رواية غابت شمسها الفصل الرابع 4 بقلم مايسة ريان
رواية غابت شمسها الجزء الرابع
رواية غابت شمسها البارت الرابع
رواية غابت شمسها الحلقة الرابعة
وفجأة جاءها الخلاص .. سمعت أولا أصوات تصيح من بعيد وخطوات تعدو نحوهما بسرعه وترك الشاب الآخر فودة وحده وتقهقر بسرعة الى الخلف عندما رفض ذلك الأخير تركها ..
قدم قوية طارت أمام وجه مرام وأطاحت بوجه فودة فاندفع جسده الى الخلف بعنف وأجبرته على تركها .. والشخص الذى ركله أسرع يمسك به ويرفعه على قدميه ويسدد له لكمة قويه فى معدته جعلته يتأوه ألما .. جلست مرام بصعوبة وتوقفت عن متابعة الصراع الذى يجرى أمامها وهى تشهق بقوة لتتنفس وانضم شخص آخر يساعدها على الوقوف ويطمئن على حالها وكان رجل أمن البناية التى تسكن بها , أستطاع فودة أن يتملص من يد الرجل الآخر ويهرب مستقلا السيارة التى كانت تنتظره والتى أقلعت به على الفور قبل أن يلحق به الرجل الذى عاد ليقول بصوت لاهث
– لقد فرا بسيارة .. لن نستطيع اللحاق بهما .
سأله حارس الأمن
– ألم تستطع أخذ أرقام السيارة ؟
رد عليه
– للأسف لا .
سألها حارس
– هل أنت بخير يا أنسه مرام ؟
حاولت أن تهز رأسها وتسيطر على شهقاتها المتتالية لترد عليه ولكن صوتها كان مختنقا داخل حلقها وتابع الحارس وكان يوجه كلامه الى الرجل الآخر
– أنها الأنسه مرام التى كنت تسأل عنها يا أستاذ .
رفعت مرام رأسها قليلا فظهرت ملامحها للرجل الممسك بها فصاح ذاهلا
– هذه أنت ؟!!!!
لم تعى مرام ما يعنيه وحاولت الوقوف متحاملة على يديها فصرخت من الألم فقال لها الرجل بخشونة
– أنت فى حاجة للذهاب الى المشفى .
قالت بصوت مرتجف وهى تضم ذراعها المصاب بيدها السليمة
– لا .. أنا بخير .
حاولت الوقوف مرة أخرى وعندما فعلت ترنحت وقد عجزت قدماها عن حملها وكادت أن تسقط فتلقاها الرجل بين ذراعيه فى حين قال له حارس الأمن
– أنها فى حالة اعياء شديدة .. أخشى أن تكون أصاباتها خطيرة .
قال الرجل الآخر بحزم وهو يحملها بين ذراعيه بسهولة ويسير بها
– سآخذها الى المشفى .
لم تعترض مرام ولم تستطع قول شئ فقد كانت شبه فاقدة للوعى وعندما وضعها فى المقعد الخلفى لسيارته تركت نفسها للظلام وجسدها يرتعش وكانت عاجزة حتى عن البكاء .
نظر صالح الى الفتاة النائمة على المقعد الخلفى لسيارته ووجهه مكفهر ويشعر بالضيق .. لقد جاء لرؤية المرأة التى عرف أن زوج شقيقته على علاقة بها والتى يسرق المال من أجلها .. لم يتوقع أن يجدها هى نفسها تلك الفتاة الشابة التى رآها تخرج معه من المصنع منذ أشهر قليلة وأدعى وقتها أنها أبنة صديق له .. ومما عرفه من موظف الأستقبال فى حينها أنها جاءت تسأل عنه .. عن صاحب المصنع فاعتقد صالح بعد أن عرف بعلاقتهما أن زوج شقيقته قد أدعى ذلك أمامها كي يغريها بالمال .. أنها باحثة عن الذهب لا أخلاق لها .. أشاح بوجهه عنها وهو ينطلق بسيارته .. سيساعدها فقط أرضاءا لضميره وانسانيته .
****
مشفى مبرة العصافرة
أوقف صالح سيارته أما باب المشفى وكانت الأقرب لمكان سكنها وقد نصحة بها حارس أمن البناية الذى أصر على الذهاب برفقته وقد شعر بمسؤليته تجاهها وترك زميلة وحده وأثناء الطريق قال له
– فتاة مسكينة .. صدمها ما حدث لها بالتأكيد .. أرجو أن تكون بخير ولم تتأذى كثيرا
لا يجب أن تترك فتاة شابة وجميلة مثلها لتعيش وحدها .. لا أعرف كيف يفكر والديها .. نحن فى زمن عجيب .. وهؤلاء الشبان أصبحوا خطرين .. لعن الله المخدرات التى تذهب بعقولهم .
ثم نظر الى مرام مشفقا وكانت قد فتحت عيناها وبدأ ذهنها يصفو وعندما توقفت السيارة أخيرا حاولت فتح باب السيارة لتخرج منها ولكن صالح منعها وهو يقول ..
– أبقى مكانك سنحضر لك كرسيا .
أسندت رأسها على جانب الباب وقد أصبح ألم ذراعها لا يطاق وشعرت به قد تورم .. انتظرت الى أن أحضر حارس الأمن أحد العاملين بالمشفى وهو يدفع أمامه كرسيا متحركا .. أنزلت قدميها وحاولت الوقوف
ولاحظ صالح أنها تتحرك بصعوبة فزمجر بنفاد صبر ومد يد ورفعها بسهولة من تحت كتفيها وساعدها على الجلوس .. كانت يداه خشنتان فظنت مرام للحظة بأنه سيقذف بها على المقعد ولكنه أجلسها برقة وبدأت تتساءل من يكون هذا الرجل وتذكرت أن الحارس قد ذكر أنه كان يسأل عنها فرفعت وجهها اليه لكي تتبين هويته ولكنه كان قد أصبح خلفها يدفع مقعدها بنفسه .
فى الأستقبال وقف صالح أمام موظفة الأستقبال يقول
– أرجوك أنها حالة طارئة .. لقد تعرضت الأنسة الى حادث أعتداء فى الشارع ويجب أن يراها الطبيب فورا .
سألته
– الأسم من فضلك .
رد
– صالح حسن الديب .
أبتسمت الموظفة وقالت
– أقصد أسم الحالة .. الأنسة .
– آه نعم .. آسف .
واستدار الى مرام وسألها
– يريدون أسمك .
أجابت بوهن
– مرام أحمد سلام .
رمشت عينا صالح متفاجئا وردد
– مرام أحمد سلام ؟
رفعت وجهها اليه بضيق وقالت
– نعم .
رأته يحدق فى وجهها بصدمة ودهشه شديدة .. أستطاعت مرام أن تتبين ملامحه بوضوح الأن وشعرت بأنها تعرفة وقد رأته فى مكان ما من قبل .. ولكن قبل أن تتذكر كان قد أستدار الى الموظفة ليسجل أسمها .
مرت ساعة أخذت مرام خلالها الى حجرة الأشعة لفحص ذراعها ثم حولت الى قسم العظام لتجبيرها وكان طبيب الأستقبال قد عالج خدوش وجهها وكتب لها دواءا مهدئا ومسكنات ونصحها بأن تأخذهم فور عودتها الى بيتها .. لم يتركها صالح طوال الوقت وقد صرف حارس الأمن كى يعود الى مناوبته وطمئنه الى أنه سيعتنى بها ويعيدها بنفسه الى البيت وقد أكد له أمام دهشة مرام بأنها تكون قريبته وعندما همت بالأعتراض قال بأبتسامة متجهمة
– والدك يكون زوج شقيقتى .
تعجبت مرام لتلك المعلومة ولكنها لم تقف عنها كثيرا وأكدت للحارس بأنها ستكون بخير وشكرته على تعبه .
****
ساعد صالح مرام على الصعود الى سيارته وذراعها اليسرى معلقة برقبتها وعندما نظرت الى السيارة تذكرتها جيدا وتذكرت صاحبها أيضا ولكن ما لم تكن تعرفه أنه هو نفسه شقيق زوجة أبيها والذى يمتلك كل شئ كما أخبرها والدها فسألته بمجرد أن صعد الى السيارة بجوارها
– لماذا أنت هنا .. ولماذا جئت تسأل عنى .. هل لأبى علاقه بالأمر ؟
أبتسم لها وعلى وجهه ما يشبه الشعور بالذنب
– كل هذه الأسئله ؟ لماذا لا أعيدك الى بيتك الأن .. لتستريحى وغدا ان أستطعت الخروج نلتقى ونتحدث .
أنتفض جسدها بشكل ظاهر عند ذكره عودتها الى البيت .. تعود الى بيتها ؟ وفودة .. والمخدرات التى تركها عندها ؟ .. سيعود بالتأكيد ليطالبها بها أو لينتقم منها ويكمل ما بدأه وقد لا تجد من ينجدها منه هذه المرة .
لاحظ صالح شحوب وجهها ونظرة الخوف فى عينيها فقال
– ماذا بك ؟ يبدو أن أثار الحادث النفسية كانت أكثر ضررا عليك من الأضرار الجسدية .. هل تريدين عمل بلاغ فى قسم الشرطة ؟ .. لو تعرفين شيئا عن هذين الشابين فقد نستطيع ..
قاطعته مرام بتوتر
– لا لا .. لا أريد عمل أي بلاغات .. فأنا لم آراهما جيدا .. ولا أريد أن يساء الى سمعتى .. فكما تعلم أنا أعيش بمفردى .
عبس صالح وقال بأنفعال
– وهذا ما لا أفهمه .. لماذا تعيشين بمفردك ؟
قالت مرام بصوت متعب
– هذا شئ لا حيلة لى به صدقني .
– كيف ستقضين الليله وحدك وأنت بتلك الحالة .. أليس هناك أقارب تذهبين اليهم أو أحد منهم يأتى للعناية بك ؟
لقد فكرت أن تذهب الى بيت خالها أو الى بيت ميمى صديقتها ولكن فودة يعرف بيت عائلتها وبيت ميمى كذلك وسيتوقع لجوئها الى أى منهما , قالت
– لا .. ليس لدي أحد .
– اذن ستأتين معى .
استدارت اليه بحده
– أذهب معك الى أين ؟
– الى المزرعة .
– لا .. سيغضب أ.. أبى ان ذهبت .
– سوف أتصل به وأخبره بما حدث لك .
أرتبكت مرام وسألته بشك
– هل يعلم أنك تعرف بشأنى ؟
وعندما تردد فى الأجابة بدأت تشعر بالريبة .. ثم قال بأسف شديد
– فى الحقيقة يخجلنى ما كنت أفكر به بشأنكما .
همت بأن تسأله عما يعنيه ولكنها صمتت .. حياتها معقدة بما فيه الكفاية ولا تحتاج الى مزيد من التعقيد من شخص لا تعرفه ولا تريد أن تعرفه ثم تذكرت حقيبتها فقالت
– أين حقيبتى ؟
قال
– أنها بالخلف .
تناولتها وأخرجت هاتفها منها ووجدت العديد من الأتصالات من فودة ووالده ورسالة من فودة كلها تهديد ويحذرها فيها من العبث بالأمانة التى لديها ويقصد بها المخدرات والا.. رفضت ان تقرأ بقية الرسالة التى تحتوي على شتائم بذيئة فأغلقت الهاتف نهائيا وتمنت بشراسة لو يحرق كلاهما .. هو ووالده فى نار جهنم ويبتعدا عنها ولكن.. فودة لن يبتعد .. فكرت بيأس .. لقد أصبحت فى وضع صعب والأختفاء هو الحل الأمثل لها لذلك عليها الموافقة على أقتراح ذلك الرجل الذى لا تعرف أسمه حتى الأن
– وهل سيقبل أبى بي ؟ .. فزوجته .. أعنى شقيقتك لا تعرف عنى شيئا .
تنهد صالح وقال عابسا
– سوف أجد حلا .. لا تقلقى .. سوف آخذك الأن الى بيتك ترتاحين قليلا وتجهزين أمتعتك وفى الصباح الباكر سنكون فى طريقنا الى المزرعة بأمر الله .
وهل ستبيت الليلة وحدها ؟ .. سوف يعود فودة .. وهو قد أصبح الأن على علاقة بتجار مخدرات مجرمين ورجل الأمن كبير فى السن وقد لا يستطيع مقاومتهم ومنعهم عنها
– وأنت .. أين ستقضى ليلتك ؟
– سوف أجد لى غرفة فى أحد الفنادق .. لا تشغلى بالك بى .
لقد فهمها بطريقة خاطئة فهى لا تشغل بالها به أنها تبحث عن طوق نجاة لنفسها .
ترددت للحظات قبل أن تقول
– فى الحقيقة أنا مازلت خائفة من البقاء وحدى بعد ما حدث .. هل نستطيع السفر الليله ؟
رقت نظرات عينيه وقال لها مطمئنا
– نعم نستطيع بالطبع .
تنهدت بارتياح واستندت على ظهر مقعدها واغلقت عينيها .. تأملها صالح للحظات بشفقة ثم ادار محرك السيارة وانطلق بها
****
جمعت مرام ملابسها فى حقيبتين متوسطتي الحجم ووضعت مستلزماتها الشخصية فى حقيبة ظهر واحتارت أين ستضع لفافة فودة فقد قررت أخذها معها حتى تجبره على أن يعيد اليها نقودها أولا .. وفى الأخير أستقرت أن تضعها فى جيب حقيبة ملابسها .
عندما أنتهت قامت باستدعاء حارس الأمن عن طريق جهاز الأستدعاء الداخلى ولكنها فوجأت بأن صالح هو من آتى وقال لها مبتسما
– كنت جالسا مع عم محمود بالأسفل .. لقد دعانى لشرب كوب من الشاى .
ابتسمت له ابتسامة مجاملة وشكرته عندما حمل حقائبها ووضعهما فى المصعد ثم تنحى ليسمح لها بالدخول أولا .
قبل أن تصعد مرام الى السيارة تلفتت حولها قلقة من أن يكون فودة مختبئا فى مكان ما ويراقبها ولاحظ صالح حركتها وقال
– لا تخشى شيئا فأنا معك .
ثم استطرد مبتسما
– معك ضابط شرطة سابق .
ألتفتت اليه بحده وقالت
– قلت ضابط شرطة ؟
صحح لها قائلا
– وقلت سابق .
تمثلت أمام عينيها لفافة المخدرات القابعة فى قعر حقيبة ملابسها وابتلعت ريقها بصعوبة وسألته
– ولماذا سابق .. ماذا فعلت ليطردونك من الخدمة ؟
ضحك بمرح وقال
– لم يتم تسريحى أو طردي كما تقولين .. لقد قدمت استقالتى بمحض ارادتى .
– لماذا ؟
أجابها وكانا قد أصبحا خارج شارعها الأن
– عندما أصبح أبى مريضا وغير قادر على ادارة المزرعة والمصنع رأيت أن من واجبى مساعدته .
– لا أرى ثمة علاقة بين عملك كضابط شرطة ومزارع .
– انا مزارع قبل أن أكون ضابط شرطة وكنت اساعد بعمل المصنع منذ كان عمرى عشر سنوات وكنت أعى جيدا أننى سأدير كل هذا فى يوم من الأيام .
استدارت اليه بفضول وسألته
– ولماذا ألتحقت بكلية الشرطة اذن ؟
ابتسم
– نوع من التمرد فى الواقع .. طريقى كان مرسوما ومستقبلى محدد منذ صغرى ووالدى كان شخصية قوية شديد الحماية يخاف علينا كثيرا .. أعنى أنا وشقيقتى .. فأردت أن أثبت شخصيتى .. هذا كل شئ .
فكرت مرام بمرارة شاخرة .. لا أحد يعجبه حاله .
قال صالح وهو يتأمل وجهها المجهد
– حاولى أن تنامي قليلا فأمامنا طريق طويل وأنت تبدين متعبة .
أشاحت وجهها ناحية كورنيش البحر الهادئ والسيارة تسير بسرعة وبعد قليل أغلقت عيناها وضمت معطفها الثقيل حول رقبتها وقد شعرت بجفنيها ثقيلان ربما كان هذا من تأثير المسكن القوي الذى وصفه لها الطبيب بالمشفى ..
لم تدرك أنها نامت الا عندما شعرت بيد تهزها من كتفها ففتحت عينيها مجفلة ووجدت صالح يبتسم لها .. اعتدلت فى جلستها وقد لاحظت أنه قد دثرها بمعطفه أثناء نومها نظرت الى خارج السيارة وكانا متوقفين فى محطة بنزين
– أحضرت لك عصيرا وشيئا لتأكلينه .
كان يمد لها يده بعلبة عصير وشطيرة ملفوفة .. لم تكن جائعة ولكنها كانت عطشة .. سألها وهو يفتتح لها غطاء زجاجة العصير لعجزها عن فتحها بسبب ذراعها
– هل تناولت دواءك ؟
هزت رأسها ايجابا
– أخذت المسكن .
وأستأنفا السير .. نظرت مرام الى ساعة هاتفها ولكنه كان مغلقا .. أغلقته حتى لا يلاحقها فودة أو والده فسألت صالح عن الوقت فأخبرها
– الواحده والنصف .
فكرت .. الواحدة والنصف بعد منتصف الليل .. بذراع مكسورة وفى حقيبتها كمية من الهيروين تكفى لتعليق رقبتها على حبل المشنقة .. ومسافرة مع شخص غريب قد صدقت بسهولة ما أخبرها به عن علاقته بوالدها .. ان رأسها يكاد ينفجر من كثرة القلق والتفكير فى المصائب .
من على مسافة بعيدة كثرت الأضواء وبدأ صالح فى تهدئة سرعته فسألته مرام وهى تمد بصرها أمامها
– ماذا هناك ؟
أجاب بلامبالاة
– أنه كمين للشرطة .. ليس حادثا لا تقلقى .
هل يقول لها أن لا تقلق ؟ .. شعرت بأن كل نقطة دماء فى عروقها قد جفت ودارت الدنيا بها فسألها صالح بقلق وهو يوقف سيارته وراء صف السيارات المنتظره دورها فى التفتيش وقد لاحظ ما انتابها من شحوب شديد وكان جسدها يرتجف بطريقة غير طبيعية
– هل أنت بخير ؟
هزت رأسها نفيا وقد زاد من ذعرها رؤيتها لكلاب الشرطة وهى تحوم حول السيارات وتتشممها .
أمسك صالح يدها الباردة كالثلج بين يديه .. لا لم تكن بخير وقد أخافه منظرها وعاد يسألها
– بماذا تشعرين ؟
نظرت اليه بنظرات زائغة كلها رجاء وتوسل
بحث صالح عن زجاجة الماء وناولها لها
– أشربي بعض الماء .
ولكنها عجزت عن رفعها الى فمها وقالت بصوت لا يكاد أن يسمع
– لا أريد أن أذهب الى أي مكان .. أريد أن أعود الى بيتي .
أحتار صالح فيما يفعل وهو يراها ترتجف بهذا الشكل .. كانت على ما يرام تقريبا حتى لحظات قليلة مضت .. فما الذى حدث ؟
أطلق صالح زمور السيارة بعصبية وعلق يده عليه وبعد لحظات كان يقترب من سيارته أمين شرطة ومعه أحد المجندين وسأله بشئ من الغلظة
– ماذا يحدث ؟
– معى مريضة واحتاج للتحرك فورا .
نظر أمين الشرطة بريبة وشك الى كلاهما وركز بصره لبعض الوقت على مرام ثم انصرف وعاد بعد قليل مع أحد الضباط الذى كان يرتدى ملابس مدنية وقال بسرور بالغ فور رؤيته لصالح
– صالح .. هذا أنت؟
نظر صالح الى جلال صديقه وزميله السابق وقال بتوتر وهو يحاول بعجز تهدئة مرام التى كانت قد أنخرطت فى البكاء بهيستيرية
– جلال .. كيف حالك ؟
عقد صاحبه حاجبيه وهو ينظر الى مرام من نافذة السيارة
– أنا بخير .. ماذا يحدث معك ؟ هل هذه زوجتك ؟ .. هل هى بخير ؟
قال بنفاذ صبر
– أنها ليست زوجتى … كنت سأدعوك لوفعلت وتزوجت .
وبسرعة شرح له الأمر وحادث الأعتداء الذى تعرضت له مرام
– أعتقد أنها صدمة متأخرة .. هل تسمح لنا بالمرور أحتاج أن أصل بها الى البيت بسرعة .
قال جلال على الفور
– بالطبع .. هل أنت فى حاجة الى مرافق معك .
– لا داعى لذلك .. أستطيع تدبر أمري .. واذا تعقد الأمر سآخذها الى أقرب مشفى .
كانت مرام تصغى الى المحادثة وقد بدأت أنتفاضتها تهدأ ولكن نشيج بكاءها زاد .. جزء منه كان من الراحة وبعد أن سمح لهما بالمرور تكورت فوق مقعدها وتظاهرت بالنوم .
****
أوقف صالح السيارة أمام منزل عمه المؤلف من طابقين ونزل من السيارة بحرص حتى لا يوقظ مرام , كانت البوابة مغلقة بالطبع فى هذه الساعة من الليل فأخرج هاتفة المحمول وطلب رقم رباب .. أجابت بصوت ناعس
– صالح .. هل هناك شئ؟
– أنا هنا أمام البوابة .. هل تفتحين لى .. معى ضيفة ؟
مرت لحظات من الصمت جاء بعدها صوت رباب أكثر وضوحا
– طبعا .. طبعا أعطنى دقيقة .
أغلق الهاتف وعاد الى السيارة ومال على مرام يهزها برفق
– أنسة مرام .. استيقظى .
دعا ربه أن تكون نائمة وليست فاقدة للوعى والا أضطر لأخذها الى المشفى ولكنها فتحت عينيها ونظرت اليه فشعر بالراحة وابتسم لها
– هل أصبحت بخير الأن ؟
هزت رأسها ايجابا فى نفس الوقت الذى فتحت فيه رباب البوابة الحديدية وكانت ترتدى مئزرا منزليا ونظرت بفضول الى داخل السيارة
– من معك يا صالح ؟
قبل أن يخرج صالح من السيارة قال لمرام
– ستنامين الليلة فى بيت عمى وسوف تعتنى بك زوجة عمى وأبنتها رباب حتى أمهد الأمر لشقيقتي وأتفاهم مع والدك فى شأنك .
كان هذا هو الحل الأمثل الذى توصل اليه صالح .. هزت مرام رأسها موافقة وتابع
– أنهم أناس طيبون سترتاحين بالبقاء معهم .. مؤقتا فقط .
خرج من السيارة وساعدها على النزول .. كانت رباب من التهذيب حتى لا تقول شيئا أمام مرام ولكن دهشتها كانت جليه على وجهها عندما رأتها ورأت الحالة التى كانت فيها وبناء على طلب صالح أخذتها رباب الى غرفتها وتركتها هناك وعادت الى صالح الذى شرح لها الأمر بسرعة وطلب منها قائلا
– سأتركها لديكم ليوم أو يومين حتى أدبر أمورى .
قالت رباب
– خذ وقتك .. هذا منزلك يا صالح وضيوفك ضيوفنا .
كان قد وضع حقائب مرام من داخل الباب وقبل أن يخرج من استدار الى رباب وقال
– انتبهى لها أرجوك .. فهى متعبة جدا وان ساءت حالتها أتصلى بي وسأكون عندك على الفور .
رفعت رباب حاجبيها بدهشة وقد أكفهر وجهها وهى وتغلق البوابة من خلفه .
جلس صالح فى سيارته يتنازعه شعور غير مريح بأنه يترك جزء مهم منه خلفه .. هناك شئ ما كان يجذبه الى مرام منذ المرة الأولى التى رآها فيها .. عندما اصطدمت به سيارة الأجرة التى كانت تستقلها .. وعندما رآها تخرج من المصنع بصحبة زوج شقيقته .. ظل لأيام يمر طيفها على باله دون سبب .. ذكرى صغيرة حلوة لفتاة قد أعجبه جمالها والأن عندما أقترب منها وعرف حقيقة علاقتها بزوج شقيقته وقد كان شاهدا على حادثتها المؤسفة صار يشعر بنفسه مسؤولا عنها وأمرها أصبح يهمه كثيرا .
***
تناولت مرام قرصين من المهدئ مع كوب من اللبن الدافئ ثم استلقت فى الفراش الذى أعدته لها رباب .. كانت لطيف معها ودثمة الأخلاق ولكن كان هناك شيئا من الرفض وعدم الرضى عن وجودها رأته مرام فى نظراتها .. وتذكرتها كذلك .. أنها نفس الفتاة التى رأتها عند زيارتها للمصنع .
تنهدت مرام وهى تسحب الغطاء فوقها بيدها السليمة .. لقد مرت بوقت رهيب عندما أعترضهما كمين الشرطة .. ظنت أن نهايتها باتت وشيكة وأنها ستجر الى السجن هذه الليلة لولا وجود صالح .. أي حظ هذا .. فقد أنقذها الليلة مرتين ..فلولاه أيضا لكانت مازالت فى شقتها تنتظر خائفة نهايتها على يد فودة ورفاقه من المجرمين .. ثقلت جفونها وراحت تنغلق على عينيها وآخر شئ فكرت فيه .. صالح .. ما الذى سوف يفعله من أجلها ..
***
– لماذا لم تخبرنا شيئا عن ابنتك من قبل ؟
كانا جالسين فى مكتب صالح بالمصنع .. اطرق أحمد برأسه وقد لوى شفتيه بمرارة
– وأنت .. لماذا لم تسألنى عن سبب أخذى للمال بدلا من مراقبتى ؟
قال صالح بضيق
– لقد أنتظرت منك أن تخبرنى بنفسك ولكنك لم تفعل .. فظننتك متورطا فى شئ ما وتخجل من مصارحتى به .. لم أشأ أن أقوم بأحراجك وقررت أن أعرف بطريقتى واساعدك دون أن تعلم ولكننى لم أتوقع ما وجدته .
زفر أحمد بقوة وقال بوجه جامد
– نعم لقد كنت متزوجا زواجا أردت أن أنساه ولدي أبنة ظهرت فى حياتى فجأه بعدما كنت ظننت أننى لن أسمع عنها شيئا أبدا .
عقد صالح حاجبيه بشدة يشعر بالأستياء منه لأول مرة فى حياته .. لم يكن يظن أن هذا الرجل الطيب المسالم يحمل بداخله ضغينه كهذه تجاه أبنته التى لا ذنب لها بتعاستة فى زواجه الأول
– وكيف ستتصرف الأن ؟
– ماذا تعنى ؟.. لقد قدمت لها كل ما أستطيع القيام به ما الذى سأقدمه لها أكثر من ذلك؟
حدق به صالح مصدوما ثم قال
– بعد ما أخبرتك به عما حدث معها .. تسألني سؤالا كهذا ؟ .. لولا تدخلى وحارس الأمن يعلم الله ما الذى كان سيحدث لها .. وأنت تتحدث عن المال ؟ .. وماذا عن الحماية والأمان والرعاية التى تحتاجها كل شابة فى مثل سنها .. حاجتها الى وجود أب .. أخ .. يكون سندا وحاميا لها.
وكاد أن يقول أو زوج ولكنه أمتنع .. رد أحمد بتوتر وهو عاجز عن النظر الى عين صالح
– لديها أمها وخالها .
قال صالح بحزم
– ولديها أب هو أولى بها .
نظر اليه بجزع
– ماذا تقصد ؟ .. أنا لا أريدها .. وماذا عن نهال .. كيف ستتقبل وجود أبنة لى وهى لا تعرف شيئا عن زواجى السابق .
– اذن آن الأوان لها كى تعرف .. واترك هذا الأمر علي
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غابت شمسها)