روايات

رواية غابت شمسها الفصل الأول 1 بقلم مايسة ريان

رواية غابت شمسها الفصل الأول 1 بقلم مايسة ريان

رواية غابت شمسها الجزء الأول

رواية غابت شمسها البارت الأول

غابت شمسها
غابت شمسها

رواية غابت شمسها الحلقة الأولى

الأسكندرية .. مقابر العمود
أنتهت عملية الدفن وسمعت مرام أمها تزفر أرتياحا مما جعل الغضب يتفاقم بداخلها.. فهى لم تحاول التظاهر بالحزن على وفاة جدتها .
نظرت مرام الى خالها مروان وهو يفاوض التربى على أجرته وكأنه فى سوق للخضار .. أفلا تستحق أمه منه أن يتساهل قليلا مع الرجل بدلا من أن يقف أمام قبرها يتجادل من أجل المال ؟ .. لوت شفتيها باشمزاز وفكرت ساخرة .. لماذا تلومهما وهى نفسها لا تشعر بالحزن لرحيلها ؟ .. وان وقفة ثلاثتهم هنا ما هى الا تمثيلية سخيفه لا يشاهدها غيرهم فجدتها رحمها الله لم تكن محبوبة من أحد حتى من فلذات كبدها وكانوا قد أخذوها من المشفى الى المقابر مباشرة ولم يهتموا باعلام أحد من الأقارب أو الجيران بخبر وفاتها وعلل خالها موقفه ذاك قائلا
– لسنا فى حاجه الى الضجيج .. ثم ان اكرام الميت دفنه .
ووافقته شقيقته على ذلك ..
لم تلاحظ مرام أن أمها وخالها قد خرجا خارج المدفن وأنها ظلت وحدها أمام شاهد القبر ساهمة غير قادرة على تحليل مشاعرها .. جدتها هى من ربتها .. لم تكن حنونه عليها أبدا ولكنها تحملت مسؤليتها فى الوقت الذى رمتها فيه أمها ورحلت لتعيش حياتها بعيدا عن طفلة قد تعكر صفو حياتها .. شعرت مرام بغصه فى حلقها .. هل حقا رحلت تلك المرأة العجوز القاسية ؟ .. ألن تسمع صوتها الحاد مرة أخرى فى حياتها؟ .. ألن تجد بعد الأن من يأمرها ويعايرها ويستعبدها ويمن عليها بكسرة الخبز التى لها تطعمها؟
– مرام .. يا مرام .. هل يعجبك الوقوف هنا .. هيا .. ليس أمامى اليوم بأكمله .
قالت أمها ما قالته بضيق واستدارت مرة أخرى وخرجت متأففة ولحقت بها مرام بعد أن ألقت نظره أخيرة على القبر وتمتمت بجفاء
– رحمك الله يا جدتى وغفر لك .
وفى المنزل ( رشدى بالأسكندريه )
أمسك كلا من خالها وأمها هواتفهما النقالة واندمجا فى كتابة رثاء لوالدتهما على الفيس بوك وكلماتهم كلها حزن وآسى فأنهالت تعليقات العزاء من كل أصدقائهم ومعارفهم وجلسا يكتبون الرد وعمل علامات الأعجاب لهم .. وقفت مرام تنظر اليهم بضيق شديد وهى غير قادرة على تحملهم أكثر من ذلك .. على الأقل هى لا تتظاهر مثلهما ولا تدعى شيئا لا تشعر به تركتهم وذهبت الى المطبخ وراحت تبحث فى البراد عن شيئا تأكله فهى لم تتناول شيئا منذ الصباح الباكر فصنعت لنفسها شطيرة من الجبن والخيار ومعها كوب من القهوة السريعة وخرجت الى الشرفة .. ترآى لها البحر الواسع وممشى الكورنيش وكانت الشمس فى طريقها للغروب فجلست تتأمل الأفق المتوهج لتشعر بلحظة سلام مع نفسها قبل أن تواجه المشكلات التى تنتظرها فبعد موت جدتها لا تعلم ما سيكون عليه مصيرها .. ستسافر أمها الى الكويت الى حيث آخر أزواجها وبعد عدة أشهر سيكون خالها قد تزوج بدوره وستصفى وحيدة فهى لا تأمل أن تأخذها أمها للعيش معها فحتى الأن ترفض أن تجعلها تقابل زوجها .. تغار من شبابها ونضارة عودها برغم أن مرام وأمها نسختان متطابقتان .. نفس جمال الوجه الملائكى والجسد الأهيف المثير والشعر الأسود كالليل والذى يتناقض مع بياض بشرتهما ويعطيها هاله من النور تجعل المرء لا يكتفى بنظرة واحده عندما يراهما .. أغلقت عينيها بتعب وتمتمت بأحباط
– يا الله فى أى عائلة أوجدتنى ؟
الأنانية والجحود فى أبشع صورهما كانا … وتصارحت مع نفسها مرة أخرى بأنها لا تختلف عنهم كثيرا سوى فى الوضوح .. على الأقل مع ذاتها
عندما أستطاعت مرام أن تدخل أخيرا وجدت خالها مروان كما هو على الأريكة ولكنه كان ممددا عليها وقد ترك هاتفه أخيرا على المنضدة وكانت عيناه مغلقتان ولكنه ليس نائما فسألته
– أين هى أمى ؟ .. لا تقل لى أنها ذهبت لتنام .. سيبدأ المعزيين بالحضور بعد قليل .
رد خالها بهدؤ مثير للأعصاب
– علياء ليست هنا .. لقد رحلت .
حدقت فيه مرام بذهول
– لا أفهم .. رحلت الى أين ؟
– أنها فى طريقها الأن الى المطار .. سوف تسافر الليله الى الكويت .
– ولكن كيف ؟ .. والعزاء .
أبتسم ساخرا وقال
– طلبت منا أن نبرر رحيلها بأن نقول أن زوجها قد تعرض لحادث وهى أضطرت الى السفر للأطمئنان عليه ولتكون الى جواره فى محنته العصيبة .
ألقت مرام بنفسها على المقعد بحده وهى تغلي بالغضب والأشمئزاز من عدم شعور أمها .. كيف تتركها تتحمل كل ذلك وحدها ؟ مدت يدها بعصبية الى علبة سجائر خالها وأخرجت منها واحدة وأشعلتها بقداحته وكان قد فتح عينيه ونظر اليها بسخريه وسألها
– ماذا تفعلين ؟
ردت بوقاحه وهى تنفس الدخان بعصبيه
– كما ترى .. أدخن ؟
– ومنذ متى وأنت معتادة على ذلك ؟ .. تبدو وكأنها ليست المرة الأولى لك .
سألته ساخرة
– هل ستقوم بتقويمى الأن ؟
هز كتفيه بلامبالاة وعاد ليغمض عيناه
– ولما أفعل ذلك ؟.. أنت حرة فيما تفعلين .
رده أغضبها أكثر مما أراحها .. كانا كشقيقين أكثر منهما خال وأبنة أخته فهو يكبرها بأحد عشر عاما فقط وقد نشآ معا فى بيت واحد كأخوة وكانت دائما تتمنى لو يشعر نحوها ببعض المسؤلية فهى لا تذكر مرة أنه وجه سلوكها أو أبدى ملاحظه على ملابسها أو أهتم اذا ما تأخرت خارج البيت الى وقت متأخر .. صحيح أن جدتها كانت تقوم بكل الواجب ولكن تدخله فى حياتها كرجل دوره حمايتها كان سيختلف كثيرا خاصة وأنها لم تعرف الشعور بوجود أب فى حياتها .
وصل المعزيين بعد آذان المغرب ولم يكن العدد كبيرا فالأقارب كان معظمهم فى المنصورة أو القاهرة والعلاقات بينهما شبه مقطوعة فأقتصر العزاء عل الجيران وبعض زملاء خالها فى العمل حيث يعمل مديرا فى احدى شركات المحمول
وبالطبع خطيبته وذويها , وكانت مرام خارجة من الحمام عندما شاهدت خطيبة خالها شيرين وأمها خارجتان من حجرة نوم جدتها وهما تتناقشان
– سوف أغير لونها بالطبع وأفكر فى ورق الحائط سيكون أفضل من الطلاء فما رأيك يا أمى ؟
ثم أنتبهتا لوقوف مرام فى طريقهما فأبتلعت الأم الكلمات التى كادت أن ترد بها وابتسمت لها بكياسة فى حين سألتها شيرين ببرود
– لماذا تقفين هكذا يا مرام .. هل ذهب كل المعزيين ؟
سألتهما مرام بحده
– ما الذى كنتما تفعلاه بالداخل ؟
أحمر وجه المرأة الأكبر سنا حرجا وهمت بقول شئ ما عندما سارعت أبنتها بالقول
– هذا أمر يخص مروان يا أمى فهو يعرف ما الذى كنا نفعله بالداخل ولا حاجة بنا لتفسير أى شئ لأى أحد .
أحمر وجه مرام غضبا وأنتظرت عل أحر من الجمر أنصراف الناس حتى تواجه خالها وتعرف منه معنى ما قالته خطيبته وكان رده عليها صاعقا
– سوف أتزوج هنا .
صاحت بحده
– هنا ؟
– أنها شقتى يا مرام .
ردت بغضب
– وشقة أمى كذلك .
– لقد باعت لى أمك نصيبها .
هزت رأسها بذهول
– باعته ؟ .. ولكن متى ؟ لقد ماتت جدتى اليوم فقط .
– لقد ناقشنا الأمر منذ أن أخبرنا طبيبها أن حالتها ميئوس منها .
– لهذا هربت .. حتى لا تواجهني .. ولكن من أين جئت بالمال ؟
– أسترجعت مقدم الشقة التى كنت قد حجزتها وقد قبل صاحب البناية أن يعيد لى المبلغ الذى دفعته فقد كان لديه زبون جاهز بثمن الشقة كاملا .
سقطت مرام على المقعد وهى تقول بحيرة سببتها الصدمة
– وأنا .. ماذا عنى أنا ؟ .. هل سأبقى معك هنا ؟
تجهم وجه خالها ورأت ما يشبه الشفقة فى عينيه وهو يقول
– للأسف .. هذا غير وارد .. لن تقبل شيرين بأن تشاركيها بيتها .. وأنا أيضا سأمانع أريد أن أبدأ حياتى بصفحة جديدة خالية من المشاكل والتعقيدات .. آسف يا مرام .
أختنق صوتها وهى تردد
– وماذا عنى ؟ .. ألم تقل أمى شيئا .. هل تريدنى أن ألحق بها ؟ هل قالت شيئا كهذا لك ؟
أشاح خالها بوجهه وهى يقول لاعنا بغضب
– أمك أمرأة لعينة أنانية لا خير فيها .
صاحت بغضب وعيناها ممتلأتان بالدموع
– وفيك أنت أيضا .
– لست وحدك من عانى من الحياة يا مرام .. لست وحدك من كان له أم كالشوكة فى العين .. ولا أب جاحد لا نفع منه .. أشفق عليك لأنك مثلى .. قارب عمرى من الأربعين وأحتاج الى زوجه وأولاد .. أريد أن أشعر بالأستقرار .. أنت بالذات يجب أن تفهميننى .
قالت ساخرة بمرارة
– أجل أفهمك خالى .. لكنى فى كل الأحوال أحتاج الى رد على سؤالى .. الى أين سأذهب أنا ؟
أخرج ورقه مطوية من جيب سرواله ومد لها يده بها فأخذتها وهو يقول
– لديك أب يا مرام وهو أولى بحملك منى .
أشتدت أصابعها على الورقة وهى تقول بمرارة
– أب .. أى أب هذا ؟ .. أنه لا يعرف حتى بوجودى .
– ليس ذنبه .. علياء رفضت أخباره أى شئ عنك وأمى أيدتها فى ذلك حينها .
– لقد طلب منها أن تجهضني عندما طلقها .
– كان زواجه كالجحيم .. كنت طفلا ولكنى كنت أعى ما كانت تفعله أمى .. وعلياء سهلت لها مهمتها بأنانيتها وجشعها وعدم أخلاصها .
حدقت مرام فى الورقة ساهمة للحظات ثم عادت تسأله بأمل ضعيف
– أليس هناك أمل فى أن تغير رأيك وتتركنى أبقى معك ؟
تصنعت وجها بريئا ضعيفا ونظرة متألمة فى عينيها ولكن خالها كان يعرفها جيدا ويعرف مدى صلابتها والى أى مدى قد تصل كى تحصل على ما تريد ولكن ليس منه فأبتسم ساخرا وقد عاد الى بروده ولامبالاته
– لن أغير رأي .
وعدته قائلة
– سأعامل زوجتك بطريقة جيدة أقسم لك .. وسأجد عملا يأخذ كل وقتى فلن تروننى كثيرا .
هز رأسه رافضا
– لا تحاولى .. ألم أقل لك من قبل أنك تشبهين أمى كثيرا ؟ ستكون حياتى جحيما ان سمحت لك بالبقاء .
تغضن وجهها بأمتعاض لتشبيهه اياها بجدتها
– أرانى أشبه أمى أنا أكثر .
ضحك بقسوة
– فى الشكل فقط .. علياء قد تكون أنانية ولا ترى الا نفسها ولكنها غبية وضعيفة وأنت لست كذلك .. ثقى بى .. تستطيعين النجاة وحدك .. أذهبى الى أبيك وحاسبيه على كل السنين التى مرت من عمرك وأجعليه يدفع ما عليه لك ثم أبحثى لك عن زوج ثرى وأنت جميلة وقادرة على أصطياد واحدا .
جملة واحدة علقت برأسها .. أن تحاسب أبيها عن كل السنين التى مرت من عمرها .. لن تحاسبه عن الحب والرعاية ولكنها ستحاسبه على نفقاتها التى تهرب منها ولو عن جهل منه فهى لها حق عنده فسألت خالها بلهفة وقد برقت عيناها بجشع
– هل هو ميسور الحال ؟
ضحك خالها وقد كان يتوقع سؤالها وأنها ستخرج سريعا من حالة الشفقة على الذات التى عاشت فيها للحظات وأجاب
– يمتلك بساتين زيتون .. ومصنع لأنتاج الزيت .. هذا كل ما أستطعت الوصول اليه فقد أنقطعت أخباره عنا لخمسة وعشرين عاما .
سألته بشك
– وماذا لو أنكرني وطردني ؟
– نحن لا نعيش فى الزمن الغابر .. كان متزوجا من أمك شرعا .. وكان يعلم بحملها قبل طلاقهما ثم ان هناك ما يدعى تحليل الدي ان ايه وأنت مكتوبه بأسمه فى أوراقك الرسمية .
كان كلامه صحيحا ولكن فكرة أن يتقبل أبوها أن يكون له أبنة لم يعرف عنها من قبل شيئا ليس سهلا خاصة وأنه كان يكره أمها ومن الطبيعى أن يكون متزوجا الأن ولديه أولاد آخرين غيرها وشعرت بشئ من الغل والحقد على هؤلاء الأبناء الذين عاشوا مع والدهم وفى خيره وهى هنا تعامل كدخيلة متسولة لا يكترث أحد لأمرها .
كان هناك مظروفا على المنضدة أشار اليه خالها قائلا
– هذا مبلغ من المال .. لك .
سألته بدهشة ساخرة
– منك ؟
– من أمك .. أقتطعته لك من ثمن الشقه .
ثم مط شفتيه بأستياء
– كنت أخشى أن تذهب ولا تترك لك أى شئ .
خمنت مرام أن أمها قد تكون تشاجرت مع أخيها من أجل تلك النقود .
****
وادى النطرون ( محافظة البحيرة )
تقع مدينة وادى النطرون فى منتصف الطريق ما بين القاهرة والأسكندرية الصحراوى الواصل بينهما الى جهة الشمال ..
نزلت مرام من حافلة شرق الدلتا تحمل حقيبتها على كتفها وتضع نظارتها الشمسية على عينيها متجاهلة بغرور نظرات الأعجاب التى راحت تلاحقها , أوقفت احدى سيارات الأجرة وأعطته عنوان مصنع والدها
لقد مر أسبوع حتى الأن على وفاة جدتها واليوم فقط قررت السفر لملاقاتة.. فكرت أن تتصل به أولا ولكن خالها نصحها بأن من الأفضل أن تسافر وتقابله وجها لوجه .. وأن يكون لقاءها به بعيدا عن زوجته وأولاده .. تمنت لو كانت تعرف عنه أى شئ , أنتبهت من شرودها الى أن السائق كان يتحدث اليها فلم تهتم الى ماذا كان يقول وسألته وهى تميل الى الأمام
– هل أنت من أهل البلد هنا؟
– .. لا .. أنا من مركز أبو المطامير ليس بعيدا عن هنا ولكن زوجتى وعائلتها أصلا من هنا .
– هل تعرف صاحب مزارع ومصنع طيبة لأنتاج زيت الزيتون ؟
فكر الرجل قليلا ثم قال
– لا .. لا أعرفه .. ولكننى سمعت بهما .
وعندما تراجعت مرام الى الخلف وأشاحت بوجهها الى النافذة قال
– ربما زوجتى تعرفه .. فأبن شقيقها يعمل هناك .. سأتصل بها وأسألها .
حاولت مرام أن تخبره أن الأمر ليس مهما ولكنه لم يستمع اليها واتصل بزوجته
ويبدو أن زوجته لم تكن تعرف كذلك ودهشت مرام عندما أحتد عليها ونهرها بشدة لجهلها شيئا كهذا وكادت أن تضحك عندما فجأة أهتزت السيارة بعنف واندفع جسدها الى الأمام ثم مالت الى اليمين واصطدم رأسها بجانب الباب , كانت صدمتها أقوى من الألم وعندما أستطاعت أن تتوازن فهمت ما جرى .. لم يلاحظ السائق أن الطريق كان متوقفا وهو مشغول بالشجار مع زوجته وعندما أنتبه كان الأوان قد فات واصطدم بقوة بالسيارة التى أمامه .
نزل السائق من السيارة مرتعبا , ضغطت مرام على جانب رأسها متأوهة
– هل أنت بخير يا آنسه ؟
رفعت مرام رأسها ونظرت الى الرجل المنحنى على نافذة السيارة وينظر اليها بقلق كان الضؤ يتراقص أمام عينيها ولكن غير ذلك هى كانت بخير
– أنا بخير شكرا لك .
ظل واقفا يتفحص وجهها لثوان قبل أن ينتصب واقفا ويوليها ظهره ليتحدث مع سائق الأجرة لم تسمع ما كان يقوله ولكن وجه السائق الشاحب ومحاولته البائسه للأعتذار جعلاها تفهم أن هذا الرجل هو صاحب السيارة الأخرى فنظرت من خلال الزجاج الأمامى الى سيارته .. كانت سيارة فارهة وتبدو جديدة والضرر الذى أصابها من الخلف كان فظيعا .. لو كانت السيارة لها لعلقت ذلك السائق الأرعن من قدميه .. نظرت الى ظهر الرجل وهى متعجبة من أسلوبه الهادئ فى الوقت الذى يجب أن يكون فيه يستشيط غضبا .. لقد جاء للأطمئنان عليها أولا قبل حتى أن يتفحص أضرار سيارته ثم رأته أخيرا وهو يربت على كتف السائق المذعور ويقول له شيئا جعل وجه الرجل البائس يسترخى ونظراته تعبر عن الأرتياح والأمتنان
, عاد الرجل الى سيارته بخطواط سريعه وكان الطريق قد فتح وتحرك بها مبتعدا على الفور .. جلس سائق سيارة الأجرة خلف المقود وأدار المحرك وانطلق بها وهو يقول بأعجاب
– رجل محترم .. لم يتشاجر معى .. ولم يطالبنى بشئ هل تصدقى هذا يا آنسه ؟
ردت ساخرة
– لأنه ليس غبيا ليطلب منك شيئا .. فثمن سيارتك لن يكفى لاصلاح نصف الضرر الذى أصاب سيارته .
ضحك السائق وكأنما يحاول التخلص من توتره
– معك حق .. لديه سيارة عظيمة حقا .. وجديدة .. لاحظت ذلك ؟
زفرت بضيق وهى تعود لفرك جانب رأسها والذى بدأ يتورم قليلا
– نعم لاحظت .
سألها بقلق
– هل أصبت ؟.. هل آخذك الى المشفى ؟
– لا … خذنى فقط الى العنوان الذى أعطيته لك .
وداخل مصناع طيبه لأنتاج زيت الزيتون
وقفت مرام أمام موظف الأستقبال الشاب
– أريد مقابلة صاحب المصنع من فضلك .
وجدت أن لديها صعوبة فى لفظ أسم أبيها .. فلطالما كان أسما يلحق بأسمها ولا يعنى شيئا .. ولكن الأن وهى على وشك مقابلة صاحب الأسم بدا وكأنه حيا .. ينبض ويتنفس وثقيلا على لسانها لتنطقه
سألها الشاب بأبتسامة والفضول فى عينيه
– هل لديك موعدا ؟
نفس السؤال الذى تسمعه فى الأفلام والمسلسلات وعندما ستنفى تتوقع أن تكون اجابته .. ( آسف فالمدير لا يقابل أحد بدون موعد سابق ) فقالت بضيق
– لا ليس لدى موعد .. ولكن هل هناك ما يمنع رؤيتى له
أتسعت أبتسامة الشاب وهو يرد
– لا أبدا .. ولكنه لم يحضر بعد .
كانت الساعة قد تجاوزت الثانية عشر بعد الظهر فسألته
– وهل سيتأخر ؟
– كان من المفترض أن يكون هنا الأن .. اتصل منذ قليل وقال أنه فى الطريق ولا أعرف لماذا تأخر .. تستطيعين أنتظاره هنا لو أحببت .
جاء صوت أنثوى من خلفها يسأل الشاب
– ألم يصل الرئيس بعد ؟
وقف الشاب منتصبا وقال بأحترام
– لا يا أنسه رباب .. والأنسه هنا لمقابلته أيضا .
ضاقت عينا مرام وهى تتعجب من نظرات الشاب الخبيثه قبل أن تستدير الى صاحبة الصوت وهى تتساءل فى نفسها عن سبب هذا .. كانت الفتاة أقصر منها بحوالى خمسة سنتيمترات وجسدها ممتلئا بعض الشئ وترتدى ملابس محتشمة وحجاب على رأسها لم تكن قبيحه فملامحها رقيقة ومتناسقة ولكن وجهها كان متجهما وهى تنظر الى مرام وتتفحصها بدورها ورأت غضبا فى عينيها ولم تستطع أخفاء النبرة الحاده من صوتها وهى تسألها
– ولماذا تريدين رؤيته ؟
وعندما رفعت مرام حاجبيها بتساؤل ساخر تابعت الفتاة بصوت أكثر تهذيبا
– فقد أستطيع مساعدتك .
شملتها مرام بنظرة متعالية وهى تدفع شعرها الى الوراء قبل أن تقول
– شكرا لك .. أريده فى موضوع خاص .
شحب وجه الفتاة بشده وازدادت اثارة موظف الأستقبال ولم يستطع أخفاء حماسه ومال بجسده الى الأمام ليستمع اليها جيدا .. وعقل مرام يحاول فهم ما يحدث فالفتاة شابه فى مثل سنها تقريبا ولا يعقل أنها على علاقه بأبيها المسن وتجد فى مرام منافسة لها وما تعرفه عن شخصية أبيها كما أخبرتها أمها وجدتها فهو كان رجلا طيبا خجولا الا اذا كان قد تغير على يد أمها وهذا شيئا لا تستبعده
أبتسمت ببرود وهى تقول بخبث
– سوف أنتظره وأعتقد بأنه سيفرح كثيرا عندما يرانى .
ثم هزت رأسها الى الشاب شاكرة وسارت الى أحد مقاعد الأنتظار وجلست .. أختفت الفتاة الأخرى بسرعة البرق .
أخرجت مرام هاتفها وتحدثت مع خالها لتخبره بأنها وصلت .. كانت تعرف بأنه لا يهتم ولكنها ورغما عنها كانت تشعر بالتوتر من مقابلة والدها لأول مرة فى حياتها وكانت فى حاجة للطمئنينه من شخص ما وراحت تتساءل ان كان سيفرح لرؤيتها أم سيصدم ويرفضها .. بالتأكيد سيصدم كما سيصدم أى رجل عندما يكتشف فجأة أن لديه أبنة شابة فى الرابعة والعشرين من عمرها لم يكن يعرف عنها شيئا من قبل .. رفعت رأسها عندما شعرت بأن هناك من يراقبها ورأته ..
كان يقف عند باب الدخول كتفاه متهدلتان الى أسفل وفمه مزموما بشده وخفق قلبها بعنف من النظرة التى كان يرمقها بها .. كانت نظراته لها كلها حقد وغضب فشحب وجهها بشده .. أنه والدها .. عرفته دون مشقة برغم من أنها لم ترى له الا صورة واحدة وهو شابا صغيرا .. كانت تتوقع صدمته وذهوله ولكن هذا الكره جعل الصدمة من نصيبها هى .. هبت واقفة رافعة رأسها لأعلى .. وجملة واحده تتردد بداخلها .. (( أنا لا أكترث لهذا الرجل ))
تقدم منها وقال بصوت أجش
– تعالى معى .. لا يجب أن نتحدث هنا
أصابها الذهول ولكنها تبعته الى الخارج دون كلام ونظرات موظف الأستقبال تلاحقهما بفضول زائد
وفى الخارج أشار الى سيارة هيونداى فضيه موديل قديم مرت على صنعها عشر سنوات على الأقل , صعدت الى جواره بعد أن فتح لها الباب .. أطلق والدها زمور السيارة وهما خارجان من البوابة الحديدية للمصنع فتوقفت سيارة كانت فى طريقها للدخول مفسحه له الطريق ولمحت مرام السيارة الأخرى وأصابتها الدهشه للمرة الثانية فقد كانت نفس السيارة التى خبطتها سيارة الأجرة التى جاءت بها الى هنا وللحظات التى أستغرقتها سيارة والدها فى الدوران لمحت خلالها سائق السيارة الذى بدت عليه الدهشة كذلك لرؤيتها .. كان شابا لم يتجاوز الثلاثين من عمره تقريبا لم يكن وسيما بالمعنى المعروف وبدا جادا وصارما وهو يزم شفتيه حائرا وتساءلت مرام عمن يكون وما الذى يفعله هنا ؟
****
داخل أحد المطاعم
كان المطعم الذى أخذها والدها اليه رخيصا والأصوات فيه عالية مما جعل مرام تتأفف بضيق وهى جالسة أمامه .. وكان يدور بعينيه فى كل مكان كمن يخشى شيئا فقالت بصوت قاسى وقد أغاظها صمته الذى طال منذ خروجهما من المصنع
– ألن تقول شيئا .. ألا تعرف من أنا؟
نظر اليها بحده وقال
– بالطبع أعرف من أنت .
ضاقت عيناها بريبة .. لا يبدو عليه أنه قد تفاجأ لظهورها وهذا جعلها تشك بأنه كان يعلم بأن له أبنه فأعادت صياغة كلماتها
– كنت تعرف أن لديك أبنة ؟
رد بمراره
– نعم .. كما كنت تعرفين أن لديك أب .
لم يستمر ذهولها كثيرا وسألته ساخرة
– هل يمكن أن أسألك .. منذ متى وأنت تعلم ؟
– راسلتنى جدتك بعد أن تزوجت أمك وتركتك لها وطلبت منى أن آخذك .
شهقت مرام بذهول هذا يعنى عندما كان عمرها ستة أشهر .. أطرقت رأسها لتخفى أنفعالها وعقلها يعمل سريعا لفهم ما حدث .. جدتها لم تكن تريدها كما كانت أمها وهذا الرجل الذى هو أبوها رفضها كذلك .. حتى وان راودها شبه أمل واه بأنها ستجد أبا حنونا يتأثر برؤيتها فهذا الأمل نسف نسفا فى لحظه .. رفعت وجهها اليه تنظر اليه بهدؤ قائله
– وأنت رفضت أخذى .
عقد حاجبيه بشده وقال
– لم أكن لأقبل بأبنة علياء ..
ثم هز رأسه وتابع بكراهيه
– يا ربى أنت تشبهينها لدرجة ..
كانت قبضتاه قد أشتدتا بقوة فوق مفرش المائده .. لم تشعر مرام بالألم بل بالمزيد من الحقد عليهم جميعا
سألها بتوتر بعد لحظات
– لماذا أنت هنا ؟
ها قد جاءت لحظتها فردت
– ماتت جدتى منذ أسبوع .
– لن أطلب لها الرحمة .
فتابعت وكأنها لم تسمع
– وسافرت أمى لزوجها .. وسيتزوج خالى فى شقة جدتى .
سأل بعصبيه
– وما شأنى أنا بكل هذا .
قالت بحلاوة وبراءة مصطنعة
– لقد أصبحت فى الشارع يا أبى .
أنتفض بشكل ظاهر وحملق فى وجهها مصدوما عندما قالت أبى مما جعلها تضحك ساخرة
– ألست أبى ؟ أنت أعترفت بذلك لتوك .
بدا عاجزا عن الرد ورأت حبيبات العرق تتجمع فوق جبينه المتغضن ثم سألها بصوت أجش
– وماذا تريدين منى ؟
– أريد شقة لأعيش فيها ومصروف شهرى أو مبلغ من المال بأسمى فى البنك .
– ومن أين لى بالمال لكل ذلك ..
قاطعته بحده
– هل ستدعى الفقر أمامى .. بغض النظر عن السيارة الخربة التى تركبها أعلم أنك صاحب مصنع كبير .. ذلك الذى كنا فيه منذ قليل هذا غير بساتين الزيتون التى تملكها .
أنفجر والدها ضاحكا بشده بدون مرح فعقدت حاجبيها بشده
– من قال لك تلك المعلومات الكاذبة .. أنا موظف فى ذلك المصنع ولا أملكه .
قالت بأنفعال
– ولكن عنوانك جاء على عنوان المزرعة و..
قاطعها
– أنا أعيش هناك مع زوجتى التى تملك عائلتها المزرعة والمصنع .
أستراحت فى مقعدها وقالت
– هذا حسن .. أحضر المال من زوجتك اذن .
رد عليها بتجهم
– زوجتى أيضا لا تملك شيئا .. كل شئ ملك لأخيها الأصغر .
سألته بغضب
– وكيف يعيش أولادك .. خدما عند خالهم ؟
– ليس لدينا أولاد .
رفعت حاجبيها بدهشه وضحكت ساخرة
– يا ربى .. أنا ابنتك الوحيدة اذن .
عاد وجهه للشحوب من جديد فتابعت بقسوة
– لن تعطينى ما أريد أليس كذلك ؟
– قلت لك أننى لا أملك ما أعطيك اياه .. لا أملك الا راتبى .
حملت حقيبتها ووقفت بحده وهى تقول
– ليس هناك حل اذن الا أن آتى وأعيش معكم .
وقف بدوره ونظر اليها برعب
– لا .. لن ينفع .. زوجتى مريضة .. ولا هى ولا عائلتها يعرفون شيئا عنك ولا عن زواجى بأمك .
– وتخشى أن تظهر كاذبا أمامهما .
مالت عليه مهدده
– اما أن تعطينى ما أريد فأذهب وأتركك بسلام أو ستجدنى على باب مزرعة عائلة زوجتك بحقائبى

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غابت شمسها)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى