رواية عينيكي وطني وعنواني الفصل الثاني والثلاثون 32 بقلم أمل نصر
رواية عينيكي وطني وعنواني البارت الثاني والثلاثون
رواية عينيكي وطني وعنواني الجزء الثاني والثلاثون
رواية عينيكي وطني وعنواني الحلقة الثانية والثلاثون
بشبه ابتسامة خاوية تنظر للهاتف الذي يهتز بطنين اتصالاته والتي لم تُعد قادرة على حصر أعدادها.. من وقت ان شحنته بالطاقة وعاد للعمل مرة اخرى.. مستقلية على جانب رأسها وجسدها تنظر اليه بحيرة غير قادرة على الرد وغير قادرة على قفل الهاتف.. وكالعادة اثارت تذمر المرأة جارتها في التخت المجاور:
– ياست أمينة ماتردي على التليفون دا اللي عمال هز قدامك بدال ماهو شغال يرن كدة عالفاضي .
زفرت ساخطة قبل ان ترد عليها :
– في إيه ياستي بس؟ ما انا كاتمة الصوت اهو ضايقتك في إيه انا؟
– يابنتي مضايقتنيش ولا حاجة انا بس مستغرباكي.. مدام انتي مش عايزة تردي ماتقفليه في وشه وريحي دماغك ..
قلبت عيناها بسأم وهي تعتدل في فراشها تشيح بوجهها بعيدًا عن المرأة.. والافكار المتوالية مازالت تعصف برأسها.. لاتدري ماذا تفعل الاَن ؟ في بداية الأمر كانت مُصرة على عدم اطلاعه على معرفة مكانها ولكن الاَن وقد اقترب ميعاد خروجها من المشفى وهي لا تملك مأوى سوى بيت زوجها المعروف لعلاء وعصام فقد سبق لهم زيارته.. او بيت والدتها التي لم تكلف نفسها عناء الاتصال بها ومعرفة سبب انقطاع تواصلها معها.. فلا تجد سواه امامها ولكنها ايضًا لا تضمن غدره وخسته.. فما العمل؟ وهو شريكها والخطر الذي يهددها نفس الخطر الذي يهدده هو أيضًا ..خصوصًا بعد ان علمت من شقيقته عن اختفاءه و غضب أدهم المصري عليه وبحثه الحثيث عنه هو ورجاله .
صدح الهاتف مرة أخرى بورود مكالمته وكالعادة نظرت نحوه دون حسم امرها للرد أو إغلاق الهاتف.. ولكنها أجفلت على قول المرأة بجوارها:
– تاني برضوا التليفون اللي بيرن.. الا بقولك إيه ياختي.. هو انتي مشغلة التليفون القديم دا ليه من الأساس؟ وانت معاكي عدة جديدة باللمس وكبيرة؟
– همم
قالتها بقلق وهي تتحسس بكفها تحت الوسادة هاتف حودة فتكلمت بعد أن اطمأنت لوجوده في مكانه:
– لا ما انا حاطة كل الأرقام المهمة هنا والتليفون الكبير سايبه بس للتصاوير والنت.. مش عايزة امرمطه احسن يبوظ بسرعة.
مصمصت المرأة تلتفت للأمام بعيدًا عنها وتمتمت بصوت خفيض وصل لأمينة:
– قال مكالمات مهمة قال.. دا على أساس انها بتكلم حد تاني غير البنية اللي بتيجي هنا؟
عضت على باطن وجنتها غيظًا من هذه المرأة التي تحشر أنفها في مالايخصها.. ولكنها تمالكت نفسها عن الرد فيكفي مايشغل عقلها في التفكير الاَن عن حل لهذه المعضلة العويصة معها.. اين تجد مأوى اَمن لها؟
……………………………
وفي مكانٍ اَخر فوق سطح أحد الابنية وقد اتخذ مسكنه فيه بغرفة قديمة في إحدى زوياه منذ أيام .. كان واقفًا مستندًا بظهره على الحاجز الحجري ومازال ممسكًا بالهاتف يحاول معاها في اتصالاته المتكررة بها دون رد حتى هتف بحدة ساخطًا:
– ابو شكلك يابعيدة.. ماتردي بقى هي ناقصة قرفك ؟
ردت شريكة السوء التي كانت واقفة بجواره و مستندة بذراعيها على الحافة تنظر للمدينة الساكنة امامها :
– لساها برضوا مش عايزة ترد عليك؟
قال من بين أسنانه:
– بت ال….. بتعملهم عليا وعايزة تشلني.. فاتحة التليفون وبتشوف الرنات ومع ذلك مابترودش وكأنها بتقولي اتفلق.
صمتت قليلًا تاركة وجهها لنسمات الهواء الباردة مغمضة عيناها باستمتاع قبل ان تسأله بهدوء:
– طب وانت عايزاها تاني في إيه؟ ما كل شئ انكشف خلاص وبان.. يعني مش فارقة .
التفت اليها رافعًا زواية شفته باستنكار:
– نعم ياست نيرمين.. شايفك يعني حاطة على قلبك مرواح وجيالي هنا تعملي جو لنفسك تتمتعي بهوا السطح ..ايه ياعين خالتك؟ هو انت نسيتي المصيبة اللي انتي فيها؟ ولا جوزك دا اللي قالب الدنيا عليا وعليكي؟ ولا يوكنش الفلوس اللي سرقتيها منه يابت قوة قلبك؟
التفتت برأسها اليه تواجهه بحدة:
– يوه عليك ياسعد.. كان لازم يعني تفكرني بالهم اللي ورايا.. دا انا مصدقت انسى.
اعتلى ثغره ابتسامة متهمكة يقول :
– تنسي!! طب لما تنسي انتي بقى ياحلوة.. ادهم المصري هاينسى هو كمان؟ باينك عبيطة ومش دريانة بالمصيبة اللى احنا فيها.
تنهدت ساخطة وهي تتكتف بذراعيها:
– اديني اتنيلت ومزاجي اتعكر بسببك عشان تستريح وماتقولش عليا عبيطة.. ممكن بقى ياابو العريف تقولي كدة.. انت ايه اللي في دماغك إيه بالظبط؟ وليه مُصر تلاقي امينة؟
تناول علبة سجائره من جيب بنطاله وعود صغير من علبة الثقاب ..اشعل به السيجارة التي وضعها في فمه ينفث دخانها عاليًا في الهواء قبل ان يرد:
– اولًا انا اللي في دماغي كتير اوي وصعب على واحدة زيك تفهمه.. ثانيا بقى وهو الأهم ..هو اني لازم الاقى امينة عشان اعرف منها هي قالت لهم إيه؟ عايز اعرف الساعة اللي قضتها معاهم حصل فيها إيه بالظبط ؟ ماهو انا ماينفعش اسيب كل حاجة للظروف.. ثم ان ماحدش عارف.. مش يمكن الاقي طريقة تطلعني من كم المصايب اللي عليا دي وارجع فيها لبيتي وحالي ومالي.. مافيش حاجة في الدنيا مضمونة طول مالعقل شغال.
قال الاَخير وهو يشير بسبابته بجانب رأسه.. لوت هي شفتيها بغير اقتناع ولكنها سألته:
– طب يعني على كدة انت ممكن تبرئني انا كمان بعقلك النور ده؟.
صدح ضاحكا بصوته العالي يقهقه ساخرًا منها ..فقال بين ضحكاته:
– تتبرئي فين ياهبلة؟ ههه وانتي هربانة بفلوس الراجل والدهب كمان؟ ههههه
صكت فمها تشيح بوجهها عنه لكي تتجنب الرد على سخريته برد لاذع.. فأكمل هو ببعض الجدية بعد أن هدأت نوبة ضحكاته:
– على العموم انتي لازم تخلي بالك من نفسك وماتخرجيش كتير لحد الدنيا ماتهدى ونشوف لنا صرفة.. الا قوليلي صح انتي غيرتي من اللوكاندة اللي قولتلك عليها؟
– لا مغيرتش ياسعد.. عشان ماينفعش اروح لبيت ستي ولا أي حد يعرفه أدهم .. بس انا شايفة كدة السطح هنا شرح وبرج .. ماتشوفلي صرفة اسكن هنا انا كمان في الأوضة اللي جمب اوضتك .
– شرح وبرح !
قالها ساخرًا قبل ان يتابع
– لا ياختي ماينفعش نبقى مع بعض عشان ماحدش فينا يوقع التاني .. وبرضوا ماينفعش اللوكاندة ليكي وانتي ست ولوحدك.. شوفيلك سكنة عند أي حد مايعرفهوش جوزك .فاهماني بقى.
اومأت برأسها متفهمة وهي تتسائل بداخلها اين يمكنها الذهاب ؟
………………………..
في المقعد الخلفي بسيارة الأجرة وهي جالسة بجوارها ولا تعلم عنوان وجهتها.. تنهدت بقلق وهي تنظر من نافذة السيارة للخارج.. لقد مر عدة أيام منذ حديثهم العاصف حينما طالبتها باثبات ولائها ومحبتها لابنتها الراحلة فاتن! تلجلجت معها وهي لا تدري مقصدها حتى سألتها بغموض
“- يعني لو طلبت منك تسيبي علاء هاتسيبه ؟”
ظلت فجر لبعض اللحظات تحدق بها بعدم استيعاب.. تنتظر منها التراجع عن مطلبها وادعاء المزاح ولكن ملامحها المغلفة زادات من حيرتها .
فخرجت اجابة فجر بتشتت:
– انت بتتكلمي ازاي ياعمتي؟ هي علاقة حب ولا خطوبة عادية؟ دا جواز وانا مكتوبة على إسمه .. يعني ما ينفعش .
بابتسامة بمبهة نهضت من جوارها وهي تقول :
– يعني انتي مش عايزة تسيبي حبيب القلب وبتقولي انك بتحبي فاتن! ماشي يافجر.
نهضت خلفها توقفها ممسكة بذراعها حتى سقطت دمعة على وجنتها دون ارداتها :
– ياعمتي بلاش كلامك ده .. انا لو اعرف ان دا هايرجع فاتن هاعمله ومش هاتأخر .. بس دا ممانوش فايدة وهي دلوقتي عند ربنا .. يعني الحي ابقى من الميت زي مابيقولوا
انشق ثغرها بابتسامة جليدية لها قبل ان تخرج بصمت” وتتركها في حالة من الشتات والتخبط استمر لعدة ايام وهي تعاملها بشكل طبيعي أمام الجميع والأغرب انها كانت تمازحها ايضًا معهم ولكن تظل هذه النظرة المريبة منها تخبرها باستمرار الحرب الباردة بينهم.. حتى جاءت اليوم تخبرها بشكل مباشر امام والدتها انها تريدها معها في الذهاب زيارة لأحدى الاقارب من اهل زوجها .. بصفتها تعلم بأماكن المدينة أكثر منها .. الغريب في الأمر انها لم تأخذ ابنتها سميحة وهي الأولى وحتى انها لم تذكر لها العنوان.. ولكن ذكرته بالتحديد أمام السائق؟ فما فائدة مجيئها معها اذن؟
– بس هنا على إيدك يااسطى .
استفاقت من شرودها لتجدها تنظر نحوها قائلة بهدوء :
– ايه يافجر؟ مش عايزة تنزلي ياعين عمتك؟ احنا خلاص وصلنا .
– وصلنا!!
قالتها قاطبة حاجبيها باندهاش ازداد أكثر حينما ترجلت من السيارة وهي ترى رقي المبنى السكني التي تتقدم بخطواتها نحوه وهي خلفها تسير كالمغيبة ..دلفت لداخل المبنى الرخامى تلقي التحية على الحراس وهم يرددون التحية خلفها بمودة وكأنها من أصحاب المبنى وليست غريبة عنهم
………………………….
وفي مكانٍ اَخر بحديقة المشفى وعلى اريكة خشبية تحت ظلال الأشجار الكثيفة كان جالسًا متكتف الذراعين.. راسه مطرقة للأرض نحو اقدامه الممدودة للأمام .. تاركًا نفسه للحزن وقد تمكن اخيرًا بالانفراد مع نفسه بعيدًا عن والدته او شقيقه المريض الذي انتبه رغم تصنع السعادة والمزاح امامه بحزنه وسأله عما به ولكنه كان دائمُا ما ينكر متهربًا منه ومن فراسته .. يخفي بقلبه هذه الغصة المريرة لشعور الغباء الذي تملكه طوال هذه السنوات.. شقيقه الصغير رغم طيبته ودماثة اخلاقه يكتشف العيب وهو المشهور دائمًا بقرب الشبه بينه وبين والده في قوة الشخصية والتحكم يظل اعمى وينساق خلف حمائية كاذبة لشخص مريضٍ استغل هذه العاطفة بكل خبث ودهاء.. كيف كان سيسامح نفسه لوحدث السوء لشقيقه.. موته اهون من هذا الاحساس !
– الجو جميل هنا صح ؟
رفع عيناه نحو محدثه وقد علمه من صوته من قبل ان يراه..اومأ له برأسه بروتينية غير قادر على الرد .. تنهد عصام بصوت عالي قبل ان يجلس بحواره مربتًا على ركبته برفق :
– هون على نفسك هون.. احنا عايشين في الدنيا عشان نتعلم .
ابتسم بجانبية قائلًا :
– اتعلم إيه بالظبط ؟ انا راجل داخل ٣٣ سنة واكتشفت اني طول سنين عمري اللي عدت دي كنت حمار .. يبقى هاتعلم امتى بقى؟
جاء رد عصام حازمًا:
– ماتقولش كدة ياعلاء .. انت مش اول واحد تنخدع في صديق .. في غيرك بينخدك في حبيبته وفي غيرك بينخدع في أهله نفسهم .. دي طبيعة النفس البشرية.. ماحدش له سيطرة عليها .. طب مثلًا عندك انا . كنت فاكر خالي دا في مقام والدي.. لكن بعد ما اتجوزت بنته تعالى شوفه بقى.. مطلع عين امي على شوفة البنت رغم انه عارف اني احق من بنته المدلعة في حضانتها واني بيعدي عليا وقت بخاف امسك المشرط لاحسن اسرح من خوفي طول الوقت على بنتي لاتهمل فيها والدتها زي ماعملت قبل كدة كتير واحنا متجوزين.. بس اهو بقى هاعمل ايه يعني؟
حدق به للحظات قبل أن يسأله باهتمام :
– هي بنتك عندها كام سنة ياعصام .
اشرق وجهه مبتسمًا وهو يجيبه بحب:
– بنتي عندها ٣ سنين بس إيه بقى قمر زي البطة كدة ودمها زي السكر عكس امها خالص ..تنكة وشايفة نفسها مش عارف انا على إيه والله.
ضحك علاء وقد اندمج معه في الحديث قائلًا بمزاح :
– إيه ياعم دا انت شكلك مش طايقها خالص .
اشار بإصبعيه على عضمة رقبته قائلًا بإسلوب فكاهي:
– دا كدة اهو.. شايف.. كدة هو والنعمة مخنوق منها وهافرقع .. مش عارف انطسيت في نظري واتجوزتها ازاي بجد؟ ولا اكمنها اغرتني بالبس العرياني باين ولا إيه ؟
صدحت ضحكة علاء مقهقهًا حتى دمعت عيناه والاَخر يشاركه:
– دا انت باينك مغلول منها ياجدع ؟
– اه والنبي ياخويا ماتفكرنيش.. دا انا قلبي شايل ومعبي .
تبادلا المزاح لعدة لحظات اخرى وكأنهم استعادوا صداقتهم القديمة.. حتى اجفلتهم إحدى الممرضات التي أتت اليهم بخطواتٍ مترددة:
– يادكتور عصام لو سمحت.
– في إيه يانهلة عايزة إيه ؟
فركت بيديها بتوتر وهي تتنقل بعيناها بينه وبين علاء الذي شعر بالقلق:
– بصراحة يادكتور انا مكنتش اعرف انكم مخبين عليه ؟
سألها علاء :
– هو مين اللي مخبين عليه ؟ في إيه ياانسة؟
رددت بخوف وهي تخاطب علاء:
– بصراحة بقى الأستاذ حسين اخو حضرتك سألني عن الولد اللى كان معاه في الحادثة وانا قولتله تعيش انت..
انتفض واقفًا يقاطعها
– بتقولي إيه ؟
نهض عصام هو الاَخر ولكن ليسألها بهدوء:
– وبعد ما قولتيلوا حصل ايه؟.
اجابت متهربة منهم بعيناها:
– بصراحة حزن قوي وهو دلوقتي عمال يعيط عليه بحرقة وحتى والده مش عارف يهديه ؟
– يخرب بيتك .
قالها علاء وهو يجري مهرولًا نحو المبنى الموجودة به غرفة اخيه.. اما عصام فجز على اسنانه ملوحًا لها بقبضته يقول:
– كان لازم يعني تنسحبي من لسانك.. ماينفعش تعملي شغلك وانتي ساكتة؟ روحي ياشيخة ربنا ياخدك.
ثم تحرك مسرعًا ليلحق بصديقه .
……………………………..
بدموع الوجع التي لا تتوقف كان يبكى صديقه الصغير.. وهو لايزال عقله لا يستوعب او يصدق الخبر .. ولكن وجع قلبه يخبره الحقيقة :
– اه ياحودة ..
ادهم وهو يربت على ذراعه بقلبٍ وجل :
– ياحبيبي مش كدة هدي نفسك.. دا احنا مصدقنا انك بدأت تتحسن.
– انا السبب انا السبب عشان لو مكنتش اخدتوا معايا في مشوار الزفت ده مكانش حصل اللي حصل وراح فيها.
صاح عليه أدهم بصرامة:
– بس يابني حرام عليك واستغفر ربنا.. دا قضاء الله وقدره.. واحنا مالناش الإعتراض على حكمته.
حاول التماسك وهو يجاهد للتوقف.. ولسانه يتمتم بالأستتغفار :
– استتغفر الله العظيم.. استغفر الله العظيم يارب
تنهد أدهم بعمق وهو يهدهده :
– ايوة يابني استغفر واستعيذ من الشيطان الرجيم .. دي كلها أقدار من ربنا.
مسح بأبهامه دمعة اخرى وهو يخاطب والده بحدة:
– بس دا مكانش قدر ربنا .. شكل العربية اللي دخلت علينا فجأة مايظهرش ابدًا انها حادثة.. لا دي واضح قوي انها كانت قصدانا.. هو انا تليفوني فين؟ والبت امينة صح راحت فين؟ ماتت هي كمان ولا إيه بالظبط؟
حرك ادهم رأسه بعدم فهم :
– بت امينة مين؟ احنا منعرفش ان كان معاكم ست ولا نعرف هي راحت فين ؟ وان كان على تلفونك فهو موجود ياحبيبي.. بس دا ادشدش واتكسر خالص.
سأله بخشونة
– وتليفون حودة راح فين ؟
اجاب ادهم وهو يلوح بكفه :
– والله يابني مااعرف بس بكرة هاسأل عليه الشرطة ولازم اعرف بس انت مهتم اوي كدة بيه ليه؟
اجابه على الفور بمغزى:
– عشان عليه التسجيلات ولا هي الست نرمين ماقلتلكش باللي حصل؟
انتفض في وقفته واتسعت عيناه سائلًا:
– مالها نيرمين ياحسين ؟ هي إيه حكايتها بالظبط البت دي ؟ عشان انا لو شفتها تاني بعد ماهربت من غير سبب هاشرب من دمها .
ابتسم يجيبه بسخرية مريرة :
– لا هو انت متعرفش ان الزفت سعد اللي أخد فلوس منك زمان عشان يبعد فاتن عن ابنك علاء هو نفسه اللي كان مرافق نيرمين صاحبة اخته قبل ما يزقها على علاء واما تفشل معاه ترمي شباكها عليك انت فتوقعك وتتجوزها .. وهي لساها برضوا عشيقته .
فغر فاهه وتدلى فكه وعيناه اتسعت بشكلٍ مخيف وهو يردد وانفاس صدره تصعد وتهبط بحدة :
– آيه اللى انت بتقوه ده ياحسين؟ دا كلام خطير اوي يابني .
ردد مؤكدًا قوله:
– انا شوفتك بعيني وانت بتديلوا الفلوس ومكنتش فاهم ساعتها عشان كنت صغير لكن الشك كان دايمًا بيكبر معايا .. وان كان على نيرمين فدي حكايتها في تسجيلات الفون بتاع حودة.. بس السؤال بقى ياولدي .. انت كنت عارف بالملعوب اللي عمله الزفت ده لما اغتصب فاتن ولبس عصام التهمة عشان يكسر قلب اخويا……
توقفت جملته حينما رأى أخيه واقفًا بجوار الباب بوجه شاحب.. يبدوا انه استمع لمعظم الحديث .. انصعق أدهم على رؤية ابنه الصامت ونظرة عيناه وحدها تتحدث .
………………………….
حينما انفتح باب الشقة الفخمة استقبلتهم الخادمة الصغيرة بابتسامة مرحبة بهم :
– اهلًا اهلًا ياهانم اتفضلوا .
توقفت مكانها مندهشة وهي ترى عمتها تدلف لداخل الشقة و ترد التحية على الفتاة :
– ازيك ياصابرين عاملة إيه بابت ؟
– صابرين!!
همست بالأسم متمتمة بتعجب قبل ان تجفلها عمتها التي عادت لتسحبها و تدلف لداخل المنزل :
– شايفاني داخلة مش تدخلي على طول ورايا بدال ماانتي واقفة كدة زي سنفور المحطة .
رددت مندهشة:
– يقربولك إيه اهل الشقة دي ياعمتي؟ دول شكلهم يعرفوكي من زمان واكنهم عشرة معاكي.
ابتسمت فوزية وهي تجلسها على اقرب مقعد وجدته امامها فجلست هي على الاَخر بجوارها تقول :
– عشرة فين يابت؟ وانا ساكنة في الصعيد وهما هنا في القاهرة.
اهتزت شفتيها فجر وهي لا تجد من الكلام ما ترد به على عمتها التي تغرقها في غموض كلماتها وافعالها المختلفة.. اشرق وجه فوزية فجأة وهي تنظر أمامها:
– اهلًا اهلًا يالقمر.
التفت فجر نحو ما تنظر اليه عمتها لتجد طفلًا أسمر شديد الجمال بشعره الكستنائي شديد السواد ..عمره يقارب الخمس سنوات وهو يتقدم اليها حتى ارتمى بأحضانها.. وهي تقبله في وجنتيه .
ابتسمت فجر وهي تسألها ببلاهة:
– يامشاء الله ياعمتي.. الولد اترمى في حضنك واكنه عارفك من زمان ؟
ازداد اتساع ابتسامة عمتها وهي تخرج الطفل من أحضانها و تخاطبه :
– بيدو ياقمر سلم على البت الحلوة دي اللي قدامك
– واسمه بيدوا كمان ؟
قالتها وهي تدنوا نحو الطفل الذي مد اليها كفه الصغيرة بأدب قائلًا :
– اهلًا ياطنت .
ضحكت مرحبة وهي تستقبل كفه الصغيرة بكفها:
– يااهلا ياحبيبي ياروح طنت انت ….
رفعت رأسها فجأة نحو عمتها ثم عادت تدقق جيدًا في ملامح الطفل وقد ارتسم الوجوم على وجهها بشكل جلي .. قبل ان تهتف على عمتها بزعر :
– مين ده ياعمتي ؟!
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية عينيكي وطني وعنواني)