رواية عشق بين هشيم مشتعل الفصل الحادي عشر 11 بقلم آية العربي
رواية عشق بين هشيم مشتعل الجزء الحادي عشر
رواية عشق بين هشيم مشتعل البارت الحادي عشر
رواية عشق بين هشيم مشتعل الحلقة الحادية عشر
لكل قصة تُحكى نقطة بداية حددها خيال كاتبها
أما سطور النهاية فأحياناً يمرح الخيال بعيداً فتصبح جسراً لبدايات أُخرى وتبقى الكلمات في طريقها إلى مالا نهاية .
طرقات على منزل صالح جعلته يتعجب وينهض من على طاولة الفطور الصغيرة التي ترتكز في المطبخ متجهاً نحو الخارج ليرى الزائر .
فتح الباب فوجد أمامه شخصاً لم يتعرف عليه ولكن من هيأته يبدو ثرياً ومن خارج البلدة .
يرتدي حُلةً سوداء ونظارة شمسية فاخرة ويقف يطالع صالح من خلف نظارته ثم تحدث بصوتٍ رخيم قائلاً :
– سلام عليكم ، صالح مش كدة ؟
تعجب صالح قليلاً وتساءل بتروى :
– أيوة أني صالح ، مين حضرتك ؟
ترجلت من السيارة التي أتى بها هذا الرجل إمرأة أنيقة في ريعان شبابها ترتدي ملابس محتشمة ثم أغلقت باب السيارة وخطت تجاور زوجها ثم تحدثت بهدوء :
– أزيك يا أستاذ صالح ، أنا عليا صديقة وردة وكنا مع بعض في الجامعة ، أنا وجوزي حابين نتكلم معاك شوية ؟ ، وطبعاً أشوف وردة ، لأنها وحشاني جداً .
خرجت وردة من باب منزلها على صوت رفيقتها فأسرعت تعانقها بحب واشتياق والأخرى تبادلها تحت أنظار الزوجين المتعجبة .
لم يفهم صالح بعد سبب مجيئهما ولكن تحدثت وردة بحماس وود وهي تنظر نحو عليا :
– متتخيليش فرحتي كيف إنك چيتي يا عليا ، وحشاني قوي قوي .
ابتسمت عليا بسعادة تردف مؤكدة :
– طبعا لازم أجي وأشوفك دي فرصة متتعوضش .
طالعتها وردة مبتسمة ثم نظرت إلى زوجها وتحدثت مرحبة :
– أهلاً وسهلاً يا أستاذ أحمد ، نورتونا ، اتفضلوا ، دخلهم يا صالح .
خرج صالح من تعجبه وتحرك يردف بنبرة مترقبة ودودة :
– اتفضلوا يا مرحب .
افسح لهما الطريق فدلفا المنزل مع وردة التي ظلت ترحب بهما بحماس ودلف صالح ليرى من هذان ويعلم سبب مجيئهما .
جلس الزوجان على الأريكة في الصالة وتساءلت وردة برتابة :
– تحبوا تشربوا إيه بقى ؟
تحمحم صالح وتحدث بنبرة يشوبها الكرم :
– چهزي الفطار يا وردة لو سمحتِ أكيد الجماعة مفطروش .
ربت أحمد بكفه على صدره يردف بنبرة مستريحة ودودة :
– لا تسلم يا صالح ، فطرنا ع الطريق واحنا جايين ، بس لو أمكن يبقى نشرب شاي .
أسرعت وردة إلى المطبخ وفي طريقها تردف بود :
– عنيا .
سحب صالح مقعداً وجلس يرحب بهما مجدداً ويتساءل بترقب :
– وحضرتك من أي بلد يا أستاذ أحمد ؟
تحدث أحمد بطريقة منمقة :
– أنا من القاهرة ، بس عايش في سوهاج وعندي مكتب استيراد برندات عطور عالمية ، بس مؤخراً كنت بفكر إن ليه نستورد عطور عالمية وممكن نصنع براند خاص بينا هنا ونورده إحنا ، وطبعاً التفكير في خطوة زي دي حلو جداً وفيه كذا فايدة لكن التنفيذ صعب ، خاصةً وإن المشترى بيدور على الجودة والاسم المعروف حتى لو بنفس مستوى المحلى ولكن زي ما انت عارف عقدة الخواجة بقى .
بدأ صالح يربط خيوط الأمور ببعضها وينكشف ستار السبب خلف زيارتهما لذا تحدث باستفهام :
– دي حاچة كويسة چداً يا أستاذ أحمد ، طيب أني اقدر اساعدك كيف؟ .
نظر أحمد نحو زوجته عليا لتكمل عنه الحديث فبدأت عليا تردف بتروي :
– بس يا صالح ، أنا ووردة كنا قريبين جداً من بعض وبنتكلم علطول ، وهي كلمتنى من رقمها الجديد وحكتلي انها اتجوزت بسرعة وكدة ، وطبعاً دردشنا سوا ومن كلامها عنك لفت نظري إنها بتقول إنك بتعمل عطور مميزة وأول مرة وردة تعجبها حاچة ، كانت بتمدح في تركيباتك أوي ، وأنا عندي ثقة في زوق وردة علشان كدة فكرت واتكلمت مع أحمد ليه منجربش ويحقق حلمه واتمنى انك تساعدنا في ده ، وطبعاً اسمك هيبقى ع البراند اللي هيتصنع وهتبقى معانا شريك كمان ، أصلاً إنت هتكون المُصنّع الأساسي والتركيبة عندك إنت لإن أحمد عنده خلفية عن صناعة عطور صناعية مش طبيعية .
تنفست وردة في الداخل بارتياح بعد حديث صديقتها المرتب والذي يظهر احتياجهما إلى صالح وليس إرغامهما عليه ، أحضرت الشاي وخطت تحمل الصينية وتقدمها لهما ثم جلست تجاور صالح وتطالعه متسائلة بترقب :
– فكرة حلوة قوي يا صالح ، ولا أنت رأيك إيه ؟
التفت يتعمق في عينيها ، يعلم أنها الفاعلة ولكنه لم يغضب ، لتكن هي سبباً في تحقيق أولى أحلامه فهو يؤمن بنفسه وبما يستطيع فعله لذا زفر بقوة وعاد ينظر نحو أحمد قائلاً :
– كلامكو كله على راسي طبعاً يا أستاذ أحمد ، وبصراحة إنتوا فاجئتوني ، وبرغم إنها مفاجأة زينة بس معلش أني محتاج أفكر بردو واضبط أموري وأخد بمشورة والدي ، هو كبيري ومقدرش أخد خطوة زي دي من غير رضاه .
زاد احترام أحمد له وأومأ يبتسم ثم قال بود :
– طبعاً يا صالح ، وعلى فكرة كلامك ده يخليني اتمسك بالشغل معاك أكتر وأكتر ، أنا أبويا الله يرحمه علمني إن بر الأهل هو مفتاح النجاح ، وبحترم جداً الراجل اللي بيفكر بطريقتك ، وفكر براحتك وكلمني ، بس ممكن توريني جزء من عطورك اللي إنت عملها بنفسك !.
أومأ صالح وتحدث مرحباً :
– طبعاً يا استاذ أحمد ، وإنت كمان شخصية محترمة وأنا ليا الشرف إني أتعرف عليك .
نظرت عليا إلى وردة وابتسمت لها بسعادة على نجاح خطتهما وقرب تحقيق ما تودانه .
بعد قليل تحرك صالح وخلفه أحمد وعليا ووردة نحو غرفة عطوره المميزة ، ما إن فتح صالح الباب حتى أغمضا أحمد وعليا أعينهما من شدة الاستمتاع بالرائحة التي توغلت إلى أنفيهما ، لم تكن رائحة واحدة بل عدة روائح مميزة لم يتعرف عليها أحمد ولم يستنتجها لذا تحدث بحماس وإعجاب واضح تجلى حين قال :
– إيه ده يا صالح ، ده إنت جبار يا أخي ، عملتهم إزاي دول ؟ .
ابتسم صالح وتحرك يلتقط إحدى الزجاجات ثم فتحها ونثر منها القليل على يده ثم رفع يده نحو أنف أحمد يردف بفخر وثقة :
– دي مملكتي وسر من أسراري يا أستاذ أحمد ، كل تركيبة هنا اتعملت بحب ومزاچ ، وبعدين أني بزرع الزهور بنفسي ، يعني اطمن مضمونة وهنحل عقدة الخواجة دي من جذورها .
انشرح وجه أحمد وتساءل بحماس شديد بعدما كان ينتابه القلق أثناء مجيئه :
– معنى كدة إنك وافقت يا صالح ؟
ابتسم صالح مجدداً وتحدث بنبرة هادئة :
– أني معنديش مانع بس كيف ما قولتلك ، لازماً أشور أبوي الأول .
أومأ أحمد وعيناه تتجول في المكان باندهاش بينما تحدثت عليا بصدق :
– حقيقي يا أستاذ صالح أنا مبهورة بالروائح دي ، حاجات طبيعية ومميزة غير أي برندات أعرفها .
تحدث باحترام وشكر :
– تسلمي يا هانم ده من ذوقك .
تقدم صالح من طاولةٍ ما وتناول منها زجاجتين ثم مد يده يناول إحداهما إلى أحمد والأخرى إلى عليا مردفاً بنبرة سعيدة يغلفها الهدوء :
– دي حاچة بسيطة ليك وللهانم ، وأهو عربون محبة بينا .
قَبل أحمد وعليا هذه الهدية المميزة وأعجبت عليا بها كثيراً خاصةً وأن رائحتها جميلة تشبه الطبيعة الساحرة .
بعد دقائق وقفا عند الباب يودعانهما بعدما وعدهما صالح بالرد على طلبهما في أقرب وقت ، ودعت وردة صديقتها بحب وسعادة وثقة أن القادم سيكون مميزاً لهما .
غادرا بسيارتهما بينما لف صالح نظره يطالع وردة ثم تساءل بترقب ونبرة تحمل القليل من المكر :
– بقى بتحكيلها عني وعن عطوري ! ، وياترى عندك أصحاب متزوچين تجار فاكهة وخضار ولا إنتِ تخصص عطور بس ؟.
قهقهت قليلاً بعدما كشف أمرها ولكزته في كتفه بدلال تردف بحب وصدق :
– متكسفنيش بقى يا صالح ، أني عارفة إنك فاهم عليا كويس ، بس شوفت أصلاً هما انبهروا بعطورك كيف ؟ ، تعرف لو كان أحمد چوز عليا لقاها عفشة مكانش خبى وكان قال علطول ، إنما إنت بضاعتك بتسوق نفسها يا صالح وإنت كنت محتاج بس إعلان عنها وأني معملتش حاچة غير إني وصلت چوز صحبتي بيك ، وده من حظه الحلو على فكرة .
ابتسم لها وتضخم قلبه عشقاً ثم قال وهما يقفان عند باب المنزل :
– إنت حظي الحلو يا وردتي .
خجلت ونظرت أرضاً وكادا يتحركا للداخل ولكنهما انتبها على سيارة محمود تأتي مسرعة من بعيد فطالعه صالح إلى أن وصل إليهما وترجل من سيارته ينظر نحو وردة بتوتر ثم نظر نحو صالح وتحدث :
– عرفتوا اللي حُصل ؟
مالت وردة برأسها مستفهمة بينما تساءل صالح بقلق :
– خير يا محمود في إيه ؟
تنفس محمود بقوة ثم تحدث وعينه انكبت على وردة :
– لقوا رامي أخوكي مقتول في أوضته ، واللي قتلته هي البت اللي شغالة هناك واعترفت على نفسها .
انسحبت روحها من صدرها لثوانٍ ولا تعلم كيف ذرفت عيناها هذه الدموع الكثيفة ثم بدأت تدرك وتهز رأسها مستنكرة هذا الخبر الصادم بينما تحدث صالح مصدوماً :
– معقول ؟ ، كيف ده ، لا حول ولاقوة الابالله العلي العظيم .
نظرت نحو صالح تطالعه وهو يؤكد على الخبر وهي تشير له بلا ثم تحدثت بتلعثم قائلة :
– إنت متأكد إنه أخوي ؟ ، يمكن واحد شبهه ؟ ، نهال قتلته ؟ ، كيف ده ؟.
ترنح جسدها قليلاً فأسندها صالح بذراعيه ثم تحرك بها نحو الأريكة الخارجية وأجلسها عليها بينما أكمل محمود حديثه قائلاً بملامح حزينة :
– اللي بيتقال إنه حاول يعتدي عليها في أوضته فهي ضربته بالسكينة وراحت سلمت نفسها قرب الفجر .
لم تعد تحتمل بل أجهشت في نحيب حاد فأسرع صالح يحتويها ويحاول مواساتها ، فقد أصابها حالة من الحزن الشديد على فقد شقيقها وعلى خاتمته المظلمة ، تبكي حسرةً وألماً وهي تردد بنحيب حاد :
– ربنا يسامحك يا اخوي ، ربنا يسامحك ، أني مسمحاك يا أخوي ، مسمحااااك .
يحتويها ولا يصدق ما حدث ، هل هكذا في لحظةٍ كانت نهايته ! ظل يربت عليها ويردد :
– إنا لله وإنا إليه راجعون .
رفعت نظرها تطالع محمود وتحدثت بنبرة متحشرجة وعيناها غارقة في الدموع :
– هو فين دلوك يا محمود ؟
تحمحم محمود وتحدث بهدوء :
– في مستشفى البلد ، الإسعاف والشرطة نقلوه على هناك والدنيا مقلوبة ، وأبوكي عيقوله إنه وقع من طوله .
تنفست بقوة ثم عادت بنظرها إلى صالح قائلة بنبرة متألمة ودموعها ما زالت تتساقط :
– ينفع توديني يا صالح ؟
أومأ لها وتحدث بثبات دون تردد :
– قومي يالا محمود هيوصلنا .
꧁꧁꧁꧁꧁꧂꧂꧂꧂꧂
بعد وقتٍ في مستشفى البلدة العام .
يتجمع حشدٌ كبيرٌ من الناسِ حول المشفى وداخلها ، سقط الخبر على القرية بصدمة وتعجب وتساؤلات وتشفّي ، الجميع هنا فهذا المقتول من أكبر عائلات البلد .
ترجل صالح من سيارة محمود التي توقفت أمام المشفى وساعد وردة في النزول تحت أنظار الجميع التي التفتت عليهما .
مرا حتى دخلا المشفى ووصلا إلى الردهة المؤدية لغرفة التشريح .
وجدت في الردهة كلٍ من والدتها تضع رأسها بين كفيها وتبكي وتترنح بحسرة ، يجاورها والدها الذي أسعفوه منذ قليل ، ويقابلهما عادل يقف ثابتاً ومعالمه تبدو حزينة وزوجته دعاء تجاوره ينتظرون خروج جثمان ابنهم .
تقدمت بخطوات متوترة ولكن صالح يدعمها حتى مرت من أمامهم فرآها عادل الذي اشتعل غضبه وتقدم منها يردف بحدة وقسوة :
– إنتوا إيه اللي چابكوا إهنة ؟ ، غوروا من إهنة .
رفعت شريفة نظرها وكذلك جابر فرأيا ابنتهما التي لم تنظر نحوهما بل نظرت لشقيقها بحزن ولم تحدثه بينما تحدث صالح بنظرات ثابتة جادة :
– البقاء لله ، وردة چاية تودع أخوها .
تضاعف غضب عادل وتحدث وهو يحرك يده ليمنعهما من التقدم :
– ملهاش اخوات إهنة ، خد مرتك وامشي دلوك .
كاد صالح أن يوقفه ولكن نطق جابر بنبرة منكسرة يغلفها الحزن والهوان :
– سيبهم يا عادل ملكش صالح بيهم .
اغتاظ عادل وأردف معترضاً :
– أسيبهم كيف ؟ ، عيقولك چاية تودع أخوها ؟
أشار له جابر أن يصمت فأرغم على تركهم ولكنه باغت صالح بنظرة حاقدة والآخر يطالعه بثبات وشموخ يليق به .
مرا من جواره ووقفت وردة على حافة الحائط المجاور لباب الغرفة المقصودة ويقف صالح يساندها .
تسترق شريفة بعض النظرات لها ولكن وردة لم تنظر نحو أحدٍ منهما بل كانت منشغلة في أفكارها المتألمة على ما أصاب شقيقها وعلى نهايته .
꧁꧁꧁꧂꧂꧂꧂꧂꧂꧂
من أخبرك أن الحياة ليست عادلة ؟
الحياة عادلةٌ تماماً ، لكلٍ منا أربعٍ وعشرون قيراط لن يترك الحياة إلا إذا استخدمهم .
ولهذا فإن الحياة عادلة والنهاية ليست عند الموت ، النهاية دونت قبل بدايتك وأنت من اخترت حياتك .
بعد مرور خمس سنوات .
في تلك الأرض الصالحة التي توسعت وتضخمت وعم الخير فيها من جميع الجهات .
يقف صالح يباشر عمله بيده ، تلك المرة ينثر بذور الطماطم ويجاوره طفله البالغ من العمر أربع سنوات يفعل مثله تماماً ، يعلمه بحب وسكينة ما علمه له والده .
تحدث صالح بحنين وترقب :
– عرفت عتتزرع كيف يا محمد ؟
رفع الصغير رأسه ينظر لوالده ثم ابتسم وتحدث بنبرة جادة برغم صغر سنه :
– علفت يا بابا ، روّح إنت وأنا هزلعها يوحدي .
قهقه صالح على طفله الصغير ونظر لأراضيه التي تمتلئ بالعمال من حوله ، تنفس بعمق يتذكر الأيام التي مر بها ، كيف رزقه الله بعد شراكته مع أحمد العمراني وكيف منّ عليه وكيف كانت تلك الزوجة صاحبة الوجه الحسن عليه .
انتبه على نداءها من ذاك المنزل الذي يحتل جزءاً كبيراً من الطرف الشرقي للأرض .
منزلاً عبارة عن دورين يشبه الڤيلا بناه بعد وفاة والده وبعدما أوصاه ببناء منزلاً يليق بتلك الوردة التي أزهرت الأمل والروح في حياة ابنه .
تلك الوردة التي أحبها محمد كثيراً كأنها ابنته وحزنت عليه عند وفاته كما لو كان والدها بحق ، ولكن الحياة لا تتوقف عند موت عزيز ، فكما أننا نودع عزيزاً نستقبل عزيزاً آخر .
وبالفعل بعد موت محمد بأسبوعين وضعت وردة طفلتها الثانية والتي أتت لتخفف من ثقل حزنهما على فقدانه .
طفلة سبحان من صورها تشبه جمال أمها ولكنها استرقت عيون والدها .
نادت زوجها بحب قائلة :
– صالح ، يالا هات محمد وتعالى الوكل چهز .
أومأ لها وتحرك مع طفله متجهاً إلى المنزل حتى وصل ودلف يردف وهو يربت بيده على ظهر صغيره :
– تعالى الأول نغسل يدنا يا محمد .
تحرك معه محمد نحو الحمام وعادا بعد قليل فخرجت وردة من المطبخ تطالعهما بحب مردفة بحنو :
– بردو يا صالح ؟ ، معترتحش واصل ؟ ، مش العمال تحت سيبهم هما يزرعوا ويحصدوا وانت استريح شوية .
تحدث بحنو وهو ينحني ليحمل صغيرته التي أتت خلف والدتها واعتدل يقبلها بحب ثم قال :
– راحتي وأني يدي في أرضي يا وردتي ، لازماً أحس أني تعبت فيها ، إنتِ عرفاني عاد .
أومأت له ثم مدت يدها تتناول منه الصغيرة قائلة :
– طب هات عائشة عنك ، ويالا الوكل چاهز جوة .
نظر نحو المطبخ وتساءل بهدوء :
– قولتي للبنات يجهزوا غدا العمال في المندرة ؟
أومأت تردف بتأكيد :
– كله چاهز ومحمود عينادي عليهم ، يالا بقى أني چوعت قوي .
قبل وجنة صغيرته وتحرك معهما نحو الغرفة وصغيره محمد يجاوره وجلسوا على الطاولة يتناولون الطعام .
꧁꧁꧁꧁꧂꧂꧂꧂
في قصر السيوفي
وكأن جدرانه ينبعث منها أفخم أنواه الكآبة التي انتشرت في أركانه ، يجلس جابر على كرسي الإعاقة الخاص به بعدما أصيب بجلطة إثر صدام حاد حدث بينه وبين ابنه عادل الذي أصبح عصبياً وعنيفاً بعد إصابته بالعجز الجنسي نتيجة العقاقير المنشطة التي أفرط في تناولها بعد الحالة التي أصابته .
بات يتناول أنواعاً عدة ومختلفة من تلك العقاقير مما أدى إلى حدوث نتيجة عكسية معه ولكن أتت بعض الرحمة بتلك العائلة على شكل حمل دعاء الذي اكتشفته بعد أيام من وفاة رامي .
فرحت كثيراً بهذا الخبر وفرح الجميع به ولكن على ما يبدو أن استقبال عادل لهذا الخبر كان مختلفاً ، فقد أراد أن يثبت لنفسه وللجميع أنه رجلاً مكتملاً من وجهة نظره لذا فقد ذهب لخطبة إحداهن بعد إعجاب متبادل بينهما ، ولكن كان لدعاء رأيٌ آخر فقد كثفت جرعة المادة التي تضعها له مما جعله يزداد سوءاً وينهي خطبته قبل أن يفضح أمره .
والآن بات المتحكم في هذا القصر هي دعاء وجلست على عرش عائلة السيوفي تتحكم بهم ويطيعونها حتى شريفة نفسها ، شريفة التي بين الفينة والأخرى تذهب إلى منزل ابنتها لتراها والأخرى تستقبلها بودٍ وبرٍ برغم جدية علاقتهما .
دلف عادل من باب القصر مطأطأً رأسه فوجد طفله يلعب بالجهاز الذكي ( تابلت ) فتحدث عادل بغضب موبخاً :
– إنت يا غبي ، بعد شوية عن الزفت ده عتتعمي .
لم يعره ابنه أي اهتمام وظل كما هو كأنه لم يسمعه أو بالفعل هو كذلك بينما خرجت دعاء على صوته تطالعه بحدة ثم تقدمت منه وقالت معنفة :
– عتشخط في الواد ليه ؟ ، إنت مالك وماله ؟ .
طالعها بغضب مكبوت ثم تحدث من بين أسنانه قائلاً :
– مهو مش كل ما أرچع ألاقيه قاعد ع الزفت ده ، مبقاش عنده مخ عيفكر زين .
طالعته بملل وتحدثت بنبرة ساخرة :
– ملكش صالح بيه ، لتكون مفكر إنه هيطلع زيك ؟ ، ولدي هيبقى دكتور كبير وبكرة تشوف .
قالتها بتحدي فنفخ وتحرك من أمامها باستسلام ثم مر على والده ووالدته التي تجلس تطعم زوجها الذي يتابع ما يحدث بصمت كعادته مؤخراً ، لم يعرهما اهتمام كأنهما شفافان لا يُريا وأكمل طريقه متجهاً إلى غرفته بضيقٍ شديد بات يلازمه .
أما دعاء فنظرت لهما بتعالٍ ثم عادت إلى المطبخ كي تباشر على الخدمِ بعد أن تركتهما عزيزة وغادرت البلدة هي وابنتها التي تبرأت من تهمتها بعد إثبات صحة أقوالها وثبت أنها دفاعاً عن النفس والشرف .
꧁꧁꧁꧁꧁꧂꧂꧂꧂꧂
أتي المساء وعم الهدوء منزل صالح .
خرج من حمامه الملحق بغرفته فوجد وردة قد أتت لتوها من غرفة صغيرتها بعد أن غفت ودلفت تطالعه مبتسمة بحب ثم انتبهت لرائحته الجديدة فتساءلت :
– وه ؟ إيه الريحة الحلوة دي ؟ ، إنت عملت تركيبة چديدة ولا إيه ؟
أومأ وتحدث وهو يخطو نحو ركن الغرفة ويفرد سجادته :
– إيه رأيك ؟ ، نوع رچالي جديد عچب أحمد قوي وهينزل السوق قريب .
اغتاظت منه وتحدثت بدلال يعشقه :
– يعني إيه بقى رجالي ؟ ، طب وأني يا صالح مش كل مرة بتعملي واحد جديد معاك ؟
تنهد وطالعها بهدوء ثم تحدث بغموض وهو ينوي الصلاة :
– حاضر يا وردة هبقى أعملك واحد ، سبيني بقى أصلي القيام .
تحمحم وشرع في صلاته ووقفت هي تطالعه بغيظ ثم تنفست وقررت معاقبته والذهاب للنوم قبل أن ينهي صلاته .
وبالفعل تحركت نحو الفراش وتمددت عليه ثم دثرت نفسها في الغطاء وبدأت تفكر في أمره ، وكيف لم يتذكرها تلك المرة تحديداً فهو اعتاد على صنع نوعين عطر إحداهما رجالي والآخر حريمي ، عطراً مميزاً له ولها تستعمله هي أولاً قبل نزوله في الأسواق ولكن تلك المرة لم يفعل وهذا أثار حنقها وحزنها ، لقد اعتادت الدلال منه وعليه بعدما أفرط في تدليلها وحبها وعليه أن يجد حلاً يراضيها .
تنهدت بعمق واستقرت بأفكارها على أنه ربما سيصنع لها غداً ما تريده كما قال لذا بدأت تغفو قبل أن ينهي صلاته .
لا تعلم كم مر من الوقت على غفوتها ربما بضعة دقائق حتى وجدت نفسها تستيقظ بفعل رائحة طيبة توغلت إلى أنفها .
فتحت عيناها تنظر أمامها لتجده يبتسم ويحمل في يده زجاجة رائعة صممت خصيصاً لها تحتوى على رائحة مميزة طيبة أحبتها روحها قبل حواسها .
مدت يدها تنتشلها منه ثم ضحكت ونهضت تجلس بعدما طار نعاسها وتحدثت وهي تدنو منه تعانقه بحب :
– ماشي يا صالح عتضحك عليا ؟ ، كنت شاكة فيك أصلاً .
بادلها العناق بحب وتحدث وهو يربت على ظهرها بيديه مبتسماً :
– شاكة فيا كيف بس ، دانتِ ملامحك چابت السبع ألوان .
لكزته بخفة وابتعدت تطالعه بحب ثم عادت تشتم تلك الزجاجة بمزاج وانتعاش ثم نثرت منها بعض الرذاذات على ملابسها ومدت يدها تضعها على الكومود ثم عادت تطالعه قائلة بنبرة ماكرة يغلفها الخجل المحبب لقلبه :
– إيه رأيك في ريحتي يا صلوحتي ؟
مال على منحنى رقبتها يستنشقها بعمق وعشق ثم همس بالقرب من أذنها بنبرة تحمل مشاعر جياشة قائلاً :
– تتاكل أكل .
أتبع جملته بقبلات متفرقة هنا وهناك ثم اندمجا سوياً معاً في إبريق عشقهما الأبدي .
تمت بحمد الله
لقراءة الرواية اضغط على : (رواية عشق بين هشيم مشتعل)