روايات

رواية غابت شمسها الفصل العاشر 10 بقلم مايسة ريان

رواية غابت شمسها الفصل العاشر 10 بقلم مايسة ريان

رواية غابت شمسها الجزء العاشر

رواية غابت شمسها البارت العاشر

غابت شمسها
غابت شمسها

رواية غابت شمسها الحلقة العاشرة

أيقظها بقبلة على قمة أنفها فتمطعت تحت الأغطية مبتسمة وعيناها مازالت مغلقة
– أستيقظي سنتأخر على رحلتنا .
فتحت عيناها على أتساعهما وقالت بدهشة
– رحلتنا ؟
تأملته .. كان صالح يرتدي ملابسه .. شورت بيج وقميص أبيض واسع وشعره رطبا من أثر الأستحمام , قال مبتسما بمرح
– رحلة بحرية على متن يخت .. حجزتها من أجلك بالأمس .
خرجت من الفراش بسرعة فقد كانت تشتاق للخروج ورحلة بحرية هي أكثر مما تحلم به , أسرعت الى الحمام فاستوقفها بقوله
– لا تنسي أن ترتدي ثوب سباحتك المثير ذاك
فاستدارت اليه بعجب فتابع بسرعة
– ولكن أرتدي فوقة شيئا محتشما .. سآخذك الى مكان تسبحين فيه ولا يستطيع أن يراك فيه أحد غيري.
ضحكت بسعادة وقالت بأثارة
– لا يهم .. طالما ستتركني أسبح .
وهي تحت الدش راحت تفكر .. لم يمنعها صالح من أرتداء ثوب السباحة على الشاطئ لانه يرغب فى التحكم في أفعالها ولكن لأنه يغار عليها ويريد حمايتها من عيون الناس الجائعة على جسدها .. شعرت بدفقة من المشاعر الدافئة تغلفها فالغيرة والأهتمام مرادفان للحب وهو يحبها حقا .. لقد حجز للرحلة بالأمس وهي التي كانت تعتقد أنه كان يتجاهلها وكان هو يخطط لأسعادها .
أرتدت ثوب سباحتها وأرتدت فوقه سروال من الكتان الأبيض وقميص بحري بأزرار أمامية قصير الأكمام وعقدت شعرها برباط مطاطي حتى تستطيع وضع قبعة القش الواسعة الحواف على رأسها وخرجت من الغرفة يملأها الحماس
– أنتهيت .. ما رأيك ؟
نظر اليها بأبتسامة واسعة
– جميلة ورائعة وحبيبتي .
فضحكت بسعادة وأقتربت منه وعانقته بحب فاشتدت يده من حولها وبعد لحظات تلوت مبتعدة عنه تقول
– هاي .. سنتأخر .
زفر بقوة وتمتم متبرما
– ليتني لم أحجز تلك الرحلة .
ضحكت وهي تجذبه من يده الى الباب
– هيا .. أشعر بأنني لم أرى الشارع والبشر منذ قرون .
****
حدقت مرام أمامها بصدمة فى اليخت المتوقف قرب المرسى فاغرة فاها ثم نظرت الى صالح وقالت بجمود
– أنت تمزح .
فشل فى أخفاء ابتسامته
– ألا يعجبك ؟
أحمر وجهها غضبا وهي تعود للنظر من خلف زجاج نظارتها الشمسية الى قائد اليخت أو قائدة اليخت .. فقد كانت أمرأة .. فى بداية الثلاثينات من عمرها تقريبا .. جميلة جدا وذات جسد رياضي .. ترتدي سروال جينز قصير جدا ( هوت شورت ) يظهر ساقيها الملوحتين وقد بدتا لمرام طويلتان بلا نهاية ومن فوقه تي شيرت خفيف وقصير يظهر خصرها النحيف الذي كان بلا قطعة شحم زائدة .. استدارت اليه مرام تعطي ظهرها للمرأة التي تنتظرهما عند مؤخرة اليخت وسألته بحدة
– وكيف تعرفت اليها ؟
أجاب بحذر
– قابلتها في بهو الفندق ليلة أمس ولكنها لم تكن ترتدي هكذا .
وقبل أن تقول مرام شيئا استطرد بسرعة
– لقد طلبت من ادارة الفندق أن يؤجرا لي قارب لنبحر به فقالوا أنه من الصعب أن أجد قارب يسمح لي بقيادته منفردا في هذا الوقت وعندما أخبرته أن زوجتي ترغب بالسباحة ولا تريد رجلا غريبا معنا فنصحني بأستأجار يخت مونيكا وأتصل بها وجاءت لمقابلتي وتم الأمر .
عجزت مرام عن قول شئ وكأن شفتيها قد ألتصقتا ببعضهما بالغراء وبعد زمجرة عنيفة استدارت وتوجهت الى اليخت بخطوات غاضبة .. سمعت ضحكة صالح من خلفها وهو يلحق بها .. وقفت متردده عند اللوح الذى وضع لتعبر فوقه فجاء صالح من خلفها وحملها بسهولة بين ذراعيه وقفز بها الى سطح اليخت فنظرت الى مونيكا بحدة تستطلع ردة فعلها فوجدتها تبتسم لهما وراحت ترحب بهما بحبور ثم دعتهما الى رؤية اليخت من الداخل قبل الأبحار .. كان اليخت صغيرا ولكنه جميل ويبدو جديدا وكانت مونيكا بحارة كفؤة كما قال صالح بعدما أصبحا فى عرض البحر فقالت بحنق
– وكيف لك أن تحكم على كفاءتها .. خبير أنت فى الأبحار على ما أظن .
أبتسم بشدة فقالت بحدة
– لماذا تضحك ؟
همس فى أذنها
– لأنك تغارين .. وهذا يسعدني لدرجة لا تتخيلينها .
أحمر وجهها وقالت
– أنت زوجي ومن الطبيعي أن أغار عليك .
هز رأسه وقال
– هناك دوافع للغيرة عدا الحب .. فهناك غيرة بدافع الغرور وهناك الغيرة التى تكون بدافع الحب وهي التي تحرق وتكوي القلب وأنا أستطيع أن أرى نار قلبك من خلال عينيك وهذا ما يجعلني سعيدا .
نعم هي تغار ولا تتحمل أن ينظر الى أمرأة أخرى ولا أن تنظر اليه أمرأة غيرها .. ليس غرورا بنفسها وغيرة من أن تكون هناك أمرأة أفضل منها .. بل خوفا من أن يفقد أهتمامه بها ويذهب لغيرها .. تشعر بأنه ملكا لها . نظرت اليه بعجب .. هل أحبته حقا ؟ .. لقد قالت لنفسها منذ قليل أن الغيرة والأهتمام مرادفان للحب وهي تهتم به وتسعى لأرضاءه وتشعر بالغيرة الشديدة عليه .. اذن فهي تحبه .
****
قضيا فترة الصباح كلها فى السباحة والغطس واللعب فى الماء حيث أخذتهما مونيكا لزيارة جزيرة الطويل المشهورة بممارسة رياضة الغوص وبقيت مونيكا فى مقصورة القيادة تقرأ وقد أعطتهما مساحة من الخصوصية ولم تقاطعهما الا عندما جاء موعد الغداء وكانت قد حضرت لهما مائدة صغيرة على سطح اليخت وعليها مأكولات بحرية ورفضت مشاركتهما الطعام قائلة
– تفضلا أنتما بالهناء والشفاء .. أنا لا أتناول اللحوم بأنواعها ومعي غدائي النباتي ينتظرني فى المقصورة .
وبعد أنصرافها قالت مرام بلهجة ممطوطة وهي تراقبها
– لهذا تمتلك جسدا رشيقا .
لم تلاحظ أن نبرتها كانت حسودة حتى قال صالح ضاحكا
– وعلام تحسدينها ؟ .. ان جسدك أجمل من جسدها .
نظرت اليه بشك فتابع
– أعني حقا ما أقول .. جسدها كله عضلات فان حضنتها مثلا سأكون وكأنني أحتضن رجلا مثلي ..
ضاقت عيناها عليه بحدة وقالت
– انت تكذب .. فجسدها مثالي جدا .. أنت تقول هذا فقط كي تريحني .
– بل أقول الحقيقة .. ثم أنها أذواق .. فعن نفسي أحب أن يكون جسد المرأة لينا وطريا وناعما و.
قاطعته ضاحكة
– هذا يكفي .. لقد أقتنعت ولكني أحذرك من أنني سوف أراقبك عن كثب فى المستقبل .
****
عادا الى الفندق في الساعة السادسة مساءا
تركها صالح قرب باب المصعد وذهب الى الأستقبال لكي يطلب حجز طاولة للعشاء فى مطعم الفندق وضغطبت مرام زر المصعد لأستدعائه لحين عودته .
فتح باب المصعد من خلفها وفجأة شعرت بشخص يدفعها الى داخله حاجبا عنها الرؤية فذعرت وهمت بدفعه عنها عندما أكتشفت أن هذا الشخص ما هو الا فودة .. فتجمدت في مكانها وباب المصعد يعود ويغلق عليهما
– بحثت عنك فى كل فنادق الجونة حتى وجدتك .
كان ينظر اليها بشراسة وقد ضغط زر الصعود بعشوائية وتابع
– تزوجتي ؟ .. أخبرني سامح عن زواجك .. لم أصدق أنك فعلتي هذا بي .
دفعها بعنف فاصطدمت بجدار المصعد بقوة وتأوهت بألم , صرخ بوجهها المرتعب
– كلما وثقت بك خنتني .. ماذا أفعل بك هاه .. أقتلك ؟ وهذه المرة لن تجدي من ينجدك من بين يدي .
كان صوته يرتعش من شدة الغضب
– أنه نفس الرجل الذى أنقذك مني من قبل اليس كذلك ؟ ولكنه لن ينقذك مني هذه المرة يا مرام .
أبتلعت ريقها وهي ترفع كفيها أمام وجهها بخوف وقالت
– فودة أرجوك .. نحن أصدقاء فقط .. لم يكن بيننا يوما شئ ..
قاطعها بانفعال وقد أحتقن وجهه بشدة حتى ظنت أنه سينفجر
– حتى وان لم تحبينني .. كان يجب على الأقل أن تقدري شعوري ولا تتزوجي من وراء ظهري وتخدعينني بالقول انك سوف تتركيه .. ان كنتي صديقتي حقا كما تدعين كنت على الأقل صارحتني .
لقد كان يهذي .. فكلامه ليس منطقيا وخشيت أن يكون تحت تأثير المخدرات وسيؤذيها حقا هذه المرة ولن تجد من ينقذها منه , قالت محاولة أن تمتص غضبه
– أسمعني جيدا أرجوك .. لقد كنت مرغمة على هذا الزواج .. وليس في نيتي الأستمرار فيه .. كنت بحاجة لشخص يحميني .
أرتعشت شفتاه وكانت هناك نظرة يأس غريبة فى عينيه وهو يقول
– اذا أتركيه فورا .. استمرارك فى الزواج منه سيبعدك عني يا مرام وأنا فى حاجة اليك .
دمعت عيناه وتبخر غضبه وتحول فى لحظة الى طفل عاجز , مدت يدها بحذر وتردد وربتت على وجنته فهي مازالت تخشى من تقلب مزاجه
– أهدأ أرجوك .
ضمها اليه بقوة واضعا رأسه على كتفها وصدر عنه نشيج كالبكاء فوقفت عاجزة عن دفعه عنها .. لم يكن فى عناقه لها ما يدل على الرغبة بل كان عناق من بحاجة الى الأحساس بالأمان والأطمئنان فارتخت كتفاها وربتت على ظهره فى الوقت الذي فتحت فيه أبواب المصعد وخشيت مرام من أن يراهم أحد على هذا الوضع فيظن السؤ فدفعته عنها بلطف فتركها بتردد وهو يمسح عينيه .. كان حقا يبكي , وضعت يدها عند الباب حتى لا يعاود الأنغلاق وقالت بتوتر
– يجب أن تدعني أذهب الأن .
نظر اليها بحدة وقال
– أعطني الأمانة التي لديك أولا .
قالت بجزع
– لا يمكن .. زوجي سيكون فى الغرفة الأن .
تغير مزاجه من جديد وزمجر بشراسة
– مماطلتك زادت عن حدها .. هل المخدرات معك أم أنك تصرفت بها ؟
قالت من بين أسنانها وبصوت خفيض
– أخفض صوتك .. كيف سأتصرف بها أيها المعتوه .. أنتظر رسالة مني الليلة وسأحاول أن أجد وقتا أنفرد فيه بنفسي غدا وأسلمك اياها .. واذهب الأن ولا تأتي خلفي .
خرجت من المصعد واسرعت تعدو في الرواق ولم تكن تعرف فى أي طابق هي وكان يجب عليها العودة بسرعة الى غرفتها قبل أن يصل صالح اليها أولا .
صاح فودة من خلفها محذرا
– سأنتظر منك رسالة الليلة .
أسرعت مرام تنزل درجات السلم حتى وصلت الى الطابق الذي به غرفتها واخرجت البطاقة الممغنطة وفتحت الباب وتفقدت الغرفة سريعا ثم حمدت الله أن صالح لم يصل بعد .. دخلت الى الحمام وفتحت الدش وخلعت ملابسها على عجل .. وما أن دخلت تحت الماء الدافئ حت سمعت صوت صالح يناديها بقلق
– مرام ؟
فتح باب الحمام ونظر اليها عابسا وهي بحجرة الدش
– أنت هنا .. قلقت عندما لم أجدك فى أنتظارى .
أخرجت رأسها من فتحة صغيرة للباب الزجاجي وابتسمت له
– آسفة .. كنت بحاجة الى دخول الحمام ضروري .
هز رأسه وخرج من الحمام وأغلق الباب خلفه
سالت دموع الراحة من عينيها ثم راحت تتمهل في غسيل شعرها ودعك جسدها وعندما خرجت من الحمام كان صالح على الشرفة يتحدث على الهاتف وكان غارقا فى محادثة بدت هامة فلم يشعر بها فى البداية وعندما استدار ورآها ظل وجهه جامدا وحاجباه معقودان بشدة وكانت هي شاردة غير منتبهه لنظراته اليها .
جلست مرام على الأريكة والمنشفة فى يدها تجفف شعرها بشرود وهي تفكر فى فودة .. مصيبة حياتها الوحيدة .. وراحت تلعن اليوم الذى تورطت فيه معه ولكن كان هناك مشاعر متضاربة تتقاذفها فى تلك اللحظات .. فاذا كان فودة قد أصبح حملا ثقيلا على مشاعرها كان كذلك حملا أثقل على ضميرها .. ذلك الضمير الذى ظهر فى حياتها فجأة ولا تعرف لماذا ففى العادة كانت لا تهتم الا بنفسها والطوفان من بعدها ولكن ها هي تشفق وترثى لحال انسان آخر غيرها .
– حجزت العشاء فى التاسعة .
رفعت مرام رأسها مجفلة ووجدت صالح يقف مستندا على اطار الشرفة ينظر اليها متمعنا
, شيئا ما فى نظراته لم يريحها .. أم أنها تشعر هكذا فقط بسبب ما حدث ؟
ردت بابتسامه باهتة
– هذا جيد .
أعتدل فى وقفته وقال بجفاء
– سأذهب أنا أيضا لآخذ حماما .
تركت مرام المنشفة تنزلق من يدها بعد ذهابه وقالت لنفسها .. لابد أنها تتخيل فلا معنى لجفاءه هذا الا اذا كان الأتصال الهاتفي هو السبب .
****
اختفى قلقها فقد كان صالح يتعامل معها بطريقة طبيعية واصطحبها الى العشاء وقضيا أمسيتهما بمرح ولم تعترض عندما رفض أن يجعلها تخلع الوشاح الذي كان يغطي كتفيها العاريين بل أنها خضعت لمشيئته عندما صمم أن تضع مشبكا لتثبته وقبلت عن طيب خاطر فهي لا تريد أغضابه منها مرة أخرى .
سألته وهما على مائدة العشاء
– مع من كنت تتحدث على الهاتف ؟
رفع حاجبيه متساءلا فتابعت
– وأنت على الشرفة كنت تبدو متكدرا بعض الشئ .
أبتسم وقال
– آه .. كنت أتفقد أحوال المصنع .. العمال يجدون بعض الصعوبة فى التعامل مع الماكينات الجيدة واحداهم تعطلت اليوم فكنت أتحدث مع مهندس الصيانة .
ابتسمت وبدأت تشعر بالراحة أكثر .
خرجا وتمشيا قليلا ثم استقلا سيارة أخذتهم الى احد الكازينوهات التي تطل على البحر وتقدم عروضا أستعراضية وأعجبت مرام بالجو السائد حولها .. الصخب والمرح … جو أفتقدته خلال الفترة الماضية. ورأت بعض من الفنانين فأخذها الحماس وطلبت من صالح أن يدعها تأخذ صورا تذكارية مع بعضهم ووافق صالح بأمتعاض وقد كان يبدوا غير متلائم مع المكان ويتصرف بنفاذ صبر وعندما أنبته على ذلك أثناء عودتهما الى الفندق
– ألا تحب المرح أبدا ؟
قال معترضا
– بالطبع أحب المرح واستمتع بالموسيقى والغناء ولكن عندما يزيد الأمر عن حده الى درجة الأسفاف فهذا يفسد مزاجي ويوترني .
ثم استدار اليها وكانا أمام الفندق قائلا بحنق
– ثم بالله عليك .. ذلك الممثل الباهت شكلا وأداءا لما كنت تقفزين كالمجنونة كما لو كنت قد رأيت توم كروز ؟
ضحكت وقالت بخبث
– أنت تغار .
قال مستنكرا
– ومما أغار ؟ أراهن على أن عضلاته هرمونات فقد بدا كسولا ومتراخيا .
راحت تضحك أكثر وهي تردد مغيظة اياه
– أنت تغار .. أنت تغار ..
سحبها من يدها الى داخل الفندق وهو يقول من بين أسنانه
– والأن أخرسي فقد أصبحنا بين الناس .
****
في غرفة الفندق
شئ ما أقلق نوم مرام ففتحت عينيها وأدركت على الفور انها وحدها فى الفراش بحثت بعينيها حولها وكان النوم له الغلبة عليها فظلت مستلقية بضعة لحظات حتى صفا ذهنها .. كان باب الغرفة مغلقا وباب الحمام مفتوح ويصدر عنه نورا باهتا دليلا على ان لا احد يشغله , خرجت من الفراش تحك رأسها وبطرقة عفوية رتبت شعرها المشعث وسارت حافية القدمين الى الباب وقد ألقت نظرة سريعة على الحمام وكما توقعت وجدته فارغا .. لم تعرف كم الساعة الأن ولكن الظلام مازال حالكا ..
وجدت صالح جالسا على الأريكة فى الظلام ينظر عبر زجاج الشرفة المغلق وبدا شاردا تماما .. أقتربت منه وقدميها العاريتين لا تصدران أي صوت على البساط , وضعت يدها على كتفه برقة وقالت
– صالح ..
أجفل واستدار اليها بحدة فابتسمت له بوجهها الناعس
– آسفة لو كنت أفزعت .
مرت لحظات حتى تذكر أن يبتسم لها فسألته بقلق
– هل أنت بخير ؟
جذبها من يدها فدارت حول الأريكة وأجلسها على ركبتيه يضمها اليه بشدة ولكنه لم يرد على سؤالها فعادت تسأل
– هل أنت مريض ؟
مرت لحظات وظل صامتا فظنت بأنه لن يجيب أيضا وكان وجهها مدفونا في عنقه مما جعلها عاجزة عن رؤية تعابير وجهه ولكنه رد أخيرا بصوت مرهق
– أعاني من ألم خفيف في رأسي .
حاولت الجلوس مستقيمة وهي تقول
– لدي دواء جيد للصداع سأحضره لك و..
ولكنه منعها من الأبتعاد وقال
– أبقي كما أنت .. لقد أخذت بالفعل أقراصا مسكنة منذ قليل .
تنهدت وقبعت بهناء بين ذراعيه .. استند صالح على ظهر الأريكة وأخذها معه مريحا ذقنه فوق قمة رأسها وشعرت هي بأنه لا يريد الكلام فظلت صامته واندست به أكثر لتشعر بالدفئ , راحت أصابعه تعبث بخصلات شعرها الناعمة فأدت حركته الرتيبة الى جعلها تغرق فى النوم من جديد .
****
أستيقظت للمرة الثانية ووجدت نفسها وحيدة فى الفراش مرة أخرى وكان نور الشمس يملأ الغرفة فتساءلت بقلق اذا مازال صالح مريضا ؟ .. لقد حملها ووضعها فى الفراش ولكنه لم ينم بجوارها وعندما نهضت وبحثت عنه لم تجده فى الغرفة كلها .. تلفتت حولها تبحث عن هاتفها لتتصل به .. أين وضعته ومتى آخر مرة استخدمته .. ثم تذكرت أنها أرسلت منه رسالة بالأمس الى فودة تخبره فيها بأنها ستراه اليوم فى بهو الفندق لتعطيه أمانته أثناء توجهها الى صالون التجميل وسترسل له الميعاد بالضبط فى رسالة أخرى فقد وجدت أنها الطريقة الوحيدة التى تستطيع بها التخلص من صالح وتكون وحدها بدونه .. ولكن أين وضعت الهاتف ؟ بحثت عنه فى كل مكان حتى وجدته أخيرا على الأريكة محشورا بين ظهر الأريكة والوسادة .. كانت هذه احدى عاداتها السيئة .. تضع هاتفها بأي مكان ثم تبحث عنه وتجده بصعوبة .
كان الهاتف مغلقا فقد كانت حريصة على أغلاقه دائما بعد أن تنتهي من استخدامه حتى لا تأتيها مكالمات غير مرغوب فيها فى وجود صالح وكانت تهم بفتح هاتفها عندما تعالت الطرقات على باب الغرفة وكادت ان تفتح الباب بسرعة عندما تذكرت أنها مازالت ترتدي قميص نومها وقد يكون الطارق أحد موظفي الفندق من عمال النظافة فاسرعت الى غرفة النوم وأخذت مئزرا أرتدته وربطته حول خصرها ثم فتحت الباب .
شهقت بفزع وهي ترى فودة أمامها وهو يحمل حقيبة ظهر رياضية على كتفه فسألته
– ما الذي آتى بك الى هنا .. هل جننت .. ؟
قاطعها وهو يدفعها من أمامه ويدخل قائلا
– زوجك ليس هنا .. لقد رأيته يخرج من الفندق منذ قليل .
ثم تابع بمرارة
– بدوتما سعيدين معا كعاشقين بالأمس فقد كنت أراقبكما طوال الليل .
تجاهلت مرام قوله وقالت بتوتر
– وماذا لو عاد الأن ووجدك هنا ؟
استدار اليها بعنف
– أعطني ما يخصني بسرعة كي أرحل اذا .
نظرت اليه بغضب وصرخت به فى حده
– حسنا .. ولكنني لا أريد أن أرى وجهك بعد ذلك أبدا .
نظر اليها بغضب مماثل
– ولكننا لم نتفق على ذلك .. وعدتني أن تتركيه وتعودي لي .
أشارت له بسبابتها
– فودة .. أنت لست فقط مدمن بائس .. لقد أصبحت مريضا نفسيا تحتاج للعلاج .
ثم تركته وذهبت الى غرفة النوم وسحبت حقيبة ملابسها الفارغة بعنف من جوار خزانة الملابس وفتحتها بعصبية وهي تتمتم بغضب
– فلتأخذ .. قذوراتك أيها الكلب ..وأعدك .. أن .. لا .. أراك بعد ذلك أبدا .
كانت الحقيبة فارغة .. فارغة تماما .. وقفت مبهوتة وقد خلا وجهها من الدماء .. رمشت بعينيها للحظات ثم عادت تبحث فى الحقيبة كالمجنونة وتتحسس القماش الرقيق فربما ستجدها قد أخترقته مثلا .
جاء صوت فودة من عند باب الغرفة نافذ الصبر
– ما الذي يؤخرك .. هل حفرت لها فى الحائط وخبأتها .
رفعت وجهها الشاحب اليه وقالت
– لقد ضاعت .
تقدم فودة الى الداخل وهو يقول بحدة
– ماذا تعني بأنها ضاعت ؟
هزت رأسها وهي تشير بيديها المرتجفتين الى الحقيبة
– وضعتها هنا وكنت أطمئن عليها كل يوم تقريبا ولكنها أختفت الأن .
جذبها فودة بقسوة من ذراعها وقد شحب وجهه بدوره
– سوف أضيع .. سينتهي أمري ان لم تعطيني الهيروين .. لقد وعدت أصحابه بأنني سأسلمه لهم اليوم .
لقد أخذهم صالح .. لا يمكن أن يكون أحد غيره قد فعلها . لقد رأت اللفافة آخر مرة مساء أمس ولم يكن هناك غيرهما .. ثم تذكرت حالته التي كان فيها فقالت بخفوت
– صالح .. بالتأكيد هو من أخذهم ولكن كيف عرف عنهم ؟
قال فودة وقد أصبح مرعوبا الأن
– وماذا سيفعل زوجك بهم ؟
نظرت الى عينيه برعب مماثل
– صالح كان ضابط شرطة وأخشى .. أخشى ..
ولكن لا .. صالح يحبها ولن يسلمها للشرطة لتحبسها , قال فودة بحدة
– ابحثي جيدا ربما يكونوا مازالوا هنا .
تحركت بسرعة تبحث فى الخزانة أولا وتولى فودة أمر الأدراج
– عم تبحثان ؟
أستدار كلاهما بحدة الى مصدر الصوت وكان صالح يقف عند الباب باسترخاء ولكن عيناه كانتا بؤرتين من الجحيم , كانت مرام ترتجف والدموع بدأت تسيل من عينيها وهي تنظر اليه برجاء صامت , قال فودة بانفعال ردا على سؤاله
– أنت تعلم عم نبحث .. أين هم أعطهم لي ؟
نظر اليه صالح ببرود قاتل
– وما الذي سيجبرني على أعطاء أي شئ لك .. فأنا ضابط شرطة وهذا ضد مبادئي .
قال فودة بتوتر شديد
– ان لم تعيدهم لي سوف تؤذي مرام كذلك فهي شريكتي فى كل شئ وبالمال أيضا .
ابتسم صالح أبتسامة ذئبية وهو ينظر الى مرام وكأنه يعريها
– وأنا بالطبع كما ترى لا أستطيع العيش بدون زوجتي الجميلة المخادعة .
ضمت مرام عنق مئزرها كرد فعل غريزي على نظرته المهينه لجسدها الشبه عاري أسفله وقد استفزت طريقته فودة مما جعله يصيح بغضب
– أنها لا تحبك ..
استدار اليه كلاهما .. صالح ببرود ومرام بصدمة وتابع
– لقد تزوجتك لأنها كانت خائفة عندما أختفيت .. أرادت من تحتمي به ..فلم تجد غيرك أمامها .
قالت مرام بصوت باك
– أخرس الله يلعنك .
ولكنه تابع وهو ينظر الى صالح بتشفي
– لقد خطبت لأبي كذلك .. وكادت أن تتزوج به لولا أنني ظهرت ومنعتها .
ثم نظر الى مرام وسألها بتحدي
– هل تنكرين ذلك ؟
ثم وجه حديثه الى صالح من جديد والذي كان يستمع اليه بجمود
– أنها سافلة .. لا يهمها ان جمعت بين الأب وابنه .
نظرت مرام الى صالح بيأس وهي عل شفى الأنهيار
– لا تصدقه .. أنه لا يعي ما يقول .. لم يكن بيننا أي شئ من هذا أبدا .. لقد تزوجتك وتعلم جيدا أنني لم يكن لدي تجارب من قبلك .
شخر فودة ساخرا وقال
– الفتيات هذه الأيام لديهن طرق للأستمتاع ولكن دون المساس بطهارتهن .
لم تتحمل مرام سفالته أكثر من ذلك فهجمت عليه وخمشته في وجهه بأظافرها ثم راحت تركله بقدميها عندما كبل معصميها ليبعدها عن وجهه
– أخرس أيها الكلب والا قتلتك .
دفعها فودة عنه بقوة حتى كادت أن تسقط على ظهرها وصاحت به
– أذهب من هنا أيها الحقير .
ولم يتدخل صالح بينهما ونظرت مرام اليه .. كان يتابع المشهد بازدراء وقرف شديد فأنكمشت وهي تعض على شفتها السفلى بمرارة.
صرخ فودة بعصبية وهو ينقل نظراته المجنونة بينهما
– أعطوني المخدرات أولا وسوف أذهب .
تقدم صالح فى الغرفة بهدؤ ورفع يده الى ما فوق الخزانة وسحب الكيس البلاستيكي الذي به لفة المخدرات , أسرع فودة وجذبها من يده بلهفة وأخرجها من الكيس يتأكد من أنها هي ثم تنهد براحة وأعادها داخل الكيس مرة أخرى وأخذ حقيبة ظهره عن الأرض وقبل أن يضع لفافة المخدرات بها أخرج رزما من النقود وقال لمرام
– هذه نقودك مع الأرباح .. الضعف كما أتفقنا .
تقدم صالح منه بحدة وأخذ النقود بعنف وقسمها الى نصفين تماما ورمى بنصفها الى فودة
– خذ أرباحك معك .. فلن أسمح أن يدخل قرشا من حرام الى بيتي .
أخذ فودة النقود وأعادها الى الحقيبة ولم يقل شيئا واسرع الى الباب وهو يقول بنظرة أخيرة الى مرام
– سوف أنتظرك .. عندما يتركك عودي الي .
كادت أن تبصق في اثره ولكنها ظلت واقفة فى مكانها ترتعش ولكن .. خطر فى بالها شئ فنظرت الى صالح بشك
– لماذا تركته يذهب بهذه السهولة ؟
أبتسم هازئا ومازالت عيناه مشتعلتان بنار جحيمهم فقالت وقد جف حلقها
– ماذا خططت له ؟
رفع حاجبه بترفع وقال بنفس ببروده المميت
– سيلقى القبض عليه بالطبع .
هزت رأسها بجزع وقالت بدون تفكير
– لا .. لا .. أرجوك لاتجعلهم يقبضون عليه .
وفكرت .. أنها يجب أن تلحق به لتنقذه فبرغم نذالته معها الأن الا أنه ليس سيئا .. أنه صديقها .. وسوف يقضي بقية عمره فى السجن وربما يعدموه وستكون هي السبب .
نظرت الى صالح برجاء وهي تهم بالخروج
– يجب أن ألحق به وأحذره .
ولم تعرف أنها بموقفها هذا وبتلك الكلمات قد حررت الوحش من داخله وقد كان حريصا من قبل على أن يتمالك نفسه لآخر وقت فألتفت أصابعه على ذراعها وغرزت بقوة داخل لحمها جاذبا اياها بقوة قائلا بقسوة
– أنت لن تذهبي الى أي مكان .
أنتفض جسدها ألما وخوفا وقالت بارتباك
– فودة ليس سيئا .. كما تعتقد .. أنه .. أنه .. أنا..
قاطعها بغضب هادر يتهمها
– تحبينه .
قالت بسرعة باكية
– لا .. ليس هكذا .. أرجوك دعني ألحق به وبعدها سأشرح لك كل شئ .
تركها على الفور وهو يقول بقسوة
– أذهبي اذن .. الشرطة في أنتظاره بالأسفل .. هيا ألحقي به ولكن اذا ألقت الشرطة القبض عليكما معا لن أتدخل من أجلك .
تسمرت مرام في مكانها ونظرت اليه متسعة العينين فتابع بحقد شديد
– ماذا ؟ .. ألن تلحقي بعشيقك كي تنقذي رقبته من حبل المشنقة الذي ينتظره ؟
هزت رأسها تشعر بالهلع وتخيلت المصير الذي ينتظر فودة وينتظرها فى حالة لحاقها به .. جلست على الأرض تبكي وتنتحب بشدة .. أنها لا تصدق ما آل اليه حالها بعد أن ظنت أنها وجدت أخيرا سعادتها والأنسان الذي أحبها وأحبته .. رفعت وجهها الباكي الى صالح والذى وقف كالجبل منتصبا فوقها ووجهه خاليا من أي شفقة أو رحمة .. لم يعد يشبه أبدا الرجل الطيب المتسامح الذي تزوجته منذ بضعة أيام قليلة وقد أغرقها فى بحار حبه .. وقف الأن كمارد منتقم فوق رأسها يتلذذ برؤية ذلها .. يبرد سريان دموعها من نار حقده عليها , لم تحاول الدفاع عن نفسها فما سمعه من فودة نسف أي أمل لها لكي يفهم الحقيقة .. ولكن أية حقيقة ؟ .. فهل كذب فودة في شئ ؟ .. ألم تسعى للزواج حقا من والده ؟ .. وألم توافق ضمنيا على أخذ مال المخدرات عندما يعيد اليها نقودها بفوائدها من تجارته ؟ .. وألم تخطط للزواج منه بحيلة من حيلها وقامت بأغواءه كي تضمن لنفسها حاميا ولم يكن الحب هدفها وانما الطمع والجشع ؟
– بصمات أصابعك مازالت على اللفافة والرسائل التى كانت بينكما نسخة منها بكل سهولة ستضم الى محضر القضية .
سألته بشهقات بكاءها
– ماذا تعني .. هل ستسلمني للشرطة ؟
– مادمت معي ستظلين خارج القضية ولكن ان فكرت بتركي من السهل علي جدا ألقاءك فى السجن بجوار حبيبك المدمن تاجر المخدرات .
حدقت به بذهول .. كانت تظن بأنه سيطلقها ويلقي بها فى الشارع فسألته بذهول
– هل .. هل مازلت تريدني بعد كل ما حدث ؟
هجم عليها ورفعها عن الأرض يهزها بقوة وهو يصرخ بوجهها بوحشية
– نعم مازلت أريدك .. ولكن ليس كما كنت أريدك من قبل.. فمن الأن وصاعدا سيتغير كل شئ .. أولا سأجعلك تدفعين ثمن خداعك وكذبك ولهوك بي .. لن تجدي مني أي أحترام فأنت لا تستحقين أحترامي .. ولن تجدي في قلبي من ناحيتك أي ذرة عطف أو لين .. وأنصحك بأن توفري دموع التماسيح هذه ولا تدعي الرقة والمسكنة فقد أصبحت أراك على حقيقتك .
ثم دفعها عنه باشمئزاز فسقطت على الفراش وقال لها بأحتقار
– ذكريني أن أعتذر لوالدك عن عدم تصديقي له عندما حاول كشف زيفك لي .
****

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غابت شمسها)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى