رواية عقاب ابن البادية الفصل الأول 1 بقلم ريناد يوسف
رواية عقاب ابن البادية الجزء الأول
رواية عقاب ابن البادية البارت الأول
رواية عقاب ابن البادية الحلقة الأولى
توقف بالسيارة أخيرًا بعد سفر طويل على طرقات وعرة مارًا بصحراء سيناء الشاسعة إلى أن وصل لهذا المكان، لهذه البادية القابعة وسط محيط من الرمال الذهبية التي تشبعت بحرارة الشمس حتى بدأ الوهج يخرج من جوفها.
ترجل من السيارة ثم أمر من فيها بالنزول قائلاً:
-يلا يا عايده انزلي، ونزلي آدم.
فتحت السيدة باب السيارة وترجلت هي والصغير صاحب الخمس سنوات. وما إن وضعوا أرجلهم على الرمال حتى أخذت السيدة تتلفت حولها بقلق، ودب الرعب في أوصالها لما تراه حولها؛
فعلي مرمى البصر لا ترى سوى صحراء يتخللها بعض أشجار النخيل، وبعض الخيام المتراصة! وبئر، وأشياء بدائية لا يوجد بها أي من مظاهر التمدن أو حتى بناء واحد من طوب!
فقالت بصوت خائف:
-محمود، ايه المكان ده؟! هو معقول فيه ناس عايشين هنا؟! لا لا يا محمود، أنا مش موافقة. يلا بينا نرجع، خلينا نسيب البلد بحالها ونسافر بره، خلينا ناخده ونمشي خالص ولا اننا نعمل فيه كده.
هدر بها محمود بصوت عالي:
-عايده، إحنا اتفقنا على كل حاجه من زمان، خلاص يا عايده انتهى وقت النقاش.
ودلوقتي يلا اتفضلي قدامي.
نظرت عايده حولها مرة أخرى، ثم نظرت إلى صغيرها في شفقة بالغة، وقالت في نفسها:
-لله الأمر من قبل ومن بعد… منهم لله.
قالتها ثم تقدمت ممسكة بيد الطفل الذي كان يطالع المنطقة من حوله مبتسمًا، فهذه التضاريس جديدة عليه كليًا. فها هو يرى الرمال التي كان يراها فقط على تلفازه في أفلام الكارتون،
والتي تختلف كثيرًا عن رمال شواطئ البحار التي كان يراها حين يسافر مع أبويه للمصيف.
استمرا في التقدم ببطء وصعوبة بسبب الرمال إلى أن وصلا خيمة كبيرة تليها مجموعة خيام أصغر منها متوزعة على جوانبها بعشوائية. وعلى مسافات من بعضهم البعض.
ويا للعجب الذي أخذ آدم حين رأى أطفال يلعبون!
يلحق أحدهم الآخر يطوفون حول أشجار النخيل! ومن الجمال الكثيرة منها الواقف ومنها النائم !
همس وهو يشد على يد أمه ينبهها لشيء ما:
-ماما، شوفي.. هورسس أند ألوت اوف انيمالز!
لتنظر أمه في اتجاه إصبعه الصغير، فتجد خيولًا مصطفة بجوار بعضها البعض تأكل، وأغنامًا وماعزًا كبيرة وصغيرة متفرقة في أنحاء المكان، وكلابًا تجري خلف الأغنام المبتعدة فتعيدها وتمنعها من الابتعاد أكثر.
وفي الجانب الآخر نساء تجلس أمام قدور سوداء وضُعت فوق بناء طيني صغير يسمى “موقد” وتحتها قطع من الخشب يحترق لطهوا الطعام. وأخريات ذاهبات نحوا البئر حاملين جرارًا فوق رؤوسهم.
فسحب آدم يده من يد أمه وصفق وهو يرى هذا الكم الهائل من الحيوانات، والذي جعله يعتقد بأنه في حديقة للحيوانات، أو في مكان جديد للتنزه كما يأخذه والده دائمًا ويريه الأشياء الغريبة والجميلة.
وقف محمود في مكانه وهو يرى رجلاً بدويًا يتقدم منه سريعًا، وكان يستقبله بترحاب شديد وهو يهتف: – – هلا هلا بالحبيب، هلا برفيق الشيخ، هلا بالضيف الغالي،كيفك وكيف صحتك؟
ثم صافح محمود بعدها، والذي رد عليه قائلاً:
-تسلم يا “قصير”، الله يسلمك من كل شر، انا بخير انتوا كلكم عاملين إيه، والشيخ منصور عامل إيه؟
قصير:
– والله الشيخ والكل بأفضل حال بفضل الله الكريم، والحين هو بروحه يطمنك عن احواله.
قالها ثم بدأ بالصياح بصوت عالٍ:
-شيخ منصور! يا شيخ منصور! حبيبك اجا يا شيخ، ضيف ماراح تصدق عيونك لشوفته.
اجلس ياراجل ليش واقف انت وجماعتك، اجلسوا.
وأشار لهم على شيء أشبه بالكرسي مصنوع من جريد النخل ثم نادى بصوت عالٍ:
-معزوزه! بنِت يا معزوزه!”
أجابته فتاة ممن يجلسون حول المواقد يطهون الطعام،
: اي يبه، شو بتأمر؟”
قصير:
-تعي هون.
تركت الفتاة مابيدها وجاءته تهرول ووقفت تعدل في غطاء رأسها، فقال لها قصير معترضًا:
– اتركي شيلتك ولا تشوشي مافي حدا غريب
مدي يدك سلمي بلاول، وردي سوي قهوة وقهوجي ضيوفنا.
معزوزه:
-تم يابوي من هالعين قبل هاي. قالتها ومدت يدها لمصافحة الجميع تباعًا، وما إن انتهت من المصافحة، حتى عادت مهرولة مرة أخرى من حيث أتت.
دقائق معدودة، وخرج من فتحة الخيمة شيخ كبير ذات لحية بيضاء وملامح وجه حادة، زادت الرعب في قلب عايده فور رؤيتها له، فأحتضنت ابنها خائفة وهي تنظر لهذا الرجل المخيف، وهمست لنفسها:
-يا رب، لا دا كتير! يعني لا مكان كويس، ولا ناس كويسين… يا رب لطفك.”
وماأن خرج الرجل من الخيمة بكامل جسده حتى نظر لمحمود وصاح مُرحبًا:
– ياهلا، يامية هلا بالقناديل النوروا قبيلتنا، ياهلا بأحبابنا، ياهلا…”
وتقدم من محمود واحتضنه فرد عليه محمود بنفس لهجته: “هلا شيخ منصور، الله كيفك؟
منصور: صرت زين بشوفتك ياعزيز القلب والعين، ايش علومك يامحمود والله زمن ماريناك، ليش هي القطيعة كِلها؟
– والله مشاغل ياشيخ ماانت عارف كل حاجة. واديني جيت لما ربنا اراد.
ابتعد عنه منصور وأومأ لعايده برأسه مُرحبًا، ثم نظر للصبي وأردف قائلاً:
-هاد هو العليه العين؟
رد عليه محمود بتنهيدة:
-أيوه.. هو دا ابني آدم يا شيخ منصور.
منصور:
-بارك الله فيه وحفظه لك بحفظه ورعايته.
ثم أمال على الصغير وأشار له على الأطفال قائلاً:
-يا ولد، شايف الجمع هاك؟ يلا امشب لهم والعب معهم، العب بالصخال الصغيرة وتونس.
نظر آدم لأبويه، وبمجرد أن أومأ له أبوه بالموافقة،
تحرك مسرعًا باتجاه الأطفال. وما إن ابتعد كادت أمه أن تتبعه مهرولة خلفه، لولا أن منعها منصور بنبرته المحذرة:
-إياك تتبعينه.
نظرت له عايده ثم نظرت لزوجها راجية، فخفض محمود عينيه ولم يعر خوفها أي اهتمام، رغم أنه هو بذاته يشعر باضعاف خوفها،
ولكن عليه أن يمثل هذا الثبات أمامها وأمام الجميع، فلا خيار أمامه غير ذلك.
جلس منصور ثم قال لمحمود: “ماتجلس يارجال إنت وحرمتك إيش بيكم؟
جلس محمود ومن بعده عايده، وعيون الاثنين متعلقة بذلك البعيد الذي انطلق في اللعب مع باقي الأطفال بسعادة،
. فتنهد محمود، وردت عليه الأخرى بتنهيدة مشابهة، وهما يراقبانه بقلوب تنزف وجعًا، وانتبه كل منهما حين جاءت الفتاة بكاسات وإبريق وصبت القهوة وقامت بتقديمها لهم قائلة:
-“بالهنا.”
محمود: “تسلم إيدك يا بنتي.” ابتسمت له الفتاة وانصرفت، ثم بدأ منصور بشرب القهوة وهو يراقب ملامح عايده وحركة عينيها التي تتبع صغيرها، ثم مال على محمود فحدثه هامسًا:
-مرتك ما عندها جلد يا محمود، وراح تتعب وتتعبك كثير.”
محمود:
-كلنا هنتعب مش بس هي يا شيخ منصور.”
منصور:
-اسمع، تشرب قهوتك وتقوم تاخذها وتمشي من هنا سريع قبل ما ينتبه الولد ليكم.”
قالها وعاود شرب قهوته.
أما محمود فوضع كاسته جانبًا ووقف ناظرًا إلى عايده التي هبت واقفة، ونظرت في اتجاه ابنها وهتفت بترجي:
-أرجوك يا محمود، أبوس إيدك، بلاش.”
منصور:-
ام آدم، فراق الحين اهون من فراق كل السنين، روحي ولا تخافي ولدك عندي أمانه والشيخ منصور مايفرط بأمانته، توكلى علي ربك وغادري قبل لا يشوفك الولد ويتعلق بثوبك.
عايده:
– حرام يا ناس والله دا حرام.
منصور:
-حرام عالميخافون الله مو علينا، هيا يا محمود، خذها قبل لا الصغير ينتبه، ايش جاك واقف متل المضيع عقلة ورجوله ماعادت تتحرك؟! هياااا
نهره بقسوة فأمسك محمود بذراع عايده زوجته وجذبها غصبًا تحت اعتراضها المستمر ونظراتها المتوسلة وعباراتها المستعطفة له ان يرحم حالها وحال صغيرها،
ولكن هيهات، فقد تحجر قلبه واُصدر حكمه بنفي قطعة من روحه وروحها ولا يوجد للحكم معارضه او إستئناف.
وصل محمود بعايده الي السيارة اخيراً وبعد معاناة معها لكي تمشي معه،، وكان “منصور” يمشي بمحاذاتهم هو “وقُصير” وقام “محمود” بفتح باب السياره ودفعها بداخلها بكل قسوة،
واغلق الباب ثم ترك مهمة منعها من النزول من السيارة “لقصير” الذي ثبت الباب بيديه القويتان فبائت كل محاولاتها لفتحه بالفشل..
وقام هو بالالتفاف الى الجانب الآخر وصعد السياره وقام باغلاق ابوابها اتوماتكياً وما إن سمع “قصير” صوت القفل حتي ترك الباب وابتعد عنه مطمئناً فقد اُنهيت مهمته..
اقترب منصور من محمود وامال بجسده ليتقابل مع وجه محمود وهمس له مطمئنا وهو يري الخوف في عينيه :
-بعيوني وليدك لا تخاف اعليه،، والله وهالشارب ماراح يمسه سوء طول مافي نفس يطلع وينزل.
ولكن عند شرطنا.. لا تيجي عليه ولا تروح وتنساه، ولك علي اسلمك شاب مافي منه بكل القبايل..
محمود :
-وانا جايبه هنا ياشيخ وعارف ان مفيش مكان أءمنله من القبيلة ولا حد فالدنيا ممكن يخاف عليه ويحميه زيي ويمكن اكتر مني غيرك..
قالها وابتسم لمنصور وهز له منصور رأسه مؤيدا، ثم ابتعد عن السيارة،
لينطلق بها محمود،، بعد ان نظر نظرة اخيره الي ابنه يودعه،وكاد قلبه ينفطر وهو يراه قادما من بعيد نحو السيارة يجري ويصرخ، فكان لابد له ان يبتعد عنه قبل ان يصله.
وها هى صرخات عايده تهز اركان السيارة رداً على صرخات وليدها،،
وزلزلت قلبه وهي تتخبط وتنادي عليه بأعلى طبقات صوتهت،
فهو طفلها الثاني الذي تُحرم منه وماأصعب الفراق..إنه لشعور قاتل.
اما آدم فوقع يلهث على الارض بعد أن جري وصرخ كثيرا مناديا عليهم طالبًا منهم أن ينتظراه،
سقطت دموعه وهو يراهم يختفون عن ناظريه تاركينه في هذا المكان الغريب!
فهرول اليه قصير وقام بحمله من وسط الرمال الساخنه،،
ووصل اليهم منصور وأشار لقصير بأن يتبعه الي الخيمه باالصغير.
فنفذ قصير وتبعه حاملاً من تعلقت عيناه بحيث اختفى والداه وشهقاته تتوالى وتمنعه حتي من التنفس بشكل طبيعي، وينتظر عودتهم فى اي لحظة بالسيارة، فقد صور له عقله الصغير بأنهم نسوه ليس الا، وسيعودان لأخذه.
ولم يكن يعلم أن النسيان سيستمر لسنوات طويلة سيتعب من عدها لاحقاً.
عقاب إبن البادية
قصة جديدة من نوعها لون جديد بالنسبة لي باللهجة البدوية وفي المجتمع القبائلي حيث سنتعرف سويًا على عاداته وتقاليده وطباع أهله.. ارجوا ان تنال إستحسانكم
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية عقاب ابن البادية)