روايات

رواية عشق مجهول الفصل الرابع 4 بقلم ندى ممدوح

موقع كتابك في سطور

رواية عشق مجهول الفصل الرابع 4 بقلم ندى ممدوح

رواية عشق مجهول الجزء الرابع

رواية عشق مجهول البارت الرابع

عشق مجهول
عشق مجهول

رواية عشق مجهول الحلقة الرابعة

4_الختام
_لأ مش موافقة.
هكذا صرحت سحر ببرود وهي تهز رأسها نفيًا بضع مرات، كأنما تدحر عنها هملًا كاد أن ينهك قلبها، ويهد روحها، غير أبةٍ بأبيها الذي هَبَّ واقفًا، وهتف والغضب يشعُ من مقلتيه:
_هو إيه إللي لأ أنتِ اتجننتي يا بت؟!
بينما نهض أحمد بوجهٍ شاحب يحاكي شحوب الموتىٰ، وهو يهمس بتهدج:
_أنتِ بتستعبطي ولا بتفكرينا بنلعب لأ إيه؟
فغمغمت سحر بقوة، وهي تواجهه:
_لأ مش بستعبط ولا حاجة، ولا أنا مش موافقة عليك.
فصرخ أحمد فيها بجنون:
_أنتِ جاية دلوقتي قدام الناس دي كلها وتقولي مش موافقة!
لكنها لم تعره اهتمامًا، وهي تتجه إلى أبيها بعينين مغروقتين بالدموع، وهمست برجاء:
_بابا انا عارفه إنك مصدوم، ومش مصدق الموقف اللي حطيتك غصب فيه، وحاسس أكيد إنك عايز تضربني، بس أنا مش عايزة اتجوز أحمد لإنه شخص كداب.. كدب عليَّ يا بابا وأنت قولت ليّ قبل كده (لا خير في كذاب قط) هيكون فين الخير لو وافقت اكمل مع واحد قبل يبني حياته معايا بكذبة.
صاح أحمد فيها مذهولًا:
_أنا كدبت عليكِ في إيه…
فقاطعته سحر باستهجان:
_كدبت عليَّ في إيه؟ وبتسأل! قولت ليّ إنك صاحب الرسايل بس لأ مش أنت.
كانت تهز رأسها، وقد انسابت دموعها على وجنتيها تفطر القلب، وقالت بصوتٍ أضناه الحزن:
_وأنا حبيت صاحب الرسايل، الشخص اللي حبني بصدق..
ودارت بعينيها تفتش بين الوجوه عن وجهٍ معين، لكنها لم تجده فعادت تطرق برأسها، قائلة بأسف:
_وهو مجاش.
هم أحمد أن يقول شيئًا ما، قبل أن تقاطعه هي مغمغمة:
_أنا مقبلش اتجوز واحد بيكدب يا أحمد حتى لو مجرد كدبة بسيطة عشان يوصل ليّ، هأمن عليك إزاي وهعيش معاك إزاي؟ لو وافقت هتبقي حياتنا جحيم لإني هبقى دايما شاكة في كل كلمة منك، وكل حركة، وكل فعل.
ورددت بعد برهة من الصمت، وهي تهرع باكية إلى غرفتها:
_أنا أسفة.
إرتمت سحر فوق فراشها وراحت تبكي بحزنٍ دفين، على ما قد كاد أن تؤل إليه حياتها، لقد كانت قاب قوسين أو أدنى من أن تحيا مع شخصٍ كاذب!
لا يستحق حبها.
لم تلبث إن سمعت صوت طرقٌ خفيف على باب حجرتها، أعقبها دخول والدها وهو يغلق الباب وراءه، وجلس بجوارها دون أن ينبس ببنت شفة، وإن أخذت عينيه تعاتبنها عتابًا قاسيًا، فأعتدلت في فراشها وألقت بنفسها في حضنه فراح يمسد على خصلاتها في حنوٍ، وهي تتمتم:
_أنا أسفة يا بابا بس مكنتش هقدر أكمل حياتي مع واحد كدب عليَّ كده ببساطة وكأن الكدب ده حاجه عادية، كنت هعيش إزاي معاه وهو نزل من نظري؟
مرر أبيها أنامله بين خصلاتها، وقال بنبرة هادئة:
_أنا معاكِ يا بنتي في كل ده، بس ليه مقولتليش قبل انهاردة؟! مكنش كل الإحراج ده تعرضناله.
كفكفت سحر عينيها وهي تبتعد عن حضن أبيها، وتطلعت إليه وهي تقول بصدقٍ:
_لإني معرفتش إلا انهاردة يا بابا.
ربت والدها على رأسها مرة أخرى، وقال وهو ينهض:
_حصل خير.
بعد خروج والدها، عادة تبكي مجددًا بقلبٍ منفطر، يدميه الأسى، ثم تناولت هاتفها وأتصلت على رقمًا بعينه، وانطلق الرنين في أذنيها كصليل حربٍ مدوية، وانتفض فؤادها يقرع كالطبل بين جوانحها، وفجأة اتسعت عينيها، وتحجرت بهما الدموع، وخيل إليها إن قلبها توقف عن النبض، وصوتٌ قوي النبرات يتسلل إلى أذنيها، هاتفًا:
_ألو، مين معايا؟
فتلجلج صدرها وفغرة فاهٍ ولم تقو على أن تنبس إلا باسمٍ قد نُقش على شغاف قلبها:
_بابا.
ولم تتلق إلا نفسٌ يتردد في انفعالٍ واهتياج، ثم انبعث صوت إسماعيل هامسًا في تردد:
_سحر!
إنه يعرف صوتها جيدًا ، برغم إنها المرة الأولى لهما بالتحادث على الهاتف، وقد تعمدت أن تناديه بـ (بابا) لتعرف هل يعرفها أم لأ..
لكنه عرفها..
وبدا مأخوذًا..
وآخر رسائله (أتعلمين تمسكك بيدي بدا ليّ كطفلة تتشبث بوالدها، وإذ بقلبي يجأر صارخًا:”إنك ابنته وقطعة منه” هكذا يعتبرك قلبي كإبنة يخشى عليها من أي سوء وأذى، ومن اي حزنٍ ودمعة عين، أحبك يا ابنتي ودعيني أخبرك.
على مفترق طرق يضيع الحب ويتلاشى
وحبك لا يضيع ولا يتلاشى مهما غبتِ عن العين فأنتِ حاضرة في القلب) تحتل كل ذرة في خلدها.
ابنته؟!
يا له من شعور جميل..
وانساب دمعها من مآقيها يرثى كل لحظة بُعد، وكل ثانية غفلة.
خيم صمتٌ عظيم عليهما، وهدوءٍ مريب، وسكونٍ عميق، قبل أن تستمع إلى صوته، متسائلًا في حيرة:
_عرفتي رقمي إزاي؟! وبترني ليه؟
وازدرد لعابه وهو يسألها بمرارة:
_مش كتب كتابك انهارده!
فطلبت منه برجاء رقيق:
_عايزة أأقابلك ضروري.
فضيق عينيه لوهلة، ولاذ بالصمت لهنيهة، وغمغم بنبرة حادة:
_بس أنا مش فاضي!
فأسبلت سحر جفنيها وهي تجيبه بتنهيدة:
_وأنا محتاجة أشوفك ضروري، هترفض ليّ أول طلب؟
فزفر إسماعيل بضيق، ورد بلهجة صارمة:
_نتقابل فين؟
***************
جلس إسماعيل على إحدى الطاولات وهو ينظر في ساعة معصمه بين الحين والآخر في إنتظار وصول سحر، وما بين لحظة وأخرى كان يرفع عينيه على باب المطعم لهفة إلى رأيتها حتى وجدها تجتاز باب المطعم وهي تتلفت بحثًا عنه فلوح لها بكفه فأهدته ببسمة حانية وهي تقبل عليه، ووقف هو مستقبلًا إياها ببسمة عابرة طافت على ثغره وهو يصافحها بفتور، ثم دعاها إلى الجلوس وقد راح يتطلع كل منهما بالآخر دون أدنى كلمة.
هاجس مخيف كان يغشى فؤاده بستارٍ مظلم مخافة أن تكون قد تم زواجها من أحمد، هو ليس بحاقد على ذلك، بل إنه يتمنى لها الخير والسعادة ولو على سعادة قلبه التي غابت عنه الفرحة.
وفجأة ذُرفتا عينيها دمعًا كوى قلبه، وهي تسأله بصوتٍ خفيض:
_ليه؟
فسألها مندهشًا:
_ليه إيه؟
فأسبلتا عينيها وهي تردف بصوت يقطر عتابًا جعل قلبه ينتفض:
_ليه مقولتليش إنك أنت صاحب الرسايل؟ ليه سبتني أصدق أحمد.
بدا إنه كاد أن يتفوه بشيئًا ما مع انفراج شفتيه لكنه عاد يطبقهما مع قولها وهي ترفع سبابتها في تحذير:
_لأ مش عايزك تقاطعني.
وشحب وجهه وهو يحاول أن ينفي ما تقوله، لكنها غمغمت في هدوء:
_رسالة او اتنيين بعتهم ليّ بعد خطبتي لـ أحمد وأنقطعت رسايلك عني، سايبة في قلبي فراغ كبير، وتساؤل أكبر، لإن لو أحمد صاحب الرسايل إيه اللي يخليه يبطل بعد الخطبة بدل ما رسايله تكتر؟!
سكتت لهنيهة، ثم أتبعت تقول:
_لما كنت بسأله عن مضمون الرسايل مكنش بيعرف اصلًا إيه اللي مكتوب فيها، خاصةً في رسالة جزع الشجرة.
ثم محت أدمعها، وهي تبتسم بسمة عذبة، وبعينيها النجلاوتين التي تتطلعان في عينيه، قالت بصوتٍ شجي:
_(لا أدري كيف أصف لكِ حالي؟ أنَّى أُخبرك عن أنين قلبي الذي لا ينبض إلا بضحكة من شفتاكِ؟! أوَلا تعلمين عن عذاب مُحبٍ ذاب واكتوى ومحبوبته لا تعلم عنه شيئًا! أبغي البكاء من شدة حنيني وإشتياقي كما بكى جذع الشجرة على فراق رسوله، وسكن بضمة من ذاعيه الحانيتين، لكن أنَّى ليّ بحضنٍ الآن يُسكن ضجيج روحي المتعبة؟
يمحو عبراتٍ في آماقي القلب قد ذُرفت؟!
أنَّى ليّ بضمة من ذراعيكِ؟!
وأخرى من عينيكِ؟!)
وأسترسلت وهي مطرقة:
_الرسالة دي لما جتلي سألت أحمد عن حكاية جزع الشجرة فمعرفش، مش غريبة دي إذ أن الوصف كان بيدل عن إنه شخص يعرف الرواية دي حق المعرفة.
ثم رفعت عينيها إليه وهي تستطرد:
_يمحو عبراتٍ في آماقي القلب قد ذُرفت؟!
وأنت مش عايز تمحو عبرات قلبي التي لن يرآها غيرك.
قال إسماعيل منتفضًا، وقد سرى في وجدانه التوتر:
_أنتِ اكيد غلطانة يا سحر..
لكنه قاطعته بضحكة رقيقة وهي تقول في نفي:
_مش غلطانة خالص لو كنت فعلاً غلطانة فغلطانة على كل لحظة ضيعتها بعيد عنك، وعلى غفلة قلبي عن حبك.
فـ أغمض عيناه وهو يتنهد في هم، ماسحًا وجهه بكفه، فتابعت هي:
_آخر مرة شفتك فيها لما كنا في المطعم لما مسكت ايدك بلهفة قبل ما تمشي وقتها حسيت كأن حتة من قلبي راحت مني وقتها بس عرفت أن قلبي…
صمتت خجلى لكنها شحذت قوتها، وهي تقول بثقة:
_إن قلبي تعلق بيك، إنك بقيت نبضة من نبضاته هتغيب لو غبت عني.. وقتها رجعت البيت وأنا في حيرة من أمري إزاي اكتشف حبي ليك فجأة وأنا كلها ايام وهكون زوجة لحد تاني.
ازدردت لعابها وهي تتابع:
_ومع ذلك رفضت إني أكسر قلب أحمد لحد يوم كتب الكتاب، أنتظرت رسالة تجيلي من أحمد ألا إنه مبعتش أي كلمة، وقتها راجعت كل رسايلك لقيت أن أغلبهما كانت بتجي ليّ بعد كل موقف حلو لينا، بإمارة آخر رسالة بعد ما سبت المطعم ومشيت.. وقتها سألت هالة إذا أحمد بيحب القراءة فعرفت إنه اكتر حاجة بيكرهه ومستحيل حد يقدر يصف اللي في قلبه إلا عاشق محب للقراءة والكتابة زيك.
وتهدج صوتها ببكاء فطر قلبه، وهي تقول:
_أنا يا إسماعيل حبيت صاحب الرسايل من غير ما اعرف هو مين؟ وحبيتك برغم إني معرفش إن أنت، فمالك لو الاتنيين دول انت؟! إزاي قدرت تتوقع اني ممكن ابقي سعيدة مع حد غيرك.. والحد ده بيكدب وأنا مبقدرش أثق في شخص هيبني حياته معايا بكدبة.
وفي لحظة غابت عن الحضور بذهنٍ شارد، وهي تسترجع كل لحظة قضتها برفقة أحمد..
فرحتها بخطبتها له، ثم جفاء الكلمات، واللقاءات.
لم تكن المرات القلائل التي تخرج فيها برفقته ذات أثر، فقد كانت عابرة لا تذكر أي شيء قد لامس بها وترًا، أو سرق منها قلبًا، وتدفقت الدموع من عينيها لتذيب فؤاد إسماعيل الذي أخذ يحلق بنظراته فوق ملامحها بدهشة.
دهشة من القدر..
وكيف لعب لعبته…
في الأمس كان يتلوى بنار الغيرة..
ويحترق بنار الفؤاد..
والآن هي معه، ودبر القدر لهما التلاقي دون فراق.
تنبه من شرودها، على سؤالها الذي شق له قلبه:
_بس ليه كده يا إسماعيل؟ ليه بعدت وليه أخفيت حبك عني؟
دموعها ألهبت فؤاده، فوجد نفسه تلقائيًا يحتوى وجهها بعينيه، ويلتقط كفيها بين راحتيه، وهو يتمتم بقهر:
_لإني مش هقدر أسعدك يا سحر، أنا مش جاهز لبيت وعيلة! مش بإمكاني اتقدم لك وأمي واخواتي حاليًا ملهمش غيري بعد وفاة بابا وانا مقدرش في الظروف اللي إحنا فيها دي أعلقك معايا.. وسعادة اختي اهم مني ومن سعادتي لازم أجهزها ومش أخليها محتاجة حاجة هي ملهاش غيري مش هتبقى أأقل من أي بنت تانية.
ومسح بإبهاميه عبراتها، وهو يتابع:
_أنت سبتي أحمد؟
فأكتفت بهزة من رأسها ردًا بالإيجاب، وهي تقول:
_وأنا مش مسامحك لإنك قررت من غير ما تسألني، أنت متعرفش إني مستعدة استناك لباقي العمر؟ أنا مستعدة أستنى لو في النهاية هتكون أنت العوض، وكل اللي حكيته ده ملهوش إلا أثر واحد… وهو إني بحبك اكتر وبعزك اكتر وبفتخر بيك اكتر ومحدش هيصوني غيرك.
تنهد إسماعيل قائلًا بتريث:
_بلاش تاخدي قرار ممكن تندمي عليه فكري كويس!
فألتمعت عينيها بالدموع وهي تلتقط كفه لتحط خدها عليه وهي تقول:
_الأب عمره ما بيتخل عن بنته، والبنت عمرها ما ابتبعد عن أبوها.. الاب والبنت زي الروح والجسد مفيش حاجة تفرقهم إلا الموت يا..
وتبسمت بحنان وهي تضيف:
_يا بابا.
وتبسم إسماعيل وهو يشد على كفها والتقت أعينهما بعهدٍ بعدم الرحيل..
بعدم الفراق..
وبأواصر من الحب..
وروابط من الألفة..
فالحب الصادق محال أن يرتحل مبتعدًا عن مسكنه.
تمت بحمد الله.

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية عشق مجهول)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى