رواية غابت شمسها الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم مايسة ريان
رواية غابت شمسها الجزء الحادي والعشرون
رواية غابت شمسها البارت الحادي والعشرون
رواية غابت شمسها الحلقة الحادية والعشرون
فى شقتهم بالأسكندرية
وقفت مرام تنظر الى طفليها .. حسن وفريدة وهما نائمين فى فراشيهما ..
كان حسن فى الرابعة والنصف من عمره وفريدة فى الثالثة.. لو كان الأمر بيدها وحدها لكانت قد حصلت على طفلها الثالث منذ زمن ولكن صالح هو من رفض وأصر على تأجيل مجئ الطفل الثالث وكانت وجهة نظره أنه يريدها أن ترتاح فقد رأى كم تعبت فى العناية بطفلين فى عمرين متقاربين كما لو كانا توأمين ولكنها لم تكن تمانع فقد أحبت كل لحظة تعب قضتها فى العناية بهما .. كانت تظن أنها سوف تكون أما سيئة وأنانية كأمها أو قاسية وجافة معهما كجدتها ولكن التجربة أثبتت عدم صحة ذلك .. أنها أم تحب أمومتها وأم مسؤولة تهتم بأطفالها كما يجب .. وذلك بشهادة الجميع لها .. تنهدت بضيق .. كيف ستتركهما الأن وتذهب .. صعدت الدموع الى عينيها .
– هل مازلت واقفة هنا ؟
جاء صوت صالح من خلفها متذمرا بضيق فتجاهلته وهي تنظر الى طفليها بتأثر , تقدم صالح الى داخل الغرفة بنفاد صبر وسحبها من ذراعها الى الخارج وأغلق الباب بهدؤ ثم أستدار اليها وأمسكها من قمة ذراعيها
– ما أنت فيه أصبح قريبا من الهوس يا مرام .. بالله عليك أنهما نائمان ونحن لن نتأخر بالخارج .
نشجت بأنفها تبتلع دموعها
– وماذا لو حدث شئ لهما ونحن بعيدا عنهما .
جز صالح على أسنانه
– عشر دقائق بالسيارة ونكون هنا .. وأم عبيد ونجاة ستكونان معهما .. ولكي تطمأني سأطلب من أم عبيد أن تنام معهما حتى اذا ما أستيقظا ..
قاطعته بحدة
– لا .. ليس أم عبيد .. نجاة ممكن أن تبقى برفقتهما .
عبس صالح وقال موبخا
– مرام .. أم عبيد تحبهما وهي جديرة برعايتهما .
– أعرف .. وأنا لا أشكك فى مقدرتها ولا الى حبها لهما ولكن ..
أخفضت صوتها وهى تستطرد
– أنها تخلع وشاح رأسها عندما تنام .
رفع صالح حاجبيه بدهشة
– وماذا فى هذا .. لا أفهم .
زفرت فقال بسرعة وهو يزم شفتيه بغضب
– لا تزوديها .. أنها من الأسرة وهي نظيفة تماما و ..
قاطعته مرام بنفاذ صبر
– ليس هذا ما أعنية .. أعني أنها عندما تنام ينطلق شعرها ويشعث كما لو كانت قد تعرضت للصعق بالكهرباء فأخشى أن يفزع الأولاد من شكلها .
حاول صالح أن يرد بغضب ويوبخها ولكنه لم يستطع وأرتجف الضحك على شفتيه
– هذه تفاهه منك .. ومبالغة أيضا .. وهما لن يستيقظا حتى الصباح .
أبتسمت مرام بدورها بمرح وقالت مستسلمة
– معك حق .
نظر صالح الى ثوب سهرتها بأنتقاد ولكنها كانت واثقة أنه لن يجد شيئا لينتقده فقد أصبحت تعرف الحدود والشروط التى يجب أن تتوافر فى ملابسها كي يرضى عنها ولكن نظراته اليها لم تكن راضية فسألته بقلق
– ماذا الأن ؟
قال بضيق
– تبدين جميلة .
رفعت حاجبيها بدهشة ومن ثم قالت ضاحكة
– الأنتقاد لمجرد الأنتقاد .. هل تريد أن أكون قبيحة حتى تكون سعيدا ؟
لوى شفتيه ودفع يديه فى جيب سروال بذلة السهرة
– حتى ولو كنت قبيحة .. كنت سأغار عليك أيضا .
أقتربت منه وقبلت ذقنه بخفة وقد كانت فى مستواها بسبب كعب حذائها العالي , أحاط خصرها بيده عندما حاولت التراجع , قالت بخبث
– سنتأخر ان لم نسرع .
همس وهو يتنشق رائحة شعرها الجميلة
– لا يهم .. حتى وان لم نذهب .
كادت أن توافقه لولا أن جاء صوت والدها من الردهة الخارجية يقول
– أين أنتم .. يا صالح .. مرام .. سوف نتأخر .
قالت ضاحكة
– لسنا وحدنا .
زفر صالح وهو يطلق صراحها كارها
– لن نتأخر فى حفل الزفاف .. نبارك وننصرف مباشرة .
سارت أمامه الى الخارج وهي تقول
– لن يحدث .. أنه حفل زفاف أقرب صديقين لي وأنا لن أخذلهما الليلة .
كان قد حضر والدها ونهال لحضور حفل الزفاف وأحضرا معهما أم عبيد ونجاة ليساعدا مرام فى تنظيف الشقة وتوضيب أغراضهم فغدا سيكونوا فى المزرعة من أجل الحصاد .. قسم صالح وقته بين المزرعة والمصنع وبين مكتب التصدير والأستيراد الذي أسسه هنا .. أخبرته مرام بعد عودتهما الى بعضهما أنها لا تمانع العيش فى بيت المزرعة ولكنه قال أنه كان يفكر فى ذلك المشروع منذ مدة وأن ما حدث بينهما عجل بذلك القرار فقط وكان لقصر المسافة بين الأسكندرية ووادي النطرون عامل جيد فقد أستطاع صالح أن يوازن أهتماماته بين أعماله وكانت مرام ترافقه فى كل مكان وان أضطر للسفر وتركها سواء فى المزرعة أو الأسكندرية كان يعود اليها فى نفس اليوم .
وقف والدها بالبهو فى بذلة سهرته الأنيقة فى حين جلست نهال على أحد المقاعد ترتدي عباءة سهرة جميلة أشترتها بصحبة مرام وكانت تبدو جميلة وأنيقة كذلك .
نظرت مرام اليهما .. كانا وسيمين وسعيدين .. والدها كان وكأنه يعيش حياته من جديد بوجود أبنته وأحفاده فهو شئ لم يتخيل أنه سيحصل عليه يوما .. ونهال كانت مشرقة وكأن قد أصبح لديها قلبا جديدا نحى التعب جانبا وأمتلأ بالفرح والأمل والسبب وجود أولاد صالح كما تحب أن تطلق عليهما .
أحاط صالح بكتفيها وقال
– هيا بنا .
****
خرج فودة من السجن بعد أن قضى ثلاثة أرباع المدة وكان عند وعده لميمي وتزوجها وهو فى السجن وعندما خرج أخبرها أنه يرغب فى الأستمرار معها ليربي طفلها الذي أصبح يعشقه بجنون .. فقد كان طفلا رائعا .. جميلا ومرحا وفودة متعلق به بشدة .. فكرت مرام فى صديقتها والسنوات التى عاشتها .. بعد موت سامح الذي كان صدمة قاسية على والديه بدآ فى البحث عنها .. البحث عن حفيدهما الذي سبق وأنكراه من قبل وكان الطفل فى الثالثة من عمره عندما أستطاعا العثور عليهما وعرضا أن يمنحا الطفل نسب والده .. رفضت ميمي بشدة يدفعها حقدها عليهما وخوفها من أن يطالبا بحضانته فيما بعد وأيدتها مرام فى ذلك ولكن صالح عارضهما وقال
– يجب أن تضع مصلحة الولد أولا .. بعد بضعة سنوات سيفهم ويتساءل لما يحمل لقب أمه وليس أبيه .
قالت مرام
– أنه يعرف أن فودة والده .
– أتحدث عندما يصل الى سن المدرسة ويبدأ يعي الحياة من حوله .. سيعرف أن فودة زوج أمه وليس والده الحقيقي بسبب أسمه .. وتستطيع ميمي ان أرادت أن تحصل على تعهد قانوني منهما بعدم المطالبة بحضانته فى المستقبل .
أقتنعت ميمي برأي صالح فقد كانت مستعده لفعل أي شئ يحمي أبنها من الفضيحة والعار وللعجب أن فودة كان له نفس رأي صالح الذي قال رغما عنه عندما أطلعته مرام على رد فعل فودة
– هذا الفتى ليس سيئا جدا .
ابتسمت مرام بسعادة فاستطرد بحدة وهو يرى سعادتها
– ولكنه يستحق السجن .
قالت تسترضيه فهو لم يتغلب على غيرته من فودة أبدا
– معك حق .. هو نفسه يعترف بذلك .
قال صالح بعدها بتقدير
– ما فعله مع صديقتك لم يكن سهلا .. من النادر أن يقبل رجل على نفسه شيئا كهذا .. ستر عرض فتاة عمل شجاع منه .. لا أعتقد أنني كنت سأفعل مثله لو كنت في مكانه .
هزت رأسها موافقة بهدؤ ولم تظهر حماسها حتى لا تستفزه من جديد ولكن من داخلها كانت تقدر فودة وقد نسيت كل ما فعله معها .. فان كان سيئا فيما مضى فقد كانت مثله وكذلك ميمي وكل منهم تعلم من أخطاءه ودفع ثمنها غاليا .
****
فندق ميديترينيان أزور على البحر
حفل زفاف فودة وميمي ….
رفض فودة دعوة والده لحضور زفافه وقد تأكد صالح من عدم وجوده والا كانت قد واجهت مشكلة حقيقية فى السماح لها بالحضور وكذلك لم يحضر والدي ميمي فقد أنقطعا عنها تماما ما عدا شقيقتها هايدي التى ظلت على أتصال دائم بها ولكنها عجزت عن حضور زفافها لوجودها بالخارج مع والديها ولم يكن هناك أحد من شلة الفساد القديمة من أصدقائهما كذلك .
بدأت الزفة بحضور العروسين ووقفت مرام وبجوارها صالح فى أستقبالهما .. لمحها كل من فودة وميمي وكانت ميمي رائعة فى ثوب الزفاف وحجابها الأبيض الأنيق على رأسها .. أبتسمت مرام ولوحت لهما بسعادة ورأت محمد ابنها الصغير يسير أمامهما فى بذلة سهرة سوداء سعيدا ومنتشيا بحاله مما دفع صالح ومرام للضحك ..
أنتهت الزفة وذهب العروسان الى الكوشة وتبعتهما مرام ومن خلفها صالح الذى كان كظلها وعرفت السبب عندما همس فى أذنها
– ان تجرأ وعانقك ذلك التافه سألكمه على وجهه ولن يهمني أنه عريس .
كتمت مرام ضحكتها .. لم ينسى صالح ما حدث فى اليوم الذي خرج فيه فودة من السجن وكانت مرام قد طلبت منه وهي تتوقع الرفض أن تذهب مع ميمي لأستقباله .. أسود وجهه من الغضب فقد كان قد منعها من زيارته وأنتظرت أن يصيح فيها غاضبا ولكنه فاجأها بأن قال أنه سيذهب معها .. وكانوا فى أنتظاره أمام باب السجن مع ميمي ووالدته وشقيقته .. خرج وهو يكاد يقفز من السعادة وعانق والدته وميمي وشقيقته ومحمد الصغير وعندما جاء الدور على مرام وصالح عانقها وهو يقفز بها سعيدا برؤيتها مما جعل صالح يقف يكاد ينفجر من الغيظ والغضب ولكن فودة عاجلة بعناق قوي هو الآخر وهمس بشئ فى أذنه جعل صالح ينظر اليه بحدة ولكنه لوى شفتيه بأبتسامة رغما عنه وعندما سألته مرام فيما بعد عما قاله فودة وجعله يبتسم فقال بعصبية
– أنه فتى لئيم وخبيث .. طلب أن أسامحه على عناقه لك فى مقابل أن لا يخبر أمه أنني أنا من ألقيت به فى السجن .
ضحكت مرام حينها بقوة زادت من غضب صالح .. فقد كانت تتخيل ردة فعل أم فودة عندما تعرف أن ذلك الرجل الذي عاملته بحفاوة وأحترام هو من تسبب بوجود أبنها فى السجن والمؤكد أن صالح فكر فى نفس الشئ حينها لهذا ضحك من سخرية الموقف .
وقف فودة وميمي لتلقي التهاني وعندما لمح فودة مرام قادمة فتح ذراعيه صائحا بفرح
– مراااام .
لكزته ميمي بطريقة واضحة وهي ترى وجه صالح يصبح شرسا وجسده متحفزا فضحك فودة وأنزل ذراعيه بجانبه وتنهدت مرام بأرتياح وهي تصافحه وتحتضن ميمي ولكن صالح ظل متأهبا فهو لا يثق به .
مر الحفل على أكمل ما يكون وكان الجميع سعداء .. حضر خالها وشيرين ووالدتها مها الزفاف وجلسوا جميعا على مائدة واحدة .
****
فى السيارة ..
وهم عائدون الى المنزل كانت الساعة حوالى الثالثة والنصف صباحا
– كان زفافا رائعا .
قالت مرام وكان صالح صامتا عاقدا حاجبيه وكأنه يفكر فألتفتت اليه مرام وسألته
– ماذا بك ؟
سألها وعيناه تضيقان عليها
– هل ترقصين ؟
قالت بحماس
– أعرف ديسكوتيك رائع مازال ساهرا حتى الأن ..
ثم نظرت الى المقعد الخلفي حيث والدها ونهال قد سقطا فى النوم من التعب والسهر الذي لم يعتادا عليه ثم تابعت بهمس
– نقوم بتوصيلهما الى البيت ثم نذهب ونرقص حتى الصباح .
لوى شفتيه بتسلية
– ليس هذا نوع الرقص الذي أسألك عنه .
لوح بيده وتابع وهو يرى صدمتها
– مثل تلك الراقصة فى حفل الزفاف .
حان دورها لكي تغضب وقالت بصوت حافظت عليه منخفضا
– قلت أنك لن تنظر اليها .
قال يدافع عن نفسه وعيناه تضحكان
– رغما عني .. رأيتها فى تلك الشاشات الكبيرة .
فى الوقت الذي طنت أنه يشيح بوجهه بعيدا كان يشاهد من خلال الشاشات الكبيرة جدا والتى كانت تعرض صورا أقرب وأكثر وضوحا فجزت أسنانها بغيظ .
– كان على رجل يصلي وملتزم مثلك أن ينأى بنفسه عن ذلك .
قال ضاحكا بخفوت
– فضول .. ثم أنت لم ترقصي أمامي أبدا فأظن أنني أعاني نوع من الحرمان .
أحمر وجهها وأبتلعت ريقها وتقول
– على فكرة أنا أجيد الرقص وأفضل من تلك الراقصة التى كانت وكأنها تعاني من آلام فى المعدة ولكني خجولة فقط .. ولكن وحتى لا تشعر بالحرمان من شئ سأرقص لك .
قال يستفزها وعيناه مليئتان بالضحك
– سنرى .
ثم مال عليها وهمس
– الليلة ؟
أحمر وجهها وألقت نظرة خاطفة على نهال ووالدها وكانت قد نسيت وجودهما تقريبا وأرادت أن تطمئن الى أنهما نائمان ولم يستمعا الى حوارهما الهامس المشين .. كان والدها يصدر شخيرا منخفضا وفمه مفتوح قليلا وكانت نهال مغمضة عينيها ولكن كان هناك شبح أبتسامة على شفتيها مما يعني أن حوارهما كان مذاعا على الهواء فرمقت صالح بنظرة غاضبة فيها شئ من المرح بادلها بنظرة بريئة متسلية .
****
هم صالح بأشعال الضؤ فى غرفة النوم عندما أمسكت مرام بمعصمه تمنعه
– هششش .. أتركه .
نظر اليها بتساؤل فأشارت الى الفراش ورأى فوقه جسدين صغيرين .. حسن وفريدة تحت الأغطية وينامان بعمق .. عبس صالح وقال متذمرا
– ماذا يفعل هذين المزعجين هنا ؟
أقتربت مرام من الفراش تتأملهما بعشق
– أتركهما .
أعترض بهمس وهو ينضم اليها
– وأين سأنام أنا .. ثم أننا لدينا خطط لتمضية الليلة .
فتحت مرام فاها لترد عندما فجأة ظهر من خلف الفراش كتلة من الشعر الأسود المشعث وفى الظلام بدأ يرتفع لأعلى تبعه وجه أم عبيد المنتفخ من آثار النوم .. أنتفض جسد صالح ومرام رعبا وكاد صالح أن يقع على ظهره عندما تراجع خطوة الى الوراء من شدة الفزع
– هل جئتم أخيرا ؟
وقفت أم عبيد وهي تتحامل على حافة الفراش ووقفت تحك رأسها وهي تتثائب بقوة وتابعت
– لقد أستيقظا .. وأخبرتهما أنكم خرجتم لشراء بعض الأشياء من أجل السفر ولكنهما أصرا على النوم فى فراشكما فأضطررت أن أنام بجوارهما على الأرض .
ثم دارت حول الفراش وسارت الى الباب تجر اللحاف الذي كانت تنام عليه خلفها .
بعد خروجها سقطت مرام على الأرض مغشيا عليها من كثرة الضحك فيما ظل صالح واقفا واضعا كفه على قلبه الذي مازال يضرب بقوة وقال بنفس متقطع
– كان معك حق .. لم أشعر بمثل هذا الرعب منذ أن كنت فى السادسة من عمرى عندما كنت أرى خيال شجرة التوت من خلف زجاج حجرتي وأتخيلها شبحا .
لم تتوقف مرام عن الضحك وأنضم لها صالح على الأرض مسندا ظهره للفراش وشاركها الضحك بقوة .
****
بساتين الزيتون ..
فور وصولهما .. من الأثارة رفض حسن وفريدة الدخول الى البيت وتعلقا بيدي صالح يريدان الذهاب معه ليشاهدا الحصاد ويشاركا فيه وكانت مرام تتوقع ذلك فألبستهما وهي أيضا جينز وكنزات خفيفة تصلح للعمل .. رضخ صالح لهما وأخذهم معه .
كان مشهد يشبه خلية النحل .. فرشت ملاءات أسفل الأشجار وكان العمال يهزون الأشجار بأشياء تشبه الشوك بعصا طويلة فتنهمر ثمار الزيتون وتقع فوق الملاءات ثم يقوم النساء والصبية بفرزها وتنقية العشب منها ثم وضعهم فى أقفاص حتى تأتي السيارات لتأخذهم الى المصنع وهناك يتم تنقيتها وغسلها حتى تكون جاهزة للعصر وأستخلاص الذهب الأصفر منها وتعبئته .
كانت مرام تراقب صالح وطفليها يعملون بحماس وجلست هي فى مكان ظليل وبعد قليل أنضم اليها صالح وهو يحمل فريدة المتسخة من قمة رأسها وحتى أطرافها , صبت له مرام الشاي من الترمس وناولته له وكان قد أنتهى من تنظيف وجه فريدة ويديها من الأتربة لتهجم بعد ذلك على حقيبة الطعام وتخرج شطيرة لتأكلها
قال صالح وهو يعبث بأصابعه فى شعر أبنته بحب
– كبرت فريدة وأصبحت نسخة صغيرة عن أمها .
وافقته مرام وهي تراقب حسن الذي كان يحاول حمل قفص زيتون ثقيل .
– نعم وكذلك حسن يسير على خطاك .. وآن الأوان لنأتي بأخ أو أخت لهم .
ضحك صالح وقال
– كم طفل تريدين .. حتى يكون عندي علم فقط .
هزت كتفيها
– أنا لا أؤمن بتحديد النسل .. نتركها على الله .
وابتسمت بهدؤ فنظر اليها صالح وعيناه تشعان بحب .. كانت سخية فى حبها له لا تبخل عليه فى شئ .. سخية مع أسرتها وأصدقاءها .. كيف ظن يوما أنها سيئة جدا .. لم يكن سيجد أما أفضل منها لأولاده ولا حبيبة أروع منها فى حنانها .. قد لا تدري أبدا مدى مقدار حبه لها فى قلبه .
****
تمت بحمد الله
وقفت مرام تنظر الى طفليها .. حسن وفريدة وهما نائمين فى فراشيهما ..
كان حسن فى الرابعة والنصف من عمره وفريدة فى الثالثة.. لو كان الأمر بيدها وحدها لكانت قد حصلت على طفلها الثالث منذ زمن ولكن صالح هو من رفض وأصر على تأجيل مجئ الطفل الثالث وكانت وجهة نظره أنه يريدها أن ترتاح فقد رأى كم تعبت فى العناية بطفلين فى عمرين متقاربين كما لو كانا توأمين ولكنها لم تكن تمانع فقد أحبت كل لحظة تعب قضتها فى العناية بهما .. كانت تظن أنها سوف تكون أما سيئة وأنانية كأمها أو قاسية وجافة معهما كجدتها ولكن التجربة أثبتت عدم صحة ذلك .. أنها أم تحب أمومتها وأم مسؤولة تهتم بأطفالها كما يجب .. وذلك بشهادة الجميع لها .. تنهدت بضيق .. كيف ستتركهما الأن وتذهب .. صعدت الدموع الى عينيها .
– هل مازلت واقفة هنا ؟
جاء صوت صالح من خلفها متذمرا بضيق فتجاهلته وهي تنظر الى طفليها بتأثر , تقدم صالح الى داخل الغرفة بنفاد صبر وسحبها من ذراعها الى الخارج وأغلق الباب بهدؤ ثم أستدار اليها وأمسكها من قمة ذراعيها
– ما أنت فيه أصبح قريبا من الهوس يا مرام .. بالله عليك أنهما نائمان ونحن لن نتأخر بالخارج .
نشجت بأنفها تبتلع دموعها
– وماذا لو حدث شئ لهما ونحن بعيدا عنهما .
جز صالح على أسنانه
– عشر دقائق بالسيارة ونكون هنا .. وأم عبيد ونجاة ستكونان معهما .. ولكي تطمأني سأطلب من أم عبيد أن تنام معهما حتى اذا ما أستيقظا ..
قاطعته بحدة
– لا .. ليس أم عبيد .. نجاة ممكن أن تبقى برفقتهما .
عبس صالح وقال موبخا
– مرام .. أم عبيد تحبهما وهي جديرة برعايتهما .
– أعرف .. وأنا لا أشكك فى مقدرتها ولا الى حبها لهما ولكن ..
أخفضت صوتها وهى تستطرد
– أنها تخلع وشاح رأسها عندما تنام .
رفع صالح حاجبيه بدهشة
– وماذا فى هذا .. لا أفهم .
زفرت فقال بسرعة وهو يزم شفتيه بغضب
– لا تزوديها .. أنها من الأسرة وهي نظيفة تماما و ..
قاطعته مرام بنفاذ صبر
– ليس هذا ما أعنية .. أعني أنها عندما تنام ينطلق شعرها ويشعث كما لو كانت قد تعرضت للصعق بالكهرباء فأخشى أن يفزع الأولاد من شكلها .
حاول صالح أن يرد بغضب ويوبخها ولكنه لم يستطع وأرتجف الضحك على شفتيه
– هذه تفاهه منك .. ومبالغة أيضا .. وهما لن يستيقظا حتى الصباح .
أبتسمت مرام بدورها بمرح وقالت مستسلمة
– معك حق .
نظر صالح الى ثوب سهرتها بأنتقاد ولكنها كانت واثقة أنه لن يجد شيئا لينتقده فقد أصبحت تعرف الحدود والشروط التى يجب أن تتوافر فى ملابسها كي يرضى عنها ولكن نظراته اليها لم تكن راضية فسألته بقلق
– ماذا الأن ؟
قال بضيق
– تبدين جميلة .
رفعت حاجبيها بدهشة ومن ثم قالت ضاحكة
– الأنتقاد لمجرد الأنتقاد .. هل تريد أن أكون قبيحة حتى تكون سعيدا ؟
لوى شفتيه ودفع يديه فى جيب سروال بذلة السهرة
– حتى ولو كنت قبيحة .. كنت سأغار عليك أيضا .
أقتربت منه وقبلت ذقنه بخفة وقد كانت فى مستواها بسبب كعب حذائها العالي , أحاط خصرها بيده عندما حاولت التراجع , قالت بخبث
– سنتأخر ان لم نسرع .
همس وهو يتنشق رائحة شعرها الجميلة
– لا يهم .. حتى وان لم نذهب .
كادت أن توافقه لولا أن جاء صوت والدها من الردهة الخارجية يقول
– أين أنتم .. يا صالح .. مرام .. سوف نتأخر .
قالت ضاحكة
– لسنا وحدنا .
زفر صالح وهو يطلق صراحها كارها
– لن نتأخر فى حفل الزفاف .. نبارك وننصرف مباشرة .
سارت أمامه الى الخارج وهي تقول
– لن يحدث .. أنه حفل زفاف أقرب صديقين لي وأنا لن أخذلهما الليلة .
كان قد حضر والدها ونهال لحضور حفل الزفاف وأحضرا معهما أم عبيد ونجاة ليساعدا مرام فى تنظيف الشقة وتوضيب أغراضهم فغدا سيكونوا فى المزرعة من أجل الحصاد .. قسم صالح وقته بين المزرعة والمصنع وبين مكتب التصدير والأستيراد الذي أسسه هنا .. أخبرته مرام بعد عودتهما الى بعضهما أنها لا تمانع العيش فى بيت المزرعة ولكنه قال أنه كان يفكر فى ذلك المشروع منذ مدة وأن ما حدث بينهما عجل بذلك القرار فقط وكان لقصر المسافة بين الأسكندرية ووادي النطرون عامل جيد فقد أستطاع صالح أن يوازن أهتماماته بين أعماله وكانت مرام ترافقه فى كل مكان وان أضطر للسفر وتركها سواء فى المزرعة أو الأسكندرية كان يعود اليها فى نفس اليوم .
وقف والدها بالبهو فى بذلة سهرته الأنيقة فى حين جلست نهال على أحد المقاعد ترتدي عباءة سهرة جميلة أشترتها بصحبة مرام وكانت تبدو جميلة وأنيقة كذلك .
نظرت مرام اليهما .. كانا وسيمين وسعيدين .. والدها كان وكأنه يعيش حياته من جديد بوجود أبنته وأحفاده فهو شئ لم يتخيل أنه سيحصل عليه يوما .. ونهال كانت مشرقة وكأن قد أصبح لديها قلبا جديدا نحى التعب جانبا وأمتلأ بالفرح والأمل والسبب وجود أولاد صالح كما تحب أن تطلق عليهما .
أحاط صالح بكتفيها وقال
– هيا بنا .
****
خرج فودة من السجن بعد أن قضى ثلاثة أرباع المدة وكان عند وعده لميمي وتزوجها وهو فى السجن وعندما خرج أخبرها أنه يرغب فى الأستمرار معها ليربي طفلها الذي أصبح يعشقه بجنون .. فقد كان طفلا رائعا .. جميلا ومرحا وفودة متعلق به بشدة .. فكرت مرام فى صديقتها والسنوات التى عاشتها .. بعد موت سامح الذي كان صدمة قاسية على والديه بدآ فى البحث عنها .. البحث عن حفيدهما الذي سبق وأنكراه من قبل وكان الطفل فى الثالثة من عمره عندما أستطاعا العثور عليهما وعرضا أن يمنحا الطفل نسب والده .. رفضت ميمي بشدة يدفعها حقدها عليهما وخوفها من أن يطالبا بحضانته فيما بعد وأيدتها مرام فى ذلك ولكن صالح عارضهما وقال
– يجب أن تضع مصلحة الولد أولا .. بعد بضعة سنوات سيفهم ويتساءل لما يحمل لقب أمه وليس أبيه .
قالت مرام
– أنه يعرف أن فودة والده .
– أتحدث عندما يصل الى سن المدرسة ويبدأ يعي الحياة من حوله .. سيعرف أن فودة زوج أمه وليس والده الحقيقي بسبب أسمه .. وتستطيع ميمي ان أرادت أن تحصل على تعهد قانوني منهما بعدم المطالبة بحضانته فى المستقبل .
أقتنعت ميمي برأي صالح فقد كانت مستعده لفعل أي شئ يحمي أبنها من الفضيحة والعار وللعجب أن فودة كان له نفس رأي صالح الذي قال رغما عنه عندما أطلعته مرام على رد فعل فودة
– هذا الفتى ليس سيئا جدا .
ابتسمت مرام بسعادة فاستطرد بحدة وهو يرى سعادتها
– ولكنه يستحق السجن .
قالت تسترضيه فهو لم يتغلب على غيرته من فودة أبدا
– معك حق .. هو نفسه يعترف بذلك .
قال صالح بعدها بتقدير
– ما فعله مع صديقتك لم يكن سهلا .. من النادر أن يقبل رجل على نفسه شيئا كهذا .. ستر عرض فتاة عمل شجاع منه .. لا أعتقد أنني كنت سأفعل مثله لو كنت في مكانه .
هزت رأسها موافقة بهدؤ ولم تظهر حماسها حتى لا تستفزه من جديد ولكن من داخلها كانت تقدر فودة وقد نسيت كل ما فعله معها .. فان كان سيئا فيما مضى فقد كانت مثله وكذلك ميمي وكل منهم تعلم من أخطاءه ودفع ثمنها غاليا .
****
فندق ميديترينيان أزور على البحر
حفل زفاف فودة وميمي ….
رفض فودة دعوة والده لحضور زفافه وقد تأكد صالح من عدم وجوده والا كانت قد واجهت مشكلة حقيقية فى السماح لها بالحضور وكذلك لم يحضر والدي ميمي فقد أنقطعا عنها تماما ما عدا شقيقتها هايدي التى ظلت على أتصال دائم بها ولكنها عجزت عن حضور زفافها لوجودها بالخارج مع والديها ولم يكن هناك أحد من شلة الفساد القديمة من أصدقائهما كذلك .
بدأت الزفة بحضور العروسين ووقفت مرام وبجوارها صالح فى أستقبالهما .. لمحها كل من فودة وميمي وكانت ميمي رائعة فى ثوب الزفاف وحجابها الأبيض الأنيق على رأسها .. أبتسمت مرام ولوحت لهما بسعادة ورأت محمد ابنها الصغير يسير أمامهما فى بذلة سهرة سوداء سعيدا ومنتشيا بحاله مما دفع صالح ومرام للضحك ..
أنتهت الزفة وذهب العروسان الى الكوشة وتبعتهما مرام ومن خلفها صالح الذى كان كظلها وعرفت السبب عندما همس فى أذنها
– ان تجرأ وعانقك ذلك التافه سألكمه على وجهه ولن يهمني أنه عريس .
كتمت مرام ضحكتها .. لم ينسى صالح ما حدث فى اليوم الذي خرج فيه فودة من السجن وكانت مرام قد طلبت منه وهي تتوقع الرفض أن تذهب مع ميمي لأستقباله .. أسود وجهه من الغضب فقد كان قد منعها من زيارته وأنتظرت أن يصيح فيها غاضبا ولكنه فاجأها بأن قال أنه سيذهب معها .. وكانوا فى أنتظاره أمام باب السجن مع ميمي ووالدته وشقيقته .. خرج وهو يكاد يقفز من السعادة وعانق والدته وميمي وشقيقته ومحمد الصغير وعندما جاء الدور على مرام وصالح عانقها وهو يقفز بها سعيدا برؤيتها مما جعل صالح يقف يكاد ينفجر من الغيظ والغضب ولكن فودة عاجلة بعناق قوي هو الآخر وهمس بشئ فى أذنه جعل صالح ينظر اليه بحدة ولكنه لوى شفتيه بأبتسامة رغما عنه وعندما سألته مرام فيما بعد عما قاله فودة وجعله يبتسم فقال بعصبية
– أنه فتى لئيم وخبيث .. طلب أن أسامحه على عناقه لك فى مقابل أن لا يخبر أمه أنني أنا من ألقيت به فى السجن .
ضحكت مرام حينها بقوة زادت من غضب صالح .. فقد كانت تتخيل ردة فعل أم فودة عندما تعرف أن ذلك الرجل الذي عاملته بحفاوة وأحترام هو من تسبب بوجود أبنها فى السجن والمؤكد أن صالح فكر فى نفس الشئ حينها لهذا ضحك من سخرية الموقف .
وقف فودة وميمي لتلقي التهاني وعندما لمح فودة مرام قادمة فتح ذراعيه صائحا بفرح
– مراااام .
لكزته ميمي بطريقة واضحة وهي ترى وجه صالح يصبح شرسا وجسده متحفزا فضحك فودة وأنزل ذراعيه بجانبه وتنهدت مرام بأرتياح وهي تصافحه وتحتضن ميمي ولكن صالح ظل متأهبا فهو لا يثق به .
مر الحفل على أكمل ما يكون وكان الجميع سعداء .. حضر خالها وشيرين ووالدتها مها الزفاف وجلسوا جميعا على مائدة واحدة .
****
فى السيارة ..
وهم عائدون الى المنزل كانت الساعة حوالى الثالثة والنصف صباحا
– كان زفافا رائعا .
قالت مرام وكان صالح صامتا عاقدا حاجبيه وكأنه يفكر فألتفتت اليه مرام وسألته
– ماذا بك ؟
سألها وعيناه تضيقان عليها
– هل ترقصين ؟
قالت بحماس
– أعرف ديسكوتيك رائع مازال ساهرا حتى الأن ..
ثم نظرت الى المقعد الخلفي حيث والدها ونهال قد سقطا فى النوم من التعب والسهر الذي لم يعتادا عليه ثم تابعت بهمس
– نقوم بتوصيلهما الى البيت ثم نذهب ونرقص حتى الصباح .
لوى شفتيه بتسلية
– ليس هذا نوع الرقص الذي أسألك عنه .
لوح بيده وتابع وهو يرى صدمتها
– مثل تلك الراقصة فى حفل الزفاف .
حان دورها لكي تغضب وقالت بصوت حافظت عليه منخفضا
– قلت أنك لن تنظر اليها .
قال يدافع عن نفسه وعيناه تضحكان
– رغما عني .. رأيتها فى تلك الشاشات الكبيرة .
فى الوقت الذي طنت أنه يشيح بوجهه بعيدا كان يشاهد من خلال الشاشات الكبيرة جدا والتى كانت تعرض صورا أقرب وأكثر وضوحا فجزت أسنانها بغيظ .
– كان على رجل يصلي وملتزم مثلك أن ينأى بنفسه عن ذلك .
قال ضاحكا بخفوت
– فضول .. ثم أنت لم ترقصي أمامي أبدا فأظن أنني أعاني نوع من الحرمان .
أحمر وجهها وأبتلعت ريقها وتقول
– على فكرة أنا أجيد الرقص وأفضل من تلك الراقصة التى كانت وكأنها تعاني من آلام فى المعدة ولكني خجولة فقط .. ولكن وحتى لا تشعر بالحرمان من شئ سأرقص لك .
قال يستفزها وعيناه مليئتان بالضحك
– سنرى .
ثم مال عليها وهمس
– الليلة ؟
أحمر وجهها وألقت نظرة خاطفة على نهال ووالدها وكانت قد نسيت وجودهما تقريبا وأرادت أن تطمئن الى أنهما نائمان ولم يستمعا الى حوارهما الهامس المشين .. كان والدها يصدر شخيرا منخفضا وفمه مفتوح قليلا وكانت نهال مغمضة عينيها ولكن كان هناك شبح أبتسامة على شفتيها مما يعني أن حوارهما كان مذاعا على الهواء فرمقت صالح بنظرة غاضبة فيها شئ من المرح بادلها بنظرة بريئة متسلية .
****
هم صالح بأشعال الضؤ فى غرفة النوم عندما أمسكت مرام بمعصمه تمنعه
– هششش .. أتركه .
نظر اليها بتساؤل فأشارت الى الفراش ورأى فوقه جسدين صغيرين .. حسن وفريدة تحت الأغطية وينامان بعمق .. عبس صالح وقال متذمرا
– ماذا يفعل هذين المزعجين هنا ؟
أقتربت مرام من الفراش تتأملهما بعشق
– أتركهما .
أعترض بهمس وهو ينضم اليها
– وأين سأنام أنا .. ثم أننا لدينا خطط لتمضية الليلة .
فتحت مرام فاها لترد عندما فجأة ظهر من خلف الفراش كتلة من الشعر الأسود المشعث وفى الظلام بدأ يرتفع لأعلى تبعه وجه أم عبيد المنتفخ من آثار النوم .. أنتفض جسد صالح ومرام رعبا وكاد صالح أن يقع على ظهره عندما تراجع خطوة الى الوراء من شدة الفزع
– هل جئتم أخيرا ؟
وقفت أم عبيد وهي تتحامل على حافة الفراش ووقفت تحك رأسها وهي تتثائب بقوة وتابعت
– لقد أستيقظا .. وأخبرتهما أنكم خرجتم لشراء بعض الأشياء من أجل السفر ولكنهما أصرا على النوم فى فراشكما فأضطررت أن أنام بجوارهما على الأرض .
ثم دارت حول الفراش وسارت الى الباب تجر اللحاف الذي كانت تنام عليه خلفها .
بعد خروجها سقطت مرام على الأرض مغشيا عليها من كثرة الضحك فيما ظل صالح واقفا واضعا كفه على قلبه الذي مازال يضرب بقوة وقال بنفس متقطع
– كان معك حق .. لم أشعر بمثل هذا الرعب منذ أن كنت فى السادسة من عمرى عندما كنت أرى خيال شجرة التوت من خلف زجاج حجرتي وأتخيلها شبحا .
لم تتوقف مرام عن الضحك وأنضم لها صالح على الأرض مسندا ظهره للفراش وشاركها الضحك بقوة .
****
بساتين الزيتون ..
فور وصولهما .. من الأثارة رفض حسن وفريدة الدخول الى البيت وتعلقا بيدي صالح يريدان الذهاب معه ليشاهدا الحصاد ويشاركا فيه وكانت مرام تتوقع ذلك فألبستهما وهي أيضا جينز وكنزات خفيفة تصلح للعمل .. رضخ صالح لهما وأخذهم معه .
كان مشهد يشبه خلية النحل .. فرشت ملاءات أسفل الأشجار وكان العمال يهزون الأشجار بأشياء تشبه الشوك بعصا طويلة فتنهمر ثمار الزيتون وتقع فوق الملاءات ثم يقوم النساء والصبية بفرزها وتنقية العشب منها ثم وضعهم فى أقفاص حتى تأتي السيارات لتأخذهم الى المصنع وهناك يتم تنقيتها وغسلها حتى تكون جاهزة للعصر وأستخلاص الذهب الأصفر منها وتعبئته .
كانت مرام تراقب صالح وطفليها يعملون بحماس وجلست هي فى مكان ظليل وبعد قليل أنضم اليها صالح وهو يحمل فريدة المتسخة من قمة رأسها وحتى أطرافها , صبت له مرام الشاي من الترمس وناولته له وكان قد أنتهى من تنظيف وجه فريدة ويديها من الأتربة لتهجم بعد ذلك على حقيبة الطعام وتخرج شطيرة لتأكلها
قال صالح وهو يعبث بأصابعه فى شعر أبنته بحب
– كبرت فريدة وأصبحت نسخة صغيرة عن أمها .
وافقته مرام وهي تراقب حسن الذي كان يحاول حمل قفص زيتون ثقيل .
– نعم وكذلك حسن يسير على خطاك .. وآن الأوان لنأتي بأخ أو أخت لهم .
ضحك صالح وقال
– كم طفل تريدين .. حتى يكون عندي علم فقط .
هزت كتفيها
– أنا لا أؤمن بتحديد النسل .. نتركها على الله .
وابتسمت بهدؤ فنظر اليها صالح وعيناه تشعان بحب .. كانت سخية فى حبها له لا تبخل عليه فى شئ .. سخية مع أسرتها وأصدقاءها .. كيف ظن يوما أنها سيئة جدا .. لم يكن سيجد أما أفضل منها لأولاده ولا حبيبة أروع منها فى حنانها .. قد لا تدري أبدا مدى مقدار حبه لها فى قلبه .
****
تمت بحمد الله
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غابت شمسها)