..
لم يعد يتحمل الشك والغيرة .. كثرة المرارة والغضب تكاد أن تنفجر لها شرايينه .. واضيف اليهم الأن الحرمان وفقدان الأمل .. كل شئ راهن عليه أنقلب فى وجهه فدار وأحتار وأصبح قريب من أن يفقد عقله .
كان يجلس يستند بكوعيه على ركبتيه مطأطئا رأسه عندما فتح الباب ودخل فودة بصحبة حارس السجن .
أطلق فودة صفيرا منخفضا يعبر عن دهشته عندما رآه , رفع صالح رأسه اليه بحدة ورأي نظرة تسليه فى عين الشاب أغاظته .. تركه الحارس وانصرف وهو يعطي تحية أحترام لصالح ويغلق الباب .
تقدم فودة بوقاحة وجلس فى المقعد المواجه له , رفع صالح جذعه وأنتصب فى جلسته وهو يتأمل وجه الشاب بتمعن
– تبدو متعبا .
قالها فودة وابتسم ثم استطرد
– لماذا جئت لزيارتي ؟
تمالك صالح نفسه حتى يخرج صوته هادئا ولكن فودة عاجله بالقول
– جئت لتسألني عن حقيقة ما قلته عن مرام فى تلك الغرفة فى فندق الجونة .
أشتد وجه صالح بصرامة ورغب بشدة فى لكمه ليمحو تلك التسلية عن وجهه ولكنه قال
– نعم .
رفع فودة حاجبيه
– ولماذا لم تسأل مرام .. لقد صدقتني من قبل وستصدقني الأن ؟ ولكنك لم تكن على استعداد لتصديقها أليس كذلك ؟
جز صالح على أسنانه بغيظ .. نعم كلامه صحيح .. لم يستمع اليها عندما حاولت أن تشرح له .. رفض أن يعطيها الفرصة لتفعل وتبرر أفعالها , سأله بحدة
– وهل كنت تكذب ؟
هز فودة كتفيه وقال مراوغا
– ليس فى كل شئ .. ولكني زودتها قليلا .. أكثر من القليل بقليل .
صاح به صالح بعنف
– كف عن عبثك وتحدث بطريقة جيدة والا أقسم أن أحطم لك وجهك .. وأنت لا تعلم كم أود أن أفعل ذلك .
تجهم فودة وقال
– أنت تحبها لذلك أنت هنا وهذا لا يعجبني خاصة وأنا أعلم أنها تحبك كذلك .
ضاقت عينا صالح وسأله وهو لا يستطيع أن يتأكد اذا ما كان صادقا أم أنه يلهو به
– وكيف تعلم شئ كهذا ؟
قال فودة بحنق
– أنها صديقتى ولا نخفي شيئا عن بعضنا .
أحمر وجه صالح وقال بغيظ من بين أسنانه
– لا أعرف ماذا تعني بصديقتك .. لا يوجد ما يسمى صداقة بين شاب وفتاة .
– لا تهمني وجهة نظرك المتخلفة وضيق أفقك .
سأله
– هل تريد أن تقول لي أنك لم ترغب بها أبدا .
قال فودة بصراحة
– بالطبع رغبت بها .. هل أنت مجنون .. أنها رائعة .. ولو أحبتني لتزوجتها .
لا .. لم يعد يحتمل صفاقته .. مال بحدة للأمام وسحبه من ياقة قميصه بعنف والدماء تفور فى رأسه
– كلمة أخرى فى هذا السياق وسأزهق روحك بيدي .
ثم تركه فجأة فكاد أن يقع من فوق مقعده وقال بحنق
– مرام تعني لي الكثير وقد وعدتها أنني عندما أخرج من هنا سوف أعتني بها جيدا .
جز صالح على أسنانة بصرير مسموع فقال فودة بسرعة معترفا
– لم يكن بيننا أي علاقة من هذا النوع المشين ولولا أنني أحتلت عليها وأخذت نقودها لما لجأت الى أبي بسبب يأسها .. والمخدرات لم تكن تعلم عنها شيئا وقد ورطتها فيها من دون علمها … كنا نشرب ونصيع معا ولكنها لم تكن أبدا على علاقة مخلة بشاب .. من هذه الناحية هي بريئة تماما .
هل يشعر بالراحة لسماعه هذا الأعتراف أم يشعر بالنقمة على نفسه .
– هل ستدعها تزورني ؟
تساءل صالح ان كان هذا الفتى مجنون
– أنت مدين لي بذلك .. لقد ألقيت بي فى السجن وسرقت قلب صديقتي وحطمته وقد أعترفت لك الأن بالحقيقة وكنت صادقا معك .
وقف صالح وقال بمرارة
– ان أرادت زيارتك فهي حرة فى ذلك .. أظن أنني قد فقدت أي حق لي فى منعها .
سأله فودة عابسا وقد أصبح جادا فجأة
– هل ستتركها وتتخلى عنها بعد ما قلته لك عن مشاعرها تجاهك ؟
هز كتفيه قائلا بمرارة
– وما أدراك أن مشاعرها مازالت كما هي فبعد كل ما فعلته لا أظن أنها تكن لي أي مشاعر جيدة .. وحتى وان كانت .. لن أجرؤ على طلب السماح منها .. أظن أنني قد أحرقت كل سفني معها .
****
في شقة ميمي
رصت مرام ملابس الطفل الجديدة ونشرتها واحدا واحدا على الأريكة وفوق المقاعد في حجرة الجلوس ووقفت هي وصديقتها يتأملونهم بعيون تبرق سعادة ورقة وقالت
– كم هم رائعين .. أنظري الى ذلك الطقم الأصفر .. صغير جدا يصلح أن يكون للعبة .
ضحكت ميمي وقالت بحنان
– كلهم يولدون صغار جدا .
هزت مرام رأسها موافقة وقالت
– ولكن سرعان ما يكبرون .. كل بضعة أشهر ستحتاجين الى غيرهم .. هكذا أخبرتني شيرين .
طوقتها ميمي بذراعيها وهي تقول بأمتنان
– شكرا لك يا مرام .. تعبت نفسك بشراءهم .. وشكرا لوجودك معي .. لقد كنت خائفة أن يحدث لي شئ ولا أجد أحد بجواري .
ربتت مرام على ذراعها
– نحن أصدقاء ولا مجال للشكر بيننا .. وسيأتي يوم أحتاجك فيه ومن مصلحتك أن لا تخذليني .
كانت تداعبها فضحكت ميمي وقبلتها على وجنتها , جلستا بعد ذلك تحصران الأشياء الناقصة وتكتبها مرام حتى لا تنسى وفجأة صمتت ميمي وقد تسارعت أنفاسها فنظرت اليها مرام بقلق
– ماذا بك ؟
أغلقت ميمي عينيها بقوة وهي تضع يدا أسفل بطنها وأخرى خلف ظهرها وقالت
– أنها تلك التشنجات وألم ظهري الذى راح يزداد كثيرا مؤخرا .
– هذا طبيعي حبيبتي .. لقد قال الطبيب أن ذلك سيحدث .
شهقت ميمي بقوة وهي تقوس ظهرها فبدأت مرام تشعر بالقلق فما زالت فى الأسبوع الأخير من الشهر الثامن .. ركعت أمامها على الأرض وسألتها
– هل تريدين مني أن أتصل بالطبيب ؟
هزت رأسها نفيا بعنف
– لا .. سأكون بخير و ..
شهقت مرة أخرى بطريقة أقرب للصراخ
– نعم .. نعم أتصلي به .
أسرعت مرام وتناولت هاتف ميمي وأخرجت رقم الطبيب .. كانت الساعة التاسعة مساءا وهو فى عيادته الأن .. أجابها فأخبرته على الفور بحال صديقتها واستمع اليها بهدؤ ثم طرح عليها بعض الأسئلة عن الأعراض وكانت تنقل له ردود ميمي بتوتر فقال
– سأرسل لها سيارة أسعاف على الفور وسوف أكون بأنتظارها فى المشفى .
وقفت مرام تحدق فى ميمي التى تتلوى ألما وهي شبه عاجزة مشلولة التفكير وبعد صرخة حادة أطلقتها صديقتها راحت تتحرك بسرعة وساعدتها على أرتداء ملابسها وحضرت حقيبة الطفل التى سيأخذوها معهم وراحت تدور حول نفسها لتتذكر أي شئ تكون قد نسيته
– مرااااام .
أسرعت عائدة الى حجرة الجلوس عندما سمعت صرخة ميمي الفزعة ووجدتها تقف تنظر الى ملابسها .
– مياه الطفل نزلت .
شهقت مرام برعب .. لقد تأخرت الأسعاف كثيرا ولابد أن تذهب الى المشفى حالا .
رنين جرس الباب أعاد اليها الحياة فأسرعت تفتح الباب للمسعفين ولكنهم لم يكونوا هم .. كان صالح .. للحظة راحت تحدق به مصدومة من رؤيته
– مساء الخير .
كان مرتبكا وفجأة تذكرت ميمي فقالت بسرعة وهى تسحب صالح الى الداخل
– تعال ساعدني .
كان متفاجئا .. كان يظن أنها سوف تطرده من عند الباب عندما تراه لا أن تجذبه الى الداخل بتلك اللهفة .. وقعت عيناه على ميمي التى تقف منحنيه تمسك ببطنها المنتفخ وكأنها تخشى من أن تسقط منها ووقف مرتبكا فصاحت به مرام
– لا تقف هكذا مصدوما هيا ساعدني فى أخذها الى المشفى الطفل سيولد الأن وقد تأخرت سيارة الأسعاف .
حملت الحقيبة على كتفها وأمسكت بذراع ميمي لتساعدها على المشي فقال صالح
– أتركيها لي .
وبسهولة رفع ميمي بين ذراعيه وطلب منها
– أفتحي أنت الباب .
لم يكن هناك وقت لتأمل المشهد ولا لتفنيد مشاعرها ولكنها ممتنه لوجوده فى هذه اللحظة .
وضع صالح ميمي برفق فى المقعد الخلفي للسيارة وتبعتها مرام التى قالت
– بسرعه أرجوك .
أنطلق صالح بالسيارة ومرام تصف له الطريق وفى نفس الوقت تحدثت الى الطبيب لتخبره بأنهما فى الطريق ولكن بدون سيارة الأسعاف .
قالت ميمي باكية وهي تتعلق بذراع مرام
– لو مت أعتني بطفلي يا مرام .. لا تتركيه وحيدا أرجوك .
قالت لها مرام بلطف وهي تجفف لها وجهها المتعرق
– أصمتي أيتها الغبية .. كل النساء يتألمن هكذا أثنا الولادة .. لن تموتي .
وصلوا أخيرا الى المشفى ورأت الطبيب وممرضة يقفان ومعهما كرسي متحرك
حمل صالح ميمي مرة أخرى ووضعها عليه .
أخذوها على الفور الى غرفة العمليات وجلست مرام وبجوارها صالح فى حجرة الأنتظار ساكنين تماما بعد تلك الزوبعة التى حدثت .
ابتسم صالح نصف ابتسامة وهو يتأمل بذلتها الرياضية الخاصة بالمكوث بالمنزل وخفها المصنوع من الفرو ولاحظت مرام نظراته وقالت بحرج
– نسيت أن أبدل ملابسي .. لم يكن هناك وقت لذلك .
تمتم
– لا بأس بك هكذا .
هزت رأسها فقط
قال صالح بعد قليل
– أعذري تطفلي .. ولكن يبدو أن معلوماتي منقوصة .. منذ متى وهي متزوجة ؟
رفعت مرام حاجبيها بدهشة
– حقا تقول ؟ ظننت أنك تعرف كل شئ
تغاضى عن سخريتها وقال
– التحريات التى تم جمعها كانت تقول أنها سافرت وشقيقتها مع والديهما ربما تزوجت وعادت .
قالت بما يشبه التشفي وهي بداخلها تعتذر من صديقتها
– هي حامل من دون زواج .
أرضاها رؤية صدمته فقالت
– وماذا كنت تتوقع أن يكون نوع الأصدقاء المحيط بفتاة مثلي .. واحد بالسجن وواحدة تحمل عن طريق الخطيئة .
ظل صامتا فتابعت بقسوة
– ربما أنت نادم الأن وتشعر بالأشمئزاز لمساعدتك لأمثالنا .
رأت وجهه يحتقن ويقول
– لست نادما على شئ .. ولا أعرف ملابسات الأمر لكي أحكم عليها .. ثم ان مساعدة العاجز حتى وان كان ظالم واجب على كل انسان .
دهشت من رده وجعلها تتخلى عن هجومها لبعض الوقت ثم عادت تسألة
– كيف عرفت بمكاني ؟ .. عن طريق جواسيسك بالطبع .. ألم ..
قاطعها
– لم أعد أتجسس عليك ولم أكن أعرف أنك تركت بيت حماة خالك الا اليوم ومن والدك .. وهو من أعطاني العنوان بنفسه .
ترتب على كلامه سؤالها التالي
– ولماذا اردت عنواني ؟
كتمت شهقة كادت أن تفلت منها .. أنه هنا من أجل الطلاق بالتأكيد .. رمشت بعينيها بضعة مرات متتاليه وهي تنظر أمامها لتمنع الدموع التى راحت توخزها .
مد صالح يده فى جيب سترته الداخلي وأخرج مظروفا ومد يده به اليها
كانت يدها ترتجف وهي لا تريده أن يرى أرتجافتها وهي تأخذ أوراق طلاقها
– أنه عقد الشقة ؟
كادت أن تسقط عن مقعدها أرتياحا .. لا تعرف ماذا يعني بعقد الشقة ولكن المهم أن هذه ليست أوراق طلاقها .
عندما لم تمد يدها لأخذها تابع
– لقد أشتريتها فى الأصل بأسمك مستخدما التوكيل الذي سبق وعملته لي لبيع الشقة القديمة .
أبتلعت ريقها بصعوبة وقالت
– أستخدمه مرة أخرى لنقل ملكية الشقة اليك فأنا لا أريد شيئا منك .
خفض يده وقال
– أنها من حقك وتعويضا لك عن الشقة التى أخذتها منك وكذلك سأخصص مبلغ شهري ك .. كنفقة بعد .. بعد أن يتم الطلاق .
كان قد تلعثم واختنق صوته وهو يختم عبارته .. وضع يده بجيب سترته مرة أخرى وأخرج مفتاحا
– مفتاح الشقة .
ووضع العقد والمفتاح على المقعد الفاصل بينهما .. ثم ساد الصمت بينهما وكلاهما عاجز عن أخراج صوته .. هي لا تملك القدرة على التفوه بحرف وهو لا يعلم سبب بقاءه جالسا معها حتى الأن .. جاء مصمما على أداء دورا معينا .. يعطيها حريتها ويرفع الضغط عنها .. يطلق سراحها بعد أن سجن ارادتها داخل قفص من الخوف والقلق والكثير من الألم .
خرج الطبيب أخيرا وتوجهت مرام اليه بلهفة , طمأنها على صديقتها وعلى طفلها الذي سيوضع فى الحضانة حتى يكتمل نموه لأنه ولد قبل أوانه , سألته
– وميمي .. أقصد ميادة كيف حالها ؟
فالطبيب لم يكن يعرف أسم التدليل لصديقتها
– أنها بخير ..ستخرج من العمليات بعد قليل .. أنها حاليا مازالت تحت تأثير المخدر فقد أضطررنا الى أجراء عملية قيصرية .
هزت رأسها متفهمة , أنصرف الطبيب واستدارت الى صالح ولكنها لم تجده تلفتت حولها كالضائعة ولكنه كان قد ذهب وترك العقد والمفتاح كما هما فوق المقعد .
****
ذهبت مرام وميمي لزيارة فودة فى السجن
حمل فودة الطفل الصغير والذي أعطته ميمي أسم محمد ..
راح يؤرجحه بين ذراعيه وينظر اليه بسعادة
– أنه جميل جدا .. يشبهك كثيرا يا ميمي .
وكان هذا صحيحا فهو نسخة مصغرة عن أمه وفى هذا اليوم أكمل الشهرين
أبتسمت ميمي بسعادة فقد كانت سعيدة حقا أن الصغير لم يأخذ شكل والده والذي لحكمة الخالق توفى فى نفس اليوم الذي ولد فيه أبنه .. وجدوه مطعونا بعدة طعنات فى جسده وملقى بجوار صندوقا للقمامة بالقرب من احد البارات فى أمريكا والتحقيقات أثبتت أنها كانت مشاجرة أدت الى موته .. كانت نهايته بشعة كأفعاله .
قال فودة وهو مازال ينظر الى وجه الصغير مبتسما
– هل تعتقدان أنه سوف يخجل اذا كان لديه أب مسجون وله سابقة مثلي ؟
عقدت ميمي حاجبيها بعدم فهم وهي تنظر اليه بحيرة ولكن مرام فهمت .. دائما كانت تفهمه وقفت وذهبت اليه وأمسكت رأسه بيديها وقبلته على شعره
– أنت رائع .. وستكون أب لا مثيل له .
ثم أختنق صوتها من الدموع والتأثر من موقفه ثم عادت الى مقعدها وهي تنظر الى ميمي التى تملكها الذهول وقد بدأت تستوعب ما قيل , سألها فودة مبتسما
– ما رأيك .. سأتبناه وأتزوجك .. ولكن سيكون زواج مع ايقاف التنفيذ للأسف فأنا محبوس هنا لستة سنوات أخرى .
كانت قد تمت اعادة محاكمته وخفف الحكم لسبع سنوات وقد كانت معجزة , تابع
– سيكون عقدا بيننا ألغيه فى أي وقت تشائين أنه من أجل هذا الطفل الجميل .. حتى يعيش مرفوع الرأس بين الناس ولا يعيش مثلنا يحمل بداخله مرارة مساوئ والديه .
تفجرت الدموع من عين ميمي .. ولكنها كانت دموع فرح وسعادة .. لقد أستجاب الله لدعائها المستمر أثناء صلاتها التى لا تنقطع عنها أبدا .. وداخلها يقين بأن الله قد غفر لها ذلتها وسامحها عليها .
****
نامت ميمي وصغيرها الزنان ..
بعد يوم متعب وطويل وملئ بالأحداث وأجمل حدث فيه هو زيارتهم لفودة وما نتج عن تلك الزيارة .. أولا عرضه الزواج من ميمي وتبنيه لأبنها وثانيا .. أخبرها عن زيارة صالح له بكل تفصيلها .. لقد تنازل صالح عن كبريائه وذهب لزيارة فودة واستمع اليه .. لم تكن لتصدق شيئا كهذا .. وعرف من فودة أنها تحبه وأعلن أمامه صراحة أنه يحبها كذلك ومع ذلك أخبرها أنه مستعد لطلاقها ؟
أخبرتها مها أن مشكلتهما تتلخص فى عدم الثقة .. وقد تخلص صالح كما هو واضح من عدم ثقته بها ومنحها عفوه وأعاد اليها حريتها وترك لها القرار حتى أنه جعل والدها يتصل بها بعد ذلك اليوم فى المشفى لكي تحدد بنفسها موعد ذهابهم للمأذون لأتمام أجراءات الطلاق وسيكون صالح مستعدا فى أي وقت تختاره هي ولكن هي من ماطلت فى الأمر .. أخبرت والدها أنها مشغولة بين عملها ومؤازرة صديقتها ولا تريد تشويشا لعقلها فى الوقت الحالي .. كان تهربا فاضحا من جانبها ولكن أن يترك لها المبادرة كانت حركة خبيثة منه .. فهمتها الأن .. ان راهنت على حبه وصدقت ما قاله فودة وشواهد الأمور فانه يأمل أن ترفض فكرة الطلاق .. ولكن ماذا يريد ؟ أن تذهب هي اليه .. تذهب اليه بارادتها الحره دون ضغط منه أم أن كبرياءه مازال له الغلبة عليه ؟
ووسط حيرتها ولهفة قلبها والأمل الذي عاد يراوده تلقت أتصالا من والدها وبعد التحيات والسلامات والسؤال عن ميمي وأبنها الصغير قال
– كان يوم عمل طويل ومتعب خاصة وأن صالح فى الأسكندرية وسيبيت ليلته هناك .. ولا تغضبي مني فقد أخبرته أنك لم تنتقلي الى شقتك بعد وسمحت له أن يبقى فيها الليلة بدلا من أن يحجز فى فندق .. ألست معي فى ذلك ؟
ابتسمت مرام وجاهدت حتى لا تتحول أبتسامتها لضحكة عالية , لقد فهمت ما يرمي اليه والدها وهو يفهم أنها ستفهمه فقالت
– آه طبعا .. معك تماما .
– الوقت عندكم ليس متأخرا كثيرا .
ازدادت أبتسامتها أتساعا
– لا أبدا .. تعرف ليل الأسكندرية .. ساهرا وطويل .
رد بحماس
– نعم والجو ربيع .
– آه فعلا .
– حسنا .. سأتركك الأن لتفعلي الصواب .. وكلميني عندما تكونين متفرغة .
أطلقت لضحكتها العنان بعد أنتهاء المكالمة .. قال لها .. سأتركك لتفعلي الصواب .. هل يعني أن تذهب اليه ؟ ولما لا .. والدها لن يدفعها لفعل ذلك الا اذا كان متأكدا من أن صالح يحبها ويريدها وهذا ما أكده لها فودة اليوم وأكدت ميمي عليه من بعده بأنها تظن أن صالح يحبها وأنه ربما يكون نادم على سؤ ظنه ومعاملته القاسية لها .
****
كانت الساعة الحادية عشر ليلا وصلت الى باب الشقة
الشقة التى لم تطأها قدماها منذ تلك الزيارة الأولى والتى لم تكن متأكدة أنها ستحتفظ بها حقا , أخرجت المفتاح من حقيبتها وسحبت نفسا عميقا وزفرته .. ها هي تستعد لمعركة حياتها .. لعاشت بعدها بسعادة الى الأبد أو أنتهت حياتها الى الأبد فهي لن تحب رجلا فى حياتها كما أحبت صالح .
كان كل شئ ساكنا وهادئا وكأن لا أحد هنا ولكنها رأت سيارته بالأسفل ورأت أيضا نظرات حارس الأمن الفزعة لرؤيتها .. كان نفس حارس الأمن الذي رآها تصعد مع صالح ورآها تنزل بعدها بدقائق باكية وبملابس مشعثة .. أبتسمت له أبتسامة مشاغبة وحيته ببشاشة .
وجدت صينية على رخامة المطبخ عليها فتات خبز وكوب من الشاي وهذا دليلا آخر على وجوده .. أخذتها قدماها وأحساسها بالمكان الى حيث غرفة النوم .. فهي لم ترى الشقة كلها فى المرة السابقة
كان النور مضاء ولكن لا أحد فيها .. وسمعت صوت مياه الدش جارية فى الحمام الملحق بالغرفة وكان بابه مفتوحا .. ملأتها الأثارة ولكنها تمالكت نفسها ووقفت مكانها .. تريد أن تصنع أولا مشهدا دراميا لترى ردة فعلة وتلعب قليلا بأعصابه .
خرج صالح من الحمام يلف منشفة فقط حول خصره تماما كما رأته ليلة زفافهما أبتلعت ريقها وهي تلعن قلبها الذي راح يقفز ويضرب قفص صدرها .. وسيفسد عليها خطتها .
أنتبه صالح الى وجودها أخيرا ووقف مسمرا فى مكانه ينظر اليها ببلاهه وعدم تصديق .. تصنعت الغضب
– ماذا تفعل هنا ؟
أحمر وجهه وأحتقن
– آسف .. لم أعرف أنك تستخدمين الشقة .
عقدت ذراعيها أمام صدرها وقد كانت ترتدي ثوب ربيعي رقيق أستعارته من ميمي وتعرف أنها تبدو جميلة ومغرية فيه , قالت بترفع
– حتى ولو لم أكن .. كان يجب أن تستأذن أولا .
ضم قبضتيه وظهر الغضب فى عينيه
– قلت آسف .. سأرتدي ملابسي وأذهب على الفور .
– وقبل أن تذهب أترك المفتاح الأحتياطي الذي معك .. فلم يكن يحق لك الأحتفاظ به.
جلست مرام على حافة الفراش تستمتع بالنظر اليه وهو يدور فى الحجرة متوترا ويبدو عصبيا وهو يلملم ملابسه المبعثرة وعاد الى الحمام وخرج بعد قائق مرتديا ملابسه ووقف حائرا ينظر حوله على الأرض ..
– أين الجوارب والحذاء ؟ كانوا هنا .
عضت مرام على شفتها السفلى لتمنع نفسها من الضحك فقد خبأتهم ,
نظر اليها مضيقا عينيه
– أين هم ؟
هزت رأسها فصاح بها بغضب
– هل تظني أنني سأتحمل سخافتك ؟
رفعت حاجبيها وهي تنظر اليه بخبث
– أنت المعتدي على أملاكي فلا يحق لك أن تصيح بوجهي .
راح يقترب منها ببطئ
– لا تلعبي معي فأنت لا تعرفين ماذا تفعلين بنفسك .
كان يهددها وقد أقترب منها وعيناه هائجتان بمشاعر هي خليط من الغضب والشغف .. ربما ما كان يجب أن تستفزه وتسخر منه .. مال عليها فأضطرت أن تجلس نصف مستلقيه على الفراش ويديه تستند على الفراش وتحاصرها .
عظيم .. لقد أنقلبت لعبتها عليها وها هي ترتجف كورقة شجر وحيدة فوق فرع شجرة نفحة هواء أخرى وستطيرها .
نظرات مكر ذئب مفترس تجلت على وجهه وعيناه تثبتان عينيها وسألها
– ماذا تريدين ؟
سألته وقد أصبحت أسيرته
– هل تحبني ؟
ألتوت شفتاه بأبتسامة
– وهل تهتمين ؟
لعقت شفتيها ترطبهما
– نعم أهتم .
– لماذا ؟
رمشت عينيها بحيرة .. الخبيث قد قلب سؤالها عليها فدفعته من صدره بقوة ولم تبالي بأحتراق أصابعها لملامستها له
– آه .. أنا لن أجيب حتى أسمع ردك أولا .
وقفت بعيدا عنه بمسافة آمنه ورفعت وجهها بتصميم
– هل تحبني .. نعم أم لا ؟
نظر اليها بحنان أشتاقت اليه كثيرا
– قلت لك من قبل .. أحساسي نحوك ليس حبا .. ولا يمكن أن يكون عشقا .. فما أشعر به تجاهك لا أسم له .. أنه شئ لم يخلق لأحد غيري ولم يشعر به أحد من قبلي .
أنها نفس الكلمات .. يعيدها على مسامعها وكأن ما حدث بين المرتين قد أختفى وأزاله من وجودهما .. أرتعشت شفتها وقد أمتلأت عيناها بالدموع فسألها
– هل ستأتين الي أم آتي أنا اليك ؟
ستذهب هي اليه .. يكفي فراق ولوعة وأشتياق .. أنها تعشقة ويعلم الله كيف عاشت من دونه وكيف تحملت ظنونه .. ولكنه حبيبها وزوجها ومالك أمرها .
****
نامت بين ذراعيه .. تشعر بالسلام والامان
– صالح .. هل نمت ؟
قبل جبينها وقال
– وهل استطيع .. استمتع فقط بضمك .
ابتسمت وسالته
– هل حقا كنت ستترك المزرعة والمصنع وتستقر هنا ؟
– نعم .
رفعت راسه تسند ذقنها على صدره
– لماذا ؟
احمر وجهه قليلا ولكنه ابتسم برقة الى وجهها الجميل المرفوع اليه وقال بصوت محمل بالمشاعر
– من اجلك .. اردت ان اقوم بأي شئ يجعلك سعيدة ويدفعك للعودة الي .. فأشتريت هذه الشقة لك وتركت ادارة المصنع والمزرعة .. كنت اعرف انك لن تحبي العودة الى هناك بعد كل الاحداث السيئة التى حدثت بيننا .
دمعت عيناها تأثرا
– برغم انك كنت مازلت تراني سيئة .
اغتم وجهه وقال
– حبيبتي لقد وصلت الى مرحلة فى عشقك لم يعد يهمني فيها ما انت عليه .. كنت احبك واريدك بيأس .. حاجتي اليك كانت تؤلمني وبعدك يوجعني .. وفكرة فقدك تفقدني عقلي .
احتضنته بشدة
– اكثر ما كان يؤلمني هو فكرتك السيئة عني .. اعترف انني فى مرحلة ما كنت سيئة ولكني كنت احاول ان احمي نفسي احاول النجاة لانني اعلم انني وحدي .. احببتك بسهولة لم اكن اتخيلها واردت حقا ان اعيش معك طوال عمري ولكن الظروف حالت دون ذلك .
– ليتني وثقت بك ولا عذر لي الا انني احببتك لدرجة لم أتحمل فكرة خداعك لي .
عاد الصمت يسود بينهما قطعته مرام
– صالح .. لن اخدعك أبدا مرة اخرى .. كما انني اريد أطفال .
– وانا ايضا .
قالت بضيق وعيناها تلمعان بشقاوة
– وكيف سيأتون برايك ونحن ساكنين هكذا .
قال بخبث
– ظننتك قلت انك متعبه .
صاحت بحماس
– لم اعد كذلك .
ضحك صالح بقوة وهو يضمها اليه ولم يكن هناك اسعد منه بعودة روحه اليه
*****

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غابت شمسها)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى