روايات

رواية عشق الغرام الفصل الثامن 8 بقلم ندى ممدوح

موقع كتابك في سطور

رواية عشق الغرام الفصل الثامن 8 بقلم ندى ممدوح

رواية عشق الغرام الجزء الثامن

رواية عشق الغرام البارت الثامن

عشق الغرام
عشق الغرام

رواية عشق الغرام الحلقة الثامنة

همَّت غرام بأن تدير مقبض باب المكتب، لكن باغتها صوت يمان وهو يهتف بنبرة أثارت فزعها:
_غرام استنى عندك.
فألتفتت إليه بأعين فزعة، وهالها وجهه الذي طَفَحَ بالغضب، وأفلتت المقبض من بين أصابعها، وفركت كفيها في توتر، وغمغمت بصوتٍ حائر:
_هو في أيه؟
فأستجمع يمان شتات نفسه، وكبح غضبه وأحجم عن غيظه، وأغتصب بسمة على ثغره قسرًا كي يدحر عنها الفزع الذي يطل من أعينها، كان يدرك تمامًا جُل ما يقترفه زكريا في مكتبه، ولم يكن ليسمح لها أن ترَ ما يحدث.
لقد خشى على حيائها!
همس في هدوء بدد مخاوفها:
_مفيش حاجة روحي أنتِ عند عمك مختار، وأنا هجيب زكريا وهآجي.
فأسبلت غرام جفنيها في ارتياح، وقد راق لها قراره، وأومأت له برأسها وهي تقول في إستسلام:
_حاضر.
وتحركت مبتعدة بينما أستدار هو ناظرًا إلى طيفها الراحل حتى غابت عن بصره، ففتح الباب في عنف، وأنتفضت الفتاة التي كانت تجلس فوق ساق زكريا في وضعٍ غير لائق، وهبت مذعورة وهي تكاد تموت رعبًا، ثم نقلت بصرها إلى زكريا في حيرة، فأشار إليها هذا الأخير بالخروج دون أن يبدو عليه أي شيء، فهرولت منصرفة بينما هدر يمان في غضبٍ بدا كبركان ثائر مجنون:
_أنت مش هتبطل عمايلك دي وسافلتك في الشركة؟
فتراجع زكريا في استرخاء مثير للدهشة، وردد في برود ونبرة جافة:
_وهبطل ليه؟ هي كانت شركتك وأنا مش عارف!؟
ورمقه شذرًا فأندفع يمان شطره وقبض على مقدمة قميصه وهو يصرخ:
_يعني إيه تبطل ليه؟ تبطل عشان بنت الناس اللي بقت خطبتك دلوقتي.. وعشان والدك اللي لو عرف بعمايلك هيروح فيها.
نزع زكريا أصابع يمان في عنف ودفعه للوراء ووثب واقفًا وهو يجأر:
_وأنت مالك بتدخل ليه في اللي ملكش فيه؟
ولاذ بالصمت عندما تناهى له صوت أنثوي يقول:
_أستاذ يمان الأستاذ مختار بيطلب حضرتك أنت وأستاذ زكريا.
ألتفتا الاثنيين إليها، ثم تبادلا النظر في تحدٍ وعناد، ثم تبسم زكريا في استفزاز ليمان وهو يتحرك خارجًا ويقول:
_روحي أنتِ وأنا جاي حالًا.
جز يمان على أسنانه وأراد أن ينفس عن غضبه الذي شعر به يغلي كالمرجل في صدره الفائر من الغيظ، فضرب إحدى المقاعد أثناء رحليه، ووجد مختار يضم من كلا الجانبيم زكريا ومختار وهو يعلن خطبتهما، فأختلس النظر إلى غرام المطرقة في خجل وهي تستقبل التهاني في إستحياء، ثم صر على أسنانه وتوجه داخل مكتبه وهو يصفق الباب وراءه.
******
تراجعت غادة في دهشة، وغمغمت دون تفكير:
_أنا مستحيل أوافق، أنا معرفكش وبعدين أنت انسان غريب أوي.
ثم هزت رأسها كأنها تقنع نفسها وهي تردد لنفسها:
_مش ممكن هقبل لأ.
أراد يوسف أن يقول شيئًا، أي شيء..
لكنها حدجته بنظرة سريعة ثم هرولت من أمامه مبتعدة، وألتقطت حقيبتها ثم أستدارت تلقي نحوه نظرة سريعة ثم وبخطواتٍ واسعة غادرت النادي وهي تضع نظارة شمسية فوق عينيها.
كانت حائرة.. مرتبكة لا تدرِ ماذا تفعل، وقد باغتها بعرضه الذي لم يخطر لها على بال.
أرادت أن تحادث أحد بما يجول في خاطرها، أن تجد ناصح ينصحُ لها بما ينفعها، فلم تجد إلا غرام التي غدت كـأختٍ لها، فقادة سيارتها إلى شركة خالها، وحين وصلت ركنت السيارة في مكانٍ مخصص لذلك، ثم ترجلت منها بأعين تترقرق بالدمع، كان لديها علم بأن غرام تعمل مع أخيها، لذا فقد توجهت فورًا إلى مكتبه وبالأخص إلى مكتب سكرتيرته الخاصة، لكنها آثرت فجأة أن تمر بخالها قبلًا، لذا فقد غيرت رأيها وذهبت إليه.
كانت بحاجة إلى ضمة حنون منه.
بحاجة أن تشعر بالأمان والسند.
في ذات الآن خرج يمان من مكتبه، فراعه أن ألفى غرام تنكب فوق كتابًا ما باكية، فهاله ذلك ووقف على كثبٍ منها متسائلًا في دهشة:
_غرام أنتِ كويسة؟ بتبكي ليه؟
فرفعت رأسها عن دفتيّ الكتاب وشخصت البصر فيه، كان قسيمٌ وسيمٌ وهو يرمقها بتلك النظرة المهتمة، فأسرعت بمحو دموعها وتجفيف ما علق منها على وجنتيها بمنديلٍ ورقي، ثم نهضت وهي تقول بصوتٍ متهدج من أثر البكاء:
_أبدًا مش ببكي!
فرفع حاجبًا مندهشًا من إخفاءها للأمر، وتطلع فيها حائرًا.. ثم قال موضحًا:
_لا كنتِ بتبكي أنا شوفتك؟ كل حاجة تمام؟!
فرفرفت بأهدابها وهي تتحاشى النظر إليه، وقالت موضحة بصوت مفعم بالحياء:
_كنت بقرأ وتأثرت!
فقطب جبينه مشدوهًا، وغمغم وهو يعقد ساعديه أمام صدره:
_اسمه إيه الكتاب ده؟ ولا دي رواية؟
فهزت رأسها نافية، وهي تتمتم:
_مجالس الصحابة.
فحدق فيها صامتًا، لائذًا بالسكون لحينٌ من الوقت حائر، ثم مد كفه قائلًا:
_طيب ممكن أشوفه!
ناولته غرام الكتاب في يده، وهي تقول في بساطة:
_اتفضل.
فرفع الكتاب إلى وجهه، وقرأ قائلًا بصوتٍ مسموع:
_مصعب بن عمير.. أعطر أهل مكة.
ووضع سبابته فاصلًا بين الصفحات وهو ينظر لغلاف الكتاب قارئًا:
_مجالس الصحابة لندى ممدوح.
ثم رفع بصره إليها، وسألها في اهتمام متشوق:
_ينفع أستعيره منك لبعض الوقت؟!
لكنه رمقته بنظرة مقت، كأنه قد انتزع منها نبضة من نبضات قلبها، وظهر هلعٍ في عينيها أدهشه، ثم هزت كتفيها في استسلام وقالت في اقتضاب حزين:
_طيب.. بس خلي بالك منه.
فتبسَّم بسمة كضوء الفجر حين ينبلج ليبدد دياجير الظلام، وقد تفهم ولعها في الكتاب، وقال في ثقة:
_متقلقيش عليه وهرجعولك بسرعة!
فأومأت برأسها في ارتياح، واستئذان هو عائدًا إلى مكتبه وقد تناسى ما خرج لأجله.
لم تلبث غرام إن وجدت بغتة الباب يندفع، وتبرز غادة على أسكفته وهي تقول:
_غرام.
فنهضت غادة وهي تردد ذاهلة:
_غادة.
أغلقت غادة الباب، ثم توجهت نحوها وهي تقول بصوتٍ خفيض:
_طلع اسمه يوسف نسيم.
غمغمت غرام في دهشة:
_مين ده؟
جلستا الاثنتين إزاء بعضهما أمام المكتب، وغادة توضح في هدوء:
_الشاب اللي كلمتك عنه….
وأخذت تروي لها جل ما حدث معها، وعن طلبه للزواج، فعقبت غرام:
_أحسن أنك رفضتِ، لأنك لسه متعرفيش حاجه عنه، دا مجنون ده ولا أيه؟
سكتت غادة مفكرة حينًا، ثم همهمت في شرود:
_في رأيك ممكن يحاول تاني.
هزت غرام كتفيها وهي مزمومة الفم، وبقى السؤال يستجلب الحيرة في أعماق غادة.
تُرى هل يكف عن الظهور؟!
أم أنه سيظل وراءها حتى ينال بغيته؟
********
وقف يمان في شرفة مكتبه الفاخر، ثم ابتسم ابتسامة واسعة ملأت وجهه كله، وهو يتطلع في ارتياح إلى تلك الحديقة الغناء، التي يطل عليها مكتبه، واستنشق الهواء في عمق وهو يتأمل الكتاب الذي بين يديه في حماسٍ يخامره الشغف، ثم تنهد في نشاط، استعدادًا لبدء القراءة، ويجلس على أريكة أثيرة لديه أمام واجهة المكتب المطلة على الحديقة، وشرع يقرأ بعينيه وقد اختلج قلبه بعاطفة قوية..
مصعب بن عمير
أعطر أهل مكة
رحلتنا اليوم إلى رحلة ستتعجب منها الأذهان، وستذهل لها الأرواح، وستمتلأ بها الأفئدة بهجة وحبًا.
أننا أمام شابٌ من شباب مكة المرموقين.
وحين نقول شاب فلا تدع ذهنك يأخذك إلى شباب هذا الجيل، إنهم في سن الرجال نعم، ولكنهم أبعد ما يكونون عن صفة الرجال.
فلا تنظر إليهم، بل أنظر إلى فتى مكة المترف، الذي يحيا في نعيم، ورهافة العيش.
قد لا تعرف من يكون؟!
فلا بأس، ستعلم من يكون الآن، سيأخذ مكانًا في قلبك وسيحفر هنالك!
إنه مصعب..
نعم، مصعب من عمير..
فهل عرفته؟!
ربما نعم، وربما لا..
ولكن فلتصغ القلب والجوارح، ولتتمعن في قصة هذا المغوار، إنه صنديد من صناديد الإيمان.
لقد كان سيدنا وحبيبنا مصعب من عمير عليه السلام في الجاهلية، يحيا في ترف ونعيم.
قد تحتار نعم أن يكون حديثنا عن هؤلاء المترفين، وحق لك التعجب، فإن المرء ليقف أمام هؤلاء الشباب فيعجب..
هل يكون من هؤلاء مجاهدين؟
أيمكن لهؤلاء في يوم من الأيام أن يحملوا السيوف والرماح، وأن يغبروا وجوههم برهج المعارك؟!
لذا فأعجب لذلك السيد الكريم الشريف الذي نشأ في أحضان النعيم، وكانوا يلقبونه (أعطر أهل مكة) لقد كان نضر الوجه، وضاء الجبين، مختال الثياب، ولكن كيف تحول مصعب من حياة الترف والبذخ والنعيم إلى حياة الزهد والتقشف والجهاد وتحمل شظف العيش وشدته..
هنالك رفع يمان وجهه عن الكتاب وقد عَلا وجيف قلبه، وألتقط نفسًا عميقًا أخرجه زافرًا في تمهل، كيف لمترف أن يكون مجاهد؟!
أولع بقصة مصعب ولعًا شديدًا واستوى في جلسته في اهتمام، وأخذت عيناه تجري على الحروف في لهفة طغت على ملامحه..
ألا فليتعلم العالم كله أعظم دروس التربية وترويض الأخلاق!
بل فليخر العالم كله راكعًا تحية لهذا المعلم والمربي محمد صل الله عليه وسلم.
تحية لذاك القائد العظيم الذي روض تلك الأيدي الناعمة على إمساك السيف.
ألا… كيف تحولت تلك الأيدي الناعمة إلى أيد خشنة غليظة يثبت السيف في يدها فتصول وتجول في أرض المعارك تبعث الرعب والفزع في نفوس أعدائها.
بل كيف تحول هذا الفتى المدلل ليصبح المقاتل المغوار؟! بأي يد سحرية ضرب محمد صل الله عليه وسلم على قلبه ليثبت هذا القلب الرقيق الذي يكاد يطير رقة وخفة على الإيمان.
ولا غرو! إنه الإيمان حين يخالط القلوب.
بلغ نبأ النبي محمد صل الله عليه وسلم مصعب بن عمير، فما كان منه إلا أن هَب واثبًا يسأل عن مكان النبي في شغف، ليسمع منه..
ليتعلم القرآن…
وليدخل الإسلام.
وليؤمن بالله..
فلم يكد يعرف مصعب أن الرسول في دار الأرقام بن أبي الأرقم.
نعم مدرسة الحبيب محمد صل الله عليه وسلم.
والمعهد الديني الذي كان الصحابة يتلقون فيه أعظم درس تربية على يد أعظم معلم وُجد على ظهر الأرض.
حتى ذهب من فوره واستمع إلى حديث النبي صل الله عليه وسلم وما تلاه من كتاب الله عز وجل، ولم يكد ذلك القلب الطيب الرقيق يسمع كلام الله حتى خلصت إلى شغاف فؤاده فعملت فيه عمل السحر، فانقلب في تلك اللحظة الفتى المدلل إلى أسد يزأر ليخيف اعداءه فيفرون من وجهه الغضوب.
أضمر مصعب إسلامه في نفسه، لكن مكة حينئذ لم يكن ليخفى عليها سر فذات يومٍ وبينما مصعب في دار الأرقم بن أبي الأرقام أبصره (عثمان بن طلحة) وهو يدخل خفية إلى دار الأرقم.. ثم رآه بعد ذلك وهو يصلي، فانطلق يسابق ريح مكة إلى أم مصعب يلقي عليها نبأ أبنها، حاولت خناس بنت مالك أن تردع ابنها عن الإسلام
لكن مصعب لم يكن ضعيف الإيمان رغم إنه جديد في الإسلام فأبى أن يسمع كلامها، وظل يواجهها بصلابة، حتى بلغ بها الأمر وحبسته في ركن من دارها، وأغلقت عليه، ولكن الحبس لم يكن ليوهن قلب مصعب فما أن تناهت له الأخبار بهجرة بعض المسلمين حتى غافل أمه وحراسه ومضى إلى الحبشة مهاجرًا في سبيل الله.
هاجر مصعب إلى الحبشة وترك امه خناس بنت مالك يتقطع كبدها عليه حسرات.
ثم عاد مصعب من هجرته الأولى إلى مكة، ليبعثه النبي محمد صل الله عليه وسلم سفيرًا له في المدينة، داعيًا إلى الله ورسوله، ليكون اول سفير في الإسلام، وحامل لواء الدعوة في المدينة.
جاء مصعب إلى المدينة يوم بعثه النبي محمد صل الله عليه وسلم وليس فيها سوى اثنى عشر مسلمًا هم الذين بايعوا النبي من قبل بيعة العقبة.
أقام مصعب في المدينة في ضيافة (أسعد بن زرارة) وكان أسعد دليله إلى مجالس القوم.
فأخذآ يغشيان الناس في مجالسهم وبيوتهم ونواديهم فيدعونهم إلى عبادة الله الواحد الأحد
لقد غزا مصعب أفئدة أهل المدينة بحلاوة حديثه، وعذوبته، ورقة أخلاقه، وإخلاصه وزهده، ورجاحة عقله وحكمته.
وتأمل معي موقفه العظيم مع أسيد بن حضير، حين أتى مصعبًا وسعيد مهتاجًا يشهر حربته في وجهيهما، ويقول وهو مهتاج ثائر:
_ما جاء بكما إلى حينًا تُسفهان ضعفاءنا؟! اعتزلانا، إذا كنتما تريدان الحياة.
إنه يهدد بالقتل!
أما أن يذهبا او يموتا!
ولا مناص من إحدى الأثنيين مع أسيد؟!
فالغضب قد ران على قلبه، لكنه فتى أريب عاقل.
ومصعب لم يهب مهتاجًا يبغى الثأر او الجدال، بل بكل هدوء ورجاحة عقل، علت على وجهه ابتسامة مشرقة، انبثقت في قلب اسيد كشعاعٌ من نور هَل على فؤاده بالإيمان، وتكلم بصوت كأنه الندى، قائلًا وهو ينظر إليه بكل هدوء:
_أيها السيد الجليل، ألا تتفضل فتجلس فتسمع ما نقول؟ فإن رضيت أمرنا قبلته، وإن كرهته كففنا عنك ما تكره؟
لقد دعى مصعب إلى سبيل ربه بالحكمة، والموعظة الحسنة.
يا من تدعي إلى الإسلام هلا ترفقت في حديثك؟!
استمعت وأنصت بكل رحابة صدر؟!
تحدثت بكل لين مهما بلغ غضب من أمامك؟!
فإن ديننا دين يسر وليس دين عسر؟!.
دين محبة وليس دين عداوة..
فهل لك أن تتعلم من مصعب كيف يكون الداعية، ذا صبر وحكمة وهدواءً ولطفًا
ولإن أسيد رجلٌ عاقلًا، ومصعب قد اخذه بأدبه وحكمته، فترك حربته جانبًا، وجلس وهو يجيب مصعبًا في هدوء:
_أنصفت …
ولقد انصف مصعب حقًا ولم يدع له حجة ليعارض.
أصغى أسيد إلى مصعب وهو يتلو كلام الله فتسللت إلى قلبه تتساقط كما تتساقط قطرات الماء على أرض يابسة متلهفة للسقيا.
وبزغ نور الإيمان في صدر أسيد، وأسفر بها ملامحه التي توهجت كالقمر المنير في ليلة من ليالي الدآدي، وكاد قلبه أن يطير وهو يردد أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله.
إنهم قوم كان الإسلام يظهر على ملامحهم، وسماتهم، وافعالهم.
قوم صدقوا مع الله فأصدقهم.
ولنأتي إلى معركة أحد..
تلك المعركة التي سنودع فيها بطلنا العظيم..
وداع حزين نعهده فيها على التلاقي في الجنة..
في تلك المعركة ركزوا فيها اعداء قريش على الرسول، وتربصوا به ليقتلوه، وأدرك مصعب ذلك، كان الرماة قد خالفوا أمر الرسول، وأحدقوا أعداء الله بالنبي، وكانت الراية في يد مصعبٍ حينئذ، فقبض على سيفه في يد، والراية في يد واندفع كالسهم يدافع عن رسول الله، ويقاتل دونه، وهو يزئر زئير الأسد، كان كل هم مصعب أن يشغل الأعداء عن رسول الله، أن يلهيهم عنه، وأخذ يقاتل وكأنه جيشٌ وحده، يد تحمل الراية ويد تضرب في عفوان
إنها قوة الإيمان
ومحبة الرسول
وتكاثر الأعداء على مصعب يودون القضاء عليه، ليعبروا من فوق جثته إلى حبيبنا محمد، وبينما العزيز يدافع عن الحبيب صل الله عليه وسلم إذ هجم عليه رجل هو ابن قمئة، وقد ظنه النبي فقطع يمينه، لكن مصعب لم يستسلم وظل يدافع عن النبي ويهجم على الأعداء بجسده، حتى قطعت شماله..
وأصبح بطلنا بلى يدين..
لكن كانت روحه لا تزل في جسده..
كأنه أقسم ألا يقترب أحد من النبي حتى الرمق الأخير فيه..
وحين تعبوا الأعداء منه ذبحوه..
وسقط مصعب
وسقط اللواء
وقع الشهيد بعد أن اثخن فيهم الجراح
وذهب إلى ربه في جنة عرضها السموات والأرض
اللهم ارزقنا صحبته هو والنبي وجل الصحابة..
وحين انتهت المعركة، وبينما الرسول يطوف ببصره على الشهداء رأى مصعبًا ففاضت عيناه..
وكفن مصعب في بردة لم تغطي جسده كله، فكانوا إذا غطوا قدميه بدت رأسه، وإن غطوا رأسه بدت قدميه، حتى قال الرسول:
_غطوا رأسه، واجعلوا على رجليه من الإذخر) والإذخر هو حشيش أخضر طيب الريح.
وهذه كانت حياة مصعب، لن نشبع منها أعلم، ولم نكتفي لكن تطرق الكلمات خجلًا على ذاك الفتى الهصور، الذي عاش في ترف، وأرتدى أغلى الثياب، وتعطر بأفضل ريح، فلم يجدوا عند موته إلا بردة لم تكفيه ليكفنوه فيها.
فالسلام عليك يا مصعب..
السلام على أول داعية في الإسلام..
لم نمل من حديثك أيها الطيب..
إنما خجلنا أمام عظمتك..
ولنا لقاء يا مصعب في جنة رب العالمين..
إنها كلمات تَسْتَدِرُّ الشُّئُون، وتَدُلُّ التَائِهِين على الله، وتُنَبِّه الغارِّين الغافلين، وتهزُّ الأفْئِدة، أغْلق يمان الكتاب وقد ضمه إلى صدره..
وأسبل جفنيه..
أحس لوهلة أنه قد ضم مصعب ابن عمير إلى قلبه الخافق في جنون في صدره..
وشعر بدموعٍ لا تتراءى تهطل من عينا قلبه.
وعقله أخذ يتصور ويتخيل مصعب وهو يدافع عن النبي محمد_صل الله عليه وسلم_ فقطعت يمينه وظل كما هو شامخ الهامة، عظيم القامة يدافع عن حبيبه النبي حتى قطعت شماله فلم يتزعزع ولم يتقهقر بل لقد ذادته الجراح بقوة عظيمة جعلته يقف كأسدٍ يزأر في وجوه أعدائه حتى قُتل..
ولكم حزين هذا..
كان لأول مرة يقرأ قصة من قصص الصحابة، ونوى أنها لن تكون الأخيرة أبدًا أبدًا.
قام وجلس خلف مكتبه، وضغط على زر جهاز الأتصال الداخلي، الذي يوصله بغرام، قائلًا:
_تعالي ليّ عايزك.
**********
في مطعم فاخر ضم مختار عائلته على إحدى الطاولات لتناول العشاء، فتحلق الجميع حاول المائدة العامرة بألذ الأطعمة، وقد جلست غرام وغادة يتسامرون، في مواضيعٍ شتى.
وبينما غرام تتناول طعامها، توقف الأكل في حلقها، وأخذت تسعل وهي تبعد قدميها، بعدما أحست بساق تحاول لمسها من أسفل الطاولة، فنظرت بهلع نحو زكريا ويمان الذي بدآ هادئيين يتناولان طعامهما في صمت، فاسترابت وأطلت برأسها أسفل الطاولة فلم تبصر شيء، ناولتها غادة كوبًا من الماء وهي تربت على ظهرها، قائلة في همس:
_مالك يا غرام وشك شاحب كدا ليه؟
وبدا وجه غرام شاحبًا ممتقعًا بالفعل وهي تنظر إليها في ذهول، ثم نظرت إليها كالمتغيبة وهزت رأسها وهي تعود لتناول الطعام في تؤدة شاردة خائفة.
وكان زكريا يكتم ضحكة متسلية في نفس الآن، فخرجت على هيئة بسمة كظمها سريعًا، ولم يرتدع بل مد ساقه من أسفل الطاولة لتتلمس طريقها في محاولة للمس قدم غرام، فأحمر وجهه فجأة وكتم تأوهً متألمًا عندما دعست قدم يمان على أصابع قدمه القريبة منه، فنظر إليه في حدة، فأشار له الأخير بألتزام الأدب، فحدجه شذرًا.
**************
كان صباحًا صحوًا، يبعث النشوة والبهجة في القلوب، وكانت غرام تمارس عملها في نشاط وقد ازدادت علاقتها قربًا بيمان، فتحب الحديث إليه!
وتطمئن لوجوده..
ويشعرها بالأمان..
وبينما هي في مكتبه تدون ما يمليه عليها في اهتمام، إذ فُتح الباب دون استئذان، فالتفتت نحو القادم، لتشاهد طفلة صغيرة وغادة ومعها فتاةً ما…
جميلة..
بل مليحة الوجه..
ثم تنبهت من تأمل الفتاة على إندفاع الطفلة الصغيرة، الذي يتطاير شعرها وراءها، وقد أشرق وجهها الصغير، وهي تهتف في سرور:
_بابا يمان.
وراقبت بعينين مندهشة، يمان وهو يغادر مكتبه ويتلقفها بين ذراعيه في بهجة وأخذ يدور بها في سعادة خلبت لُبها، بينما قالت الفتاة في عتاب:
_كدا برضو متجيش تشوفنا خالص يا يمان؟!
ونظرت لها غرام في غرابة..
وألح عليها سؤال مهم
هل يمان متزوج وأب أيضًا؟!
والخاطر أورثها حزنٌ هائل ظلل عينيها.

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية عشق الغرام)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى