رواية عشق مجهول الفصل الثاني 2 بقلم ندى ممدوح
رواية عشق مجهول الجزء الثاني
رواية عشق مجهول البارت الثاني
رواية عشق مجهول الحلقة الثانية
2_جراح قلب
جلس إسماعيل فوق فراشه في حجرته، وإتكأ بظهره للوراء ولم يلبث إن استحضر خلده صورة محبوبته.
فتجلت وحضرت أمام عينيه بأبهى ما يكون..
وأروع ما تكون..
متبسمة في رقة متناهية، وقد برقتا عينيها بلمعة لها عظيم الأثر في إيقاظ قلبه من سباته..
واسترجع لقاءٌ آخر معها، وذهب بذاكرته إلى يومٍ كان فيه يتوجه صوب المكتبة لإنتقاء كتابًا يكون أنيس لياليه، وقبل أن يطأ خطوة واحدة رأها هنالك تقف وهي تقلب في صفحات إحدى الكتب، فخفق قلبه في عنف، وانتفض بصره متعلقًا في سمات وجهها المشرقة كالبدر، وتسمرت ساقيه في محله، وقد عجزت أطرافه عن الحركة، وفجأة وجدها تلتفت كأنما قد أحست بأن ثمة من يراقبها..
يراقب كل همسة تصدر منها..
وكل حركة تند عنها..
وكل ضحكة تخلب لُبه..
فتلاشت بسمتها المتوهجة عن وجهها، وضيقت عينيها في حدة غاضبة، فأدار إسماعيل بصره في الكتب المرصوصة بعينيه على أرفف المكتبة متحاشيًا النظر عنها خجلًا..
وبدا كطفلٍا صغير تم ضبطه أثناء سرقته لإحدى اللعب
وتحير بصره ودُهش وهو يشاهدها تغلق دفتي الكتاب وتضعه برفق جانبًا وتتجه إليه..
إليه هو بالذات..
فذادت عنف خفقاته..
وكاد أن يولي هاربًا؛ لكنه لم يستطع إلا الخروج من المكتبة ووجدها سبقته وامتثلت أمامه بغضبٍ.
صاحت سحر في نبرة غليظة:
_أنت مين إداك الحق تقف تراقبني كده؟
فـ أطرق في إستحياء، وغض الطرف عنها، نعم غض بصره لكن كيف له أن يغض عينا القلب عنها وخاصةً وهي بهذا القرب؟!
غمم إسماعيل مرتبكًا:
_مقصدش حاجة وحشة لحضرتك ولا كنت هعاكس.
واستدرك في اهتمام زائف:
_كنت مهتم بالكتاب اللي في إيدك بس مش أكتر، متفهميش غلط.
فطالعته بنظرة مشككة، ثم ذرته يقف كريشة في مهب الريح، وإنصرفت دون أن تدرك ما صنعته في قلبه المسكين، الذي كان وكأنما قد هبت عليه ريحٌ عاصفة عصفت بكل ثباته، وبعثرت خفقاته.
تنهد تنهيدة عميقة وهو يعود لكامل وعيه، ولا تزل ابتسامة مشرقة تظلل وجهه.
*******************
كانت سحر تقف في شُرفة منزلها، عندما أتتها رسالة جعلت فؤادها ينقبض وينبسط؛ من شدة السعادة.
(لا أدري كيف أصف لكِ حالي؟ أنَّى أُخبرك عن أنين قلبي الذي لا ينبض إلا بضحكة من شفتاكِ؟! أوَلا تعلمين عن عذاب مُحبٍ ذاب واكتوى ومحبوبته لا تعلم عنه شيئًا! أبغي البكاء من شدة حنيني وإشتياقي كما بكى جذع الشجرة على فراق رسوله، وسكن بضمة من ذاعيه الحانيتين، لكن أنَّى ليّ بحضنٍ الآن يُسكن ضجيج روحي المتعبة؟
يمحو عبراتٍ في آماقي القلب قد ذُرفت؟!
أنَّى ليّ بضمة من ذراعيكِ؟!
وأخرى من عينيكِ؟!)
شردتا عينا سحر في الفراغ ما إن فرغت من قرأت الرسالة، وأسرعت بالإتصال بـ أحمد الذي رد على رنينها فورًا وهو يقول:
_ألو، أيوة يا سحر عاملة إيه؟
ردت سحر في حياء:
_الحمد لله يا أحمد، الرسالة وصلتني..
قاطعها أحمد متسائلًا بغرابة:
_رسالة إيه اللي وصلتك؟
أجابته هي في هدوء:
_الرسالة اللي أنت يلا باعتها، خطفت قلبي بكلماتك، بس قولي الكلام ده جايبة منين؟ مكنتش أعرف إنك بتقول كلام حلو كده.
فضحك أحمد في خفوت، وأجابها:
_دا كلام طالع من القلب للي في القلب يا ستي.
تبسَّمت سحر وهي تسأله بعينين مسبلتين:
_وأنا في القلب يا أحمد؟
تمتم أحمد بلهجة عاطفية:
_في القلب والروح يا عيون أحمد.
تهربت سحر من فحوى الحديث، بقولها:
_طيب، قولي إيه حكاية جذع الشجرة اللي بكى على الرسول؟
هتف أحمد بعدم فهم:
_مش فاهم!
دُهشت سحر من عدم فهمه، لكنها غمغمت في هدوء:
_مش فاهم إيه أفتكر الرسالة اللي يلا باعتها وقولي.
تسللت إلى أذنيها ضحكة من أحمد متوترة، ثم سمعته يقول قبل أن يغلق الخط:
_يا ستي ابحثي أنتِ يلا واعرفي، ويلا سلام ولما افضى اكلمك.
أغلق معها، وذَرَها تقف ونسمات الهواء تداعب خصلات شعرها، الذي ينسدل في نعومة على منكبيها، وتتطاير خصلاته إثر الهواء المنعش، وهي منكبة على هاتفها تبحث عما شد إنتباهها..
وجذب إهتمامها..
فوجدت ما جعلها دامعة المآقي.
(كان الرسولُ_صل الله عليه وسلم_يقومُ قبل أن يُبنى له المنبر على جذعِ شجرةٍ يخطب عليهِ فجاءت إمرأة من الأنصار فقالت: يا رسول الله إن ليّ غلامٌ نجار فإن شئتَ صنع لك درجاتٍ تقومُ عليها.
أو قالت: منبرًا تقومُ عليها.
فقال لها رسول الله: إن شئتِ.
فصنع له الغلام المنبر فكان رسول الله صل الله عليه وسلم يقومُ عليه، فلما قامَ رسول الله ﷺ
على المنبر وترك الجذع سمع الصحابة، صوتًا كصوت صبيٍ يبكي فعلم رسول الله أمر الجذع، فنزل إليهِ، ثم احتضنه، فلما احتضنه واستمكن منه.. سكن)
خنقتها العبرة ثم لم تلبث إن انسابت دمعتين حزينتين مشتاقتين في حنين شق القلب كمدًا إلى لقاء الرسول.
يا خيبة المسعى أن انتهىٰ دون لِقاء النبي.
جذعٌ يبكي بكاءً يفطر القلب من شدة حنينه للنبي!
فما أن يضمه حتى يسكن.
ويكف بكاءه..
جذع! جماد!
يبكي بكاء الصبي الصغير، وليس كأي بكاء بل بكاءٍ صادق جذب انتباه الصحابة الذين أخذوا يلتفتون من ذاك الباكي؟ وإذا بهم يتافجئون بالنبي يغادر المنبر، يتجه إلى جذع الشجرة فما أن يضمه حتى يهدأ.
وينقطع البكاء!
فكيف لا تشتاق أنت إليه؟!
كيف لا تبكي حنينٌ له؟!
وهو نبيك الذي سيشفع لك يوم القيامة؟
*****************
(سحر وأحمد اتخطبوا، مش هتبارك لهم؟)
تساءل صديق إسماعيل دون أن يدرِ ما الذي فعله بنبأه الصادم في قلب صديقه.
لم يسمع صوت التكسير المدوي الذي دوى بين جنبات جوانحه..
لم يرى تلك العبرة التي لمعت في عينيه وقد علقت في الأجفان آبية أن تغادر محجرها.
هُراء..
حتمًا هُراء سحر لن تكون لغيره!
لم يصدق ما تسمعه أُذنيه، وشحب وجهه حتى حاكى وجوه الموتى، لكنه أبصرها تدخل من باب الكلية وهي تسير برفقة أحمد بخجل يكتنفها، كالعذراء في خدرها، مطرقة في استحياء..
ويتهامسان..
ويتضاحكان..
وتبتسم له برقة..
وتفرك أناملها في توتر..
وطعنة أليمة غُرزت في السويداء من قلبه الذي سقط صريعًا تجوز عليه الرحمة..
الرحمة لقلبه…
ولحبه..
ولروحه التي هرعت تطوف حولها…
الرحمة لعينيه التي تسلطت الآن عليها تبغي لو تنفي ما تراه.
إن تخبره أن هذا لم يحدث، ولن تكون لغيره..
لكن ما أدراها بوجوده من الأساس..
وتوقفت سحر أمامه هي وأحمد وأخذا يتناجيان مع باقي زملائهما، ويستقبلا التهانى في سعادة، لكنه لم يتمالك نفسه، لم يستطع الصمود فبرح مكانه والصدمة تتجلى على ملامحه تفطر الصمُّ الصلاب، وقد زهد كل شيء.
الحياة، والناس فبحبها كان يحيا..
كان يقتات على عشقها ليحيي قلبه
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية عشق مجهول)