رواية عشقت قاسيا الفصل الثامن 8 بقلم سارة رجب حلمي
رواية عشقت قاسيا الجزء الثامن
رواية عشقت قاسيا البارت الثامن
رواية عشقت قاسيا الحلقة الثامنة
حسام بصوت مرتفع وغضب كالبركان: أمال الحقيقة إيه؟؟؟؟
إيمان بإندفاع: الحقيقة إنى مش قادرة أتكلم، حاجات كتير بتمنعنى، متستغلش سكوتى وتعتبره نقطة ضعف تهزقنى وتعذبنى من خلالها، أنا فعلآ إتعرضت للإغتصاب، أقسملك إنى إتعرضت للإغتصاب، إرحمنى أنا مابقتش قادرة أستحمل، أرجووووك ترحمنى.
هبط حماس حسام الذي كان يتشوق لمعرفة الحقيقة، فبعد إنتظاره لكلمات قد تغير مجرى الأحداث، لم يسمع سوى قسم بالإغتصاب، الذي بدأ يتأكد من حدوثه ولكنه ليس لديه دليل على ذلك، فأراد أن يستفزها حتى أخر نفس.
حسام: طول مانا معرفش الحقيقة، هتفضلى فى عينى زانية.
صمت قليلآ حتى يسمع ردها، فلم يجد منها سوى البكاء والضرب على الوجه، فقد كانت تضرب وجهها وبشدة غير عابئة لما تسببه يداها من أثر على وجهها.
فأولاها ظهره وخرج من المنزل، غير عابئ لما تمر به، وهو على الدرج سمع صوت أمه ترحب بشخص ما، فتوقع أن يكون أحدهم قد جاء للمباركة، فأخذ يمسح وجهه بيديه، حتى يستعيد رباطة جأشه، ثم دخل حتى يعرف من ضيفهم، فرأى فتاة فى مقتبل العمر تجلس مبتسمة على أثر ترحيب والدته بها، فحياها بإبتسامة.
زينب: تعالى يا حسام، دى نهى صاحبة إيمان.
فبمجرد أن سمع ذلك إختفت الإبتسامة من وجهه.
نهى: ألف مبروك يا أستاذ حسام.
إبتسم لها ثم أردف: شكرآ، هناديلك إيمان.
ثم صعد مرة أخرى، ودلف إلى المنزل فوجدها على حالها تبكى بشدة.
وقف حسام أمامها واضعآ يداه فى جيب بنطاله، قائلآ بثبات: صاحبتك تحت، قومى إغسلى وشك وإلبسي حاجة تانية وإنزلى سلمى عليها، كلمتين وتخلصي، ومتنسيش إنى مش هسمحلك تقابلى صحابك طول مانتى فى بيتى، بس المرة دى هعديها، المرة دى وبس، ثم أولاها ظهره وهبط مرة أخرى ثم دلف إلى غرفته وأغلق الباب من خلفه.
****************
دلفت إيمان إلى مكان جلوس نهى، وألقت السلام، فجرت إليها نهى وقبلتها وباركت لها، فتركتهم زينب وخرجت.
نهى: أنا روحتلك بيتك لقتهم بيقولوا إتجوزتى ووصفولى بيتك الجديد، مش ده حسام اللي كنتى بتحكيلى عنه؟
إيمان: أه هو.
نهى: أنا مش فاهمة حاجة، إنتى إتجوزتى إزاى يعنى!، إنتى كنتى مخطوباله ومخبية ولا إيه؟، وتامر كمان كنتى بتعرفيه ليه لما انتى هتتجوزى حسام؟!
إيمان بصوت شبه هامس: أنا مش هعرف أقولك أى حاجة خالص، أنا نسيت موبايلى فى بيت بابا، ولحد دلوقتى محدش جالى منهم، أكيد لما يجوا هيجيبوا الموبايل، وهبقى أكلمك أفهمك على كل حاجة.
نهى: فعلآ أنا كلمتك كتير، ومالقيتش رد فقلقت وقولت أجيلك، وبجد إتصدمت ومش قادرة أصدق اللي حصل فجأة ده.
كانت إيمان تحاول أن تنهى الحديث معها حتى تجعلها تغادر سريعآ مثلما أمرها حسام.
إيمان: معلش مانا هفهمك كل حاجة فالموبايل.
نهضت نهى وهى تقول: طيب ماشي، أنا همشي بقى وهستنى منك إتصال.
إيمان: إن شاء الله.
ثم غادرت نهى منزلهم، وسط نظرات إيمان الحزينة، التى أرادت أن تغادر معها وتتخلص من قيود أحداث أيامها الأخيرة التى قلبت حياتها رأسآ على عقب.
خرج حسام من غرفته وجدها تقف أمام باب المنزل وتنظر إليه بشرود.
تحدث حسام من خلفها مما جعلها تنتفض: هتاخدى حريتك يوم ماتقولى الحقيقة، ومش ليا لوحدى، لازم الكل يعرفها.
نظرت له تتأمل وجهه، فوجدت بين قسماته قسوة لم تكن تراها من قبل، ولا حتى كانت تعرفها فى حسام الذي كانت تعهده دائمآ طيب القلب.
إقتربت منه ووقفت أمامه وهى مازالت تتأمله، ثم أردفت: حسام، راح فين حبك ليا يا حسام؟، أنا مكنتش حاسة بقيمة حبك ليا قبل النهاردة، مكنتش حاسة بقيمته زى النهاردة، لإنى مش مصدقة إنك بقيت تتعامل معايا كده، أنا عارفة إنى إرتكبت مصيبة كبيرة أوى فى حقك، بس كنت أسمع كتير أوى عن إن اللي بيحب بيسامح.
ثار حسام من أثر كلماتها التي تخرج من فمها وتدل على عدم وعى كبير من فتاة طائشة وتحدث بغضب عارم: روحى حبيلك واحد بجنون وإعشقيه لحد المووووت، وخليه يجيب سكينة ويدبها فى قلبك بمنتهى البرود والبجاحة وقلة الإحساس، وابقى تعالى قوليلى هتفضلى بتحبيه، ولا هتقرفى حتى من المكان اللى بيكون موجود فيه.
ثم نظر لها من الأسفل للأعلى بمنتهى الإحتقار، وبثق بجانبها، ثم دلف إلى غرفته وعيناه تشع نارآ تكاد أن تحرق كل شئ ينظر إليه.
********************
حضر ماهر ومعه وفاء وندى وهاجر لزيارة إيمان ومعهم أطعمة جاهزة وحقيبة ملابس لإيمان وأغراض كثيرة أحضرتها لها ندى.
ندى: أنا جيبتلك كل حاجة ممكن تحتاجيها وكنتى بتستخدميها لما كنتى فى بيتنا.
إيمان بكسر خاطر: شكرآ يا ندى تعبتك.
وفاء: عاملة إيه يا بنتى؟
إيمان: الحمدلله.
وفاء: ربنا يصبرك عاللى إنتى فيه يارب يابنتى، أنا حاسة بيكى وعارفة يعنى إيه تعيشي مع واحد واطى زى كده إغتصبك.
إيمان بحدة: ماتقوليش على حسام كده ياعمتو لو سمحتى.
صدم الجميع من ردها الغريب بالنسبة لهم، وتعجبوا.
وفاء بإنفعال: خلاص!!، من أول ليلة فى بيته سامحتيه؟، ولا يمكن زى مابوكى بيقول بقى؟!!
إيمان بتوتر: بيقول إيه؟
ماهر مقاطعآ حديث وفاء: بقول يلا نمشي والحمدلله إننا إتطمنا عليكى، ولو عايزة حاجة إفتكرتيها، إبقى إتصلى بينا ونبعتهالك مع ندى ولا هاجر.
كان حسام يقف على الباب ويسمع حديثهم، وحاله لم يكن مختلفآ عن حالهم جميعآ عندما دافعت عنه ورفضت كلمات وفاء عنه، ولكنه هرب سريعآ عندما سمعهم يستعدون للرحيل.
وعاد بعد ما خرجوا وسلم عليهم وأوصلهم حتى باب المنزل.
****************
كان حسام متوجهآ نحو غرفته عندما إستوقفته إيمان قائلة: ممكن أسأل عن حاجة قبل ماتدخل أوضتك؟
نظر حسام نحو الفراغ متجنبآ النظر إليها ثم أردف قائلآ: قولى، عايزة إيه؟
إيمان: أنا كنت ناسية موبايلى هناك وندى جابتهولى، تسمحلى أستخدمه ولا لأ؟
نظر لها حسام متفاجئآ من حديثها لثانى مرة على التوالى فى يوم واحد.
حسام مستفهمآ: يهمك رأيي فى حاجة زى كده؟
أخفضت إيمان رأسها: أكيد يهمنى، إنت لو رافض هتاخده منى، بعد ماكون إتعلقت بيه وإتعشمت إن معايا موبايل.
إغتاظ حسام من ردها بشدة، وكاد أن يرفض ويخبرها أنه تعطيه الهاتف، ولكنه عاد للتفكير، فوجد أن من الممكن أن يكون هذا الهاتف هو وسيلة معرفته الحقيقة.
حسام: خليه.
ثم تركها ودلف إلى غرفته صافعآ الباب فى وجهها.
فانتفضت وهى تقف أمام الغرفة، لا تعرف ماذا تفعل وإلى أين ستذهب، فوالدته مهما أبدت أنها تعاملها بطريقة إعتيادية، فهى فالنهاية تغيرت بتجاهها كثيرآ ولا تريد أن تجلس معها لدرجة أنها تتصنع النوم أو الإرهاق حتى تدخل إلى غرفتها وتغلق بابها مانعة إياها من الدخول إليها، وهاهو حسام الذي يعاملها بقسوة، ولا يلقي لها بالآ.
فأخذت قرارها بأن تدخل له لتنفذ فكرة حضرت إلى رأسها.
حسام بحدة عندما فتحت الباب: بتفتحى الباب من غير إستئذان ليه؟!!
إيمان بحرج: أنا بس خوفت تكون نايم وأصحيك لو خبط عليك، فقولت أفتح أشوفك صاحي ولا لأ.
حسام: هو أنا أهمك فى إيه أصلآ!!، دى كدبة بتكدبيها كعادتك عشان تدارى بيها قلة زوقك.
إيمان من بين دموعها: هو انا كل ماتعرض لموقف معاك أيآ كان هو إيه، لازم تعمل فيا كده؟، لازم تسمعنى كلام بيوجع، أنا بشر ومش هستحمل الضغط ده كتير، لإنك هتلاقينى ميتة فى يوم من الأيام.
حسام بسخرية: ياترى بقى هتنتحرى وتموتى كافرة وتكملى قايمة البلاوى والذنوب؟
إيمان بعناد: أه هنتحر وهموت وأرتاح، وساعتها مش هبقى بفكر فى ذنوب ولا غيره، مش هفكر غير فى إنى أرتاح من ذلك ليا، ماشي أنا عارفة إنى غلط فى حقك، بس اللي خلانى عملت كده عشمى فيك وإنى طمعت فى رصيد حبى اللي فى قلبك، مالقتش غيرك أحمله المصيبة اللي وقعت فيها، أنا عارفة إن كل ده مش مبرر ولا عذر لأى حاجة من اللي حصلت، بس أنا ماروحتش شهدت عليك فى محكمة يعنى ورفعت قضية مثلآ، ده كلمتين إتقالوا قدام أهلى أنا وبس.
وقف حسام بعصبية: ياريتك كنتى شهدتى عليا فى محكمة ورفعتى قضية، ساعتها كنت هعرف إزاى أثبت برائتى وآخد حقى منك تالت ومتلت، وأفضحك حق الفضيحة، بس مدتنيش فرصة بإن خطتك تكون على قد معرفة أهلك وبس.
إيمان: والله ماكنت عندى أى خطط، ولا فى دماغى أتهمك بحاجة، هما لما زنقونى وقرروا إنهم مش هيسيبونى قبل مايعرفوا، مالقتش قدامى غيرك خصوصآ إنى كنت سامعة مروان وهو بيقول إنه شاكك فيك لإنك لأول مرة تبقى موجود فى البيت قبل الساعة 2 بالليل.
حسام بغضب عارم: وليه متقوليش الحقيقة لو إغتصاب فعلآ وكنت هقف جنبك وأجيبلك حقك لو على رقبتى؟!!
إيمان برعب: أنا متهددة، والله متهددة، وعارفة إنه يقدر ينفذ تهديداته، أنا معنديش أغلى من بابا ومروان، وانا كده كده ضيعت، مقدرش أروح أضيعهم هما كمان، ومواجهتم ليه، مش هترجعنى بنت تانى.
لانت نظرات حسام وملامحه بصدمة، فسحبها من يدها بهدوء، وأجلسها على فراشه، ووقف أمامها، مما جعل قلبها ينتفض رعبآ لحضوره القوى، وطغيان وجوده أمامها هكذا على كل شئ من حوله.
حسام: مين هو، ومهددك بإيه؟؟، جاوبينى ومتخافيش.
كادت إيمان أن تتحدث ولكنها تذكرت خطيئتها بأنها هى من ذهبت إليه عندما خدعها بأنه مريض وبشدة ويحتاجها بجانبه، فعادت للصمت مرة أخرى.
حسام بإنفعال: ماتتكلمى، إنطقى بقى يا غبية.
وقفت إيمان فجأة ثم أردفت: هبقى غبية لو إتكلمت، هأذيكم كلكم ولو حصلكم حاجة عمرى ماهسامح نفسي أبدآ، بالنسباله هو ربنا ينتقم منه ويدوقه ضعف النار اللى بقيت عايشة فيها وبإذن الله ياخد جزاء عملته دى.
حسام: رجعنا تانى للإستهبال، كل ده غرضك منه إنى أصدق إنك محترمة وبريئة واللى حصل كان إغتصاب بجد!، لا يا متربية مش هصدق إلا بدليل غير كده لأ، وإتفضلى يلا على فوق، ماشوفش وشك هنا خالص قدامى.
إيمان بتوتر: طب أنا كنت جاية عشان عندى طلب، ممكن؟
حسام بغيظ: لأ طبعآ مش ممكن، وغورى من وشي دلوقتى بدل ماأرتكب جريمة.
إيمان: طب أنا عايزة بس باس ورد الواى فاى بتاعك، لإن فوق مفيش حاجة أعملها خالص، وبحس بملل ومن كتر الفراغ بركز فى كل حاجة حواليا وبخاف.
حسام بصوت مرتفع: هى كلمة واحدة، يلا غورى
خرجت إيمان بخوف، وعندما جلست على فراشها الإسفنجى، تعجبت من حالها، فهى كانت تعلم مسبقآ رفضه لإعطائها كلمة مرور نقطة إتصال الإنترنت، فلماذا طلبتها منه إذآ؟؟، هل أصبحت تفتعل الأسباب لتتحدث معه فقط؟؟، وعندما جاءت هذه الفكرة فى ذهنها شعرت بالغضب من نفسها، لإنها من المفترض أن تتجنب الحديث معه حتى لا تعرض نفسها للإهانة منه بهذا الشكل.
وسط أفكارها وجدت هاتفها يدق برقم صديقتها نهى، فسعدت أنها لن تقضى هذا الوقت الكبير بمفردها، فردت على إتصالها على عجل.
إيمان: إزيك يانهى.
نهى: إحكيلى عشان مش عارفة أنام ولا أرتاح من وقت مارجعت من عندك، هتجنن.
أغمضت إيمان عينيها بشدة وهى تنطق بتلك الكلمات: تامر….إغتصبنى.
نهى بصراخ: إييييييييييه.
إيمان بخوف: إهدى عشان محدش عندك يسمعك.
نهى: إيه اللي إنتى قولتيه ده!!!
إيمان: قولت اللي حصل.
نهى: تامر عمل فيكى كده؟!!، بعد كل الحب اللي كان مبينهولك قدامنا كلنا، الحيوااااااان.
إيمان بسخرية: ههههه أكبر مقلب خدته فى حياتى كلهااااا، دمرنى، دبحنى بسكينة باردة، أنا شوفت أصعب لحظات فى حياتى كلها، أنا مش قادرة أفتكر، ومش عايزة، أنا بحاول أعيش كإن محصلش حاجة وأتجاهل اللي حصل.
توقفت إيمان عن الحديث فجأة وإنهارت بشدة، غاصت بين شهقاتها المتتالية والمتسارعة، تركت الهاتف من بين يديها، فما كان ينقصها فقط هو أن ترى ماحدث أمام عينيها مرة أخرى وكأنه يحدث الآن، وأن تشارك صديقتها أحداث هذا اليوم وتفضفض عن معاملة حسام التى تتكتم عليها داخل قلبها.
ظلت نهى تنادى عليها، وعندما لم تجد رد أغلقت المكالمة، وإيمان على حالها تبكى بإنهيار، ثم غابت عن الوعى، وشعور بالراحة إجتاحها فى تلك اللحظات، فقد وصلت إلى حالة من الهدووووووء، والخروج من التفكير بهذه الطريقة التى ما وجدت لها مثيل حتى فى النوم.
شعور بالإستسلام والتكاسل عن العودة للواقع يتملك جسدها المنهك وعقلها الذي حاولت مرارآ أن توقفه، ولكن بلا جدوى.
ظلت على نومتها هذه حتى الصباح لا تتحرك ولا يرمش لها جفن.
إستعد حسام للخروج إلى عمله، ووالدته قد إستيقظت منذ مايقرب الساعة، وإيمان لم تظهر حتى الآن، فقرر أن يوبخها على ذلك ويبدأ لها اليوم بما يؤلمها.
فدلف إليها وهو مستعدآ لمهاجمتها وإزعاجها فى نومها، فاقترب من فراشها وتحدث بصوت مرتفع: إنتى يا هانم، إنتى بتتحدينى!!، لسه نايمة ولا على بالك حاجة؟!.
كانت إيمان مستلقاة على جانبها الأيمن مولية ظهرها له.
فعندما لم يجد منها رد توجه إليها بغيظ يطل من بين عينيه، ثم أحكم قبضته على شعرها بشكل مؤلم، ثم أردف وهو ينظر إلى وجهها الذي مازال مغمضآ بهدوء: يعنى مش همك كلامى وبتعندى معايا؟!
فوجدها على نفس ثباتها، فأرخى يده عن شعراتها، ووضع رأسها على وسادتها، وفتح عينيها ونظر بداخلهما فوجدهما لا تتحركان، وعندما تركهما عادوا للإغلاق مرة أخرى، فنادى عليها بقلق: إيمان؟، إيمان سمعانى؟؟
لم يجد رد فوضع أذنه على قلبها، فوجده يدق بخفوووت، مما يدل على إنخفاض الضغط لديها، فجرى وأحضر بعد المياه التى وزعها على وجهها، وعندما لم تفيق أيضآ، قلب فى الأشياء التي أحضرتها لها ندى، فوجد زجاجة عطر فأخذها، ورش على يده، ثم وضع يده عند أنفها، فبدأت إيمان بفتح عينيها، فلمحت وجه حسام مكسوآ بالقلق وهو ينظر لها بأمل أن تعود لوعيها.
ولكنها أغلقت عينيها مرة أخرى من شدة الإرهاق الذي تشعر به.
حسام: إنتى بقيتى كويسة؟
أشارت إيمان برأسها، أى نعم.
فدلف حسام نحو المطبخ ليحضر زجاجة عصير من مبرد الأطعمة، فوجد جميع ماوضعه بها مثل ما هو.
فعاد لها وهو يتعجب: إنتى مكلتيش حاجة من وقت ماجيتى هنا؟؟
أشارت إيمان برأسها بمعنى لا.
حسام بسخريه: ههه ومش عايزة يحصلك كده!!، ده انتى كده بقالك 3 أيام من غير أكل، قومى يلا وإنزلى عشان تفطرى مع ماما.
إيمان بضعف وشعور بالوهن: ماليش نفس.
حسام بحدة: بقولك إيه، أنا ماليش فى الدلع ده ومش هسمحلك بيه، قومى يلا.
نهضت إيمان لتقف فوقعت مرة أخرى من شدة الدوار الذي تشعر به.
حسام: خدى إشربى العصير ده، لسه بدرى على الحالة دى، أنا مالحقتش أعمل معاكى حاجة تخليكى كده.
نظرت له بضعف ووجه شاحب، ونطقت الكلمات بلسان ثقيل كالحجر: كنت فاكراك بتتصنع القسوة، بس إنت قلبك طلع قاسي فعلآ، ده أنا كإنى بحلم.
حسام: بلاش رغى كتير، إشربى العصير وإنزلى إفطرى مع ماما، أنا مش جايبك هنا عشان تموتى من تانى يوم.
نزلت دموعها الحارقة على وجنتيها بصمت، فأصبحت تمل النحيب، فقد أصبح كل شئ لا يأتى بنتيجة مع رجل كان لها عاشق ولكن قلبه تحول إلى شعلة من النيران التى تحرق كل من يقترب أو يريد الإقتراب، كلماته أوحت لها بأن القادم أسوأ، دمرتها، أشعرتها بعذاب أضعاف ماتشعر به فعلآ.
أرخت جسدها تمامآ، فقد كانت تعافر كثيرآ الأيام الماضية، والآن لا تملك سوى الإستسلام، فلابد أن تستسلم، أسدلت أجفانها، فأغلقتهم عن رجل أصبح كالجدران، لا يشعر ولا يتأثر بشئ، أرادت أن تفقد الوعى مرة أخرى، ولكن ما حدث جعلها تفيق رغمآ عنها….
إيمان بإندفاع: الحقيقة إنى مش قادرة أتكلم، حاجات كتير بتمنعنى، متستغلش سكوتى وتعتبره نقطة ضعف تهزقنى وتعذبنى من خلالها، أنا فعلآ إتعرضت للإغتصاب، أقسملك إنى إتعرضت للإغتصاب، إرحمنى أنا مابقتش قادرة أستحمل، أرجووووك ترحمنى.
هبط حماس حسام الذي كان يتشوق لمعرفة الحقيقة، فبعد إنتظاره لكلمات قد تغير مجرى الأحداث، لم يسمع سوى قسم بالإغتصاب، الذي بدأ يتأكد من حدوثه ولكنه ليس لديه دليل على ذلك، فأراد أن يستفزها حتى أخر نفس.
حسام: طول مانا معرفش الحقيقة، هتفضلى فى عينى زانية.
صمت قليلآ حتى يسمع ردها، فلم يجد منها سوى البكاء والضرب على الوجه، فقد كانت تضرب وجهها وبشدة غير عابئة لما تسببه يداها من أثر على وجهها.
فأولاها ظهره وخرج من المنزل، غير عابئ لما تمر به، وهو على الدرج سمع صوت أمه ترحب بشخص ما، فتوقع أن يكون أحدهم قد جاء للمباركة، فأخذ يمسح وجهه بيديه، حتى يستعيد رباطة جأشه، ثم دخل حتى يعرف من ضيفهم، فرأى فتاة فى مقتبل العمر تجلس مبتسمة على أثر ترحيب والدته بها، فحياها بإبتسامة.
زينب: تعالى يا حسام، دى نهى صاحبة إيمان.
فبمجرد أن سمع ذلك إختفت الإبتسامة من وجهه.
نهى: ألف مبروك يا أستاذ حسام.
إبتسم لها ثم أردف: شكرآ، هناديلك إيمان.
ثم صعد مرة أخرى، ودلف إلى المنزل فوجدها على حالها تبكى بشدة.
وقف حسام أمامها واضعآ يداه فى جيب بنطاله، قائلآ بثبات: صاحبتك تحت، قومى إغسلى وشك وإلبسي حاجة تانية وإنزلى سلمى عليها، كلمتين وتخلصي، ومتنسيش إنى مش هسمحلك تقابلى صحابك طول مانتى فى بيتى، بس المرة دى هعديها، المرة دى وبس، ثم أولاها ظهره وهبط مرة أخرى ثم دلف إلى غرفته وأغلق الباب من خلفه.
****************
دلفت إيمان إلى مكان جلوس نهى، وألقت السلام، فجرت إليها نهى وقبلتها وباركت لها، فتركتهم زينب وخرجت.
نهى: أنا روحتلك بيتك لقتهم بيقولوا إتجوزتى ووصفولى بيتك الجديد، مش ده حسام اللي كنتى بتحكيلى عنه؟
إيمان: أه هو.
نهى: أنا مش فاهمة حاجة، إنتى إتجوزتى إزاى يعنى!، إنتى كنتى مخطوباله ومخبية ولا إيه؟، وتامر كمان كنتى بتعرفيه ليه لما انتى هتتجوزى حسام؟!
إيمان بصوت شبه هامس: أنا مش هعرف أقولك أى حاجة خالص، أنا نسيت موبايلى فى بيت بابا، ولحد دلوقتى محدش جالى منهم، أكيد لما يجوا هيجيبوا الموبايل، وهبقى أكلمك أفهمك على كل حاجة.
نهى: فعلآ أنا كلمتك كتير، ومالقيتش رد فقلقت وقولت أجيلك، وبجد إتصدمت ومش قادرة أصدق اللي حصل فجأة ده.
كانت إيمان تحاول أن تنهى الحديث معها حتى تجعلها تغادر سريعآ مثلما أمرها حسام.
إيمان: معلش مانا هفهمك كل حاجة فالموبايل.
نهضت نهى وهى تقول: طيب ماشي، أنا همشي بقى وهستنى منك إتصال.
إيمان: إن شاء الله.
ثم غادرت نهى منزلهم، وسط نظرات إيمان الحزينة، التى أرادت أن تغادر معها وتتخلص من قيود أحداث أيامها الأخيرة التى قلبت حياتها رأسآ على عقب.
خرج حسام من غرفته وجدها تقف أمام باب المنزل وتنظر إليه بشرود.
تحدث حسام من خلفها مما جعلها تنتفض: هتاخدى حريتك يوم ماتقولى الحقيقة، ومش ليا لوحدى، لازم الكل يعرفها.
نظرت له تتأمل وجهه، فوجدت بين قسماته قسوة لم تكن تراها من قبل، ولا حتى كانت تعرفها فى حسام الذي كانت تعهده دائمآ طيب القلب.
إقتربت منه ووقفت أمامه وهى مازالت تتأمله، ثم أردفت: حسام، راح فين حبك ليا يا حسام؟، أنا مكنتش حاسة بقيمة حبك ليا قبل النهاردة، مكنتش حاسة بقيمته زى النهاردة، لإنى مش مصدقة إنك بقيت تتعامل معايا كده، أنا عارفة إنى إرتكبت مصيبة كبيرة أوى فى حقك، بس كنت أسمع كتير أوى عن إن اللي بيحب بيسامح.
ثار حسام من أثر كلماتها التي تخرج من فمها وتدل على عدم وعى كبير من فتاة طائشة وتحدث بغضب عارم: روحى حبيلك واحد بجنون وإعشقيه لحد المووووت، وخليه يجيب سكينة ويدبها فى قلبك بمنتهى البرود والبجاحة وقلة الإحساس، وابقى تعالى قوليلى هتفضلى بتحبيه، ولا هتقرفى حتى من المكان اللى بيكون موجود فيه.
ثم نظر لها من الأسفل للأعلى بمنتهى الإحتقار، وبثق بجانبها، ثم دلف إلى غرفته وعيناه تشع نارآ تكاد أن تحرق كل شئ ينظر إليه.
********************
حضر ماهر ومعه وفاء وندى وهاجر لزيارة إيمان ومعهم أطعمة جاهزة وحقيبة ملابس لإيمان وأغراض كثيرة أحضرتها لها ندى.
ندى: أنا جيبتلك كل حاجة ممكن تحتاجيها وكنتى بتستخدميها لما كنتى فى بيتنا.
إيمان بكسر خاطر: شكرآ يا ندى تعبتك.
وفاء: عاملة إيه يا بنتى؟
إيمان: الحمدلله.
وفاء: ربنا يصبرك عاللى إنتى فيه يارب يابنتى، أنا حاسة بيكى وعارفة يعنى إيه تعيشي مع واحد واطى زى كده إغتصبك.
إيمان بحدة: ماتقوليش على حسام كده ياعمتو لو سمحتى.
صدم الجميع من ردها الغريب بالنسبة لهم، وتعجبوا.
وفاء بإنفعال: خلاص!!، من أول ليلة فى بيته سامحتيه؟، ولا يمكن زى مابوكى بيقول بقى؟!!
إيمان بتوتر: بيقول إيه؟
ماهر مقاطعآ حديث وفاء: بقول يلا نمشي والحمدلله إننا إتطمنا عليكى، ولو عايزة حاجة إفتكرتيها، إبقى إتصلى بينا ونبعتهالك مع ندى ولا هاجر.
كان حسام يقف على الباب ويسمع حديثهم، وحاله لم يكن مختلفآ عن حالهم جميعآ عندما دافعت عنه ورفضت كلمات وفاء عنه، ولكنه هرب سريعآ عندما سمعهم يستعدون للرحيل.
وعاد بعد ما خرجوا وسلم عليهم وأوصلهم حتى باب المنزل.
****************
كان حسام متوجهآ نحو غرفته عندما إستوقفته إيمان قائلة: ممكن أسأل عن حاجة قبل ماتدخل أوضتك؟
نظر حسام نحو الفراغ متجنبآ النظر إليها ثم أردف قائلآ: قولى، عايزة إيه؟
إيمان: أنا كنت ناسية موبايلى هناك وندى جابتهولى، تسمحلى أستخدمه ولا لأ؟
نظر لها حسام متفاجئآ من حديثها لثانى مرة على التوالى فى يوم واحد.
حسام مستفهمآ: يهمك رأيي فى حاجة زى كده؟
أخفضت إيمان رأسها: أكيد يهمنى، إنت لو رافض هتاخده منى، بعد ماكون إتعلقت بيه وإتعشمت إن معايا موبايل.
إغتاظ حسام من ردها بشدة، وكاد أن يرفض ويخبرها أنه تعطيه الهاتف، ولكنه عاد للتفكير، فوجد أن من الممكن أن يكون هذا الهاتف هو وسيلة معرفته الحقيقة.
حسام: خليه.
ثم تركها ودلف إلى غرفته صافعآ الباب فى وجهها.
فانتفضت وهى تقف أمام الغرفة، لا تعرف ماذا تفعل وإلى أين ستذهب، فوالدته مهما أبدت أنها تعاملها بطريقة إعتيادية، فهى فالنهاية تغيرت بتجاهها كثيرآ ولا تريد أن تجلس معها لدرجة أنها تتصنع النوم أو الإرهاق حتى تدخل إلى غرفتها وتغلق بابها مانعة إياها من الدخول إليها، وهاهو حسام الذي يعاملها بقسوة، ولا يلقي لها بالآ.
فأخذت قرارها بأن تدخل له لتنفذ فكرة حضرت إلى رأسها.
حسام بحدة عندما فتحت الباب: بتفتحى الباب من غير إستئذان ليه؟!!
إيمان بحرج: أنا بس خوفت تكون نايم وأصحيك لو خبط عليك، فقولت أفتح أشوفك صاحي ولا لأ.
حسام: هو أنا أهمك فى إيه أصلآ!!، دى كدبة بتكدبيها كعادتك عشان تدارى بيها قلة زوقك.
إيمان من بين دموعها: هو انا كل ماتعرض لموقف معاك أيآ كان هو إيه، لازم تعمل فيا كده؟، لازم تسمعنى كلام بيوجع، أنا بشر ومش هستحمل الضغط ده كتير، لإنك هتلاقينى ميتة فى يوم من الأيام.
حسام بسخرية: ياترى بقى هتنتحرى وتموتى كافرة وتكملى قايمة البلاوى والذنوب؟
إيمان بعناد: أه هنتحر وهموت وأرتاح، وساعتها مش هبقى بفكر فى ذنوب ولا غيره، مش هفكر غير فى إنى أرتاح من ذلك ليا، ماشي أنا عارفة إنى غلط فى حقك، بس اللي خلانى عملت كده عشمى فيك وإنى طمعت فى رصيد حبى اللي فى قلبك، مالقتش غيرك أحمله المصيبة اللي وقعت فيها، أنا عارفة إن كل ده مش مبرر ولا عذر لأى حاجة من اللي حصلت، بس أنا ماروحتش شهدت عليك فى محكمة يعنى ورفعت قضية مثلآ، ده كلمتين إتقالوا قدام أهلى أنا وبس.
وقف حسام بعصبية: ياريتك كنتى شهدتى عليا فى محكمة ورفعتى قضية، ساعتها كنت هعرف إزاى أثبت برائتى وآخد حقى منك تالت ومتلت، وأفضحك حق الفضيحة، بس مدتنيش فرصة بإن خطتك تكون على قد معرفة أهلك وبس.
إيمان: والله ماكنت عندى أى خطط، ولا فى دماغى أتهمك بحاجة، هما لما زنقونى وقرروا إنهم مش هيسيبونى قبل مايعرفوا، مالقتش قدامى غيرك خصوصآ إنى كنت سامعة مروان وهو بيقول إنه شاكك فيك لإنك لأول مرة تبقى موجود فى البيت قبل الساعة 2 بالليل.
حسام بغضب عارم: وليه متقوليش الحقيقة لو إغتصاب فعلآ وكنت هقف جنبك وأجيبلك حقك لو على رقبتى؟!!
إيمان برعب: أنا متهددة، والله متهددة، وعارفة إنه يقدر ينفذ تهديداته، أنا معنديش أغلى من بابا ومروان، وانا كده كده ضيعت، مقدرش أروح أضيعهم هما كمان، ومواجهتم ليه، مش هترجعنى بنت تانى.
لانت نظرات حسام وملامحه بصدمة، فسحبها من يدها بهدوء، وأجلسها على فراشه، ووقف أمامها، مما جعل قلبها ينتفض رعبآ لحضوره القوى، وطغيان وجوده أمامها هكذا على كل شئ من حوله.
حسام: مين هو، ومهددك بإيه؟؟، جاوبينى ومتخافيش.
كادت إيمان أن تتحدث ولكنها تذكرت خطيئتها بأنها هى من ذهبت إليه عندما خدعها بأنه مريض وبشدة ويحتاجها بجانبه، فعادت للصمت مرة أخرى.
حسام بإنفعال: ماتتكلمى، إنطقى بقى يا غبية.
وقفت إيمان فجأة ثم أردفت: هبقى غبية لو إتكلمت، هأذيكم كلكم ولو حصلكم حاجة عمرى ماهسامح نفسي أبدآ، بالنسباله هو ربنا ينتقم منه ويدوقه ضعف النار اللى بقيت عايشة فيها وبإذن الله ياخد جزاء عملته دى.
حسام: رجعنا تانى للإستهبال، كل ده غرضك منه إنى أصدق إنك محترمة وبريئة واللى حصل كان إغتصاب بجد!، لا يا متربية مش هصدق إلا بدليل غير كده لأ، وإتفضلى يلا على فوق، ماشوفش وشك هنا خالص قدامى.
إيمان بتوتر: طب أنا كنت جاية عشان عندى طلب، ممكن؟
حسام بغيظ: لأ طبعآ مش ممكن، وغورى من وشي دلوقتى بدل ماأرتكب جريمة.
إيمان: طب أنا عايزة بس باس ورد الواى فاى بتاعك، لإن فوق مفيش حاجة أعملها خالص، وبحس بملل ومن كتر الفراغ بركز فى كل حاجة حواليا وبخاف.
حسام بصوت مرتفع: هى كلمة واحدة، يلا غورى
خرجت إيمان بخوف، وعندما جلست على فراشها الإسفنجى، تعجبت من حالها، فهى كانت تعلم مسبقآ رفضه لإعطائها كلمة مرور نقطة إتصال الإنترنت، فلماذا طلبتها منه إذآ؟؟، هل أصبحت تفتعل الأسباب لتتحدث معه فقط؟؟، وعندما جاءت هذه الفكرة فى ذهنها شعرت بالغضب من نفسها، لإنها من المفترض أن تتجنب الحديث معه حتى لا تعرض نفسها للإهانة منه بهذا الشكل.
وسط أفكارها وجدت هاتفها يدق برقم صديقتها نهى، فسعدت أنها لن تقضى هذا الوقت الكبير بمفردها، فردت على إتصالها على عجل.
إيمان: إزيك يانهى.
نهى: إحكيلى عشان مش عارفة أنام ولا أرتاح من وقت مارجعت من عندك، هتجنن.
أغمضت إيمان عينيها بشدة وهى تنطق بتلك الكلمات: تامر….إغتصبنى.
نهى بصراخ: إييييييييييه.
إيمان بخوف: إهدى عشان محدش عندك يسمعك.
نهى: إيه اللي إنتى قولتيه ده!!!
إيمان: قولت اللي حصل.
نهى: تامر عمل فيكى كده؟!!، بعد كل الحب اللي كان مبينهولك قدامنا كلنا، الحيوااااااان.
إيمان بسخرية: ههههه أكبر مقلب خدته فى حياتى كلهااااا، دمرنى، دبحنى بسكينة باردة، أنا شوفت أصعب لحظات فى حياتى كلها، أنا مش قادرة أفتكر، ومش عايزة، أنا بحاول أعيش كإن محصلش حاجة وأتجاهل اللي حصل.
توقفت إيمان عن الحديث فجأة وإنهارت بشدة، غاصت بين شهقاتها المتتالية والمتسارعة، تركت الهاتف من بين يديها، فما كان ينقصها فقط هو أن ترى ماحدث أمام عينيها مرة أخرى وكأنه يحدث الآن، وأن تشارك صديقتها أحداث هذا اليوم وتفضفض عن معاملة حسام التى تتكتم عليها داخل قلبها.
ظلت نهى تنادى عليها، وعندما لم تجد رد أغلقت المكالمة، وإيمان على حالها تبكى بإنهيار، ثم غابت عن الوعى، وشعور بالراحة إجتاحها فى تلك اللحظات، فقد وصلت إلى حالة من الهدووووووء، والخروج من التفكير بهذه الطريقة التى ما وجدت لها مثيل حتى فى النوم.
شعور بالإستسلام والتكاسل عن العودة للواقع يتملك جسدها المنهك وعقلها الذي حاولت مرارآ أن توقفه، ولكن بلا جدوى.
ظلت على نومتها هذه حتى الصباح لا تتحرك ولا يرمش لها جفن.
إستعد حسام للخروج إلى عمله، ووالدته قد إستيقظت منذ مايقرب الساعة، وإيمان لم تظهر حتى الآن، فقرر أن يوبخها على ذلك ويبدأ لها اليوم بما يؤلمها.
فدلف إليها وهو مستعدآ لمهاجمتها وإزعاجها فى نومها، فاقترب من فراشها وتحدث بصوت مرتفع: إنتى يا هانم، إنتى بتتحدينى!!، لسه نايمة ولا على بالك حاجة؟!.
كانت إيمان مستلقاة على جانبها الأيمن مولية ظهرها له.
فعندما لم يجد منها رد توجه إليها بغيظ يطل من بين عينيه، ثم أحكم قبضته على شعرها بشكل مؤلم، ثم أردف وهو ينظر إلى وجهها الذي مازال مغمضآ بهدوء: يعنى مش همك كلامى وبتعندى معايا؟!
فوجدها على نفس ثباتها، فأرخى يده عن شعراتها، ووضع رأسها على وسادتها، وفتح عينيها ونظر بداخلهما فوجدهما لا تتحركان، وعندما تركهما عادوا للإغلاق مرة أخرى، فنادى عليها بقلق: إيمان؟، إيمان سمعانى؟؟
لم يجد رد فوضع أذنه على قلبها، فوجده يدق بخفوووت، مما يدل على إنخفاض الضغط لديها، فجرى وأحضر بعد المياه التى وزعها على وجهها، وعندما لم تفيق أيضآ، قلب فى الأشياء التي أحضرتها لها ندى، فوجد زجاجة عطر فأخذها، ورش على يده، ثم وضع يده عند أنفها، فبدأت إيمان بفتح عينيها، فلمحت وجه حسام مكسوآ بالقلق وهو ينظر لها بأمل أن تعود لوعيها.
ولكنها أغلقت عينيها مرة أخرى من شدة الإرهاق الذي تشعر به.
حسام: إنتى بقيتى كويسة؟
أشارت إيمان برأسها، أى نعم.
فدلف حسام نحو المطبخ ليحضر زجاجة عصير من مبرد الأطعمة، فوجد جميع ماوضعه بها مثل ما هو.
فعاد لها وهو يتعجب: إنتى مكلتيش حاجة من وقت ماجيتى هنا؟؟
أشارت إيمان برأسها بمعنى لا.
حسام بسخريه: ههه ومش عايزة يحصلك كده!!، ده انتى كده بقالك 3 أيام من غير أكل، قومى يلا وإنزلى عشان تفطرى مع ماما.
إيمان بضعف وشعور بالوهن: ماليش نفس.
حسام بحدة: بقولك إيه، أنا ماليش فى الدلع ده ومش هسمحلك بيه، قومى يلا.
نهضت إيمان لتقف فوقعت مرة أخرى من شدة الدوار الذي تشعر به.
حسام: خدى إشربى العصير ده، لسه بدرى على الحالة دى، أنا مالحقتش أعمل معاكى حاجة تخليكى كده.
نظرت له بضعف ووجه شاحب، ونطقت الكلمات بلسان ثقيل كالحجر: كنت فاكراك بتتصنع القسوة، بس إنت قلبك طلع قاسي فعلآ، ده أنا كإنى بحلم.
حسام: بلاش رغى كتير، إشربى العصير وإنزلى إفطرى مع ماما، أنا مش جايبك هنا عشان تموتى من تانى يوم.
نزلت دموعها الحارقة على وجنتيها بصمت، فأصبحت تمل النحيب، فقد أصبح كل شئ لا يأتى بنتيجة مع رجل كان لها عاشق ولكن قلبه تحول إلى شعلة من النيران التى تحرق كل من يقترب أو يريد الإقتراب، كلماته أوحت لها بأن القادم أسوأ، دمرتها، أشعرتها بعذاب أضعاف ماتشعر به فعلآ.
أرخت جسدها تمامآ، فقد كانت تعافر كثيرآ الأيام الماضية، والآن لا تملك سوى الإستسلام، فلابد أن تستسلم، أسدلت أجفانها، فأغلقتهم عن رجل أصبح كالجدران، لا يشعر ولا يتأثر بشئ، أرادت أن تفقد الوعى مرة أخرى، ولكن ما حدث جعلها تفيق رغمآ عنها….