روايات

رواية غابت شمسها الفصل السابع عشر 17 بقلم مايسة ريان

رواية غابت شمسها الفصل السابع عشر 17 بقلم مايسة ريان

رواية غابت شمسها الجزء السابع عشر

رواية غابت شمسها البارت السابع عشر

غابت شمسها
غابت شمسها

رواية غابت شمسها الحلقة السابعة عشر

عاد الشتاء وانتصف ..
وعادت الشمس تغرب مبكرا .. تبخل بنورها ودفئها .. تحتضن مياه البحر بروعة ألوانها .
ظلت مرام جالسة فوق الصخور ساكنة .. تستمتع برؤية غروب الشمس الذى أصبح لها مثل العشق .. عندما تنتهي من عملها تأتي للجلوس هنا ثم تعود الى البيت بعد أن يحل الظلام .
وقفت حاملة حقيبتها على كتفها وخطت فوق الصخور ومنها الى ممشى الكورنيش .. المسافة الى البيت من هنا كانت طويلة ولكنها تفضل أن تتمشى .. فساعة من المشي ترهق عضلات جسدها وتقلل من تركيز عقلها حتى اذا ما جاء موعد نومها تسقط فيه على الفور دون لحظة تفكير فقد عانت لأيام طويلة من الأرق …
بعد أن هربت من بيت المزرعة ومن حياتها البائسة منذ شهرين والنصف تقريبا وعادت الى الأسكندرية , لم تذهب الى بيت خالها فقد كانت تتوقع أن يبحث عنها صالح هناك نظرا لأنه قريبها الوحيد وأمها بالطبع لم تكن بالحسبان .. في الأول أتصلت بصديقتها ميمي وكان هاتفها مغلق فذهبت الى بيتها وأخبرها الحارس أنها سافرت وشقيقتها مع والديهما .. وشعرت للحظات بالضياع فهي لا تملك مالا ولا مكان تذهب اليه حتى خطرت على بالها .. انسانة تعرفها معرفة سطحيه ولكنها قد تكون الشخص المناسب حتى تجد لنفسها عملا وبيتا .
أستقبلتها مها والدة شرين زوجة خالها بترحاب شديد وقد أخفت دهشتها جيدا لرؤيتها تقف أمام باب شقتها وهي بحالة مزرية وقالت لها بحبور
– مرام .. ما هذه المفاجأة الحلوة .. أدخلي .
دلفت مرام الى الشقة .. كانت تعلم أن والدة شرين أرملة منذ سنوات طويلة وتعيش وحدها بعد زواج أبنتها الوحيدة .. لم تصطدم يوما معها وكانت دائما تعاملها بكياسة وتهذيب وكانت مرام تكن لها شئ من الأحترام من أجل ذلك لهذا عندما كانت تبحث فى ذاكرتها عمن تلجأ اليه قفزت صورة هذه السيدة الى ذهنها وكانت تتذكر موقع منزلها جيدا فذهبت اليها بدون تردد .
لم تسألها مها عن ما بها ودون أن تطلب أخذتها الى غرفة شيرين القديمة وقدمت لها ملابس نظيفة وأعدت لها الطعام وعندما حان موعد النوم طلبت منها مرام قائلة
– هل من الممكن أن لا تخبري أحد بأنني هنا .. حتى خالي وشيرين .
هزت مها رأسها موافقة
– بالطبع حبيبتي كما تشائين .
وطوال أسبوع كامل لم تطرح عليها المرأة أي سؤال .. وكانت تذهب كل يوم الى عملها فى المدرسة الثانوية التى تعمل بها معلمة فلسفة وتعود لتجد مرام قد نظفت البيت وحضرت الطعام لكليهما .. ولكن مرام كانت تعرف أنها لا يمكن أن تبقى على هذا الوضع طويلا .. تتطفل على حياة انسانه غريبة لا ذنب لها كي تتحمل أستضافتها واعالتها فى السكن والمعيشة .
وكانتا تتناولان العشاء بعد أن مر أسبوع عندما قالت مرام
– شكرا لأنك أستضفتني عندك كل هذا الوقت .. سأنزل غدا لأبحث عن عمل وأجد شقة ايجار لأقيم بها .
نظرت اليها مها بهدؤ
– هل مللت مني ؟
نظرت اليها مرام بدهشة وقالت
– بالطبع لا .. ولكن يجب أن تكوني أنت من مل مني .
قالت مبتسمة
– على الأطلاق .. بعد زواج شيرين صرت أشعر بوحدة قاتلة .. عملي جيد ويلهيني ولكن الليالي طويلة وقد أشتقت لصوت آخر معي بالبيت .
– ولكنك تزورين خالي وشرين أحيانا أليس كذلك ؟
– بلى صحيح .. ولكني بطبعي أشعر بالحرج .. لا أحب التطفل على حياة أبنتي وزوجها كثيرا .
سألتها مرام
– ومتى ستلد شيرين ؟
– أقتربت كثيرا .. أنت لم تريها .. أصبحت تشبه جوال البطاطس على رأي مروان .
ثم ضحكت فابتسمت مرام .. كانت ستصبح مثلها يوما ما اذا ما أكتمل حملها
أخرجتها المرأة من تفكيرها وهي تقول
– ما رأيك أن تبقي معي حتى تستقر أمورك ؟ .. أبحثي عن عمل ليشغل وقتك اذا أردت ولكن لا داعي لكي تبحثي عن مكان تعيشين فيه أعتبري أنك قد أجرت تلك الغرفة مني ولكن بدون مقابل مادي يكفي أن تكوني ونس لي فى وحدتي .
ابتسمت لها مرام بأمتنان وسألتها بعد مرور وقت من الصمت
– أنت لم تسأليني عن شئ حتى الأن .. ولا تعرفين سبب وجودي عندك ولا السبب الذى يجعلني أخفي وجودي عندك عن خالي .
قالت المرأة بهدؤ
– أعلم أنك هربت من بيت زوجك ولكني لا أعرف السبب بالطبع .. وأعلم أن زوجك ووالدك يبحثان عنك كالمجانين وقد أثرت قلقهم جميعا بأختفاءك بما فيهم خالك … فأنا أزور أبنتي كما تعلمين .
أحمر وجه مرام .. بالطبع كانت ستعرف ان لم يكن منها سيكون من أبنتها ولكن فكرة أن يكون أحد قلق عليها كانت مضحكة .. والدها ربما بعد أن بدأ يشعر تجاهها ببعض العاطفة والمسؤولية ولكنها لن تخاطر بالأتصال به حتى لا يعرف صالح بمكانها .. أما خالها مروان لا يقلق عليها فى العادة فهو يراها قوية ومستقلة وقادرة على النجاة وحدها وكانت لتوافقه الرأي لولا ما تعرضت له خلال الشهور القليلة الماضية لتكتشف أنها هشة جدا وضعيفة من الداخل .
– لم أخبرهما أنك عندي .. ليس قبل أن تأذني لى .
– سأخبر خالي بالطبع ولكني لا أريد أن يعلم أبي أو غيره عني شيئا .
لم تلفظ أسمه عن عمد .. تتوقع أن يكون قد طلقها بالفعل ويحضر الأن للزواج من ابنة عمه .. فلماذا يبحث عنها اذن ؟ أمن أجل أن يسلمها ورقة طلاقها ؟ أم لينفذ تهديده ويزج بها فى السجن لأنها تجرأت على الهرب منه .
نظرت مرام الى مها ووجدت نفسها تشعر بالثقة تجاهها فأخبرتها كل شئ .. كل شئ حدث لها منذ وفاة جدتها وما قبلها .. عرت نفسها أمامها وأعترفت بأخطاءها دون تزيينها .. أخبرتها عن فودة والمخدرات وعن والده وكيف ذهبت لتختبئ منه عند والدها عندما أكتشف ما تخطط له .. حدثتها عن زواجها من صالح وأسبابه وكيف تحول مكرها الى عشق وكيف تحول حلم شهر عسلها الى كابوس .. حدثتها عن آلام نفسها عندما فقدت جنينها ومعه فقدان حبها لزوجها الذى جرحها وأذلها .. نعم أنها لم تعد تحبه أبدا .
وبعد عشرة أيام من وجودها ببيت مها أنجبت شيرين طفلتها الصغيرة زينب وفوجئ خالها مروان بوجودها فى المشفى بصحبة حماته .. عانقها بقوة ورأت الراحة فى عينيه وراح يعاتبها على عدم اللجؤ اليه والأتصال به كي يطمئن عليها فدهشت .. لقد تغير بدوره مثل والدها ثم عاتب حماته أيضا ولكن بلطف لأنها أخفت عنه أمرها فدافعت مرام عنها بقولها أن هذه كانت رغبتها هي
حمل ابنته الوليدة بين ذراعيه برقة شديدة وجلس بجوار مرام وقال
– سأهتم بها وأرعاها دائما .. وان أصبح لها أخ سأعلمه أن يكون سندا وحاميا لشقيقته .. سأجعله يفعل معها ما لم أفعله معك .
كان ينظر الى وجه أبنته الصغير بحب وهو يتحدث ثم نظر اليها بندم
– لم أكن لك أخا جيدا ولم أكن خال مسؤول .
ابتسمت له مرام بتسامح
– كلانا لم نكن جيدين لبعضنا .
– هذا صحيح .. تركنا أمرأة عجوز قاسية تشوة عقولنا وتقلبنا على أنفسنا .
أنحنى يقبل جبين ابنته ثم استطرد
– وهذا ما لا يجب ان نفعله نحن بأبنائنا أبدا .
طوقته مرام بذراعيها وهي تنظر الى الصغيرة مبتسمة
وعندما عرف مروان أنها تبحث عن عمل توسط لها للعمل فى شركة المحمول التى يعمل بها فى خدمة العملاء وشعرت بالسعادة لأن أهم مشاكلها قد حلت .
****
المول التجاري بسان ستيفانو
ستقتصد بقدر ما تستطيع .. كانت مرام فى حاجة الى ملابس جديدة فعندما تركت بيت المزرعة لم تأخذ معها شئ وبالقليل الذى كان معها أشترت الضرورى من الأشياء ولكن عملها وخروجها اليومي كان يجعلها تحتاج الى المزيد وخاصة الملابس الشتوية .. فاشترت معطف وسروالين من الجينز وثلاث كنزات صوفية كان عليهم عرض .. لم يكن هذا هو نوع الملابس التى كانت تسعى وتستميت للحصول عليها وكانت تحتال على جدتها وخالها وأحيانا أمها لشراءها ولكنها أصبحت تتعب فى جني ذلك المال لهذا يجب أن تحافظ عليه ولا تنفقه كله على الملابس .. غامت عيناها وهي تتذكر الملابس التى أنفقت عليها الكثير من نقود صالح .. ولم تهتم بتعبه فى جنيها ولم يهتم هو بأسرافها فقد أراد أن يعطيها كل ما تتمنى .
– مرام ؟
وكانت خارجة من متجر الملابس تحمل حقائب مشترياتها عندما جاء صوت غير مصدق من وراءها فاستدارت لترى من يناديها فصرخت
– ميمي .
واندفعت الى صديقتها بسعادة ولهفة وتعانقتا بقوة ولكن مرام كانت قد أبتعدت عنها بسرعة وهى تنظر الى بطن ميمي المنتفخة بدهشة وسألتها بعدم تصديق
– ميمي .. أنت حامل ؟ غير معقول .. متى تزوجتي ؟
بهت وجه ميمي وأطرقت براسها وتهربت من السؤال قائله
– تعالى نجلس فى مكان ما ونتكلم .
استغربت مرام وسارت معها وعشرات من الأسئلة المقلقة تدور فى رأسها
جلستا فى أحد الكافيهات وقالتا فى وقت واحد
– أين كنت ؟
صمتت مرام وتابعت ميمي
– حاولت كثيرا الأتصال بك وهاتفك كان دائما خارج نطاق الخدمة .
– آسفة .. كنت أعاني من ظروف منعتني من التواصل معك .. ولكني ذهبت الى بيتك وسألت عنك .. أخبرني حارس الأمن أنك سافرت الى والديك .
قالت ميمي بحزن
– لا لم أفعل .. شقيقتي هايدي هي من سافرت وستبقى دوما هناك أما أنا …
أرتعشت شفتها السفلى وترقرقت عيناها بالدموع , فعقدت مرام حاجبيها بشدة وعادت الى سؤالها الأول
– متى تزوجت ؟
قالت ميمي باكية فجأة
– أنا لم أتزوج يا مرام .
تجمدت مرام من الصدمة وبعد لحظات أعتراها الغضب
– سامح ؟
هزت رأسها ايجابا
– وهل يعلم بحملك ؟
أخرجت محرمة ورقية من حقيبتها وجففت بها دموعها
– بالطبع يعلم .
– ولماذا لم يتزوجك ؟
– لقد رفض .
جزت مرام على أسنانها
– الكلب الداعر .. ووالديك هل يعلمان ؟
هزت رأسها ايجابا
– وماذا فعلا ؟
– سافرا وتركاني هنا .. تبرآ مني .. قالا أنني جلبت لهما العار .. أخذا شقيقتي حتى لا تسقط كما سقط أنا .
أختنقت مرام بغصة وهي تنظر الى وجه ميمي الباكي والتى تابعت
– معهما حق .. لقد ضيعت نفسي بنفسي .
وعادت دموعها للأنهمار .. فنظرت مرام حولها ولاحظت أنهما جذبا الكثير من العيون نحوهما وكان النادل يقف مترددا فى الذهاب اليهما فقالت مرام وهي تميل عليها
– هيا بنا نذهب من هنا حبيبتي .
خرجتا من المول واستقلتا سيارة ميمي وقادتها مرام بنفسها لأن حال صديقتها كان مشوشا .. واثناء الطريق راحت ميمي تحكي ..
– أخبرني كثيرا أنه يحبني وأنني المرشحة الوحيدة للزواج منه عندما ينوي على الزواج .. أعلم أنك حذرتني ولكنني كنت أحبه وأثق به .. وعندما استمر بعلاقاته الأخرى كان يجب أن أتركه ولكني أعتدت على علاقتنا ولم أعد أقوى على الأبتعاد وهو كان يعرف نقاط ضعفي وأحيانا كان يبتزني عندما أتمنع .
كان الغضب يتصاعد بداخل مرام أكثر وأكثر
– في زفافك كنت قد اتخذت قرار بتركه نهائيا عندما وجدته بصحبة احدى الفتيات بالشقة التى اعتدنا على اللقاء فيها .. ولكنه عاد يهددني بفيديوهات وصور لي معه وانه سينشرها ويعلم الجميع بها ان تركته .
ثم راحت تنتحب ومرام صامته وانتظرت حتى تمالكت نفسها لتتابع
– عندما اكتشفت أنني حامل أخبرته فطلب مني الأجهاض.
ألتوى قلب مرام ألما وهي تتذكر أجهاضها هي وتابعت ميمي والرعب على وجهها
– ولكنني خفت .. خفت كثيرا يا مرام .. لم استطع فعلها .. فلو مت سأدخل النار .
لم تستطع مرام التحمل وقد بدأت أعصابها تهتز .. فأعطت اشارة وأخذت جانب الطريق وتوقفت
وميمي مستمرة فى الكلام وكأنها لم تلاحظ توقف مرام بالسيارة
– لم أكن أصلي أبدا .. شربت الخمر والمخدرات وزنيت .. وكنت سأقتل نفس .. كيف سأقابل ربي بكل هذه الذنوب لو مت ؟
نظرت نحو مرام بنظرة معذبة .. تخللت مرام شعرها بأصابعها وأرادت أن تصرخ من شدة غضبها
– أين هو الأن ذلك الحقير ؟
– سافر .
سألتها بحدة والشرر يتطاير من عينيها
– سافر الى أين ؟
– أمريكا .. أرسله والده ليقوم بدراسات عليا .
قالتها بمرارة ساخرة , صاحت مرام باستنكار غاضب
– سامح ؟ .. ودراسات عليا ؟ .. في ماذا ؟ .. الدعارة والبلطجة ؟
اعتدلت فى مقعدها بحدة وسألتها
– ولماذا لم تذهبي لوالديه ليعرفا أبنهما على حقيقته ؟
– لقد فعلت .. رفضا تصديقي فى البداية ثم عرضت عليهما القيام بتحليل الدي ان ايه فقال لي والده .. ان الولد للفراش .. لم أفهم يا مرام .. ما معنى ذلك .. فقال ان ابن الزنا ينسب لأمه وليس لأبيه وأن أبنهما لن يعترف أبدا بابن غير شرعي لهذا ارسلوه بعيدا.. الطفل الذى سألده سيكون بلا أب .
– لماذا لم تبلغي الشرطة عنه ؟
– وبماذا أتهمه ؟ .. أنا لست بقاصر ولم يغتصبني .. كل شئ كان بارادتي وموافقتي .
نعم .. هذا صحيح .. ان أكثر من يضع عليه اللوم هي صديقتها .
****
ترددت ميمي فى الدخول ..
وقالت بخجل
– هل حقا لن تمانع ؟
قالت مرام بثقة وهى تدفعها أمامها الى داخل شقة مها
– لن تمانع صدقيني .. أنها سيدة رائعة وتحب استقبال الضيوف وخاصة المشردات أمثالنا .
ابتسمت ميمي وقالت
– مازال مزاحك ثقيلا .
– أنها الحقيقة .. فكلانا مشردا بائسا .. وكلانا نحمل ذنوبا وندوبا مؤلمة .
عبس وجه ميمي وهي تراقبها تغلق باب الشقة
– أصبحت كئيبه ومحبطة أيضا .
أبتسمت لها مرام
– دعينا اذن ننسى الكآبة والأحباط وتعالى معي الى المطبخ .. خالتي مها ستصل بعد قليل ويجب أن أجهز الطعام للعشاء .
أخبرتها مرام بالخطوط العريضة لما حدث معها وأنها تقيم مع حماة خالها لفترة مؤقتة حتى تجد سكن مناسب لها .
ساعدتها ميمي فى تحضير العشاء وبعد أن أنتهتا قالت
– مرام .. ألا يجب أن أذهب قبل أن تأتي فربما لن يعجبها أستضافة فتاة مثلي .
كانت مرام غاضبة من صديقتها لما ألحقته بنفسها ولكنها لم تستطع منع نفسها من الشعور بالشفقة عليها فهي تعلم مدى سذاجتها ومدى نذالة سامح وانعدام ضميره
– لا .. أبقي .. وأعدك أنها لن تتضايق من وجودك .
ثم اشارت الى بطنها وسألت بلطف
– فى كم شهر أنت .
– السادس .
– وكيف يسير الحمل معك ؟
– أعاني من بعض التعب والتشنجات من وقت لآخر ولكن غير ذلك فأنا بخير .
– تتابعين مع طبيب ؟
– نعم .
ترددت قليلا ثم قالت بابتسامة
– كنت عند الطبيب منذ يومين وأخبرني أنه ولد .
ابتسمت لها مرام وشاب ابتسامتها بعض الحزن ولكن ميمي لم تلاحظ وقالت بمرارةوقد أختفت أبتسامتها سريعا
– سيكرهني .. عندما يكبر ويعرف ما فعلته وكيف حملت به سوف يكرهني .
وسيسألني لماذا كتب على أسمي وليس على أسم أبيه .
عادت تبكي فضمتها مرام اليها
– الله أعلم ما الذي يخبئه القدر لنا .. ربما يستيقظ ضمير أبيه ويعود اليكما .
عادت مها وقد كانت كعادتها فى بيت أبنتها فمنذ مجئ حفيدتها وهي يوميا هناك وعندما رأت ميمي رحبت بها ببشاشة وترحاب شديد
– أنت ميمي أليس كذلك ؟
نظرت اليها ميمي بدهشة فتابعت مها ضاحكة
– أنت لا تتذكريني .. لقد تقابلنا فى فرح مرام .
زفرت ميمي بارتياح وابتسمت لها قائلة
– آه نعم هذا صحيح .. تذكرت الأن .
حضر ثلاثتهم مائدة الطعام ولم تكف مها عن التغزل فى حفيدتها وبعد أن أنتهوا من الأكل راحت تعرض صورها على ميمي ومرام
نظرت مها الى ميمي وقالت
– هذا حال الجدات أعذريني .. عندما تلدين بسلامة الله سترين كيف سيتعامل جديه معه .
شحب وجه ميمي ونظرت بقلق الى مرام التي قالت بسرعة لرفع الحرج عن الجميع
– من سيشرب شاي .
****
بعد رحيل ميمي رأت مرام الكثير من الأسئلة فى عين مها ولكنها لم تطرح منها شيئا فتطوعت مرام بأخبارها وكانتا جالستان فى حجرة الجلوس … واستمعت لها مها بتأثر شديد وقالت بأسف بعد أن أنتهت مرام
– خسارة .. ألف خسارة .. أن تنزلق شابة مثلها الى هذا الدرك .. وأين والديها مما كان يحدث فى حياتها .. كيف تركوها لتصبح هكذا ؟
– قضوا طوال حياتهم تقريبا يعملان بالخارج .. ميمي وشقيقتها هايدي تركا وحدهما هنا فى مصر منذ أن ألتحقتا بالمدرسة الثانوية .. فى البداية كانت أمهما معهما ثم ملت وعادت لعملها وزوجها .
أكملت مها
– وتركت بنتان مراهقتان وحدهما .. بلا راعي أو رقيب .. الكثير من الحرية والكثير من المال .. والناتج .. ضياع وفساد .
ثم هزت رأسها بحزن وأسف
– لا أدري كيف أصنفها .. جانية أم مجني عليها ؟
قالت مرام تدافع عن صديقتها
– مجني عليها بالطبع .. أنظري كيف حال والديها وذلك النذل الذي غشها ثم تركها .
زفرت مها
– مرام .. لا تدعي مشاعرك تجاه صديقتك يعميان بصيرتك .. جزء من حكايتها يجعلها ضحية ولكن فى المجمل هي من جنت على نفسها .. هناك الكثير من الظروف الصعبة التى قد تحيط بالأنسان وتسهل له طريق الضياع ولكنه فى النهاية مسؤول عن أختياره .. لو تأملتي ظروف ميمي لوجدتها أفضل كثيرا من غيرها .. كان لديها كل شئ .. المال والتعليم الجيد .. وفرت لها بيئة وامكانيات لو استغلتها بطريقة صحيحة لأصبحت شخصا مهما نافعا لنفسه ومجتمعه .. الحرية لا تعني الأستهتار والتمادى فى الغلط فقط لأننا نعرف أن العقاب غير موجود .. الحرية تعني المسؤولية .. فى وجود الأبوين تقسم المسؤلية بين الأبناء والأباء وفى عدم وجودهم تصبح المسؤولية كلها على كاهل الأبناء وهذا شئ صعب ففي الغالب يحب الشباب اللهو والأنطلاق والأكتشاف وكما قلت .. فى غياب المحاسبة وعدم الوعي والتأسيس السليم يصبح أبناءنا فى خطر عظيم والحرية التى منحت لهم تصبح كقنبلة منزوعة الفتيل قد تنفجر فى وجوههم فى لحظة سهو وهذا ما حدث مع صديقتك .
أكفهر وجه مرام وقالت بحزن
– وما حدث معي أيضا .
ربتت مها على يدها
– هناك فرق بين خطأ وآخر .. أنت أخطأت بالتأكيد ولكنه خطأ يسهل اصلاحه وأظن أنك تعلمت درسك واتخذت الطريق الصحيح وندمت عن ما فات الا من بعض الأشياء التى أرى أنها أخطاء مشتركة بينك وبين زوجك والتى لن تصلح الا بوجود كلاكما .. أما ميمي فللأسف خطأها أكبر وأعمق وأصعب من أن يداوى .. ان غفر الله لها وهو رحمته واسعة ان تابت وأخلفت .. ولكن هل يغفر لها الناس والمجتمع؟ وهذا الطفل كيف سيكون مصيره عندما يولد ويكبر فى هذا المجتمع الذي يمتاز بضيق الأفق ؟
تمتمت مرام
– نعم معك حق .
ثم قالت بتردد
– ولكن هل تسمحين لها بزيارتنا أحيانا .. فهي وحيدة تماما .. ليس لديها أحد غيري الأن .
– بالطبع حبيبتي .. تأتي فى أى وقت ويجب أن نساعدها حتى تقف على قدميها .
أندفعت مرام وأحتضنتها بقوة
– ليت كان لي أم مثلك .
ربتت مها على ظهرها وقالت بتأثر
– شكرا لك حبيبتي .. ولكن معظم الأمهات هكذا فى العادة .
ضحكت مرام وقالت
– حظي انا كان سيئا وحصلت على أم من النوادر .
قالت مها بعتب
– لا تقولي هكذا فربما لها ظروف جعلتها ..
هبت مرام واقفة وقالت تقاطعها
– لا .. لا أرجوك .. لا تدافعي عنها .. هل تعلمين أنها لم تتصل بي منذ شهور ولم تسال عني حتى بعدما علمت بأختفائي ومن قبلها بزواجي ؟
أحمر وجه مها وقالت رغما عنها بغيظ
– فى الحقيقة .. أنها انسانة فظيعة وكذلك والدي ميمي ووالدي سامح النذل .
وقالت مرام بكآبة
– وكذلك والدي فودة .
بالطبع جاءت ميمي على ذكر فودة .. حكم عليه بالسجن خمسة عشر عاما وقد قضى ثلاثة أشهر فى مركز تأهيل للعلاج من الأدمان .. وقدم محاميه نقضا على الحكم وقد قبل الطعن وهو فى أنتظار أعادة محاكمته .. والديه تطلقا وأمه وحدها من تتابع قضيته وقد أسس والده فرع لشركته بأوروبا وتزوج من فتاة تصغره كثيرا بالعمر وسافر معها .. رثت مرام لحاله بالرغم من أنه كان سببا فى دمار زواجها .. أخبرتها ميمي أنه يسألها عنها بأستمرار عندما تزوره واستغربت مرام من ذلك فعلقت ميمي على الأمر
– أنه الوحيد الذي بقيت على صلة به ولكني لم أزره منذ أن بدأ حملي يظهر علي .
وعرضت عليها أن تقوما بزيارته معا ولكن مرام رفضت الفكره بمجرد طرحها فهي لا تريد أن تتورط فى شئ جديد وراضية تماما بروتين حياتها الهادئ ولكن .. بعد أن أوت لفراشها فكرت .. ولما لا تزوره .. هي السبب فى ألقاءه بهذا السجن أو بمعني أدق تسبب زوجها بهذا .. هذا الزوج الذي بحث عنها لمدة أسبوع واحد ثم توقف .. والدها مازال يتصل بخالها ليطمئنه عليها باستمرار وقد أقنعه بأنها تتحدث اليه ولكنه لا يعلم بمكانها واكتفى والدها بذلك ولكن صالح لم يظهر فى الصورة أبدا ولا تعرف اذا ما كان قد طلقها أم لا .
****
أحمر وجه صالح واحتقن بشدة وكاد أن يحطم الهاتف فى يده بعد أن أنهى لتوه حديثه مع جلال زميله السابق وقد أخبره أن مرام قد حصلت على تصريح لزيارة فودة فى السجن وأنها هناك الأن .
كان قد صرخ فى جلال بغضب لأنه لم يوقف التصريح فأجابه جلال بهدؤ
– وصل التقرير أثناء وجودي فى احدى الحملات ولم أراه الا الأن .
ألقى بالهاتف فوق سطح مكتبه بعنف ولم يهتم اذا ما أنكسر
أربعة أشهر حتى الأن وهو يراقبها من بعيد .. يراقب كل خطواتها ويعد عليها أنفاسها .. عرف بمكانها بعد مرور أسبوعين من أختفاءها .. أسبوعين من العذاب الخالص .. حتى ظهر اسمها فى قاعدة البيانات بعد استخراجها فيزا كارد لحصولها على وظيفة فى شركة المحمول التى يعمل بها خالها ومن بعد ذلك كان العثور على عنوانها سهلا عليه .. وحتى الأن كان يرى أن سلوكها لا غبار عليه .. تعمل عملا شريفا وتعيش مع سيدة محترمة حتى جاءه هذا الأتصال الذي يحذره أن الأمور ستبدأ بالخروج عن سيطرته وهو لن يجلس هنا خلف مكتبه ويدعها تضيع من بين يديه والقرار الذى كان قد أتخذه بأن يعطيها وقتا لتستقر وتتعافى لم يعد يجدي .. أنه يريد زوجته ويريد أستعادتها وقد حان موعد ظهوره مرة أخرى فى حياتها سواء تعافت أم لم تتعافى .
****

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غابت شمسها)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى